فصل فيما يستحب فيه الزكاة

[ فصل فيما يستحب فيه الزكاة وهو - على ما أشير إليه سابقا - أمور: الاول: مال التجارة، وهو المال الذي تملكه الشخص وأعده للتجارة والاكتساب به سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل الهبة، أو الصلح المجاني، أو الارث على الاقوى (1). واعتبر بعضهم: كون الانتقال إليه بعنوان ] فصل فيما يستحب فيه الزكاة (1) كما مال إليه في الجواهر. قال (ره): (إن لم ينعقد إجماع على اعتبار الملك بعقد معاوضة، لامكن المناقشة فيه: بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبه، بل بارث مع نية التجارة به، إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه. ورأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين، إذ المراد به ثمن المتاع في نفسه، وإن كان من الواهب والمروث. وظهور بعض النصوص في ذلك مع أنه مبني على الغالب ليس هو على جهة الشرطية، كي ينافي ما دل على العموم. ففي خبر محمد بن مسلم، أنه قال: (كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذ حال عليه الحول. قال يونس: تفسيره: أن كل ما عمل به للتجارة من حيوان وغيره فعليه فيه زكاة) (* 1). وفي خبر خالد بن الحجاج: (سألت أبا عبد الله (ع) عن الزكاة، فقال (ع): ما كان من تجارة في يدك فيها فضل، ليس

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 8.

 

===============

 

( 197 )

 

يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلا على فضلك، فزكه. وما كان من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شئ آخر) (* 1)، وخبر شعيب عن أبي عبد الله (ع): (كل شئ جر عليك المال فزكه، وكل شئ ورثته أو وهب لك فاستقبل به) (* 2). ولا يخفى ما فيه، لمنع صدق مال التجارة بمجرد كون المال منويا به التجارة، بل لابد في صدقه من تحقق التجارة بالفعل، كما يظهر من ملاحظة النظائر، مثل مال الاجارة، ومال المضاربة، ونحوهما. فانه لا يصدق إلا إذا تحققت الاجارة والمضاربة فعلا، ومجرد النية غير كاف في الصدق. وكون الاضافة يكفي فيها أدنى ملابسة مسلم، لكنه لا ينافي ظهور الاضافة فيما ذكرنا. وملاحظة التجارة عند المنتقل منه غريب لا مجال لتوهمه من النصوص. ولا سيما إذا كان الانتقال بوسائط كثيرة. وأشكل من ذلك: احتمال أن يكون رأس المال المذكور في النصوص مرادا منه ثمن المتاع ولو كان من الواهب والمورث، إذ مع أنه خلاف الظاهر يلزم التعارض في التطبيق إذا كان رأس ماله عند المنتقل إليه غير رأس ماله عند المنقل منه. أو لاختلاف رأس المال عند المنتقل منه، لتعدده، أو لتعدد المعاوضات الطارية. وإرادة آخر افراد رأس المال لاقرينة عليها. وأشكل من ذلك: ما يظهر منه من كون الاخبار التي ذكرها أعني: صحيح ابن مسلم وما بعده عامة لغير المعاوضة، مع أن الظاهر من العمل في الصحيح المعاوضه. وكذا قوله (ع) في خبر خالد: (لتزداد فضلا على فضلك) ظاهر في زيادة السعر على رأس ماله الذي عاوض عليه وكذا الجر في خبر شعيب. وإلا فمطلق الجر غير مراد قطعا.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 16 من ابواب زكاة الذهب والفضة حديث: 1.

 

===============

 

( 198 )

 

[ المعاوضة. وسواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده، وإن اعتبر بعضهم الاول (1). فالاقوى أنه ] وبالجملة: ظهور النصوص المذكورة في خصوص المال المعاوض عليه مما لا ينبغي أن يكون محلا للتأمل وللتردد. ولذا كان اشتراط المعاوضة مسلما بينهم، لم ينقل فيه خلاف من أحد، لا صريحا ولا ظاهرا. نعم عن المحقق (ره) في المعتبر: أنه تردد فيه أولا، ثم جعل اعتبار المعاوضة أشبه. وكذا حكي عن الاردبيلي إنكاره. لكنه لم يثبت كما قيل لانه إنما ذكر أنه يظهر من بعض الاخبار عدم اعتبار الشراء، مقتصرا على ذلك، بلا رد ولا قبول. ومن العجيب ما في المتن من نسبته إلى بعضهم. (1) عن المدارك: نسبته إلى علمائنا وأكثر العامة، وعن المعتبر: أنه موضع وفاق. كما يقتضيه النصوص الدالة على ثبوت الزكاة في المال الذي اتجر به، أو عمل به، أو مال التجارة، أو نحو ذلك فان صدق العناوين المذكورة كما يتوقف على تحقق المعاوضة على المال يتوقف على كونها بقصد الاسترباح والاستنماء، فان من اشترى شيئا للاقتناء لا يقال إنه تاجر، ولا يقال إنه اتجر. فلا يصدق على المال الذي اشتراه للقنية إذا نوى بعد ذلك بيعه أكثر من ثمنه أنه مال التجارة. وإن شئت قلت: يراد من مال التجارة المال الاعم من شخصه وبدله الذي اشتراه، فإذا كان عنده مائة درهم فنوى الاتجار بها، فإذا اشترى بها شيئا بقصد الاسترباح، لم يصدق مال التجارة على نفس المائة درهم لعدم تحقق التجارة بها، وصدق على الشئ الذي اشتراه بها أنه مال التجارة باعتبار أنه بدل المال الذي وقعت عليه التجارة. فإذا كانت المعاوضة على المائة درهم بقصد القنية لا الاسترباح امتنع أن يصدق على ما اشتراه للقنية أنه مال التجارة، لعدم وقوع التجارة عليه، ولا على ما هو بدله.

 

===============

 

( 199 )

 

[ مطلق المال الذي أعد للتجارة، فمن حين قصد الاعداد يدخل في هذا العنوان، ولو كان قصده حين التملك. بالمعاوضة، أو بغيرها. الاقتناء والاخذ للقنية. ولا فرق فيه بين أن يكون ] ومجرد نية بيعه بقصد الربح زائدا على ثمنه غير كاف في الصدق كما عرفت فيما لو ملكه لا بقصد المعاوضة. نعم قد يوهم بعض النصوص الشمول للفرض، لعدم اشتماله على التجارة، ولا على ما يؤدي مؤداها، كموثق سماعة: (عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا، فيمكث عند السنة والسنتين وأكثر من ذلك. قال (ع): ليس عليه زكاة حتى يبيعه. إلا أن يكون قد أعطي به رأس ماله، فيمنعه عن ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة..) (* 1) ونحوه غيره. لكن الظاهر من رأس المال المال الذي عاوض عليه بقصد الاسترباح، لا مطلق ثمن الشئ. ومن ذلك يظهر ضعف الاستدلال على العموم بمصحح محمد: (عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال (ع): إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه فيه زكاة، وإن حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعدما أمسكه بعد رأس المال) (* 2)، وخبر أبى الربيع: (في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال (ع): إن امسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة) (* 3). مضافا إلى أن الظاهر من قوله: (كسد عليه متاعه)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 4.

 

===============

 

( 200 )

 

[ مما يتعلق به الزكاة المالية. وجوبا أو استحبابا وبين غيره، كالتجارة (1) بالخضروات مثلا، ولا بين أن يكون من الاعيان أو المنافع (2)، كما لو استأجر دارا بنية التجارة. ويشترط فيه أمور: الاول: بلوغه حد نصاب أحد النقدين (3)، فلا زكاة ] خصوص صورة شرائه بقصد بيعه والاسترباح به. ومن ذلك يظهر ما في الجواهر تبعا للمعتبر: من أن الاقوى عدم اعتبار قصد الاسترباح بالمعاوضة مستدلا عليه: باطلاق الادلة، وبصدق التجارة عليه عرفا بذلك، وبأنه كما تقدح نية القنية في التجارة إتفاقا تقدح نية التجارة في القنية. لما عرفت من منع الاطلاق، ومنع صدق مال التجارة. ولان قدح نية التجارة في القنية لا يجدي في إثبات المدعى، إلا إذا كان موضوع الزكاة ما لم يتخذ للقنية وليس كذلك، كما هو ظاهر. (1) كما صرح وبه في محكي المسالك. ويقتضيه إطلاق النصوص. (2) كما صرح به في محكي المسالك. واستشكل فيه في الجواهر، لضرورة ظهورها في الامتعة ونحوها، حاكيا عن بعض مشايخه النص عليه مستظهرا له من المقنعة وغيرها. وفيه: أن عموم قوله (ع) في خبر ابن مسلم: (كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول) (* 1) شامل له. وذكر المتاع ونحوه مما لا يشمل المنافع في أكثر نصوص الباب، لا يقتضي تخصيصه، ولا تقييده. (3) بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة وغيرها: الاجماع عليه، بل عن صريح نهاية الاحكام ذلك، بل في المعتبر ومحكي المنتهى

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكر الرواية في أول الفصل فلاحط.

 

===============

 

( 201 )

 

[ فيما لا يبلغه. والظاهر أنه كالنقدين في النصاب الثاني (1) أيضا. ] وكشف الالتباس وغيرها: أنه قول علماء الاسلام، كذا في الجواهر. وعن الحدائق ومجمع الفائدة: أنه مجمع عليه بين الخاصة والعامة، وعن المستند ومفتاح الكرامة: أن الاجماع عليه محقق معلوم. وهذا هو العمدة فيه، لا الاصل كما قيل، لان إطلاق النصوص حاكم عليه. ولا ظهور النصوص في اتحاد زكاة التجارة مع زكاة غيرها كخبر شعيب: (كل شئ جر عليك المال فزكه، وكل شئ ورثته أو وهب لك فاستقبل به) (* 1). لمنع ذلك الظهور. ولا خلو النصوص عن التعرض للنصاب، مع معهودية اعتباره في زكاة النقدين. فان ذلك إنما يقتضي وجود البيان في الجملة، أما أنه بيان على اعتبار النصاب كما في زكاة النقدين، أو على نحو آخر أو على عدم اعتباره أصلا فلا. نعم لو كانت النصوص متعرضة لاعتبار النصاب في الجملة، ولم تتعرض لمقداره، أمكن أن يكون إهماله اعتمادا على بيانه في زكاة النقدين. لكنه ليس محلا للكلام. نعم قد يتمسك باطلاق ما دل على أنه لا زكاة في الذهب إذا لم يبلغ عشرين دينارا، ولا في الفضة إذا لم تبلغ مائتي درهم، الشامل للزكاة الواجبة والمستحبة، ويتم الحكم في غيره بعدم القول بالفصل. لكن في ثبوت الاطلاق إشكالا. على أن عدم القول بالفصل ليس بأولى في الاثبات من الاجماع على أصل الحكم. بل يمكن منعه إذا لم يرجع إليه. نعم ما ذكر من الوجوه يصلح مؤيدا للاجماع، بنحو يحصل منه الاطمئنان بالحكم. (1) كما عن غير واحد التصريح به، بنحو يظهر منهم المفروغية عنه ولم يعرف فيه تأمل إلا من الشهيد الثاني في فوائد القواعد، حيث ذكر فيما حكي عنه: (أنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني،

 

 

____________

(* 1) تقدم ذكر الرواية في أول الفصل. فلاحظ.

 

===============

 

( 202 )

 

[ الثاني: مضي الحول عليه (1) من حين قصد التكسب (2). الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول، فلو عدل عنه ونوى به القنية في الاثناء لم يلحقه الحكم (3). وإن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه (4). ] وأن العامة صرحوا باعتبار الاول خاصة..). لكن عن المدارك أنه رده: (بأن الدليل على اعتبار الثاني هو الدليل على اعتبار الاول. والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين، كما ذكره في التذكرة..). (1) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل عن المعتبر والمنتهى حكايته عن علماء الاسلام، كذا في الجواهر. ويشهد له خبر ابن مسلم: (كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول) (* 1) وصحيحه: (عن الرجل توضع عنده الاموال يعمل بها. فقال (ع): إذا حال عليه الحول فليزكها) (* 2). (2) أو من حين التكسب، على الخلاف المتقدم في اعتبار مقارنة قصد التكسب للانتقال وعدمه. (3) اتفاقا، كما في محكي المعتبر، ساكتا عنه غيره. وفي الجواهر: نفى وجدان الخلاف فيه. ويقتضيه مادل على اعتبار الحول، فان الظاهر منه حولان الحول على المال بماله من الخصوصيات المعتبرة فيه، التي منها قصد الاسترباح. (4) بناء على الاكتفاء بقصد الاكتساب. ولو اعتبر وقوع المعاوضة عليه فالابتداء من حين وقوعها.

 

 

____________

(* 1) لاحظ الرواية في أول الفصل. (* 2) الوسائل باب: 13 من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 3.

 

===============

 

( 203 )

 

[ الرابع: بقاء رأس المال بعينه (1) طول الحول. الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (2) فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في ] (1) يعني: بقاء عين السلعة المعاوض عليها بقصد الاسترباح. وما ذكره محكي عن الصدوق، والمفيد، والمحقق، والمدارك، والذخيرة، وغيرها. مستدلين بالنصوص الدالة على اعتبار حولان الحول. فانه مع تبدل العين التجارية بعين أخرى لا يصدق حولان الحول على كل منهما. وعن العلامة وولده: العدم، وعن المدارك: نسبته إلى من تأخر عنه، وعن التذكرة والايضاح: الاجماع عليه. لما عرفت من أن المراد من المال الذي يعمل به، أو يتجر به، أو نحو ذلك المال الذي وقع عليه العمل والاتجار، وهو نفس رأس المال. وبقاؤه حولا لابد أن يكون بلحاظه عاريا عن الخصوصيات المميزة له عن بدله وعوضه، فيراد منه طبيعة المال الساري في أعواضه وأبداله، فلا فرق بين بقاء نفس العين الاولى حولا، وبين تبديلها بعين أخرى مرة أو مرات، حتى يمضي الحول من حين التكسب وتخصيصه بالبدل الاول بلا مخصص، لصدق حولان الحول على رأس المال بلحاظ البدل أو الابدال في المقامين بنحو واحد. نعم لو كان المراد من المال نفس السلعة التي ملكت بالمعاوضة كان اعتبار بقائها بعينها حولا في محله. لكنه غير مراد قطعا، لان السلعة المملوكة بالمعاوضة على رأس المال لم يتجر بها ولم يعمل بها، وإنما كان العمل بثمنها لاغير، كما هو ظاهر. (2) قال في المعتبر: (وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة واستحبابها، فلو نقص رأس المال ولو قيراطا في الحول كله، أو في بعضه لم تجب الزكاة، وإن كان ثمنه أضعاف النصاب، وعند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. وعلى ذلك فقهاؤنا أجمع، وخالف الجمهور..).

 

===============

 

( 204 )

 

[ أثناء السنة. ولو حبة من قيراط. يوما منها، سقطت الزكاة والمراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع (1). وقدر الزكاة فيه ربع العشر، كما في النقدين (2). والاقوى تعلقها بالعين، كما في الزكاة الواجبة (3). وإذا كان المتاع عروضا فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر. ] وعن التذكرة: نسبته إلى علمائنا، وعن المنتهى: الاجماع عليه، وعن غيرها: ما هو قريب من ذلك. ويشهد له جملة من النصوص المتقدمة في الشرائط السابقة وغيرها. (1) أو قيمة المتاع حين قصد الاكتساب، بناء على ما تقدم منه (2) لما تقدم في الشرط الاول. (3) المشهور كما عن جماعة، بل عن المنتهى: الاجماع عليه: أن الزكاة في المقام تتعلق بالقيمة لا بالعين، فلو دفع من العين لم يكن أداء للفرض بل لبدله. إما لاستصحاب خلو العين عن الحق، وفيه: أنه معارض بمثله بالاضافة إلى القيمة. وإما لان النصاب معتبر بالقيمة وفيه: أن ذلك أعم من المدعى. وإما لموثق إسحاق: (كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير) (* 1). وفيه: أنه لا يخلو من إجمال، ومن القريب أن يكون المراد منه أن العرض يقوم بالدراهم أو الدنانير ليعرف وجود النصاب فيه. وإما لمنافاة الاستحباب لملك العين. وفيه: أنه ينافي ملك القيمة أيضا. وإما لان موضوع الزكاة هو مال التجارة من حيث كونه مالا، لا من حيث كونه مالا خاصا، زيتا، أو سمنا، أو ثيابا، أو نحو ذلك. فموضوع الزكاة هو نفس المالية وفيه: أن ذلك يقتضي التعلق بالعين

 

 

____________

(* 1) لم نعثر على الرواية في مظانها، ولعلها نقل بالمعنى لما رواه في الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة حديث: 7. وإن كان الظاهر خلافه.

 

===============

 

( 205 )

 

[ (مسألة 1): إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين دينارا، أو نحو ذلك. فان اجتمعت شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة وسقطت زكاة التجارة (1)، وإن ] من حيث كونها مالا، لا بالقيمة الخارجة عن العين. وإما لغير ذلك مما هو مثله، أو أولى منه بالاشكال فإذا يتعين الاخذ بظاهر الادلة الاولية المشرعة لها. ولاجل أن مساقها مساق أدلة الزكاة الواجبة، يتعين البناء على أن تعلقها كتعلقها. وقد تقدم الكلام في كيفية تعلق الزكاة الواجبة. فراجع (1) بلا خلاف كما عن الخلاف، وعن المعتبر والتذكرة والمنتهى والدروس ومجمع البرهان وغيرها: الاجماع عليه. لقول النبي صلى الله عليه وآله: (لاثنيا في صدقة) (* 1)، ولمصحح زرارة: (قلت لابي عبد الله (ع): رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على من زكاته، على المقرض أو على المقترض؟ قال (ع): لابل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض. قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال (ع): لا يزكى المال من وجهين في عام واحد) (* 2). ويمكن أن يقال: إن الحديثين الشريفين إنما ينفيان اجتماع التشريعين وحينئذ فثبوت الزكاة الواجبة، وسقوط الزكاة المستحبة يتوقف على أهمية مقتضى التشريع في الاولى من مقتضيه في الثانية، ولا طريق لاثباتها. ومجرد كون التشريع في الثانية على نحو الاستحباب لا يقتضي كون مقتضيه أضعف، بل قد يكون مقتضي الاباحة أقوى اقتضاء من مقتضي الوجوب أو الحرمة، كما لا يخفى.

 

 

____________

(* 1) لم نعثر على الرواية بهذا النص. نعم روى في مستدرك الوسائل باب: 12 من ابواب زكاة الانعام حديث: 2: " ونهي أن يثنى عليهم في عام مرتين ". (* 2) الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

 

===============

 

( 206 )

 

[ اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها (1) دون الاخرى. (مسألة 2): إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة، سقط كلتا الزكاتين، بمعنى: أنه قطع حول كلتيهما، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول (2)، فلابد أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية. ] نعم لو كان الاختلاف بين الوجوب والاستحباب ناشئا من اختلاف مقتضيهما بالشدة والضعف، فالوجوب ناشئ عن مصلحة قوية والاستحباب ناشئ عن مصلحة ضعيفة، كان تقديم تشريع الوجوب على تشريع الاستحباب في محله. لكنه خلاف التحقيق، فان التحقيق: أن الاختلاف بينهما ناشئ من اختلافهما في وجود مقتضي الترخيص وعدمه، فان وجد مقتضي الترخيص كان الطلب استحبابيا، وإن كان ناشئا عن مصحلة قوية، وإن لم يوجد مقتض للترخيص كان الطلب وجوبيا، وإن كان ناشئا عن مصلحة ضعيفة. اللهم إلا أن قال: ما ذكر مسلم، إلا أن رفع الزكاة الواجبة في المقام يوجب تفويت المصلحة الملزمة بلا مزاحم، ورفع الزكاة المستحبة يوجب تفويت المصلحة الملزمة مع المزاحم، وحيث يدور الامر بينهما يتعين الثاني. لكنه إنما يتم لو كان المقام من باب التزاحم. وإلا فلو بني على التعارض فتخصيص أدلة الزكاة المالية في المقام ليس بأولى من تخصيص أدلة زكاة التجارة (1) لاطلاق دليلها. (2) ولو بني على عدم اعتبار ذلك كما تقدم ثبتت زكاة التجارة لاجتماع شرائطها. وسقطت زكاة المال. لانتفاء حولان الحول.

 

===============

 

( 207 )

 

[ (مسألة 3): إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال. مع بلوغه النصاب. على رب المال (1)، ويضم إليه حصته من الربح (2). ويستحب زكاته أيضا إذا بلغ النصاب وتم حوله، بل لا يبعد كفاية (3) مضي حول الاصل. وليس في حصة العامل من الربح زكاة، إلا إذا بلغ ] (1) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر. لان الزكاة على المالك ورأس المال ملك للمالك. (2) يعني: إذا كان رأس المال النصاب الاول كما فرض، كفى في ثبوت الزكاة في الربح بلوغه النصاب الثاني، عملا باطلاق دليله. أما لو كان رأس المال لا يبلغ النصاب الاول إلا بضميمة الربح ضم إليه الربح. لكن لابد من مضي الحول من حين ظهوره، فلو ظهر في الاثناء لم تثبت الزكاة بحلول الحول من حين الاكتساب، لعدم مضي الحول على النصاب كما هو المفروض. وسينبه عليه المصنف (ره). ثم إنه قد يتأمل في صدق مال التجارة على الربح، لعدم قصد التكسب به. وفيه: أن المراد من مال التجارة المال الذي وردت عليه التجارة، وهو رأس المال، وصدقه على المتاع باعتبار بدليته عنه، وكذا صدق حولان الحول عليه. فإذا كان المتاع مال التجارة بهذه العناية، ثبتت فيه الزكاة. وقصد التكسب المعتبر في الصدق إنما يعتبر في رأس المال الذي قصد إجراء المعاوضة عليه للاسترباح. (3) لا يخلو من إشكال، إذ هو خلاف ظاهر الادلة المعتبرة للحول. فان الربح إذا كان ملحوظا نصابا ثانيا لوحظت الشرائط بأجمعها بالاضافة إليه نفسه، ووجودها بالاضافة إلى رأس المال غير كاف في الثبوت. ولا فرق بين مضي الحول وغيره من الشرائط.

 

===============

 

( 208 )

 

[ النصاب، مع اجتماع الشرائط (1). لكن ليس له التأدية من العين (2)، إلا باذن المالك، أو بعد القسمة. (مسألة 4): الزكاة الواجبة مقدمة على الدين (3)، سواء كان مطالبا به أولا، ما دامت عينها موجودة، بل ] (1) عملا بأدلة نفي الزكاة وثبوتها، وشرطية الشرائط. وما ذكره هو المشهور. وعن الكركي: عدم ثبوت الزكاة في حصة العامل، وعن الاردبيلي الميل إليه: إما لان العامل لا يملك الربح إلا بعد الافضاض أو القسمة وفيه: أن المشهور كون الملك بالظهور، ولا يتوقف على ما ذكر فتأمل. وإما لعدم التمكن من التصرف، الذي هو شرط الزكاة. وفيه: أن المنع الناشئ عن الشركة غير قادح في ثبوت الزكاة. وإما لاختصاص أدلة زكاة التجارة بالتاجر، فلا تشمل العامل. وفيه: أنك عرفت أن مال التجارة أعم من العين والمنفعة، وعمل العامل من قبيل الثاني، فالمضاربة نوع من التجارة على العمل. وإما لموثق سماعة: (عن الرجل يربح في السنة خمسمائة وستمائة وسبعمائة، هي نفقته، وأصل المال مضاربة. قال (ع): ليس عليه في الربح زكاة) (* 1). وفيه: أن ظاهر قوله (ع): (نفقته) أنها لا يحول عليها الحول، فلا يثبت المدعى، وإما لعدم تمامية ملك الربح، لانه وقاية لرأس المال. وفيه: أن كونه وقاية لا يوجب نقصا في الملك، غاية الامر: أن المملوك في معرض الزوال والانتفاء، ومجرد ذلك لا يوجب قصورا في الملك. (2) لانها تصرف في المال المشترك، الذي لا يجوز التصرف فيه بغير إذن الشريك (3) بلا خلاف ولا إشكال، لتعلقها بالعين.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 6.

 

===============

 

( 209 )

 

[ لا يصح وفاؤه بها (1) بدفع تمام النصاب. نعم مع تلفها، وصيرورتها في الذمة حالها حال سائر الديون (2). وأما زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدم عليها، حيث أنها مستحبة، سواء قلنا بتعلقها بالعين أو بالقيمة. وأما مع عدم المطالبة، فيجوز تقديمها على القولين أيضا، بل مع المطالبة أيضا إذا أداها صحت وأجزأت، وإن كان آثما من حين ترك الواجب. (مسألة 5): إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية، واختلف مبدء حولهما، فان تقدم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة (3)، وإن انعكس، فان اعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت، وإلا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة. (مسألة 6): لو كان رأس المال أقل من النصاب ثم بلغه في أثناء الحول، استأنف الحول عند بلوغه (4). (مسألة 7): إذا كان له تجارتان، ولكل منهما رأس مال، فلكل منهما شروطه (5) وحكمه، فان حصلت في إحدهما دون الاخرى استحبت فيها فقط. ولا يجبر خسران ] (1) لما تقدم: من المنع من التصرف في النصاب، لتعلق الزكاة به. (2) بل لا تبعد دعوى أهميتها منها، كما يظهر من ملاحظة أدلة وجوبها، وبقية المسألة ظاهرة. (3) لنقص النصاب في أثناء الحول. ومنه يظهر وجه ما بعده. (4) بلا خلاف ولا شبهة كما قيل. وقد تقدمت الاشارة إلى وجهه. (5) للتعدد المانع من إلحاق إحداهما للاخرى.

 

===============

 

( 210 )

 

[ إحداهما بربح الاخرى. الثاني مما يستحب فيه الزكاة: كل ما يكال أو يوزن (1) مما أنبتته الارض، عدا الغلات الاربع فانها واجبة فيها، وعدا الخضر، كالبقل، والفواكه: والباذنجان، والخيار، والبطيخ ونحوها. ففي صحيحة زرارة: " عفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخضر. قلت: وما الخضر؟ قال (ع): كل شئ لا يكون له بقاء، البقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك، مما يكون سريع الفساد.. " (1). وحكم ما يخرج من الارض، مما يستحب فيه الزكاة، حكم الغلات الاربع، في قدر النصاب، وقدر ما يخرج منها، وفي السقي والزرع ونحو ذلك. الثالث: الخيل الاناث. بشرط أن تكون سائمة، ويحول عليها الحول. ولا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها وهي التي تولدت من عربين. كل سنة ديناران، هما مثقال ونصف صيرفي. وفي البراذين من كل سنة دينار، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. والظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك فلو ملك إثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما. الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء، من البساتين، والدكاكين، والمساكن، والحمامات، والخانات، ونحوها. والظاهر اشتراط النصاب، والحول. والقدر المخرج ربع ] (1) قد تقدم الكلام في الموارد المذكورة إجمالا. فراجع.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه حديث: 9.

 

===============

 

( 211 )

 

[ العشر، مثل النقدين. الخامس: الحلي. وزكاته إعارته لمؤمن. السادس: المال الغائب، أو المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه، إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحب زكاته لسنة واحدة بعد التمكن. السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة، فانه يستحب إخراج زكاته بعد الحول.