النكاح

 [ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب النكاح النكاح مستحب في حد نفسه بالاجماع، والكتاب، والسنة المستفيضة بل المتواترة. قال الله تعالى: (وانكحوا الايامي منكم، والصالحين من عبادكم وامائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) (1). وفي النبوي المروي بين الفريقين: " النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني " (2)، وعن الصادق (ع) عن أمير المؤمنين (ع) قال: " تزوجوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أحب أن يتبع سنتي فان من سنتي التزويج " (3)، وفي النبوي: " ما بني بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج " (4)، وعن النبي صلى الله عليه وآله: " من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر " (5) ]

 

 

____________

(* 1) النور: 32. (* 2) مستدرك الوسائل باب: 1 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 15. وكنز العمال الجزء: 8 حديث: 3720. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 14. (* 4) الوسائل باب: 1 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 1 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 12.

 

===============

 

( 4 )

 

[ بل يستفاد من جملة من الاخبار: استحباب حب النساء، ففي الخبر عن الصادق (ع): " من أخلاق الانبياء حب النساء " (1)، وفي آخر عنه (ع): " ما أظن رجلا يزداد في هذا الامر خيرا إلا ازداد حبا للنساء " (2). والمستفاد من الآية وبعض الاخبار: أنه موجب لسعة الرزق، ففي خبر اسحاق بن عمار: " قلت لابي عبد الله (ع): الحديث الذي يرويه الناس حق؟ إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتى أمره ثلاث مرات. قال أبو عبد الله (ع): نعم هو حق. ثم قال (ع): الرزق مع النساء والعيال " (3). (مسألة 1): يستفاد من بعض الاخبار كراهة العزوبة فعن النبي صلى الله عليه وآله: " رذال موتاكم العزاب " (4). ولا فرق على الاقوى في استحباب النكاح بين من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق، لاطلاق الاخبار، ولان فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة، بل له فوائد، منها زيادة النسل وكثرة قائل: (لا اله إلا الله)، فعن الباقر (ع): " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الارض بلا إله الا الله " (5). ]

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 3 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 3 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 11 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 2 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 5) الوسائل باب: 1 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3.

 

===============

 

( 5 )

 

[ (مسألة 2): الاستحباب لا يزول بالواحدة بل التعدد مستحب أيضا، قال الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (1). والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع بل المستحب أعم منهما ومن التسري بالاماء. (مسألة 3): المستحب هو الطبيعة أعم من أن يقصد به القربة أو لا. نعم عباديته وترتب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة. (مسألة 4): استحباب النكاح إنما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته، وأما بالنظر إلى الطوارئ فينقسم بانقسام الاحكام الخمسة، فقد يجب بالنذر أو العهد أو الحلف وفيما إذا كان مقدمة لواجب مطلق، أو كان في تركه مظنة الضرر، أو الوقوع في الزنا أو محرم آخر. وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الاخلال بواجب من تحصيل علم واجب أو ترك حق من الحقوق الواجبة، وكالزيادة على الاربع. وقد يكره كما إذا كان فعله موجبا للوقوع في مكروه. وقد يكون مباحا كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية لها. وبالنسبة إلى المنكوحة أيضا ينقسم إلى الاقسام الخمسة، فالواجب كمن يقع في الضرر لو لم يتزوجها، أو يبتلي بالزنا معها لو لا تزويجها والمحرم نكاح المحرمات عينا أو جمعا، والمستحب المستجمع ]

 

 

____________

(* 1) النساء: 3.

 

===============

 

( 6 )

 

[ للصفات المحمودة في النساء، والمكروه النكاح المستجمع للاوصاف المذمومة في النساء، ونكاح القابلة المربية ونحوها، والمباح ما عدا ذلك. (مسألة 5): يستحب عند إرادة التزويج أمور: منها: الخطبة. ومنها: صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها، والدعاء بعدها بالمأثور، وهو: " اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة وقدر لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي ". ويستحب أيضا أن يقول: " أقررت الذي أخذ الله إمساك بمعروف أو تسرح باحسان ". ومنها: الوليمة يوما أو يومين لا أزيد فانه مكروه، ودعاء المؤمنين، والاولى كونهم فقراء، ولا بأس بالاغنياء خصوصا عشيرته وجيرانه وأهل حرفته، ويستحب إجابتهم وأكلهم، ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلا أو نهارا، وعن النبي (ص): " لا وليمة إلا في خمس عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز " (1) العرس: التزويج والخرس: النفاس، والعذار: الختان، والوكار: شراء الدار والركاز: العود من مكة. ومنها: الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والائمة (ع) والوصية بالتقوى، والدعاء للزوجين، والظاهر كفاية اشتمالها ]

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 40 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 5.

 

===============

 

( 7 )

 

[ على الحمد والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله، ولا يبعد استحبابها أمام الخطبة أيضا. ومنها: الاشهاد في الدائم والاعلان به، ولا يشترط في صحة العقد عندنا. ومنها: إيقاع العقد ليلا. (مسألة 6): يكره عند التزويج أمور: منها: إيقاع العقد والقمر في العقرب أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي القلب والاكليل والزبانا والشولة. ومنها: إيقاعه يوم الاربعاء. ومنها: ايقاعه في أحد الايام المنحوسة في الشهر، وهي الثالث، والخامس، والثالث عشر، والسادس عشر، والحادي والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون ومنها: إيقاعه في محاق الشهر وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر. (مسألة 7): يستحب اختيار امرأة تجمع صفات، بأن تكون بكرا، ولودا، ودودا، عفيفة، كريمة الاصل - بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة أو ممن تنال الالسن آباءها أو امهاتها أو مسهم رق أو كفر أو فسق معروف - وأن تكون سمراء، عيناء. عجزاء، مربوعة، طيبة الريح، ورمة الكعب، جميلة، ذات شعر، صالحة، تعين زوجها على الدنيا والآخرة، عزيزة في أهلها ذليلة مع بعلها، متبرجة مع زوجها حصانا مع غيره، فعن النبي صلى الله عليه وآله: " إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان على غيره التي تسمع قوله وتطيع ]

 

===============

 

( 8 )

 

[ أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذل الرجل (1). ثم قال صلى الله عليه وآله: ألا أخبركم بشرار نسائكم: الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لا تدرع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر لا تسمع قوله ولا تطيع امره وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنبا " (* 2). ويكره اختيار العقيم ومن تضمنه الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم كونها نجيبة، ويكره الاقتصار على الجمال والثروة، ويكره تزويج جملة أخرى. منها: القابلة وابنتها للمولود. ومنها: تزويج ضرة كانت لامه مع غير أبيه. ومنها: أن يتزوج أخت أخيه ومنها: المتولدة من الزنا. ومنها الزانية. ومنها: المجنونة. ومنها: المرأة الحمقاء أو العجوز. وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سيئ الخلق، والمخنث، والزنج، والاكراد، والخزر، والاعرابي، والفاسق وشارب الخمر. (مسألة 8): مستحبات الدخول على الزوجة أمور: منها: الوليمة قبله أو بعده. ومنها: أن يكون ليلا لانه أوفق بالستر والحياء، ولقوله صلى الله عليه وآله: " زفوا عرائسكم ليلا واطعموا ضحى " (* 3). بل لا يبعد استحباب الستر المكاني أيضا. ]

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 6 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 7 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 37 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2.

 

===============

 

( 9 )

 

[ ومنها: أن يكون على وضوء. ومنها: أن يصلي ركعتين والدعاء بعد الصلاة بعد الحمد والصلاة على محمد وآله بالالفة وحسن الاجتماع بينهما. والاولى المأثور، وهو: " اللهم ارزقني إلفتها وودها ورضاها بي وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفس ايتلاف فانك تحب الحلال وتكره الحرام ": ومنها: أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما. ومنها: أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها. ومنها: أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول: " اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها فان قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا "، أو يقول: " اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان ". ويكره الدخول ليلة الاربعاء. (مسألة 9): يجوز أكل ما ينثر في الاعراس مع الاذن ولو بشاهد الحال، إن كان عاما فللعموم وإن كان خاصا فللمخصوصين. وكذا يجوز تملكه مع الاذن فيه، أو بعد الاعراض عنه فيملك، وليس لمالكه الرجوع فيه وإن كان عينه موجودا، ولكن الاحوط لهما مراعاة الاحتياط. (مسألة 10): يستحب عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية وطلب الولد الصالح السوي والدعاء بالمأثور وهو أن ]

 

===============

 

( 10 )

 

[ يقول: " بسم الله وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني "، أو يقول: اللهم بامانتك أخذتها... " إلى آخر الدعاء السابق، أو يقول: " بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا اله إلا هو بديع السموات والارض اللهم إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظا واجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان ورجزه جل ثناؤك ". وأن يكون في مكان مستور. (مسألة 11): يكره الجماع ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء، واليوم الذي فيه الزلزلة. بل في كل يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة، وكذا يكره عند الزوال، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وفي المحاق وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي أول ليلة من كل شهر الا في الليلة الاولى من شهر رمضان فانه يستحب فيها وفي النصف من كل شهر، وفي السفر إذا لم يكن عنده الماء للاغتسال، وبين الاذان والاقامة، وفي ليلة الاضحى، ويكره في السفينة، ومستقبل القبلة ومستدبرها، وعلى ظهر الطريق والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء، والجماع قائما، وتحت الشجرة المثمرة، وعلى سقوف البنيان، وفي وجه الشمس إلا مع الستر، ويكره أن يجامع وعنده من ]

 

===============

 

( 11 )

 

[ ينظر إليه ولو الصبي غير المميز، وأن ينظر إلى فرج الامرأة حال الجماع، والكلام عند الجماع إلا بذكر الله تعالى، وأن يكون معه خاتم فيه ذكر الله أو شئ من القرآن. ويستحب الجماع ليلة الاثنين والثلاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر، ويستحب عند ميل الزوجة إليه. (مسألة 12): يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح. (مسألة 13): يستحب السعي في التزويج، والشفاعة فيه بارضاء الطرفين. (مسألة 14): يستحب تعجيل تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها فعن أبى عبد الله (ع): " من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته " (* 1). (مسألة 15): يستحب حبس المرأة في البيت فلا تخرج الا لضرورة، ولا يدخل عليها احد من الرجال. (مسألة 16): يكره تزويج الصغار وقبل البلوغ. (مسألة 17): يستحب تخفيف مؤنة التزويج وتقليل المهر (مسألة 18): يستحب ملاعبة الزوجة قبل المواقعة. (مسألة 19): يجوز للرجل تقبيل أي جزء من جسد زوجته، ومس أي جزء من بدنه ببدنها. ]

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 23 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 12 )

 

[ (مسألة 20): يستحب اللبث وترك التعجيل عند الجماع. (مسألة 21): تكره المجامعة تحت السماء. (مسألة 21): يستحب إكثار الصوم وتوفير الشعر لمن لا يقدر على التزويج مع ميله وعدم طوله. (مسألة 23): يستحب خلع خف العروس إذا دخلت البيت، وغسل رجليها، وصب الماء من باب الدار إلى آخرها. (مسألة 24): يستحب منع العروس في إسبوع العرس من الالبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض. (مسألة 25): يكره اتحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ من الجماع. (مسألة 26): يجوز لمن يريد (1) تزويج امرأة أن ] بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والصلاة والسلام على رسوله الاكرم، وآله الطاهرين. (1) في كشف اللثام: اتفاق الاصحاب عليه في الجملة. وفي الجواهر: نفي الخلاف فيه بين المسلمين ودعوى الاجماع بقسميه عليه. ويشهد له النصوص، منها مصحح محمد بن مسلم قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال (ع): نعم، إنما يشتريها بأغلى الثمن " (* 1)، ومصحح هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري، كلهم عن أبي عبد الله (ع): " قال (ع):

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 13 )

 

[ ينظر إلى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها (1)، بل لا يبعد ] لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها " (* 1)، وصحيح الحسن بن السرى قال: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها، والى وجهها، قال (ع): نعم، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المراة إذا أراد أن يتزوجها. ينظر إلى خلفها والى وجهها " (* 2) إلى غير ذلك من النصوص. (1) أما الاولان: فلا إشكال فيهما. والاول منهما صريح النصوص السابقة. وامأ الثاني: فلاستفادته من ذكر المعاصم في مصحح الفضلاء. وأما الاخيران: فنسب الجواز فيهما إلى المشايخ الثلاثة، وجمع من الاصحاب ويشهد لاولهما صحيح عبد الله بن سنان: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يريد أن ينزوج المرأة أينظر الى شعرها؟ فقال (ع): نعم، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن " (* 3) ويشهد لثانيهما خبر غياث بن ابراهيم عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع): " في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد ان يتزوجها، قال (ع): لا بأس، إنما هو مستام فان يقض أمر يكن " (* 4). ونحوه خبر مسعدة بن اليسع الباهلى عن أبي عبد الله (ع) (* 5). وفى مرسل عبد الله بن الفضل عن أبيه عن رجل عن أبى عبد الله (ع) قال: " قلت أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال (ع): لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا " (* 6)

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 7. (* 4) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 8. (* 5) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 12. (* 6) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 5.

 

===============

 

( 14 )

 

وفى الشرائع والارشاد والقواعد وغيرها: تخصيص الجواز بالوجه والكفين. بل ربما نسب إلى المشهور. وكأنه لحمل المعاصم في الصحيح السابق على الكفين، وعدم الاعتداد بالنصوص الاخيرة. وضعفه ظاهر، إذ المعصم غير الكف. والنصوص لا مانع من العمل بها بعد اعتماد الجماعة عليها، بل إطلاق جواز النظر إلى المرأة في مصحح ابن مسلم يقتضي ذلك، ولا سيما بملاحظة التعليل فيه وفي غيره بأنه يشتريها بأغلى الثمن، فانه يقتضي ذلك، وأوضح منه موثق يونس المروي عن علل الصدوق: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز له أن ينظر إليها قال (ع): نعم، وترقق له الثياب، لانه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن " (* 1)، فان ترقيق الثياب ليس إلا من جهة التمكن من النظر إلى ما خلف الثياب من سائر البدن، ولذلك قال في الجواهر " فلا محيص للفقيه الذي كشف الله تعالى عن بصيرته عن القول بجواز النظر إلى جميع جسدها بعد تعاضد تلك النصوص وكثرتها - وفيها الصحيح، والموثق، وغيرهما - الدالة بأنواع الدلالة على ذلك ". لكن شيخنا الاعظم (ره) في رسالة النكاح استشكل في الاطلاق المذكور في مصحح ابن مسلم تارة: من جهة ان المتبادر من النظر إلى المرأة بحكم العرف هو النظر إلى الوجه واليدين لانهما موقع النظر غالبا، وغيرهما مستور غالبا بالثياب. وأخرى: من جهة ان تخصيص النظر في مصحح الفضلاء بالوجه والمعاصم لا يظهر له وجه إلى اختصاصهما بجواز النظر، وأوضح منه في ذلك ما في صحيح السري (* 2) فانه (ع) بعد أن قال: " ينظر إليها " قال: " ينظر إلى خلفها والى وجهها ".

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 11. (* 2) تقدم في أول المسألة.

 

===============

 

( 15 )

 

[ جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها (1)، وإن كان الاحوط خلافه، ولا يشترط أن يكون ذلك باذنها ورضاها (2) ] أقول: يشكل ما ذكره أولا: بأن الغلبة لا توجب الانصراف المعتد به. مع أنها ممنوعة في نفسها، فان الغالب عدم ستر مقدار من الشعر، والرقبة، والصدر والساقين، ومقتضى ذلك عدم الاختصاص بالوجه والكفين، لا الاختصاص بهما. وثانيا: بأن التخصيص في مصحح الفضلاء لا يصلح للتقييد إلا بناء على مفهوم اللقب. نعم ما ذكر لو سلم اقتضى سقوط إطلاق المصحح المذكور، لا سقوط إطلاق غيره. وثالثا: بأن التخصيص بالخلف والوجه في صحيح السري إنما كان لذكره في السؤال لا لبيان المراد من الاطلاق. مع أنه لو سلم فلا يقتضي الا سقوط الاطلاق المذكور فيه لا سقوط إطلاق غيره. ومثله في الاشكال مناقشته (قده) في التعليل بأن المراد به تجويز النظر إلى ما يندفع به معظم الغرر، الحاصل من جهة حسن الخلقة واللون وقبحهما، وان ذلك يندفع بالنظر إلى الوجه والكفين، إذ يستدل بهما غالبا على حسن سائر الاعضاء، وقبحها من حيث الخلقة واللون. إذ فيه: انه لا وجه للتخصيص بالمعظم من الغرر، فانه خلاف الاطلاق. مع أن الاستدلال بالوجه على غيره غير ظاهر. ومن ذلك يظهر لك الوجه في قول المصنف: " بل لا يبعد جواز النظر إلى... " كما تقدم من الجواهر. (1) كما نص على ذلك في الجواهر. وكأن الوجه فيه الاجماع، فان أحدا لم يقل بالجواز فيها، كما في كلام شيخنا الاعظم، وإلا فاطلاق النص والتعليل شامل لها كغيرها. (2) كما نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما. والظاهر عدم الخلاف فيه منا، ولذا نسب في كشف اللثام الخلاف فيه إلى مالك.

 

===============

 

( 16 )

 

[ نعم يشترط أن لا يكون بقصد التلذذ (1) وإن علم أنه يحصل بنظرها قهرا (2). ويجوز تكرار النظر (3) إذا لم يحصل الغرض - وهو الاطلاع على حالها - بالنظر الاول. ويشترط أيضا أن لا يكون مسبوقا بحالها (4)، وأن يحتمل اختيارها (5) وإلا فلا يجوز. ولا فرق بين أن يكون قاصدا لتزويجها بالخصوص، أو كان قاصدا لمطلق التزويج (6) وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار، وإن كان الاحوط الاقتصار على ] ويقتضيه عموم النصوص. وليس النظر من حقوق الزوجة، كي يحل باذنها، بل هو من الاحكام. (1) الظاهر لا إشكال في ذلك، لاختصاص النصوص المتقدمة بالنظر للاطلاع فيرجع في غيره إلى عموم المنع، وقد تقدم ما في مرسل عبد الله ابن الفضل (* 1)، المحمول على ذلك. (2) كما في كلام شيخنا الاعظم (ره). ويقتضيه عموم النصوص، ولا سيما كونه الغالب. (3) كما في كلام شيخنا الاعظم (ره) بشرط أن يحتمل أن يفيده الثاني ما لا يفيده الاول، لاطلاق النصوص، والتعليل. (4) لخروجه عن مورد النصوص، وهو النظر للاطلاع، فيرجع فيه إلى عموم المنع. (5) لانه مورد النصوص فيرجع في غيره إلى عموم المنع. (6) لاطلاق النصوص موردا وتعليلا. واحتمال أن مورد النصوص من يريد أن يتزوجها بالخصوص بعيد.

 

 

____________

(* 1) راجع اول المسألة.

 

===============

 

( 17 )

 

[ الاول. وأيضا لا فرق بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر - من توكيل امرأة تنظر إليها وتخبره - أولا (1)، وان كان الاحوط الاقتصار على الثاني. ولا يبعد جواز نظر المرأة أيضا إلى الرجل الذي يريد تزويجها (2). ولكن لا يترك الاحتياط بالترك. وكذا يجوز النظر إلى جارية يريد شراءها (3)، وإن ] (1) كما في رسالة شيخنا الاعظم (ره)، لاطلاق الادلة، ولا سيما بملاحظة ما اشتهر من أنه ليس الخبر كالعيان. (2) كما في القواعد وغيرها، وقواه شيخنا الاعظم (ره) في الرسالة. لما يستفاد من التعليل في أخبار المسألة، فان الرجل إذا جاز له النظر لئلا يضيع ماله الذي يعطيه على جهة الصداق وغيره، فلان يجوز للمرأة لئلا يضيع بضعها أولى. ويشكل بخفاء المقايسة بين البضع والمال. مع أنها لو تمت فانما تقتضي لزوم معرفتها بالمال الذى هو عوض البضع لا بالرجل. ومثله في الاشكال الاستدلال عليه بما ورد في بعض النصوص أنه صلى الله عليه وآله قال رجل من أصحابه وقد خطب امرأة: " لو نظرت إليها فانه احرى أن يؤدم بينكما " (* 1). فان الخبر ضعيف لا مجال للاعتماد عليه فيما نحن فيه، ولذلك اختار في الجواهر المنع. بل في كشف اللثام: " لم أعرف من الاصحاب من قال به غيره (يعني: غير مصنفه)، والحلبي، وابن سعيد. وانما ذكرته العامة، وروته عن عمر ". (3) نسب إلى الاصحاب. وفى المسالك: أن جواز النظر إلى وجهها وكفيها ومحاسنها وشعرها موضع وفاق. وفى الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه ". ويشهد له نصوص المقام المشتملة على التعليل بأنه يشتريها بأغلى الثمن. مضافا إلى النصوص الورادة فيها بالخصوص، كخبر أبى بصير

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 36 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 13.

 

===============

 

( 18 )

 

[ كان بغير إذن سيدها. والظاهر اختصاص ذلك بالمشتري لنفسه فلا يشمل الوكيل والولي والفضولي (1). وأما في الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص. (مسألة 27): يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة (2)، ] قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يعترض الامة ليشتريها. قال (ع): لا بأس أن ينظر إلى محاسنها، ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه " (* 1) ونحوه غيره. وتحقيق المسألة في كتاب البيع. (1) في الجواهر: منع جواز ذلك لغير مريد التزويج ولو وليا، لقصور الادلة عن إخراجه عن مقتضى الحرمة، بخلافه في شراء الامة الشامل له ولغيره، عدا الفضولي على الظاهر. انتهى. وكأن عدم الشمول للفضولي من جهة عدم تحقق الشراء حقيقة منه، بخلاف الوكيل والولي. لكن الفرق بينهما في شراء الامة وبينهما في التزويج غير ظاهر، بعد اشمال النصوص على الشراء، وصدق المشتري على الوكيل والولي كصدقه على الاصيل. اللهم الا أن يقال الملحوظ في شراء الامة المالية، ولا مانع من شمول المشتري للولي والوكيل، والملحوظ في التزويج مناسبات خاصة لا تقوم بغير من يريد التزويج لنفسه، فينصرف المشتري عنه. (2) على المشهور، كما في الحدائق، وعن المسالك. قال في الشرائع: " ويجوز النظر إلى نساء أهل الذمة وشعورهن لانهن بمنزلة الاماء ". ونحوه ما عن المقنعة والخلاف والنهاية. فيحتمل أن يكون المراد أنهن بمنزلة الاماء للمسلمين، لان الكفار فئ المسلمين، وإنما يحرمهم الذمة، فتكون نساء أهل الذمة بمنزلة الامة المزوجة بالعبد. لكن إثبات هذا المعنى غير ظاهر، بل ممنوع، وإنما يكون الملك بالاسترقاق. مع أنه يتوقف

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 20 من ابواب بيع الحيوان حديث: 1.

 

===============

 

( 19 )

 

على جواز النظر إلى الامة المشتركة. ويحتمل ان يكون المراد أنهن ملك للامام، لما في صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر (ع): " إن أهل الكتاب مماليك الامام " (* 1)، وخبر زرارة عنه (ع): " إن أهل الكتاب مماليك للامام، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدون العبيد الضريبة إلى مواليهم " (* 2)، وفى صحيح أبى ولاد عن أبي عبد الله (ع): " وهم مماليك للامام، فمن أسلم منهم فهو حر " (* 3). لكن الاستدلال بها متوقف على ثبوت كلية جواز النظر إلى أمة غيره، وهو غير ظاهر. والاستدلال عليه بالسيرة، ليس بأولى من الاستدلال بها على المقام. نعم يمكن الاستدلال على الحكم بخبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن " (* 4). فانه لا بأس بالعمل به بعد اعتماد المشهور عليه. وإن كان ظاهر من علل بأنها بمنزلة الاماء عدم الاعتماد عليه. ولكن اعتماد غيره كاف في جبر ضعفه لو كان. ويؤيده خبر أبي البختري عن جعفر (ع) عن أبيه عن علي بن أبي طالب (ع): " لا بأس بالنظر إلى رؤوس النساء من أهل الذمة " (* 5). ومن ذلك يظهر ضعف ما عن ابن ادريس من المنع من النظر اليهن عملا بعموم الاية المحرمة للنظر، التي لا يجوز تقييدها بخبر الواحد. وتبعه على ذلك في المختلف، وكشف اللثام.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 2 من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث: 2. لكن وردت روايتة عن ابي بصير كما في الكافي الجزء: 5 صفحة 358 والتهذيب الجزء: 7 صفحة 449 ويأتى من الشارح (قده) في فصل ما يحرم باستيفاء العدد. (* 2) الوسائل باب: 45 من ابواب العدد حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 1 من ابواب العاقلة حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 112 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 112 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2.

 

===============

 

( 20 )

 

[ بل مطلق الكفار، مع عدم التلذذ والريبة (1)، أي: خوف الوقوع في الحرام (2). والاحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره (3). وقد يلحق بهم نساء أهل ] (1) كما نص على ذلك في المقنعة، والخلاف، والنهاية، والشرائع، والقواعد وغيرها، والعمدة في دليله الاجماع ظاهرا. وإلا فالنص مطلق. (2) قال في المسالك: " ينبغي أن يكون المراد بها خوف الوقوع معها في المحرم، وهو المعبر عنه بخوف الفتنة " وفى كشف اللثام: " هي ما يخطر بالبال من النظر، دون التلذذ به، أو خوف افتتان. والفرق بينه وبين الريبة ظاهر مما عرفت، ولذا ذكر الثلاثة في التذكرة، ويمكن تعميم الريبة للافتتان، لانها من (راب) إذا وقع في الاضطراب، فيمكن أن يكون ترك التعرض له هنا، وفى التحرير، وغيرهما لذلك ". والمراد مما يخطر بالبال من النظر: الميل إلى الوقوع في الحرام مع المنظور إليه، وإن كان عالما بعدم وقوعه. فنقول: بناء على ذلك يكون المراد من الريبة مرددا بين الامرين: الخطور الخاص، وخوف الوقوع في الحرام. ويظهر من التذكرة: حرمة الجميع، كما يظهر منها ومن كشف اللثام: حرمة الوقوع في الافتتان، فان تم إجماع عليه - كما هو الظاهر وفي المستند: " أنه متحقق في الحقيقة، ومحكي في بعض المواضع حكاية مستفيضة " - فهو، وإلا فيشكل تحريم أحدهما، لعدم وضوح دليل على ذلك. وظاهر شيخنا في الرسالة: وضوح حرمة النظر مع خوف الوقوع في الحرام، وأما حرمته مع أحد الامرين، فلان فيهما الفساد المنهي عنه. والاشكال عليه ظاهر. (3) إذا كان المستند في الحل التعليل فهو يقتضي جواز جميع البدن. وإذا كان المستند خبر السكوني لزم الاقتصار على خصوص الشعور والايدى.

 

===============

 

( 21 )

 

[ البوادي والقرى من الاعراب وغيرهم (1)، وهو مشكل (2) نعم الظاهر عدم حرمة التردد في الاسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهن، ولا يجب غض البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان. ] وقد عرفت أنه المتعين. اللهم إلا أن يفهم أن ذكر الشعور والايدي من باب أن المتعارف كشفه، لا لخصوصية فيهما. (1) لخبر عباد بن صهيب: " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل تهامة، والاعراب، وأهل السواد، والعلوج، لانهم إذا نهوا لا ينتهون " (* 1). وعن الفقيه أنه رواه مكان " أهل السواد والعلوج ": " أهل البوادي من أهل الذمة " (* 2). (2) لضعف عباد. لكن رواه في الكافي هكذا: " عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عباد بن صهيب " وأحمد بن محمد بن عيسى أخرج البرقى من قم لانه يروى عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل. وابن محبوب هو الحسن بن محبوب من أصحاب الاجماع، وممن لا يروي إلا عن ثقة. ولا يبعد أن يكون ذلك كافيا في جبر ضعف السند. واحتمل في الجواهر أن يكون المراد من التعليل عدم وجوب غض النظر وترك التردد في الاسواق والازقة من أجلهن، لانهن لا ينتهين بالنهي، فليزم من ترك ذلك العسر والحرج. لكنه خلاف الظاهر. فلا يبعد إذا العمل بالحديث، لولا ما قد يظهر من المشهور من عدم العمل به، لعدم

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 113 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) من لا يحضره الفقيه الجزء: 3 صفحة 300 طبعة النجف الحديثة. لكن الموجود فيه هكذا: " لا بأس بالنظر إلى شعور اهل تهامة والاعراب واهل البوادى من اهل الذمة والعلوج لانهن إذا نهين لا ينتهين ".

 

===============

 

( 22 )

 

[ (مسألة 28): يجوز لكل من الرجل والمرأة (1) النظر إلى ما عدا العورة من مماثله شيخا أو شابا، حسن الصورة أو قبيحها، ما لم يكن بتلذذ أو ريبة (2). نعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية (3)، بل مطلق الكافرة (4)، فانهن يصفن ذلك لازواجهن. والقول بالحرمة ] تعرضهم لمضمونه. نعم لا بأس بالعمل به بالمقدار الذي عليه السيرة، وهو ما أشار إليه المصنف (ره) بقوله: " نعم الظاهر... ". (1) بلا إشكال ولا خلاف، بل لعله من ضروريات الدين المعلومة باستمرار عمل المسلمين عليه في جميع الاعصار والامصار. كذا في الجواهر، ويشهد له النصوص الواردة في آداب الحمام (* 1). (2) لما سبق. (3) لما في صحيح حفص بن البختري عن أبى عبد الله (ع): " لا ينبغى للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية، فانهن يصفن ذلك لازواجهن " (* 1) وقوله (ع): " لا ينبغي " لا يدل على أكثر من الكراهة، كما أن التعليل يقتضي اختصاص الكراهة بالمزوجة التي هي مظنة الوصف للزوج، فلا تشمل من لا زوج لها، أو كان مفقودا، أو كانت مأمونة من جهة التوصيف، كما لا تشمل المرأة التي لا صفات لها حسنة لا يحسن نقلها، كما أن مقتضى التعليل التعدي إلى غير اليهودية والنصرانية إذا كانت تصف لزوجها من تراه من النساء. (4) كأنه لعموم التعليل.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 3، 4، 5، 18 من ابواب اداب الحمام. (* 2) الوسائل باب: 98 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 23 )

 

[ للآية (1) حيث قال تعالى: (أو نسائهن) فخص بالمسلمات ضعيف لاحتمال كون المراد من (نسائهن) (2) الجواري والخدم لهن من الحرائر. (مسألة 29): يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر (3)، حتى العورة (4)، مع التلذذ وبدونه، ] (1) قال في كشف اللثام: " والشيخ، والطبرسي في تفسيرهما، والراوندي في فقه القرآن، على المنع من نظر المشركة إلى المسلمة. قال الشيخ والراوندي: إلا أن تكون أمة: وفسروا (نسائهن) بالمؤمنات وهو قوي " وفى الحدائق: موافقتهم، لان " لا ينبغي " في الصحيح بمعنى: لا يجوز، ولان النهى في الآية للتحريم. (2) هذا الاحتمال نسبه في المسالك إلى المشهور وعن الكشاف: " المراد من (نسائهن) من في صحبتهن من الحرائر " ويحتمل أن يكون المراد منه ما يعم الامرين معا. ويحتمل أن يكون المراد منه مطلق النساء سواء كن في صحبتهن أو خدمتهن، أم لم يكن كذلك، كما احتمله في الجواهر. ويحتمل أن يكون المراد النساء اللاتي من الارحام كالعمة والخالة والاخت. ولعل قرينة السياق تقتضي ذلك، فيكون أقرب. وبالجملة: يكفي في الاضافة أدنى ملابسة، والملابسة المصححة للاضافة في المقام مجهولة مرددة بين وجوه لا قرينة على واحد منها، والحمل على جهة الاشتراك في الدين ليس أولى من غيره، ومع الاجمال لا مجال للاستدلال. وأقرب الاحتمالات الاخير، وأبعدها ما في الجواهر. (3) إجماعا، نصا (1) وفتوى، بل هو من الضروريات. (4) كما صرح به في النصوص، بل المصرح فيها أكثر من ذلك.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 59 من ابواب مقدمات النكاح.

 

===============

 

( 24 )

 

[ بل يجوز لكل منهما مس الآخر بكل عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ وبدونه (1). (مسألة 30): الخنثى مع الانثى كالذكر (2)، ومع الذكر كالانثى. ] نعم عن ابن حمزة حرمة النظر إلى فرج المرأة حال الجماع. لما في خبر أبى سعيد الخدري في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع): " ولا ينظر الرجل إلى فرج امرأته، وليغض بصره عند الجماع، فان النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد " (* 1). لكن في موثق سماعة قال: " سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة وهو يجامعها. قال (ع): لا بأس به إلا أنه يورث العمى " (* 2). (1) هذا كما قبله من القطعيات. (2) قال في جامع المقاصد: " الخنثى المشكل بالنسبة إلى الرجل كالمرأة، وبالنسبة إلى المرأة كالرجل، لتوقف يقين امتثال الامر بغض البصر والستر على ذلك ". وعن صاحب المدارك: الاتفاق عليه. أقول: الخنثى مع ابتلائه بكل من الرجل والمرأة يعلم إجمالا بحرمة النظر إلى أحد الصنفين فيجب عليه الاجتناب عنهما معا. وأما مع عدم الابتلاء إلا بأحدهما، فيشكل وجوب الاحتياط عليه للشبهة الموضوعية، كما أشار إلى ذلك في الجواهر. ومثله الانثى مع الخنثى فانه لما لم يحرز ذكورته، لم يجب التستر عنه، ولم يحرم النظر إليه. وكذا الكلام في الذكر مع الخنثى، وسيأتى في المسألة الخمسين ماله تعلق بالمقام.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 59 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 5. (* 2) الوسائل باب: 59 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3.

 

===============

 

( 25 )

 

[ (مسألة 31): لا يجوز النظر إلى الاجنبية (1)، ولا للمرأة النظر إلى الاجنبي (2) من غير ضرورة. ] (1) إجماعا، بل ضرورة من المذهب. كذا في الجواهر. ويشهد له قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، أو آبائهن، أو آباء بعولتهن، أو أبنائهن، أو أبناء بعولتهن، أو إخوانهن، أو بني إخوانهن، أو بنى أخواتهن، أو نسائهن، أو ما ملكت أيمانهم أو التابعين غير أولى الاربة من الرجال، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء. ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون، لعلكم تفلحون) (* 1). وإن كانت دلالته لا تخلو من تأمل. فان غض الابصار غير ترك النظر. مع أنه من المحتمل أن يكون المراد الفروج بقرينة السياق، لا العموم. مع أن إرادة العموم تقتضي الحمل على الحكم الاولي، وهو غض النظر عن كل شئ. وحمله على الغض عن المؤمنات لا قرينة عليه. اللهم الا أن يكون المستند في تعيين المراد الاجماع. (2) كما هو المعروف، لعموم الامر بغضهن من أبصارهن، بناء على ما عرفت من الاجماع، ويؤيده ما ورد من قول النبي صلى الله عليه وآله لعائشة وحفصة، حين دخل ابن ام مكتوم: " ادخلا البيت، فقالتا: إنه أعمى. فقال: إن لم يركما فانكما تريانه " (* 2). لكن في التذكرة: حكي عن بعض الجواز. مستدلا على ذلك بأنه لو استويا لامر الرجل بالاحتجاب

 

 

____________

(* 1) النور: 30، 31. (* 2) الوسائل باب: 129 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 26 )

 

[ واستثنى جماعة الوجه والكفين فقالوا بالجواز فيهما (1) ] كالنساء " وهو كما ترى. والذى يظهر من كلماتهم مساواة المرأة للرجل في المستثين منه والمستثنى فان الحكم في المستثنى بالنسبة إلى نظر الرجل كان مستندا إلى قوله تعالى: (الا ما ظهر منها)، وليس مثله ثابتا في نظر المرأة فلا مستند في المساواة كلبة إلا الاجماع، كما ادعاه بعضهم، ففي الرياض: " تتحد المرأة مع الرجل، فتمنع في محل المنع، ولا تمنع في غيره، إجماعا "، ونحوه كلام شيخنا الاعظم (ره) في الرسالة. لكن الاعتماد على الاجماع المخالف للسيرة القطعية الفارقة بين الرجل والمرأة في ستر الوجه والكفين، كما ترى. (1) نسب هذا القول إلى الشيخ وجماعة، واختاره في الحدائق والمستند وشيخنا الاعظم في رسالة النكاح، مستندين في ذلك إلى صحيح الفضيل قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الذراعين من المرأة، هما من الزينة التي قال الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن)؟ قال: نعم، وما دون الخمار من الزينة وما دون السوارين " (* 1) وظاهر أن ما يستره الخمار هو الرأس والرقبة، والوجه خارج عنه، وان الكف فوق السوار لا دونه، فيكونان خارجين عن الزينة. وفى موثق زرارة عن أبى عبد الله (ع) في قول الله عزوجل: (إلا ما ظهر منها) قال: " الزينة الظاهرة: الكحل والخاتم " (* 2)، وهما في الوجه والكف، ورواية أبى بصير عن أبى عبد الله (ع) قال: " سألته عن قول الله عزوجل: (ولا يبدين

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 109 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 109 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3.

 

===============

 

( 27 )

 

زينتهن الا ما ظهر منها) قال (ع): الخاتم والمسكة، وهي القلب) (* 1) والقلب - بالضم -: السوار، وخبر مسعدة بن زياد: " سمعت جعفرا (ع) وسئل عما تظهر المرأة من زينتها، قال (ع): الوجه والكفين " (* 2)، وخبر أبي الجارود المروي عن تفسير علي بن ابراهيم عن ابي جعفر (ع): " في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها)، فهي الثياب، والكحل، والخاتم، وخضاب الكف، والسوار. والزينة ثلاثة: زينة للناس وزينة للمحرم، وزينة للزوج. فاما زينة الناس فقد ذكرنا. وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها، والدملج فما دونه، والخلخال وما سفل منه. وأما زينة الزوج فالجسد كله " (* 3). إلى غير ذلك من النصوص التي يستفاد منها صراحة، أو ظهورا، أو إشعارا: الجواز. ومنها: ما ورد في المرأة تموت وليس معها الا الرجال، وفى الرجل يموت وليس معه الا النساء. ومنها: صحيحة أبى حمزة الثمالى عن أبى جعفر (ع) قال: " سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها، إما كسر، وإما جرح، في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له النظر إليها؟ قال (ع): إذا اضطرت فليعالجها إن شاءت " (* 4)، فان الرواية كالصريحة في أن من جسد المرأة ما يصلح النظر إليه، وما لا يصلح. بل يمكن الاستدلال بالاية الشريفة: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، فان استثناء ما ظهر من الزينة يدل على أن من الزينة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 109 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 109 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 5. (* 3) الوسائل باب: 84 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 130 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 28 )

 

ما هو ظاهر، ولا يكون إلا بظهور موضعها، فيدل على أن بعض جسد المرأة ما يجوز إظهارة ولا يحرم كشفه. لا أقل من استفادة ذلك من قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، فان تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل على عدم وجوب ستر الوجه، والا كان أولى بالذكر من الجيب، لان الخمار يستر الجيب غالبا ولا يستر الوجه. وقيل: لا يجوز. واختاره العلامة في التذكرة والارشاد، وتبعه عليه جماعة، منهم كاشف اللثام، وشيخنا في الجواهر، لعموم ما دل على غض البصر، وقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن)، وما في كنز العرفان من إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم، ولسيرة المتدينين من الستر، ولما في الروايات المتضمنة أن النظر سهم من سهام إبليس، وأن زنا العين النظر، وأنه رب نظرة أوجبت حسرة يوم القيامة (* 1) ومكاتبة الصفار إلى أبى محمد (ع): " في رجل اراد أن يشهد على أمراة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها وهو من وراء الستر يسمع كلامها، إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك، وهذا كلامها، أو لا يجوز له الشهادة حتي تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع (ع): تتنقب وتظهر للشهود " (* 2)، ولما ورد من أن المرأة الخثعمية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله بمنى في حجة الوداع تستفتيه، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها، وقال: " رجل شاب وأمرأة شابة. أخاف أن يدخل الشيطان بينهما " (* 3).

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 104 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1، 2، 5. (* 2) من لا يحضره الفقيه باب: 29 من ابواب القضاء حديث: 2. (* 3) مستدرك الوسائل باب: 80 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 7، كنز العمال: ج: 3 حديث: 797.

 

===============

 

( 29 )

 

[ مع عدم الريبة والتلذذ (1). ] والمناقشة في جميع ذلك ممكنة، عموم ما دل على لزوم غض البصر مقيد بما سبق، مع أن غض البصر أعم من ترك النظر. وقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن) قد استثني منه ما ظهر منها. وحمله على زينة الثياب - كما حكاه في كشف اللثام عن أبن مسعود - مع أنه خلاف الظاهر في نفسه، مخالف لقرينة السياق مع قوله تعالى: (وليضرين بخمرهن). وأما إطباق الفقهاء المحكي عن كنز العرفان: فلا مجال للاعتماد عليه مع وضوح الحلاف وشهرته، وأما السيرة: فاعم من الوجوب. وأما ما في الروايات من أن النظر سهم من سهام ابليس: فالظاهر أنه بملاحظة ما يترتب على النظر من الاثر المحرم، فان ذلك هو المناسب للتعبير بالسهم، فيكون مختصا بالنظر بشهوة. وأظهر منه في ذلك ما ورد من أن زنا العين النظر، وأنه رب نظرة أوجبت حسرة. على أن الاخير إيجاب جزئي، وهو لا يدل على عموم التحريم. وأما الامر بالتنقب في المكاتبة: فلا يظهر أنه للوجوب التعبدي، ومن الجائز أن يكون للمحافظة على خفارة المرأة ومنع ما يوجب الاستحياء. مع أنها تدل على جواز النظر إلى بعض الوجه. وأما رواية الخثعمية: فتدل على الجواز، كما في المسالك، لانه (ص) لم ينههما عن النظر، وإنما صرف وجه الفضل عن المرأة، معللا بخوف دخول الشيطان، الناشئ من التلذذ، الحاصل من وقوع النظر المؤدي إلى الافتتان. هذا مضافا إلى ما يظهر من الرواية من أن المرأة كانت مكشوفة الوجه، وأن النبي صلى الله عليه وآله كان ينظر إليها، فرآها تنظر إلى الفضل. وهناك وجوه اخرى للجواز، وللتحريم، لا يهم ذكرها لوضوح المناقشة فيها. (1) قد عرفت أن الريبة مفسرة في كلامهم بأحد أمور: خوف الوقوع في الحرام، وما يخطر في البال عند النظر من الميل إلى الوقوع

 

===============

 

( 30 )

 

في الحرام مع المنظور إليه من تقبيل ونحوه، وخوف الافتتان. ويظهر من كلماتهم حرمة النظر في جميع ذلك، وأن العمدة فيه الاجماع وارتكاز المتشرعة، وكذا النظر مع التلذذ. وهل يختص التحريم بقصد التلذذ - كما قد يظهر من عبارة الشرائع، والقواعد، وغيرها، حيث ذكر فيها أنه لا يجوز النظر لتلذذ أو ريبة - أو يعم ما إذا حصل التلذذ، في حال النظر وإن لم يكن واقعا بقصد التلذذ، فيجب عليه الكف مع التلذذ؟ وجهان. وفي رسالة شيخنا الاعظم: الظاهر الاول، لاطلاق الادلة، ولان النظر إلى حسان الوجوه من الذكور والاناث لا ينفك عن التلذذ غالبا بمقتضى الطبيعة البشرية المجبولة على ملائمة الحسان، فلو حرم النظر مع حصول التلذذ لوجب استثناء النظر إلى حسان الوجوه، مع أنه لا قائل بالفصل بينهم وبين غيرهم. وأيده (قده) بصحيح على بن سويد: " قلت لابي الحسن (ع): إنى مبتلى بالنظر إلى المراة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال (ع): لا بأس يا علي إذا عرف الله من نيتك الصدق، واياك والزنا، فانه يذهب بالبركة، ويذهب بالدين " (* 1)، فان مراد السائل أنه كثيرا ما يتفق له الابتلاء بالنظر إلى المرأه الجميلة، وأنه حين النظر إليها يتلذذ لمكان حسنها. وفيه: أن الظاهر من المرتكزات الشرعية حرمة النظر مع التلذذ، فيقيد به الاطلاق. وأما ما ذكره ثانيا، ففيه: أن التلذذ الذى هو محل الكلام التلذذ الشهوي، وما تقتضيه الطبيعة البشرية المجبولة على ملائمة الحسان هو التلذذ غير الشهوي، كالتلذذ الحاصل بالنظر إلى المناظر الحسنة، كالحدائق النظرة، والعمارات الجملية، والاشعة الكهربائية المنظمة على نهج معجب، ونحو ذلك، وكل ذلك ليس مما نحن فيه. وأما صحيح

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب النكاح المحرم حديث: 3.

 

===============

 

( 31 )

 

[ وقيل بالجواز فيهما مرة (1)، ولا يجوز تكرار النظر. والاحوط المنع مطلقا. ] علي بن سويد فالظاهر منه الاضطرار إلى النظر لعلاج ونحوه، بقرينة قوله (ع): " إذا عرف الله من نيتك الصدق " يعنى: الصدق في أن نظرك للغاية اللازمة، لا ما ذكره (قده) ولا ما ذكر في كشف اللثام والجواهر من النظر الاتفاقي، إذ النظر الاتفاقي لا نية فيه. (1) اختار هذا القول في الشرائع، والقواعد. للجمع بين أدلة القولين، كما يشهد به النبوي: " لا تتبع النظرة النظرة، فان الاولى لك، والثانية عليك، والثالثة فيها الهلاك " (* 1) وعن العيون روايته بدل: " فان. ": " فليس لك يا علي إلا أول نظرة " (* 2)، وخبر الكاهلى عن الصادق (ع): " النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة " (* 3). وفيه: أن من أدلة القولين ما يأبى هذا الجمع جدا. مع أنه بلا شاهد. والنبوي لا يصلح لذلك، لقصوره سندا، بل دلالة أيضا، لقرب كون المراد من أن النظرة الثانية عليه: أنها توجب الريبة واللذة، بقرينة جعل المراتب ثلاثة. وبالجملة: القول المذكور أضعف الاقوال دليلا. وأقواها القول الاول، لولا ما عليه مرتكزات المتشرعة من المنع، على وجه يعد ارتكاب النظر عندهم من المنكرات التي لا تقبل الشك والتردد، ولا يقبل فيها عذر ولا اعتذار. واحتمال أن يكون ذلك من جهة الغيرة، بعيد. ولذلك لا يستنكرون النظر إلى

 

 

____________

(* 1) لم نعثر على هذا النص، نعم يوجد هذا المضمون متفرقا في احاديث الباب: 104 من ابواب مقدمات النكاح من الوسائل. (* 2) الوسائل باب: 104 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 11. (* 3) الوسائل باب: 104 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 6.

 

===============

 

( 32 )

 

[ (مسألة 32): يجوز النظر إلى المحارم (1) التي يحرم عليه نكاحهن، نسبا، أو رضاعا (2)، ] القواعد من النساء استنكارا دينيا، وإن كانوا يستنكرونه من جهة الغيرة ولا يرونه حراما. نعم يختص هذا الاستنكار في النساء التي يكون النظر إليها مظنة التلذذ، وإن لم يكن بقصد التلذذ، ولا مقرونا معه. ولاجل ذلك لا مجال للاقدام على الفتوى بالجواز فيهن، وإن قام عليه دليل. اللهم إلا أن يكون الاستنكار من جهة ما يترتب عليه من التلذذ غالبا. والمسألة محتاجة إلى تأمل. (1) إجماعا، صريحا وظاهرا. في كلام جماعة. وفى الجواهر: عده من الضروريات. ويشهد له في الجملة قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..) (* 1). وما ورد في تغسيل المحارم مجردات ويلقى على عورتهن خرقة (* 2) لكن في القواعد في آخر حد المحارب: " ليس للمحرم التطلع على العورة، والجسد عاريا "، ونسب إلى ظاهر التحرير هناك، وعن التذكرة: حكايته عن الشافعية في وجه، وعن التنقيح: استثناء الثدي حال الرضاع. ولكنه كما ترى مخالف لاطلاق الكتاب، ومعاقد الاجماع. وان كان قد يشهد له خبر أبى الجارود المتقدم (* 3). لكنه لا يصلح لمعارضة ما ذكر. (2) إذا كان حكمه مستفادا مما دل على أنه بمنزلة النسب، فلا يشمل ما يستفاد حكمه مما دل على أنه لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن (* 4)

 

 

____________

(* 1) النور: 31. (* 2) الوسائل باب: 20 من ابواب غسل الميت. (* 3) راجع صفحة: 27. (* 4) الوسائل باب: 16 من ابواب ما يحرم بالرضاع حديث: 1، 2.

 

===============

 

( 33 )

 

[ أو مصاهرة (1)، ما عدا العورة، مع عدم تلذذ وريبة (2). وكذا نظرهن إليه (3). (مسألة 33): المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيد (4) إذا لم تكن مشتركة، أو وثنية، أو مزوجة (5) أو مكاتبة أو مرتدة. ] أو في أولاد المرضعة (* 1)، فان دليل التحريم في مثل ذلك لا يقتضي الخروج عن عموم حرمة النظر وعموم وجوب التستر. (1) بالمعنى الاتي بيانه، وهو المختص بعلاقة الزوجية، لا غير، فانه الذى تقتضيه الادلة الموجبة للخروج عن عموم حرمة النظر. فلا يشمل التحريم الحاصل من الزنا، أو اللواط، أو نحو ذلك. (2) إجماعا على ما عرفت. (3) لما عرفت من البناء على المساواة بين الرجل والمرأة. (4) الذى يظهر من جماعة التلازم في الامة بين جواز النكاح ذاتا والنظر، فإذا جاز نكاح الامة ذاتا جاز النظر إليها، وإلا فلا. وإذا حرم نكاحها عرضا لحيض ونحوه، لم يحرم النظر إليها. ولاجل ذلك استثنى في المتن - تبعا للتذكرة، وغيرها - المشركة وما بعدها، لعدم جواز نكاحهن. (5) في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يزوج مملوكته عبده، أتقوم عليه كما كانت تقوم فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك، وقال: قد منعنى أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك " (* 2)، ونحوه غيره. لكن في دلالته على الحرمة تأمل. ولذا مال أو قال بالجواز فيها جماعة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 16 من ابواب ما يحرم بالرضاع حديث: 1، 2. (* 2) الوسائل باب: 44 من ابواب نكاح العبيد حديث: 1.

 

===============

 

( 34 )

 

[ (مسألة 34): يجوز النظر إلى الزوجة المعتدة بوطء الشبهة (1)، وإن حرم وطؤها. وكذا الامة كذلك. وكذا إلى المطلقة الرجعية (2) ما دامت في العدة، ولو لم يكن بقصد الرجوع (3). (مسألة 35): يستثنى من عدم جواز النظر من الاجنبي والاجنبية مواضع. (منها): مقام المعالجة (4)، وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق، والكسر، والجرح، والفصد ] (1) لعموم ما دل على جواز الاستمتاع بالزوجة. وعليه كما يجوز النظر يجوز غيره من أنواع الاستمتاع، عدا الوطء، فانه لا ريب عندهم في حرمته، وكونه القدر المتيقن من اعتداد الزوجة للوطء شبهة. لكن في القواعد والمسالك: المنع من الاستمتاع بها إلى أن تنقضي العدة. وفي الجواهر: " لا دليل عليه يصلح لمعارضة ما دل على الاستمتاع بالزوجة ". (2) لما تضمن النص من أنها زوجة فتترتب عليها أحكامها، ومنها جواز النظر. (3) لكن ترتب الرجوع عليه غير ظاهر. لعدم كونه من إمارات الزوجية، اللهم إلا أن يكون بتلذذ وشهوة. (4) لا إشكال في ذلك ولا خلاف، وفى المسالك: الاجماع على جواز النظر مع الحاجة إليه. ويشهد له صحيح الثمالى المتقدم في أدلة جواز النظر إلى الوجه والكفين (* 1)، وعموم نفى الضرر (* 2). ومقتضى عبارات الاكثر جواز النظر لمطلق الحاجة. ولكنه غير ظاهر. إذ صحيح

 

 

____________

(* 1) راجع صفحة: 27. (* 2) راجع الوسائل باب: 16 من ابواب الخيار في كتاب البيع، وباب: 5 من كتاب الشفعة، وباب: 7، 12 من كتاب احياء الموات.

 

===============

 

( 35 )

 

[ والحجامة، ونحو ذلك إذا لم يمكن بالمماثل (1)، بل يجوز المس واللمس حينئذ (2). (ومنها): مقام الضرورة، كما إذا توقف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما عليه، أو على المس (3). (ومنها): معارضة كل ما هو أهم في نظر الشارع مراعاته من مراعاة حرمة النظر أو اللمس (4). (ومنها): مقام الشهادة تحملا أو أداء مع دعاء الضرورة (5) وليس منها ما عن العلامة من جواز النظر إلى الزانيين لتحمل الشهادة (6). فالاقوى عدم الجواز. وكذا ليس منها النظر ] الثمالى مختص بالضرورة. والعمومات لا تقتضي الجواز إلا معها. فالبناء على تسويغ النظر بمجرد الحاجة ضعيف. (1) كما في المسالك، وكشف اللثام، وغيرهما. لعدم الضرورة أو الحاجة حينئذ. فالمرجع عموم المنع. (2) لعموم مادل على الجواز للضرورة. مثل قاعدة: " لا ضرر ولا ضرار ". وأما قوله (ع): " ما من شئ إلا وقد أحله الله تعالى لمن اضطر إليه " (* 1). فيختص بالمضطر، ولا يشمل الطبيب. نعم يمكن دخول ذلك في عموم صحيح الثمالي المتقدم. فلاحظ. (3) فان مزاحمة تحريم النظر بما هو أهم منه من وجوب حفظ النفس المحترمة من الهلاك - يقتضي سقوطه، وتقديم الاهم، والعمل عليه. (4) لما عرفت. بل ما سبق من بعض موارده وصغرياته، فكان الاولى الاقتصار على هذا وترك ما قبله. (5) لما سبق. (6) ذكر ذلك في القواعد. وعلله في المسالك: بأنه وسيلة إلى إقامة

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 1 من ابواب الفيام حديث: 6، 7. مع اختلاف يسير عما في المتن.

 

===============

 

( 36 )

 

[ إلى الفرج للشهادة على الولادة، أو الثدي للشهادة على الرضاع وإن لم يمكن إثباتها بالنساء، وإن استجوده الشهيد الثاني (1) ] حدود الله تعالى، ولما في المنع من عموم الفساد، واجتراء النفوس على هذا المحرم، وانسداد باب ركن من أركان الشرع، ولم تسمع الشهادة بالزنا، لتوقف تحملها على الاقدام على النظر المحرم، وإدامته لاستعلام الحال، بحيث يشاهد الميل في المكحلة، وإيقاف الشهادة على التوبة يحتاج إلى زمان يعلم منه العزم على عدم المعاودة، فيعود المحذور السابق. ثم قال: " وهذا القول ليس بذلك البعيد ". لكن عن العلامة في قضاء القواعد والتذكرة: أنه استقرب المنع. وفى كشف اللثام: انه الاقرب. وفي الجواهر: أنه الاقوى. لعدم ثبوت جواز النظر فيه. وما ذكره في المسالك لا يقتضيه، إذ من الجائز أن لا يتعلق الغرض باثباته بنحو يقتضي تحليل النظر. ويشير إليه عدم الاجتزاء بشهادة العدلين، بل لا بد في إثباته من شهادة الاربعة، فان ذلك يناسب عدم الاهتمام به في مقام الاثبات. غير أن استقرار السيرة على عدم استنكار ذلك على الشاهد يقتضي الجواز. اللهم إلا أن يقال: إن السيرة مجملة، لا يمكن أن يستفاد منها الجواز، لاحتمال الحمل على الصحة، للغفلة أو نحوها. (1) في المسالك: " وأما نظر الفرج للشهادة على الولادة، والثدي للشهادة على الرضاع، فان أمكن إثباتها بالنساء لم يجز للرجال. وإلا فوجهان أجودهما: الجواز، لدعاء الضرروة إليه، وكونه من مهام الدين وأتم الحاجات، خصوصا أمر الثدي، ويكفي في دعاء الضرورة إلى الرجال المشقة في تحصيل أهل العدالة من النساء على وجه يثبت به الفعل ". وفيه: المنع من حصول الضرورة إلى ذلك كلية. وكونه من مهام الدين وأتم الحاجات لا يقتضيه إلا مع وجود جهة تقتضي وجوب

 

===============

 

( 37 )

 

[ (ومنها): القواعد من النساء (1) اللاتي لا يرجون نكاحا بالنسبة إلى ما هو المعتاد له (2) من كشف بعض الشعر والذراع ] إثباته، إذ من البديهى جواز الرجوع إلى أصل الطهارة مع الشك في النجاسة، والى أصل الحل مع الشك في الحرمة، والى قاعدة الفراغ مع الشك في تمام الاداء، والى أصالة الصحة مع الشك في أكثر الموارد التي هي من مهام الدين، كما لا يخفى. (1) قال الله تعالى: (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وأن يستعففن خير لهن، والله سميع عليم) (* 1). (2) ففي مصحح الحلبي عن أبى عبد الله (ع). " أنه قرأ: (أن يضعن ثيابهن) قال: الخمار والجلباب. قلت: بين يدي من كان؟ قال (ع): بين يدى من كان، غير متبرجة بزينة " (* 2)، ونحوه مصحح حريز بن عبد الله عن أبى عبد الله (ع) (* 3). لكن في صحيح محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (ع): " ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال: الجلباب " (* 4)، وفي خبر محمد بن أبى حمزة عنه (ع): " الجلباب وحده " (* 5)، وفي خبر الكنانى عنه (ع): " الجلباب إلا أن تكون أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها " (* 6). والجمع بينها

 

 

____________

(* 1) النور: 60. (* 2) الوسائل باب: 110 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 110 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 110 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 5) الوسائل باب: 110 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 6) الوسائل باب: 110 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 6.

 

===============

 

( 38 )

 

[ ونحو ذلك، لا مثل الثدي والبطن (1) ونحوهما مما يعتاد سترهن له. (ومنها): غير المميز من الصبي والصبية (2)، فانه ] يقتضي حمل الاخير على الاستحباب. ومقتضى ذلك جواز كشف ما يستر الخمار من الشعر والرقبة وبعض الصدر، كشف ما يستره الجلباب وهو الذراع. ومنه يشكل ما في المتن من تخصيص الكشف ببعض الشعر. ولا سيما بملاحظة صحيح البزنطي المروي في قرب الاسناد عن الرضا (ع) قال: " سألته عن الرجل يحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال (ع): لا، إلا أن تكون من القواعد. قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال (ع): نعم، قلت: فمالي من النظر إليه منها؟ فقال (ع): شعرها وذراعها " (* 1). ومنه يفهم عموم الحكم لعموم الذراع وإن لم يكن الجلباب ساترا له بتمامه. كما أن الاقتصار على الشعر والذراع لا بد أن يكون لمزيد الاهتمام بهما، والا فوضع الجلباب والخمار يقتضي جواز كشف غير ذلك، ويتعين العمل به. (1) لخروجه عن مفاد النصوص المذكورة، فيرجع فيه إلى عموم حرمة النظر وعموم الحجاب. وإن كان ظاهر عبارة التذكرة ارتفاع حكم العورة عن جميع أجسادهن. وحكاه في الجواهر عن ظاهر عبارة الشهيد وغيرها. وكأنه اعتمادا على ظاهر الآية. لكنه ضعيف، لما ذكر. (2) هذا في الجملة من القطعيات. ويقتضيه قوله تعالى: (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) (* 2). فان المتيقن منه غير المميز. كما تقتضيه أيضا السيرة، وما ورد في موارد متفرقة، مثل ما ورد في تغسيل الرجل الصغيرة، والمرأة الطفل الصغير (* 3)، وغير

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 107 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) النور: 31. (* 3) الوسائل باب: 23 من ابواب غسل الميت.

 

===============

 

( 39 )

 

[ يجوز النظر اليهما، بل اللمس. ولا يجب التستر منهما. بل الظاهر جواز النظر اليهما قبل البلوغ (1)، ] ذلك. وكذلك الحكم في اللمس، وعدم وجوب التستر منهما. (1) كما صرح به جماعة. لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم (ع) عن الجارية التى لم تدرك متى ينبغى لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبيه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال (ع): لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاه " (* 1): وهو وإن كان واردا في الصبية، لكن يتعدى منها إلى الصبي الاولوية فيجوز نظر المرأة إليه قبل البلوغ. كما يتعدى إلى غير الشعر بعدم القول بالفصل. والرواية وإن كانت ظاهرة في جواز تكشف الصبية للبالغ، لكنها تدل بالملازمة العرفية على جواز نظره إليها. وأما نظرهما إلى غير المماثل البالغ، فيدل عليه صحيح أحمد بن محمد بن أبى نصر البزنطي عن الرضا (ع): " قال: يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم " (* 2)، ونحوه صحيحه الاخر المروي عن قرب الاسناد (* 3). ودلالتهما على جواز التكشف له ظاهرة. ولا يحتاج في إثبات جواز نظره إلى دعوى الملازمة العرفية، إذ لا إشكال في حلية نظره، لحديث رفع القلم عن الصبي (* 4)، بل مقتضاه جواز النظر إلى عورة غير المماثل، وإن وجب على المنظور التستر عنه. وقد يظهر من المستند أنه يحرم عليه النظر إلى العورة، تخصيصا منه

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 126 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 126 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 126 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 4 من ابواب مقدمات العبادات حديث: 11.

 

===============

 

( 40 )

 

لحديث رفع القلم عن الصبي بالاية الشريفة وهي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات، من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض، كذلك يبين الله لكم الايات، والله عليم حكيم. وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم، كذلك يبين الله لكم آياته، والله عليم حكيم) (* 1). وفيه أن الاية الشريفة ليست واردة في تحريم نظر الصبى إلى العورة، وانما واردة في تحريم التطلع على بعض الافعال والاحوال التى يستقبح التطلع عليها ويستحى منه، التى يغلب وقوعها في الاوقات الثلاثة. والخطاب فيه للبالغين، لا لغير البالغين، يعني: يلزم البالغين أن يكلفوهم بالاستئذان على وجه يتحقق ذلك منهم، فالآية الاولى ليست واردة في النظر إلى العورة الحرام، ولا في تحريم ذلك على غير البالغ. نعم الآية الثانية ظاهرة في تحريم التطلع على البالغين والخطاب فيها لهم. يظهر هذا الاختلاف في المخاطب من اختلاف سياق الآيتين الشريفتين. وكما تختلف الايتان في المخاطب تختلفان في زمان الخطاب، فان مورد الاية الاولى يختص بالاوقات الثلاثة ومورد الاية الثانية عام لجميع الازمنة. ولعل هذا الاختلاف موجب للاختلاف في موضوع التطلع بأن تختص الاولى بما يقبح والثانية شاملة له ولغيره. وكيف كان لا مجال للاستدلال بالآية على تحريم النظر إلى العورة على غير البالغ بنحو يخصص بها حديث رفع القلم. وإن بناء الفقهاء بل المسلمين على عدم تلكيف الصبي مطلقا حتى وقع الكلام في وجه عقابه على ترك الاسلام.

 

 

____________

(1) النور: 58، 59.

 

===============

 

( 41 )

 

[ إذا لم يبلغ مبلغا يترتب على النظر منهما أو اليهما ثوران الشهوة (1). (مسألة 36): لا بأس بتقبيل الرجل الصبية (2). ] أما مع بلوغ الصبي ذلك ففي الجواهر: " ظاهر غير واحد من الاصحاب المفروغية عن وجوب التستر عنه، ومنع الولي إياه، بل في جامع المقاصد: نفي الخلاف فيه بين أهل الاسلام. كما أن فيه الاجماع على عدم جواز نظر البالغ إلى الاجنبية التي بلغت مبلغا صارت به مظنة الشهوة، من غير حاجة إلى نظرها. فان تم ذلك، كان هو الحجة، وإلا كان محل البحث ". وهو كما ذكر. لكن الظاهر أن الاجماع المدعى عليه لا طريق إليه إلا ارتكازيات المتشرعة، التي لا ريب فيها ولا إشكال. (2) هذا في الجملة لا إشكال فيه. وتقتضيه السيرة العملية القطعية. مضافا إلى أصل البراءة والنصوص، كصحيح عبد الله بن يحيى الكاهلى - الذي رواه الصدوق في الفقيه - قال: " سأل أحمد بن النعمان أبا عبد الله (ع) عن جارية ليس بيني وبينها رحم تغشاني فأحملها وأقبلها. قال (ع): إذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها على حجرك " (* 1)، وخبر زرارة عن أبى عبد الله (ع): " إذا بلغت الجارية الحرة ست سنين فلا يبنغى لك أن تقبلها " (* 2)، ومرفوع زكريا المؤمن: " قال أبو عبد الله (ع): إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام. والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين " (* 3). ونحوها غيرها. ولم يتعرض المصنف لحكم التقبيل بعد ست سنين، والمستفاد من النصوص المذكورة هو الكراهة دون الحرمة، كما يشير إلى ذلك الصحيح الاول الذى اقتصر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 127 من ابواب مقدمات النكاح ملحق حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 127 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 3) الوسائا باب: 127 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4.

 

===============

 

( 42 )

 

[ التي ليست له بمحرم، ووضعها في حجره، قبل أن يأتي عليها ست سنين، إذا لم يكن عن شهوة (1). (مسألة 37): لا يجوز للمملوك النظر إلى مالكته (2) ] فيه على النهي عن الوضع في الحجر مع أن السؤال كان فيه عنه وعن التقبيل. وبعض النصوص وإن كان ظاهرا في الحرمة، لكنه قاصر السند. فلاحظ. (1) أما إذا كان عن شهوة فلما عرفت من الاجماع الارتكازي على الحرمة. (2) على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. وإن كان ظاهر المسالك: الميل إلى الجواز، بل نسبة التردد في ذلك إلى الشيخ في المبسوط حيث قال: " مع أن الشيخ ذكر في المسبوط ما يدل على ميله إلى جواز نظر المملوك مطلقا، وإن كان قد رجع عنه أخيرا وهذه عبارته: " إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما لها حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل: فيه وجهان، أحدهما - وهو الظاهر -: أنه يكون محرما، لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.. إلى قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهن). والثاني: وهو الاشبه بالمذهب -: انه لا يكون محرما، وهو الذي يقوى في نفسي ". وهذا الكلام يدل على تردده، وإن كان ميله أخيرأ إلى التحريم. والمقصود أن الحكم بتحريم نظر المملوك الفحل ليس باجماعي. فيمكن الاستدلال عليه بعموم الاية. وقد روى الشيخ في المبسوط وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله أتى فاطمة (ع) بعبد قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ما تلقى قال: (إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك) (* 1).

 

 

____________

(* 1) الصفحة: 4 من كتاب النكاح الطبعة الاولى. لكن فيه " وخادمك " بدل قوله: " وغلامك ".

 

===============

 

( 43 )

 

وروى الكليني أخبار كثيرة بطرق صحيحة عن الصادق (ع): أن المراد بقوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانهن) شامل للمملوك مطقا، وروى في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: (قلت لابي عبد الله (ع): المملوك يرى شعر مولاته وساقها. قال (ع): لا بأس) " (* 1). انتهى ما في المسالك. ويشهد للقول بالجواز الصحيح عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب جميعا عن أبى عبد الله (ع): " لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شئ من جسدها إلا ألى شعرها، غير متعمد لذلك " (* 2). قال في الكافي: " وفي رواية أخرى: لا بأس بان ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا " (* 3)، وصحيح معاوية بن عمار (* 4) المتقدم في كلام المسالك، وخبر معاوية بن عمار قال: " كنا عند أبى عبد الله (ع) نحوا من ثلاثين رجلا إذ دخل أبى فرحب به. إلى ان قال: هذا ابنك؟ قال: نعم، وهو يزعم أن اهل المدينة يصنعون شيئا ما لا يحل لهم. قال (ع): وما هو؟ قال: المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الاسود وذراعها على عنقه. فقال أبو عبد الله (ع): يا بنى أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قال: إقرا هذه الاية: (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن. حتى بلغ: ولا ما ملكت أيمانهن)، ثم قال: يا بنى لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق " (* 5)، ومصحح اسحاق بن عمار: " قلت لابي

 

 

____________

(* 1) الكافي الجزء: 5 الصفحة: 531 الطبعة الحديثة. وقد رواها في الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح. (* 2) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 4) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 5) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 5.

 

===============

 

( 44 )

 

[ ولا للخصي النظر إلى مالكته، أو غيرها (1)، ] عبد الله (ع): أينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال (ع): نعم، والى ساقها " (* 1)، وخبر القاسم الصيقل قال: كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم، وقالت له: إن شيعتك اختلفوا علي فقال بعضهم: لا بأس. وقال بعضهم: لا يحل. فكتب (ع) سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فان ذلك مكروه " (* 2). ولا يخفى أن مقتضى العمل بالنصوص الاخذ بما دل على الجواز. لكن لا مجال له بعد إعراض الاصحاب عنها. فيتعين حملها على التقية، أو الضرورة، أو النظر الاتفاقي. وان كان الاخيران في غاية البعد ولا سيما بملاحظة ما فيها من التفصيل بين الشعر والساق وغيرهما. ويشير إلى الاول ما في خبر معاوية الحاكي دخول أبيه على ابى عبد الله (ع). وأما الاية: فلا مجال للاخذ باطلاقها بعد ورود مرسلة الشيخ في الخلاف: " روى أصحابنا في قوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانهن) أن المراد به الاماء، دون العبيد الذكران " (* 3) ونحوها في المبسوط (* 4). وفي الشرائع: " وملك اليمين المستثنى في الاية المراد به الاماء ". ومعارضها قد عرفت إشكاله. (1) على المشهور شهرة عظيمة. وفي الشرائع: " قيل: نعم، وقيل: لا ". لكن في الجواهر: " لم نعرف القائل بالاول سابقا على (* 1) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 7. (* 3) الوسائل باب: 124 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 9. (* 4) آخر مقدمة كتاب النكاح الصفحة: 4.

 

===============

 

( 45 )

 

زمن المصنف (ره). نعم عن الفاضل في المختلف جوازه في المملوك بالنسبة إلى مالكته ". قال في المختلف: " والحق عندي أن الفحل لا يجوز له النظر إلى مالكته. أما الخصي ففيه احتمال، أقربه الجواز على كراهية، للاية. والتخصيص بالاماء لا وجه له، لاشتراك الاماء والحرائر في الجواز ". وعن المحقق الثاني: متابعته، وفي التحرير استشكل فيه. ويشهد له بعض النصوص، ففى صحيح محمد بن اسماعيل بن بزيع قال: " سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن قناع الحرائر من الخصيان. فقال: كانوا يدخلون على بنات أبى الحسن (ع) ولا يتقنعن. قلت: فكانوا احرارا؟ قال (ع): لا. قلت: فالاحرار يتقنع منهم؟ قال (ع): لا " (* 1)، وروى الشيخ (ره) مرسلا قال: " وروي في خبر آخر: أنه سئل عن ذلك فقال (ع): أمسك عن هذا، ولم يجبه " (* 2)، ولعله أراد بذلك ما رواه في قرب الاسناد عن صالح بن عبد الله الخثعمي عن أبى الحسن (ع) قال: " كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها وتنكشف بين يديه؟ قال: فلم يجبنى " (* 3). ولعل في هذا الخبر دلالة على كون الصحيح ورادا للتقية. لكن العمدة في وهنه إعراض الاصحاب عنه، مع صحة سنده وصراحة دلالته. فليحمل على التقية أو يطرح. وقد يستدل على الجواز بقوله تعالى: (أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال) (* 4) وفيه: أن المذكور في صحيح زرارة قال: " سألت

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 125 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 125 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 125 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 8. (* 4) النور: 31.

 

===============

 

( 46 )

 

[ كما لا يجوز للعنين والمجبوب بلا إشكال (1). بل ولا لكبير ] أبا جعفر (ع) عن قوله عزوجل: (أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال..) إلى آخر الآية قال (ع): الاحمق الذي لا يأتي النساء " (* 1) ونحوه غيره. وهو لا ينطبق على الخصي. ومن ذلك تعرف ضعف القول بجواز نظره مطلقا، حرا كان الخصى أو مملوكا، إلى مالكته وغيرها، كما نسب إلى ابن الجنيد، وطائفة من المتأخرين، منهم السبزواري في الكفاية، وإن كان في النسبة إلى الاول تأمل. مع أنه ورد المنع في بعض النصوص من نظره إلى غير مالكته، ففي خبر عبد الملك بن عتبة النخعي قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن أم الولد، هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال (ع): لا يحل ذلك " (* 2)، وخبر محمد بن اسحاق قال: " سألت ابا الحسن موسى (ع) قلت: يكون الرجل خصي يدخل على نسائه، فيناولهن الوضوء فيرى شعورهن. قال (ع): لا " (* 3). وإن كان مقتضى الجمع العرفي بينهما وبين الصحيح المتقدم الحمل على الكراهة. فالعمدة عمومات المنع من النظر ووهن الصحيح المتقدم باعراض المشهور. (1) لخروجهما عن الخصي الذي هو محل الخلاف والاشكال، فيرجع فيهما إلى عمومات المنع. وعن الشافعي: تفسير: (غير أولي الاربة) بالخصي، والمجبوب. ولم يعرف ذلك لغيره. وكأنه حمل الاية على معنى من لم يكن له حاجة في النساء. لكن على هذا لا يختص بما ذكر. وكيف كان لا مجال للاخذ بالآية الشريفة في غير ما فسرت به في النصوص المتقدمة.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 111 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 125 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 125 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2.

 

===============

 

( 47 )

 

[ السن الذي هو شبه القواعد والنساء، على الاحوط (1). (مسألة 38): الاعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه (2) ] (1) فان المقداد في كنز العرفان في تفسير: (غير أولي الاربة) قال: " قيل: المراد بهم الشيوخ الذين سقطت شهوتهم وليس لهم حاجة إلى النساء وهو مروى عن الكاظم (ع). والاربة: الحاجة " وفيه: أنه مرسل ضعيف في نفسه. فضلا عن صلاحية معارضته لما عرفت. ولذا قال في محكي جامع المقاصد: " ولو كان شيخا كبيرا جدا هرما ففي جواز نظره احتمال. ومثله العنين والمخنث، وهو المشبه بالنساء. واختار في التذكرة انهم كالفحل، لعموم الاية. وهو قوي ". لكن في الجواهر: " أن المراد بغير أولي الاربة من لا يشتهي النكاح، لكبر سن ونحوه، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو نكاحا ولا تطمع فيه ". وضعفه ظاهر مما سبق. (2) نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما. ويظهر من كلمات بعض: أنه من المسلمات، لعمومات المنع من النظر، وفي مرفوع أحمد أبن أبي عبد الله قال: " استأذن ابن مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وعنده عائشة وحفصة، فقال لهما: قوما فادخلا البيت فقالتا: إنه أعمى. فقال صلى الله عليه وآله: إن لم يركما فانكما تريانه " (* 1) والمرسل عن ام سلمة قالت: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم - وذلك بعد أن أمر بالحجاب - فقال: احتجبا، فقلنا: يا رسول الله: أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟! " (* 2).

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 129 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 129 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 4.

 

===============

 

( 48 )

 

[ (مسألة 39): لا بأس بسماع صوت الاجنبية (1)، ما لم يكن تلذذ ولا ريبة (2)، من غير فرق بين الاعمى والبصير (3) ] (1) وفى الشرائع والقواعد والارشاد والتحرير والتلخيص: القول بالحرمة، بل نسب إلى المشهور. لما ورد من أن صوتها عورة. ولموثق مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله (ع): " قال: قال أمير المؤمنين (ع): لا تبدأوا النساء بالسلام، ولا تدعوهن إلى الطعام، فان النبي صلى الله عليه وآله قال: النساء عي، وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت، واستروا عورتهن بالبيوت " (* 1)، وفي خبر غياث بن إبراهيم عن أبى عبد الله (ع) أنه قال: " لا تسلم على المرأة " (* 2). لكن الاول لا مأخذ له يعتد به، فقد قال في كشف اللثام: " لا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسندا، وإنما رواه المصنف في المدنيات الاولى مرسلا، ونفقات المبسوط تعطي العدم " والاخران قاصرا الدلالة، كما يظهر من التأمل فيهما. ولو سلمت فالسيرة القطعية على خلافهما، كما صرح بذلك جمع من الاعاظم. ولذا اختار الجواز العلامة في التذكرة، والكركي، وغيرهما - على ما حكي - واختارة في الجواهر، وشيخنا الاعظم (ره)، وغيرهما من أكابر علماء الاعصار الاخيرة، بل كاد يكون من الواضحات التي لا يحسن الكلام فيها والاستدلال عليها. (2) قطعا كما في الجواهر، باضافة خوف الفتنة، وهو كذلك، لما سبق. (3) كما نص على ذلك في الجواهر، بل قال: " لا فرق بينهما نصا، وفتوى ". وهو كذلك. وكأن الاقتصار في الشرائع والقواعد على ذكر

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 131 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 131 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2.

 

===============

 

( 49 )

 

[ وإن كان الاحوط الترك في غير مقام الضرورة. ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه. قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) (1). (مسألة 40): لا يجوز مصافحة الاجنبية (2). ] الاعمى لان ابتلاء النساء إنما يكون به. وأما سماع المرأه صوت الاجنبي فلم يعرف في جوازه كلام أو إشكال. نعم قال في المستند: " ومن الغريب فتوى اللمعة بحرمته مع أنها تقرب مما يخالف الضرورة، فان تكلم النبي صلى الله عليه وآله والائمة وأصحابهم مع النساء مما بلغ حدا لا يكاد يشك في " (* 1) (1) صدر الآية الشريفة: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قبله مرض وقلن قولا معروفا) (* 2)، وظاهر صدرها أنه حكم يختص بنساء النبي صلى الله عليه وآله، فالبناء على التحريم في غيرهن غير ظاهر. ولذا قال في الجواهر: " ينبغي للمتدينة منهن اجتناب اسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع، وتحسينه، وترقيقه، كما أومى إليه الله تعالى شأنه بقوله: (فلا تخضعن بالقول..) كما أنه ينبغي للمتدين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة.. ". نعم ارتكاز المتشرعة يقتضي الحرمة. (2) للنهي عن ذلك في مصحح أبى بصير عن أبى عبد الله (ع) قال: " قلت له: هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال: لا. إلا من وراء الثوب " (* 3)، وموثق سماعة: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مصافحة الرجل المرأة. قال (ع): لا يحل للرجل

 

 

____________

(* 1) المظنون وقوع الغلط في نسخة اللمعة: منه قدس سره. (* 2) الاحزاب: 32. (* 3) الوسائل باب: 115 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 50 )

 

[ نعم لا بأس بها من وراء الثوب. كما لا بأس بلمس المحارم (1). (مسألة 41): يكره للرجل ابتداء النساء بالسلام، ] أن يصافح المرأة. إلا إمرأة يحرم عليه أن يتزوجها: أخت أو بنت، أو عمة أو خالة. أو بنت أخت، أو نحوها. وأما المرأة التي يحل له أن ينزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب، ولا يغمز كفها " (* 1). وقد يستفاد منهما حرمة لمس الاجنبية ولو بغير المصافحة، كما نص عليه جماعة. وفي الجواهر: " لا أجد فيه خلافا، بل كأنه ضروري على وجه يكون محرما لنفسه ". وفي كلام شيخنا الاعظم (ره): " إذا حرم النظر حرم اللمس قطعا. بل لا إشكال في حرمة اللمس وإن جاز النظر، للاخبار الكثيرة. والظاهر أنه مما لا خلاف فيه ". وكأنه يريد بالاخبار: أخبار المصافحة المتقدمة، وما ورد في كيفية بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وآله (* 2). ومورد الجميع المماسة في الكفين، فالتعدي عنه لا دليل عليه إلا ظهور الاجماع. (1) من غير خلاف يعتد به، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه ولو بملاحظة السيرة القطعية. لكن في مرسل محمد بن سالم عن بعض أصحابنا عن الحكم بن مسكين قال: " حدثني سعيدة ومنة أختا محمد بن أبي عمير قالتا: دخلنا على أبي عبد الله (ع) فقلنا: تعود المرأة أخاها؟ قال: نعم. قلنا: تصافحه؟ قال (ع): من وراء الثوب.. " (* 3) ولا بد أن يكون محمولا على الاستحباب.

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 115 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 115 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3، 4، 5 وباب: 117 حديث: 4. (* 3) الوسائل باب: 116 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 51 )

 

[ ودعائهن إلى الطعام (1). وتتأكد الكراهة في الشابة. (مسألة 42): يكره الجلوس في مجلس المرأة إذا قامت عنه إلا بعد برده (2). (مسألة 43): لا يدخل الولد على أبيه إذا كانت عنده زوجته إلا بعد الاستئذان. ولا بأس بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه (3). ] (1) لموثق مسعدة بن صدقة المتقدم (* 1) المحمول على الكراهة بقرينة مصحح ربعي عن أبي عبد الله (ع): " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم على النساء ويرددن عليه. وكان أمير المؤمنين (ع) يسلم على النساء. وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما طلبت من الاجر " (* 2). لكن لظهور المصحح في الاستمرار الظاهر في الاستحباب يشكل القول بالكراهة، لتعارض النصوص في ذلك. وحمل المصحح على انه من خواصه صلى الله عليه وآله، خلاف الظاهر. والمصحح أرجح سندا، فأولى بالعمل به. الا أن يحمل الموثق على الشابة. (2) في خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع): " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد " (* 3). (3) في صحيح أبى أيوب الخزاز عن أبى عبد الله (ع): " قال: يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه، ولا يستأذن الاب على الابن " (* 4).

 

 

____________

(* 1) راجع المسألة: 39 من هذا الفصل. (* 2) الوسائل باب: 131 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 145 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 4) الوسائل باب: 119 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 52 )

 

[ (مسألة 44): يفرق بين الاطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين. وفي رواية: إذا بلغوا ست سنين (1). (مسألة 45): لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الاجنبي (2) ] وفي خبر محمد بن علي الحلبي قال: " قلت لابي عبد الله (ع): الرجل يستأذن على أبيه؟ فقال: نعم. قد كنت أستاذن على أبى وليست أمي عنده إنما هي امرأة ابي، توفيت أمي وأنا غلام، وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه ولا يحبان ذلك مني، والسلام أحسن وأصوب " (* 1) وظاهره الاستحباب. لكنه ضعيف بأبي جميلة، فلا يكون قرينة على صرف غيره عن ظهوره في الوجوب. ثم إن ظاهر الصحيح الاستئذان بالدخول على الاب وإن لم تكن معه زوجة، فالتخصيص بذلك غير ظاهر (1) في مصحح عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصبي والصبي والصبي، والصبية، والصبية والصبية، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين " (* 2). قال في الفقيه: " وروى أنه يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين " (* 3). وظاهر الجملة الوجوب. لكن الظاهر بناء الاصحاب على خلافه. (2) كما نص على ذلك غير واحد. وفى القواعد: " والعضو المبان كالمتصل على إشكال ". ووجهه قصور الادلة عن شمول حال الانفصال وان مقتضى الاستصحاب المنع. وقد يشكل الاستصحاب بتعدد الموضوع، لان موضوع المنع المرأة مثلا، وهو غير صادق في الجزء المنفصل، فالمرجع أصل البراءة كما في كلام شيخنا الاعظم (ره). وفيه: أنه يتم إذا كان المرجع في

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 119 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 128 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 128 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2.

 

===============

 

( 53 )

 

[ مثل اليد، والانف، واللسان، ونحوها، لا مثل السن، والظفر والشعر، ونحوها (1). (مسألة 46): يجوز وصل شعر الغير بشعرها (2). ] بقاء الموضوع وارتفاعه الدليل، لان موضوع الحكم في الدليل هو المرأة مثلا. أما إذا كان المرجع في بقاء الموضوع العرف فالموضوع باق، فان الاتصال والانفصال من الحالات الطارئة على الاجزاء عرفا، لا مقومة للموضوع. ولذا جاز استصحاب النجاسة للجزء المقطوع من الكلب، والملكية للجزء المقطوع من المملوك. بل لا ينبغى التأمل في حرمة النظر للاجزاء المجتمعة بعد تقطيعها. وقد يستدل على الجواز بما ورد من جواز وصل الشعر. وفيه: أنه ناظر إلى حكم الوصل، لا إلى حكم النظر، وليس هو من لوازمه كي يكون الاذن فيه إذنا فيه. اللهم إلا أن يكون منصرف نصوص الوصل التزين للزوج، فيكون حكم النظر مسؤولا عنه ولو ضمنا. (1) في كلام شيخنا الاعظم (ره): " لا ينبغي الاشكال في جواز النظر إلى مثل الظفر والسن، بل وكذا الشعر "، وقريب منه ما في الجواهر. وكأنه لان مثل هذه الامور من قبيل النابت في الجسم لا جزء منه وتحريمها في حال الاتصال بالتبيعة، ويحتمل أن يكون لاجل أنها يسيرة لا يعتد بها في بقاء الموضوع. ومثلها قشور الجلد. بل الاجزاء اليسيرة منه ومن العظم مما يشك في بقاء الموضوع فيه. (2) للاصل. ولخبر ثابت بن سعيد قال: " سئل أبو عبد الله (ع) عن النساء تجعل في رؤوسهن القرامل، قال (ع): يصلح الصوف وما كان من شعر امرأة لنفسها، وكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر

 

===============

 

( 54 )

 

[ ويجوز لزوجها النظر إليه (1) على كراهة، بل الاحوط الترك. (مسألة 47): لا تلازم بين جواز النظر وجواز المس (2)، فلو قلنا بجواز النظر إلى الوجه والكفن من الاجنبية لا يجوز مسها إلا من وراء الثوب. (مسألة 48): إذا توقف العلاج على النظر دون اللمس، أو اللمس دون النظر يجب الاقتصار على ما اضطر إليه (3)، فلا يجوز الآخر بجوازه. (مسألة 49): يكره اختلاط النساء بالرجال، إلا للعجائز،، ولهن حضور الجمعة والجماعات (4). ] غيرها، فان وصلت شعرها بصوف أو شعر نفسها فلا يضرها " (* 1). ونحوه خبر سليمان بن خالد (* 2). (1) لما عرفت. والعمدة الاصل بعد قصور أدلة الحرمة عن شموله. ولا مجال للاستصحاب لتبدل الموضوع، فان حرمة النظر إلى الشعر في حال الاتصال من باب النظر إلى المرأة بتوابعها، لا على نحو الاستقلال. (2) نص على ذلك في الجواهر، وكذلك شيخنا الاعظم. وهو كذلك. لكن عرفت الاشكال في عموم الدليل. فالعمدة فيه الاجماع. (3) لما عرفت من عدم التلازم في الجواز، وحينئذ تقدر الضرورة بقدرها (4) في خبر غياث بن ابراهيم عن أبى عبد الله (ع): " قال: قال أمير المؤمنين (ع): يا أهل العراق نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون؟! " (* 3)، ومرسل الكليني (ره): " ان

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 101 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 101 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 132 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1.

 

===============

 

( 55 )

 

[ (مسألة 50): إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع (1). وكذا بالنسبة إلى من يجب التستر عنه ومن لا يجب، وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية: فان شك في كونه مماثلا أولا، أو شك في كونه من المحارم النسبية أو لا فالظاهر وجوب الاجتناب، لان الظاهر من آية وجوب الغض: أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلا أو من المحارم، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم، لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية، بل لاستفادة شرطية الجواز (2) ] أمير المؤمنين (ع) قال: أما تستحيون ولا تغارون على نساءكم يخرجن إلى الاسواق ويزاحمن العلوج؟! " (* 1)، وخبر محمد بن شريح قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين فقال (ع): لا، إلا العجوز عليها منقلاها. يعني: الخفين " (* 2)، وموثق يونس بن يعقوب قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين والجمعة، فقال (ع): لا إلا امرأة مسنة " (* 3). والمستفاد منها كراهة مزاحمة النساء للرجال في الطرق والاسواق ونحوها مطلقا حتى للعجائز، وكراهة خروج النساء للعيدين والجمعة إلا للعجائز. وهو مخالف لما في المتن. (1) للعلم الاجمالي الموجب للاحتياط عقلا. وكذا فيما بعده. (2) هذا يتم لو كان دليل حرمة النظر عاما وقد خرج عنه المماثل بدليل خاص. لكنه غير ظاهر، فان قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 132 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 136 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 136 من ابواب مقدمات النكاح حديث: 2.

 

===============

 

( 56 )

 

[ بالمماثلة، أو المحرمية، أو نحو ذلك. فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع، حتى يكون من موارد أصل البراءة، بل من قبيل المقتضي والمانع (1). وإذا شك في كونه زوجة أو لا ] من أبصارهم..) (* 1)، غير مراد منه العموم للمماثل، بل المفهوم غير المماثل، فموضوع الحرمة خاص، فتكون حرمة النظر مشروطة بأمر وجودي، وهو المخالف. وبالجملة: إذا لوحظ الامر بالغض بنفسه فمقتضاه العموم حتى لغير الانسان، وإذا لوحظ مناسبة الحكم والموضوع وقرينة السياق اختص بغير المماثل. اللهم إلا أن يقال: قوله تعالى: (أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن) يدل على العموم للمماثل والا كان الاستثناء منقطعا. اللهم إلا أن يقال إن الاستثناء كان في إبداء الزينة لا في الغض. فتأمل. (1) يعني: أن النظر فيه مقتضى الحرمة، والمماثلة من قبيل المانع، فمع الشك في المانع يرجع إلى أصالة عدمه، فيبنى على ثبوت أثر المقتضي. أقول: فيه المنع صغرى، وكبرى. إذ من الجائز أن يكون النظر إلى المخالف هو الذي يكون فيه مقتضى الحرمة، لا مطلق النظر. ولو سلم فاصالة عدم المانع إن كان المراد بها قاعدة غير الاستصحاب، فلا أصل لها، وقد تحقق في محله عدم صحة قاعدة الاقتضاء. وإن كان المراد بها استصحاب عدم المانع، يعني: استصحاب عدم المماثلة، فحجيته مبنية على جريان الاصل في العدم الازلي. بل لو قلنا به فلا نقول به في المقام مما كان مورده عرفا من الذاتيات، مثل الانوثة والذكورة. فلا يصح أن يقال: الاصل عدم ذكورية ما يشك في ذكوريته وأنوثيته، ولا أصالة عدم أنوثيته، فان الذكورة والانوثة معدودة عرفا من الذاتيات الثابتة للذكر والانثى

 

 

____________

(* 1) النور: 30.

 

===============

 

( 57 )

 

مع قطع النظر عن وجودهما، مثل إنسانية الانسان، وحجرية الحجر. وما عن الشهيد (ره) من جريان أصالة عدم كون الخنثى امرأة، خلاف ما تقرر من الرجوع إلى العرف في جريان الاستصحاب. وإن بعض الاعاظم (ره) في حاشيته على الكتاب سلك في المقام مسلكا آخر، فانه قال: " يدل نفس هذه التعليق على إناطة الرخصة والجواز باحراز ذلك الامر، وعدم جواز الاقتحام عند الشك فيه، ويكون من المداليل الالتزامية العرفية ". وفيه: أنه إن كان المراد أن إناطة الرخصة بالامر الوجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الامر الواقعي، واناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده، فيكون المجعول حكمين: واقعيا منوطا بوجود ذلك الامر واقعا، وظاهريا منوطا بالشك في وجوده والاول مدلول مطابقي، والثاني مدلول التزامي عرفي. فهو ممنوع، وليست إناطة الرخصة بشئ إلا كاناطة المنع بشئ ليس المقصود منها إلا جعل حكم واقعي لموضوع واقعي، بل استفادة الحكم الظاهري من دليل الحكم الواقعي غريبة. وإن كان المراد أن هنا قاعدة عقلائية ظاهرية، نظير أصالة العموم، وأصالة الظهور، ونحوهما. فهو أيضا غير ثابت، بل ممنوع. ولاجله يشكل أيضا ما ذكره بعض الاعاظم (ره) في حاشيته من أنه عليه يبتني انقلاب الاصل في النفوس، والاموال، والفروج. فان ما ذكره من الوجه ليس له في كلام الجماعة عين ولا أثر، بل المذكور في كلامهم الرجوع إلى عموم المنع تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، لبناء المشهور منهم على جواز ذلك. ومن لا يجوز الرجوع منهم إلى العموم في الشبهة المصداقية يرجع في إثبات المنع إلى الاصول الموضوعية، مثل أصالة عدم الزوجية، وأصالة عدم إذن المالك، وأصالة عدم السبب الموجب لهدر الدم، ونحو ذلك. وبالجملة: فليس مستند الجماعة في الاصول المذكورة

 

===============

 

( 58 )

 

ما ذكره طاب ثراه، بل إما الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية، وإما الاصول النافية موضوعية أو حكمية. لكن الاصول المذكورة ليست ثابتة بنحو العموم، ضرورة جواز الرجوع إلى استصحاب الزوجية الموجب لحلية الفروج، وكذا أصالة عدم الرضاع المحرم، ونحو ذلك. كما يجوز الرجوع إلى استصحاب الملك، أو إذن المالك، أو نحوهما من الاصول المحللة للتصرف في المال. ويجوز الرجوع إلى استصحاب بقاء الكفر، أو عدم الذمة، أو نحو ذلك مما يجوز قتل الشخص. فالاصول غالبية. والمستند فيها أحد الامرين المذكورين فلا ابتناء لها عندهم على ما ذكر في الحاشية. والمتحصل: أن البناء على تحريم النظر في الفرض لا يتوجه بهذه الوجوه المذكورة في المتن، ولا في الحاشية. والذي يظهر بالتأمل في كلامهم: أن الوجه فيه هو الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقية. قال في التذكرة: " الخنثى المشكل ان كان حرا لم يجز للرجل النظر إليه، ولا للخنثى النظر إليه، ولا يجوز للمرأة النظر إليها، وبالعكس. عملا بالاحتياط. وهو قول بعض الشافعية. وقال آخرون منهم بالجواز للرجل، والمرأة، ولها بالنسبة إليهما. استصحابا لما كان في الصغر حتى يعلموا خلافه. وليس بجيد. لعموم الآية "، ونحوه كلام غيره وشيخنا الاعظم (ره) في رسائله قال: " قد يقال: بجواز نظر كل من الرجل والمرأة إليها (يعني: الخنثى). لكونها شبهة في الموضوع، والاصل الاباحة. وفيه: أن عموم وجوب الغض على المؤمنات إلا عن نسائهن، أو الرجال المذكورين في الاية، يدل على وجوب الغض عن الخنثى ". لكن في رسالة النكاح في مقام الرد على جامع المقاصد في البناء على حرمة النظر إلى الخنثى، قال: " ولهذا لا يحرم النظر إلى البعيد المردد بين الرجل والمرأة ". وظاهره المفروغية عن جواز النظر في مفروض المسالة.

 

===============

 

( 59 )

 

[ فيجري - مضافا إلى ما ذكر من رجوعه إلى الشك في الشرط - أصالة عدم حدوث الزوجية. وكذا لو شك في المحرمية من باب الرضاع. نعم لو شك في كون المنظور إليه أو الناظر حيوانا أو إنسانا فالظاهر عدم وجوب الاحتياط. لانصراف عموم وجوب الغض إلى خصوص الانسان (1). وإن كان الشك في كونه بالغا أو صبيا، أو طفلا مميزا أو غير مميز، ففي وجوب الاحتياط وجهان: من العموم على الوجه الذي ذكرنا. ومن إمكان دعوى الانصراف. والاظهر: الاول (2). (مسألة 51): يجب على النساء التستر (3) كما يحرم على الرجال النظر. ولا يجب على الرجال التستر (4) وإن كان يحرم على النساء النظر نعم حال الرجال بالنسبة إلى العورة ] (1) قد عرفت إشكاله. (2) هذا خلاف مقتضى الاصل الموضوعي، أعني: استصحاب الصبا، وعدم التمييز، فانه لو سلم الرجوع إلى العام في مثل هذه الشبهة الموضوعية، فانما هو حيث لا يكون أصل موضوعي يثبت عنوان الخاص. ولذا لو شك في بقاء زوجية المرأة يرجع إلى استصحاب زوجيتها، وترتيب أحكامها، ومنها جواز النظر. (3) بلا إشكال، ولا خلاف. ويقتضيه قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن..) (* 1) (4) يظهر من كلماتهم انه من القطعيات عند جميع المسلمين. وينبغي أن يكون كذلك، فقد استقرت السيرة القطعية عليه، بل تمكن دعوى الضرورة عليه.

 

 

____________

(* 1) النور: 31.

 

===============

 

( 60 )

 

[ حال النساء (1). ويجب عليهم التستر مع العلم بتعمد النساء في النظر من باب حرمة الاعانة على الاثم (2). (مسألة 52): هل المحرم من النظر ما يكون على وجه يتمكن من التمييز بين الرجل والمرأة. وأنه العضو الفلاني أو غيره، أو مطلقه؟ فلو رأى الاجنبية من بعيد، بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلا أو امرأة، بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنسانا أو حيوانا أو جمادا ] (1) للامر بسترها في النصوص الواردة في آداب التخلي (* 1) والحمام (* 2). وقد ورد في تفسير قوله تعالى: (ويحفظوا فروجهم) (* 3) أن المراد حفظها من أن ينظر إليها. (2) التحقيق: ان الاعانة على الشئ تتوقف على قصد التسبب إلى ذلك الشئ بفعل المقدمة، فإذا لم يكن الفاعل للمقدمة قاصدا حصوله لا يكون فعل المقدمة إعانة عليه. فمجرد علم الرجل بأن المرأة تنظر إليه عمدا لا يوجب التستر عليه من باب حرمة الاعانة على الاثم. مع ان مورد السيرة على عدم التستر من ذلك قطعا. ومن ذلك يشكل البناء على تحريمه من باب وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على عمومه للمقام. بحيث يقتضي ترك المقدمة، كي لا يقع غيره في الحرام. وإن كان الظاهر عدم عمومه له، إذ النهي عن المنكر يراد منه الزجر عن المنكر تشريعا، بمعنى: إحداث الداعي الي الترك، فلا يقتضي وجوب ترك بعض المقدمات لئلا يقع المنكر، كما لا يقتضي الامر بالمعروف فعل بعض المقدمات ليتحقق المعروف. فلاحظ.

 

 

____________

(* 1) راجع الوسائل باب: 1 من ابواب احكام الخلوة. (* 2) راجع الوسائل باب: 3 من ابواب اداب الحمام. (* 3) الوسائل باب: 1 من اداب الخلوة حديث: 3، 5.

 

===============

 

( 61 )

 

[ هل هو حرام أو لا؟ وجهان. الاحوط: الحرمة (1).