فصل

 [ فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا (1)، والاحوط عدم قطع النافلة أيضا، وإن كان الاقوى جوازه. ويجوز قطع الفريضة ] فصل (1) قال في جامع المقاصد: " لاريب في تحريم قطع الصلاة الواجبة اختيارا "، وعن المدارك وغيرها: " بلا خلاف يعرف "، وفي كشف اللثام: " الظاهر الاتفاق عليه "، وعن مجمع البرهان: " كأنه إجماعي " وعن الذخيرة وغيرها: أنه محل وفاق، بل عن شرح المفاتيح: أنه من بديهيات الدين. واستدل له غير واحد بقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) (* 1). واستشكل فيه تارة: بأن ظاهر سياقه الابطال. للاعمال التامة بالكفر والارتداد وأخرى: بأن حمله على ذلك يستلزم التخصيص المستهجن، فيتعين الحكم باجماله. وأما الاشكال عليه - كما في كشف اللثام - بأنه إنما ينهى عن إبطال جميع الاعمال فضعيف. واستدل له أيضا بنصوص التحريم والتحليل (* 2) كما عن الحدائق وغيرها. وفيه: أن شمولها لما يجوز قطعه، كالنافلة وغيرها، مانع من حمل التحريم والتحليل على التكليفيين، فيتعين إما حملهما على الوضعيين أو تخصيص

 

____________ (* 1) محمد صلى الله عليه وآله: 33. (* 2) الوسائل باب: 1 من ابواب تكبيرة الاحرام. وباب: 1 من ابواب التسليم. وغيرهما من الابواب.

 

 

 

===============

( 610 )

تلك النصوص بخصوص الفريضة التي لا يجوز قطعها، والاول أولى. وبما ورد في كثير الشك من قوله (ع): " لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه " (* 1)، كما عن شرح المفاتيح. وفيه: أن النهي فيه عن الاطاعة للشيطان، لا عن القطع ولذا يعم النافلة، والوضوء وغيرهما مما يجوز قطعه. وبصحيح معاوية بن وهب: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرعاف أينقض الوضوء؟ قال (ع): لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء، فتناوله فقال " فمال (ظ) " برأسه فغسله، فليبن على صلاته ولا يقطعها " (* 2)، ونحوه غيره مما تضمن الامر بالاتمام والنهي عن القطع. وفيه: أنها ظاهرة في الارشاد إلى صحة الصلاة، وعدم لزوم استئنافها، لافي وجوب إتمامها تعبدا. وبما ورد في المنع عن فعل المنافيات في أثناء الصلاة (* 3). وفيه: أن المنع المذكور إرشادي إلى المانعية، لا تكليفي مولوي. وبصحيح حريز عن أبي عبد الله (ع): " إذا كنت في صلاة فريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حية تتخوفها على نفسك، فاقطع الصلاة فاتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية " (* 4). فان الامر بالقطع ليس للوجوب قطعا، فلابد أن يكون للرخصة. وتعليق الرخصة على السبب، يقتضي انتفاءها بانتفائه. وفيه: أن من الجائز أن يكون الترخيص في الموارد المذكورة، في قبال الحزازة الحاصلة من رفع اليد عن الصلاة، التي هي معراج المؤمن، لاجل بعض المصالح الدنيوية. وليس

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 16 من ابواب الخلل في الصلاة حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 2 من ابواب قواطع الصلاة حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 3 من ابواب قواطع الصلاة حديث: 1 و 4. وباب: 15 حديث: 1 و 3. (* 4) الوسائل باب: 21 من ابواب قواطع الصلاة حديث: 1.

 

 

 

===============

( 611 )

[ لحفظ مال ولدفع ضرر مالي، أوبدني (1) كالقطع لاخذ العبد من الاباق، أو الغريم من الفرار، أو الدابة من الشراد ونحو ذلك ] الصحيح واردا لتشريع المنع، كي يستظهر من إطلاقه كون المنع إلزاميا لا كراهتيا. ومنه يظهر الاشكال على الاستدلال بموثق سماعة: " عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة، فينسى كيسه أو متاعه، يتخوف ضيعته أو هلاكه قال (ع): يقطع صلاته، ويحرز متاعه، ثم يستقبل الصلاة. قلت: فيكون في الصلاة الفريضة، فتفلت عليه دابته أوتفلت دابته، فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا. فقال (ع): لا بأس بأن يقطع صلاته، ويتحرز ويعود إلى صلاته " (* 1). ولذلك صرح غير واحد من متأخري المتأخرين بعدم الوقوف في المسألة على دليل معتمد. بل في الحدائق، عن بعض معاصريه، الفتوى بجواز القطع اختيارا. وهو في محله، لولا ما عرفت من دعوى الاجماع صريحا وظاهرا على الحرمة، وإرسال غير واحد لها إرسال المسلمات. نعم لابد من الاقتصار فيها على القدر المتيقن من معقده، وهو الصلاة الواجبة، كما هو ظاهر التقييد بذلك في القواعد، والذكري، وجامع المقاصد، والروض ومجمع البرهان، والذخيرة، والكفاية، وغيرها. بل عن الذخيرة نسبته إلى المتأخرين. بل عن السرائر، وقواعد الشهيد ما ظاهره الاجماع على جواز قطع العبادة المندوبة، ماخلا الحج المندوب. ومن ذلك يظهر ضعف إطلاق المنع، كما في الشرائع، وعن غيرها، بل نسب إلى الاكثر. (1) اقتصر بعضهم في مورد الجواز على الضرورة. وآخر: على

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب قواطع الصلاة حديث: 2.

 

 

 

===============

( 612 )

[ وقد يجب، كما إذا توقف حفظ نفسه، أو حفظ نفس محترمة، أو حفظ مال يجب حفظه شرعا عليه. وقد يستحب كما إذا توقف حفظ مال مستحب الحفظ عليه، وكقطعها عند نسيان الاذان والاقامة إذا تذكر قبل الركوع. وقد يجوز كدفع الضرر المالي، الذي لا يضره تلفه، ولا يبعد كراهته لدفع ضرر مالي يسير. وعلى هذا فينقسم إلى الاقسام الخمسة. ] الضرورة الدينية، أو الدنيوية. وثالث: على دفع الضرر عن النفس، أو عن الغير، أو عن المال. ورابع: على العذر. وعن التذكرة، وكشف الالتباس: " يحرم قطعها لغير حاجة، ويجوز لحاجة كدابة انفلتت له.. ". وفي الذكري، وعن المسالك وغيرهما: " قد يجب القطع، كما في حفظ الصبي، والمال المحترم عن التلف، وإنقاذ الغريق، والمحترق، حيث يتعين عليه. فلو استمر بطلت صلاته، للنهي المفسد للعبادة، وقد لا يجب بل يباح، كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها، وإحراز المال الذي لا يضر به فوته. وقد يستحب القطع لاستدراك الاذان والاقامة والجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة، والائتمام بامام الاصل أو غيره. وقد يكره، كاحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته. مع احتمال التحريم ". قال في جامع المقاصد - بعد ذكر ذلك -: " قاله في الذكرى. وللنظر فيه مجال ". وقال في محكي المدارك: " ويمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه الصور، لانتفاء الدليل عليه. إلا أنه يمكن المصير إليه لما أشرنا إليه، من انتفاء دليل التحريم ". هذا ولاجل ما ذكره - وقد عرفته - تعرف أنه لا بأس بالقطع لاي غرض راجح، كان دينيا، أو دنيويا، وإن لم يلزم من فواته ضرر.

 

===============

( 613 )

[ (مسألة 1): الاحوط عدم قطع النافلة المنذورة (1)، إذا لم تكن منذورة بالخصوص، بأن نذر أتيان نافلة، فشرع في صلاة بعنوان الوفاء لذلك النذر. وأما إذا نذر نافلة مخصوصة، فلا يجوز قطعها قطعا (2). (مسألة 2): إذا كان في أثناء الصلاة، فرأى نجاسة في المسجد، أو حدثت نجاسة، فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لازالتها. لان دليل فورية الازالة قاصر الشمول عن مثل المقام (3). ] (1) قد عرفت مما سبق أن الاقوى جواز القطع في الفرض المذكور وكون النافلة واجبة بالعرض، لا يدخلها في المتيقن من معقد الاجماع. وكذا الصلاة المعادة المستحبة. (2) كأن المراد صورة عدم إمكان التدارك، لضيق الوقت، أو لغير ذلك. إذ القطع حينئذ مخالفة للنذر. وإلا فلا وجه له ظاهر. (3) المستفاد من الادلة: أن وجود النجاسة في المسجد مبغوض للشارع، كسائر المحرمات، من دون فرق بين زمان وآخر. فوجوب المبادرة إلى الازالة عين وجوب الازالة، والمفسدة الباعثة إلى المبادرة عين المفسدة الباعثة إلى نفس الازالة. لا أن الازالة فيها مصلحة والفورية فيها مصلحة أخرى، كما في الواجبات الفورية. فلا مجال للتفكيك بين المبادرة والازالة في كيفية المزاحمة لقطع الصلاة. كما لا مجال للتفكيك بينهما في إطلاق دليل الوجوب وعدمه. هذا ولاجل ما عرفت من جواز القطع لاي غرض وحاجة راجحين يتعين في المقام القطع والازالة. ولو سلم ما في المتن من عدم وجوب الفورية

 

===============

( 614 )

[ هذا في سعة الوقت وأما في الضيق فلا إشكال (1). نعم لو كان الوقت موسعا، وكان بحيث لولا المبادرة إلى الازالة فاتت القدرة عليها، فالظاهر وجوب القطع. (مسألة 3): إذا توقف أداء الدين المطالب به على قطعها، فالظاهر وجوبه في سعة الوقت، لا في الضيق، ويحتمل في الضيق وجوب الاقدام على الاداء متشاغلا بالصلاة (2). (مسألة 4): في موارد وجوب القطع إذا تركه واشتغل بها فالظاهر الصحة (3) وإن كان آثما في ترك ] في مثل الفرض فلا أقل من رجحانها، ولاجله يجوز القطع. كما عرفت. (1) يعني: في وجوب إتمام الصلاة. لكن من المحتمل إجراء قواعد التزاحم إيضا. ولعل المقام يختلف بالختلاف حال النجاسة، من حيث اقتضائها الهتك وعدمه. فتأمل جيدا. (2) يقوي هذا الاحتمال: أن الواجبات الصلاتية تسقط في مورد الضرورات الشرعية والعقلية. ومنها وجوب أداء الدين. (3) المذكور في الذكرى وغيرها - كما تقدم -: أنه حيث يتعين القطع، لو استمر بطلت صلاته للنهي المفسد للعبادة. واعترضه في الحدائق وغيرها بأنه مبني على استلزام الامر بالشئ النهي عن ضده، والظاهر منه في غير موضع من كتابه عدم القول به انتهى. أقول: تقدم منه ذلك في مسألة ترك المصلي رد السلام والاشتغال بالصلاة. لكن دفعه في الجواهر بأن وجه البطلان: الامر بالقطع في صحيح حريز المتقدم (* 1)، الذي لا يجامعه الامر بالاتمام ضرورة، للنهي

 

____________ (* 1) راجع اول الفصل.

 

 

 

===============

( 615 )

[ الواجب لكن الاحوط الاعادة خصوصا في صورة توقف دفع الضرر الواجب عليه (1). (مسألة 5): يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة، أو الوجوب: " السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته " (2) ] عن الضد، فان فرض تلك المسألة الانتقال إليه من الامر بالشئ، لا مع التصريح بالنهي عن الضد بالخصوص. وفيه: أن الامر بالقطع ليس نهيا عن الاتمام، إلا إذا كان القطع نقيض الاتمام. أما لو كان ضده - كما هو الظاهر - فالامر لا يقتضي النهي عنه إلا بناء على مسألة الضد. ولو سلم فالمفهوم منه بقرينة مناسبة الحكم والموضوع: كونه عرضيا ليس ناشئا عن مفسدة في متعلقه، بل في ملازمه، وهو فوات الواجب الذي لاجله جاز القطع، ومثله غير مانع من التقرب، ولا مانع من صحة العبادة. وفي بقية كلامه أنظار لا تخفى على المتأمل، وإن كان الظاهر أنه ذكرها إيرادا، لا اعتقادا. (1) لم يتضح صورة يجب فيها القطع غير هذه الصورة، كي يكون لهذه صورة خصوصية من بين الصور. (2) قال في الذكري: " وإذا أراد القطع فالاجود التحليل بالتسليم. لعموم: تحليلها التسليم "، ونحوه ما عن فوائد الشرائع، إلا أنه قال: " فالاحسن التحليل ". وحاصل مرادهما: أنه يحتمل أن يكون المراد من قولهم (ع): " تحليلها التسليم " (* 1) هو عدم حلية المنافيات إلا بالتسليم ولو كان في الاثناء عند وجوب القطع، فلو سلم أحرز حلية المنافيات،

 

____________ (* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب التسليم حديث: 1

 

 

 

===============

( 616 )

ولو لم يسلم احتمل عدم حليتها، فيكون الاول أحسن، وأجود. وإنما لم يلزم ذلك لما ذكره في الذكرى في ذيل كلامه من أن التسليم إنما يجب التحلل به في الصلاة التامة. وأما ما في المتن فلم يظهر وجهه. إذ مراد الذكرى وغيرها من السلام، السلام المحلل، غير الشامل لما في المتن، كما تقدم في مبحث السلام والحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين. تم على يد مؤلفه الاحقر " محسن " خلف العلامة المرحوم السيد " مهدي " الطباطبائي الحكيم، في جوار الحضرة العلوية المقدسة، في النجف الاشرف، الساعة الخامسة، من الليلة الخامسة، من شهر شعبان المكرم، سنة الالف والثلاثمائة والست والخمسين من الهجرة النبوية، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام وأكمل التحية. وبتمامه تم شرح الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخمس، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، واليه أنيب، والحمد لله رب العالمين.