فصل في النيابة

 [ فصل في النيابة لا إشكال في صحة النيابة عن الميت في الحج الواجب والمندوب (1)، وعن الحي في المندوب مطلقا، وفي الواجب في بعض الصور. (مسألة 1): يشترط في النائب أمور: أحدها: البلوغ على المشهور، فلا يصح نيابة الصبي ] بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد فصل في النيابة (1) هذا من القطعيات التي اتفقت عليها الفتاوى والنصوص، وهي في الواجب كثيرة، تأتي الاشارة إلى بعضها في المسائل الآتية. وفي المندوب أيضا كثيرة، ففي صحيح محمد بن عيسى اليقطيني، قال: (بعث إلي أبو الحسن الرضا (ع) رزم ثياب، وغلمانا، وحجة لي وحجة لاخي موسى ابن عبيد، وحجة ليونس بن عبد الرحمن، وأمرنا أن نحج عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا) (* 1).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 34 من أبواب نيابة الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 4 )

 

[ عندهم وإن كان مميزا (1). وهو الاحوط، لا لما قيل: من عدم صحة عباداته لكونها تمرينية (2)، ] (1) كما في كشف اللثام وغيره. وفي المدارك: (المعروف من مذهب الاصحاب: القول بالمنع...). (2) المراد من كونها تمرينية تارة: بمعنى أنها ليست موضوعا لامر شرعي، بناء على أن الامر بالامر ليس أمرا. وهو الذي يظهر من المحقق وغيره. وأخرى: بمعنى أنها مأمور بها بالامر الشرعي لان الامر بالامر أمر، لكن الغرض من الامر التمرين لا المصلحة الموجبة للامر المتوجه إلى البالغين. وهو الذي يظهر من الاكثر، واختاره في الجواهر. قال (ره): (والمختار صحة عمله لكن على وجه التمرين، لا على كيفية أمر المكلف بالنافلة مثلا، لاختصاص ذلك بالمكلفين. لان الحكم الشرعي خطاب الله المتعلق بأفعالهم، من غير فرق بين خطاب الوجوب والحرمة والندب والكراهة بل لا يبعد إلحاق خطاب الاباحة بها، وأن عدم مؤاخذة الصبي لارتفاع القلم عنه كالمجنون، لا لانه مخاطب بالخطاب الاباحي. نعم لما أمر الولي بأمره بالعبادة، وكان الظاهر من هذا الامر إرادة التمرين، كان هو أيضا مأمورا بما أمر به الولي من التمرين، وإن استحق عليه الثواب من هذه الجهة). أقول: الامر الشرعي المستفاد من الامر بالامر - كما استظهره (ره) - لابد أن يكون منشأ لحكم شرعي، ولا يخرج عن أحد الاحكام الخمسة فيكون فعله موضوعا له، فكيف يصح نفي كون فعله موضوعا لاحد الاحكام الخمسة؟! وكأنه تبع في ذلك كاشف اللثام حيث

 

===============

 

( 5 )

 

[ لان الاقوى كونها شرعية (1). ولا لعدم الوثوق به (2) لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه (3)، لانه أخص من ] قال: (لان التمرينية - وإن استحق عليها الثواب - ليست بواجبة ولا مندوبة، لاختصاصهما بالمكلف...). فإذا ما ذكراه لا يخلو من غموض. ثم إنه لو بني على كون عباداته تمرينية - بأي معنى من المعنيين فرض - لا مانع من صحة نيابته عن غيره - في الحج وغيره من العبادات المشروعة في حق المنوب عنه - لان النائب يتعبد بأمر المنوب عنه لا بأمره. ولذا تصح نيابة غير المستطيع عن المستطيع في حج الاسلام، ونيابة من أدى فريضة الظهر عن غيره في فريضته، وإن لم يكن حج الاسلام أو فريضة الظهر مشروعة في حقه. وسيأتي صحة نيابة العبد الذي لا يشرع له حج الاسلام، فابتناء صحة النيابة وعدمها على المشروعية والتمرينية في غير محله. (1) قد تقدمت الاشارة إلى وجهه في المباحث السابقة، وأن العمدة فيه: إطلاق أدلة الاحكام الشاملة للصبي وغيره. وحديث الرفع لا يصلح لتقييدها (* 1)، لاختصاصه برفع السيآت. فراجع مبحث إسلام الصبي من مباحث نجاسة الكافر، وغيره من المباحث. (2) ذكر ذلك في المدارك، وتبعه عليه غيره. ولا يخفى أن الكلام في الحكم الواقعي - وهو إجزاء نيابته واقعا - لا في الحكم الظاهري، وهو الاجتزاء بها ظاهرا. وبالجملة: الكلام في مقام الثبوت لا في مقام الاثبات. (3) من الواضح أنه لا يختص السبب الموجب للوثوق بالتكليف، فقد تكون بعض الامور النفسانية أقوى داعوية إلى الصدق من التكليف، فان الكمالات النفسانية التي تدعو إلى العمل الصحيح كثيرة. (* 1) تقدم التعرض له في صفحة: 13 من الجزء: 10 من هذه الطبعة.

 

===============

 

( 6 )

 

[ المدعى. بل لاصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه، بعد دعوى انصراف الادلة (1). خصوصا مع اشتمال جملة من الاخبار على لفظ الرجل (2). ولا فرق بين أن يكون حجة بالاجارة أو بالتبرع باذن الولي أو عدمه، وإن كان لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحج المندوب باذن الولي (3) الثاني: العقل، فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد (4)، مطبقا كان جنونه، أو أدواريا في دور جنونه. ولا بأس بنيابة السفيه (5). ] (1) هذه الدعوى قد استوضح في الجواهر منعها. وهو في محله. (2) الاشتمال على ذلك لا يقتضي تقييد المطلق. ولاسيما بملاحظة ما ورد من جواز نيابة المرأة (* 1). (3) وفي المدارك: (ينبغى القطع بذلك). وكأن الوجه في الفرق بينه وبين الواجب: صحة الحج المندوب عن نفسه - بناء على شرعية عباداته - وعدم صحة الحج الواجب. وهذا الفرق - كما ترى - غير فارق، كما عرفت. (4) ينبغي عد ذلك من الضروريات، لان الحج عبادة، فلا تصح بدون القصد. والظاهر أن مرادهم بالقصد القصد الخاص بالعقل، لا مطلق القصد، فان المجنون ربما يتأتى منه القصد، لكنه غير معتد به عند العقلاء، فكما لا يوجب عقابا لا يوجب ثوابا. (5) لاطلاق الادلة. والحجر عليه في تصرفاته المالية لا يمنع من الاخذ بالاطلاق.

 

 

____________

(* 1) لاحظ الوسائل باب: 8 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1، 2، 5. وتاتي الاشارة إليها في المسألة: 5 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 7 )

 

[ الثالث: الايمان (1)، لعدم صحة عمل غير المؤمن وإن كان معتقدا بوجوبه وحصل منه نية القربة. ودعوى: أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى (2). الرابع: العدالة، أو الوثوق بصحة عمله (3). وهذا ] (1) على ما ذهب إليه جماعة. وقيل: بعدم اعتباره وصحة نيابة المخالف. ولعله ظاهر الاكثر، حيث لم يتعرضوا لذكر الشرط المذكور، واقتصروا على اعتبار الاسلام. (2) دعوى بطلان الدعوى المذكورة ذكرها جماعة كثيرة، وبنوا عليها اعتبار إيمان النائب. والاشكال عليها ظاهر، لان بطلان عبادة المخالف إنما استفيدت من الاخبار، والظاهر منها العبادات الراجعة إلى نفسه فلا تشمل ما نحن فيه. نعم قد يستبدل عليه بما في رواية عمار، التي رواها ابن طاووس باسناده عن عمار بن موسى من كتاب أصله المروي عن الصادق (ع): (في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم، هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال (ع): لا يقضيه إلا مسلم عارف) (* 1). بناء على جواز التعدي عن موردها إلى ما نحن فيه، كما هو غير بعيد. (3) هذا الشرط غير ظاهر، فان أصالة الصحة جارية ولو مع عدم الوثوق. نعم لابد من العلم بحصول العمل، إما بالوجدان، أو لقيام حجة عليه ومنها إخباره بالعمل. ثم إن المذكور في كلام جماعة: إعتبار العدالة، منهم صاحب المدارك لانه لا يقبل خبر غير العادل. وفيه: أن الظاهر من سيرة المتشرعة قبول خبر المستناب على عمل في أداء عمله، نظير إخبار ذي اليد عما في يده،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 22 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 5.

 

===============

 

( 8 )

 

[ الشرط إنما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله (1). الخامس: معرفته بأفعال الحج وأحكامه (2) وإن كان بارشاد معلم حال كل عمل. السادس: عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام (3)، فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الاسلام، أو النذر المضيق مع تمكنه من إتيانه. وأما مع عدم تمكنه - لعدم المال - فلا بأس. فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور. لكن الاقوى أن هذا الشرط إنما هو لصحة الاستنابة والاجارة، وإلا فالحج وإن لم يستحق الاجرة (4) ] ونظير قاعدة: (من ملك شيئا ملك الاقرار به). ولا يعتبر في جميع ذلك العدالة، بل لا يبعد عدم اعتبار الوثوق بالصدق. نعم يعتبر أن لا تكون قرينة على اتهامه، كما تقدم في مبحث أحكام النجاسة والطهارة. فراجع، فان الجميع من باب واحد. (1) كما تقدم في الاشكال على بعض أدلة اعتبار البلوغ. (2) هذا الشرط مستدرك، لانه راجع إلى فعل المستأجر عليه، الذى هو موضوع الاجارة (3) تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة بعد المائة (* 1) من الفصل الاول. فراجع. (4) قد تقدمت الاشارة إلى الاشكال فيه، لان الاجير إنما يأتي بالحج بعنوان الوفاء بالاجارة الصحيحة، فإذا فرض بطلان الاجارة وانتفاء الوفاء

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 280 من الجزء: 10 من هذه الصفحة.

 

===============

 

( 9 )

 

[ وتبرأ ذمة المنوب عنه على ما هو الاقوى: من عدم كون الامر بالشئ نهيا عن ضده. مع أن ذلك - على القول به، وايجابه للبطلان - إنما يتم مع العلم والعمد، وأما مع الجهل والغفلة فلا بل الظاهر صحة الاجارة أيضا على هذا التقدير، لان البطلان إنما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه حيث أن المانع الشرعي كالمانع العقلي، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع، لانه قادر شرعا (1). ] بها فلا قصد للنيابة فيه، فلا يصح لانتفاء القصد إليه. وحينئذ لا يستحق الاجرة المسماة، لبطلان الاجارة، ولا أجرة المثل بقاعدة: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)، لبطلان الحج ولا أجرة للباطل. وقد تقدم في المسألة الواحدة والثلاثين (* 1) من الفصل السابق: أن الوفاء ملحوظ قيدا على نحو وحدة المطلوب. اللهم إلا أن يكون في المقام بحكم تعدد المطلوب. فراجع: (1) القدرة الشرعية منتزعة من ترخيص الشارع، فإذا كان الفعل مرخصا فيه شرعا فهو مقدور شرعا. كما أن القدرة العقلية منتزعة من ترخيص العقل، فإذا كان الفعل مرخصا فيه عقلا فهو مقدور عقلا. وحينئذ يجتمعان - بأن يكون الفعل مرخصا فيه شرعا وعقلا - كما لو علم المكلف بجواز الفعل، فانه مرخص فيه شرعا وعقلا. وقد يكون الشئ مرخصا فيه شرعا غير مرخص فيه عقلا، كما لو اعتقد بحرمة شئ خطأ وكان جائزا شرعا، فان الترخيص الشرعي الواقعي يستتبع القدرة الشرعية. لكن القطع بالحرمة مانع من ترخيص العقل، فلا يكون مقدورا

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 361 من الجزء: 10 من هذه الطبعة.

 

===============

 

( 10 )

 

[ (مسألة 2): لا يشترط في النائب الحرية، فتصح نيابة المملوك باذن مولاه (1)، ولا تصح استنابته بدونه (2)، ولو حج بدون إذنه بطل (3). ] عقلا، وقد ينعكس الامر، كما لو اعتقد جواز شئ هو حرام شرعا واقعا. وقد ينتفيان معا، كما لو اعتقد حرمة فعل هو حرام واقعا. وعلى هذا إذا كان المكلف جاهلا بوجوب الحج الاسلامي عليه، أو كان غافلا عن ذلك، فهو يعتقد جواز الحج النيابي شرعا خطأ، فيكون قادرا عقلا لا شرعا. مضافا إلى أن القدرة المعتبرة في صحة الاجارة القدرة على العمل المستأجر عليه عقلا لا شرعا. ولذا بني على بطلان الاجارة في الفرض إذا كان المكلف ملتفتا وإن لم نقل بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، إذ القدرة - المنتفية في الفرض - القدرة العقلية لا الشرعية. وكأن المراد من قوله (ره) في المتن: (لانه قادرا شرعا) القدرة العقلية المستندة إلى الشارع، في مقابل القدرة العقلية التكوينية. نظير قولهم: (المانع الشرعي كالمانع العقلي). ومن هنا يحسن تقسيم القدرة إلى تكوينية وتشريعية، والتشريعية إلى عقلية وشرعية (1) بلا خلاف ولا إشكال. لعموم الادلة وإطلاقها. وما عن بعض الجمهور من المنع - لعدم إسقاطه فرض الحج عن نفسه، فضلا عن غيره - واضح الفساد. كذا في الجواهر. (2) للحجر عليه، المستفاد من قوله تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ...)، (* 1) ولو بضميمة بعض النصوص. (3) لانه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، فيحرم، فيبطل.

 

 

____________

(* 1) النحل: 16.

 

===============

 

( 11 )

 

[ (مسألة 3): يشترط في المنوب عنه الاسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر (1). لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه وامكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه (2)، ] (1) إجماعا محققا، وفي المدارك: (لا ريب فيه). واستدل له: بأن الكافر يستحق في الآخرة الخزي والعقاب، لا الاجر والثواب، وهما من لوازم صحة الفعل. وأيده بقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى...) (* 1)، وقوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى)، (2) خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص والاجماع، فيبقى الباقي. أقول: الاستحقاق في الآخرة للخزي والعقاب - من جهة الكفر - لا ينافي استحقاق الثواب من جهة فعل العبادة عنه، كما في المسلم الفاسق. وأيضا: فان النيابة عنه ليست استغفارا. وعموم قوله تعالى: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) (* 2) مقيد بما دل على صحة النيابة. (2) يكفي في صحة النيابة عنه إمكان انتفاعه بها من جهة عدم العقاب على ترك الحج، فان كان المقصود من عدم انتفاعه ذلك فهو أول الكلام، وإن كان عدم فعلية الثواب، أو تخفيف العقاب الثابت من جهة الكفر، فتسليمه لا يثبت المطلوب. وبالجملة: يكفي في صحة النيابة عدم استحقاق العقاب على ترك المنوب فيه، وليس في الادلة المذكورة في كلماتهم انتفاء ذلك. واستدل عليه في كشف اللثام: بأن فعل النائب تابع لفعل المنوب في الصحة، لقيامه مقامه، فكما لا يصح منه لا يصح من نائبه.

 

 

____________

(* 1) التوبة: 113. (* 2) النجم: 39.

 

===============

 

( 12 )

 

[ بل لانصراف الادلة (1)، فلو مات مستطيعا وكان الوارث مسلما لا يجب عليه استئجاره عنه. ويشترط فيه أيضا كونه ميتا، أو حيا عاجزا في الحج الواجب، فلا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب (2) إلا إذا كان عاجزا (3). وأما في الحج الندبي فيجوز عن الحي والميت، تبرعا أو بالاجارة (4). (مسألة 4): تجوز النيابة عن الصبي المميز والمجنون (5)، ] ويشكل: بأن الملازمة ممنوعة، لامكان فقد المنوب عنه لشرط الصحة ووجدان النائب له، كما في النيابة عن الحائض في الطواف، والصلاة في بعض الموارد. ومثله: الاستدلال في الجواهر بما تضمن حرمة الموادة لمن حاد الله ورسوله. إذ فيه: أن المراد من الموادة إن كان القلبية - كما هو الظاهر - فهي لا تنطبق على النيابة، وإن كان العملية فلو انطبقت عليها في بعض الصور فهي جائزة، فانه يجوز الاحسان إلى الكافر قطعا. فالعمدة فيه: الاجماع الدال على أن شرط صحة العبادة أهلية من له الفعل للتقرب، والكافر لما لم يكن أهلا لذلك لم يصح فعله ولا فعل نائبه. ولعله مراد كاشف اللثام. (1) لم يتضح الوجه في الانصراف المذكور. ومانعه مستظهر، وكما لا تنصرف الادلة عن وفاء ديونه لا تنصرف عن المقام، لانه منها كما عرفت: (2) إجماعا. مضافا إلى أصالة عدم صحة النيابة التي يقتضيها ظاهر أدلة التكليف المقتضي لوجوب المباشرة. (3) على ما تقدم في مباحث الاستطاعة. (4) كما تقدم في أول الفصل. (5) أما الاول فيبتني على القول بشرعية عباداته، فان لم نقل بذلك

 

===============

 

( 13 )

 

[ بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثم مات مجنونا. (مسألة 5): لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والانوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل (1)، ] فلا وجه لصحة النيابة عنه، لان النائب - كما سيأتي - يمتثل أمر المنوب عنه، فإذا فرض انتفاؤه تعذرت النيابة. وأما المجنون فلم أجد عاجلا من تعرض له في المقام. وإطلاق أدلة التكليف تشمله كما تشمل الصبي. وحديث: رفع القلم، لا يقتضي أكثر من رفع الالزام (* 1) - كما سبق في الصبي - وحيئذ تصح النيابة عنه كالصبي. وقد تقدم في كتاب الصوم: أن الجنون نقص يمنع من نية التقرب فاعلية وفعلية، وليس هو كالنوم والاغماء يمنع عن نية التقرب الفعلية لا الفاعلية، ولاجل ذلك اختلف مع النوم، فانه لا يجوز على المعصوم وإن جاز عليه النوم والاغماء. لكن مع ذلك لا يمنع من قابلية المحل للتقرب الذي هو كمال نفساني، لان الجنون نقص جسماني لا نفساني. ومن ذلك يتضح ما ذكره المصنف (ره): من وجوب الاستنابة عنه. وكذا ما ذكروه في كتاب الوصية: من وجوب تنفيذ وصية العاقل إذا طرأ عليه الجنون حتى مات. بل يمكن التأمل في قدحه في نية التقرب الفاعلة. فلاحظ. (1) إجماعا في غير الضروروة - كما قيل - لاطلاق الادلة، وخصوص بعضها، كمصحح أبي أيوب: (قلت لابي عبد الله (ع): امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة، وقد حجت المرأة فقالت: إن كان يصلح حججت أنا عن أخي، وكنت أنا أحق بها من غيري. فقال: أبو

 

 

____________

(* 1) تقدم التعرض له في صفحة: 13: من الجزء: 10 من هذه الطبعة.

 

===============

 

( 14 )

 

[ كالعكس. نعم الاولى المماثلة (1). (مسألة 6): لا بأس باستنابة االصرورة، رجلا كان أو امرأة، عن رجل أو امرأة. وللقول بعدم جواز استنابة ] عبد الله (ع): لا بأس بأن تحج عن أخيها) (* 1)، ومصحح معاوية: (قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل قال (ع) لا بأس) (* 2) وصحيح رفاعة عن أبي عبد الله (ع): (أنه قال: تحج المرأة عن أختها وعن أخيها. وقال: تحج المرأة عن أبيها) (* 3) ونحوها غيرها. ومن ذلك يستفاد حجم العكس. مع أنه إجماعي مطلقا. (1) كما في الجواهر. لموثق زرارة عن أبي عبد الله (ع): (الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه، هل يجزي عنه امرأة؟ قال (ع): لا. كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان؟! إنما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل) (* 4). لكن في خبر بشير النبال: (قلت لابي عبد الله (ع): إن والدتي توفيت ولم تحج. قال يحج عنها رجل أو امرأة قلت: أيهما أحب اليك؟ قال: رجل أحب إلي) (* 5). وحمله في الجواهر على ما إذا كان الرجل خيرا من المرأة تأدية. ولكنه غير ظاهر. اللهم إلا أن يكون ذلك بعد طرحه وترجيح الاول للاوثقية. لكن التعليل في الاول ينافي إطلاق المماثلة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل: باب 8 من ابواب النيابة في الحج حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 8 من ابواب النيابة في الحج حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 9 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2. (* 5) الوسائل باب: 8 من ابواب النيابة في الحج حديث: 8.

 

===============

 

( 15 )

 

[ المرأة الصرورة مطلقا، أو مع كون المنوب عنه رجلا (1) ضعيف. نعم يكره ذلك. خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا (2) ] (1) القول الاول محكي عن النهاية والتهذيب والمهذب، وفي المبسوط التصريح: بأنه لا يجوز حجها عن الرجال ولا عن النساء. والثاني محكي عن الاستبصار، وأنه لا يجوز حجها عن الرجل. لخبر مصادف عن أبي عبد الله (ع): (في المرأة تحج عن الرجل الصرورة. فقال إن كانت قد حجت، وكانت مسلمة فقيهة، فرب امرأة أفقه من رجل) (* 1). ونحوه خبره الآخر، وفيه: (رب امرأة خير من رجل) (* 2)، وخبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع): (سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة) (* 3). وكأن القول الاول لخبر سليمان بن جعفر قال: (سألت الرضا (ع) عن المرأة الصرورة حجت عن امرأة صرورة. فقال (ع): لا ينبغي) (* 4) بناء على إرادة الحرمة منه. لكن الجميع قاصر الدلالة على صورة ما إذا كان المنوب عنه غير صرورة، وقاصر السند، ومهجور عند الاصحاب. وخبر سليمان قاصر الدلالة على الحرمة أيضا، كما هو ظاهر. فلا معدل عما عليه الاصحاب. (2) لفوات المماثلة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب النيابة في الحج حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 9 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 9 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 16 )

 

[ بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلا عن رجل (1). (مسألة 7): يشترط في صحة النيابة قصد النيابة، وتعيين المنوب عنه في النية (2) ولو بالاجمال. ] (1) استظهر في الجواهر ذلك من النصوص، وأن الصرورة موجبة للمرجوحية في نفسها ولو كان رجلا. لكنه غير ظاهر. وقد تقدم في نصوص المعذور: الامر باستئجار الصرورة الذي لا مال له (* 1)، المحمول عندهم على الاستحباب. فراجع ذلك الباب، وتأمل. وفي مصحح معاوية بن عمار: (سألت أبا عبد الله (ع): عن الرجل يموت ولم يحج حجة الاسلام ويترك مالا. قال (ع): عليه أن يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له) (* 2). كما في الشرائع وغيرها، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه). إذ لا ريب في أن اعتبار النيابة لا يصح إلا بملاحظة النائب والمنوب عنه والمنوب فيه، لانها إضافة قائمة بين الاركان الثلاثة، فإذا لم يلحظ واحدة منها لم يصح اعتبارها. ومرجعها إلى قيام النائب مقام المنوب عنه في امتثال أمره، وأداء الوظيفة الثابتة عليه على وجه الوجوب أو الاستحباب أو غيرهما من الاحكام الوضعية. فالنائب، في الحج يحج قاصدا امتثال أمر المنوب عنه، فإذا لم يقصد ذلك لم تتحقق النيابة، ولم يسقط أمر المنوب عنه، لان أمر المنوب عنه لما كان عباديا، لا يصح امتثاله إلا بقصده وقصد موضعه. وكأنه إلى ذلك أشار في الجواهر - في تعليل الحكم المذكور - بقوله:

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 72 صفحة: 192 من الجزء: 10 من هذه الطبعة. (* 2) الوسائل باب: 28 من ابواب وجوب الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 17 )

 

[ ولا يشترط ذكر اسمه (1)، وإن كان يستحب ذلك في جميع المواطن والمواقف (2). (مسألة 8): كما تصح النيابة بالتبرع وبالاجارة كذا تصح بالجعالة (3). ولا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا باتيان النائب صحيحا، ولا تفرغ بمجرد الاجارة. وما دل من ] (لاشتراك الفعل بين وجوه لا يتشخص لاحدها إلا بالنية. كما أنه لا يتشخص لاحدهم - مع تعددهم - إلا بتعيينه. أما مع اتحاده فيكفي قصد النيابة عنه...) ومن ذلك يظهر: أن قصد المنوب عنه راجع إلى قصد الامر وموضوعه. كما يظهر أن ذلك مغن عن قصد النيابة. فلاحظ. (1) إتفاقا، كما في الجواهر. لما في صحيح البزنطي: إن رجلا سال أبا الحسن الاول عن الرجل يحج عن الرجل، يسميه باسمه؟ فقال (ع): إن الله لا تخفى عليه خافية) (* 1)، ونحوه. (2) كما نص عليه جماعة. ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): (قلت له: ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال (ع): يسميه في المواطن والمواقف) (* 2) وقريب منه غيره. (3) لا مجال للتأمل في ذلك، لعموم أدلة صحة الجعالة ونفوذها. والظاهر أنه لا خلاف فيه بيننا، وقد تعرض له جماعة، منهم: العلامة في القواعد. وعن بعض الشافعية: قول بالفساد، وآخر: بثبوت أجرة المسمى لا الجعل.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب النيابة في الحج حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 16 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 18 )

 

[ الاخبار على كون الاجير ضامنا وكفاية الاجارة في فراغها (1) منزلة على أن الله تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصر النائب في الاتيان، أو مطروحة، لعدم عمل العلماء بها بظاهرها (2). ] (1) في مصحح إسحاق بن عمار: (سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطي رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج ثم أعطى الدراهم غيره. فقال: إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فانه يجزي عن الاول... (إلى أن قال). قلت: لان الاجير ضامن؟ قال (ع): نعم) (* 1). ولكن يحتمل أن يكون المراد: أن الاجير ضامن للحج من قابل، يعني: يكون في عهدته لا في عهدة المنوب عنه، لانه هو السبب في وجوبه. وفي مرسل ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (ع): (في رجل أخذ من رجل مالا ولم يحج عنه، ومات ولم يخلف شيئا. قال (ع): إن كان حج الاجير أخذت ودفعت إلى صاحب المال، وإن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج) (* 2). ورواية عمار عن أبي عبد الله (ع): (في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها، فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شئ: قال: يحتال ويحج عن صاحبه كما ضمن. سئل: إن لم يقدر؟ قال: إن كانت له عند الله حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة) (* 3). ونحوهما غيرهما. فقد ادعى في الجواهر: الضرورة على عدم فراغ ذمة المنوب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 23 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 23 من ابواب النيابة في الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 19 )

 

[ (مسألة 9): لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الاعمال (1)، بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء به. (مسألة 10) إذا مات النائب قبل الاتيان بالمناسك ] عنه بمجرد الاستئجار. وقال في الحدائق - بعد ذكر الاخبار المذكورة -: (ولم أقف على من تعرض للكلام في هذه الاخبار من أصحابنا، بل ظاهرهم ردها، لمخالفتها لمقتضى قواعدهم. وهو مشكل، مع كثرتها وصراحتها فاظاهر أن الوجه فيها ما ذكرنا...). والمراد به: ما ذكره سابقا، من انتقال التكليف عن الموصي إلى الوصي بالوصية، وانتقاله من ذمة الوصي إلى الاجير بالاجارة، فإذا عجز الاجير سقط التكليف. وحينئذ إن كان قد فرط، فان كان قد حج كانت حجته لصاحب الدراهم، وإلا كان له ثواب الحج: أقول: كثرتها لا تصحح العمل بها بعد إعراض الاصحاب عنها، فان الاعراض كاشف عن خلل في صدورها، أو في ظاهرها. (1) لما أشرنا إليه آنفا في المسألة الثالثة والثلاثين (* 1)، من أن العذر لا يرفع الملاك المقتضي للواجب الاختياري، بل إنما يقتضي الاكتفاء بالبدل الاظطراري عند العجز عن الاختياري، فما دام يمكن الواجب الاختياري ولا عجز عنه فلا يكتفى بالبدل الاظطراري عنه. وقد تقدم مثل ذلك في مباحث قضاء الصلوات (* 2) من كتاب الصلاة. والكلام بعينه جاز في تبرع المعذور، فانه لا دليل على الاكتفاء به إذا كان بحيث يمكن نيابة غير المعذور.

 

 

____________

(* 1) من الفصل السابق صفحة: 371 من الجزء العاشر من هذه الطبعة. (* 2) مسألة: 34 من فصل صلاة القضاء، الجزء: 7 صفحة: 100 من هذه الطبعة.

 

===============

 

( 20 )

 

[ فان كان قبل الاحرام لم يجز عن المنوب عنه (1)، لما مر من كون الاصل عدم فراغ ذمته إلا بالاتيان، بعد حمل الاخبار الدالة على ضمان الاجير على ما أشرنا إليه (2). وإن مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأ عنه (3)، لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه، لاختصاص ما دل عليه به (4)، وكون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الالحاق. ] (1) إجماعا بقسميه، كما في الجواهر. (2) سيأتي دلالة رواية اسحاق وغيرها على الاجتزاء بموت النائب في الطريق وإن كان قبل الاحرام. (3) إجماعا محققا - كما في المسند - وإجماعا بقسميه، كما في الجواهر. (4) لكن أجاب في المددارك: بأنه إذا ثبت ذلك في حق الحاج يثبت في نائبه، لان فعله كفعل المنوب عنه...). وفي الجواهر أجاب - مضافا إلى ذلك -: بمنع الاختصاص، لان الظاهر - ولو بمعونة فهم الاصحاب - كون ذلك كيفية خاصة في الحج نفسه. سواء كان عن نفسه أو عن الغير، وسواء كان واجبا بالنذر وغيره... أقول: أما أن فعل النائب هو فعل المنوب عنه. فمن القطعيات التي لا تحتاج إلى الاثبات بدليل، لان النيابة إنما هي في فعل المنوب عنه، فالنائب يأتي بفعل المنوب عنه لا بغيره. وكذلك القضاء بالنسبة إلى الاداء فانهما واحد، إذ القضاء فعل الاداء في غير وقته، فالاختلاف في الوقت لا غير. كما أن الاختلاف في باب النيابة إنما هو بالمباشرة لا غير. ثم إن الوحدة إنما هي في الاجزاء والشرائط ونحوها مما هو داخل في

 

===============

 

( 21 )

 

[ بل لموثقة اسحاق بن عمار (1)، المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان، وحسين بن يحيى (2)، الدالة على أن النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيدة بمرسلة المقنعة: ] المنوب فيه، لا في الاحكام. وهذا مما لا إشكال فيه، انما الاشكال في أن الوحدة المذكورة تقتضي الاجتزاء في المقام. وذلك لان الموت الطارئ على الحاج عن نفسه من قبيل العذر المستمر المانع من القدرة على الاداء أبدا، والموت الطارئ على النائب ليس كذلك، لامكان النيابة من غيره مقارنة أو لاحقة، فهذا الفرق هو الفارق بينهما في الاجزاء وعدمه، وأما ما ذكره في الجواهر: من ظهور نصوص الاجزاء في عموم الحكم فممنوع. وفهم الاصحاب لا يصلح قرينة عليه لو ثبت. مع إمكان منعه، فان حكمهم بالاجزاء أعم من ذلك. (1) عن أبي عبد الله (ع)، قال: (سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج ثم أعطى الدراهم غيره. قال (ع): إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكا فانه يجزي عن الاول...). (* 1) وقد تقدمت. (2) أما الاولى فهي عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع): (في رجل أعطى رجلا ما يحجه، فحدث بالرجل حدث، فقال: إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الاول، وإلا فلا) (* 2) والثانية عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع): (في رجل أعطى رجلا مالا يحج عنه فمات. قال: فان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزي عنه، وإن مات

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 22 )

 

[ " من خرج حاجا فمات في الطريق، فانه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة " (1)، الشاملة للحاج عن غيره أيضا (2). ولا يعارضها موثقة عمار الدالة على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي (3)، ] في الطريق فقد أجزأ عنه) (* 1). (1) تتمة المرسلة: قوله (ع) (فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، وليقض عنه وليه) (* 2). (2) المرسلة - لو سلم شمولها للنائب - تكون عامة بالنسبة إلى الروايات السابقة، إذ هي خاصة بالنائب، والخاص مقدم على العام، فيتعين البناء على الاجتزاء بموت النائب في الطريق وإن لم يكن قد أحرم ودخل الحرم فالجمع يكون بالتصرف في المرسلة بالتقييد، لا بالتصرف في غيرها بتقييده بها. وإن كان الظاهر أنها خاصة بالحاج عن نفسه، بقرينة ذيلها، إذ القضاء فيه إنما يكون عن الاصيل لا النائب، لانه مع اشتراط المباشرة تبطل الاجارة. ولا يصح القضاء عنه ولا الاداء، ومع عدم اشتراطها يكون أداء لا قضاء. وبالجملة: الظاهر من الذيل الاختصاص بالاصيل. ثم إن ما ذكره المصنف (ره) من كيفية الجمع، إنما ينفع في إثبات عدم الاجزاء لو مات قبل الاحرام ودخول الحرم - وهي المسألة الاولى - لا في المسألة الثانية، إذ النصوص كلها متفقة على الاجتزاء بها. فلاحظ. (3) عن أبي عبد الله (ع): (في رجل حج عن آخر ومات في الطريق. قال: وقد وقع أجره على الله، ولكن يوصي. فان قدر على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من أبواب النيابة في الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 26 من ابواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 23 )

 

[ لانها محمولة على ما إذا مات قبل الاحرام (1)، أو على الاستحباب (2). مضافا إلى الاجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق (3). وضعفها سندا - بل ودلالة - منجبر بالشهرة، والاجماعات المنقولة، فلا ينبغي الاشكال في الاجزاء في الصورة المزبورة. وأما إذا مات بعد الاحرام وقبل دخول الحرم ففي الاجزاء قولان (4). ولا يبعد الاجزاء وإن لم نقل به في الحاج عن نفسه لاطلاق الاخبار في المقام، والقدر ] رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل) (* 1). (1) هذا لا قرينة عليه. نعم يمكن أن يكون مقتضى الجمع العرفي، بناء على ما ذكره المصنف (ره) من تقييد الموثقة ونحوها بالمرسلة، فانها تكون حينئذ أخص من رواية عمار، فتقيد بها، فتحمل على ما ذكر. أو أنه إذا كانت المرسلة صالحة لتقييد الموثقة بمفهوم الشرطية فيها تكون أيضا صالحة لتقييد رواية عمار بمنطوق الشرط. نعم - بناء على ما ذكرناه من اختصاص المرسلة بالحاج عن نفسه - لا مجال لذلك كله. (2) هذا هو الذي يقتضيه الجمع العرفي، فان ما دل على الاجزاء ظاهر في عدم وجوب ذلك، فيحمل ذلك على الاستحباب. (3) هذا هو العمدة. (4) أحدهما الاجزاء، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف. بل في الثاني: إدعى إجماع الفرقة عليه، وأن هذه المسألة منصوصة فهم لا يختلفون فيها. انتهى. وتبعه الحلي في السرائر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من ابواب النيابة في الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 24 )

 

[ المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الاحرام. لكن الاقوى عدمه (1)، فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الامرين في الاجزاء. والظاهر عدم الفرق بين حجة الاسلام وغيرها من أقسام الحج (2)، وكون النيابة بالاجرة أو بالتبرع (3). (مسألة 11): إذا مات الاجير بعد الاحرام ودخول الحرم يستحق تمام الاجرة (4) ] (1) كأنه إعتمادا على المرسلة التي قد عرفت عدم ظهورها في العموم للاجير. إو اعتمادا على دعوى الاجماع على عدم الفصل بين الاصيل والاجير. ولكنه غير ظاهر. أو اعتمادا على الاصل، بعد عدم صلاحية الاخبار المتقدمة للمرجعية - لظهورها في الموت في الطريق في مقابل الموت في المنزل - وبعد قيام الاجماع على عدم العمل بها تسقط عن الحجية، لان تقييدها بما بعد الاحرام بعيد عن مفادها. وهذا محتاج إلى التأمل. (2) لاطلاق الفتاوى والنصوص. لم أقف على من تعرض لاحتمال الاختصاص بحج الاسلام. (3) لاطلاق النصوص، بناء على التعويل عليها. وأما الفتاوى فهي وإن كانت مختصة بالاجارة - لذكرهم الاجير، وتعرضهم لاحكام الاجارة من الرجوع بالاجرة كلا أو بعضا، كما سيأتي - لكن الظاهر منهم عدم الفرق في الاجزاء، ولذا لم يتعرضوا لعدم الاجزاء على تقدير التبرع. (4) المذكور في كلام الاصحاب: أنه إذا مات النائب بعد الاحرام ودخول الحرم استحق تمام الاجرة، وإذا مات قبل ذلك وجب أن يستعاد من الاجرة ما قابل المتخلف ذاهبا وعائدا. ونسب الاول - في المسالك -

 

===============

 

( 25 )

 

[ إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة (1)، وبالنسبة إلى ما أتى به من الاعمال إذا كان أجيرا على الاتيان بالحج، بمعنى الاعمال المخصوصة (2). وإن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا، سواء مات قبل الشروع في المشي، أو بعده وقبل الاحرام، أو ] إلى اتفاق الاصحاب. كما نسب الثاني في الحدائق إلى تصريح الاصحاب. واستشكل في المدارك في الاول: بانه إنما يتم إذا تعلق الاستئجار بالحج المبرئ للذمة، أما لو تعلق بالافعال المخصوصة لم يتوجه استحقاقه لجميع الاجرة. واستشكل في الثاني: بأنه إنما يستقيم إذا تعلق الاستئجار بمجموع الحج مع الذهاب والاياب، وهو غير متعين، لان الحج اسم للمناسك المخصوصة، والذهاب والعود خارجان عن حقيقته. انتهى. وفى الحدائق دفع الاشكال الاول: بأن ما ذكره مبني على الرجوع إلى القواعد. لكنه غير ظاهر، لان المستند فيه الاجماع. ودفع الثاني: بأن المفروض في كلامهم الصورة الغالبة المتكثرة، وهي ملاحظة الطريق في الاجرة وإن لم يكن داخلا في الاجارة. وسيأتي الكلام في ذلك. (1) هذا مما لا ينبغي الاشكال فيه، فان الافعال التوليدية لما كانت افعالا اختيارية جاز وقوع الاجارة عليها، كما جاز وقوع الاجارة على أسبابها. فيجوز الاستئجار على غسل الثياب وعلى تطهير الثياب، ويجوز الاجارة على صبغ الثوب كما يجوز على وضعه في الصبغ. ثم إن الوجه في استحقاق تمام الاجرة في الفرض حصول الامر المستأجر عليه بلا نقص ولا خلل. (2) هذا أيضا ظاهر، لعدم حصول تمام المستأجر عليه بل الحاصل بعضه والبعض الآخر غير حاصل، فتوزع الاجرة على الجميع، ويستحق من

 

===============

 

( 26 )

 

[ بعده وقبل الدخول في الحرم، لانه لم يأت بالعمل المستأجر عليه - لا كلا ولا بعضا - بعد فرض عدم إجزائه (1). من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الاعمال، أو مع ] الاجرة على النسبة. وقد عرفت من الحدائق: دعوى الاجماع على استحقاق الجميع. وفي المسالك: (مقتضى الاصل أن لا يستحق إلا بالنسبة، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب وبراءة ذمة الاجير، واتفق الاصحاب على استحقاقه جميع الاجرة، فهذا الحكم ثبت على خلاف الاصل...). وفى كشف اللثام: (لا يستعاد من تركته - يعني: النائب - شئ بلا خلاف عندنا على ما في الغنية، وفي الخلاف: إجماع الاصحاب على أنه منصوص لا يختلفون فيه، وفي المعتبر: أنه المشهور بينهم. فان ثبت عليه إجماع أو نص، وإلا اتجهت استعادة ما بازاء الباقي...). أقول: لا إشكال في دعوى الاتفاق والاجماع على الحكم في الجملة، اما في خصوص ما إذا كانت الاجارة على نفس العمل فغير ظاهرة، ولا مجال للاعتماد عليها. فلاحظ. (1) بل لو فرض إجزاؤه أيضا لا وجه للاستحقاق، لانه غير العمل المستاجر عليه. نعم لو كان الاستئجار على إفراغ الذمة كان البناء على الاستحقاق في محله، لحصول المستأجر عليه، وهو فراغ الذمة. ثم إنه قد يستشكل في صحة الاجارة على العمل نفسه في قبال إفراغ الذمة، لعدم الغرض العقلائي. وفيه: أنه قد يكون الغرض تحمل الزحمة ليترتب عليه زيادة الاجر. وأيضا فان كون الغرض هو إفراغ الذمة لا يقتضي المنع من وقوع الاجارة على سببه ولو بملاحظة الغرض المذكور.

 

===============

 

( 27 )

 

[ المقدمات من المشي ونحوه (1). نعم لو كان المشي داخلا في الاجارة على وجه الجزئية - بأن يكون مطلوبا في الاجارة نفسا - استحق مقدار ما يقابله من الاجرة. بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا، أو كان داخلا فيها لا نفسا بل بوصف المقدمية. فما ذهب إليه بعضهم من توزيع الاجرة عليه أيضا مطلقا (2) ] (1) يعني: على نحو تكون قيدا للعمل المستاجر عليه، فالاجارة تكون على العمل المقيد بالذهاب أو مع الاياب، في مقابل ما لوحظ جزءا للمستأجر عليه، فتكون الاجارة واقعة على الذهاب والعمل معا، فيكون الذهاب بعض المستاجر عليه العمل. ثم قد يستشكل في أخذ الذهاب قيدا، لان العمل إذا كان موقوفا على الذهاب كان الذهاب ضروريا له، فلا إطلاق له كي يحسن تقييده. وفيه: أنه يتم لو أخذ الذهاب المطلق قيدا، أما إذا أخذ الذهاب الخالص - وهو ما كان بنية النيابة - فلا مانع عنه، لامكان التخلي عنه. ويحتمل أن يكون المراد من دخوله بوصف المقدمية، دخوله جزءا لكن بوصف كونه مقدمة للجزء اللاحق. وحينئذ فالوجه - في عدم الاستحقاق حينئذ - إنتفاء وصف المقدمية عنه. وسيأتى الكلام فيه. (2) قد عرفت من الحدائق نسبته إلى تصريح الاصحاب، وهو المذكور في الشرائع والقواعد. قال في الاول: " ولو مات قبل ذلك لم يجز، وعليه أن يعيد من الاجره ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا وعائدا.... ". وقال في الثاني: " وقبله يعيد مقابل الباقي والعود...) وحكي عن جماعة: أنهم عبروا بذلك، غير أنهم لم يذكروا العود.

 

===============

 

( 28 )

 

[ لا وجه له (1) ] (1) ذكر بعضهم أن الوجه فيه: أن إطلاق الاجارة على الحج يقتضي دخول الذهاب والاياب على نحو الجزئية، ونسبه في الجواهر إلى جماعة، وفى كشف اللثام: (قوى في الخلاف تضمن الاستيجار للحج الاستيجار لقطع المسافة، وقطع به القاضي في الجواهر...). أقول: لا ريب في أن الاستيجار للحج تارة: يكون للحج الميقاتي، وأخرى: للحج البلدي. فان كان الاول فلا ريب في عدم ملاحظة الطريق في عقد الاجارة، لا جزءا ولا شرطا، وإن كان الاجير من أهل البلد. ويتوقف حجه على السير من البلد. وإن كان الثاني فلا ريب في ملاحظته، ويكون السير في الطريق حقا من حقوق المستأجر: لكن توزيع الاجرة ليس تابعا لملاحظة مطلقا، بل إنما هو تابع للملاحظة على وجه الجزئية، لان منشأ التوزيع تبعيض العقد فيصح في بعض ويبطل في بعض، نظير تبعض الصفقة في البيع، فإذا لم يكن ملحوظا على وجه الجزئية بحيث يكون موضوعا لبعض العقد - الراجع إلى العقد على البعض، بعد تحليل العقد إلى عقود متعددة بتعدد الابعاض - لا مجال للتوزيع. ومجرد أن ملاحظة الطريق موجبة لزيادة القيمة لا يكفي في التوزيع، فان صفات المبيع ربما تكون موجبة لزيادة الثمن لا لكونها موضوعا للبيع. وكذلك بعض صفات العين المستأجرة ربما تكون موجبة لزيادة الاجرة لكن لا لكونها موضوعا لعقد الاجارة، والمدار في التوزيع هو ذلك، كما لا يخفى. هذا في الذهاب، أما بالنسبة إلى الاياب فليس هو مقدمة للحج عقلية، فضلا عن أن يكون ملحوظا عوضا وطرفا للمعاوضة. نعم له دخل في زيادة الاجرة، فان الشخص الذي لابد له من العود لا يؤجر نفسه للحج

 

===============

 

( 29 )

 

بالقيمة التي لا تفي بالعود، فإذا بني على التوزيع بالاضافة إلى كل ماله دخل في زيادة القيمة لم يكن الفرق بين الذهاب والاياب، فتوزع الاجرة عليهما بنحو واحد. وعلى هذا المبنى لا فرق في التوزيع بين الاجرة على الحج البلدى والحج الميقاتي إذا كان الاجير من أهل البلد الذي لابد له من الرجوع إلى بلده، فانه لا يؤجر نفسه للحج الميقاتي إلا إذا كانت القيمة وافية للذهاب والاياب على نحو الحج البلدي، فيكونان معا ملحوظين لزيادة القيمة. وعلى هذا المبنى جرى في كشف اللثام، حيث قال: (وعندي أنه وإن لم يتضمنه (يعني: يتضمن عقد الاجارة للذهاب والاياب) لكنه في حكم المتضمن، لان أجرة الحج تتفاوت مسافة الذهاب، وبالاختلاف في الاياب وعدمه... (إلى أن قال): فهو وإن لم يفعل شيئا مما أستؤجر له، لكنه فعل فعلا له أجرة باذن المستأجر ولمصلحته، فيستحق أجرة مثله. كمن استأجر رجلا لبناء، فنقل الآلة ثم مات قبل الشروع فيه، فانه يستحق أجرة مثل النقل قطعا. فيصح ما في الكتاب على إطلاقه). وتبعه عليه في الجواهر، مستدلا له: بأصاله احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع به، بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستاجر عليه، فلم يتيسر له ذلك بمانع قهري. وعدم فائدة المستأجر - مع إمكان منع... (إلى أن قال): (غير قادح في استحقاق الاجرة عليه نحو بعض العمل المستأجر عليه الذي لا استقلال له في نفسه، كبعض الصلاة ونحوه...) أقول: أصالة احترام عمل المسلم لا تقتضي الضمان، وإنما هي في مقام محض التكليف، من باب لزوم احترام ماله ونفسه، المستفاد من موثقة سماعة: (لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه) (* 1). فهي

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

 

===============

 

( 30 )

 

في مقام التكليف وتحريم نفسه وماله وأنه لا يجوز اغتصابه، ولا تدل على أكثر من ذلك. نعم من جملة الاسباب استيفاء العمل، فمن عمل بأمر غيره فقد استوفى غيره عمله، فيكون مضمونا عليه. لكنه يختص بالامر النفسي، فلا يشمل الامر الغيري وإن كان أيضا سببا للاستيفاء، لكن لا دليل على سببيته مطلقا، والقدر المتيقن - من مرتكزات المتشرعة، وكلمات الاصحاب - هو الاستيفاء بالامر النفسي لا بغيره. والذي يتحصل مما ذكرنا أمور: الاول: أنه إذا استأجره على الحج البلدي، فموضوع الاجارة هو الحج، وهو المناسك المخصوصة. وكونه بلديا لوحظ شرطا وقيدا له، فلا يكون جزء العمل المستأجر عليه، ولا توزع عليه الاجرة كغيره من القيود، بل كغيره من قيود المبيع. هذا على المشهور من أن السير من الميقات ليس واجبا نفسيا، أما بناء على أنه جزء الواجب - كما استظهرناه سابقا، لان الحج هو القصد - فالحج من البلد يراد منه السير من البلد، مقابل السير من الميقات، فإذا يكون جزء العمل المستأجر عليه، وتوزع عليه الاجرة. ولازم ما ذكرنا: أنه يجب وقوع السير على وجه يكون طاعة، ولا يجوز أن يكون السير معصية فلو سار ليسرق مالا في بعض الطريق كان باطلا غير مجزئ. الثاني: إذا استأجره للحج الميقاتي فمات قبل الاحرام لم يستحق أجرة إلا بناء على أن استيفاء عمل الغير موجب للضمان ولو كان من جهة الامر الغيري. وقد عرفت أن هذا المبنى لا دليل عليه. واحترام عمل المسلم هو ارتكاز المتشرعة والعقلاء، وكان القدر المتيقن منه هو الاستيفاء بطريق الامر النفسي، وجب الاقتصار عليه. بل ظاهر كلماتهم - في كتاب

 

===============

 

( 31 )

 

[ كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم: من التوزيع على ما أتى به من الاعمال بعد الاحرام (1). إذ هو نظير ما إذا استؤجر ] الجعالة -: التسالم عليه، فقد ذكروا: أن العامل إنما يستحق الجعل بالتسليم، فلو جعل لمن سلمه عبده جعلا، فجاء العامل بالعبد إلى البلد، ففر العبد قبل التسليم، لم يستحق العامل شيئا، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده: نعم لو صرح بما لا يقتضي التسليم - كالايصال إلى البلد - استحق الجعل...). والمقامان من باب واحد. ومن ذلك تعرف ضعف ما تقدم عن كشف اللثام والجواهر. ولعل السر فيما ذكرنا: أن الامر الغيري إنما يتعلق بالمقدمة الموصلة، فغير الموصلة لا أمر بها لا نفسيا ولا غيريا، فلا استيفاء ليترتب عليه الضمان. الثالث: أنه لو بني على التوزيع في البلدي وعدمه في الميقاتي، فهل يكون مقتضى الاطلاق هو الحج البلدي، فيجب التوزيع لو مات قبل الميقات - كما تقدم - أولا؟ الظاهر أن المقامات مختلفة، فقد يكون مقتضى الاطلاق الحج البلدي، وقد يكون مقتضاه الحج ومن بلد الاجارة، وقد لا يكون، وكل ذلك تابع للمناسبات المقامية المقتضية للانصراف وعدمها. (1) ذكر ذلك في المدارك وغيرها. قال في الاولى: (ولو مات بعد الاحرام استحق بنسبة ما فعله إلى الجملة...). ونحوه كلام غيره وفى النافع: (لو صد الاجير قبل الاكمال استعاد من الاجرة ما قابل المتخلف...). ونحوه في القواعد. ونسب ذلك، في بعض الكلمات، إلى تصريح الاصحاب. وحاصل الاشكال عليه: أن أبعاض العمل المستأجر عليه إنما توزع عليها الاجرة إذا كانت ذات قيمة - بأن كانت ينتفع بها - فإذا لم يكن ينتفع بها وليس لها قيمة لا مجال للتبعيض. وكذا الحكم في

 

===============

 

( 32 )

 

[ للصلاة، فأتى بركعة أو أزيد ثم أبطلت صلاته، فانه لا إشكال في أنه ] باب تبعض الصفقة في البيع، فإذا كان بعض المبيع له قيمة في حال الانفراد كان تبعيض الثمن في محله أما إذا لم يكن له قيمة في حال الانفراد فلا مجال لتبعيض الثمن عليه، لان تبعيض الثمن إنما يكون لتبعيض العقد وانحلاله إلى عقود متعددة بتعدد الاجزاء، ولا مجال لذلك فيما إذا كان البعض منفردا لا قيمة له، لان أخذ الثمن في حال الانفراد أكل للمال بالباطل. ومن ذلك يظهر: أنه لو أحرم فمات قبل دخول الحرم لم يستحق شيئا من الاجرة - بناء على عدم الاجزاء - لانه لا قيمه للعمل المذكور. نظير ما لو استؤجر على الصلاة فمات قبل التسليم، أو أحدث قهرا، فانه لا يستحق على ما أتى به من أجزاء الصلاة، لعدم المنفعة له، الموجبة لصحة المعاوضة عليه بالمال. وكذلك الكلام في جميع الاعمال الارتباطية التي لا يترتب الاثر على بعضها إلا في حال الانضمام فان البعض في حال الانفراد لا يكون مالا، ولا يصح أن يقابل بالمال، فأخذ المال بأزائه أكل للمال بالباطل. فان قلت: المشتري للصفقة إنما اشترى الابعاض في حال الاجتماع لا في حال الانفراد، فكيف جاز إلزامه بالبيع في البعض مع تبعض الصفقة؟ قلت: الاشكال المذكور - وهو لزوم أكل المال بالباطل - غير آت هنا. نعم هذا إشكال، وهو عدم قصد شراء البعض. فإذا صح العقد فيه فقد صح ووقع ما لم يقصد. لكن أشرنا - في بعض مباحث الاجارة - إلى الجواب عن الاشكال المذكور، وحاصله: الاكتفاء بالقصد الضمني عند العقلاء والمتشرعة، وإن كان ذلك القصد يختص بحال اجتماع الابعاض ولا يعم حال انفرادها. فراجع.

 

===============

 

( 33 )

 

[ لا يستحق الاجرة على ما أتى به. ودعوى: أنه وإن كان لا يستحق من المسمى بالنسبة، لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به (1)، حيث أن علمه محترم (2). مدفوعة بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، والمفروض أنه لم يكن مغرورا من قبله (3). وحينئذ فتنفسخ الاجارة إذا كانت للحج في سنة معينة، ويجب عليه الاتيان به إذا كانت مطلقة، من غير استحقاق لشئ على التقديرين. ] (1) تقدمت هذه الدعوى عن كشف اللثام والجواهر. (2) كذا استدل في الجواهر. وعرفت أن هذه القاعدة تكليفية لا وضعية. ولو سلم ذلك فهي تختص بماله قيمة من الاجزاء ولا تشمل الفرض مما كان الجزء المأتي به لا قيمة له. وأما كاشف اللثام فلم يذكر دليلا غير أن الضمان مقطوع به. لكن القطع غير ثابت. (3) ولو كان مغرورا رجع إلى الغار، لقاعدة: (المغرور يرجع على من غره) التي هي مضمون المرسل النبوي (* 1)، ويستفاد من جملة من النصوص - الواردة في باب تدليس الزوجه - حيث ذكر فيها: أن الزوج يرجع على المدلس كما غر الرجل وخدعه (* 2). وقد تعرضنا لهذه القاعدة في كتاب: (نهج الفقاهة) تعليقتنا على مكاسب شيخنا الاعظم فراجع مبحث الفضولي منه. ثم إنه لا فرق - في الضمان بهذه القاعدة - بين المستأجر الغار وغيره إذا كان غارا. والضمان بالغرور لا ينافي ما سبق: من عدم الضمان بالعقد

 

 

____________

(* 1) تقدم التعرض للحديث المذكور في صفحة: 144 من الجزء: 10 من هذه الطبعة. (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب العيوب والتدليس في النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 34 )

 

[ (مسألة 12): يجب في الاجارة تعيين نوع الحج، من تمتع، أو قران، أو إفراد (1). ولا يجوز للمؤجر العدول عما عين له (2) وإن كان إلى الافضل - كالعدول من أحد ] من جهة عدم المنفعة، لاطلاق دليله المقتضي لثبوته ولو مع عدم المنفعة الموجبة لكونه مالا إذا كان يصدق معه النقص والخسارة، وإن كان لا يصح العقد معه. فلو استأجر أجيرا على عمل لا يترتب عليه فائدة كانت الاجارة باطلة، فلا يستحق الاجرة المسماة، لكن يستحق أجرة المثل على المستأجر إذا كان قد غره كما يستحق على غيره إذا كان قد غره أيضا. وإن كان أيضا محل تأمل ونظر. فتأمل. (1) قال في المدارك: (سيأتي - إن شاء الله - أن أنواع الحج ثلاثة: تمتع، وقران، وإفراد. ومقتضى قواعد الاجارة: أنه يعتبر في صحة الاجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر، لا ختلافها في الكيفية والاحكام...). ونحوه ذكر غيره أيضا. وفى الجواهر: (ظاهرهم الاتفاق عليه...)، وعلله: بلزوم الغرر. لكن المذكور في محله: أن صفات المبيع - التي يجب العلم بها لئلا يلزم الغرر - هي الصفات التي تختلف بها المالية، أما ما لا تختلف به المالية فلا تجب معرفته، لعدم لزوم الغرر مع الجهل بها. وحينئذ فاختلاف أنواع الحج في الكيفية والاحكام إذا لم توجب إختلاف المالية لم تجب معرفتها، فيجوز أن يستأجره على أن يحج أي نوع شاء. نعم إذا كان المنوب عنه مما يتعين نوع منها عليه لزم التعيين من الوصي أو غيره. لكنه لا يرتبط بصحة الاجارة. (2) هذا مما لا ينبغي الاشكال فيه بالنظر إلى القواعد الاولية، فانه خلاف أدلة النفوذ والصحة. ولا فرق بين أن يكون العدول إلى الافضل

 

===============

 

( 35 )

 

[ الاخيرين إلى الاول - إلا إذا رضي المستأجر بذلك (1)، فيما إذا كان مخيرا بين النوعين أو الانواع - كما في الحج المستحبي والمنذور المطلق - أو كان ذا منزلين متساويين في مكة وخارجها. وأما إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول إلى غيره (2). وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية (3)، ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية. ] أو المفضول أو المساوى، إذ المعدول إليه غير المستأجر عليه، فكيف يجزي عنه؟!. (1) هذا إذا كان الرضا قبل عمل الاجير. أما إذا كان بعده فقد عرفت أنه إذا كان التعيين بنحو الشرط يكون العدول مخالفا لحق المشروط له، فيبطل لكونه حراما، كما تقدم. (2) لا في براءة ذمة المنوب عنه، لان الرضا لا يشرع انقلاب موضوع الوجوب، ولا في صحة الفعل إذا كان النائب قد قصد أمر المنوب عنه الوجوبي، لانه لم يتعلق بالمعدول عنه، فالاتيان به بنيته إتيان به عن غير أمره. نعم إذا أتى به عن أمره الندبي فلا بأس بالبناء على صحته لتعلق الامر الندبي به، وإن كان الامر الوجوبي متعلقا بغيره، إذ لا مانع من تحقق الامرين واجتماعهما. كما أن رضا المستأجر ينفع في براءة ذمة النائب إذا كان قد رضي به على كل حال، أو رضي به على بعض الاحوال وكان العمل واجدا لتلك الحال. ولا فرق بين الرضا السابق واللاحق فيما ذكرنا. (3) والمراد من الشرط ليس ما يكون تحت إنشاء مستقل في ضمن

 

===============

 

( 36 )

 

[ وعلى أي تقدير يستحق الاجرة المسماة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لان المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عينه فقد وصل إليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء ] العقد - الذي يكون شرط فعل تارة، وشرط نتيجة أخرى - بل المراد به الوصف المتعلق بموضوع العقد، الموجب تخلفه خيار الشرط. بخلاف الشرط - بالمعنى الاول - الموجب تخلفه خيار الاشتراط، لاختصاص ذلك بالمفهوم المنشأ في مقابل المفهوم المنشأ بالعقد. وكون الحج تمتعا أو قرانا أو إفرادا ليس من هذا القبيل، بل من قبيل القيود والاوصاف المتعلقة بموضوع العقد، مثل كون العبد كاتبا وكونه حبشيا. وقد قسمه المصنف (ره) إلى قسمين: أحدهما: أن يؤخذ شرطا، مثل أن يستأجره على الحج ويشترط عليه أن يأتي به بعنوان حج التمتع، وثانيهما: أن يؤخذ على نحو القيدية، بأن يستأجره على حج التمتع. لكن الانقسام إلى القسمين ليس لاختلاف صورة الانشاء، بل لاختلاف خصوصية المفهوم، فان كان ذاتيا كان قيدا، وإن كان خارجا عن الذات كان شرطا، فمثل كتابة العبد من قبيل الشرط، سواء باعه العبد الكاتب أم باعه العبد بشرط كونه كاتبا، ومثل كونه حبشيا قيد، سواء باعه العبد الحبشي أم باعه العبد بشرط كونه حبشيا. فكون الحج تمتعا أو قرانا إن كان من قبيل الذاتي في نظر العرف، فهو قيد ولو كان صورة الانشاء بعنوان الشرط، وإن كان من قبيل الخارج عن الذات فهو شرط ووصف، سواء كانت صورة الانشاء بعنوان الشرط أم بعنوان القيد. فالانقسام إلى القسمين في المقام غير ظاهر. كما أن الظاهر أن ما به الامتياز بين أنواع الحج داخل في الذات، فتكون من قبيل القيود، فالعدول عن بعضها إلى الآخر عدول

 

===============

 

( 37 )

 

[ بغير الجنس في سائر الديون، فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه. ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الافضل أو إلى المفضول. هذا ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الافضل (1) ] إلى غير المستأجر عليه، لا عدول من واجد الصفة إلى فاقدها. نعم ربما يكون اختلاف صورة الانشاء موجبا لاختلاف كون القيد ملحوظا على نحو وحدة المطلوب وتعدده. ولكنه محتاج ألى تأمل. وكيف كان فما ذكره المصنف (ره): من أنه مع الرضا بالعدول يستحق الاجير تمام الاجرة، في محله لما ذكر. ثم إنه بناء على صحة اشتراط التعيين بنحو الالتزام في ضمن العقد وكان الرضا بعد العمل، فالفعل قبل الرضا لما كان على خلاف الشرط كان حراما، لما فيه من تضييع حق الشرط. وحينئذ لا يصح عبادة - نظير من نذر أن يحج حجة الاسلام طاهرا، وأن يصلي صلاته جماعة - لانه راجع إلى شرط أن لا يحج إلا متمتعا مثلا وحينئذ لا يستحق الاجرة، ولا يصح الرضا به من الوصي والوارث، كما أشرنا إلى وجهه فيما سبق. فتأمل جيدا. (1) المحكي عن أبي علي والشيخ والقاضي: أنه يجوز العدول إلى الافضل مطلقا، وفى الشرائع: (يجوز إذا كان الحج مندوبا، أو قصد المستأجر الاتيان بالافضل، لا مع تعلق الغرض بالقران أو الافراد...)، وفى القواعد: (لو عدل إلى التمتع عن قسيميه، وتعلق الغرض بالافضل أجزأ، والا فلا...) ونحو ذلك كلمات غيرهم الظاهرة في جواز العدول في الجملة.

 

===============

 

( 38 )

 

[ - كالعدول إلى التمتع - تعبدا من الشارع. لخبر أبي بصير (1) عن أحدهما: في (رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها مفردة (2) أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (ع): نعم، إنما خالف إلى الافضل). والاقوى ما ذكرناه. والخبر منزل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيرا بين النوعين (3) ] (1) رواه المشايخ الثلاثة عن أبي بصير. وفى الوسائل: (يعني: المرادي). ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي بصير (* 1). وعلى ما ذكره في الوسائل يكون الخبر في أعلى مراتب الصحة. (2) في الوسائل: (يحج بها عنه حجة مفردة، فيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، إنما خالف إلى الفضل). وفى رواية الصدوق: (إنما خالفه إلى الفضل والخير). (3) هذا التنزيل خلاف الظاهر. ولا سيما بملاحظة أنه مع العلم بالرضا يكون الحكم بالجواز واضحا لا يحتاج إلى سؤال. فان قلت: قوله (ع): (إنما خالف...) ظاهر في تعليل الحكم بالجواز، ومقتضى حمل التعليل على مقتضى الارتكازيات العرفية: أن يكون المراد أن التمتع أفضل، فيكون أرضى للمستأجر، إذ لو لم يكن للمستأجر رضا به لم يكن التعليل ارتكازيا بل تعبديا. قلت: بعد ما عرفت من أنه مع العلم بالرضا لا مجال للسؤال، أن الوجة الارتكازي الذي لوحظ في التعليل: أن التمتع لما كان أفضل من غيره كان العدول إليه إحسانا للمستأجر وإن لم يرض به. والاولى الجمع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب النيابة في الحج الحديث: 1.

 

===============

 

( 39 )

 

[ جمعا بينه وبين خبر آخر (1): (في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة. قال (ع): ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، لا يخالف صاحب الدراهم ". وعلى ما ذكرنا - مع عدم جواز العدول إلا مع العلم بالرضا - إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الاجرة في صورة التعيين على وجه القيدية، وإن كان حجه صحيحا عن المنوب عنه ومفرغا لذمته إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عين (2). وأما إذا كان على وجه الشرطية فيستحق (3). إلا إذا فسخ المستأجر الاجارة من جهة تخلف الشرط، إذ حينئذ لا يستحق المسمى (4)، بل أجرة المثل. (مسألة 13): لا يشترط في الاجارة تعيين الطريق ] بين الخبرين بتقييد الثاني بالاول، لان الاول ظاهر في صورة التخيير الذي يكون التمتع فيها أفضل. والثاني مطلق فيحمل على غير هذه الصورة، ومنه صورة الجهل بالحال. ثم إن مقتضى التعليل: عموم الحكم لكل مورد كان المعدول إليه أفضل. لكن لا مجال له ضرورة. (1) وهو خبر علي، الذي استظهر في المدارك: أنه ابن رياب (* 1). (2) قد عرفت الاشكال في ذلك، وأنه لا يناسب ما ذكروه في باب نية الوضوء، والغسل، والصلاة. فراجع. (3) لحصول المستأجر عليه بلا نقص فيه. (4) لبطلانه ببطلان الاجارة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب النيابة في الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 40 )

 

[ وإن كان في الحج البلدي، لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا، ولكن لو عين تعين ولا يجوز العدول عنه إلى غيره (1). إلا إذا علم أنه لا غرض للمستأجر في خصوصيته وإنما ذكره على المتعارف (2)، فهو راض بأي طريق كان، فحينئذ لو عدل صح، واستحق تمام الاجرة. وكذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه، فالقول بجواز العدول مطلقا (3)، أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية (4) ضعيف. كالاستدلال له بصحيحة حريز: " عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة. فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه " (* 1). إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب (5). مع أنها إنما دلت على صحة الحج من حيث ] (1) أخذا بدليل النفوذ والصحة (2) فلا تعيين حينئذ، وإنما الصادر مجرد التعبير. لكنه خلاف الظاهر. ولاسيما بملاحظة أن الحج من الكوفة أكثر ثوابا وأعظم أجرا، لما فيه من بعد المسافة. (3) حكي عن الشيخ في المبسوط. وفى المستند: حكاه عن الشيخين والقاضي، والحلبي والجامع، والارشاد، وغيرهم. (4) حكي عن الشرائع. لكن المذكور فيها: عدم جواز العدول إن تعلق بذلك غرض. انتهى، ونسبه في الجواهر إلى المشهور. (5) هذا المقدار لا يوجب موافقتها للقاعدة، لان التعيين في عقد

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 41 )

 

[ هو، لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه كما هو المدعى (1). وربما تحمل على محامل أخر (2). وكيف كان لا إشكال في صحة حجه وبراءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا ] الاجارة يوجب التعين، عملا بنفوذ العقد. وإنما الذي يوجب موافقتها للقواعد أن يكون ذكره من باب المثال لا لخصوصية فيه، فيكون موضوع الاجارة حقيقة الطريق الكلي الجامع بينه وبين غيره وإن كان اللفظ قاصرا عنه. ولعل المراد ذلك وإن بعد عن ظاهر التعبير. (1) العمدة في الاشكال على الرواية هذه الجهة، فانه لم يظهر من الرواية أن السؤال كان عن جواز العدول تكليفا وعدم الاثم فيه، أو كان عن جوازه وضعا واستحقاق الاجرة، أو عن صحة الحج وبراءة ذمة المنوب عنه به، كل ذلك غير ظاهر. لكن الاقتصاد في الجواب على الصحة يقتضي كون السؤال عنها دون الآخرين، فتسقط الرواية عن صحة الاستدلال بها على المقام. (2) فعن الذخيرة: أن قوله: (من الكوفة) متعلق بقوله: (أعطى) وعن المدارك: أنه صفة لقولة: (رجلا). وعن السيد الجزائري: حملها على ان الشرط خارج عن العقد، وهو لا يجب الوفاء به عند الفقهاء وعن المنتقى: أنه ليس من باب الاجارة بل على وجه الرزق. وكل هذه المحامل بعيدة، فان قرينة المقابلة بين: (من الكوفة) و: (من البصره) تقتضي أنه متعلق بالحج، فلا مجال للاحتمالين الاولين واما احتمال الجزائري فهو خلاف ظاهر السؤال. واما احتمال المنتقى فهو لا يوجب الموافقة للقواعد، لان البذل إذا كان مشروطا بالحج من الكوفة فمع عدم الشرط يكون المبذول مضمونا على المبذول له.

 

===============

 

( 42 )

 

[ بخصوصية الطريق المعين (1)، إنما الكلام في استحقاقه الاجرة المسماة على تقدير العدول وعدمه. والاقوى أنه يستحق من المسمى بالنسبة، ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الاجارة على وجه الجزئية، ولا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية. لعدم اتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ وإن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به، لانه حينئذ متبرع بعمله. ودعوى: أنه يعد في العرف أنه أتى ببعض ما استؤجر عليه، فيستحق بالنسبة، وقصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الاجزاء - كما ذهب إليه في الجواهر (2) لا وجه ] (1) قد عرفت أن الصحة في المقام تنافي كلمات الاصحاب في مقام آخر. فكأن الرواية هي الفاصلة بين المقامين. وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في المسألة الواحدة والثلاثين (* 1) من الفصل السابق. (2) قال فيها: (وإن كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به، فقد يتخيل - في بادي النظر - عدم استحقاق شئ - كما سمعته من سيد المدارك - لعدم الاتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع به حينئذ. لكن الاصح خلافة، ضرورة كونه بعض العمل المستأجر عليه، وليس هو صنفا آخر، وليس الاستئجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه - مثلا باولى منه بذلك...). ثم استدل على ذلك بأصالة احترام عمل المسلم. أقول: قد عرفت أن أصالة احترام عمل المسلم لا أصل لها بنحو تقتضي الضمان. وأما ما ذكره من مثال: خياطة بعض الثوب، وعدم

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 361 من الجزء: 10 من هذه الطبعة.

 

===============

 

( 43 )

 

[ لها. ويستحق تمام الاجرة ان كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية (1)، بمعنى: الالتزام في الالتزام. نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط، فيرجع إلى أجرة المثل. (مسألة 14): إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة، ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة ] أولوية الضمان فيه مما نحن فيه، فاشكاله أظهر، ضرورة كونه بعض العمل، بخلاف المقام، لانه غيره، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده. ومثله: لو استأجره على أن يصلي في المسجد - أو في يوم الجمعة، أو نحوهما من الخصوصيات المشخصة - فخالف، فانه لا وجه للضمان، لانه أكل للمال بالباطل إذ الاجره ملحوظة في مقابل العمل الخاص،. وهو منتف: نعم إذا كان القيد بمحض صورة العبارة، وفى الحقيقة كان الايجار واقعا على من قوله: (آجرتك على أن تحج من الطريق الفلاني): أنه آجره على أن يحرج من أهله في الطريق المذكور ناويا للحج، فيكون سلوك الطريق جزء المستأجر عليه، لكن الفرض خارج عن محل الكلام الذي اختار فيه المصنف - تبعا لجماعة، منهم صاحب المدارك - عدم الاستحقاق. بل الظاهر: أنه ليس محل تأمل وإشكال، كما يظهر من كلماتهم في القيود المشخصة إذا تخلفت: فلاحظ. فان كان خلاف الجواهر في مقام الاثبات فهو غير بعيد. وإن كان في مقام الثبوت فالظاهر ما ذكره المصنف. (1) كما نص عليه في الجواهر. وهو واضح.

 

===============

 

( 44 )

 

[ مباشرة أيضا، بطلت الاجارة الثانية (1)، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالاولى. ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معا. ودعوى: بطلان الثانية وإن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الاولى - لانه يعتبر في صحة الاجارة تمكن الاجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الاعمى على قراءة القرآن، وكذا لا يجوز اجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة - ممنوعة (2)، فالاقوى الصحة. هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة، وأما إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه (3). وكذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين، أو مع توسعة الاجارتين، أو توسعة إحداهما. بل وكذا مع إطلاقهما (4)، ] (1) كما ذكر ذلك في الجواهر، معللا بما ذكر. وظاهره: المفروغية عن ذلك لوضوح وجهه. (2) الوجه في المنع ظاهر، وكذا في المثالين المذكورين نعم إذا كان ظاهر الكلام المباشرة، فالاخذ بالظاهر يقتضي البطلان لعدم القدرة. لكن - مع أنه غير ثابت كلية، وأنه خارج عن محل الكلام - يمكن أن يكون العجز قرينة على خلاف الظاهر. اللهم إلا أن يكون المستأجر جاهلا بالحال. ولاجل ذلك قال في الجواهر - بعد ذكر الدعوى المذكورة -: " لكن قد ذكرنا في كتاب الاجاره: احتمال الصحه... " وقد عرفت أن المتعين الجزم بالصحة. (3) لعدم المنافاة بينهما، لامكان اشتغال الذمة بتحصيل حجين في سنة واحدة، ولو بتوسط الاستنابة فيهما أو في أحدهما. (4) عن المنتهى: أنه جزم بالجواز فيه) ومثله غيره. لكن عن الشيخ

 

===============

 

( 45 )

 

[ أو اطلاق إحداهما (1) إذا لم يكن انصراف إلى التعجيل (2). ولو اقترنت الاجارتان - كما إذا آجر نفسه من شخص، ] وغيره بطلان الثانية، واختاره المحقق في الشرائع، بل يظهر منه التوقف في صحة الثانية إذا كانت معينة في غير السنة الاولى. لكن عن المعتبر: الجزم بالصحة حينئذ. وهو كذلك إذا لا مجال لاحتمال المزاحمة. وكأن مبنى القول ببطلان الثانية - المحكي عن الشيخ وغيره -: أن مقتضى الاطلاق التعجيل، فتكون الثانية مزاحمة للاجارة الاولى فتبطل. لكن عرفت: أن التعجيل، وإن كان مقتضى قاعدة السلطنة، إلا أنه لا يبطل الثانية، وإنما يبطلها إذا كان قيدا في العمل المستأجر عليه، فتتزاحم الاجارتان. لكنه غير ثابت، والتعجيل - المستفاد من قاعدة السلطنة - لا يرفع القدرة المعتبرة في صحة الاجارة، ولا يوجب الفسخ عند التخلف. ولذلك ذكر في القواعد وغيرها: أن إطلاق الاجارة يقتضي التعجيل فان أهمل لم ينفسخ بل ولا يجب الخيار عند التخلف، لان اقتضاءه للفسخ مبني على أخذه قيدا، واقتضاؤه الخيار مبني على أخذه شرطا، وكلاهما غير ثابت. (1) قد عرفت إشكاله فيما لو كانت الاولى مطلقة والثانية مقيدة بالتعجيل. نعم يتم لو كان الامر بالعكس، لما تقدم في المطلقتين. (2) عن الشهيد - في بعض تحقيقاته - أن إطلاق الاجارة يقتضي التعجيل. وفى الجواهر: (صرح باقتضاء الاطلاق فيه - يعني: في الحج - التعجيل جماعة...). وفى المدارك: ان مستنده غير واضح. وفى الجواهر - بعد نقله ذلك - قال: (وهو كذلك، بناء على الاصح من عدم اقتضاء الامر الفور، والفرض عدم ظهور في الاجارة بكون قصد المستأجر ذلك...). وفيه: أنه لا مجال للمقايسة على الامر، لان

 

===============

 

( 46 )

 

[ وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة، وكان وقوع الاجارتين في وقت واحد - بطلتا معا مع اشتراط المباشرة فيهما (1). ولو آجره فضوليان من شخصين - مع اقتران الاجارتين - يجوز له إجازة إحداهما، كما في صورة عدم الاقتران (2). ولو آجر نفسه من شخص، ثم علم أنه آجره فضولي من ] إطلاق مادة الامر يقتضي نفي اعتبار الفورية والتراخي، فالفورية تحتاج إلى دليل. وفى باب الاجارة وإن كان الاطلاق يقتضي نفي الفور والتراخي والتعجيل والتأجيل، لكن قاعدة السلطنة على الاموال والحقوق تقتضي وجوب المبادرة إلى الاداء، لان التأخير خلاف القاعدة المذكورة، وكذلك الكلام في الثمن والمثمن. ومن ذلك يظهر أنه - مع إطلاق الاجارة الاولى - لا مجال للاجارة الثانية إذا كانت مقيدة بالتعجيل، لانتفاء القدرة على الاداء، ويصح إذا كانت على التأجيل. وكذلك لو كانت الاولى على التأجيل، فانه تصح الثانية وإن كانت مطلقة. أما لو كانتا مطلقتين فلا مانع من صحتهما، أما الاولى فلعدم المزاحم، وأما الثانية فلان المستأجر عليه لما كان هو الطبيعة المطلقة فالقدرة - المعتبرة في صحة الاجارة - القدرة عليه ولو بالقدرة على بعض أفراده في الزمان اللاحق. (1) كما نص على ذلك في الجواهر. لتنافيهما فلا يمكن صحتهما، وصحة إحداهما المعينة دون الاخرى ترجيح بغير مرجح، وصحه إحداهما بلا تعيين لا يترتب عليها أثر فتلغى. (2) فتصح المجازة لعموم الادلة، وتبطل الاخرى وإن أجازها، لما سبق في الاجارة الثانية الصادرة منه.

 

===============

 

( 47 )

 

[ شخص آخر سابقا على عقد نفسه، ليس له إجازة ذلك العقد وإن قلنا بكون الاجازة كاشفة، بدعوى: أنها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه. لكون إجارته نفسه مانعا عن صحة الاجازة حتى تكون كاشفة (1). وانصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك. (مسألة 15): إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير (2)، بل ولا التقديم (3)، الا مع رضى ] (1) لان الاجازة إنما تستوجب النفوذ إذا كانت صادرة من السلطان، وبعد وقوع الاجارة الاولى منه تخرج المنافع عن سلطانه وتكون للمستأجر، فإذا أجاز إجارة الفضولي فقد أجاز وهو غير سلطان. وكذا الحكم إذا باع الفضولي ملك غيره ثم باع المالك ملكه، فانه لا مجال لاجازة المالك بعد خروج الملك عن ملكه، إذ لا سلطان له عليه. فراجع كلماتهم في مبحث الفضولي. (2) لان تعيين الزمان اقتضى استحقاق المستأجر الزمان المعين، فالتأخير تفويت لحق المستأجر، فيكون حراما. (3) فلو قدم لم يجزئ ولم يستحق الاجرة، لانه غير المستحق. وعن التذكرة: (الاقرب الجواز، لانه زاد خيرا...) وفى المدارك: (في الصحة وجهان، أقربهما ذلك، مع العلم بانتفاء الغرض بالتعيين...). وفيه - كما في الجواهر -: أنه يرجع إلى عدم إرادة التعيين من الذكر في العقد، وحينئذ لا إشكال في الاجزاء. إنما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين، ولا ريب في عدم الاجزاء به عن الاجارة، إلا إذا كان بنحو الشرطية لا التشخيص للعمل.... أقول: التعيين للزمان تارة: يكون في مقابل التأخير، بمعنى: عدم

 

===============

 

( 48 )

 

[ المستأجر. ولو أخر لا لعذر أثم، وتنفسخ الاجارة إن كان التعين على وجه التقييد، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية. وإن أتى به مؤخرا لا يستحق الاجرة على الاول، وإن برئت ذمة المنوب عنه به. ويستحق المسماة على الثاني، إلا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل. وإذا أطلق الاجارة، وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الاهمال (1). وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ وعدمه وجهان من أن الفورية ليست توقيتا، ومن كونها بمنزلة الاشتراط (2). ] جواز التأخير عنه، وأخرى: في مقابل التقديم، بمعنى: عدم جواز التقديم عليه، وثالثة: في مقابلهما معا. وفى الاولى لا يجوز التأخير، ويجوز التقديم. وفى الثانية بالعكس. وفى الثالثة لا يجوز كل منهما. والظاهر من نفس التعيين الصورة الثالثة. إلا أن تكون قرينة على إحدى الاولتين فيعمل عليها. (1) لعدم كونه قيدا. وعن الدروس: (ولو أطلق اقتضى التعجيل فلو خالف الاجير فلا أجرة له...). وظاهره اعتباره قيدا. (2) يعني: فيكون تخلفه موجبا للخيار. وهو - أيضا - ظاهر عبارة أخرى للدروس) قال: (ولو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوي. ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة...). ولا يخلو ما ذكره هنا من منافاة ما سبق عنه. فلاحظ. ثم إن المناسب للمصنف التعبير هكذا: (لو قلنا بوجوب التعجيل، فاما أن نقول بأنه قيد فتبطل مع إهماله، أو أنه شرط فيكون للمستأجر

 

===============

 

( 49 )

 

[ (مسألة 16): قد عرفت عدم صحة الاجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثم آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية باجازة المستأجر الاول أولا؟ فيه تفصيل (1)، وهو: أنه إن كانت الاولى ] الخيار باهماله) فان دليل التعجيل - لو قلنا به - ليس بأيدينا كي نجزم بأنه لا يدل على كونه بنحو التقييد. كما أن المدار في الخيار تخلف الشرط لا فوات الوقت. والامر سهل. (1) الكلام في المقام إنما هو في صورة تنافي الاجارتين لاشتراط المباشرة فيهما معا، فلو لم تعتبر المباشرة فيهما - أو في إحداهما - فلا إشكال في صحتهما معا، كما سبق في المسألة الرابعة عشرة. وحينئذ نقول: إذا اشترط المباشرة فيهما فالاجارتان تارة: تكونان واقعتين على ما في الذمة، وأخرى: على ما في الخارج، أعني: المنفعة الخاصة الخارجية، وثالثة: تكونان مختلفتين، فتكون الاولى على ما في الذمة والثانية على ما في الخارج، أو بالعكس. وفى جميع الصور الاربعة تارة: يكون موضوعا الاجارتين متماثلين، وأخرى: متضادين. مثال الصورة الاولى: أن يستأجر زيدا على أن يحج - في سنة معينة - عن عمرو، ثم يستأجره خالد على أن يحج في تلك السنة عن الوليد، على أن يكون مقصود المستأجرين إشغال ذمته بالحج عن عمرو وعن الوليد. ومثال الصورة الثانية: المثال المذكور يعينه على أن يكون مقصود المستأجرين تملك منفعته الخاصة من دون إشغال لذمته بشئ. ومثال الاخيرتين يعلم مما ذكر من المثالين، فانه إذا كانت الاولى على النحو الاول والثانية على النحو الثاني كان مثالا للصورة الثالثة، وإذا كان بالعكس كان مثالا للصورة الرابعة. وموضوعا

 

===============

 

( 50 )

 

الاجارتين متماثلان، وإذا بدلنا الحج عن خالد بزيارة الحسين (ع) يوم عرفة كانا متضادين. وفى جميع هذه الصور لا تصح الاجارة الثانية بدون إجازة المستأجر الاول، لما سبق من أنها منافية لحقه. كما أن الظاهر أنها تصح باجازته، إذ لا يعتبر في صحة العقد بالاجازة أن يكون المجيز مالكا لموضوع العقد، بل يكفي في صحة العقد بالاجازه ان يكون العقد - لولا الاجازه - منافيا لحق غير العاقد، فإذا أجاز ذو الحق لم يكن مانع من نفوذ العقد. ولذا صح بيع العين المرهونة باجازة المرتهن وإن لم يكن مالكا لموضوع الحق، ويصح بيع أموال المفلس باجازة الغرماء.. إلى غير ذلك من موارد الاجازة ممن له الحق، المانع - لولا الاجازة - من نفوذ العقد على موضوع الحق. ومرجع الاجازة: إما إلى الاقالة وانفساخ العقد الاول، فلا يرجع الاجير على المستأجر الاول بالاجرة. أو إلى إسقاط ماله على الاجير من حق ملكه بالاجارة - وهو العمل الخاص على نحو المباشرة - فيكون إبراء لما في ذمته، أو إسقاطا لما ملكه عليه من المنفعة الخاصة. لكن مقتضى نفس الاجازة هو الثاني، لان الاقالة محتاجة إلى تراضي الطرفين، لانها من العقود، فتكون أجرة الاجارة الثانية راجعة للاجير من دون حق للمستأجر فيها. نعم إذا كانت الاجارة الثانية واردة على نفس موضوع الاجارة الاولى كان مقتضى الاجازة رجوع أجرة الاجارة الثانية إلى المستأجر الاول، لانها عوض ملكه. مثل: أن يستأجره الاول ليحج عن زيد في سنة معينة، فيستأجره الثاني على أن يحج عن زيد أيضا في تلك السنة بأجرة معينة، فان الاجارة الثانية واقعة على نفس ما ملكه المستأجر الاول، فإذا أجازها ملك الاجرة المسماة فيها، وكان للاجير أجرته المسماة في الاجارة الاولى.

 

===============

 

( 51 )

 

[ واقعة على العمل في الذمة لا تصح الثانية بالاجارة، لانه ] وهذا واضح إذا كانت الاولى واقعة على المنفعة الخاصة الخارجية والثانية عليها أيضا، أما إذا كانت الاولى على ما في الذمة والثانية على المنفعة الخاصة - أو بالعكس - فموضوع الاجارتين مختلف، ولا تكون الاجازة موجبة لرجوع أجرة الثانية إلى المستأجر الاول، بل يجري حكم المتضادين والمتماثلين، من رجوع الاجازة إلى الفسخ والاقالة، فلا يكون للمستأجر إلا الاجرة الثانية. أو إلى إسقاط المستأجر الاول حقه على الاجير، فيستحق الاجرة عليه وعلى المستأجر الثاني. وإذا استأجره الاول على الحج عن زيد مباشرة في الذمة، ثم استأجره الثاني على الحج عن زيد مباشرة أيضا في الذمة، ففي كون موضوع الاجارتين واحدا، وبالاجازة تكون أجرة الثانية للمستأجر الاول وأجرة الاولى للاجير. أو متعددا، فيجري حكم المتضادين الذي عرفت إشكاله وجهان. وإن كان الاقوى الثاني، لان ما في الذمة لا يتعين كونه للمستأجر الاول إلا بالتعيين، بخلاف ما في الخارج. ولذا لو فرض إمكان الجمع بينهما - كما لو استأجره زيد ليزور عن عمرو يوم عرفة، واستأجره خالد ليزور عن عمرو في ذلك اليوم - صحت الاجارتان، ووجبت زيارتان عن عمرو إحداهما لزيد والاخرى لخالد. وامتناع الاجتماع - في مثل الحج في سنة واحدة - لا يجعل موضوع الثانية عين موضوع الاولى، كي تكون الثانية واقعة على مال المستأجر الاول. نعم إذا استأجره الثاني على أن يحج عن زيد ملاحظا الحج الذي ملكه الاول عليه، كانت الثانية واقعة على مال المستأجر الاول، فإذا أجازها الاول استحق الاجرة الثانية وكان للاجير أجرة الاجارة الاولى. فلاحظ.

 

===============

 

( 52 )

 

[ لا دخل للمستأجر بها، إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها (1). وإن كانت واقعة على منفعة الاجير في تلك السنة - بأن تكون منفعته من حيث الحج، أو جميع منافعه له - جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله. وكذا الحال في نظائر المقام. فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين، ثم آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم، ليس لزيد إجازة العقد الثاني. وأما إذا ملكه منفعته الخياطي (2)، فأجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو (3)، جاز له اجازة هذا العقد، لانه تصرف في متعلق حقه، وإذا أجاز يكون مال الاجارة له لا للمؤجر. نعم لو ملك منفعة خاصة - كخياطة ] (1) قد عرفت إشكاله مما سبق، وكذا قوله بعد ذلك: (ليس لزيد إجازة...). (2) يعني: مطلق المنفعة الخارجية الخياطية المطلقة. أما لو كان الخياطية الخاصة الراجعة لزيد - يعني: خياطة ثوبه مثلا - فان آجره الثاني على الخياطة لعمرو، فالخياطة الثانية غير الخياطة الاولى، فلا تكون موردا للاجارة الاولى، كما سيأتي. (3) ينبغي أن يكون مثالا لما إذا آجره الاول لمطلق الكتابة الخارجية نظير ما سبق في الخياطة، وإلا لم تكن الثانية واقعة على مال المستأجر الاول، كما سيأتي. ثم إن المتحصل مما ذكرنا أمور: الاول: أن الاجارة الثانية إذا كانت بحيث لا يمكن العمل بهما مع الاجارة الاولى لا تصح بدون الاجازة من المستأجر الاول، لانتفاء القدرة

 

===============

 

( 53 )

 

على موضوعها، وتصح باجازته. سواء أكانت الثانية واقعة على عين ما وقعت عليه الاجارة الاولى، أم على مثله، أم على ضده. وكأن عذر المصنف (ره) في عدم صحة الاجازة: أن معنى الاجازة الرضا بالعقد، ولما لم يكن العقد واقعا على ما تعلق به لم يكن معنى لاجازتة. لكن اختصاص الاجازة بذلك غير ظاهر، إذ يكفي في صحة الاجازة كون العقد منافيا لحقه، فإذا رضي فقد رفع اليد عن حقه، فان هذا هو المعني من صحة الاجازة. وإن كان هو في الحقيقة إسقاطا للحق، الموجب لانتفاء المانع عن صحة العقد. فكأن النزاع لفظي لا غير. الثاني: أن الاجارة الثانية إذا كانت واقعة على عين ما وقعت عليه الاجارة الاولى كان مقتضى الاجازة استحقاق المستأجر الاول الاجرة المسماة في الاجارة الثانية، ويكون للاجير الاجرة المسماة في الاجارة الاولى لا غير. وإذا كانت واقعة على غير ما وقعت عليه الاجارة الاولى كان مقتضى الاجازة سقوط حق المستأجر الاول، وحينئذ يستحق الاجير الاجرة الاولى والاجرة الثانية معا. الثالث: أن الاجازة نفسها راجعة إلى إسقاط الحق لا غير. والحمل على التفاسخ محتاخ إلى قرينة تدل على وقوع الاقالة عن تراضي الطرفين، فإذا لم تكن القرينة يحكم بالاول لا غير. الرابع: أن الاجارة تارة: تكون بلحاظ تمليك منفعة في الذمة، وأخرى: بلحاظ منفعة خارجية. نظير إجارة الحيوان، واجارة المساكن - بل واجارة المولى عبده - فان مقتضاها تمليك نفس المنفعة الخارجية التي تكون للعين المستأجرة من دون إشغال ذمة، فان المولى إذا آجر عبده فقد ملك منفعته للمستأجر، من دون إشغال ذمته بشئ ولا ذمة عبده. وكذلك

 

===============

 

( 54 )

 

[ ثوب معين، أو الحج عن ميت معين على وجه التقييد - يكون كالاول في عدم إمكان إجازته (1). (مسألة 17): إذا صد الاجير أو أحصر كان حكمه ] في الحر إذا أجر نفسه. والمصحح للاجارة على النحو المذكور هو قاعدة السلطنة على النفس، المستفادة من قاعدة: (سلطنة الناس على أموالهم) بالاولوية، بل الاجارة على النحو الاول - الموجب لاشتغال ذمة الاجير بالعمل أيضا - هي مقتضى تلك القاعدة المتصيدة، لا قاعدة السلطنة على المال. لان التصرف راجع إلى إشغال الذمة بالعمل، ولا تصرف في المال. إذ لا مال ولا موضوع. الخامس: أن المباشرة إذا كانت شرطا لا قيدا فالاجازة للعقد الثاني لا تقتضي سقوط أصل العمل، إذ يمكن تنفيذها باسقاط شرط المباشرة فقط، وحينئذ يبقى العمل في الذمة لا بقيد المباشرة، فيجب على الاجير تحصيله بنحو التسبيب. فإذا لم تكن قرينة على أحد الامرين يبنى على سقوط الشرط فقط، ويجب على المستأجر تحصيل العمل بالتسبيب. وما ذكرناه أولا - من أن مقتضى الاجازة إسقاط نفس العمل - يختص بصورة ما إذا كانت الاجارة لوحظ فيها المباشرة بنحو التقييد. (1) يعني: إذا كانت الاجارة الثانية واقعة على منفعة خاصة أخرى، مثل خياطة ثوب آخر، أو الحج عن ميت آخر، أما إذا كانت واقعة عليه نفسه - كما إذا استأجره أحد أولاد زيد على أن يحج عن أبيه بدينار، فاستأجره ولد زيد الآخر أيضا على أن يحج عن أبيه بدينارين - يمكن حينئذ للاول أن يجيز الاجارة الثانية، ويملك الاجرة المسماة فيها.

 

===============

 

( 55 )

 

[ كالحاج عن نفسه فيما عليه من الاعمال (1). وتنفسخ الاجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة (2)، ويبقى الحج في ذمته مع الاطلاق. وللمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد. ولا يجزئ عن المنوب عنه وإن كان بعد الاحرام ودخول الحرم (3)، لان ذلك كان في خصوص الموت من جهة الاخبار، والقياس عليه لا وجه له ولو ضمن المؤجر الحج في المستقبل - في صورة التقييد - لم تجب إجابته. والقول بوجوبه (4) ضعيف. وظاهرهم ] (1) الظاهر أنه لا إشكال فيه عندهم. ويقتضيه عموم الادلة المثبتة لتلك الاحكام، فان إطلاقها شامل للحاج عن نفسه والحاج عن غيره. (2) لتعذر العمل المستأجر عليه، الكاشف عن عدم صحة تمليكه وتملكه. (3) عن الشيخ في الخلاف: أن الاحصار بعد الاحرام كالموت بعده في خروج الاجير من العهدة. واستدل عليه باجماع الفرقة. مع أن الحكم منصوص لهم لا يختلفون فيه... انتهى. وضعفه ظاهر مما ذكره المصنف. وكأن استدلاله بالاجماع قرينة على وقوع السهو - من قلمه الشريف، أو قلم غيره - في ذكر الاحصار، كما ظنه في كشف اللثام. وإن كان ظاهر قول المحقق في الشرائع: - (ولو صد قبل الاحرام استعيد من الاجرة بنسبة المختلف...) - موافقته فلاحظ. (4) حكى في الشرائع قولا بالوجوب، ونسبه غير واحد إلى ظاهر المقنعة والنهاية والمهذب. وفى الجواهر: (ربما قيل: إنه ظاهر المبسوط والسرائر وغيرهما...). وضعفه - أيضا - ظاهر، لعدم، الدليل عليه.

 

===============

 

( 56 )

 

[ استحقاق الاجرة بالنسبة ما أتى به من الاعمال (1). وهو مشكل، لان المفروض عدم اتيانه للعمل المستأجر عليه، وعدم فائدة فيما أتى به. فهو نظير الانفساخ في الاثناء لعذر غير الصد والحصر، وكالانفساخ في أثناء سائر الاعمال المرتبطة لعذر في اتمامها. وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري، لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلا يستحق أجرة المثل أيضا. (مسألة 18): إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله (2). (مسألة 19): إطلاق الاجارة يقتضي التعجيل - بمعنى: الحلول في مقابل الاجل - (3) لا بمعنى الفورية، إذ لا دليل عليها. والقول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الاجل ضعيف فحالها حال البيع، في أن إطلاقه يقتضي الحلول، بمعنى: ] (1) قد تقدم الكلام في ذلك في المسالة الحادية عشرة. فراجع. (2) بلا خلاف أجده بيننا - كما اعترف به بعضهم - بل عن الغنية: الاجماع عليه. كذا في الجواهر، ونحوه في كشف اللثام. فان ذلك مقتضى الخطاب. ولا سيما بملاحظة كونه عقوبة له على ما صدر منه، فلزوم ذلك في مال غيره يحتاج إلى دليل مفقود: (3) قد تقدم في المسالة الرابعة عشرة. الكلام في ذلك، وأن التعجيل مقتضى قاعدة السلطنة على المال. سواء أكان في الذمة أم في الخارج. وكما أن إيفاء المال في اليد بلا إذن المالك حرام كذلك إبقاؤه في الذمة. وليس ذلك مبنيا على ظهور الكلام في التعجيل، كي يدعى

 

===============

 

( 57 )

 

[ جواز المطالبة، ووجوب المبادرة معها (1). (مسألة 20): إذا قصرت الاجرة لا يجب على المستأجر إتمامها. كما أنها لو زادت ليس له استرداد الزائد (2). نعم ] أنه خلاف الاطلاق. أو على أن الامر يقتضي الفور، كي يدعي أنه خلاف التحقيق (1) ظاهره: أنه مع عدم المطالبة لا يجب الدفع وان لم يأذن المالك بالتأخير، وإشكاله ظاهر، لما عرفت من أنه خلاف قاعدة السلطنة، وما دل على حرمة حبس الحقوق. ولذا لو علم أن المالك لم يطالب بالدفع - لجهله بالموضوع، أو بالحكم - لا يجوز التأخير في الدفع. نعم إذا كان عالما وترك المطالبة كان ذلك ظاهرا في الرضا بالتأخير والاذن فيه. (2) الحكمان المذكوران ذكرهما الاصحاب، من دون تعرض منهم لخلاف أو احتمال. وفى الجواهر: (وكأن تعرض المصنف وغيره لذلك - مع وضوحه، وعدم الخلاف فيه بيننا، نصا وفتوى - لتعرض النصوص له، وللتنبيه على خلاف أبي حنيفة، المبني على ما زعمه من بطلان الاجارة، فلا يجب على المستأجر الدفع إلى الاجير). وفى التذكرة: (حكي عن أبي حنيفة منع الاجارة على الحج، فيكون الاجير نائبا محضا وما يدفع إليه من المال يكون رزقا لطريقه، فلو مات. أو أحصر، أو ضل الطريق، أو صد لم يلزمه الضمان لما أنفق عليه، لانه إنفاق باذن صاحب المال). والاشكال عليه - في أصل الحكم - ظاهر مما سبق. كالاشكال عليه فيما فرعه لان ذلك قصد المستأجر والاجير، إذ هما إنما قصدا المعاوضة. مع أن الاذن في الصرف مبني على وقوع الحج لا مطلقا. فتأمل.

 

===============

 

( 58 )

 

[ يستحب الاتمام كما قيل (1). بل قيل: يستحب على الاجير أيضا رد الزائد (2). ولا دليل بالخصوص على شئ من القولين. نعم يستدل على الاول: بأنه معاونة على البر والتقوى (3) وعلى الثاني: بكونه موجبا للاخلاص في العبادة (4). (مسألة 21): لو أفسد الاجير حجه بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه، والحج من قابل، وكفارة بدنة (5). وهل يستحق الاجرة على الاول أولا؟ قولان، مبنيان على أن الواجب هو الاول وأن الثاني عقوبة، أو هو الثاني وأن الاول عقوبة (6). قد يقال بالثاني، للتعبير ] (1) حكي عن النهاية، والمبسوط، والمنتهى. (2) ذكر ذلك في التذكرة، معللا له بقوله: (ليكون قصده بالحج القربة لا العوض...). (3) إنما يتم لو كان في أثناء العمل، وكان الاكمال يتوقف على الاتمام. (4) يعني: أقرب إلى الاخلاص. لكنه يختص بما إذا كان قبل تمام العمل، إذ لو كان بعده لم يكن موجبا لانقلابه عما هو عليه. (5) الظاهر أنه لا إشكال فيه ولا خلاف. وفى الجواهر: نفي وجدان الخلاف في وجوب الحج من قابل، وأنه يمكن تحصيل الاجماع عليه. (6) قال في الشرائع: (وإذا أفسد حجه حج من قابل. وهل تعاد الاجرة عليه؟ يبنى على القولين...). ويريد من القولين: القولين اللذين ذكرهما المصنف. وظاهره انفساخ الاجارة، بناء على أن الثاني فرضه وإن كانت مطلقة. وأما عبارة المتن فمختصة بالمعينة، كما يأتي.

 

===============

 

( 59 )

 

[ في الاخبار بالفساد، الظاهر في البطلان (1). وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجاز لا داعي إليه. وحينئذ فتنفسخ الاجارة إذا كانت معينة، ولا يستحق الاجرة، ويجب عليه الاتيان في القابل بلا أجرة. ومع إطلاق الاجارة تبقى ذمته مشغولة، ويستحق الاجرة على ما يأتي به في القابل (2). والاقوى صحة الاول، وكون الثاني عقوبة (3). لبعض ] (1) قال في الجواهر: (التحقيق: أن الفرض الثاني، لا الاول الذي اطلق عليه اسم الفاسد، في النص والفتوى. واحتمال ان هذا الاطلاق مجاز لا داعي إليه، بل هو مناف لجميع ما ورد - في بيان المبطلات - في النصوص، من أنه قد فاته الحج، ولا حج له، ونحو ذلك مما يصعب ارتكاب المجاز فيه. بل مقتضاه ان الحج لا يبطله شئ أصلا، وإنما يوجب فعل هذه المبطلات الاثم والعقوبة. وهو كما ترى). (2) هذا الاستحقاق مبني على ان الحج في القابل عن المنوب عنه، لا عن نفس النائب عقوبة، كما عن الخلاف والمبسوط والسرائر. وسيأتى الكلام فيه. (3) هذا أحد القولين المشهورين - كما في المدارك - ونسب إلى الشيخ واختاره في الجواهر، في مبحث كفارات الاحرام. في الحج عن نفسه. قال (ره): (نعم قد يقال: إن المراد بالفساد كونها كالفاسدة، باعتبار وجوب الاعادة ولو عقوبة لا تداركا. والدليل على ذلك ما سمعته من التصريح في صحيح زرارة: بأن الاولى هي الحج والثانية عقوبة. والمناقشة باضماره يدفعها: معلومية كونه الامام، ولو بقرينة كون المضمر

 

===============

 

( 60 )

 

[ الاخبار الصريحة في ذلك في الحاج عن نفسه (1)، ولا فرق بينه وبين الاجير (2). ولخصوص خبرين في خصوص الاجير (3) ] مثل زرارة، المعلوم عدم نقله عن غير الامام...) إلى آخر ما ذكره في تقريب صحة الاولى. (1) يريد به حسن زرارة - بل صحيحه - المروي في الكافي قال: (سألته عن محرم غشي امرأته. قال (ع): جاهلين أم عالمين؟ قلت: أجبني على الوجهين جميعا. قال (ع): إن كانا جاهلين استغفرا ربهما، ومضيا على حجهما وليس عليهما شئ. وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، وعليهما بدنة، وعليهما الحج من قابل. فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. قلت: فأي الحجتين لهما؟ قال (ع): الاولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والاخرى عليهما عقوبة) (* 1): (2) لظهور الدليل في كون ذلك من أحكام الحج، من دون دخل لكونه عن نفسه. (3) قال في الجواهر: (وخبرا المقام - اللذان ستسمعهما - وإن كانا ظاهرين في أن الفرض الاول، إلا أنه يجب حملهما على إرادة إعطاء الله تعالى للمنوب عنه حجة تامة تفضلا منه، وإن قصر النائب في افسادها وخوطب بالاعادة. فلا محيص عن القول بأن الفرض الثاني...). أقول: لا يخفى أن التصرف في الخبرين بما ذكر ليس بأسهل من التصرف في الاخبار السابقة، بحمل الفساد على النقص الموجب للعقوبة. وقد ذكر (قده) في مبحث الكفارات: بعض الموارد التي ذكر فيها اسم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب كفارات الاستمتاع في الاحرام حديث: 9.

 

===============

 

( 61 )

 

[ عن إسحاق بن عمار عن أحدهما (ع) قال: (1) " قلت: فان ابتلي بشئ يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل، أيجزئ عن الاول؟ قال: نعم. قلت: فان الاجير ضامن للحج؟ قال: نعم " (* 1). وفي الثاني، سأل الصادق (ع) عن رجل حج عن رجل، فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل أو كفارة. قال (ع): " هي للاول تامة، وعلى هذا ما اجترح " (* 2). فالاقوى استحقاق الاجرة على الاول، وإن ترك الاتيان من قابل، عصيانا أو لعذر (2). ] الفساد في مورد الصحة. ولعله واضح. (1) صدر الحديث: (سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة، فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل ان يحج ثم أعطى الدراهم غيره. قال (ع): إن مات في الطريق، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فانه يجزئ عن الاول. قلت: فان ابتلي...) إلى آخر ما في المتن، فالمراد من الاول - في الفقرة المذكورة في المتن -: الشخص الاول، لا الحج الاول. وضمير: (يجزئ) راجع إلى الحج الذي وقع فيه المفسد. (2) هذا ينبغي أن يبتني على ما يبتني عليه الحكم الآتي - وهو أن الحج الثاني لا يرتبط بالحج الاول، ولا تدارك فيه لنقص ورد في الاول وإنما هو محض عقوبة - فانه على هذا المبنى لا دخل للثاني في استحقاق

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 15 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 15 من ابواب النيابة في الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 62 )

 

[ ولا فرق بين كون الاجارة مطلقة أو معينة. وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الاول - فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك العنوان - أو هو واجب عليه تعبدا، ويكون لنفسه؟ وجهان، لا يبعد الظهور في الاول (1) ولا ينافي كونه عقوبة، فانه يكون الاعادة عقوبة. ولكن الاظهر الثاني (2). والاحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة. ثم لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل، من عدم استحقاق ] الاجرة. أما بناء على أنه تدارك للنقص الواقع فيه فاللازم عدم استحقاق الاجرة بدونه. والمصنف هنا جزم باستحقاق الاجرة وإن ترك الثاني عصيانا أو لعذر، وفى الحكم الآتي كان له نوع تردد وتوقف. بل قد يشكل استحقاق الاجرة على الاول في صورة التعيين، وإن قلنا بصحة الاول - بناء على أن الثاني مكمل للاول - لان الاجارة كانت على الاتيان به في السنة الاولى كاملا، فالاستحقاق وعدمه أيضا يبتنيان على ما ذكر. (1) وجهه: أن ظاهر الدليل أن الحج في القابل هو الحج الذي أفسده، فيكون نظير القضاء، فإذا كان الاول نائبا فيه كان الثاني كذلك. ولذلك ذكر في الجواهر: أنه - بناء على ما اختاره، من فساد الاول وكون الثاني فرضه، وانفساخ الاجارة الموقتة - يجب على النائب الاتيان بالحج في القابل بنية النيابة عن المنوب عنه بلا عوض، ويجزئ عن المنوب عنه. (2) لان ظاهر كونه عقوبة: أنه تدارك لما ورد على النائب نفسه من نقص، فيكون الفعل عن نفسه لا عن غيره

 

===============

 

( 63 )

 

[ الاجرة - في صورة كون الاجارة معينة - ولو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها، وكون وجوب الثاني تعبدا، لكونه خارجا عن متعلق الاجارة وإن كان مبرئا لذمة المنوب عنه (1). وذلك: لان الاجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الاول، ولكنها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبدا، لكونه عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد (2)، فلا وجه لعدم استحقاق الاجرة على الثاني. وقد يقال: بعدم كفاية الحج الثاني أيضا في تفريغ ذمة المنوب عنه، بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرة أخرى في صورة التعيين، وللاجير أن يحج ثالثا في صورة الاطلاق. لان الحج الاول فاسد، والثاني إنما وجب للافساد عقوبة، فيجب ثالث، إذا التداخل خلاف الاصل (3). وفيه: ان ] (1) قد عرفت أن القائل هو صاحب الجواهر. وقد فرع على ما ذكر سابقا بقوله: (فلا محيص عن القول بأن الفرض حينئذ الثاني. كما لا محيص - بناء على ذلك - عن القول بانفساخ الاجارة إذا فرض كونها معينة، وعود الاجرة لصاحبها...) (2) لم يتضح وجه ذلك. فان الدليل لم يرد في الاجارة، كي يدعى ظهوره في استحقاقا الاجرة ولو من جهة السكوت في مقام البيان، وإنما ورد في الحاج عن نفسه، فإذا بني على التعدي عنه إلى الاجير، فقد دل على فراغ ذمة المنوب عنه بالثاني. أما استحقاق الاجرة، وأن الثاني عوض شرعي عن المستأجر عليه الموقت في السنة الاولى، فلم يظهر من الدليل. (3) القائل: العلامة في القواعد. وحكاه - في كشف اللثام - عن

 

===============

 

( 64 )

 

[ هذا إنما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الاول، والظاهر من الاخبار - على القول بعدم صحة الاول - وجوب إعادة الاول وبذلك العنوان، فيكفي في التفريغ (1)، ولا يكون من باب التداخل، فليس الافساد عنوانا مستقلا. نعم إنما يلزم ذلك إذا قلنا: إن الافساد موجب لحج مستقل لا على نحو الاول، وهو خلاف ظاهر الاخبار. وقد يقال في صورة التعيين: إن الحج الاول إذا كان فاسدا وانفسخت الاجارة يكون لنفسه فقضاؤه في العام القابل أيضا يكون لنفسه، ولا يكون مبرئا لذمة المنوب عنه، فيجب على المستأجر استيجار حج آخر (2). ] المبسوط والخلاف والسرائر قطعا، وعن المعتبر احتمالا، ثم قال: (وهو واضح). (1) أقول: دلالة الاخبار على أن الثاني عقوبة ليس منوطا بكون الاول صحيحا، بل دلالتها على ذلك على كل حال وإن كان الاول فاسدا، لان الثاني يكون عقوبة على ما جناه من ارتكاب المفسد. ولذا لا يختص الحكم بالحج الواجب، فان الحج الاول إذا كان مندوبا وأفسده يجب عليه الحج ثانيا. فإذا لا يكون الثاني مفرغا للذمة، ولا فيه خروج عن العهدة السابقة: ولاجل ذلك يشكل الاجتزاء به عن حج الاسلام لو كان الحاج مستطيعا، لان الاول فاسد، والثاني عقوبة. ولعل لزوم هذا الاشكال مما يقرب القول بصحة الاول، وكون الثاني عقوبة، مع قطع النظر عن النصوص الخاصة التي تقدمت. (2) هذا القول ذكره في الجواهر بصورة دعوى، فقال: (ودعوى:

 

===============

 

( 65 )

 

أن الحج بافساده له انقلب لنفسه، لانه غير المستأجر على... (إلى أن قال): فيكون القضاء عن نفسه. يدفعها: منع انقلابه إليه نفسه...) والمصنف أجاب - بعد اعترافه بالانقلاب لنفسه -: بأن الثاني يؤتى به بالعنوان الذي كان عليه الاول قبل الانقلاب. ولكنه - أيضا - كما ترى فانه إذا كان ظاهر الدليل أن الثاني عقوبة يكون لنفسه على كل حال، لانه لتخليص نفسه. ثم إن الشيخ في جواهره ذكر أن المحصل من الاقوال ثمانية: الاول: انفساخ الاجارة مطلقا إن كان الثاني فرضه. وهو ظاهر المتن. الثاني: انفساخها مع التعيين دون الاطلاق، ووجوب حجة ثالثة نيابة، كما هو خيرة الفاضل في القواعد، والمحكي عن الشيخ وابن ادريس. الثالث: عدم الانفساخ مطلقا، ولا يجب عليه حجة ثالثة. وهو خيرة الشهيد (* 1) الرابع: أنه إن كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقا ولا عليه حجة ثالثة، وإن كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة، وعليه حجة ثالثة. وهو - على ما قيل - خيرة التذكرة، وأحد وجهي المعتبر والمنتهى والتحرير. الخامس: كذلك، وليس عليه حجة ثالثة مطلقا. وهو محتمل المعتبر والمنتهى. السادس: انفساخها مطلقا، مطلقة كانت أو معينة، كان الثاني عقوبة أو لا. لانصراف الاطلاق إلى العام الاول، وفساد الحج الاول وإن كان فرضه. السابع: عدم انفساخها مطلقا. كذلك قيل، ويحتمله الجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير. الثامن: المختار. وهو محتمل محكي المختلف. وهو الاصح، لما سمعت، وليس في الخبرين منافاة له، بعد ما عرفت.

 

 

____________

(* 1) وهذا هو الذي قربه المصنف ردا على صاحب الجواهر. منه قدس سره.

 

===============

 

( 66 )

 

[ وفيه أيضا: ما عرفت من أن الثاني واجب بعنوان إعادة الاول. وكون الاول - بعد انفساخ الاجارة بالنسبة إليه - لنفسه، لا يقتضي كون الثاني له وإن كان بدلا عنه، لانه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار إليه بعد الفسخ. هذا والظاهر عدم الفرق - في الاحكام المذكورة - بين كون الحج الاول المستأجر عليه واجبا أو مندوبا (1). بل الظاهر جريان حكم وجوب الاتمام والاعادة في النيابة تبرعا أيضا، وإن كان لا يستحق الاجرة أصلا. (مسألة 22): يملك الاجير الاجرة بمجرد العقد (2)، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل (3)، إذا لم يشترط التعجيل، ولم تكن قرينة على إرادته، من انصراف أو غيره. ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عينا أو دينا. لكن إذا كانت عينا ونمت كان النماء للاجير (4). وعلى ما ذكر - من عدم وجوب التسليم قبل العمل - إذا كان المستأجر ] (1) لاطلاق النصوص السابقة. (2) لانه مقتضى النفوذ والصحة. (3) لان مبنى المعاوضات على التسليم والتسلم، فلكل من المتعاوضين الامتناع عن التسليم في ظرف امتناع الآخر. كما أن لكل منهما المطالبة في ظرف صدور التسليم منه، ولا يجوز للآخر الامتناع عنه حينئذ. فلو تعذر جاز الفسخ، لتخلف الشرط الضمني، الذي عرفت أن مبنى المعاوضات عليه. (4) كما في الجواهر. وهو واضح، لانه تبع الاصل، المفروض كونه ملكا للاجير بالعقد.

 

===============

 

( 67 )

 

[ وصيا أو وكيلا، وسلمها قبله كان ضامنا لها، على تقدير عدم العمل من المؤجر، أو كان عمله باطلا (1). ولا يجوز لها اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل (2) أو الوارث (3). ولو لم يقدر الاجير على العمل مع عدم تسليم الاجرة (4) كان له الفسخ (5). وكذا للمستأجر. لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي، يستحق الاجير المطالبة في ] (1) لانه تفريط، كما في الجواهر. وفى كشف اللثام: (لا يجوز للوصي إلا مع إذن الميت، أو شهادة الحال...) وقد يشكل: بأن الاجرة بعد ما كانت ملكا للاجير وخرجت عن ملك الميت، لم يكن الاعتبار إذن الميت وجه. وفيه: أنه بعد ما كان للميت حق الامتناع عن الدفع فالدفع تصرف في حق الميت، فلا بد من إذنه فيه. وكذا الحكم في الوكيل. ثم لما كان يترتب على التصرف في الحق المذكور خروج المال - على تقدير الفسخ - من سلطان الوكيل إلى سلطان الاجير كان الوكيل ضامنا. وكذا الوصي. نعم ينبغي إسناد الضمان إلى التعدي لا التفريط. (2) هذا واضح. لان تصرف غير المالك لا يجوز بغير إذن المالك. (3) فيما لو كان الوصي وصيا على التصرف في الثلث لا غير، فاخراج الحج الواجب من الاصل يقتضي مراجعة الوارث. لان الحق المذكور يتعلق بماله، واستيفاؤه يكون من ماله، فيرجع إلى التصرف في مال الوارث. (4) قيد للعمل، يعني: إذا انكشف أن الاجير لا يقدر على العمل إذا لم تسلم إليه الاجرة، لعدم قدرته على المال المحتاج إليه في السفر. (5) عدم القدرة يقتضي الانفساخ، لانه يكشف عن عدم المنفعة التي

 

===============

 

( 68 )

 

[ صورة الاطلاق، ويجوز للوكيل والوصي دفعها من غير ضمان (1). (مسالة 23): إطلاق الاجارة يقتضي المباشرة (2)، فلا يجوز للاجير أن يستأجر غيره، إلا مع الاذن صريحا أو ظاهرا. والرواية الدالة على الجواز (3) محمولة على صورة ] تكون الاجارة بلحاظ المعاوضة عليها. وكذا الكلام في المستأجر، فان له أن يدفع الاجرة، فيمكن الاجير من العمل، وله أن لا يدفع، فيعجز عن العمل وينفسخ العقد. (1) عملا بالاذن المستفاد من التعارف، كما نص على ذلك في الجواهر. (2) كما نص على ذلك في القواعد وغيرها. لان الظاهر من قوله: (آجرتك على أن تحج): أن نسبة الفعل إلى فاعله بنحو القيام به لا بنحو السبب في حصوله. ولذلك ذكروا: أن قول القائل: (بنى الامير المدينة) مجاز في الاسناد لان البناء لا يقوم بالامير، وإنما يقوم بالبناء، وظاهر النسبة القيام بالفاعل فيكون مجازا. نعم إذا قال: (أجرتك على أن يحج) - بالبناء للمفعول - كان مقتضى الاطلاق جواز المباشرة والاستنابة، لان النسبة المذكورة إلى الاجير ليست نسبة قيام به، بل نسبة تحصيل. ومن ذلك يظهر اختصاص الحكم المذكور بما إذا كان الكلام مشتملا على نسبة الحج إلى الاجير نسبة الفعل إلى فاعله. (3) وهي ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى قال: (قلت لابي الحسن الرضا (ع): ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها إلى غيره؟ قال: لا بأس) (* 1).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 69 )

 

[ العلم بالرضا من المستأجر (1). (مسألة 24): لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا - وكانت وظيفته العدول إلى حج الافراد - عمن عليه حج التمتع (2). ولو استأجر مع سعة الوقت فنوى التمتع، ثم اتفق ضيق الوقت، فهل يجوز له العدول ويجزي عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان. من إطلاق أخبار العدول. ومن انصرافها إلى الحاج عن نفسه (3). والاقوى عدمه. ] (1) مجرد العلم بالرضا لا يكفي ما لم يرجع، إما إلى الاجارة على الاعم - كما ذكر بعضهم - أو إلى الاذن الانشائي في الاستيفاء بفرد آخر. هذا ولكن ظهور الرواية في الاستيجار ممنوع، لخلو الرواية عن التعرض لذلك، ودفع الحجة أعم من ذلك. فالاقرب حمل الرواية على معنى: أنه دفع إليه قيمة الحجة وأوكل الامر إليه، في القيام بنفسه أو بغيره. والوجه في السؤال عن جواز الدفع إلى الغير عدم اليقين بقيامه به - إما لعدم النية، أو لترك بعض الافعال - فيتوهم أن ذلك مانع عن الدفع إلى غيره. (2) لان الافراد - في الفرض المذكور - بدل اضطراري، ولا دليل على الاجتزاء به عن التمتع - الذي هو الواجب الاختياري - والاصل عدم الاجتزاء به، وان قلنا بجواز العدول إلى الافراد من أول الامر إذا علم بالضيق، لاختصاص ذلك بما إذا كان قد استقر عليه في سعة الوقت، ولا يشمل ما نحن فيه، فلا معدل عن أصالة عدم الاجتزاء به. واستقرار الوجوب على المنوب عنه في سعة الوقت لا يوجب دخول النائب في دليل البدلية. وسيأتي - في فصل صورة حج التمتع - التعرض للمسألة المذكورة. (3) لكن الانصراف - بنحو يعتد به في رفع اليد عن الاطلاق - ممنوع.

 

===============

 

( 70 )

 

[ وعلى تقديره فالاقوى عدم إجزائه عن الميت (1)، وعدم استحقاق الاجرة عليه، لانه غير ما على الميت. ولانه غير العمل المستأجر عليه (2). (مسألة 25): يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أي واجب كان (3)، ] (1) يعني: على تقدير جواز العدول فالاقوى عدم اجزائه عن المنوب عنه. وكأن ذلك لما عرفت: من ان الابدال الاضطرارية إنما تجزئ على تقدير الاضطرار، والاضطرار بالنسبة إلى المنوب عنه يتوقف على انحصار النائب بالشخص المعين، فمع إمكان غيره لا اضطرار. وفيه: ان ظاهر النصوص إذا كان العموم للنائب، فالاجزاء لازم له، لان تشريع العدول لا معنى له إلا الاجزاء (2) الاول تعليل لعدم الاجزاء، والثاني تعليل لعدم استحقاق الاجرة. وقد عرفت الاشكال في الاول. وأما الثاني فهو في محله، لان دليل البدلية إنما يتعرض للاجزاء فقط، ولا تعرض فيه لاستحقاق الاجرة المجعولة من قبل المتعاقدين على حج التمتع لا غيره. ومن ذلك تعرف ضعف التفكيك بين الحكمين الاولين، وقوة التفكيك بينهما وبين الحكم الثالث. تعم إذا كان ظاهر الاجارة الاجارة على إفراغ ذمة المنوب عنه كان استحقاق الاجرة في محله. وقد تقدم نظير ذلك في مسائل موت الاجير في الاثناء. فراجع. (3) بلا إشكال ولا خلاف ظاهر. وعن التذكرة: أنه لا يعرف فيه خلافا، وفى الجواهر: الاجماع بقسميه عليه. وفى خبر عامر بن عميرة عن الصادق: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه رجل، فقال: يارسول الله، إن أبي مات ولم يحج حجة الاسلام. فقال صلى الله عليه وآله: حج عنه، فان ذلك

 

===============

 

( 71 )

 

[ والمندوب (1). بل يجوز التبرع عنه بالمندوب وإن كان ذمته مشغولة بالواجب، ولو قبل الاستئجار عنه للواجب (2). وكذا يجوز الاستيجار عنه في المندوب كذلك. وأما الحي فلا يجوز التبرع عنه في الواجب (3). إلا إذا كان معذورا في المباشرة - لمرض، أو هرم - فانه يجوز التبرع عنه، ويسقط عنه وجب الاستنابة على الاقوى (4)، كما مر سابقا. وأما ] يجزئ عنه) (* 1). وعن المسالك وأبي حنيفة: سقوط الفرض إن مات ولم يوص. (1) إجماعا ونصوصا. فقد عقد في الوسائل بابا لاستحباب التطوع بالحج والعمرة عن المؤمنين (* 2)، وذكر فيه جملة من النصوص وافرة، وهي ظاهرة في التبرع بالمندوب. (2) لاطلاق تلك النصوص. (3) إجماعا. ويقتضيه ظاهر أدلة التشريع في لزوم المباشرة، كما عرفت. (4) خلافا لجماعة، منهم: العلامة في القواعد وكاشف اللثام. واستدل الثاني: بأصالة عدم فراغ ذمته بذلك وبوجوب الاستنابة عليه، وعدم الدليل على سقوطها عنه بذلك. وتبعه على ذلك في الجواهر. ثم قال: (فالاحوط - إن لم يكن أقوى - الاقتصار في النيابة عنه حينئذ على الاذن). وفى المستند: (وفى التبرع عن الحي بالواجب - فيما إذا كان له العذر المسوغ للاستنابة - وكفايته عنه وجهان، أجودهما العدم، إذ الاخبار المتضمنة للاستنابة صريحة في أمره بالتجهيز من ماله. فلعل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 31 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج.

 

===============

 

( 72 )

 

[ الحج المندوب فيجوز التبرع عنه (1). كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلا. وأما إن تمكن منه فالاستيجار للمندوب قبل أدائه مشكل (2)، ] هذا العمل واجب عليه مقام الحج بنفسه، وكفاية فعل الغير موقوف على الدليل، وهو في المقام مفقود...). وظاهره عدم كفاية الاذن، ولزوم البذل من ماله. وهو كما ترى، فان ظاهر الدليل المتضمن ذلك الوجوب الغيري لا النفسي. وأما اعتبار الاذن فلا يظهر وجهه، إذ تعبد المنوب عنه إنما هو بفعل النائب لا بالاذن فيه، فأي دخل للاذن في ذلك؟ فلم يبق إلا أصالة عدم الاجزاء. لكنه أيضا يندفع: بأن ظاهر دليل الاجتزاء بفعل النائب في صورة الاستنابة: أن الدخيل في الاجزاء إنما هو فعل النائب والاستنابة طريق إليه) فلا موضوعية لها في الاجزاء. وبالجملة: البناء على وجوب الاستنابة أو الاذن جمود لا يساعده المتفاهم العرفي. (1) حكي عن الشافعي وأحمد - في إحدى الروايتين - الخلاف في ذلك، وعن المنتهى: التصريح بعدم جواز الحج ندبا عن الحي إلا باذنه. وفى الجواهر: (لعله حمل النصوص على إهداء الثواب لا على وجه النيابة. إلا أنه واضح الضعف...). (2) لكن الاشكال ضعيف. لا طلاق النصوص، ففي خبر أبي بصير قال أبو عبد الله (ع) في حديث: (من حج فجعل حجته عن ذي قرابته يصله بها كانت حجة كاملة، وكان للذي حج عنه مثل أجره) (* 1). ونحوه غيره. ولذلك قال في الجواهر: (بل لا فرق عندنا بين من كان

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من ابواب النيابة في الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 73 )

 

[ بل التبرع عنه حينئذ أيضا لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب (1). (مسألة 26): لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد، وإن كان الاقوى فيه الصحة (2). إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة، كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج (3). وأما في الحج ] عليه حج واجب - مستقرا كان أولا - وغيره، تمكن من أدائه ففرط، أو لم يفرط بل يحج بنفسه واجبا ويستنيب غيره في التطوع. خلافا لاحمد فلم يجز الاستنابة فيه ما اشتغلت ذمته بالواجب، إذ لا يجوز له فعله بنفسه فالاستنابة أولى. وفيه: أن عدم جواز فعله له لاخلاله بالواجب، ولذا لو اخلت الاستنابة به - لقصور النفقة ونحوه - لم يجز عندنا أيضا، لا أن عدم جوازه لعدم المشروعية في حقه، كي تمتنع النيابة فيه...). ومن ذلك يظهر جواز التبرع عنه حينئذ، وضعف الاشكال فيه. (1) لا تخلو العبارة من تشويش، فانها غير ملتئمة، ومفادها مناف لما سبق. (2) هذه العبارة أيضا لا تلتئم مع ما بعدها. بل ولا مع ما قبلها. والمظنون قويا: أن موقعها في ذيل المسألة الشابقة، بدل قوله: (في الحج الواجب)، وأن موقع القول المذكور هذا الموضع، بدل: (وإن كان الاقوى الصحة)، والناسخ قد بدل أحد الكلامين بالآخر. فان عبارة الفقهاء في منع الحج عن اثنين مشتملة على التقيد بالحج الواجب، بلا ريب منهم في الحكم. وقوله بعد ذلك: (وأما في الحج المندوب...) صريح في ذلك. (3) يعني: الحج عنه على نحو الاشتراك.

 

===============

 

( 74 )

 

[ المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة (1) - كما يجوز بعنوان إهداء الثواب (2) - لجملة من الاخبار (3) الظاهرة في جواز النيابة أيضا، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب. (مسألة 27): يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو ] (1) نص على ذلك في الجواهر وغيره. ويدل عليه صحيح محمد بن اسماعيل قال: (سألت أبا الحسن (ع) كم أشرك في حجتي؟ قال (ع): كم شئت) (* 1)، وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع): (في رجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه. فقال (ع): إذن يكتب لك حجا مثل حجهم، وتزداد خيرا بما وصلت) (* 2). ونحوهما غيرهما. لكن ظاهر الجمع: الاشتراك في الحج المأتي به لنفسه، فيشاركهم معه فيه، لا أن يحج عن جماعة نائبا عنهم، وإن كان ذلك يستفاد من النصوص المذكورة. (2) كما في الوسائل. واستدل له: برواية الحرث بن المغيرة: (قلت لابي عبد الله (ع) - وأنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة: - إني أردت أن أحج عن ابنتي. قال (ع): فاجعل ذلك لها الآن) (* 3). ونحوه مرسل الصدوق (* 4). لكن دلالته لا تخلو من خفاء، لاحتمال أن يكون المراد جعل الحج نفسه لها، لا ثوابه. (3) راجع إلى قوله: (بعنوان النيابة).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 28 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 28 من ابواب النيابة في الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 75 )

 

[ الحي في عام واحد في الحج المندوب، تبرعا أو بالاجارة. بل يجوز ذلك في الواجب أيضا، كما إذا كان على الميت - أو الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر - حجان مختلفان نوعا - كحجة الاسلام والنذر - أو متحدان من حيث النوع - كحجتين للنذر - فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد (1). وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا والآخر مستحبا بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد - كحجة الاسلام في عام واحد احتياطا - لاحتمال بطلان حج أحدهما. بل وكذا مع العلم بصحة الحج بكل منهما وكلاهما آت بالحج الواجب، وإن كان احرام أحدهما قبل احرام الآخر، فهو مثل: ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد. ولا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر، فان الذمة مشغولة ما لم يتم العمل، فيصح قصد الوجوب من كل منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعا (2). ] (1) لاطلاق الادلة، بعد عدم ما يدل على لزوم الترتيب بينهما. (2) أما إذا كان أحدهما أسبق ختاما صح فعل السابق وبطل فعل اللاحق، لانطباق الواجب على الاول، فيمتنع انطباقه على اللاحق إذا كان الواجب بنحو صرف الوجود، فانه لا يتكرر. نعم إذا كان الواجب الطبيعة السارية انطبق على اللاحق، كما ينطبق على السابق. لكنه ممنوع. لا يقال: الحج يجب إتمامه بالشروع فيه. لانه يقال: يختص ذلك بما إذا كان الشروع فيه مشروعا، فلا يعم ما نحن فيه، لانه - بسبق انتهاء