فصل في وقت وجوب اخراج الزكاة

فصل في وقت وجوب اخراج الزكاة قد عرفت سابقا: أن وقت تعلق الوجوب - فيما يعتبر فيه الحول حولانه بدخول الشهر الثاني عشر (3)، وأنه يستقر الوجوب بذلك، وإن احتسب الثاني عشر من الحول الاول، لا الثاني. ] (1) كما عن غير واحد التصريح به، بل عن المنتهى: الاجماع عليه. وهو العمدة في نفي الكراهة. مضافا إلى احتمال انصراف النصوص المتقدمة عن الفرض. فتأمل. (2) بلا خلاف كما قيل. وعن المعتبر: الاجماع عليه. وعن المدارك: أنه يندرج في شبهة شراء الوكيل العام واستيفاؤها له من مال الموكل. وفي الجواهر: هو جيد. وكأنه لعدم دخوله في معقد الاجماع المتقدم، وإلا فالنصوص المتقدمة شاملة له. فتأمل. فصل في وقت وجوب اخراج الزكاة (3) تقدم ذلك في الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في المواشي وفي الشرط الثالث من شرائطه في النقدين.

 

===============

 

( 337 )

 

[ وفي الغلات: التسمية (1)، وأن وقت وجوب الاخراج - في الاول - هو وقت التعلق، وفي الثاني هو الخرص والصرم في النخل، والكرم والتصفية في الحنطة والشعير. وهل الوجوب بعد تحققه فوري أولا؟ أقوال (2)، ثالثها: أن وجوب ] (1) تقدم ذلك في المسألة الاولى من فصل زكاة الغلات، وفي المسألة السادسة منه. فراجع. (2) أصول الاقوال في المسألة ثلاثة: القول بالفورية، والقول بعدمها والتفصيل بين الاخراج ولو بالعزل فيجب فورا، وبين الدفع فلا يجب وعلى القول بالفورية، فهل هي مع الامكان مطلقا، أو عند عدم انتظار الافضل، أو التعميم كما في الدروس أو عند عدم انتظار الافضل، أو الاحوج، أو معتاد الطلب كما عن البيان أو إذا لم يكن التأخير للتعميم خاصة، بشرط دفع نصيب الموجودين فورا، كما عن جملة من كتب العلامة (ره)؟ قال في التذكرة: (لو أخر مع إمكان الاداء كان عاصيا.. (إلى أن قال): والوجه: أن التأخير إنما يجوز لعذر.. (إلى أن قال): لو أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة، أو حاجة شديدة فالاقرب المنع وإن كان يسيرا.. (إلى أن قال): الاقرب أن التأخير لطلب بسطها على الاصناف الثمانية، أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين..) وعلى القول بعدمها، فهل هو مطلقا، أو إلى شهر أو شهرين، كما عن الشيخين، ومال إليه ثاني الشهيدين؟. هذا، وأما النصوص الواردة في المسألة فهي مختلفة المدلول. فمنها: ما يظهر منه الفورية في الاعطاء، كخبر أبي بصير المروي عن مستطرفات السرائر: (قال أبو عبد الله (ع): إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس، وليس لك أن تؤخرها

 

===============

 

( 338 )

 

بعد حلها) (* 1). ومنها: ما يظهر منه الفورية في الاخراج والعزل، كصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع): (عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال (ع): متى حلت أخرجها) (* 2). ومنها: ما هو مطلق في جواز التأخير في الاعطاء، كصحيح حماد: (لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين) (* 3). ونحوه صحيح معاوية بن عمار: (الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيأخرها إلى المحرم. قال (ع): لا بأس. قلت: فانها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال (ع): لا بأس) (* 4). ومنها: ما هو ظاهر في جواز التأخير مع العزل، كصحيح ابن سنان: (في الرجل يخرج زكاته، فيقسم بعضها ويبقي بعضا يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر. قال (ع): لا بأس) (* 5). ونحوه صحيح سعد المتقدم. ومنها: ما هو ظاهر في جواز التأخير في صورة العزل وعدمه، كموثق يونس: (قلت لابي عبد الله (ع): زكاتي تحل علي في شهر، أيصلح لي أن أحبس منها شيئا، مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدة؟ فقال (ع): إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشئ ثم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 52 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 49 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 11. (* 4) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 9. (* 5) الوسائل باب: 53 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 339 )

 

[ الاخراج. ولو بالعزل. فوري، وأما الدفع والتسليم فيجوز فيه التأخير. والاحوط عدم تأخير الدفع، مع وجود المستحق ] أعطها كيف شئت. قال: قلت: فان أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال (ع): نعم، لا يضرك) (* 1). ولولا هذا القسم الخير لامكن الجمع بين ما تضمن الفورية في الاعطاء وما تضمن عدمها، بحمل الاول على صورة عدم العزل، والثاني على صورة العزل، بشهادة القسم الرابع، لانه باختصاصه بصورة العزل يكون أخص مطلقا من الاول، فيقيد به. وحينئذ يكون الاول أخص مطلقا من الثاني فيقيد به، إذ لولا ذلك لزم الطرح، والجمع أولى منه. ويعمل بما دل على الفورية في العزل على ظاهره، لعدم المنافي. ويكون المتحصل من المجموع: وجوب المبادرة إلى الدفع، أو العزل، ومعه يجوز التأخير في الدفع. لكن الاخير لما كان ظاهرا في جواز التأخير في صورتي العزل وعدمه كان معارضا للاول مباينا له. وحينئذ يتعين الجمع بينهما، بالحمل على الكراهة. إلا أن يقال. المتضمن للفورية في الاعطاء شامل لصورتي العزل وعدمه، ولصورتي انتظار المستحق وعدمه، فيمكن الاخذ بظاهره من المنع، مع تقييده بصورة عدم انتظار المستحق، فيحمل مادل عل جواز تأخير الاعطاء مطلقا على صورة انتظاره. اللهم إلا أن يقال: خبر أبي بصير المانع مطلقا ضعيف السند، فلا يصلح لاثبات المنع. وفيه: أنه يكفي في عموم المنع النصوص المتواترة الدالة على عدم جواز حبس الزكاة ومنعها عن أهلها (* 2)، فيجمع بينها وبين ما سبق بما ذكر.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 52 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) راجع الوسائل باب: 3، 4، 5 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.

 

===============

 

( 340 )

 

[ وإمكان الاخراج الا لغرض، كانتظار مستحق معين، أو الافضل، فيجوز حينئذ - ولو مع عدم العزل - الشهرين والثلاثة، بل الازيد. وإن كان الاحوط حينئذ العزل ثم الانتظار المذكور، ولكن لو تلفت بالتأخير - مع إمكان الدفع - يضمن (1). (مسألة 1): الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي (2)، فلو أخر ساعة أو ساعتين - بل أزيد - فتلفت من غير تفريط فلا ضمان، وإن أمكنه الايصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضرا عنده. وأما مع حضوره فمشكل، خصوصا إذا كان مطالبا (3). (مسألة 2): يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق، فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان (4) لانه معذور حينئذ في التأخير. (مسألة 3): لو أتلف الزكاة المعزولة - أو جميع ] (1) للنصوص الدالة عليه، المتقدمة في الفصل السابق. (2) كأنه لانصراف النصوص إليه. (3) لاطلاق نصوص الضمان الشامل لذلك. (4) لتعليق الضمان على وجدان الاهل، كما في مصحح ابن مسلم (* 1)، ومعرفة الاهل، كما في مصحح زرارة (* 2)، وكلاهما منتف. وأما التعليل في المتن فعليل، إذ المعذورية في التأخير في المقام لم تجعل موضوعا لنفي الضمان، كما هو ظاهر.

 

 

____________

(* 1)، (* 2) تقدم ذكر الروايتين في المسألة: 10 من الفصل السابق.

 

===============

 

( 341 )

 

[ النصاب. متلف، فان كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط، وإن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك والاجنبي ضامن (1). وللفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء، وإن رجع على المالك رجع هو على المتلف (2) ويجوز له الدفع من ماله ثم الرجوع على المتلف. (مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب (3) ] (1) لوجود السبب بالنسبة إلى كل منهما، فان الاول ضامن بالتفريط والاجنبي بالاتلاف. (2) على ما ذكروه في مسألة تعاقب الايدي. (3) كما هو المشهور شهرة عظيمة. لما دل على اعتبار الحول، وأنه لا شئ في المال قبله، كمصحح عمر بن يزيد: (قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يكون عنده المال، أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال (ع): لا، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه. إنه ليس لاحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها، وكذلك الزكاة، ولا يصوم أحد شهر رمضان الا في شهره إلا قضاء. وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت) (* 1)، ومصحح زرارة: (قلت لابي جعفر (ع): أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال (ع): لا. أيصلي الاولى قبل الزوال؟) (* 2). وعن ابن أبي عقيل وسلار: الجواز. ويشهد لهم جملة من النصوص، منها: ما تقدم في المسألة السابقة. ونحوها غيرها. لكنها محمولة عندهم على التقية، لان جواز التعجيل مذهب كثير من العامة. أو على كون التقديم بعنوان القرض. وقد يومئ إليه ما في صحيح الاحول: (في رجل عجل

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 51 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 51 من ابواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

 

===============

 

( 342 )

 

[ على الاصح، فلو قدمها كان المال باقيا على ملكه (1) مع بقاء عينه، ويضمن تلفه القابض إن علم بالحال. وللمالك احتسابه جديدا مع بقائه، أو احتساب عوضه مع ضمانه، وبقاء فقر القابض، وله العدول عنه إلى غيره. (مسألة 5): إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا ولم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة (2)، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، وبقاء الدافع والمال على صفة الوجوب. ولا يجب عليه ذلك، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الاخذ منه ] زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة. قال (ع): يعيد المعطي الزكاة) (* 1). اللهم إلا أن يعتبر في جواز التعجيل بقاء المعطى على صفة الاستحقاق إلى زمان الوجوب. والانصاف أن الحمل الاخير بعيد جدا، وليس مما يساعد عليه العرف ولا سيما بملاحظة ما اشتمل منها على التقييد بالمدة، أو باحتياج المعطى. وحينئذ فان أمكن العمل بها وجب، فيجمع بينها وبين نصوص المشهور بالحمل على الفرد التنزيلي. وإن لم يكن العمل بها لاجل إعراض المشهور عنها يتعين طرحها، ولا يهم كون وجه صدورها التقية أو غيرها، وإن كان الظاهر حينئذ هو ذلك. ولا ينافيه التقييد بمدة، لجواز أن يكون مذهبا لبعض العامة. (1) لكون المفروض عدم صحته زكاة، ولم يقصد غيرها، فلا موجب للخروج عن ملكه. هذا وباقي الاحكام تقدم في أول فصل أصناف المستحقين. (2) كما تضمنته النصوص. وقد تقدم في فصل أصناف المستحقين.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 50 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 343 )

 

[ والدفع إلى غيره. وإن كان الاحوط الاحتساب عليه (1) وعدم الاخذ منه. (مسألة 6): لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة، فالزيادة له (2)، لا للمالك. كما أنه لو نقص كان النقص عليه، فان خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره يسترد عوضه لا عينه، كما هو مقتضى حكم القرض (3) بل مع عدم الزيادة أيضا ليس عليه إلا رد المثل أو القيمة. (مسألة 7): لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول - بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله - بعضا من النصاب، وخرج الباقي عن حده، سقط الوجوب على الاصح (4)، لعدم ] (1) لم أقف على قول بوجوب ذلك أو احتماله. وكأن منشأ الاحتياط: احتمال أنه محمل النصوص المتقدمة في التعجيل، بأن يكون المراد منها: أنه يقرضه قبل الحول. وتسميته تعجيلا للزكاة باعتبار تعين احتسابه زكاة. (2) يعني: للمقترض، لانها نماء ملكه. هذا على المشهور من ملك المقترض بالقبض. وأما على ما نسب إلى الشيخ (ره) في المبسوط والمختلف: من عدم حصول الملك به وإنما يملكه بالتصرف، فالزيادة مع عدم التصرف ملك والمقرض، لانها نماء ملكه. وكذا الكلام في النقصان. (3) من كونه لازما، إذ الارتجاع للعين إن كان بعنوان الفسخ فهو خلاف مقتضى لزومه، وان كان بلا ذلك العنوان فهو خلاف قاعدة السلطنة. وعن الشيخ (ره): جواز الارتجاع، لان القرض لا يزيد على الهبة. ولانه من العقود الجائزة، ولغير ذلك، مما هو مذكور، ومضعف في محله. (4) كما هو المشهور. لما في المتن. وعن الشيخ (ره): الوجوب

 

===============

 

( 344 )

 

[ بقائه في ملكه طول الحول. سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة، فلا محل للاحتساب. نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة - بالقصد المذكور - لم يسقط الوجوب، مع بقاء عينه عند الفقير، فله الاحتساب (1) حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق. (مسألة 8): لو استغنى الفقير الذي أقرضه بالقصد المذكور - بعين هذا المال ثم حال الحول، يجوز الاحتساب عليه، لبقائه على صفة الفقر (2) بسبب هذا الدين، ويجوز الاحتساب ] بناء منه إما على أن القرض يملك بالتصرف لا بالقبض، فلم ينثلم النصاب على تقدير بقاء العين عند الفقير. وإما لبنائه على ثبوت الزكاة في الدين. والمحكي عنه في الخلاف الاستدلال على ذلك: بأنه ثبت أن ما يعجله على وجه الدين، وما يكون كذلك فكأنه حاصل عنده وجاز له أن يحتسب به لان المال ما نقص عن النصاب، وظاهره أن مبناه الثاني. وكيف كان فهو ضعيف، لما تقدم في محله من ضعف المبنى. (1) لاجتماع شرائط الوجوب. (2) كما تقدم. لكن عن الحلي: المنع من جواز الاحتساب عليه، لصيرورته غنيا، فيخرج عن موضوع الاستحقاق. قال في محكي السرائر: (وعندنا أن من عليه دين، وله من المال الذهب والفضة بقدر الدين، وكان ذلك المال الذي معه نصابا، فلا يعطى من الزكاة. ولا يقال: إنه فقير يستحق الزكاة، بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه، لان الدين عندنا لا يمنع من وجوب الزكاة، لان الدين في الذمة، والزكاة في العين..) والاشكال فيه ظاهر مما سبق.

 

===============

 

( 345 )

 

[ من سهم الغارمين أيضا. وأما لو استغنى بنماء هذا المال، أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميا، وقلنا أن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الاداء (1)، لم يجز الاحتساب عليه. فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة (2)، والتعيين مع تعدد ما عليه، بأن يكون عليه خمس وزكاة - وهو هاشمي - فأعطى هاشميا، فانه يجب عليه أن يعين أنه من أيهما. وكذا ] (1) إذا كان يوم الاداء هو زمان الاحتساب، لان ارتفاع القيمة ذلك اليوم يوجب زيادة الدين، فلا يصير به غنيا. أما لو كان يوم الاداء متأخرا عن يوم الاحتساب، وعلم بأنه تنقص قيمته يوم الاداء عن قيمته يوم الاحتساب، بحيث يكون التفاوت بين القيمتين بمقدار مؤنة سنته، لا يجوز الاحتساب عليه، لصيرورته غنيا. فصل (2) إجماعا بقسميه عليه، كما في الجواهر، وفي المعتبر: هو مذهب العلماء، خلا الاوزاعي قال إنها دين، فلا يعتبر لها النية كسائر الديون. ونحوه ما عن التذكرة والمنتهى. وعن المدارك وغيرها: أنه إجماع. وكفى بهذه الاجماعات دليلا على الحكم. فيعتبر في نيتها ما يعتبر في نية سائر العبادات من القربة، والاخلاص، والتعيين بمعنى: قصد الخصوصيات المأخوذة في موضوع الامر، مثل كونه صلاة لا صوما وإن اتحد الواجب. غاية

 

===============

 

( 346 )

 

[ لو كان عليه زكاة وكفارة، فانه يجب التعيين، بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة، فانه يجب التعيين على الاحوط (1) بخلاف ما إذا اتحد الحق (2) الذي عليه، فانه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمة وإن جهل نوعه. بل مع التعدد أيضا يكفيه التعيين الاجمالي، بأن ينوي ما وجب عليه أولا أو ما وجب ثانيا مثلا. ولا يعتبر نية الوجوب والندب. وكذا لا يعتبر أيضا نية الجنس الذي تخرج منه الزكاة، أنه من الانعام أو الغلات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحدا أو متعددا، بل ومن غير فرق بين أن يكون نوع الحق ] الامر: أنه لما كان يكفي التعيين الاجمالي، كان قصد ما في الذمة مع الاتحاد محصلا للتعيين، ولا كذلك مع التعدد، لا أنه لا يعتبر التعيين مع الاتحاد. ولكن تقدم احتمال في نية الصلاة: أنه لا يعتبر التعيين مطلقا في عرض قصد الامر الخاص، بل يكفي قصد الامر الخاص، غاية الامر أنه يكون التعيين طريقا إلى قصده. فراجع. (1) بل الاقوى. لاختلاف حقيقة الواجب، فان زكاة الفطرة تغاير زكاة المال ذاتا لاختصاص الثانية بالغلات وعموم الاولى لغيرها وموردا وسببا، ووقتا، وأحكاما. وكل ذلك كاشف عن اختلاف الخصوصيات المعتبرة في موضوع الامر. (2) تقدم في الصوم وغيره: أنه مع اتحاد موضوع الامر في الخصوصيات يمتنع التعيين، إذ لا تعين. والخصوصيات الخارجة عن الموضوع مثل ما وجب أولا في مقابل ما وجب ثانيا لا أثر لها في حصول التعين.

 

===============

 

( 347 )

 

[ متحدا أو متعددا، كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس من الابل، فان الحق في كل منهما شاة. أو كان عنده من أحد للنقدين ومن الانعام، فلا يجب تعيين شئ من ذلك (1) سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أم لا، فيكفي مجرد قصد كونه زكاة. بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غايبان أو مختلفان، فأخرج الزكاة ] (1) إجماعا كما عن المنتهى، وعن المدارك: أنه مقطوع به في كلام الاصحاب. لكن يشكل ذلك بناء على تعلق الزكاة بالعين إذ حينئذ يكون حال الزكاة حال الديون المتعلقة برهون متعددة، كما لو استقرض عشرة وجعل فرسه رهنا عليها، ثم عشرة وجعل بعيره رهنا عليها، فإذا دفع إليه عشرة دراهم، ولم يعين أحد الدينين بعينه، لم يسقط كل منهما، ولم يصح قبضه وفاء، فان عين الاولى تحرر الفرس دون البعير. كما أنه لو عين الثانية تحرر البعير دون الفرس. وفي المقام كذلك إذا نوى في الشاة المدفوعة زكاة أنها زكاة الاربعين شاة تحررت الشياه، وجاز له فيها التصرف من كل وجه، وبقيت الابل على حالها موضوعا للحق لا يجوز له التصرف فيها. ولو عكس النية انعكس الحكم. وكذا يختلف الحكم في التلف، فانه إذا نواها عن الشياه فتلفت بقيت عليه زكاة الابل، ولو نواها عن الابل وقد تلفت الشياه لا شئ عليه، ومع الاختلاف بهذا المقدار لابد من النية، لئلا يلزم الترجيح بلا مرحج. نعم يتم ما ذكروه فيما لو كان عنده مائة وإحدى وعشرون من الغنم، فوجب عليه شاتان، فانه لما لم يكن ميز بينهما، فإذا دفع إحداهما بلا تعيين سقطت إحداهما وبقيت الاخرى. ولا مجال للتعيين هنا، لعدم التعيين في مقابل الفرد الآخر.

 

===============

 

( 348 )

 

[ عن أحدهما من غير تعيين أجزأه، وله التعيين بعد ذلك. ولو نوى الزكاة عنهما وزعت، بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة (1). (مسألة 1): لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة (2)، كما يجوز له التوكيل في الايصال إلى الفقير. ] وأشكل منه ما ذكروه في الفرض الثاني، فان الواجب في أحد النقدين أحد النقدين وفي الانعام الحيوان الخاص، فلو لم يعين وكان المدفوع من غير الواجب بعنوان القيمة جرى فيه ما سبق. وإن كان من نفس الواجب الاصلي فهو متعين في نفسه ولا مجال للتعيين، فان كان من الجنس الواجب في النقد تعين زكاة عنه، وإن كان من الجنس الواجب في الانعام تعين زكاة عنها. ولو نوى أنه إما زكاة عن النقد مثلا أو قيمة عن الانعام بطل، لما عرفت من عدم قصد الامر الخاص. (1) فيه: أنه إذا لم يكن التوزيع منويايكون هو أيضا ترجيحا بلا مرجح، لانه نحو خاص من التعين. وعلى ما ذكرنا يتعين بقاء المال على ملك المالك، فله تعيينه بعد ذلك ما لم يتلف بلا ضمان، فلا مجال لتعيينه لذهاب الموضوع، وعليه الدفع ثانيا. وكلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش وإشكال. فراجع. وكأن التوزيع المذكور في كلام المصنف (ره) وغيره مبني على قصد كون المدفوع زكاة عن المالين ولو بالاجمال، ويكون الفرق بينه وبين ما قبله بالتفصيل والاجمال. (2) لانه مما يقبل النيابة عندهم، كما صرحوا به هنا وفي كتاب الوكالة. وقد تقدم في المسألة الاولى من الفصل السابق بعض ما يشهد له من النصوص، وهي جملة وافرة. ويشير إليه: ما تضمن حكم الوصية

 

===============

 

( 349 )

 

[ وفي الاول ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك (1). والاحوط تولي المالك للنية أيضا حين الدفع إلى الوكيل (2). وفي الثاني لابد من تولي المالك للنية حين الدفع إلى الوكيل. والاحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير. ] بها. والظاهر من صحيح ابن يقطين وروده في التوكيل في أداء الزكاة (* 1)، ومن موثق سعيد وروده في التوكيل في الايصال (* 2). والفرق بين الوكيل في الاداء والوكيل في الايصال: أن الاول ينوب عن المالك في أداء العبادة، نظير النائب في الصلاة فتتوقف صحة الاداء على قصد النيابة عن المالك، مع قصد التقرب بالامر المتوجه إليه. أما الوكيل في الايصال فليس نائبا عن المالك، ولا تتوقف صحة الايصال على قصد النيابة عنه، ولا قصد التقرب بالامر المتوجه. إذ الايصال يتحقق وإن لم يقصد المباشر القربة، بل وإن لم يكن له شعور، كالحيوان والمجنون بل والريح وغيرها. (1) لانه المؤدي للزكاة. (2) بل حين دفع الوكيل إلى الفقير، لانه به يكون الاعطاء للزكاة الذي هو موضوع الوجوب العبادي، وأما الدفع إلى الوكيل في الاداء فليس موضوعا له. وكذا الكلام في الفرض الثاني، فان الدفع إلى الوكيل في الايصال موضوع للوجوب الغيري، لانه مقدمة لدفعه إلى الفقير الذي هو الواجب النفسي، فاللازم على المالك نية الايصال إلى الفقير بالدفع إلى الوكيل ولا يلزم حصول نية المالك حال الوصول إلى الفقير، لصدق التقرب بالمسبب حال وقوعه إذا كان متسببا إليه بفعل السبب، وتكون النية قبل وقوع الواجب

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكر الرواية في المسألة: 8 من فصل بقية احكام الزكاة. (* 2) تقدم ذكر الرواية في المسألة: 1 من فصل بقية أحكام الزكاة.

 

===============

 

( 350 )

 

[ (مسألة 2): إذا دفع المالك - أو وكيله - بلا نية القربة له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير (1)، وإن تأخرت عن الدفع بزمان. بشرط بقاء العين في يده، أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون. وأما مع تلفها بلا ضمان فلا محل للنية (2). (مسألة 3): يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الاداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الايصال، ويجوز بعنوان أنه ولي عام على الفقراء. ففي الاول يتولى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير. والاحوط تولي المالك أيضا حين الدفع إلى الحاكم. وفي الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه (3)، وابقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير. وفي الثالث أيضا ينوي المالك حين الدفع إليه، لان يده حينئذ يد الفقير المولي عليه. ] لا حال وقوعه، نظير من رمى إنسانا بسهم فمات قبل وصول السهم إلى الانسان ثم وصل السهم فمات فانه مقتول عمدا. فالاحتياط المذكور في المتن في الثاني استحبابي، وكلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش لا يسع المقام التعرض له. فراجع. (1) لان المراد من إيتاء الزكاة وصول المال إلى الفقير أعم من الحدوث والبقاء، فتصح نية الزكاة حال البقاء كما تصح حال الحدوث. (2) لعدم الموضوع بعد فرض التلف وعدم الضمان، كما نص عليه في الجواهر وغيرها. (3) قد عرفت إشكاله، وأن النية ينبغي أن تكون حين دفع الحاكم

 

===============

 

( 351 )

 

[ (مسألة 4): إذا أدي ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولي للنية (1). (مسألة 5): إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولي هو النية عنه (2). وإذا أخذها من الكافر يتولاها أيضا، عند أخذه منه (3)، أو عند الدفع (4) إلى الفقير. عن نفسه، لا من الكافر (5). ] إلى الفقير. ويظهر أيضامن تعليل المصنف (ره) حكم القسم الاخير. (1) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر. لانه نائب عنهما في الاداء، فإذا فرض توقف صحته على النية ناب عنهما في النية كسائر شرائط الصحة. (2) لانه وليه، فيتولى الاداء الصحيح عنه المتوقف على النية. (3) إذا أخذها بعنوان الولاية على الفقراء أيضا فيكون أخذه إيتاء. (4) إذا كان الاخذ بعنوان الولاية عليه فقط، فيكون أخذه مقدمة للايتاء، ويتحقق الايتاء بالدفع إلى الفقراء. (5) كما صرح به غير واحد هنا وفي نظيره، أعني: أخذ الخمس من الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم. معللين له: بأن الكافر لا تقع العبادة منه ولا عنه ويقتضيه ما صرحوا به في غير المقام في اعتبار صلاحية المتقرب للتقرب في صحة العبادة والكافر فاقد لذلك ولذا قال في الجواهر في المقام: (فيتولاها حينئذ الامام أو الحاكم عنهما لا عنه على حسب ما عرفت. ولا ينافي ذلك كون الخطاب لغير ذلك المتقرب، لانه بعد أن قصر لعدم الايمان المانع من صحة عباداته كان المخاطب بايتاء الزكاة من ماله الامام أو الحاكم، فالتقرب حينئذ منهما باعتبار هذا الخطاب، الذي لا ريب في إجزائه في نحو الزكاة المشابهة للديون من جهات، ولذا جازت النيابة فيها..).

 

===============

 

( 352 )

 

[ (مسألة 6): لو كان له مال غائب مثلا، فنوى أنه إن كان باقيا فهذا زكاته، وإن كان تالفا فهو صدقة مستحبة صح (1). بخلاف ما لو ردد في نيته ولم يعين هذا المقدار أيضا، فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة، فانه لا يجزي. ] لكن قد يشكل: بأن خطاب الامام أو الحاكم بالنيابة عنه ليس عباديا كي يتوقف سقوطه على النية، فلا موجب لها. ومجرد كون الخطاب للمالك بايتاء الزكاة عباديا لا يقتضيه، إذ لا ملازمة بينهما، بل المعلوم خلاف ذلك، كما هو ظاهر. اللهم إلا أن يقوم الاجماع على أن إيتاء الزكاة من العبادات من أي مؤت كان ولو كان غير المالك، فلو وجد الزكاة المعزولة الضايعة يجب عليه إيتاؤها للفقراء بعنوان العبادة. فتأمل جيدا. لكن سيجئ في المسألة الرابعة والثلاثين من الفصل الاخير: عدم اعتبار القربة في إيتاء الزكاة المعزولة إذا كان نوى القربة بعزلها. وقد تقدم في شرائط الوجوب بعض ماله دخل في المقام. (1) بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا، بل في فوائد الشرائع: لامانع من صحته بوجه من الوجوه، بل عن الشيخ: الاجماع عليه، كذا في الجواهر. وتقتضيه القواعد الاولية، إذ لا دليل على قدح مثل هذا الترديد في صحة العبادة، إذ لا ترديد في الامر المنوي امتثاله، وإنما الترديد في وصفه، وأنه وجوبي أو استحبابي. ولذا نقول بجوازه مع الاختيار وامكان استعلام الحال، وإن كان المشهور المنع من ذلك، بل ربما حكي الاجماع عليه، وأنه لا يجوز الامتثال الاجمالي إذا أمكن الامتثال التفصيلي. لكن الاجماع غير بالغ حد الحجية. والرجوع إلى طريقة العقلاء في شرائط الامتثال لا يقتضيه بل يقتضي الجواز، كما حرر في الاصول. وهذا

 

===============

 

( 353 )

 

[ (مسألة 7): لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا، فان كان ما أعطاه باقيا له أن يسترده، وإن كان تالفا استرد عوضه، إذا كان القابض عالما بالحال (1)، وإلا فلا.