فصل في شرائط وجوب حجة الاسلام 3

[ كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه (1). ومعه لا وجه لدعوى: أن المستحب لا يجزي عن الواجب. إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجبا، والمفروض في المقام أنه هو. بل يمكن أن يقال (2): إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب - بأن كان الارتفاع بعد احرام النائب - إنه يجب عليه الاتمام، ويكفي عن المنوب عنه. بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء ] (1) قوى في الجواهر: أن يكون المراد من الاحجاج الاحجاج على نحو يحج عن نفسه، لا نيابة عن المعذور. ولكنه خلاف الظاهر جدا. (2) قال في الدروس " لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة. ولو كان بعد الاحرام فالاقرب الاتمام، فان استمر الشفاء حج ثانيا، فان عاد المرض قبل التمكن فالاقرب الاجتزاء.. ". وقال في المدارك: " لو استناب الممنوع فزال العذر قبل التلبس بالاحرام، انفسخت الاجارة فيما قطع به الاصحاب. ولو كان بعد الاحرام احتمل الاتمام والتحلل. وعلى الاول فان استمر الشفاء حج ثانيا، وإن عاد المرض قبل التمكن فالاقرب الاجزاء.. " وظاهر كلامه في الصورة الاولى: صورة اتيان النائب بالحج. وإطلاق انفساخ الاجارة فيه ينافي بناءه على الاجزاء في صوره عود المرض. وكيف كان فاحرام النائب لا اثر له في مشروعية النيابة وعدم انفساخ الاجارة، لما عرفت من ان ارتفاع العذر كاشف عن عدم مشروعية النيابة من أول الامر، فاحرامه باطل. ولاجل ذلك لا يصح احتمال وجوب الاتمام، ولا احتمال لزوم التحلل بعمرة مفردة، لانهما من أحكام الاحرام الذي حدث صحيحا، وليس منه احرام النائب في الفرض، ولا مجال 

 

===============

 

( 202 )

 

[ الطريق، قبل الدخول في الاحرام. ودعوى: أن جواز النيابة ما دامي كما ترى، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع (1)، وكون الاجارة لازمة لا دليل على انفساخها (2). خصوصا إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك. ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر - من المرض وغيره - وبين من كان معذورا خلقة، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الاول ضعيف (3). وهل يختص الحكم ] لدعوى الاجزاء. وأولى بعدم إجزاء حج النائب، وعدم مشروعيه النيابة، وانفساخ الاجارة: ما لو كان ارتفاع العذر في اثناء الطريق. (1) قد عرفت ان الامر ظاهري لا اعتبار به بعد انكشاف الخلاف. (2) كيف تكون لازمة بعد انكشاف كونها على عمل غير مشروع؟. (3) قال في الشرائع: " ولو كان لا يستمسك خلقه قيل: سقط الفرض عن نفسه وعن ماله، وقيل: تلزمه الاستنابة. والاول اشبه ". وفي المدارك: " الاصح لزوم الاستنابة. لاطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: وإن كان موسرا.. " (* 1). وعن الحدائق: اختياره. وفي الجواهر: اختار العدم، أما على المختار من الندب ففي العارض - فضلا عنه - فواضح. وأما على الوجوب فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للاصل. بل صحيح ابن مسلم (* 2) كالصريح في ذلك انتهى. ووجه صراحته: اشتماله على قوله: " فعرض له.. ". لكن صراحته تأبى صحة الاحتجاج به على العموم، ولا تأبى صحة الاحتجاج بغيره عليه لو أمكن. فالعمدة: ما عرفت من عدم الوجوب على من لم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج حديث: 5.

 

===============

 

( 203 )

 

[ بحجة الاسلام، أو يجري في الحج النذري والافسادي أيضا (1)؟ قولان. والقدر المتيقن هو الاول، بعد كون الحكم على خلاف القاعدة. وان لم يتمكن المعذور من الاستنابة - ولو لعدم وجود النائب، أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل، ولم يتمكن من الزيادة، أو كانت مجحفة - سقط الوجوب (2). ] يستقر الحج في ذمته. فراجع. وفي المسالك: وجوب الاستنابة، لعدم العلم بالقائل بالفرق. واشكاله ظاهر. (1) قال في الدروس: " ولو وجب عليه الحج بافساد أو نذر فهو كحجة الاسلام بل أقوى.. ". وفي المدارك: أنه غير واضح في النذر، بل ولا الافساد ايضا إن قلنا أن الثانية عقوبة. لان الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الاصل، فيقتصر فيه على مورد النص، وهو حج الاسلام. والنذر والافساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة، وقد سقط بالعذر. انتهى. وتبعه عليه في الجواهر. وظاهر المصنف (ره) الميل إليه. وهو في محله لو كان الانصراف إلى حج الاسلام ناشئا عن سبب ارتكازي. لكنه غير ظاهر. وفي المستند قال: " إطلاق بعض ما تقدم من الاخبار - كصحيحة محمد والحلبي - عدم اختصاص ذلك بحجة الاسلام، وجريانه في غيرها من الواجبات ايضا كالمنذورة. والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، كما يظهر منهم في مسألة الاستنابة من الحجين في عام واحد ". وسيأتى من المصنف - في المساله الحادية عشرة من الفصل الاتي - الجزم بعموم الحكم لغير حجة الاسلام. (2) لعين الادلة المتقدمة في شرائط الاستطاعة.

 

===============

 

( 204 )

 

[ وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرا عليه (1)، ولا يجب مع عدم الاستقرار (2) ولو ترك الاستنابة مع الامكان عصى بناء على الوجوب، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار. وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أولا؟ وجهان، أقواهما نعم (3)، لانه استقر عليه بعد التمكن من الاستنابة. ولو استناب - مع كون العذر مرجو الزوال - لم يجز عن حجة الاسلام (4)، فيجب عليه بعد زوال العذر. ولو استناب مع رجاء الزوال، وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية. وعن صاحب المدارك: عدمها ووجوب الاعادة، ] (1) كما سيأتي الكلام فيه. (2) لاختصاص أدلة القضاء الآتية بمن استقر الحج في ذمته. (3) كأن الوجه الثاني - وهو العدم - مبني على اختصاص أدلة وجوب القضاء بمن استقر عليه مباشرة. وضعفه ظاهر. (4) قد عرفت أن الحكم الواقعي - وهو وجوب الاستنابة، والاجزاء عن حج الاسلام - تابع لموضوعه الواقعي، وهو استمرار العذر، وأن الياس طريق إليه. وكذا الرجاء، بناء على الحاقه بالياس. فالحكم بالاجزاء مع أحدهما ظاهري يرتفع بعد انكشاف الخلاف، فإذا زال العذر بعد الاستنابة - ولو مع اليأس - انكشف عدم الوجوب وعدم الاجزاء، فيجب عليه مباشرة حينئذ. وإذا استناب مع رجاء الزوال - بناء على عدم وجوب الاستنابة حينئذ لعدم طريقية احتمال الاستمرار مع احتمال الزوال - وانكشف استمرار العذر، فقد انكشف ثبوت الوجوب والاجزاء. وقد تقدمت دعوى الاجماع على الاجزاء عن الشيخ في الخلاف.

 

===============

 

( 205 )

 

[ لعدم الوجوب مع عدم اليأس، فلا يجزي عن الواجب (1). وهو كما ترى. والظاهر كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة (2). وهل يكفي الاستنابة من الميقات، كما هو الاقوى في القضاء عنه بعد موته؟ (3)، وجهان، ] (1) قال: " ولو حصل اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الاعادة، لان ما فعله أولا لم يكن واجبا، فلا يجزي عن الواجب. ولو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه، لعدم حصول شرطه، الذي هو استقرار الحج أو الياس من البرء.. ". وظاهره: أن اليأس شرط في الحكم الواقعي، فمع عدمه ينتفي الحكم، وقد عرفت إشكاله. ولاجله يظهر الاشكال فيما ذكره أخيرا، فانه - بناء على وجوب الاستنابة على المعذور الذي لم يستقر الحج في ذمته قبل العذر - إذا لم يستنب لعدم اليأس ثم مات قبل الشفاء، انكشف كونه موضوعا لوجوب الاستنابة واقعا وإن لم يقم طريق عليه، فيجب القضاء. نظير: ما لو كان مالكا للزاد والراحلة وكان جاهلا بذلك، فانه يجب عليه الاداء بعد ذلك وإن زالت الاستطاعة - وقد تقدم - كما يجب على وليه القضاء لو مات. (2) لان الظاهر من نصوص الاستنابة: أن فعل النائب يجزي في إفراغ ذمة المنوب عنه، من غير دخل للاستنابة في ذلك. وبعبارة اخرى: المفهوم من النصوص: أن البدل فعل النائب لا فعل المنوب عنه بالتسبيب فلا دخل للتسبيب في إفراغ الذمة، ولا في اداء الواجب وإن كان مقتضى الجمود على ما تحت عبارة النصوص: أن التسبيب دخيل في البدل الواجب لكن مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية توجب حمل الكلام على الاول، فهذا الارتكاز من قبيل القرينة المتصلة على صرف الكلام عن ظاهره. (3) يأتي إن شاء الله تعالى.

 

===============

 

( 206 )

 

[ لا يبعد الجواز (1) حتى إذا أمكن ذلك في مكة، مع كون الواجب عليه هو التمتع. ولكن الاحوط خلافه، لان القدر المتيقن من الاخبار الاستنابة من مكانه. كما أن الاحوط عدم الكفاية في التبرع عنه لذلك أيضا. (مسألة 73): إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق، فان مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الاسلام، فلا يجب القضاء عنه (2). وإن مات قبل ] (1) كما يقتضيه إطلاق النصوص. فان الحج - الذي هو موضوع النيابة - أول اجزائه الاحرام من الميقات، وما قبله خارج عنه، فاطلاق النصوص يقتضى حمله على الاول. وليس ما يتوهم منه التقييد إلاما في النصوص السابقة، من الامر بتجهيز رجل، والامر ببعثه مكانه. لكن التجهيز غير ظاهر الارتباط بما نحن فيه. والبعث لا يدل على مبدأ البعث. نعم ربما اقتضى انصرافه كون المبدأ مكان المنوب عنه، الذي قد يكون بلده وقد يكون غيره. لكنه ممنوع، فاطلاقه يقتضى لزوم كون المبدأ المكان الذي لا بد من الابتداء به، وهو الميقات لا غير. والانصراف إلى مكان المنوب عنه بدوي ناشئ من الغلبة، فلا يعتد به في رفع اليد عن الاطلاق. ثم إنه على تقدير تماميته فانما يقتضي كونه من مكان الاستنابة، لا من بلد المنوب عنه. وسيأتي في مسألة اعتبار البلد في الحج القضائي ماله نفع في المقام. (2) بلا خلاف أجده فيه، كما في المدارك والحدائق وغيرهما. بل عن المنتهى: دعوى الاجماع عليه، كذا في الجواهر. ويشهد له جملة من النصوص، منها: صحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام): (قال في رجل

 

===============

 

( 207 )

 

[ ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الاحرام، على المشهور الاقوى (1). خلافا لما عن الشيخ وابن ادريس فقالا بالاجزاء حينئذ أيضا. ولا دليل لهما على ذلك إلا اشعار بعض الاخبار، كصحيحة بريد العجلي، حيث قال فيها - بعد الحكم بالاجزاء إذا مات في الحرم - " وإن كان مات - وهو صرورة قبل أن يحرم - جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الاسلام ". فان مفهومه الاجزاة إذا كان بعد أن يحرم. لكنه معارض بمفهوم صدرها (2)، ] خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة الاسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الاسلام " (* 1)، وصحيح بريد العجلي قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا، ومعه جمل له ونفقة وزاد، فمات في الطريق، قال (عليه السلام): إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الاسلام، وإن كان مات - وهو صرورة قبل أن يحرم - جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام " (* 2). (1) بل لم يعرف مخالف فيه إلا ما عن الشيخ في الخلاف وابن ادريس، كما حكاه في المتن تبعا للمدارك وغيرها. وفي كشف اللثام نسبه إلى الحلي فقط، وكأنه لان الشيخ في الخلاف وإن قال: " إذا مات أو أحصر بعد الاحرام سقطت عنه عهدة الحج "، لكن استدلاله بالنصوص والاجماع يدل على أن مراده الاحرام ودخول الحرم، وإلا لم يكن لاستدلاله بذلك وجه. (2) وهو قوله (عليه السلام): " ثم مات في الحرم " الدال بمفهومه على عدم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 26 من ابواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 208 )

 

[ وبصحيح ضريس، وصحيح زرارة (1)، ومرسل المقنعة (2)، مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله: " قبل أن يحرم " ] الاجزاء إذا مات قبل الدخول في الحرم وإن كان محرما. وحينئذ يدور الامر بين تقييد الذيل - بان يراد منه قبل ان يحرم ويدخل الحرم - وبين حمل الصدر على إرادة الاحرام من دخول الحرم، وبين رفع اليد عن المفهوم في الطرفين، فتكون الصورة الثالثة - وهي صورة الاحرام وعدم دخول الحرم - غير متعرض لها الحديث بكلتا شرطيتيه. ولا ترجيح لبعض هذه التصرفات على بعض، فيكون الصحيح مجملا من هذه الجهة. فيرجع إلى غيره. أو يدعى اظهرية الاخير منه - كما هو غير بعيد - فيتعين الرجوع إلى غيره أيضا. (1) عن أبي جعفر (عليه السلام): " إذا احصر الرجل بعث بهديه. إلى أن قال: قلت: فان مات وهو محرم قبل ان ينتهى إلى مكة. قال (عليه السلام): يحج عنه إن كان حجة الاسلام ويعتمر، إنما هو شئ عليه " (* 1). لكن لما لم يكن مجال للعمل باطلاقه، يتعين اما حمله على الاستحباب، أو على صورة ما إذا لم يدخل الحرم، ولعل الاول أولى. وحينئذ لا يصلح لمعارضة ما سبق. (2) قال المفيد (ره) فيها: " قال الصادق (عليه السلام): من خرج حاجا فمات في الطريق، فانه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، وليقض عنه وليه " (* 2). ودلالته ظاهرة، كمعارضته. لكنه ضعيف السند، غير ثابت جبره بعمل. فإذا العمدة - في الاستدلال على القول المشهور، وضعف مخالفه - هو صحيح ضريس، وعدم صلاحيه صحيح بريد لمعارضته.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب وجوب الحج حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 26 من ابواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 209 )

 

[ قبل أن يدخل في الحرم (1)، كما يقال: " أنجد " أي: دخل في نجد، و " أيمن " أي: دخل اليمن، فلا ينبغي الاشكال في عدم كفاية الدخول في الاحرام، كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الاحرام، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثم مات. لان المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الاحرام (2). ولا يعتبر دخول مكة، وإن كان الظاهر من بعض الاخبار ذلك (3)، لاطلاق البقية في كفاية دخول الحرم. والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الاحرام أو بعد الاحلال، كما إذا مات بين الاحرامين. وقد يقال بعدم الفرق أيضا بين كون الموت في الحل أو الحرم، بعد كونه بعد الاحرام ودخول الحرم (4). وهو مشكل، ] (1) هذا المعنى - وإن ذكر في المستند - بعيد لا مجال للاعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي. (2) هذا مما لا ينبغي التأمل فيه. (3) يريد به صحيح زرارة. لكن ليس فيه ظهور في اعتبار الدخول في مكة، وإنما فيه الحكم بعدم الاجزاء إذا مات قبل دخولها. (4) قال في الدروس: " ولا فرق بين موته في الحل أو في الحرم، محلا أو محرما، كما لو مات بين الاحرامين.. ". وفي المدارك: " وإطلاق كلام المصنف وغيره يقتضى عدم الفرق في ذلك بين أن يقع التلبس باحرام الحج أو العمرة، ولا بين أن يموت في الحل أو الحرم، محرما أو محلا، كما لو مات بين الاحرامين. وبهذا التعميم قطع المتأخرون. ولا بأس به.. ". ونحوه عن الحدائق.

 

===============

 

( 210 )

 

[ لظهور الاخبار في الموت في الحرم (1). والظاهر عدم الفرق بين حج التمتع والقرآن والافراد (2). كما أن الظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجة أيضا (3). بل لا يبعد الاجزاء - إذا مات في أثناء حج القرآن أو الافراد - عن عمرتهما وبالعكس (4). لكنه مشكل، لان الحج والعمرة فيهما عملان مستقلان (5)، بخلاف حج التمتع فان العمرة فيه داخلة في الحج، فهما عمل واحد. ثم الظاهر اختصاص حكم الاجزاء بحجة الاسلام، فلا يجري الحكم في حج النذر ] (1) كما صرح بذلك في صحيح ضريس. وفي الجواهر: " أشكل عليهم: بأن الحكم مخالف للاصول، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن، وهو الموت في الحرم. اللهم إلا أن يكون إجماعا، كما هو مقتضى نسبته في الحدائق إلى الاصحاب. لكنه كما ترى.. ". وكأنه لم يعتن بالتصريح بالموت في الحرم في صحيح ضريس، لان المفهوم منه الموت بعد الدخول في الحرم، كما عبر بذلك الاصحاب. لكنه غير ظاهر، فالاخذ بظاهر الصحيح متعين. (2) كما صرح بذلك في الجواهر. والظاهر أنه لا إشكال فيه لاطلاق النصوص. نعم الموت في الطريق في مقابل الموت بعد الاحرام يكون في القران والافراد، ولا يكون في التمتع، وإنما يكون في عمرته. (3) كما تقدم في المدارك وعن الحدائق. لظاهر النصوص المتقدمة. (4) كما يقتضيه ما تقدم في المدارك وعن الحدائق. (5) الروايات واردة في الحج، فالحاق عمرة القران والافراد به محتاج الى دليل. وإلحاق عمرة التمتع به كان من جهة أنها كالجزء من الحج، وهذا لا يطرد في العمرة المذكورة، فالحاقها بالحج غير ظاهر.

 

===============

 

( 211 )

 

[ والافساد إذا مات في الاثناء (1). بل لا يجري في العمرة المفردة أيضا، وإن احتمله بعضهم (2). وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه، فيجزيه عن حجة الاسلام إذا مات بعد الاحرام ودخول الحرم، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان، بل قولان (3)، من إطلاق الاخبار في التفصيل المذكور. ومن أنه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية. ولذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب، أو إذا فقد بعض الشرائط الاخر مع كونه موسرا. ومن هنا ربما يجعل الامر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقر عليه. وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه، وحمل الامر بالقضاء على الندب. وكلاهما مناف لاطلاقهما. مع أنه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل، مع أنه مسلم بينهم. والاظهر الحكم بالاطلاق، إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق - كما عليه جماعة - وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط، أو الموت وهو في البلد. وإما بحمل الامر بالقضاء على القدر ] (1) لاختصاص النصوص بحجة الاسلام، والتعدي إليهما محتاج الى دليل. (2) قد عرفت تصريح المدارك بالعمرة، وإطلاقه يقتضى العموم للمفردة. وكذا حكي عن الحدائق، وعرفت إشكاله. (3) حكي أولهما: عن ظاهر القواعد والمبسوط والنهاية. وثانيهما:

 

===============

 

( 212 )

 

[ المشترك، واستفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج (1)، وهذا هو الاظهر (2). فالاقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضا، فيحكم بالاجزاء إذا مات بعد الامرين، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك. (مسألة 74): الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع، ] ظاهر الجواهر، حاكيا له عن بعض، حاملا للامر على الندب. لكن أشكل عليه بعد ذلك - تبعا لكاشف اللثام - بأنه يبقى الاجزاء عمن استقر الحج عليه بلا دليل. اللهم إلا أن يرشد إليه: ما تسمعه - إن شاء الله تعالى - في حكم النائب، من الاجتزاء بذلك فيه. ثم قال: " ولعل الاولى تعميم الصحيحين لهما، واستعمال الامر بالقضاء فيهما في القدر المشترك بين الندب والوجوب.. ". أقول: دعوى عموم النصوص لهما غير ظاهرة، لانها واردة في مقام تشريع الاجزاء عن حج الاسلام بعد الفراغ عن ثبوته على المكلف باجتماع شرائطه، فلا تشمل من لم يستقر الحج عليه. وبالجملة: النصوص واردة في مقام جعل البدل عن الواجب، فلا تدل على الغاء شرط وجوبه، لانها ليست واردة في مقام تشريع وجوبه ليؤخذ باطلاقها. (1) وهو الاجماع. (2) كما تقدم عن الجواهر. وقد عرفت: أن الاظهر ان النصوص واردة في من استقر الحج بذمته، وأن الامر بالقضاء للوجوب لا غير. ثم أنه لو بني على إطلاق النصوص، فحمل الامر بالقضاء على القدر المشترك خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة، فيتعين الوجه الاول، كما عليه الجماعة.

 

===============

 

( 213 )

 

[ لانه مكلف بالفروع (1)، لشمول الخطابات له أيضا. ولكن لا يصح منه ما دام كافرا (2) كسائر العبادات، وإن كان معتقدا لوجوبه، وآتيا به على وجه مع قصد القربة، لان الاسلام شرط في الصحة. ولو مات لا يقضي عنه، لعدم كونه أهلا للاكرام والابراء (3). ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه. وكذا لو استطاع بعد إسلامه. ولو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه على الاقوى (4)، لان الاسلام يجب ما قبله. كقضاء الصلاة والصيام، حيث أنه واجب عليه ] (1) أشرنا إلى ذلك في كتاب الزكاة وغيره. فراجع. (2) لكون الحج عبادة، ولا تصح من الكافر، لعدم صلاحيته للتقرب المعتبر في العبادة. وكما يمنع من صحته منه مباشرة يمنع من صحته من نائبه ايضا. وفي المدارك - في شرح قول ماتنه: " والكافر يجب عليه الحج، ولا يصح منه.. " - قال: " هذان الحكمان إجماعيان عندنا. وخالف في الاول أبو حنيفة، فقال: إن الكافر غير مخاطب بشئ من الفروع. ولا ريب في بطلانه. ويترتب على الوجوب أنه لو مات كذلك أثم بالاخلال بالحج، لكن لا يجب قضاؤه عنه.. ". (3) يعني: إبراء ذمته من الحج الذي اشتغلت به. (4) كما في القواعد وكشف اللثام والجواهر وغيرها. وقال في المدارك: " لو أسلم وجب عليه الاتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا، وبدونها في اظهر الوجهين. واعتبر العلامة في التذكرة - في وجوب الحج - استمرار الاستطاعة الى زمان الاسلام. وهو غير واضح.. ". وفي الذخيرة والمستند: الوجوب أظهر. واستدل في الثاني بالاستصحاب. ولم يتعرض

 

===============

 

( 214 )

 

[ حال كفره كالاداء، وإذا أسلم سقط عنه. ودعوى: أنه لا يعقل الوجوب عليه (1)، إذ لا يصح منه إذا أتى به وهو كافر، ويسقط عنه إذا أسلم. مدفوعة: بأنه يمكن أن يكون ] فيهما لحديث الجب (* 1)، وكذلك في المدارك هنا. وكأنه لما في المدارك - في كتاب الزكاة - من ضعفه سندا. لكن الجبر بالعمل كاف في دخوله في موضوع الحجية. وأما دلالته فواضحة، لان وجوب الحج عليه بعد الاسلام لما كان مستندا الى الاستطاعة السابقة، كان مقتضى قطع ما قبل الاسلام عما بعده عدم سببيه الاستطاعة السابقة للوجوب بعد الاسلام. وكذلك الحكم في جميع الاحكام اللاحقة التي لو ثبتت استندت إلى السبب السابق، مثل: وجوب صلاه الايات بعد الكفر إذا كان حدوث الاية قبله، ووجوب قضاء الصلاة إذا كان مستندا الى الفوت حال الكفر ووجوب الغسل إذا كان مستندا إلى حدوث سببه حال الكفر. نعم إذا كان القضاء بالامر الاول - بناء على تعدد المطلوب - فهو مستند إلى وجود المصلحة في الفعل، فلا يقتضي الاسلام سقوطه. وكذلك وجوب الغسل إذا كان مستندا الى وجود الاثر العيني الخارجي، فلا يقتضي الاسلام سقوطه وكذلك وجوب التطهير من النجاسة. نعم قد تشكل دلالة الحديث بملاحظه قرينة السياق في بعض الموارد التي ورد فيها، المقتضية لحمله على رفع العقاب لا غير. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب قضاء الصلاة، وكتاب الزكاة فراجع. (1) هذه الدعوى ذكرها السيد في المدارك في مبحث قضاء الصلوات، واحتج بها على عدم تكليف الكافر القضاء. وحكاها في التذكرة والمنتهى عن أبي حنيفة. قال في الاول: " وهو غلط، لان الوجوب حالة الكفر

 

 

____________

(* 1) تقدم الكلام فيه في صفحة: 50 من الجزء السابع من هذا الشرح.

 

===============

 

( 215 )

 

[ الامر به حال كفره أمرا تهكميا ليعاقب لا حقيقيا (1). لكنه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به، لا كافرا ولا مسلما. والاظهر أن يقال: إنه حال استطاعته مأمور بالاتيان به مستطيعا وإن تركه فمتسكعا، وهو ممكن في حقه، لامكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك. فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال، ومأمور - على فرض تركه حالها - بفعله بعدها. وكذا يدفع الاشكال في قضاء الفوائت، فيقال: إنه ] يستلزم الصحة العقلية، أما الشرعية فانها موقوفة على شرط، وهو قادر عليه، وهو الاسلام، فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة.. ". وفي المنتهى - بعد نقل الاشكال - قال: " والجواب: المنع من عدم المكنة، لان الشرط هو الاسلام، وهو متمكن منه، والتمكن من الشرط هنا يستلزم التمكن من المشروط.. ". ولم يظهر وجه اندفاع الاشكال بما ذكره. إلا بناء على عدم سقوطه بالاسلام. وفي المعتبر: حكى الدعوى المذكورة عن الشافعي، وقال في جوابها: " قلنا: يمكنه الاداء، لان تقديم الاسلام ممكن منه، وإذا كان الشرط ممكنا لم يمتنع المشروط.. ". ولا يظهر ايضا وجه الجواب. إلا أن يكون مراده تقديم الاسلام في سنة الاستطاعة، فيرجع إلى ما ذكره المصنف وغيره. (1) إذا كان دليل الوجوب الادلة العامة فمدلولها واحد لا يمكن أن يكون الامر في حق المسلم حقيقيا وفي حق الكافر تهكميا. مع أن الامر التهكمي لا يوجب عقابا. بل قد عرفت سابقا الاشارة إلى ان البعث العقلي، واستحقاق الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة، كلها من آثار الترجح النفسي ولوازمه. والامر لا موضوعية له في ذلك، بل هو طريق محض إليه لا غير.

 

===============

 

( 216 )

 

[ في الوقت مكلف بالاداء، ومع تركه بالقضاء. وهو مقدور له، بأن يسلم فيأتي بها أداء، ومع تركها قضاء. فتوجه الامر بالقضاء إليه إنما هو في حال الاداء على نحو الامر المعلق (1). فحاصل الاشكال: إنه إذا لم يصح الاتيان به حال الكفر، ولا يجب عليه إذا أسلم، فكيف يكون مكلفا بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب: أنه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الاداء على نحو الوجوب المعلق، ومع تركه الاسلام ] (1) يعني: على نحو الامر بشئ معلق، فالمعلق هو المأمور به لا الامر. لكن يشكل ذلك أولا: بما اشكل على الواجب المعلق، من أن القيد المتأخر إذا كان قيدا للواجب كان واجبا بوجوبه، ولما لم يكن مقدورا فعلا كان التكليف به تكليفا بغير المقدور، فيكون محالا. مضافا إلى أن الامر بالمعلق لما لم يكن محركا لم يكن تكليفا ولا وجوبا، لان اعتبارهما مشروط بالمحركية. وثانيا: بأن الاجماع على شرطية الاسلام في صحة العبادة إنما يقتضى اعتباره حال العمل، ولا يقتضى اعتباره في سنة الاستطاعة. فانه لا دليل عليه، والقواعد العامة تنفيه. وارتكاب مخالفة القواعد في ذلك ليس بأهون من ارتكاب مخالفة عموم الادلة الدالة على التكاليف. إلا أن يكون المقصود رفع الاستحالة العقلية التي يدعيها المانع - على ما يظهر من استدلاله - لا ترجيح التصرف بالادلة الاولية، بالبناء على شرطية الاسلام حال الاداء - في الموارد التي يجب فيها القضاء، أو في السنة الاولى في مسالتنا - على التصرف في عموم أدلة التكاليف، كي يشكل: بأن التصرف المذكور ليس باولى من التصرف في عموم التكليف. ثم إنه قد يستضعف الاشكال المذكور: بأن العمومات قويه الدلالة

 

===============

 

( 217 )

 

[ في الوقت فوت على نفسه الاداء والقضاء، فيستحق العقاب عليه. وبعبارة أخرى: كان يمكنه الاتيان بالقضاء بالاسلام في الوقت إذا ترك الاداء. وحينئذ فإذا ترك الاسلام ومات كافرا يعاقب على مخالفة الامر بالقضاء، وإذا أسلم يغفر له، وإن خالف أيضا واستحق العقاب. (مسألة 75): لو أحرم الكافر ثم أسلم في الاثناء لم ] معتضدة بما ورد من الايات الشريفة الدالة على عذاب الكافر بترك الصلاة وغيرها. وفيه: أن الكلام في خصوص العمومات المنافية لحديث الجب، مثل: ما دل على قضاء الصلاة، وما دل على وجوب الحج إذا استطاع وزالت استطاعته في السنة الثانية. فان العموم الدال على وجوب الحج بعد زوال الاستطاعة ليس بتلك القوة، على نحو يرجح لاجله الالتزام بأن الشرط - في وجوب الحج - خصوص الاسلام في سنة الاستطاعة. هذا والذي يقتضيه التأمل: أن البناء على تخصيص عموم القضاء، أو العموم الدال على وجوب الحج في السنة الثانية على من استطاع في السنة الاولى فتهاون بحديث الجب لا يمكن، لان لسانه اب عن ذلك. فانه يدل على السقوط بعد الثبوت، فهو معاضد للعمومات لا مخصص. ومن ذلك يظهر ان البناء على نفي القضاء عن الكافر، أو عدم وجوب الحج في المقام - كما ذكر المستشكل لحديث الجب - إن كان المقصود منه نفي الملاك، فهو خلاف ظاهر الحديث أو صريحه. وإن كان نفي فعلية التكليف فلا مضايقة فيه. بل هو في محله، كما يعترف به من تعرض للجواب عن الاشكال بما ذكره المصنف (ره). فان شرط الصحة إذا كان هو الاسلام في الوقت، فإذا خرج الوقت ولم يسلم فقد فات الشرط وتعذر المشروط وسقط التكليف

 

===============

 

( 218 )

 

به، وإن كان يستحق العقاب عليه. لانه عجز نفسه عن القيام بالواجب الذي وجب عليه، إما بالوجوب المعلق - بناء على امكان الوجوب المعلق - أو بالوجوب الذي سيجب عليه بالوجوب المنجز - بناء على امتناع الوجوب المعلق - لان تعجيز المكلف نفسه عن الواجب الذي سيجب عليه موجب لاستحقاق العقاب، لانه تفويت لغرض المولى. فتكون المسألة من قبيل غسل الجنب قبل الفجر في شهر رمضان، فانه إذا تركه عمدا كان مستحقا للعقاب، إما لان الوجوب حاصل قبل الفجر على نحو الوجوب المعلق وقد عصاه. أو لانه سيحصل له بعد الفجر، فيكون ترك الغسل تفويتا لغرض المولى، أو لغير ذلك من الوجوه التي تعرضنا لها في كتاب الصوم. فراجع. وبما ذكر يظهر وجه جمع بين القولين. ولعله إلى ذلك اشار الوحيد البهبهاني (ره) في حاشيته على المدارك، فانه اشكل على ما ذكره في المدارك فقال: " يجوز أن يكون مخاطبا بالقضاء وإن كان الاسلام شرطا لصحته وقبوله، وأنه بعد تحقق الاسلام وفعليته يسقط. إذ السقوط معناه رفع ما ثبت من التكليف والوجوب. وثمرة هذا التكليف: عقاب الكافر لو مات كافرا. إلى ان قال: ومصداق قوله (صلى الله عليه وآله): " الاسلام يجب ما قبله " هو هذا القضاء وما ماثله، من الامور التي كانت لازمة عليه قبل الاسلام.. " وإن كان عبارته غير وافية به. ثم إن ما ذكرنا من الوجهين في امتناع الواجب المعلق لا يخلو من إشكال، فان اخذ الزمان المستقبل قيدا في الواجب إنما يمتنع إذا كان أخذه على نحو يكون موردا للتكليف، أما إذا لم يؤخذ كذلك - بأن أخذ وجوده من باب الاتفاق وبغير داعى الوجوب قيدا - فلا يكون التكليف بالمقيد به تكليفا بغير الاختياري، فلا مانع منه. وعدم محركية الوجوب إلى الفعل

 

===============

 

( 219 )

 

[ يكفه ووجب عليه الاعادة من الميقات، ولو لم يتمكن من العود الى الميقات أحرم من موضعه (1). ولا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلما (2)، لان إحرامه باطل. (مسألة 76): المرتد يجب عليه الحج، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده، ولا يصح منه فان مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه، ولا يقضى عنه على الاقوى (3)، لعدم أهليته للاكرام وتفريغ ذمته كالكافر ] قبل الوقت لا يمنع من صدق التكليف عليه. مع أنه قد يكون محركا إلى مقدماته إذا كانت له مقدمات قبل الوقت، ويستحق العقاب على ترك الواجب الناشئ من تركها. فالبناء على امتناع الواجب المعلق لما ذكر غير ظاهر. (1) كما ذكر في الشرائع وغيرها. وعلله في المدارك: بأنه ثبت ذلك في الناسي والجاهل، والمسلم في المقام أعذر منهما. وأنسب بالتخفيف. لكنه غير ظاهر إذا كان عالما عامدا. إلا أن يثبت ذلك في العامد إذا تعذر عليه العود. وسيأتي الكلام فيه في محله. (2) كما نص عليه في الشرائع وغيرها. لكنه قال: " إلا أن يستأنف إحراما.. ". وهوفي محله، لبطلان إحرامه، فتجب عليه إعاده الاحرام من الميقات إن أمكن، وإن لم يمكن فمن موضعه، على ما عرفت. نعم لو تركه جهلا أو نسيانا لحقه حكمهما، وهو الصحة. (3) خلافا للقواعد، حيث قال: " ولو مات - يعني: المرتد المستطيع - أخرج من صلب تركته وإن لم يتب، على إشكال... ". واستدل له: باطلاق وجوب القضاء عمن مات وعليه حج الاسلام (* 1). ولانه دين (* 2). وهو كما ترى، لاختصاص ادلة القضاء بغيره ممن يحسن إبراؤه وإكرامه،

 

 

____________

(* 1)، (* 2) لاحظ الوسائل باب: 28، 29 من ابواب وجوب الحج.

 

===============

 

( 220 )

 

[ الاصلي. وإن تاب وجب عليه وصح منه وإن كان فطريا، على الاقوى من قبول توبته (1)، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته. فلا تجري فيه قاعدة جب الاسلام، لانها مختصة بالكافر الاصلي بحكم التبادر (2). ولو أحرم في حال ردته ثم تاب وجب عليه الاعادة كالكافر الاصلي. ولو حج في حال إحرامه ثم ارتد لم يجب عليه الاعادة على الاقوى (3). ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): " من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب، يحسب له كل عمل صالح عمله، ولا يبطل منه شئ " (* 1). ] كما ذكر ذلك في كشف اللثام والجواهر وغيرهما. لكن قال في الجواهر: " ولعل الاقوى عدم القضاء.. ". وفيه إشعار بتوقفه في ذلك. ولكنه في غير محله. (1) تعرضنا لذلك في مبحث مطهرية الاسلام من كتاب الطهارة. فراجع (2) بل التسالم ايضا، يظهر ذلك من كلماتهم في مباحث قضاء الصلاة والصيام، حيث قيدوا سقوطه عن الكافر بالكفر الاصلي. وسيأتى في كلام الشيخ ما هو قرينة على ذلك. وما ذكره من التبادر ايضا ظاهر. (3) خلافا للشيخ (ره) في المبسوط، وحكاه في كشف اللثام عن الجواهر. قال في المبسوط " لان إسلامه الاول لم يكن إسلاما عندنا، لانه لو كان كذلك لما جاز أن يكفر.. ". وكأنه لما في الجواهر، من قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذا هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) (* 2). لكن الدلالة غير ظاهرة. بل ذيل الآية دال على

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 30 من ابواب مقدمة العبادات حديث: 1. (* 2) التوبة: 115.

 

===============

 

( 221 )

 

[ وآية الحبط مختصة بمن مات على كفره (1)، بقرينة الآية الاخرى، وهي قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم..) (* 1). وهذه الآية دليل على قبول توبة المرتد الفطري (2). فما ذكره بعضهم، من عدم قبولها منه لا وجه له. (مسألة 77): لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم خلاف ذلك. وفيه - كما في الجواهر وغيرها -: أنه مخالف للوجدان، ولظواهر الكتاب والسنة. وفي المدارك: " يدفعه صريحا: قوله تعالى: (إن الذين أمنوا ثم كفروا ثم آمنوا..) (* 2) حيث أثبت الكفر بعد الايمان.. ". إلا أن يقال: إن الاستعمال أعم من الحقيقة. فتأمل. (1) في الجواهر ناقش فيها أولا: باختصاصها بالعمل حال الكفر " فلا تشمل ما نحن فيه. وثانيا: بما ذكره في المتن. لكن المناقشة الاولى غير مطردة في ادلة الاحباط، لظهور بعضها في حبط العمل قبل الكفر، مثل قوله تعالى: (لئن اشركت ليحبطن عملك..) (* 3). وكأنه لذلك لم يتعرض لها المصنف. (2) في الدلالة خفاء، إذ مفادها ليس إلا عدم حبط عمل من لم يمت وهو كافر. وذلك أعم من قبول التوبة في الاخرة، لجواز أن يكون عدم الحبط موجبا لتخفيف العذاب، ولا تدل على ثبوت الثواب - فتأمل - فضلا عن قبولها في الدنيا، من حيث الطهارة والنجاسة،

 

 

____________

(* 1) البقرة: 217. (* 2) النساء: 136. (* 3) الزمر: 65.

 

===============

 

( 222 )

 

[ يبطل إحرامه على الاصح (1)، - كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثم تاب. وكذا لو ارتد في أثناء الاذان أو الاقامة أو الوضوء، ثم تاب قبل فوات الموالاة. بل وكذا لو ارتد في أثناء الصلاة ثم تاب قبل أن يأتي بشئ أو يفوت الموالاة، ] والتوارث، ونكاح المسلمة، وغير ذلك من أحكام المسلمين. (1) كما في الشرائع وغيرها. وقال الشيخ في المبسوط: " فان أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام جاز أن يبني عليه، لانه لا دليل على فساده. إلا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج، فان على ذلك التعليل لم ينعقد إحرامه الاول أيضا. غير أنه يلزم عليه إسقاط العبادات التي فاتته في حال الارتداد عنه، لمثل ذلك. لانا إذا لم نحكم باسلامه الاول فكأنه كان كافرا في الاصل، وكافر الاصل لم يلزمه قضاء ما فاته في حال الكفر. وإن قلنا بذلك كان خلاف المعهود من المذهب: وفي المسألة نظر.. ". وقال في المدارك: " وهذا لا يراد متوجه، وهو من جملة الادلة على فساد تلك القاعدة.. ". لكن الايراد غير ظاهر، لان المراد من الكافر الاصلي ما لا يعم ذلك، فلا يترتب عليه حكمه. وليس عندنا دليل على تنزيله منزلته كي يؤخذ باطلاق التنزيل. نعم قد تشكل لو كان الارتداد في اثناء الاحرام، لانه عبادة، ومع الارتداد في الاثناء يبطل منه الجزء المقارن للارتداد. نظير الارتداد في اثناء الصوم، كما سيأتي. وفيه: أن الصوم من الافعال الاختيارية القارة، نظير الاكل والشرب ونحوهما، فيجب أن تكون عبادة حدوثا وبقاء. وليس الاحرام كذلك، بل هو من الصفات، نظير الطهارة والحدث، فإذا وقع عن النية حصل، وبقاؤه لا يعتبر فيه النية. فبطلانه بالكفر يتوقف على أن يكون الكفر محللا، كما أن بطلان الطهارة بالكفر يتوقف على كونه حدثا.

 

===============

 

( 223 )

 

[ على الاقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءا فيها (1). نعم لو ارتد في أثناء الصوم بطل، وإن تاب بلا فصل. (مسألة 78): إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الاعادة (2). ] ولاجل ذلك لا يبطل الاحرام بالرياء في الاثناء، كما لا تبطل الطهارة بالرياء بعد حصولها، وإن كان الصوم يبطل بالرياء في اثنائه. ومثله: الاعتكاف. وكأنه إلى ذلك اشار في الجواهر - في تعليل ما في المتن - بقوله: " لما عرفت في الحج، من الاصل وغيره، بعد عدم دخول الزمان في مفهومه، كي يتجه بطلانه بمضي جزء ولو يسير.. ". (1) لا إشكال في ان أجزاء الصلاة يعتبر فيها الترتيب، الموجب لحدوث هيئة خاصه للافعال الخاصة. كما يعتبر فيها الموالاة الشرعية بنحو ينافيها السكوت الطويل، الموجب لخروج المصلي عن كونه مصليا في نظر المتشرعة. وهل يعتبر فيها الموالاة العرفية؟ إشكال والاظهر العدم. أما الهيئة الاتصالية المذكورة في المتن فالظاهر أن المراد منها الاكوان الصلاتية التي تكون بين الافعال وظاهر الجواهر هنا: اعتبارها فيها، وبطلان الصلاة بالارتداد. لكنه غير ظاهر، فان الاكوان المذكورة ليست عبادة، ولا يعتبر وقوعها على وجه القربة. بل هي غير اختيارية للمكلف. فلاحظ (2) كما هو المشهور شهرة عظيمة. لصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " كل عمل عمله - وهو في حال نصبه وضلالته - ثم من الله تعالى عليه وعرفه الولاية، فانه يؤجر عليه. إلا الزكاة، فانه يعيدها لانه وضعها في غير مواضعها، لانها لاهل الولاية. وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء " (* 1)، ومصحح الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 224 )

 

[ بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه، وإن لم يكن صحيحا في مذهبنا (1) ] وأبي عبد الله (عليه السلام): " أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء، الحرورية، والمرجئة، والعثمانية، والقدرية، ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه، أيعيد كل صلاة صلاها، أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال (عليه السلام): ليس عليه إعادة شئ من ذلك، غير الزكاة " (* 1)، وخبر محمد بن حكيم، المروي في الذكرى عن كتاب علي ابن اسماعيل الميثمي (* 2)، وغير ذلك مما يأتي بعضه. وعن ابن الجنيد وابن البراج: وجوب الاعادة. لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): " لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج " (* 3)، ومكاتبة إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني " كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام): إني حججت - وأنا مخالف - وكنت صرورة ودخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج فكتب إليه: أعد حجك " (* 4). لكنهما محمولان على الاستحباب جمعا. مضافا إلى ما قيل من ضعفهما، واختصاص الاول بالناصب. (1) الذي ينسبق إلى الذهن من الروايات المذكورة: أن السؤال فيها كان عن صحة العبادة. من جهة فساد الاعتقاد، في فرض الصحة من الجهات الاخرى، فيكون الجواب بعدم الحاجة إلى الاعادة راجعا إلى عدم قدح

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5. (* 3) الوسائل الباب: 21 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. واورد ذيله في باب 23 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 4) الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

 

===============

 

( 225 )

 

[ من غير فرق بين الفرق. لاطلاق الاخبار. وما دل على ] فساد العقيدة في صحة العبادة. وحينئذ يختص عدم وجوب الاعادة بما إذا كان العمل صحيحا لولا فساد العقيدة، وما لم يكن صحيحا لولاها يرجع في حكمه إلى عموم الوجوب. لكن التفصيل بين الزكاة وغيرها معللا بما ذكر، مع غلبه الفساد في الاعمال غير الزكاة، يوجب ظهورها في عموم الحكم لما كان فاسدا في نفسه. ويكون وجه التعليل: أن الزكاة لما كانت من حقوق الناس لم تجز، بخلاف غيرها فانها من حقوق الله تعالى فاجتزأ بها تعالى. وحينئذ لا فرق في العمل بين أن يكون فاسدا عندنا وعندهم، وأن يكون صحيحا عندنا لا عندهم، وبين العكس إذا كان اتيا به على وجه العبادة. نعم مقتضى الغلبة: أن يكون صحيحا عند العامل كما يناسبه قوله (عليه السلام) في الزكاة: " إنه وضعها في غير مواضعها ". فانه مبني على ذلك، فيكون المستثنى منه كذلك. لكن في اقتضاء ذلك رفع اليد عن ظاهر التعليل، المقتضي لانحصار الوجه في عدم الاجزاء في كونه من حقوق الناس لا غير إشكال ظاهر. ومن ذلك تعرف أن عدم وجوب الاعادة فيما كان صحيحا عندنا لا عندهم اقرب إلى مفاد النصوص غير المشتملة على التعليل من العكس. مضافا إلى الاولوية التي ادعاها في الجواهر، فان ما كان صحيحا في الواقع أولى بالاجتزاء به مما كان فاسدا. فتأمل. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما في الشرائع، وعن المعتبر والقواعد والمنتهى والدروس وغيرها، من وجوب الاعادة إذا أخل بركن، سواء أكان المراد الركن عندنا أم عندهم. وإن كان الثاني أبعد عن الاشكال، بناء على ما تقدم من الغلبة. وان كان الاول أبعد عن الاشكال، بناء على ما ينسبق إلى الذهن من الروايات مع قطع النظر عن التعليل. لكن عرفت الاشكال في المبنيين معا، وانهما معا خلاف ظاهر التعليل. فلاحظ.

 

===============

 

( 226 )

 

[ الاعادة من الاخبار محمول على الاستحباب (1)، بقرينة بعضها الآخر، من حيث التعبير بقوله (عليه السلام): " يقضي أحب إلي "، وقوله (عليه السلام): " والحج أحب إلي ". (مسألة 79): لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة (2)، ] (1) في صحيح بريد العجلي قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الامر، ثم من الله تعالى عليه بمعرفته والدينونة به، أعليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: قد قضى فريضته. ولو حج لكان أحب الي. قال: وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الاصناف من أهل القبلة، وناصب متدين، ثم من الله عليه فعرف هذا الامر يقضي حجة الاسلام؟ فقال (عليه السلام): يقضي أحب إلى.. " (* 1)، ونحوه صحيح عمر بن أذينة (* 2). ثم إنه لا ريب في شرطية الايمان في صحة العبادة، وعليه فعبادة المخالف باطلة، لا يترتب عليها الاحكام. فإذا حج ولم يطف طواف النساء جاز للمؤمنة أن تتزوجه، لعدم صحة إحرامه، ولو استبصر بعد ذلك لم يجب عليه طواف النساء، لما ذكرنا. لكن في الجواهر: احتمل أن الايمان اللاحق شرط في صحة عبادته. وهو خلاف ظاهر الادلة. ولو سلم لم يجب عليه طواف النساء، لاطلاق النصوص المتقدمة الدالة على الاجتزاء وعدم لزوم الاعادة، فانها ظاهرة في عدم لزوم طواف النساء. (2) بلا خلاف يوجد، كما في المستند. ويشهد له جملة من النصوص، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " سألته عن امرأة لها زوج،

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 23 من ابواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 227 )

 

[ ولا يجوز له منعها منه (1). وكذا في الحج الواجب بالنذر ونحوه إذا كان مضيقا (2). ] وهي صرورة، ولا يأذن لها في الحج. قال (عليه السلام): تحج وإن لم يأذن لها " (* 1)، وصحيح محمد عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: " سألته عن المرأة لم تحج " ولها زوج، وأبى أن يأذن لها في الحج، فغاب زوجها، فهل لها أن تحج؟ قال (عليه السلام): لا طاعة له عليها في حجة الاسلام (* 2) "، وصحيح معاوية بن وهب قال: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): امرأة لها زوج، فابى أن ياذن لها في الحج، ولم تحج حجة الاسلام، فغاب عنها زوجها وقد نهاها أن تحج. فقال (عليه السلام): لا طاعة له عليها في حجة الاسلام، ولا كرامة. لتحج إن شاءت " (* 3). ونحوها غيرها. (1) كما يفهم من النصوص المذكورة. سواء أكان المراد منه المنع التشريعي أم التكويني، إذا الاول أمر بالمنكر، وهو حرام. والثاني كذلك مع أنه خلاف قاعدة السلطنة على النفس. (2) النصوص الواردة في الباب موردها خصوص حج الاسلام، فالحاق مطلق الواجب به، إما لالغاء خصوصية المورد. أو للاجماع. أو لما في المعتبر وغيره من قوله (عليه السلام): " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " (* 4). وإن كان الاستدلال به في حج الاسلام إنما يتم فيما لو استقر الحج في ذمتها أما إذا لم يستقر فيشكل: بأن نهي الزوج مانع عن تحقق الاستطاعة، فلا موضوع لمعصية الخالق. وأما في غير الحج الاسلامي، من الحج النذري

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 59 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 59 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 59 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 59 من ابواب وجوب الحج حديث: 7.

 

===============

 

( 228 )

 

[ وأما في الحج المندوب فيشترط إذنه (1)، وكذا في الواجب ] وغيره مما استقر في ذمتها، فلا مانع من الاستدلال به فيه. (1) بلا خلاف يعرف - كما في الذخيرة - ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم - كما عن المنتهى - بل الاجماع - كما في المدارك - بل لعله إجماع محقق، كذا في المستند. واستدل له - كما قيل -: بأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب. وبموثق إسحاق بن عمار عن أبي ابراهيم قال: " سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام، تقول لزوجها حجني مرة أخرى، أله أن يمنعها؟ قال (عليه السلام): نعم يقول لها: حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا " (* 1). لكن في المدارك: " وقد يقال: إن الدليل الاول إنما يقتضي المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج، والمدعى أعم من ذلك. والرواية إنما تدل على أن للزوج المنع، ولا يلزم منه التوقف على الاذن.. ". ويشكل: بأن ما دل على سقوط نفقة الزوجة بالخروج من بيتها بغير إذنه - وهو خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع " (* 2). وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حقوق الزوج على الزوجة: " ولا تخرج من بيتها إلا باذنه " (* 3) ونحوه: خبر العزرمى (* 4)، وخبر ابن جعفر عن المرأة: " ألها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال (عليه السلام): لا " (* 5) يدل على أن من حقوقه الاستيذان منه في السفر، فلا يجوز

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 59 من ابواب وجوب الحج ملحق حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 6 من ابواب وجوب النفقات حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 79 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 79 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 5) الوسائل باب: 79 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 5.

 

===============

 

( 229 )

 

[ الموسع قبل تضيقه على الاقوى (1). بل في حجة الاسلام يجوز له منعها من الخروج مع أول الرفقة، مع وجود الرفقة الاخرى قبل تضيق الوقت. والمطلقة الرجعية كالزوجة في ] لها تفويته. نعم دلاله الموثق على وجوب الاستيذان غير ظاهرة. على أن سوق السؤال فيه وفي غيره من النصوص - المتقدمة في حج الاسلام - يقتضي أن وظيفة الزوجة الاستيذان، لا عدم المنع. فلاحظ. وأما ما ذكر في كلام غير واحد، من أن حق تعيين المسكن للزوج، فهو متفرع على مطالبة الزوجة بنفقة الاسكان، لا ما إذا اسقطت حقها من ذلك. (1) حكى ذلك في المدارك بقوله: " وربما قيل: بان للزوج المنع في الموسع إلى محل التضييق.. ". لكنه قال: " وهو ضعيف، لاصالة عدم سلطنته عليها في ذلك.. ". وفي الدروس: " وليس يشترط في الوجوب، ولا في البدار في الحج الواجب المضيق.. ". وفيه: أن إطلاق ما دل على اعتبار إذن الزوج محكم في غير ما دل على خلافه دليل. ولا دليل في المقام على خلافه، لان ظاهر النصوص السابقة - بناء على التعدي عن موردها إلى مطلق الواجب - عدم اعتبار إذنه في أصل الواجب، لا في الخصوصيات الاخرى. بل عرفت أن العمدة - في الخروج عن قاعدة: اعتبار إذن الزوج في جواز السفر، في مطلق الواجب - هو الاجماع، وهو غير ثابت. وكذلك قوله (عليه السلام): " لا طاعة لمخلوق.. " يختص بما إذا كانت إطاعة المخلوق معصية للخالق، فلا يشمل محل الكلام. ومن ذلك يظهر الوجه في قوله (ره): " بل في حجة الاسلام.. ". كما أنه من ذلك يظهر لك الاشكال فيما يتراءى من عبارة الشرائع وغيرها، من إطلاق عدم اعتبار إذن الزوج في الحج الواجب وإن كان موسعا. لكن المظنون قويا إرادتهم ما هو ظاهر النصوص الذي قد عرفته.

 

===============

 

( 230 )

 

[ اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدة (1). بخلاف البائنة (2)، لانقطاع عصمتها منه. وكذا المعتدة للوفاة، فيجوز لها الحج، واجبا كان أو مندوبا (3). والظاهر أن المنقطعة كالدائمة في اشتراط الاذن (4). ولا فرق في اشتراط الاذن بين أن يكون ] (1) كما صرح به جماعة، مرسلين له إرسال المسلمات، من دون تعرض لخلاف فيه. ووجهه واضح، لان المطلقة رجعيا بحكم الزوجة باتفاق النص والفتوى، فيجري فيها التفصيل السابق في الزوجة بين الواجب والمندوب. مضافا الى جملة من النصوص المحمولة عليها، كصحيح منصور ابن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " المطلقة إن كانت صرورة حجت في عدتها، وإن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها " (* 1). وفي صحيح معاوية بن عمار: " ولا تحج المطلقة في عدتها " (* 2). وفي رواية أبي هلال: " ولا تخرج التي تطلق. إن الله تعالى يقول: (ولا يخرجن) (* 3) (* 4). ولعل الاخير قرينة على حمل غيره على المطلقة رجعيا. (2) بلا خلاف ظاهر. وعللوه بما في المتن. (3) فقد استفاضت النصوص في جواز حجها في العدة. ففي موثق زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): " سألته عن التي يتوفى عنها زوجها، أتحج في عدتها؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 5). ونحوه غيره. (4) لعموم بعض الاخبار المتقدمة الشامل لها وللدائمة. نعم خبر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 60 من ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 60 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 3) الطلاق: 1. (* 4) الوسائل باب: 60 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 61 من ابواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 231 )

 

[ ممنوعا من الاستمتاع بها - لمرض، أو سفر - أولا (1). (مسألة 80): لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة (2) إذا كانت مأمونة على نفسها وبضعها، كما دلت عليه جملة من الاخبار (3). ] السكوني (* 1) لما كان مشتملا على النفقة كان قاصرا عن شمولها، لعدم النفقة لها. (1) لما عرفت من عموم خبر السكوني. نعم لو كان الموجب لاعتبار الاذن منافاته لحق الاستمتاع، كان التفصيل بين الممنوع من الاستمتاع وغيره في محله. إذ في الاول لا يكون السفر منافيا للحق المذكور. (2) بلا خلاف أجده فيه بيننا، كذا في الجواهر. وفي المدارك: " هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب، حكاه في المنتهى... ". ويقتضيه إطلاق الادلة. وعن أحمد في إحدى الروايتين: اشتراط ذلك حتى مع الاستغناء عنه. (3) منها صحيح معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي. فقال (عليه السلام): لا بأس، تخرج مع قوم ثقاة " (* 2)، وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في المرأة تريد الحج، وليس معها محرم، هل يصلح لها الحج؟ فقال: نعم إذا كانت مأمونة " (* 3)، وصحيح صفوان الجمال قال: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): قد عرفتني بعملي، تأتيني المراة، أعرفها باسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم، ليس لها محرم، فقال (عليه السلام): إذا جاءت المرأة

 

 

____________

(* 1) تقدم ذلك قريبا في المسألة. فلاحظ. (* 2) الوسائل باب: 58 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 58 من ابواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 232 )

 

[ ولا فرق بين كونها ذات بعل أو لا (1). ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم (2) ولو بالاجرة، مع تمكنها منها، ومع عدمه لا تكون مستطيعة (3). وهل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم.؟ وجهان (4). ولو كانت ذات ] المسلمة فاحملها، فان المؤمن محرم المؤمنة. ثم تلا هذه الاية: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض..) (* 1) " (* 2) ونحوها غيرها. (1) لاطلاق النصوص، وخصوص صحيح معاوية بن عمار: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال (عليه السلام): لا بأس. وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ، فأبوا أن يحجوا بها، وليس لهم سعة، فلا ينبغي لها أن تقعد، ولا ينبغي لهم أن يمنعوها (* 3). (2) لانه مقدمة للواجب. لكن هذا إذا توقف الامن على استصحاب المحرم أما إذا كان يكفي في حصول الامن وجود من تصحبه وإن لم يكن محرما، وجب عليها استصحابه وإن لم يكن محرما. وبالجملة: الواجب استصحاب من تكون مأمونة بمصاحبته، سواء أكان محرما أم غيره. (3) لانتفاء تخلية السرب، الذي هو أحد شرائط الاستطاعة. (4) اقواهما الوجوب، كسائر الامور المحتاج إليها في السفر، مثل: الرحل، والراحلة، وغيرهما. وكأن منشأ توقف المصنف: احتمال أن يكون من شرائط الاستطاعة التي لا يجب تحصيلها، مثل: ملك الزاد والراحلة. لكنه ضعيف، إذ كما يجب استصحاب المحرم في ظرف كونه محرما، يجب جعله محرما واستصحابه. لتوقف الواجب المطلق عليه.

 

 

____________

(* 1) التوبة: 71. (* 2) الوسائل باب: 58 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 58 من ابواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 233 )

 

[ زوج، وادعي عدم الامن عليها وأنكرت (1)، قدم قولها، مع عدم البينة، أو القرائن الشاهدة. والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها. إلا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها، بدعوى: أن حجها حينئذ مفوت لحقه، مع عدم وجوبه عليها، فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف. وهل ] وتخليه السرب حاصله مع القدرة على احد الامرين، وإلا لم يجب استصحاب المحرم الثابتة محرميته. وفي الجواهر: جعل الحكم محل إشكال، ولم يرجح أحد الاحتمالين. لكنه في غير محله. اللهم إلا إذا كان التزويج مهانة لها، فانه لا يجب، لانتفاء الاستطاعة. وكذا الكلام فيما لو توقف على تزويج ابنة ابنها أو بنتها منه. مع إمكان ذلك لها، فانه يجب. (1) أول من صور هذا النزاع - فيما وقفت عليه - الشهيد في الدروس، قال: " ولو ادعى الزوج الخوف وأنكرت، عمل بشاهد الحال، أو بالبينة، فان انتفيا قدم قولها. والاقرب أنه لا يمين عليها.. ". وفي المدارك: " ولو ادعى الزوج الخوف وأنكرت عمل.. ". ونحوهما في الجواهر والحدائق. وظاهره أن الذي يدعيه الزوج خوفه عليها، وعليه فلا ينبغي التأمل في أن هذه الدعوى غير مسموعة، لان خوفه ليس موضوعا للاثر الشرعي، وإنما موضوع الاثر خوفها، فإذا كانت آمنة على نفسها وجب عليها السفر، وإن كان زوجها أو غيره - ممن يمت إليها بنسب أو سبب - خائفا عليها، نعم إذا كانت دعوى الزوج أنها خائفة وغير أمنة، كانت موضوعا لاثر شرعي، وهو عدم الاستطاعة وعدم وجوب الحج. ويترتب على ذلك استحقاق النفقة على الزوج، وسقوط حقوق الزوج على تقدير صحة دعواها، وسقوط نفقتها، وثبوت حقوق الزوج على تقدير صحة دعواه. لكن ثبوت نفقتها يتوقف على كونها زوجة دائمة

 

===============

 

( 234 )

 

[ للزوج - مع هذه الحالة - منعها عن الحج باطنا إذا أمكنه ] كما أن ثبوت حقوقه يتوقف على عدم المانع من اهليته لاستيفائها - من مرض، أو هرم، أو نحوهما فيه أو فيها - وإلا لم يكن له حق عليها. وأما حق الاستيذان في الخروج من بيتها فليس من الفوائد المرغوب فيها التي تثير النزاع والخصام، لتسمع الدعوى بملاحظته. وكأنه لذلك قال المصنف: " والظاهر عدم استحقاقه اليمين.. ". لكنه بناء على ذلك لا تسمع دعواه، لعدم استحقاق المطالبة بشئ، لا أنها تسمع ولا يمين عليها، كما أشار إلى ذلك في الجواهر. مع أن منع كون حق الاستيذان من الحقوق التي تصح المطالبة بها - لعدم ترتب الفائدة المرغوب فيها عليه - غير ظاهر، كيف والمطالبة به قد تكون محافظة منه على غرضه؟ فالتحقيق إذا: سماع دعواه، وعليها اليمين إن لم يقم البينة على مدعاه. وفي بعض الحواشي: احتمال أن يكون النزاع المذكور من باب التداعي، لا من باب المدعي والمنكر. وكأنه لان مصب الدعوى وإن كان الخوف وعدمه، فيكون مدعيه مدعيا ومنكره منكرا، لكن بلحاظ أن الغرض من إنكار الخوف استحقاق النفقة على الزوج مدة السفر، فهي تطالب بالنفقة، وهو يطالب بالاستمتاع. فكل واحد منهما يطالب بحق هو على خلاف مقتضى الاصل. والتحقيق: أن المعيار في صدق المدعي والمنكر هو الغرض المقصود من الخصومة، لا ما هو مصب الدعوى. ولكن يشكل: بأن هذا المقدار لا يوجب جريان حكم التداعي، لان الزوجة وإن كانت تدعي ثبوت حق الانفاق، لكن ذلك لما كان من آثار عدم الخوف كان مدعاها مقتضى الاصل، فتكون منكرة.

 

===============

 

( 235 )

 

[ ذلك؟ وجهان في صورة عدم تحليفها (1). وأما معه فالظاهر سقوط حقه (2). ولو حجت بلا محرم مع عدم الامن، ] (1) أما وجه الاول فواضح، لانه استيفاء لحقه. وأما الثاني فمبني على أن حرمة الخروج بغير إذن الزوج من الاحكام لا من الحقوق. أو أنها من الحقوق لكن لما كانت الزوجة تعتقد أنها مكلفة تكون معذورة في تفويت الحق، وحينئذ لا دليل على ثبوت الحق. وفيه: ما عرفت من أن الظاهر من الادلة كون ترك الخروج بغير إذن الزوج من الحقوق. مع أنه لو سلم ذلك بالنسبة إلى ترك الخروج، فلا شبهة في أن الاستمتاع منها، فيجوز له حبسها لاستيفائه. وأما عذر المراة في تفويت الحق فهو مبني على أن المسوغ لترك الحج الخوف النوعي، إذ حينئذ يمكن فيه الخطأ، فتعتقد عدمه، فتكون معذورة على تقدير الخطا. أما إذا كان العذر خوفها - كما عرفت، ويقتضيه ادلة العذر - فلا تكون معذورة في حالة الخطأ، فإذا كان الزوج يدعي كذبها في دعوى عدم الخوف لا تكون معذورة. نعم يتم ذلك فيما إذا اعتقدت أنها مستطيعة من حيث المال وكان الزوج ينكر ذلك، إذ يمكن حينئذ الخطأ فيه فتكون معذورة، لا فيما نحن فيه. ولاجل ذلك يكون اقوى الوجهين أولهما. (2) لا إشكال في أن اليمين مانعة من الدعوى ثانيا. كما أن المشهور أنها مانعة من جواز المقاصة عن الحق. ولكن في كونها مانعة من التصرف في العين التي يدعيها المدعي تصرفا عينيا، مثل: أن يلبسها أو يتلفها، أو اعتباريا، مثل: أن يبيعها أو يعتقها، إشكال. والتحقيق: عدمه، كما ذكرنا ذلك في مبحث التنازع من كتاب الاجارة من هذا الشرح. فراجع. وكيف تصح دعوى حرمة تصرف المالك المحكوم عليه؟ وحرمة تصرف الاخذ المحكوم له؟ لانها ليست ملكا له - وكذا غيره من الناس -

 

===============

 

( 236 )

 

[ صح حجها إن حصل الامن قبل الشروع في الاحرام (1)، وإلا ففي الصحة إشكال، وإن كان الاقوى الصحة (2). (مسألة 81): إذا استقر عليه الحج - بأن استكملت الشرائط، وأهمل حتى زالت أو زال بعضها - صار دينا عليه ووجب الاتيان به بأي وجه تمكن. وإن مات فيجب أن يقضي عنه إن كانت له تركة، ويصح التبرع عنه. واختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال، فالمشهور: مضي زمان يمكن فيه الاتيان بجميع أفعاله، مستجمعا للشرائط (3)، وهو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة. وقيل: باعتبار مضي زمان يمكن فيه الاتيان بالاركان جامعا للشرائط (4)، فيكفي بقاؤها الى مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي. ] فتكون العين من المحرمات، فان التزام ذلك كما ترى. وعليه لا مانع من جواز حبس الزوجة ومنعها من الخروج في فرض المسألة. (1) هذا واضح. لتحقق شرائط الاستطاعة من الميقات، الكافي في وجوب حج الاسلام وصحته. (2) تقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة والستين. وذكرنا هناك: أن هذه الاعذار إنما تكون مانعة عن الاستطاعة في ظرف الترك، لا في ظرف الفعل فراجع، وتأمل. (3) نسبه في المدارك والذخيرة والمستند إلى الاكثر. وفي الجواهر: جعله المشهور نقلا وتحصيلا. (4) قال في المسالك: " ويمكن اعتبار زمان يمكن فيه تأدي الاركان خاصة.. إلى أن قال: واختاره في التذكرة والمهذب. ". وفى

 

===============

 

( 237 )

 

[ وربما يقال: باعتبار بقائها إلى عود الرفقة (1). وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الاحرام ودخول الحرم (2) وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة، فلو أهمل استقر عليه، وإن فقدت بعد ذلك، لانه كان مأمورا بالخروج معهم (3). والاقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه، بالنسبة إلى الاستطاعة المالية، والبدنية، والسربية وأما بالنسبة الى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الاعمال. وذلك لان فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعا، وأن وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهريا (4). ] الجواهر: ذكر أنه حكي عن الشهيد والمهذب. (1) قد يستفاد ذلك مما ذكره في التذكرة، من أن من تلف ماله قبل عود الحاج، وقبل مضي إمكان عودهم، لم يستقر الحج في ذمته. (2) هذا الاحتمال ذكره في القواعد. وفي المستند: " نسبه بعضهم إلى التذكرة، واستحسنه بعض المتأخرين إن كان زوال الاستطاعة بالموت.. ". (3) قال في المستند: " إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعا فالحق هو الاول.. (إلى أن قال): لكن الشأن في اشتراط ذلك، ولذا تأمل فيه في الذخيرة. وهو في موضعه. بل الاقرب عدم الاشتراط وكفاية توجه الخطاب ظاهرا أولا، كما هو ظاهر المدارك، وصريح المفاتيح وشرحه.. " إلى آخر ما نقلناه عنه في شرح المسألة الخامسة والستين. فراجع كلامه وكلام غيره المنقول هناك. (4) في المستند اعترف بذلك، غير أنه ادعى إطلاق صحيحتي ضريس والعجلي، المتقدمتين في المسألة الثالثة والسبعين، الدالتين على وجوب القضاء

 

===============

 

( 238 )

 

إذا لم يمت بعد الاحرام ودخول الحرم، الشامل لما إذا لم يستقر. وكذا إطلاقات وجوب القضاء. وفيه: ما عرفت في المسألة السابقة، من أن الصحيحتين المذكورتين لا عموم لهما لذلك، وليستا واردتين في مقام تشريع وجوب القضاء وإن لم يجب عليه الاداء. فراجع. ثم إن المتعين الرجوع إلى القواعد الاولية. ومقتضى ما تقدم، من اعتبار الشرائط في الوجوب: عدم استقرار الوجوب مع انتفاء بعضها. فما يعتبر في الوجوب وجوده - في الذهاب والاياب - إذا انتفى قبل مضي زمان الاياب انتفى الوجوب معه، وما لا يعتبر في الاياب، بل يعتبر وجوده إلى آخر زمان العمل، إذا انتفى قبل زمان تمام العمل انتفى الوجوب معه، وإذا انتفى بعد ذلك لم ينتف الوجوب معه. فالمدار في استقرار الوجوب واقعا وجود الشرط واقعا، فإذا انتفى انتفى، كما أشار الى ذلك المصنف. ومنه يظهر لك الاشكال في بقيه الاقوال المذكورة. إذ الاول خلاف ما دل على اعتبار جملة من الشرائط في الاياب كالذهاب. نعم يتم ذلك بالاضافة إلى الحياة. ولعل مراد بعضهم خصوص ذلك. والثاني مبني على الفرق بين اجزاء الواجب، وهو غير ظاهر وعدم لزوم التدارك مع الفوات - لعذر، أو ولو لا لعذر - لا يوجب الفرق بينها في الجزئية، وفي اعتبار وجود شرائط الاستطاعة في كل منها على نحو واحد. وعدم لزوم التدارك والاعادة على تقدير ترك بعضها لا يدل على عدم الجزئية، ولا على الفرق بينها فيما ذكرنا. وأما الاحتمال الرابع فهو مبني على إلحاق المقام بما لو مات بعد الاحرام ودخول الحرم، وهو لا دليل عليه. وليس البناء على التعدي عن مورده، وإلا لزم وجوب الحج على من علم بانتفاء جميع الشرائط بعد الاحرام ودخول الحرم، وهو كما ترى. وأما الخامس فهو - على ظاهره - مبني على اعتبار اجتماع الشرائط حين خروج الرفقة ظاهرا،

 

===============

 

( 239 )

 

[ ولذا لو علم من الاول أن الشرائط لا تبقى الى الآخر لم يجب عليه. نعم لو فرض تحقق الموت بعد تمام الاعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الاعمال، لعدم الحاجة حينئذ الى نفقة العود، والرجوع إلى كفاية، وتخلية السرب، ونحوها. ولو علم من الاول بأنه يموت بعد ذلك، فان كان قبل تمام الاعمال لم يجب عليه المشي، وإن كان بعده وجب عليه. هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا إلى ترك المشي، والا استقر عليه، كما إذا علم أنه لو مشى الى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلا، فانه حينئذ يستقر عليه الوجوب، لانه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه. وأما لو شك في أن الفقد مستند إلى ترك المشي أولا، فالظاهر عدم الاستقرار، للشك ] ولا يضر انتفاء الشرائط واقعا. وهو غريب، لانه خلاف ما دل على اعتبار الاستطاعة، الظاهر في شرطية الوجود الواقعي لا الظاهري. ولعل مراد بعضهم صورة ما إذا لم يعلم استناد انتفاء بعض الشرائط إلى ترك الحج، بحيث احتمل بقاؤها على تقدير السفر للحج. اعتماد منهم على أصالة السلامة، المقتضية للوجوب الظاهري، فيكون الاستقرار ظاهريا لا واقعيا. وحينئذ يجب ترتيب آثار استقراره ظاهرا، من وجوب الاداء بعد ذلك ولو متسكعا، والقضاء عنه بعد موته، لا أن اجتماع الشرائط ظاهرا موضوع للحكم الواقعي. ولذلك استشكل في المدارك على العلامة في التذكرة، حيث جزم بأن من تلف ماله قبل عود الحاج، وقبل مضي إمكان عودهم، لم يستقر الحج في ذمته، لان نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط، بقوله: " ويشكل: باحتمال بقاء المال لو سافر.. ". وكيف كان فهذا القول على ظاهره خلاف مقتضى

 

===============

 

( 240 )

 

[ في تحقق الوجوب وعدمه واقعا (1). هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه، وأما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار، ثم زال بعض الشرائط في الاثناء فأتم الحج على ذلك الحال. كفى حجه عن حجة الاسلام، إذا لم يكن المفقود مثل العقل، بل كان هو الاستطاعة البدنية، أو المالية، أو السربية ونحوها على الاقوى (2). (مسألة 82): إذا استقر عليه العمرة فقط، أو ] الادلة، بل خلاف المقطوع به منها. (1) هذا الشك إنما يقدح في البناء على ثبوت الوجوب لو لم تجر أصالة السلامة التي من أجلها بني على ثبوت الوجوب ظاهرا حين سفر القافلة، وعدم جريانها بعد العلم بانتفاء الشرط غير ظاهر، لان الثابت بها السلامة على تقدير السفر وهي مشكوكة، لا السلامة مطلقا كي يتبين انتفاؤها. فلاحظ وتأمل. (2) قد تقدمت الاشارة إلى أن الشرائط المعتبرة في الاستطاعة على قسمين: الاول: ما دل على اعتباره دليل بالخصوص، كملك الزاد والراحلة، وكالصحة في البدن، وتخلية السرب. الثاني: ما دخل تحت عنوان العذر، وهو ما يصح الاعتذار به عند العقلاء في ترك الحج. فالقسم الاول إذا حج مع فقده لم يكن حجه حج الاسلام، لفقد شرط حج الاسلام، وهو الاستطاعة. والقسم الثاني إذا حج مع فقده أجزأه، وكان حج الاسلام. لان دليل اعتباره يختص بما لو ترك الحج معتذرا به، فلا يشمل صورة ما لو حج مقدما عليه. وحينئذ يكون المرجع فيه: إطلاق أدلة الوجوب، المقتضي للاجزاء.

 

===============

 

( 241 )

 

[ الحج فقط - كما فيمن وظيفته حج الافراد والقرآن - (1) ثم زالت استطاعته، فكما مر، يجب عليه أيضا بأي وجه تمكن وإن مات يقضي عنه (2). ] والظاهر أن المراد من صحة البدن ما يقابل الاحصار، ومن تخلية السرب ما يقابل الصد، فلا يمكن فرض الحج مع انتفائهما. وأما ملك الزاد والراحة فالمقدار المستفاد من الادلة اعتباره بالخصوص في حج الاسلام هو ما يكون إلى آخر الاعمال لا غير، وما زاد على ذلك - مما يحتاج في الاياب، أو بعد الرجوع إلى اهله - فهو داخل في القسم الثاني. وعلى هذا فإذا زالت الاستطاعة المالية في الاثناء لم يجز عن حج الاسلام، وإذا زالت بعد تمام الاعمال أجزات. وأما بقية شرائط الاستطاعة فإذا زالت في الاثناء، أو بعد تمام الاعمال أجزأه حجه عن حج الاسلام. بل مقتضى ما ذكرنا: أنه إذا لم تكن حاصلة له من أول الامر فحج اجزأه عن حج الاسلام. وقد تعرض المصنف في المسألة الخامسة والستين وغيرها لما ذكره هنا. وتعرضنا لذلك تبعا له. فراجع. (1) المحقق في محله: أن كلا من الحج والعمرة - في القران والافراد - واجب مستقل، يجب - مع الاستطاعة إليه - وحده دون الاخر. (2) الظاهر أنه مما لا إشكال فيه. وقد أرسله في الجواهر إرسال المسلمات. قال - في شرح قول ماتنه: " إذا استقر الحج في ذمته.. " -: " والمراد به ما يعم النسكين وأحدهما. فقد تستقر العمرة وحدها، وقد يستقر الحج وحده، وقد يستقران.. ". لكن دلالة الادلة على وجوب الاداء ولو متسكعا ظاهرة، فانه مقتضى الاطلاق. أما وجوب القضاء عنه لو مات فدلالتها غير ظاهرة، فينحصر الدليل بالاجماع.

 

===============

 

( 242 )

 

[ (مسألة 83): تقضي حجة الاسلام (1) من أصل التركة إذا لم يوص بها (2)، ] (1) بلا إشكال ولا خلاف. والنصوص الدالة عليه كثيرة جدا، بل لعلها متواترة. منها: صحيح محمد بن مسلم قال: " سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات ولم يحج حجة الاسلام، ولم يوص بها، أتقضى عنه؟ قال (عليه السلام): نعم " (* 1). ونحوه غيره. وسيأتى بعض ذلك. (2) عن المنتهى والتذكرة: أنه قول علمائنا اجمع. وفي المستند: " الظاهر أنه اجماعي.. ". وفي الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه.. ". ويدل عليه جملة من النصوص. منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " قال: تقضى عن الرجل حجة الاسلام من جميع ماله " (* 2)، وموثق سماعة: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يموت، ولم يحج حجة الاسلام، ولم يوص بها وهو موسر. فقال: يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك " (* 3)، وصحيح العجلي: " عن رجل استودعني مالا فهلك، وليس لولده شئ، ولم يحج حجة الاسلام. قال (عليه السلام): حج عنه، وما فضل فأعطهم " (* 4). ونحوها غيرها. مضافا إلى ما يستفاد من الجمود على ظاهر قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت..) (* 5). فان ظاهر اللام الملك. فإذا كان الحج مملوكا عليه يكون دينا ماليا، فيخرج من اصل المال كسائر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 28 من ابواب وجوب الحج حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 28 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 28 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 13 من أبواب النيابة في الحج حديث: 1 (* 5) آل عمران: 97.

 

===============

 

( 243 )

 

[ سواء كانت حج التمتع. أو القرآن، أو الافراد (1). وكذا إذا كان عليه عمرتهما (2). وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الاصل أو الثلث فكذلك أيضا (3). وأما إن أوصى ] الديون، كما لو آجر نفسه ليخيط ثوبا لا بنحو المباشرة فمات، فان الخياطة تخرج من أصل المال. نعم في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل توفي، وأوصى أن يحج عنه. قال (عليه السلام): إن كان صرورة فمن جميع المال، إنه بمنزلة الدين الواجب. وإن كان قد حج فمن ثلثه. ومن مات ولم يحج حجة الاسلام، ولم يترك إلا قدر نفقة الحمولة، وله ورثة، فهم أحق بما ترك، فان شاؤوا أكلوا، وإن شاؤوا حجوا عنه " (* 1). فان صدره وإن كان صريحا في إخراجه من الاصل إذا كان قد أوصى به، لكن ذيله ظاهر في خلاف ذلك إذا لم يكن اوصى به، فلا بد من طرحه، أو تأويله. (1) لاطلاق الادلة. (2) لما سبق، من أن المراد من الحج - في النص والفتوى - ما يشمل العمرة. (3) يشهد به مصحح معاوية بن عمار قال: " سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات، فأوصى أن يحج عنه. قال (عليه السلام): إن كان صرورة فمن جميع المال، وإن كان تطوعا فمن ثلثه " (* 2). ونحوه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (* 3). وما في صحيح معاوية الاخر، وقد تقدم (* 4).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 25 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 25 من ابواب وجوب الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 25 ومن ابواب وجوب الحج حديث: 2. (* 4) تقدم ذلك قريبا في نفس المسألة.

 

===============

 

( 244 )

 

[ باخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، وتقدم على الوصايا المستحبة وإن كانت متأخرة عنها في الذكر (1). وإن لم يف ] نعم يختص الحكم المذكور بما إذا أوصى باخراج ثلثه وصرفه في مصلحته، وانعقد لكلامه ظهور في ذلك. أما إذا اجمل كلام الموصي، ولم يعلم أنه يريد إخراج الحج من الثلث أو من الاصل، فاللازم إخراجه من الثلث، للشك في وصيته بما يساوي ثلث الحج. مثلا: إذا قال: " اخرجوا ثلثي، واخرجوا عني حجة الاسلام، وأعتقوا عني، وتصدقوا عني "، وشك في أن مراده الوصية باخراج الحج من الثلث أو من الاصل، فان الشك المذكور يوجب الشك في الوصية باخراج التفاوت. ومع الشك في الوصية به يبنى على عدمها، فيجري حكم الوصية باخراجه من الثلث. وأما النصوص المذكورة فالظاهر منها بيان ان الوظيفة الاولية الشرعية هو إخراج حجة الاسلام من الاصل وغيرها من الثلث وإن اوصى بها. وأن السؤال فيها كان عن ذلك لدفع توهم ان الوصية بالحج يلحقها حكم الوصية من الاخراج من الثلث. وليس فيها تعرض لصورة ما إذا عين الموصي الاخراج من الثلث أو الاصل، بل المرجع - في صورة التعيين المذكور - القواعد العامة. ولو كان نظرها إلى صورة التعيين كان اللازم اخراج حج الاسلام من الاصل وإن عينه من الثلث. (1) يعني: عند تزاحمها معها في الاخراج من الثلث، بأن كان الثلث لا يسع جميعها. ووجه التقديم ظاهر، لانها لما كانت يجب إخراجها على كل حال وإن لم يسعها الثلث، لم تصلح المستحبات لمزاحمتها التي لا يجب إخراجها إذا لم يسعها الثلث، لان النسبة بينهما من قبيل نسبة الواجب المطلق إلى المشروط، يكون الاول رافعا للثاني. والظاهر أن ذلك هو المراد مما في صحيح معاويه بن عمار قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام):

 

===============

 

( 245 )

 

عن امرأة أوصت بمال في الصدقة والحج والعتق. فقال (عليه السلام): ابدأ بالحج فانه مفروض، فان بقي شئ فاجعله في العتق طائفة، وفي الصدقة طائفة " (* 1)، وخبره الاخر، قال: " إن امرأة هلكت، وأوصت بثلثها يتصدق به عنها، ويحج عنها، ويعتق عنها، فلم يسع المال ذلك.. (إلى ان قال): فسالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك. فقال: ابدأ بالحج فان الحج فريضة، فما بقي فضعه في النوافل، (* 2). فان الظاهر: أن المراد من كون الحج فريضة أنه يجب إخراجه مع قطع النظر عن الوصية وليس المراد: أنه كان يجب على الميت وإن لم يكن يجب اخراجه عنه لولا الوصية، فان حمله على ذلك خلاف الاصل في التعليل، المحمول على بيان العلة العرفية الارتكازية، وخلاف ما دل على لزوم الاخذ بالسابق فالسابق في الوصايا المترتبة. بل خلاف الظاهر من فعلية الوصف. فلاحظ. ومن ذلك يظهر عدم الفرق بين الوصايا المستحبة للحي والواجبة عليه التي لا يجب إخراجها من الاصل فيقدم حج الاسلام على الوصايا الواجبة ايضا - عند المزاحمة في اخراجها من الثلث - إذا كان قد أوصى الميت بذلك، لعين ما ذكر. وقد يتوهم: أن الوجه في التقديم كونها واجبة على الميت في حياته، والواجب مقدم على المستحب عند التزاحم ولذلك لو أوصى باخراج الواجب الذي لا يخرج من الاصل، كالعبادات البدنية - بناء على ما هو التحقيق - والمستحب، يتعين إخراج الواجب والغاء المستحب. وفيه: أن أهمية الواجب من المستحب إنما هي بالنظر إلى الامر الشرعي المتعلق بالواجب والمستحب، الموجه إلى الميت حال حياته، الذى هو ساقط - بعد وفاته -

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 30 من أبواب وجوب الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 30 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 246 )

 

[ الثلث بها أخذت البقية من الاصل (1). والاقوى أن حج النذر - أيضا - كذلك، بمعنى: أنه يخرج من الاصل (2)، كما سيأتي الاشارة إليه. ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة ] عنه وعن غيره، لا بالنظر إلى وجوب العمل بالوصية. فان الوجوب المذكور بعدما كان ثابتا حتى في الوصايا المستحبة والمباحة والمكروهة، كان مناطه موجودا في الجميع على نحو واحد لا يترجح في بعض على اخر. فلا موجب لترجيح الوصية بالواجب على الوصية بالمستحب، ولا لترجيح الوصية بالمستحب على الوصية بالمباح، ولا الوصية به على الوصية بالمكروه، لاشتراك الجميع في وجود المناط. بل اللازم رجوع النقص على الجميع على النسبة إذا كانت غير مترتبة، وإذا كانت مترتبة كان السابق رافعا لموضوع اللاحق. فراجع مباحث الوصية، وتأمل. نعم إذا تزاحمت الوصايا غير المترتبة بنحو لا يمكن التوزيع، لم يبعد ترجيح الواجب، لاحتمال تعينه، فيكون الفرض من موارد الدوران بين التعيين والتخيير، كما سيأتي نظيره في آخر المسألة. (1) لما عرفت: من أن دليل وجوب إخراج الحج من الاصل رافع لوجوب العمل بالوصية. لان وصيته باخراجه من الثلث - في الفرض المذكور - منافية لوجوب إخراجه من الاصل، فلا مجال للعمل بها، لقوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فاصلح بينهم فلا إثم عليه) (* 1). (2) كما يقتضيه الاخذ بمضمون النذر، فانه تمليك لله سبحانه العمل المنذور، فإذا كان مملوكا كان دينا، فيجب إخراجه من الاصل كسائر الديون، كما سيأتي التعرض لذلك من المصنف (ره) في المسألة الثامنة من الفصل الاتي.

 

 

____________

(* 1) البقرة: 182.

 

===============

 

( 247 )

 

[ وقصرت التركة، فان كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدم، لتعلقهما بالعين، فلا يجوز صرفه في غيرهما (1). وإن كانا في الذمة فالاقوى أن التركة توزع على الجميع بالنسبة، كما في غرماء المفلس (2). وقد يقال: بتقديم الحج على غيره وإن كان دين الناس (3)، لخبر معاوية بن عمار الدال على تقديمه على الزكاة. ونحوه خبر آخر. لكنهما موهونان باعراض ] (1) أما التعلق بالعين فمما لا إشكال فيه عندنا، وقد تقدم بيانه في كتاب الزكاة والخمس. وأما أنه مانع عن جواز الصرف في غيرهما فاوضح، لانه تضييع لحق الغير، فهو خلاف قاعدة السلطنة على الحقوق. (2) كما في الشرائع وغيرها. وفي المدارك: أنه واضح، بل هو المعروف بيننا. وتقتضيه: قاعدة بطلان الترجيح بلا مرجح. (3) حكى في الجواهر عن جواهر القاضي: احتمال تقدم الحج، وعن آخر: احتمال تقدم الدين. وظاهر الوسائل والحدائق: اختيار الاول، لمصحح معاوية بن عمار: " قلت له: رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة، وعليه حجة الاسلام، وترك ثلثمائة درهم، واوصى بحجة الاسلام، وأن يقضى عنه دين الزكاة. قال (عليه السلام): يحج عنه من اقرب المواضع، ويجعل ما بقي في الزكاة " (* 1). ونحوه خبره عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل مات وترك ثلثمائة درهم، وعليه من الزكاة سبعمائة درهم، واوصى أن يحج عنه. قال (عليه السلام): يحج عنه من اقرب المواضع " ويجعل ما بقي في الزكاة " (* 2). قال في الجواهر: " وفيه - بعد إعراض الاصحاب عنهما، وقصور سند الثاني منهما، واختصاصهما بالزكاة -: أنه يمكن كون

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 42 من ابواب احكام الوصايا حديث: 1.

 

===============

 

( 248 )

 

[ الاصحاب. مع انهما في خصوص الزكاة. وربما يحتمل تقديم دين الناس لاهميته (1). والاقوى ما ذكر من التحصيص (2) وحينئذ فان وفت حصة الحج به فهو (3)، وإلا فان لم تف إلا ببعض الافعال (4) - كالطواف فقط، ] ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع ايضا.. ". ولم يتعرض في المتن للاشكال بقصور السند، لانه يكفي في إثبات القول المذكور المصحح المعتبر السند. كما أنه لم يذكر الاشكال الاخير، لانه خلاف إطلاق الدليل. مع أنه مبني على لزوم الحج البلدي، إذ لو كان الميقاتي مجزيا كان حصة الحج - بعد ورود النقص عليها - غير كافية فيه، فلا وجه للامر باخراجه إلا لاجل عدم ورود النقص عليه. بخلاف الزكاة. (1) تقدم الكلام في هذه الاهمية في شرح المسألة السابعة عشرة. فراجع. (2) يعنى: التوزيع:. لما عرفت: من أنه مقتضى بطلان الترجيح بلا مرجح لان الحج لما كان غير الدين وفي قبال الدين، فإذا بني على تعلق الحج دون الدين، أو الدين دون الحج كان ترجيحا بلا مرجح. فان قلت: إذا كانت الحصة الراجعة إلى الدين لا تفي به فلا بد من وفاء بعض الدين وبقاء بعضه، فيلزم ايضا الترجيح بلا مرجح قلت: لا تعين لبعض الدين في مقابل البعض الاخر. نظير: ما لو نذر صوم يومين، فانه لا تعين لصوم احد اليومين في مقابل صوم الاخر، فلا يكون وفاء بعض الدين دون بعض ترجيحا بلا مرجح. (3) هذا خلاف فرض المسألة، من قصور التركة، إذ حينئذ البناء على التحصيص إنما كان لقصور الحصة عن الوفاء. (4) قال في الجواهر: " ولو كان قد استقر عليه كل من النسكين ووسع النصيب خصوص أحدهما صرف فيه، وإن وسع كلا منهما تخير للتساوي في الاستقرار. ويحتمل تقديم الحج لكونه أهم في نظر الشارع.

 

===============

 

( 249 )

 

[ أو هو مع السعي - فالظاهر سقوطه (1)، وصرف حصته في الدين أو الخمس أو الزكاة ومع وجود الجميع توزع عليها (2). وإن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط، ففي مثل حج القرآن والافراد تصرف فيهما مخيرا بينهما، والاحوط تقديم الحج (3). وفي حج التمتع الاقوى السقوط ] وتقديمه ممن عليه الافراد والقران خاصة، وتقديم العمرة ممن عليه التمتع خاصة، والتخيير ممن عليه احد الانواع مخيرا. وقد يحتلم سقوطهما عمن عليه التمتع، لدخول العمرة في حجه. وإن لم يف النصيب بشئ من النسكين صرف في الدين، لا فيما يفي به من الافعال من طواف ووقوف، لعدم التعبد بشئ منها وحدها عدا الطواف. واحتمال إثبات مشروعية ذلك بقاعدة الميسور، وما يدرك، قد بينا فساده في محله. على أن الظاهر قصر الاستدلال بها على ما يعضدها فيه كلام الاصحاب، لقصور سندها، وعدم ثبوت كونها قاعدة، وكلام الاصحاب على الظاهر بخلافها هنا، بل لعل ظاهره كون الطواف ايضا كذلك، لاطلاقهم رجوع النصيب ميراثا بمجرد قصوره عن الحج أو العمرة.. ". (1) لما عرفت في كلام الجواهر، من عدم الدليل على مشروعية الابعاض، والاصل عدمها. وحينئذ لا يكون الحج مزحما لغيره، فلا تكون له حصة في قبال غيره، بل يكون المال كله لغيره. (2) لعدم المرجح لبعضها على الاخر. (3) لما تقدم في كلام الجواهر، من احتمال تقديمه لانه أهم، ولا ينبغي الاشكال في أن احتمال الاهمية موجب للترجيح في نظر العقل. لكن يختص ذلك بالتكليف، والكلام هنا في الوضع، وهو تعلق حق الحج بالتركة ونسبة هذا الحق إلى الحج والعمرة نسبة واحدة. فان اضافة الحقية كاضافة

 

===============

 

( 250 )

 

[ وصرفها في الدين وغيره. وربما يحتمل فيه أيضا التخيير، أو ترجيح الحج لاهميته (1)، أو العمرة لتقدمها. لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملا واحدا (2). وقاعدة الميسور لا جابر لها في المقام. (مسألة 84): لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقا لها (3). ] الملكية لا تقبل الشدة والضعف ولا التأكد واللا تأكد. إلا أن يقال: الاهمية في التكليف لما كانت موجبة لاحتمال التعيين في أحد الامرين كانت موجبة للترجيح عقلا. (1) في حاشية بعض مشايخنا على المقام: " لا يبعد استفادته من الرواية الاتية التي أوردها في المسألة السادسة والثمانين، فلا يترك الاحتياط " وفيه نظر، فان ظاهر الرواية الاتية: أنه أوصى أن يحج الوصي بنفسه، فالحج الموصى به بلدي بمباشرة الوصي، والامام (عليه السلام) أمره بالحج الميقاتي عند عدم كفاية المال لذلك، فالمراد من الحج من مكة الحج الميقاتي في قبال البلدي، لا الحج الذي يكون إحرامه من مكة في مقابل العمرة التي يكون إحرامها من الميقات. فلاحظ. (2) كما تقتضيه النصوص. ولاجلها لا أثر لاحتمال مشروعية البعض، بل يبني على خلافه. وحينئذ يبطل حق الحج لانه لا أثر له، فلا تكون التركة موضوعا له، وتكون موضوعا لغيره لا غير. (3) لا إشكال في انتقال التركة إلى الورثة إذا لم يكن دين ولا وصية، بل هو من الضروريات. كما لا إشكال في انتقال ما زاد على الدين والوصية إلى الورثة. أما انتقال ما يساوي الدين والوصية إليهم ففيه خلاف، نسب إلى كثير من كتب العلامة، وإلى جامع المقاصد وغيرها: الاول، ونسب

 

===============

 

( 251 )

 

إلى الحلي والمحقق وبعض كتب العلامة وغيرهم: الثاني، وعن المسالك والمفاتيح: نسبته إلى الاكثر. وقد استدل لكل من القولين بوجوه لا تخلو من خدش وإشكال. ولكن الاظهر الاخير، للنصوص المتضمنة للترتيب بين الدين والوصية والميراث، ففي خبر محمد بن قيس: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على اثر الدين، ثم الميراث بعد الوصية، فان أول القضاء كتاب الله تعالى " (* 1). وخبر السكوني: " أول شئ يبدأ به من المال الكفن، ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث " (* 2)، وخبر عباد بن صهيب: " في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة، ثم اوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال (عليه السلام): جائز، يخرج ذلك من جميع المال. إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس للورثة شئ حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة " (* 3). ونحوها غيرها. فان ظاهر النصوص المذكورة الترتيب في التعلق، فلا يتعلق الميراث بما يتعلق به الدين والوصية، فمع الدين لا ميراث وكذا مع الوصية، فيكون المال باقيا على ملك الميت موضوعا لحق الديان، إذ لا مانع عقلي ولا شرعي من ملك الميت ولا ينافي ذلك الاجماع على ملك الوارث للزائد على الوصية والدين، لان الظاهر من نصوص الترتيب، أنه للترجيح والاهمية، فيختص ذلك بما يكون مورد المزاحمة - وهو المقدار المساوي للدين والوصية - وما زاد عليه يكون داخلا تحت عموم: ما ترك الميت فهو لوارثه. وعلى هذا القول فالوجه في عدم جواز تصرف الورثة ظاهر، لانه تصرف بملك الغير. أما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 28 من ابواب الوصايا حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 28 من ابواب الوصايا حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 40 من ابواب الوصايا حديث: 1.

 

===============

 

( 252 )

 

[ بل مطلقا على الاحوط (1). إلا إذا كانت واسعة جدا فلهم التصرف في بعضها حينئذ، مع البناء على اخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدين، فحاله حال الدين. ] على القول الاخر - وهو الانتقال إلى الوارث - فالوجه فيه: أن حق الديان متعلق بالتركة المنتقلة إلى الوارث. بلا خلاف ولا إشكال، بل في الجواهر: الاجماع بقسميه عليه، فلا يجوز التصرف فيها بما يوجب ضياع الحق وانتفاءه بانفاء موضوعه. وهذا بالنسبة إلى التصرف بالاتلاف ونحوه ظاهر، أما التصرف بالبيع ونحوه من التصرف الناقل فعدم جوازه يتوقف على كون حق الديان قائما بالتركة بما أنها ملك الوارث - كما في حق الرهانة - فانتقالها بالسبب الناقل يوجب انتفاء موضوع الحق بانتفاء قيده. أما إذا كان قائما بها مطلقا - نظير حق الجناية القائم بالعبد الجاني وإن لم يكن في ملك مالكه حال الجناية، كما هو المشهور - فلا مانع من التصرف فيها بالنقل، لانه لا ينافي موضوع الحق. وظاهر الاصحاب: أن التعلق على النحو الاول. ولكنه غير ظاهر من الادلة العامة، وإن كان يساعده ارتكاز العرف والمتشرعة. وربما يستفاد من الصحيح والموثق الاتيين. فتأمل. (1) كما عن جامع الشرائع، وميراث القواعد، وحجر الايضاح ورهنه وغيرها. فلم يفرق فيها بين المستغرق وغيره في المنع عن التصرف، إذ لا أولوية لبعض من بعض في اختصاص التعلق به. ولان الاداء لا يقطع بكونه بذلك البعض، لجواز التلف، ولما دل على تعليق الارث بمطلق الدين. والجميع كما ترى. ولذا كان مختار جامع المقاصد وغيره: الجواز. ويشهد له صحيح البزنطي باسناده: " أنه سئل عن رجل يموت ويترك عيالا وعليه دين، اينفق عليهم من ماله؟ قال (عليه السلام): إن استيقن ان الذي عليه يحيط

 

===============

 

( 253 )

 

بجميع المال فلا ينفق، وإن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال " (* 1). ونحوه موثق عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليه السلام) (* 2). ومنهما يستفاد عدم جواز التصرف فيما يساوي الدين. لكن الظاهر منهما التصرف المتلف فلا تعرض فيهما لغيره، وإن كان لا يخلو من تأمل. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره المصنف (ره)، من التوقف في الجواز إلا إذا كانت واسعة جدا، إذ ليس في الصحيح وغيره إشارة إلى التفصيل بين الواسعة وغيرها، فان بني على العمل بالنص كان اللازم الجزم بالجواز فيما زاد على الدين، وإلا كان اللازم التوقف حتى في الواسعة. وفي حاشية بعض الاعاظم: " لا يبعد جواز التصرف حتى في المستغرق ايضا مع تعهد الاداء. لكن الاحوط أن يكون برضى الديان ". وفيه: انه لا وجه لجواز التصرف بمجرد الضمان إذا لم يرض الديان، إذ لا دليل على فراغ ذمة الميت بذلك، فالازم الرجوع إلى صحيح البزنطي ونحوه لبقاء الدين بحاله. نعم إذا رضى الديان بالضمان فقد برئت ذمة الميت، كما في صحيح ابن سنان: " في الرجل يموت وعليه دين، فيضمنه ضامن للغرماء. قال (عليه السلام): إذا رضي الغرماء فقد برئت ذمة الميت " (* 3). وإذا انتفى الدين لم يكن مانع من ملك الوارث، ولا من جواز تصرفه به. ثم إن المنع من التصرف الناقل - بناء على انتقال التركة إلى الوارث - يختص بالتصرف الذي لا يكون مقدمة لوفاء الدين، أما ما يكون مقدمة له فلا بأس به. فإذا باع الورثة التركة بقصد وفاء الدين من الثمن صح ذلك البيع، لان التصرف المذكور مما يقتضيه الدين فلا يمنع عنه. وكذا لو باع

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 29 من ابواب الوصايا حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 29 من ابواب الوصايا حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 91 من ابواب الوصايا حديث: 1.

 

===============

 

( 254 )

 

[ (مسألة 85): إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث وأنكره الآخرون لم يجب عليه الا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع (1)، وإن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته. كما إذا أقر بدين وأنكره غيره من الورثة فانه لا يجب عليه دفع الازيد. فمسألة الاقرار بالحج أو الدين مع انكار الآخرين نظير مسألة الاقرار بالنسب، حيث أنه إذا أقر أحد الاخوين بأخ آخر وأنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته، فيكفي دفع ثلث ما في يده، ] الراهن العين المرهونة بقصد وفاء الدين الذي عليه الرهن، فانه لا يمنع عنه الدين، لانه مما يقتضيه. فلاحظ. (1) لان الحج بمنزلة الدين، وذلك التحصيص من أحكام الدين. أما الاول فلما تقدم من صحيح معاوية بن عمار في مسألة اخراج الحج من الاصل (* 1). ويقتضيه ظهور اللام في قوله تعالى: (ولله على الناس..) (* 2) على ما عرفت. وأما الثاني فهو المعروف، وفي الجواهر: " بلا خلاف محقق معتد به أجده في شئ من ذلك عندنا نصا وفتوى.. ". ويشهد له: خبر اسحاق بن عمار عن أبى عبد الله (عليه السلام): " في رجل مات، فأقر بعض ورثته لرجل بدين. قال (عليه السلام): يلزمه ذلك في حصته " (* 3). ودلالته على المدعى غير ظاهرة. وفي الوسائل " حمله الشيخ على أنه يلزم بقدر ما يصيب حصته لما يأتي ". ويريد بما يأتي: خبر أبي البختري وهب ابن وهب، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام) قال: " قضى علي (عليه السلام)

 

 

____________

(* 1) تقدم في اوائل مسألة: 83 من هذا الفصل. (* 2) آل عمران: 97. (* 3) الوسائل باب: 26 من ابواب الوصايا حديث: 3.

 

===============

 

( 255 )

 

في رجل مات وترك ورثة، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه: أنه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث، ولا يكون ذلك في ماله كله. وإن أقر اثنان من الورثة، وكانا عدلين اجيز ذلك على الورثة، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. وكذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت، إنما يلزمه في حصته ". (* 1) لكن الخبر ضعيف السند مع احتمال كون المراد أن الدين يلزم المقر في حصته من الميراث لا في تمام ماله الذي ملكه بغير ميراث. فالعمدة - إذا - الاجماع على التحصيص في الدين على حسب نسبة الحصة. ولولا ذلك لزم البناء على وجوب وفاء الدين بتمامه على المقر ولو بتمام حصته، لان حق الديان قائم بالتركة بتمامها لا على نحو الاشاعة، بل على نحو قيام الكلي في المعين أو الكلي بالكل والبعض، نظير حق الرهانة ولذا لو كان بعض التركة مغصوبا في حال حياة الميت أو بعد وفاته، أو تلف بعد وفاته يتعين الوفاء من الباقي. ولا فرق بينه وبين المقام إلا في أن استيلاء الوارث المنكر للدين على حصته لم يكن بنحو الغصب، بل بنحو يكون معذورا في الانكار، وربما لا يكون معذورا في الانكار فيكون غاصبا. وبالجملة: الفرق بين تعذر الوفاء - لغصب أجنبي ونحوه - وبين تعذر الوفاء - لانكار الوارث أو تمرده - غير ظاهر، فإذا بني على وجوب الوفاء بما يمكن الوفاء به في الاول يتعين البناء عليه في الثاني. نعم الفارق الدليل، وحينئذ يقتصر على مورده، وهو صورة اقرار بعض الورثة وانكار الاخر. أما صورة علم بعض الورثة وجهل الاخر أو تمرده فخارجة عن مورد الدليل، فيرجع فيها إلى ما ذكرنا، والبناء على عدم الفرق بين الصور غير ظاهر. وأشكل منه: ما إذا كان الاختلاف بين الورثة للاختلاف في الاجتهاد والتقليد، فانه يتعين فيه الرجوع إلى مجتهد آخر لحل النزاع وحسم الخصومة إن كان

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب 26 من ابواب الوصايا حديث: 5.

 

===============

 

( 256 )

 

[ ولا ينزل إقراره على الاشاعة على خلاف القاعدة للنص (1). (مسألة 86): إذا كان على الميت الحج، ولم تكن تركته وافية به، ولم يكن دين فالظاهر كونها للورثة (2)، ولا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت. لكن الاحوط التصدق عنه، للخبر عن الصادق (عليه السلام) (3): " عن رجل مات، وأوصى بتركته أن أحج بها، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها. فقال (عليه السلام): ما صنعت بها؟ قلت: تصدقت بها. فقال (عليه السلام) ضمنت. إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فان كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان.. ". ] قد ادى إلى النزاع والخصومة. وسيأتى التعرض له في المسألة الواحدة بعد المائة، فانتظر. (1) قد عرفت: أنه خبر أبي البختري المتقدم، وخبره الاخر قال: " قال علي (عليه السلام): من اقر لاخيه فهو شريك في المال، ولا يثبت نسبه، فان اقر أثنان فكذلك. إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه، ويضرب في الميراث معهم " (* 1). (2) لان المانع عن الميراث هو وجوب الحج، فإذا فرض عدم الوجوب - لعدم كفاية المال - لم يكن مانع عن الميراث. (3) هو خبر على بن مزيد [ فرقد - مرئد - يزيد ] قال: " أوصى إلى رجل بتركته، فأمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا هو شئ يسير لا يكفي في الحج، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا: تصدق بها عنه.. (إلى أن قال) فلقيت جعفر بن محمد (عليه السلام) في الحجر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 26 من أبواب الوصايا حديث: 6.

 

===============

 

( 257 )

 

[ نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك، أو وجود متبرع يدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها (1). (مسألة 87): إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة (2)، سواء عينها الميت أولا. والاحوط صرفها في وجوه البر، أو التصدق عنه. خصوصا فيما إذا عينها الميت (3)، للخبر المتقدم (4). (مسألة 88): هل الواجب الاستئجار عن الميت من ] فقلت له: رجل مات وأوصى إلي بتركته أن أحج بها عنه.. " (* 1) لكن مورد الخبر صورة ما إذا عين مالا للحج، فلا يكون مما نحن فيه. (1) لان الشك في القدرة موجب للاحتياط. (2) أما صحة التبرع فيدل عليها النصوص، كصحيح معاوية بن عمار: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات، ولم يكن له مال ولم يحج حجة الاسلام فأحج عنه بعض إخوانه، هل يجزي ذلك عنه؟ أو هل هي ناقصة؟. قال (عليه السلام): بل هي حجة تامة " (* 2). ونحوه غيره. وأما رجوع الاجرة إلى الورثة فلعين ما سبق: من أن المانع من الارث الحج، فإذا جئ به لم يبق مانع منه. (3) لاحتمال كون التعيين على نحو تعدد المطلوب، فإذا تعذرت خصوصية الحج بقيت الوصية بصرف المال في مصلحته بحالها. (4) لكن مورد الخبر صورة الوصية بتمام التركة، التي لا تصح

 

 

____________

(* 1) ذكر صدره في الوسائل باب: 37 من ابواب والوصايا حديث: 2 وذيله في باب: 87 من ابواب الوصايا حديث: 1. وسيأتي - إن شاء الله تعالى - التعرض للرواية بنصها الكامل في المسألة: 9 من فصل الوصية بالحج. (* 2) الوسائل باب: 31 من ابواب وجوب الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 258 )

 

[ الميقات أو البلد؟ المشهور: وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن، وإلا فمن الاقرب إليه فالاقرب (1). ] بدون إجازة الوارث، سواء أكان الحج الموصى به حج الاسلام أم غيره. إذ هو على الثاني ظاهر، وكذا على الاول، لما يأتي من المصنف، من أن الواجب هو الحج الميقاتي، وظاهر الرواية الحج البلدي، كما عرفت الاشارة إليه سابقا. وعلى تقدير لزوم البلدي فتعيين المقدار لا يكون باختيار الموصي بل تابع لاجرة المثل واقعا، وعلى تقديم لزوم العمل بتقدير الموصي فذلك إنما يكون بالاضافة إلى الثلث - الذي هو حقه - لا بالاضافة إلى الثلثين الاخرين. فالتصدق بجميع المال لابد أن يكون لاجل أن الموصي لا وارث له " بناء على أنه إذا أوصى بصرف ماله في البر والمعروف لزم ولا يكون ميراثه للامام - كما هو ظاهر - وتكون الوصية بالحج بنحو تعدد المطلوب، فالاخذ بالرواية مع وجود الوارث غير ظاهر. (1) نسبه إلى أكثر الاصحاب في المدارك، وعن الغنية: الاجماع عليه، ونسبه في كشف اللثام إلى الخلاف، والمبسوط، والوسيلة، وقضية وصايا الغنية، وكتب المحقق، ونسبه في المستند إلى الفاضلين في كتبهما، والمسالك، والروضة، والمدارك والذخيرة. لكن الذي يظهر من عبارات المتن: أن الواجب الحج من اقرب المواقيت الى مكة، وإلا فمن غيره من المواقيت مراعيا الاقرب فالاقرب إلى مكة. وفي الشرايع: " يقضي الحج من اقرب الاماكن.. " قال في المدارك: " والمراد بأقرب الاماكن اقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن الاستيجار منه، وإلا فمن غيره مراعيا للاقرب فالاقرب. فان تعذر الاستيجار من أحد المواقيت وجب الاستيجار من اقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات.. ". ونحوه ما في المستند والجواهر وغيرهما. لكن هذا الترتيب غير ظاهر من الادلة الاتية على هذا القول ولا

 

===============

 

( 259 )

 

[ وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال، وإلا فمن الاقرب إليه فالاقرب (1) وربما يحتمل قول ثالث، وهو الوجوب من البلد مع سعة المال، وإلا فمن الميقات وإن أمكن من الاقرب الى البلد فالاقرب (2). ] من غيرها. بل ولا يظن الالتزام به ممن نسب إليه هذا القول. ونحوه في الاشكال: ما في القواعد، من التعبير بأقرب الاماكن إلى الميقات. وقال في كشف اللثام - في بيان القول المذكور -: " فان أمكن من الميقات لم يجب إلا منه، والا فمن الاقرب إليه فالاقرب لذلك. ولا يجب من بلد موته، أو بلد استقراره عليه.. ". وهذا التعبير هو الذي تقتضيه ادلة القول المذكور، كما سيأتي. ولعل المراد من الاقرب ما هو اقل قيمة، يعني: لا يجب على الورثة بذل ما هو أكثر قيمة. (1) حكاه في الشرائع قولا، واختاره في الدروس، قال: " فيقضى من أصل تركته من منزله. ولو ضاق المال فمن حيث يمكن - ولو من الميقات - على الاقوى. ولو قضي مع السعة من الميقات أجزأه وإن أثم الوارث... ". وهو ظاهر الحلي، كما يقتضيه دليله. فانه استدل على وجوب الحج من البلد: " بأنه كان تجب عليه نفقة الطريق من بلده، فلما مات سقط الحج عن بدنه وبقي في ماله تبعه ما كان يجب عليه لو كان حيا من مؤنة الطريق من بلده.. ". (2) حكاه في المدارك عن الحلي والشيخ في النهاية، وحكاه في المستند - ايضا - عن الصدوق في المقنع، والقاضي، والجامع، والمحقق الثاني، والدروس. ولكن في صحة النسبة في بعضها نظر كما عرفت. وإنما عبر المصنف (ره) بالاحتمال لان في الجواهر احتمل أن يكون الفرق بين القول بوجوب الحج من البلد والقول بوجوبه من البلد إن اتسع المال والا فمن حيث

 

===============

 

( 260 )

 

[ والاقوى هو القول الاول (1)، وإن كان الاحوط القول الثاني. ] يمكن - اللذين ذكرهما في الشرائع -: أن الاول يراد به الوجوب من البلد مع الامكان ومع عدمه من الميقات. واحتمل في المدارك: أن يكون المراد من الاول السقوط مع عدم امكان الحج من البلد. لكن قال فيها: " لا نعرف بذلك قائلا.. ". وفي المستند: " لا يعرف قائله، كما صرح به جمع " بل نفاه بعضهم.. ". (1) للاصل وإطلاق الادلة. إذ السفر من البلد لا جزء. من الحج ولا شرط له، وإنما هو مقدمة عقليه للحج إذا كان الحاج بعيدا، فلا تدخل في مفهومه، والاطلاق بنفي وجوبها. ولبعض النصوص، كخبر زكريا إبن ادم قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بحجة، أيجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال أما ما كان دون الميقات فلا بأس " (* 1) وصحيح حريز بن عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة قال (عليه السلام): لا بأس " إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه " (* 2)، وصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام): " في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الاسلام، فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما. قال (عليه السلام): يحج عنه من بعض الاوقات التي وقتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرب " (* 3). لكن الجميع غير وارد فيما نحن فيه، بل الثاني وارد في الحي، والاول والاخير واردان في الوصية. والاولان ايضا لا ظهور لهما في حجة الاسلام. والاخير إنما ينفي القول الرابع - الذي لا يعرف قائله - ولا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1.

 

===============

 

( 261 )

 

يدل على القول الاول. نظير: خبر أبي سعيد عمن سأل أبا عبد الله (عليه السلام): " عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة. قال (عليه السلام): يحج بها عنه رجل من موضع بلغه " (* 1). ونحوه خبر أبي بصير (* 2)، وخبر عمر ابن يزيد قال: " قلت لابي عبد الله (عليه السلام): رجل أوصى بحجة فلم تكفه. قال: فيقدمها حتى يحج دون الوقت (* 3). ونحوه خبره الاخر (* 4). مع ان الثاني ظاهر في إجزاء الحج من الميقات، وهو لا يدل على عدم وجوب إيقاعه من البلد، لامكان التفكيك بينهما، كما تقدم في كلام الدروس. لان وجوب الايقاع من البلد منوط باشتغال الذمة، فإذا فرغت باداء الحج من الميقات سقط الوجوب. ومن ذلك يظهر الاشكال في الاستدلال للقول الثاني بصحيح البزنطي عن محمد بن عبد الله، قال. " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يموت فيوصي بالحج، من أبن يحج عنه؟ قال (عليه السلام): على قدر ماله، إن وسعه ماله فمن منزله، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة. فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة " (* 5). لعدم ظهوره في حج الاسلام. مع أن مورده الوصية، ويجوز أن يكون لها حكم خاص من جهة التعارف، كما أشار الى ذلك في المدارك حيث قال: " ولعل القرائن الحالية كانت دالة على ارادة الحج من البلد، كما هو المنصرف من الوصية عند الاطلاق في زماننا فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية.. ". مع أن الجمع بينه وبين خبر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج ملحق حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 7. (* 4) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 6. (* 5) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 262 )

 

زكريا بن ادم حمل الاول على ما إذا عين مالا للحج - كما ورد في موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج، فكان لا يبلغ أن يحج به من بلاده. قال (عليه السلام): فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه " - (* 1). فانه أقرب من حمل الثاني على صورة الاضطرار، كما هو ظاهر. وإن شئت قلت: بعد تقييد خبر زكريا بموثق ابن بكير - بحمله على صورة عدم الوصية بمال معين - يدور الامر - في الجمع بينه وبين خبر محمد بن عبد الله - بين التصرف فيه بحمله على صورة الضرورة، وبين حمل خبر محمد على صورة الوصية بمال معين، فيكون المراد من قوله (عليه السلام): " على قدر ماله ": على قدر ماله الذي عينه للحج. ولا ينبغي التأمل في أن الثاني أولى، لان حمل الاول على حال الضرورة بمنزلة الطرح له، فيكون الدوران حينئذ بين الطرح والتخصيص، والثاني أولى. والمتحصل مما ذكرنا: أن النصوص جميعها ليست واردة فيما نحن فيه - وهو القضاء عن الميت - بل واردة في الوصية، عدا صحيح حريز. والعمدة - في المعارضة بينها - هي المعارضة بين خبري زكريا ومحمد بن عبد الله، والجمع بينها بالتصرف في الثاني أولى. وبذلك يكون الجمع ايضا بين خبر زكريا (* 2) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): " أنه قال: وإن أوصى أن يحج عنه حجة الاسلام، ولم يبلغ ماله ذلك، فليحج عنه من بعض المواقيت " (* 3). وأما الخبر المروي عن مستطرفات السرائر من كتاب

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 2. (* 2) تقدم ذكر الرواية في صدر التعليقة. فلاحظ. (* 3) كما في الجواهر نقلا عن المدارك في المسألة: 2 من مسسائل شرائط وجوب الحج وفي المدارك نسب الرواية الى الشيخ (قده)، ولكنا لم نعثر على ذلك لا في كتابيه في الحديث: -

 

===============

 

( 263 )

 

المسائل، بسنده عن عدة من أصحابنا " قالوا: " قلنا لابي الحسن - يعني علي بن محمد (عليه السلام) -: إن رجلا مات في الطريق وأوصى بحجته وما بقي فهو لك، فاختلف اصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشئ أن يبقى، وقال بعضهم: يحج عنه من حيث مات. فقال (عليه السلام): يحج عنه من حيث مات " (* 1). فلا يبعد أن يكون الظاهر من قوله: " بحجته ": إتمام حجته، فلا يكون مما نحن فيه، كما ذكر ذلك في الجواهر. لا اقل من احتمال ذلك فيكون مجملا، أو لزوم حمله على ذلك جمعا بينه وبين خبر زكريا. والله سبحانه العالم. ثم إن المستفاد من دليل القول الاول - سواء كان خبر زكريا أم إطلاق الادلة - ليس إلا وجوب الحج من الميقات، وأما وجوبه من اقرب المواقيت إلى مكة فان لم يمكن فالاقرب إليه فالاقرب، فشئ لا يقتضيه الدليل. إلا أن يكون المراد ما هو أقل قيمة، يعني: لا يجب على الورثة ما هو أكثر قيمة، كما أشرنا إلى ذلك أنفا. ومنه يظهر ضعف القول الثاني، وأن مستنده إن كان هو النصوص فقد عرفت وجه الجمع بينها، وإن كان ما ذكره الحلي: من أنه كان تجب عليه نفقة الطريق من البلد فلما سقط الحج عن بدنه وجب في ماله فهو ممنوع، كما عرفت. ولو سلم فلا يصلح لمعارضة النص. وأما ما ادعاه: من تواتر الاخبار بذلك فغير ثابت. ولذا قال في المعتبر والمختلف: " لم

 

 

____________

- التهذيب والاستبصار، ولا في كتبه الفهية، كالمبسوط ونحوه. نعم في التهذيب جاءت العبارة المذكورة في ذيل رواية له عن الحلبي، وعقبها بقوله: " روى ذلك موسى بن القاسم ". ولعل هذا هو منشأ اشتباه المدارك في اسناد الرواية الى الحلبي ناسبا لها الى الشيخ، وعليه اعتمد صاحب الجواهر (قده) كما عرفت. (* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 9.

 

===============

 

( 264 )

 

[ لكن لا يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية على الصغار من الورثة (1) ولو أوصى بالاستئجار من البلد وجب، ويحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث (2). ولو أوصى ولم يعين شيئا كفت الميقاتية، إلا إذا كان هناك انصراف الى البلدية (3). أو كانت قرينة على إرادتها، كما إذا عين مقدارا يناسب البلدية (4). (مسألة 89): لو لم يمكن الاستيجار إلا من البلد وجب، وكان جميع المصرف من الاصل (5). ] نقف في ذلك على خبر شاذ فكيف يدعى التواتر؟... ". وأما الثالث فأولى بالاشكال من الثاني، لان النصوص لو اغمض النظر عن معارضها فانما تقتضي الثاني. وكذلك ما ذكر الحلي لو أغمض النظر عما فيه من الاشكال فهو يقتضى الثاني لا الثالث. وأما الرابع فعلى تقدير وجود القول به فاضعف من الجميع، كما يظهر بالتأمل. (1) لان ذلك تصرف في مالهم بغير وجه شرعي ثابت. (2) كما صرح بذلك في المدارك والجواهر. لان صرف الزائد ليس إلا بمقتضى العمل بالوصية التي لا يجب إخراجها إلا من الثلث. (3) بنحو يكون قرينة على إرادة ذلك من الموصي. أما إذا كان موجبا للاجمال اقتصر على الميقاتية، للشك في الوصية من البلد. (4) وكذا إذا لم يكن مناسبا لها وأمكن الاستيجار به من البلد، فانه يجب الاخراج من البلد، فان تعذر فالاقرب إليه فالاقرب، كما تضمنته النصوص السابقة. (5) كما استوضحه في المدارك والجواهر. لان إطلاق الوجوب والاخراج من الاصل يقتضي ذلك. وكذا لو توقف على الاستنابة من

 

===============

 

( 265 )

 

[ (مسألة 90): إذا أوصى بالبلدية، أو قلنا بوجوبها مطلقا، فخولف واستؤجر من الميقات، أو تبرع عنه متبرع منه، برئت ذمته، وسقط الوجوب من البلد (1). وكذا لو لم يسع المال إلا من الميقات (2). (مسألة 91): الظاهر أن المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه (3)، كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (رحمهما الله): " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بحجة، ] موضع أبعد من البلد إلى مكة. (1) كما تقدم في كلام الدروس. لان الحج من الميقات فرد للمأمور به، فيسقط به الامر. ولا ينافي ذلك وجوب الاخراج من البلد، لان ذلك تكليف زائد، لا أنه داخل في قوام الواجب. ولذلك يظهر ضعف ما في المدارك، قال (ره): " ويشكل بعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه على هذا التقدير، فلا يتحقق الامتثال.. ". نعم لا يبعد البناء على إثم الولي بذلك إذا كان ذلك باختياره - كما تقدم في كلام الدروس لتفويته الواجب بالوصية. إلا أن يلتزم بأن الوجوب على نحو الواجب المشروط المنوط باشتغال ذمة الميت، فإذا برئت بالحج الميقاتي انتفى الشرط فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه، لا أنه يسقط لتعذر امتثاله. لكنه بعيد عن ظاهر الوصية. (2) لما تقدم بل هنا أولى، لسقوط الوجوب بالتعذر. (3) قال في المدارك: " الظاهر أن المراد من البلد الذي يجب الحج منه - على القول به - محل الموت حيث كان، كما صرح به ابن ادريس، ودل عليه دليله.. ". اقول: قد تقدمت عبارة ابن ادريس، ولم يصرح فيها ببلد الموت. نعم ذلك مقتضى دليله، لانه حين الموت كان

 

===============

 

( 266 )

 

[ أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به " (* 1). مع أنه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج. وربما يقال إنه بلد الاستيطان، لانه المنساق من النص والفتوى (1). وهو كما ترى (2). ] مكلفا بالسفر من ذلك المكان، فإذا اقتضى ذلك الاستنابة من البلد كان مقتضيا للاستنابة من ذلك المكان. ولعل غرض المدارك من التصريح هذا المقدار من الاستفادة. (1) قال في الجواهر: " وكيف كان فالمراد بالبلد - على تقدير اعتباره - بلد الاستيطان، لانه المنساق من النص والفتوى. خصوصا من الاضافة فيهما، سيما خبر محمد بن عبد الله.. " (* 2). (2) كأنه يريد: أن الانسياق لا يصلح لمعارضة ما هو ظاهر الخبر المتقدم. والتحقيق: أن اطلاق البلد في كلامهم من دون تعرض لبيان المراد منه يقتضى ظهوره في بلد الاستيطان. وأما النصوص فقد عرفت أنها جميعا واردة في الوصية، والمتعرض منها للبلد خبر زكريا وخبر محمد ابن عبد الله المذكور فيه: " منزله "، وموثق عبد الله بن بكير المذكور فيه: " بلاده " (* 3)، ودلالة الاخيرين على بلد الاستيطان ظاهرة، كدلالة الاول على بلد الموت. والجمع بينها يتعين بحمل الاخيرين على الاول، لان الغالب في بلد الاستيطان ان يكون بلد الموت، فيسهل حملهما عليه، وليس كذلك حمل الاول عليهما. لان التعرض فيه لذكر الموت زائدا على ذكر البلد ظاهر جدا في اعتبار خصوصية الموت في الاستنابة. ولا سيما

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 2.

 

===============

 

( 267 )

 

[ وقد يحتمل البلد الذي صار مستطعيا فيه (1). ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة. والاقوى ما ذكرنا، وفاقا لسيد المدارك (قده)، ونسبه الى ابن ادريس (رحمه الله) أيضا. وإن كان الاحتمال الاخير - وهو التخيير - قويا جدا (2). ] بملاحظه أنه البلد الذي هو منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه، ضرورة كونه مكلفا بالحج من ذلك المكان، فيناب عنه، كما ذكر في الجواهر، وجعله مؤيدا لما في المتن. (1) حكى في الجواهر هذا الاحتمال عن بعض، وعن بعض العامة: القول به. وكأنه لان بلد اليسار هو البلد الذي توجه إليه الخطاب بالحج منه. وفيه: أن الخطاب بالحج منه يختص بصورة عدم انتقاله عنه، فإذا انتقل عنه توجه إليه الخطاب بالحج من غيره الذي انتقل إليه. ولذلك استدل الحلي على بلد الموت بذلك. (2) كأن وجهه: الاخذ باطلاق البلد، ومنع الانسياق الى بلد الاستيطان، كما أشار إلى ذلك بقوله سابقا: " كما ترى ". وأما خبر زكريا فدلالته بالاشعار لا بالظهور. وفيه: ما عرفت من أن: " بلاده " و: " منزله " ظاهران في بلد الاستيطان. مع أنه لو تم ذلك كان اللازم الاجتزاء بكل بلد ولا يختص بالبلد الذي كان فيه بعد الاستطاعة. وأما الخبر فدلالته تامة، لان قوله: " أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه ظاهر في أن للبلد الذي مات فيه نوعا من الخصوصية، فإذا حمل الخبر على حال الضرورة فقد دل على الوجوب من ذلك البلد في حال الاختيار. وأوضح منه في ذلك خبر كتاب المسائل المروي في مستطرفات السرائر (* 1)، بناء على الاستدلال به لوجوب الحج من البلد.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب النيابة في الحج حديث: 9.

 

===============

 

( 268 )

 

[ (مسألة 92): لو عين بلدة غير بلده - كما لو قال: " استأجروا من النجف أو من كربلاء " - تعين (1). (مسألة 93): على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الاقرب إليه فالاقرب، بل يكفي كل بلد دون الميقات (2). لكن الاجرة الزائدة على الميقات - مع إمكان الاستيجار منه - لا يخرج من الاصل (3)، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد (4). إلا إذا أوصى باخراج الثلث (5) ] ويحتمل أن يكون الوجه فيما ذكره المصنف (ره): أن كل بلد من البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة توجه إليه الخطاب بالحج منه، ولما لم يمكن البناء على وجوب الجمع تعين البناء على التخيير. نظير ما ذكره فيمن فاتته الصلاة في الوقت وكان في بعض الوقت حاضرا وفي بعضه مسافرا. وفيه: أنه بعد الانتقال من البلد إلى الاخر يتوجه إليه الخطاب بالحج من الاخر على وجه التعيين، كما عرفت. وبالجملة: فهذا الاحتمال ضعيف جدا، ولذا لم يعرف من أحد، فضلا عن القول به. (1) عملا بعموم لزوم العمل بالوصية. (2) لان الاجزاء لا يقتضى اللزوم، والاطلاق يقتضى إجزاء الجميع. (3) إذ لا ملزم للورثة بذلك مع امكان ما هو أقل قيمة - كما هو المفروض - لان الذي يخرج من الاصل صرف الوجود المنطبق على الاقل كما ينطبق على الاكثر. (4) لان الذي يخرج من الثلث هو الوصية، والمفروض عدمها، (5) لانه إذا أوصى كذلك لزم صرف الثلث في مصلحه الميت.

 

===============

 

( 269 )

 

[ من دون أن يعين مصرفه (1)، ومن دون أن يزاحم واجبا ماليا عليه (2). (مسألة 94): إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب، وإن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة (3)، فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما، بمعني أنها توزع عليهما بالنسبة. (مسألة 95): إذا لم تف التركة بالاستئجار من ] وتعيين المصرف موكول الى نظر الوصي. فإذا كان نظره يقتضي الحج البلدي كان مما أوصى به الميت، فيخرج من الثلث. (1) إذ لو عين لزم العمل بتعيينه ولم يجز صرف الثلث في غيره. نعم إذا عين مصرفا لا يستوفي الثلث فالحكم كما إذا لم يعين، لان المقدار الزائد موكول الى نظر الوصي، فله صرفه في الحج البلدي. (2) فانه مع المزاحمة للواجب المالي يتعين صرف الثلث في الواجب المالي. لكن - على هذا - لا ثلث للميت، لان الثلث - الذى يكون للميت الوصية به - ثلث ما زاد على الواجب المالي. وكذا لو كان عليه واجب غير مالي، بناء على إخراجه من الاصل كما هو مذهب المصنف (ره). ولاجل ذلك يكون التقييد بالمالي غير ظاهر الوجه، فالعبارة - إذا - لا تخلو عن اشكال. وعلى المختار، من عدم خروج الواجب غير المالي من الاصل يكون الصحيح في التعبير هكذا: " ومن دون ان يزاحم واجبا غير مالي ". فلاحظ (3) لاطلاق دليل وجوب إخراجه من الاصل، كما تقدم في المسألة التاسعة والثمانين. ولا فرق في ثبوت الاطلاق بين أن يزاحمه دين آخر أو لا، فيجب العمل به، ومع المزاحمة يلزم التحصيص والتقسيط.

 

===============

 

( 270 )

 

[ الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري - كمكة أو أدنى الحل - وجب (1) نعم لو دار الامر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد ويخرج من أصل التركة، لانه لا اضطرار للميت مع سعة ماله (2). (مسألة 96): بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه وهو حي أو ميت، فيجوز لمن هو معذور - بعذر لا يرجى زواله - أن يجهز رجلا من الميقات -، كما ذكرنا سابقا أيضا (3). فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الاقوى، وإن كان الاحوط ذلك. (مسألة 97): الظاهر وجوب المبادرة الى الاستئجار في سنة الموت (4). خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير من ] (1) لعموم دليل البدلية عند الاضطرار. (2) فلا مجال للبدلية الاضطرارية. (3) في أواخر المسألة الثانية والسبعين. (4) كما في كشف الغطاء. والظاهر أنه مفروغ عنه عندهم، لانه دين - كما في النص - فيجري عليه حكمه، من وجوب المبادرة إلى ادائه، عملا بقاعدة السلطنة وللنصوص المتضمنة: أن حبس الحقوق من الكبائر. أو لان اللام في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت..) (* 1) لام الملك، فيكون الحج مملوكا له تعالى، فيكون دينا حقيقة، فيجب أداؤه، كما عرفت. أو لان ما دل على وجوب المبادرة إليه في حال الحياة يدل عليها بعد الوفاة ايضا، لان ما يفعله النائب هو ما يجب على المنوب

 

 

____________

(* 1) آل عمران: 97.

 

===============

 

( 271 )

 

[ الميت (1) وحينئذ فلو لم يمكن إلا من البلد وجب وخرج من الاصل (2) ولا يجوز التأخير إلى السنة الاخرى ولو مع العلم بامكان الاستئجار من الميقات توفيرا على الورثة. كما أنه لو لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الاجرة المتعارف في سنة الموت وجب ولا يجوز التأخير إلى السنة الاخرى توفيرا عليهم. (مسألة 98): إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة، أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن (3) كما أنه لو كان على الميت دين، وكانت التركة وافية وتلفت بالاهمال ضمن. (مسألة 99): على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن، إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الاقرب إلى مكة (4). إلا مع رضي الورثة بالاستئجار من الابعد. نعم مع عدم تفاوت الاجرة الحكم التخيير. ] عنه بماله من الاحكام. فتأمل. (1) كأن وجه الخصوصية: أن المبادرة حينئذ تكون منجزة على المنوب عنه فتكون من أحكامه الفعلية لا الاقتضائية. (2) هذا من أحكام لزوم الفورية. (3) للتفريط الموجب لضمان الحق. أو لما ورد من النصوص المتضمنة: أن من كان أمينا على مال ليصرفه فأخر صرفه - مع إمكانه، ووجود المستحق - ضمن (* 1). (4) المراد من الاقرب الاقل قيمة، كما يظهر ذلك من ملاحظة مجموع

 

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 36 من ابواب الوصايا.

 

===============

 

( 272 )

 

[ (مسألة 100): بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب، فلا اختصاص بحجة الاسلام (1). فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من البلد (2). بل وكذا لو أوصى بالحج ندبا، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث (3). (مسألة 101): إذا اختلف تقليد الميت والوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت (4). وإذا العبارة. وحينئذ يكون قرينة على المراد من عبارة المشهور المتقدمة في صدر ] المسألة الثامنة والثمانين. فراجع. (1) لان الدليل الدال على الوجوب من البلد إن كان ما ذكره ابن ادريس: من أنه مقتضى الخطاب، فلا فرق فيه بين أن يكون الخطاب بحج الاسلام أو بحج النذر. وإن كان هو النصوص فموردها الوصية، فإذا لزم التعدي عن موردها لم يكن فرق بين حج الاسلام وغيره. (2) لو كان النذر مقيدا بالميقات فمقتضى ما ذكره ابن ادريس وجوب الحج من البلد ايضا، لان الخطاب المتوجه إلى الميت حال حياته - بالاتيان بالحج من الميقات - يقتضي وجوب السعي إليه من البلد الذى هو فيه وإن كان من باب المقدمة، فيجب على النائب الاتيان به بعين التقريب الذي ذكر في الحج الاسلامي. بل لو كان ناذرا الحج من بلد آخر غير بلده ايضا يقتضي الحج من بلده الى ذلك البلد ثم منه إلى الميقات، لما ذكر. (3) لما عرفت، من أن نصوص الوصية - على تقدير دلالتها على الوجوب من البلد - لم يذكر فيها أن الموصى به حج الاسلام، بل مقتضى اطلاقها العموم للوصية بالحج الندبي. (4) تقدم مثل ذلك من المصنف في موارد كثيرة. وتقدم الاشكال

 

===============

 

( 273 )

 

[ علم أن الميت لم يكن مقلدا في هذه المسألة، فهل المدار على تقليد الوارث، أو الوصي، أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعينا والتخيير مع تعدد المجتهدين ومساواتهم؟ وجوه (1). وعلى الاول فمع اختلاف ] فيه: أن تقليد الميت ليس له موضوعية. بل هو طريق الى وظيفة الميت في مقام العمل، فهو حجة عليه لا على الوارث، واللازم على الوارث العمل على مقتضى تقليده. فإذا كان تقليد الميت يقتضي الحج من الميقات وتقليد الوارث يقتضي الحج من البلد، فالوارث لا يرى براءة ذمتة إلا بالحج من البلد، لانه يرى أنه هو الواجب على الميت في حال حياته. وأنه هو اللازم إخراجه من تركته، وأنه لا يرث إلا ما زاد عليه، فكيف يجتزي بالحج من الميقات؟! نعم لو كان التقليد موضوعا للحكم الواقعي كان لما ذكر وجه. لكنه تصويب باطل. وكذلك الوصي فان الوصي إذا كان مقتضى تقليده الاخراج من البلد، فهو يرى وجوب ذلك عليه لما دل على وجوب العمل بالوصية، فكيف يجتزي باخراج الحج من الميقات؟! وسيأتي منه - في فصل الوصية -: أن المدار على تقليد الوصي والوارث. (1) قد عرفت أن اللازم لكل عامل أن يعمل على تقليده لا تقليد غيره. لكن لو بني على الثاني - في الصورة الاولى - يتعين في هذه الصورة الرجوع إلى المجتهد - الذى كان يجب على الميت تقليده - إذا كان متعينا لان رأيه حجة عليه. أما إذا كان متعددا فيشكل التخيير: بأنه مع التعدد لا يكون رأى أحدهما حجة إلا إذا اختاره نظير: ما لو تعارض الخبران، فانه لا يكون أحدهما حجة الا في حال الاختيار، فمع عدم الاختيار لا حجة ولا حجية. واختيار الوارث لا اثر له في الحجية على الميت. وحينئذ يتعين الرجوع إلى تقليد نفسه، لا التخيير بين المجتهدين. فاللازم حينئذ

 

===============

 

( 274 )

 

[ الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده (1)، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته - بمقدارها بالنسبة - فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالاقرب فالاقرب إلى البلد. ويحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع، فيحكم بمقتضى مذهبه. نظير: ما إذا اختلف الولد الاكبر مع الورثة في الحبوة. وإذا اختلف تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحج عليه وعدمه - بأن يكون ] التفصيل بين أن يكون المجتهد متعينا فيلزم العمل على تقليد الميت، وأن لا يكون متعينا فيلزم العمل على تقليد الحي نفسه. (1) لانه الحجة عليه دون تقليد غيره. وهذا مما لا إشكال فيه، إنما الاشكال فيما إذا أدى ذلك إلى النزاع. توضيح ذلك: أن التقليدين المختلفين تارة: يكونان اقتضائيين. وأخرى: يكون أحدهما اقتضائيا دون الاخر. فان كانا معا اقتضائيين فالعمل على احدهما يكون منافيا للعمل على الاخر دائما. وإذا كان أحدهما اقتضائيا دون الاخر، فالعمل على اللاقتضائى قد يكون منافيا للعمل على الاقتضائى وقد لا يكون، كما في المقام. فان تقليد من يقول بوجوب الحج البلدي اقتضائي، وتقليد من يقول بكفاية الحج الميقاتي لا اقتضائي، لجواز الاتيان بالحج البلدي عنده، فالمقلد لمن يقول بكفاية الميقاتي إذا أقدم على اخراج الحج البلدي لم يكن منشأ للنزاع بينهم. أما إذا لم يقدم على ذلك بل أقدم على بذل الحج الميقاتي، فان لم يتعلق بعمل صاحبه لم يكن مثارا للنزاع والخصام، وإن تعلق بعمله كان مثارا لذلك. ومبنى ذلك: ما تقدم في المسألة الخامسة والثمانين، من أن الواجب على الورثة التوزيع والتحصيص، أو هو إخراج الحج على كل حال. فعلى

 

===============

 

( 275 )

 

[ الميت مقلدا لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحج، والوارث مقلدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه، أو بالعكس - فالمدار على تقليد الميت (1). (مسألة 102): الاحوط - في صورة تعدد من يمكن استئجاره استئجار من أقلهم أجرة مع إحراز صحة عمله مع عدم رضى الورثة أو وجود قاصر فيهم، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية. وإن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت ] الاول لا يكون عمل أحدهما متعلقا بعمل الاخر، فإذا كان الوارث ذكرين كان الواجب على كل واحد منهما نصف المقدار اللازم في الحج. فمن كان مقتضى تقليده إخراج الحج البلدي لزمه نصف المقدار اللازم فيه، ومن كان مقتضى تقليده إخراج الحج الميقاتي لزمه نصف المقدار اللازم في الميقاتي، فكل واحد يدفع ما عليه لا غير. وعلى الثاني يجب على من كان مقتضى تقليده الحج البلدي إخراجه على كل حال، كما لو غصب بعض التركة. فإذا دفع - من كان مقتضى تقليده الحج الميقاتي - نصف ما يلزم في الحج الميقاتي لم يسكت عنه الاخر، لانه لو سكت عنه لزم خسارة التفاوت وإخراج الحج البلدي، فيحصل النزاع، فيتعين الرجوع إلى المجتهد الثاني ويجب العمل على حكمه. وقد عرفت في المسألة الخامسة والثمانين: أن الاقرب هو الثاني، فيتعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي لقطع النزاع. ومثله: لو اختلف الورثة في وجوب الحج على الميت وعدمه لاختلافهم في شرائط الاستطاعة. وقد تقدمت الاشارة إلى ذلك في المسألة الخامسة والثمانين. (1) قد تقدم الاشكال فيه. وسيأتى منه - في أول فصل مباحث الوصية -: أن المدار على تقليد الوصي والوارث، كما سبق.

 

===============

 

( 276 )

 

[ من حيث الفضل والاوثقية مع عدم قبوله إلا بالازيد وخروجه من الاصل (1). كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلهم أجرة (2)، وإن كانت أحوط. (مسألة 103): قد عرفت أن الاقوى كفاية الميقاتية لكن الاحوط الاستئجار من البلد بالنسبة الى الكبار من الورثة، بمعنى: عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القصر إن كان فيهم قاصر (3). (مسألة 104): إذا علم أنه كان مقلدا ولكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسالة، فهل يجب الاحتياط، أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان أيضا (4). ] (1) هذا إذا كان التعدي عن المناسب يعد هتكا لحرمة الميت وحطا من كرامته، فان حينئذ مما تنصرف عنه الادلة. أما إذا لم يكن كذلك فلا دليل عليه. ثم إن المناسبة تارة: تكون من حيث الفاعل، وأخرى: تكون من حيث القيمة. وفي المقامين لا بد أن يكون تركها هتكا، وإلا فلا موجب لها. (2) لان الاذن محمول على المتعارف. (3) ظاهر العبارة: أن المراد أن الاحوط للكبار أن يبذلوا ما به التفاوت بين الميقاتية والبلدية من ما لهم. لكن - بناء على ما ذكره في المسألة السابقة - يكون الاحوط أن يبذل الكبار ما يلزم في حصتهم من التفاوت، لا أن يبذلوا ما به التفاوت بين الميقاتية والبلدية حتى ما يتعلق بحصة الصغار. (4) لازم ما ذكره سابقا ان يكون الوجهان: الاحتياط بفعل البلدية، وعدمه بفعل الميقاتية. لان الواجب على الوارث إذا كان ما يقتضيه تقليد

 

===============

 

( 277 )

 

[ (مسألة 105): إذا علم باستطاعة الميت مالا ولم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه، فلا يجب القضاء عنه، لعدم العلم بوجوب الحج عليه، لاحتمال فقد بعض الشرائط (1)، (مسألة 106): إذا علم استقرار الحج عليه ولم يعلم أنه أتى به أم لا فالظاهر وجوب القضاء عنه (2)، لاصالة ] الميت وتردد بين البلدية والميقاتية. فاللازم إما الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط، لا الرجوع إلى تقليد نفسه. وكذا الكلام في الوصي. (1) والاصل البراءة الجاري في حق الميت أو في حق الوارث. هذا إذا لم تكن أمارة أو أصل يقتضى ثبوت الشرط فيقتضي ثبوت الوجوب، وإلا كان العمل عليه، فيجب القضاء عنه. (2) تقدم الكلام في نظير المقام في المسألة الخامسة من ختام الزكاة، وفى آخر مسألة من فصل الاستيجار في قضاء الصلاة، وفي غير ذلك. والحكم الذى ذكره المصنف (ره) هنا في محله، للوجه الذي ذكره فيه: وأما وجه الاحتمال الاخر - وهو ظهور حال المسلم - فلا دليل على حجيته. إلا أن يكون الشك بعد خروج الوقت، فقد قامت الادلة على جواز البناء على وقوع الفعل فيه. أما في غير ذلك فلا دليل عليه. إذ مرجع ذلك إلى أن إسلام المسلم يقتضى وقوع الفعل منه فيبني عليه، وليس ذلك إلا عملا بقاعدة المقتضى التي اشتهر عدم ثبوتها وعدم جواز العمل عليها. وأما قاعده التجاوز فليست هي من ظهور الحال بل هي من قبيل ظهور الفعل، لان الدخول في الفعل المترتب على المشكوك فعله يدل على وقوع ما قبله. وبالجملة: الظاهر تارة: يكون قولا، وأخرى: يكون فعلا،

 

===============

 

( 278 )

 

[ بقائه في ذمته. ويحتمل عدم وجوبه عملا بظاهر حال المسلم وأنه لا يترك ما وجب عليه فورا. وكذا الكلام إذا علم أنه تعلق به خمس، أو زكاة، أو قضاء صلوات، أو صيام، ولم يعلم أنه أداها أولا (1) (مسألة 107): لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت والوارث بل يتوقف على الاداء (2). ولو علم أن الاجير ] وثالثة: يكون حالا. والجميع إن كان مقرونا بقصد الحكاية فهو خبر وحجيته تختلف باختلاف الموارد، من حيث كون المورد حكما أو موضوعا، من حقوق الناس أو من حقوق الله تعالى، أولا من هذا ولا من ذاك. وباختلاف الخصوصيات من حيث كون المخبر عادلا، أو ثقة، أو ذايد، أو غير ذلك، وكون المخبر واحدا أو متعددا وغير ذلك. وتختلف الحجية باختلاف ذلك كله حسبما تقتضيه الادلة. وإذا لم يكن قصد الحكاية فالدال ليس من الخبر. والدلالة ان كانت عقليه للزوم العقلي فلا إشكال في الحجية، وان لم يكن عقليا بل كان مستندا إلى غلبة أو اقتضاء أو نحوهما فالدلالة محتاجة إلى دليل. ومنه المقام، فان الدلالة المستندة إلى مجرد وجود المقتضي لا دليل عليها. (1) إذا علم أنه تعلق بذمته وشك في ادائه فمقتضى الاستصحاب وإن كان وجوب الاداء. لكن قد يستفاد عدمه مما ورد في الدعوى على الميت، حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الاداء، بل احتيج إلى اليمين على البقاء، فمع عدمه لا يجب الوفاء على الوارث، فيكون ذلك على خلاف الاستصحاب. (2) هذا ينبغي أن يكون من الواضحات، لان الاستيجار ليس مصداقا للمأمور به، فكيف تبرأ به الذمة؟!.

 

===============

 

( 279 )

 

[ لم يؤد وجب الاستئجار ثانيا، ويخرج من الاصل إن لم يمكن استرداد الاجرة من الاجير. (مسألة 108): إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم (1). (مسألة 109): إذا لم يكن للميت تركة وكان عليه الحج لم يجب على الورثة شئ (2)، وإن كان يستحب على وليه. بل قد يقال بوجوبه، للامر به في بعض الاخبار (3). ] (1) إذا كانت الاجارة بعين التركة فالاجارة بالنسبة إلى مقدار التفاوت فضولية، فان اجاز الورثة نفذت وإلا فلا. وإن كان في الذمة لم يرجع الوصي على الورثة أو الوارث على بقية الورثة إلا بمقدار الحج الميقاتي. (2) بلا خلاف ظاهر. وفي كشف اللثام: نسبته إلى المشهور، وظاهر غيره: التسالم عليه. ويقتضيه النصوص المتضمنة: " أنه يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك " - كموثق سماعة - (* 1) أو " من جميع ماله " - كما في صحيح الحلبي - (* 2) أو " من جميع المال " - كما في صحيح معاوية - (* 3) أو غيرذلك، كما في غيرها. وقد تقدمت في المسألة الثالثة والثمانين. (3) في الجواهر: أنه يشعر بالوجوب كلام ابن الجنيد. وفي كشف اللثام: " قد يستظهر الوجوب من كلام أبي علي، وليس فيه إلا أن الولي يقضي عنه إن لم يكن ذا مال ". ولا ريب أن ظاهره الوجوب، كما في الدروس. وكأنه للامر به في صحيح ضريس، المتقدم فيمن مات قبل دخول

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 28 من ابواب وجوب الحج حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 28 من ابواب وجوب الحج حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 25 من ابواب وجوب الحج حديث: 4.

 

===============

 

( 280 )

 

[ (مسألة 110): من استقر عليه الحج وتمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو باجارة، وكذا ليس له أن يحج تطوعا (1). ولو خالف فالمشهور البطلان، بل ادعي بعضهم: عدم الخلاف فيه (2) وبعضهم: الاجماع عليه (3). ولكن عن سيد المدارك: التردد في البطلان (4). ومقتضى ] الحرم (* 1). وفي الجواهر: إنه محمول على الندب قطعا. اقول: مقتضى الجمع العرفي: التقييد بالتركة لا الحمل على الندب. نعم الاعتبار يساعد على الندب. (1) لانه تفويت الواجب الفوري، وهو واضح. (2) في الجواهر ادعى عدم وجدان الخلاف في الاول - وهو الحج عن غيره باجارة أو تبرعا - وحكى الخلاف فيه في التطوع. قال في الخلاف: " وأما الدليل على أنه إذا نوى التطوع وقع عنه لا عن حجية الاسلام: قوله (عليه السلام): " الاعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى.. " (* 2). وهذا نوى التطوع، فوجب أن يقع عما نوى عنه ". (3) ادعى ذلك في المستند في خصوص النيابة. (4) قال فيها: " ولا يخفى أن أحكم بفساد التطوع إنما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقا أو التزاما. والقول بوقوع التطوع عن حج الاسلام للشيخ في المبسوط. وهو مشكل، لان ما فعله قد قصد به خلاف حج الاسلام، فكيف ينصرف إليه؟! ونقل عنه في الخلاف: أنه حكم بصحة التطوع، وبقاء حج الاسلام في ذمته. وهو جيد إن لم يثبت تعلق النهي به المقتضي للفساد.. ".

 

 

____________

(* 1) تقدم في أول المسألة: 73 من هذا الفصل. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب مقدمة العبادات حديث: 10.

 

===============

 

( 281 )

 

[ القاعدة: الصحة، وإن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد إذ لا وجه للبطلان الا دعوى: أن الامر بالشئ نهي عن ضده (1). وهي محل منع. وعلى تقديره لا يقتضي البطلان، لانه نهى تبعي (2). ودعوى: أنه يكفي في عدم الصحة عدم الامر (3). مدفوعة: بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحة (4)، ] (1) هذه الدعوى اعتمد عليها في كشف اللثام. (2) كأن المراد بالتبعي في المقام الغيري. لكن التحقيق: أن النهي الغيري موجب للثواب والعقاب كالنهي النفسي، وإنما يختلفان في أن النهي النفسي يقتضيهما من حيث هو، والنهي الغيري يقتضيهما من حيث كونه من رشحات النهي النفسي وشراشره. ففعل مقدمة الواجب انقياد وتركها تجرؤ، وفعل مقدمة الحرام تجرؤ وتركها انقياد. فالسفر لقتل المؤمن معصيه، والسفر للحج طاعة، والاول موجب لاستحقاق العقاب، والثاني موجب لاستحقاق الثواب. وإذا كان موجبا لاستحقاق العقاب كان مبعدا، فيمتنع أن يكون مقربا، فلا يصح إذا كان عبادة. (3) هذه الدعوى محكية عن الشيخ البهائي (ره)، وحاصلها: أن الامر بالشئ وإن لم يقتض النهي عن ضده، لكن يمنع عن الامر بضده لامتناع الامر بالضدين. لان اجتماع الضدين إذا كان محالا كان الامر بهما أمرا بالمحال، وهو محال وإذا امتنع الامر بالضد الاخر امتنع التقرب به لان التقرب إنما يكون بالفعل بداعي الامر، فمع عدم الامر يمتنع التقرب. (4) يعني: يكفي في التقرب الفعل بداعي المحبوبية. بل التحقيق: جواز تعلق الامر بالضدين إذا كان على نحو الترتب، كما تعرضنا لذلك في مبحث أحكام النجاسات، من كتاب الطهارة من هذا الشرح. فراجع.

 

===============

 

( 282 )

 

[ كما في مسألة ترك الاهم والاتيان بغير الاهم من الواجبين المتزاحمين. أو دعوى: أن الزمان مختص بحجته عن نفسه، فلا يقبل لغيره (1). وهي - أيضا - مدفوعة بالمنع، إذ مجرد الفورية لا يوجب الاختصاص، فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث أنه غير قابل لصوم آخر. وربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): " عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال (عليه السلام): نعم، ] وفي حاشية بعض الاعاظم (ره) على المقام قال: " لا سبيل إلى هذه الدعوى فيما اعتبرت القدرة فيه شرطا شرعيا، كالحج ونحوه ". وكأنه يريد: أن القدرة إذا كانت شرطا للوجوب فانتفاؤها - كما يوجب انتفاء الوجوب - يوجب انتفاء المحبوبية. ولا يخلو ما ذكره من غموض، لان القدرة إنما اعتبرت شرطا شرعيا في حج الاسلام لا في التطوع لمن عليه حج الاسلام، فان التطوع منه لا تعتبر في مشروعيته القدرة. وكذا في الحج عن غيره وإن كان حج الاسلام، لان حج الاسلام الثابت للمنوب عنه إنما يعتبر في مشروعيته قدرته لا قدرة النائب، لان النائب يتقرب بأمر المنوب عنه لا يأمر نفسه. ومن ذلك تعرف أن هذه الدعوى - المحكية عن البهائي - لا مجال لها في المقام بالنسبة الى الحج عن الغير - تبرعا أو بالاجارة - لان النائب إنما يتقرب بأمر المنوب عنه، وهو لا ينافي الامر المتوجه الى النائب بحج الاسلام. (1) هذه الدعوى لم أقف على من ادعاها، ولكن ذكرها في الجواهر وجها للمشهور، وأنكرها بقوله: " فان التحقيق عدم اقتضاء الفورية أصل التوقيت، فضلا عن التوقيت على هذا الوجه ".

 

===============

 

( 283 )

 

[ إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه. فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله، وهي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال " (1). وقريب منه: صحيح سعيد الاعرج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2). وهما - كما ترى - بالدلالة على الصحة أولى (3)، ] (1) هذا الخبر صحيح رواه الكليني عن عدة من اصحابنا. عن احمد ابن محمد، عن سعد (* 1). (2) رواه الصدوق باسناده عن سعيد بن عبد الله الاعرج: " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال (عليه السلام): نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به. فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله، وهو يجزئ عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال " (* 2). (3) لان الظاهر من قوله (عليه السلام) في الصحيح الاول: " فليس يجزي عنه " أنه لو حج عن الميت لم يجز عن نفسه، لا انه لا يجزي عن الميت. فالضمير في: " عنه " راجع إلى الرجل لا إلى الميت، ولا سيما بقرينة ذكر الميت ظاهرا بعد ذلك. وحينئذ فظهور قوله (عليه السلام): " وهي تجزي عن الميت " في أن حجته عن الميت تجزي عن الميت محكم. مع أنه لو حمل ضمير: " عنه " على الميت كان منافيا لقوله (عليه السلام): " وهي تجزي عن الميت ". إلا أن يحمل الثاني على صورة ما إذا حج عن الميت بعد أن حج من ماله، فيكون المراد أنه ليس يجزي عن الميت حتى يحج من ماله، فإذا حج من ماله ثم حج عن الميت تجزي عن الميت، سواء أكان له حينئذ مال أم لم يكن. لكن هذا المعنى بعيد عن العبارة المذكورة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 5 من ابواب النيابة في الحج حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 5 من ابواب النيابة في الحج حديث: 3.

 

===============

 

( 284 )

 

وبالجملة: هيئة التركيب تقتضي أن تكون الضمائر في قوله (عليه السلام): " عن نفسه " - في الموضعين - وقوله: " له "، وقوله (عليه السلام): " يجزي عنه "، وقوله: " من ماله " كلها راجعة إلى مرجع واحد، وهو الصرورة، والتفكيك - بارجاع بعضها إلى الصرورة وبعضها إلى الميت - بعيد عن السياق. كما أن هيئة التركيب ايضا تقتضي أن يكون الضمير في قوله (عليه السلام): " وهي " راجعا الى حجة الصرورة عن الميت المذكور في السؤال. هذا ما يرجع الى صحيح سعد. وأما صحيح سعيد، فالظاهر من قوله (عليه السلام) فيه: " فليس له ذلك ": أنه ليس له أن يحج عن غيره تكليفا، لا أنه باطل، بقرينة: " وهو يجزي عن الميت.. ". وحمله على الوضع - يعني: أنه لا يصح الحج عن الميت حتى يحج من ماله، وبعد ذلك إذا حج عن الميت يجزي عن الميت، سواء كان له مال أم لم يكن - بعيد جدا. بل هو أبعد من حمل الصحيح السابق على هذا المعنى، فالاستدلال به على المشهور أولى بالاشكال من الاستدلال بالصحيح السابق. ومن العجيب ما ذكره في الجواهر في رد المدارك - في حمل: " وهو يجزي " على إرادة بيان إجزاء حج الصرورة عن غيره مطلقا - بقوله: " وفيه: انه خلاف ظاهر قوله (عليه السلام): " لا يجزي عنه "، وخلاف قاعدة اقتضاء النهي الفساد. بل هو عند التأمل تفكيك في الخبر يقطع بعدم إرادته.. ". وربما يستدل للمشهور: بأن اللام في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت..) (* 1). لما كانت ظاهرة في الملك، كانت الآية دالة على كون الحج مملوكا لله تعالى، وحينئذ لا يجوز التصرف فيه بنحو لا يكون مأذونا فيه من قبل الله تعالى، فإذا حج عن غيره أو عن نفسه تطوعا كان تصرفا فيه بغير إذنه تعالى، فيكون باطلا. فان قلت: إذا كانت الاية

 

 

____________

(* 1) آل عمران: 97.

 

===============

 

( 285 )

 

الشريفة دالة على الملكية لم تدل على الوجوب، وحينئذ لا يكون واجبا، فلا وجه للاتيان به بقصد الوجوب. قلت: يمكن استفادة وجوبه من دليل آخر غير الاية، مثل: ما دل على أنه إحدى دعائم الاسلام الخمس (* 1). فيتعين الاتيان به بقصد الوجوب. فان قلت: يلزم حينئذ الاتيان بقصد اداء المملوك، كما في وفاء الدين. قلت: إنما يلزم الاتيان بقصد وفاء الدين - في صدق اداء الدين - من جهة أن أداء المملوك يمكن أن يكون على وجه آخر، وهذا المعنى لا يتأتى في الحج. لان حج الاسلام لا يكون إلا مملوكا، فقصد حج الاسلام كاف في كونه أداء للمملوك. نعم يمكن الخدش في هذا الاستدلال: بأنه إنما يترتب عليه حرمة التصرف بالاتيان به على غير الوجه الخاص لو كان الملك للمنفعة الخاصة. كما في الاجير الخاص. أما لو كان المملوك ما في الذمة - كما لو استأجره على عمل في ذمته - لم يكن مانع من الفعل لغير المستأجر، لان الفعل الخارجي لا ينطبق عليه ما في الذمة إلا بالقصد، فاذالم يقصده لم ينطبق ما في الذمة عليه ولا يتحد معه كي يحرم التصرف فيه. نظير: ما لو استأجره على صوم يوم بعينه عن زيد فصام ذلك اليوم عن عمرو، لم يكن مانع من صحة الصوم. وكذا لو نذر أن يصوم يوما معينا، فان النذر وإن كان يستوجب كون المنذور مملوكا لله تعالى لكن لما كان المملوك في الذمة لافي الخارج لم يكن مانع من صحة صوم ذلك اليوم إذا جاء به على غير وجه النذر. وأما ما ورد في صحيح الحلبي وغيره، الواردين فيمن عجز عن الحج وهو مستطيع، المتضمنين الامر باستنابة الصرورة الذي لا مال له، الدالين على عدم جواز استنابة الصرورة إذا كان له ماله (* 2) - وهو محل الكلام -

 

 

____________

(* 1) تقدم في الصفحة الاولى من الكتاب الاشارة الى مصدره. (* 2) راجع أول مسألة 72 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 286 )

 

[ فان غاية ما يدلان عليه: أنه لا يجوز له ترك حج نفسه وإتيانه عن غيره، وأما عدم الصحة فلا. نعم يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه، فتردد صاحب المدارك في محله. بل لا يبعد الفتوى بالصحة، لكن لا يترك الاحتياط. هذا كله لو تمكن من حج نفسه، وأما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز والصحة عن غيره (1). بل لا ينبغي الاشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه (2)، لعدم علمه باستطاعته مالا. ] فقد عرفت سابقا عدم العمل بهما، وتعين طرحهما، أو حملهما على الاستحباب. فراجع المسألة الثانية والسبعين. (1) قال في الدروس: " ويشترط الخلو من حج واجب على النائب إلا أن يعجز عن الوصلة إليه.. ". وفي المدارك: " فلو تعذر جازت الاستنابة، لجواز تأخير ذلك الواجب الفوري بالعجز عنه، ومتى جاز التأخير انتفى المانع من الاستنابة، كما هو ظاهر.. ". ويظهر - من الجواهر وغيرها - المفروغية عن ذلك. لكن في المستند: " أنه خالف فيه بعضهم، ولا وجه له ". وفي كشف اللثام: عن ابن ادريس بطلان النيابة وإن لم يتمكن، إذا كان قد استقر الحج في ذمته. قال (ره): " ولعله لاطلاق الاكثر.. ". لكن إطلاقهم ليس حجة. والعمدة: دليل المنع. والوجوه - المتقدمة في تقريب المنع - تختص بصورة التمكن حتى النصوص على تقدير تماميتها، لان المورد يدخل تحت إطلاق قوله (عليه السلام): " إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه " المذكور في الصحيحين. نعم مقتضى الاية - لو تمت دلالتها - عدم الفرق، كما ذكر الحلي. (2) العلم والجهل لما لم يوجبا تبدلا في الحكم الواقعي فالادلة المتقدمة

 

===============

 

( 287 )

 

[ أو لا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه، فحج عن غيره أو تطوعا (1). ثم على فرض صحة الحج عن الغير - ولو مع التمكن والعلم بوجوب الفورية - لو أجر نفسه لذلك، فهل الاجارة أيضا صحيحة، أو باطلة مع كون حجه صحيحا عن الغير؟ الظاهر بطلانها. وذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه (2)، لان المفروض وجوبه عن نفسه فورا. وكونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الاجارة. ] على البطلان - على تقدير تماميتها - شاملة لغير العالم كالعالم، فالنهي عن الضد، أو عدم الامر بالضد - وكذلك النصوص - شامله له. نعم الجهل مانع عن مبعدية المنهي عنه، فلا مانع من التقرب به، فإذا كان الموجب للبطلان هو النهي عن الضد فهو لا يقتضي البطلان مع الجهل للشبهة الموضوعية. أما إذا كان المقتضي النصوص فلا فرق فيها بين العالم والجاهل. (1) هذا إذا كان قاصرا. أما إذا كان مقصرا فالجهل لا يمنع عن مبعدية النهي الواقعي. (2) والقدرة على العمل شرط في صحة الاجارة، لان مالا يكون مقدورا لا يكون موضوعا للمعاوضة، وأكل المال بازائه أكل للمال بالباطل. وعدم القدرة في المقام وإن كان شرعيا لكنه مثل عدم القدرة عقلا. وفي حاشية بعض الاعاظم: " هذا تسليم منه بموجب البطلان ولو تبرعا عن الغير أو تطوعا لنفسه ". ويشير بذلك إلى ما سبق منه في الحاشية: من ان القدرة شرط في مشروعية الحج، فمع عدمها تنتفي المشروعية. وفيه: ما عرفت: من أن القدرة شرط في مشروعية حج الاسلام، لا في حج التطوع ولا في التبرع عن غيره به. فلاحظ.

 

===============

 

( 288 )

 

[ خصوصا على القول بأن الامر بالشئ نهي عن ضده، لان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (1)، وإن كانت الحرمة تبعية. فان قلت: ما الفرق بين المقام وبين المخالفة للشرط في ضمن العقد (2)، مع قولكم بالصحة هناك؟ كما إذا باعه عبدا وشرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحة البيع ويكون للبائع خيار تخلف الشرط (3). ] (1) وحينئذ يكون مانع آخر من صحة الاجارة غير عدم القدرة، وهو المعاوضة على الحرام، فان في حاق الاجارة المعاوضة بين الاجرة والمنفعة فإذا كانت حراما لم تصلح للمعاوضة عليها. (2) لم يظهر توجه هذا الاشكال على ما ذكره، من بطلان الاجارة على الضد إذا وجب ضده، وإنما يحسن توجهه لو كان الحكم هو صحة الاجارة على البيع إذا شرط العتق في المثال المذكور. فانه إذا شرط العتق فقد وجب بالشرط، فإذا استؤجر المشروط عليه على البيع، وقلنا بصحة الاجارة كان الفرق بينهما غير ظاهر، فيحتاج إلى السؤال عن إبداء الفرق. وأما الحكم بصحة البيع لو اشترط الضد فقد تقدم منه مثله، وهو صحة التطوع بالحج عن نفسه إذا وجب عليه حج الاسلام. وبالجمة: تقدم منه حكمان. أحدهما: أنه إذا وجب حج الاسلام فوجوبه لا يقتضي بطلان ضده. وثانيهما: أنه إذا وجب حج الاسلام لم تصح الاجارة على ضده. ومثال شرط العتق وصحة البيع يناسب الاول، ولا فرق بينهما في الحكم، ولا يناسب الثاني كي يحتاج إلى ابداء الفرق بينهما في الحكم. (3) قد تكرر في هذا الشرح: التعرض لان الشرط في ضمن العقد يقتضي إثبات حق للمشروط له على المشروط عليه، فإذا اشترط عليه أن يعتقه فقد صار له عليه أن يعتقه وملك عليه ذلك. ثم نقول: لما كان العتق المملوك

 

===============

 

( 289 )

 

متعلقا بالعبد وكان العبد موضوعا له فتارة: يؤخذ وجود العبد في ملكه بنحو شرط الواجب الذي يجب عليه تحصيله، وأخرى: يؤخذ بنحو شرط الوجوب الذي لا يجب عليه تحصيله. فان اخذ على النحو الاول لم يصح البيع، لان القيد المذكور إذا أخذ قيدا في المملوك فقد ملك الشارط على المشروط بقاء العبد على ملكية المشروط عليه إلى أن يتحقق العتق منه وإذا ملك عليه بقاءه على ملكيته اقتضى ذلك قصور سلطنته على بيعه، لانه تصرف في حق غيره. وإذا أخذ قيدا في الملك - يعني: يملك عليه العتق إذا كان العبد باقيا في ملكه - فهذا الملك لا يقتضي بقاء العبد في ملكه، وإذا لم يقتض بقاءه في ملكه جاز للمشروط عليه إخراجه من ملكه بالبيع وغيره، لعدم منافاته لحق الشارط. وحينئذ يصح البيع، ولا يكون من قبيل تخلف الشرط، لان الشرط المنوط بشئ إنما يكون تخلفه بعدم حصوله مع تحقق المنوط، به، ولا يتحقق التخلف بعدم حصوله مع انتفاء المنوط به، فالجمع بين صحة البيع وخيار تخلف الشرط غير ممكن. وقد تقدم التعرض لنظير المسالة فيما لو نذر قراءة سورة فقرأ غيرها، أو نذر الصلاة جماعة فصلاها فرادى. وكذا لو نذر أن يصلي في المسجد فصلى في غيره، فان النذر - كما أشرنا إليه سابقا - يقتضي ملكية المنذور، فيجري فيه الاحتمالان المذكوران. ثم إن الظاهر أن القيد المذكور أخذ على النحو الاول في المقام وفي الامثلة المذكورة، ومقتضاه في المقام بطلان البيع، وفي الامثلة المذكورة - إذا وقع عمدا - بطلان السورة، فتبطل الصلاة بالزيادة العمدية. وكذا بطلان الصلاة فرادى، أو في غير المسجد، لحرمة التصرف في ملك الغير وحقه، فان الملكية - كما تقتضي قصور سلطنة غير المالك فيبطل تصرفه إذا كان موقوفا على السلطنة، كالبيع ونحوه من التصرفات الاعتبارية - تقتضي

 

===============

 

( 290 )

 

[ قلت: الفرق أن في ذلك المقام المعاملة - على تقدير صحتها - مفوتة لوجوب العمل بالشرط (1)، فلا يكون العتق واجبا بعد البيع (2) لعدم كونه مملوكا له بخلاف المقام حيث أنا لو قلنا بصحة الاجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلا، فلا يمكن أن تكون الاجارة صحيحة وإن قلنا أن النهي التبعي لا يوجب البطلان. ] حرمة التصرف تكليفا إذا كان التصرف عينيا، فيبطل إذا كان عبادة. نعم إذا وقع سهوا لا يبطل، لكونه مصداقا للمأمور به، وإنما بطل في صورة العمد لفوات العبادية، وهو غير حاصل في صورة السهو، فلا مانع من صحته. بخلاف التصرف الاعتباري فانه يبطل وإن كان عن سهو، لصدوره عن غير السلطان. وبذلك اختلف المقام عن الامثلة المذكورة، فلو نذر ان يعتق عبده لم يصح له بيعه ولو كان سهوا، فالقول بصحة البيع في المقام في غير محله. وكأن المصنف لا يرى أن الشرط يقتضي ملك المشروط له للمشروط. وقد تقدم في موارد من هذا الشرح: أن التحقيق أنه يقتضى ذلك، وكذلك النذر. (1) لو فرض أنها غير مفوتة ايضا لا مانع من صحتها إذا لم تكن القدرة شرطا فيها، فمن كان مديونا وطالبه الدائن، وكان لا يملك أكثر من مقدار الدين، جاز له أن يبيع أو يشتري بالذمة ثم يفي وإن فاته وفاء الدين. يظهر ذلك من مراجعة كلماتهم في أحكام المفلس قبل الحكم عليه بالحجر. (2) يحتمل أن يكون مراده أنه غير واجب لانتفاء ملاكه بأخذ بقاء العبد على نحو شرط الوجوب. ويحتمل أن يكون مراده السقوط بعد الثبوت من جهة العجز. لكن الثاني إنما يتم لو صح البيع. لكنه لا يصح لفقد السلطنة عليه، فلا عجز عن الواجب، فلا يسقط وجوبه.

 

===============

 

( 291 )

 

[ فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل (1) لا لاجل النهي عن الاجارة. نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره (2). وإن تمكن بعد الاجارة ] (1) وقد عرفت ان بطلان البيع من جهة عدم السلطنة، لان الظاهر أن القيد مأخوذ على نحو شرط الواجب لا على نحو شرط الوجوب. والذي يتحصل مما ذكرنا امور الاول: أن النذر والشرط يقتضيان ملك المنذور والمشروط. الثاني: أن التصرف المنافي يكون عينيا - تارة - واعتباريا أخرى. الثالث: أن الملكية لها اثر وضعي - وهو قصور سلطنة غير المالك - وتكليفي، وهو حرمة تصرف غير المالك. الرابع: أن الموضوع - الذي يؤخذ قيدا للمنذور والمشروط - تارة: يؤخذ بنحو شرط الوجوب، وأخرى: بنحو شرط الواجب. الخامس: أنه إذا أخذ على النحو الاول لا مانع من التصرف المنافي مهما كان. السادس: أنه إذا أخذ على النحو الثاني منع من التصرف الاعتباري، فيبطل مطلقا، وحرم التصرف العيني. فيبطل إذا كان عبادة وكان عمدا، ولا يبطل إذا كان سهوا، لكونه لا خلل في ذاته لمطابقته للمأمور به، ولا في عباديته لانه جئ به على وجه العبادة من دون ما يقتضي خلاف ذلك. السابع: أن الظاهر أن القيد مأخوذ - في المثال الذكور في المتن، والامثلة التي ذكرناها في النذر - من قبيل شرط الواجب لا شرط الوجوب، فلا يصح ما ينافيه إذا كان اعتباريا كالبيع، ويحرم إذا كان عينيا، فيبطل إذا كان عبادة وقد وقع عمدا. (2) لانتفاء المانع - وهو عدم القدرة - لانتفاء مقتضيه - وهو الامر بحج الاسلام - بالعجز عنه.

 

===============

 

( 292 )

 

[ عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته (1). بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته (2)، أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه (3) فأجر نفسه للنيابة ولم يتذكر الى أن فات محل استدراك الحج عن نفسه، كما بعد الفراغ، أو في أثناء الاعمال. ثم لا إشكال في أن حجه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل إما باطل - كما عن المشهور - أو صحيح عمن نوى عنه، كما قويناه. وكذا لو حج تطوعا لا يجزيه عن حجة الاسلام في الصورة المفروضة، بل إما باطل، أو صحيح ويبقى عليه حجة الاسلام. فما عن الشيخ: من أنه يقع عن حجة الاسلام (4) لا وجه له. إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه. ودعوى: أن حقيقة الحج واحدة، والمفروض اتيانه بقصد القربة، فهو منطبق على ما عليه من حجة الاسلام. مدفوعة: بأن وحدة الحقيقة لا تجدي بعد كون المطلوب هو الاتيان بقصد ما عليه (5). ] (1) كما في الدروس. قال: " ولا يقدح في صحتها تجدد القدرة ". ويشكل: بأن تجدد القدرة يكشف عن عدم القدرة من أول الامر، فيكشف عن بطلان الاجارة. نعم إذا كان تجدد القدرة بمال الاجارة لم يقدح الاجارة، إذ لا يكون الشئ علة لعدمه. (2) لان الرخصة الحاصلة له بالجهل كافية في حصول القدرة على العمل. (3) إلا إذا كان مقصرا، فانه لا رخصة له حينئذ. (4) تقدمت حكايته عن المبسوط. وفي الخلاف وافق المشهور. (5) يظهر منه: أن القصد دخيل في المطلوب. وهو غير ظاهر، فان المطلوب بالامر الوجوبي غير المطلوب بالامر الاستحبابي، ولو كان

 

===============

 

( 293 )

 

[ وليس المقام من باب التداخل بالاجماع، كيف والا لزم كفاية الحج عن الغير أيضا عن حجة الاسلام؟ (1) بل لا بد من تعدد الامتثال مع تعدد الامر وجوبا وندبا، أو مع تعدد الواجبين. وكذا ليس المراد من حجة الاسلام الحج الاول - بأي عنوان كان - (2) كما في صلاة التحية (3)، وصوم الاعتكاف. فلا وجه لما قاله الشيخ (قده) أصلا. نعم لو نوى الامر المتوجه إليه فعلا، وتخيل أنه أمر ندبي غفلة عن كونه مستطيعا، أمكن القول بكفايته عن حجة الاسلام. لكنه خارج عما قاله الشيخ. ثم إذا كان الواجب عليه حجا ] واحدا لانطبق احدهما على الاخر، فيكون المأتي به مصداقا لهما وكافيا في حصول الامتثال لامرهما - سواء نوى به حج الاسلام أم نوى به التطوع - ولا يلتزم به الشيخ. كما أن لازمه: أن من لم يكن مستطيعا فتطوع لم يجب عليه الحج بعد ذلك إذا استطاع. إلا أن يقال: مقتضى إطلاق الاية وجوبه ثانيا إذا استطاع، ولا ينافي ذلك وحدة الحقيقة ووحده الخصوصيات. فتأمل. (1) هذا اللزوم غير ظاهر، لامكان التفكيك بين الموردين - في التداخل وعدمه - بعد أن كان على خلاف الاصل. ولا سيما مع الاختلاف بالاصالة والنيابة. (2) كما تقدم ذلك في المسالة السادسة والخمسين، وتقدم منه خلاف ذلك. (3) فانها تنطبق على كل صلاة صلاها من دخل المسجد ولو كانت فريضة أو نافلة بعنوان خاص. وكذلك الصوم اللازم في الاعتكاف، فانه يصح ولو كان الصوم لرمضان أو قضائه أو غير ذلك.

 

===============

 

( 294 )

 

[ نذريا أو غيره، وكان وجوبه فوريا، فحاله ما ذكرنا في حجة الاسلام (1) من عدم جواز حج غيره، وأنه لو حج صح أولا، وغير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة.