كتاب الحوالة

[ بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الحوالة) وهي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة (1). والاولى أن يقال: إنها إحالة المديون داينه إلى غيره، أو إحالة المديون دينه من ذمته إلى ذمة غيره. وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان، فانه وإن كان تحويلا من الضامن للدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمته، إلا أنه ليس فيه الاحالة المذكورة، ] انتهى الكلام إلى هنا في الرابع والعشرين من ربيع الثاني في سنة اثنتين وثمانين بعد الالف والثلاثمائة للهجرة. وقد انتهى الكلام في الشرح القديم في الحادي عشر من جمادى الاولى في السنة التاسعة والخمسين بعد الالف والثلاثمائة للهجرة. (كتاب الحوالة) قال في التذكرة: " الحوالة عقد جائز بالنص والاجماع ". وعن المبسوط والسرائر: أنها مشروعة بالنص واجماع الامة. انتهى. (1) قال في الشرائع: " فالحوالة عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله ". ولاجل أن هذا التعريف مانع من صحة الحوالة على البرئ والعلامة يرى صحتها عدل في القواعد عن هذا التعريف إلى

 

===============

 

( 375 )

 

[ خصوصا إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه (1). ويشترط فيها - مضافا إلى البلوغ، والعقل، والاختيار (2) وعدم السفه (3) في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه، وعدم الحجر بالسفه في المحتال (4) والمحال عليه (5)، بل والمحيل، إلا إذا كانت الحوالة على البرئ فانه لا بأس به (6) ] تعريفها بقوله: " وهي عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى أخرى ". ونحوه في التذكرة والتحرير، وكذلك غيره. ومن ذلك يظهر أن نسبة التعريف المذكور إليهم غير ظاهر. (1) أما إذا كان بسؤاله فقد يوهم أن المضمون عنه هو الذي نقل المال من ذمته إلى ذمة الضامن. لكن التأمل يقتضي خلاف ذلك، لان الذي يسأل الفعل من غيره غير فاعل، بل الفاعل هو المسؤول منه الفعل. (2) هذه الثلاثة شرائط عامة لمطلق التصرف، فلا يصح التصرف بدونها، كما أشرنا إلى ذلك في كتاب الضمان. وتحرير ذلك مفصلا من الفقهاء (رضي الله عنهم) يكون في كتاب البيع الذي هو أول الكتب الباحثة عن العقود والايقاعات. (3) هذا شرط للتصرف المالي، لا مطلق التصرف. ولاجل أن كلا من المحيل والمحتال والمحال عليه متصرف في مال لم يصح منه ذلك. (4) أصل العبارة بالفلس، كما يشهد بذلك ما قبله وما بعده. (5) يشكل ذلك بأن قبوله ليس تصرفا في ماله الذي هو موضوع حق الغرماء، وإنما هو تصرف في نفسه وفي ذمته، فلا مانع منه. نعم هو تصرف مالي، فلا يجوز من السفيه ويجوز من المفلس، نظير الاقتراض الذي سيذكره. (6) فان مرجع الحوالة على غير البرئ نقل الدين إلى ذمة المحال

 

===============

 

( 376 )

 

[ فانه نظير الاقتراض منه - أمور: أحدها: الايجاب والقبول، على ما هو المشهور بينهم (1) حيث عدوها من العقود اللازمة. فالايجاب من المحيل (2)، والقبول من المحتال. وأما المحال عليه فليس من أركان العقد وان اعتبرنا رضاه مطلقا أو إذا كان بريئا، فان مجرد اشتراط الرضا منه لا يدل على كونه طرفا وركنا للمعاملة. ويحتمل أن يقال: يعتبر قبوله أيضا (3)، فيكون العقد مركبا من الايجاب ] عليه ليكون وفاؤه مما في ذمته، فتكون الحوالة تصرفا في ماله الذي في ذمة المحال عليه، وهو متعلق حق الغرماء. لكن إذا قلنا بصحة الحوالة على البرئ أمكن القول بصحتها من المفلس على غير البرئ، إذ ليس من لوازم التحويل التصرف في ماله، بل من الجائز صحة الحوالة وكون ماله الذي في ذمة المحال عليه تحت سلطان الغرماء، إذ هو بمنزلة الاقتراض - كما ذكر - فكما يجوز اقتراض المفلس من البرئ يجوز اقتراضه من المديون وكما يجوز للمفلس التحويل على البرئ يجوز له التحويل على غير البرئ، ويكون المال في ذمة المحيل للمحال عليه بعد دفعه الحوالة. (1) بل الظاهر أنه من المسلمات من دون خلاف ولا إشكال. (2) قال في المسالك: " ثم على تقدير اعتبار رضا المحيل عليه ليس هو على حد رضا الآخرين، لان الحوالة عقد لازم من جملة العقود اللازمة، فلا يتم الا بايجاب وقبول، فالايجاب من المحيل، والقبول من المحتال. ويعتبر فيهما ما يعتبر في غيرهما من اللفظ والمقارنة وغيرهما. وأما رضا المحال عليه فيكفي كيف اتفق مقارنا أم متراخيا ". (3) قال في الجواهر: " لم أجد القول باحتمال اعتباره على وجه

 

===============

 

( 377 )

 

[ والقبولين. وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة، من الموالاة بين الايجاب والقبول ونحوها، فلا تصح مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما بأن أوقع الحوالة بالكتابة. ولكن الذي يقوى عندي كونها من الايقاع (1) غاية الامر اعتبار ] القبول بأن يكون هذا العقد مركبا من إيجاب وقبولين، وإن كان هو مقتضى ما تسمعه من دليلهم ". ويريد به دعوى الاجماع على أنها تقتضي نقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ضرورة توقف انتقال الدين إلى ذمة الغير على رضاه. (1) لا يخفى أن الفرق بين الايقاع والعقد أن الاول يكفى في حصوله إعمال سلطنة سلطان واحد، والثاني يتوقف حصوله على إعمال سلطنة سلطانين، ولا يكفي في حصوله إعمال سلطنة واحدة. فإذا قال الانسان لزوجته: " طلقتك " ثم قال لها: " تزوجتك " فالطلاق إيقاع لانه يكفى في حصوله إعمال سلطنة الزوج، والتزويج عقد لانه يتوقف حصوله على إعمال سلطنة الزوج والزوجة معا، فالطلاق وإن كان تصرفا في الزوجة كالتزويج، إلا أن الاول لما جعله الشارع الاقدس تحت سلطان الزوج فقط كان إيقاعا، والتزويج لما جعله الشارع تحت سلطان الزوجين معا كان عقدا. وربما يكون إيقاعا إذا كان تحت سلطنة شخص واحد، كما في تزويج المولى أمته من عبده، فانه لما لم يكن تحت سلطان كل من الزوجين وإنما هو تحت سلطان مولاهما كان إيقاعا. وهكذا فكل تصرف لا يتحقق إلا باعمال سلطنة شخصين فهو عقد، وكل تصرف يتحقق باعمال سلطنة شخص واحد فهو إيقاع. فالاختلاف بين العقد والايقاع ليس لاختلاف مفاهيمها المنشأة، بل لاختلاف أحكامها من حيث السلطنة. وعلى هذا يمتنع أن تكون الحوالة إيقاعا، لانها تصرف في مال المحتال الذي هو تحت

 

===============

 

( 378 )

 

[ الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه، ومجرد هذا لا يصيره عقدا، وذلك لانها نوع من وفاء الدين (1)، وإن كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء. وهو لا يكون عقدا (2) وإن احتاج إلى الرضا من الآخر، كما في الوفاء بغير الجنس، فانه يعتبر فيه رضا الداين ومع ذلك إيقاع (3)، ومن ذلك يظهر أن الضمان أيضا من الايقاع، فانه نوع من الوفاء (4). وعلى هذا فلا يعتبر فيهما شئ مما يعتبر في العقود اللازمة (5)، ] سلطانه، وفي ذمة المحال عليه التي هي تحت سلطانه، فيجب أن تكون بقبولهما معا، ولا تكون بايقاع المحيل فقط لتكون إيقاعا. (1) الفرق بين الوفاء والحوالة أظهر من أن يحتاج إلى بيان، لان المحتال إنما انتقل بالحوالة دينه من ذمة إلى أخرى، وهذا الانتقال بعيد عن معنى الوفاء الذي هو وصول الدين إلى الدائن، فكيف يكون هذا الانتقال نوعا من الوفاء؟! وكذلك الكلام في الضمان، فانه لم يحصل به وفاء الدين وإنما يكون به انتقال الدين من ذمة المديون إلى غيره. نعم يشترك الوفاء والحوالة والضمان في فراغ ذمة المديون، لكنه ليس للوفاء بل للانتقال. (2) لانه يكون تحت سلطنة المديون على إفراغ ذمته، وليس تحت سلطنة الدائن، فلو أراد المديون الوفاء ليس للدائن الامتناع، إذ لا سلطان له على ذمة المديون ليجعلها محلا لماله. (3) فيه منع ظاهر، بل هو نوع من المعاوضة بين الدين والجنس الآخر. (4) سبق الاشكال فيه كالاشكال في الحوالة. (5) بناء على ما ذكر لا يعتبر فيها ما يعتبر في العقود لازمة كانت أو

 

===============

 

( 379 )

 

[ ويتحققان بالكتابة ونحوها (1). بل يمكن دعوى أن الوكالة أيضا كذلك (2)، - كما أن الجعالة كذلك - وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر (3). ألا ترى أنه لافرق بين أن يقول: " أنت مأذون في بيع داري " أو قال: " أنت وكيل " (4)، مع أن الاول من الايقاع قطعا. ] غير لازمة، ولا يختص باللازمة. (1) يمكن القول به في العقود كلية كالمعاطاة. ولو بني على المنع في العقود بني عليه في الايقاع، لاشتراكهما في دليله نفيا وإثباتا. (2) يعني: من الايقاع. (3) قد عرفت ان اعتبار الرضا يقتضي كونها من العقود، والعقود لابد أن تكون بايجاب وقبول، ولا يكفي الرضا النفساني المقابل للكراهة والارادة الذي ليس من الانشاء، فانه غير القبول اللازم اعتباره في صدق العقد. وبالجملة: اعتبار الرضا مساوق لكون الوكالة من العقود المعتبر فيها القبول. (4) الفرق بين الامرين ظاهر، فان الوكيل كالاصيل، فالوكيل في وفاء الدين يجب عليه الوفاء مع المطالبة، والمأذون في الاداء ليس كذلك. وأيضا فان الوكيل تجوز مطالبته في الوفاء ومخاصمته، والمأذون ليس كذلك. وأيضا الوكيل يتمكن من عزل نفسه عن الوكالة، فلا يكون وكيلا، والمأذون لا يتمكن من عزل نفسه عن الاذن. والوكيل يستطيع أن لا يقبل الوكالة ويرد الايجاب فلا يكون وكيلا، والمأذون ليس كذلك. والوكالة المعلقة باطلة، بخلاف الاذن. والوكيل المعزول ينفذ تصرفه قبل بلوغ العزل، وليس كذلك المأذون. ومن ذلك يتبين أن الوكالة قائمة باختيار الوكيل وتتوقف على قبوله، وليس كذلك الاذن.

 

===============

 

( 380 )

 

[ الثاني: التنجيز (1)، فلا تصح مع التعليق على شرط أو وصف، كما هو المشهور. ولكن الاقوى عدم اعتباره كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين. الثالث: الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال (2). وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل (3) فيما لو تبرع ] والمتحصل: أن المفهوم الانشائي إذا كان تحت سلطنتين فهو قائم بهما، فلا يتحقق إلا باعمالهما، فيكون عقدا. وإذا كان تحت سلطنة واحدة يتحقق باعمالها فقط، فيكون إيقاعا. ودعوى أنه إيقاع ومع ذلك يتوقف على رضا الآخر تناقض، فان اعتبار الرضا من الطرفين مساوق لكون المفهوم عقدا. فلاحظ. (1) العمد في اعتباره الاجماع المدعى على اعتباره في كلية العقود الذي لا مجال لرفع اليد عنه بعد دعواه من الاساطين. وتلقي الباقين له بالقبول. وإلا فلم يذكر هذا الشرط هنا في جملة من الكتب، كالشرائع والقواعد وغيرهما، ولم يتعرض له فيما وقفت عليه من شروحهما، وفي التذكرة: ذكر التنجيز من شروط الضمان - كما سبق - ولم يذكر ذلك في الحوالة. ولعله اكتفى بذكره في غيرها مع دعوى الاجماع عليه في عامة العقود. (2) عن التذكرة والمسالك والروضة والمفاتيح والكفاية: الاجماع عليه وفي الجواهر: " الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر ". (3) قال في التذكرة: " يشترط في الحوالة رضا المحيل - وهو الذي عليه الحق - إجماعا... (إلى أن قال): في صورة واحدة لا يعتبر فيها رضا المحيل وهي ما إذا جوزنا الحوالة على من لادين عليه، لو قال للمستحق: " أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي " فقبل، صحت

 

===============

 

( 381 )

 

[ المحال عليه بالوفاء، بأن قال للمحتال: " أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي "، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل. لا وجه له، إذ المفروض لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان (1). ] الحوالة. فإذا لا يشترط هنا رضا المحيل، بل رضا المحال والمحال عليه خاصة "، ونحوه في المسالك والحدائق وعن الروضة. ولكن في الجواهر منع عن صحة هذه الحوالة، لعدم إطلاق في نصوص المقام يتناولها. و (أوفوا بالعقود) (* 1) يراد به العقود المتعارفة، فلا شمول فيه للمشكوك. وفيه: أن التعارف لا يقيد الاطلاق، ولو بني على ذلك لزم تأسيس فقه جديد، كما أشرنا إلى وجه ذلك في مواضع من هذا الشرح. (1) يتم إذا كان مفهوم الضمان نقل ما في ذمة إلى ذمة، كما ذكره الاصحاب. أما إذا كان التعهد بالدين فهو غير التحويل المذكور، وإن كان التعهد من لوازمه. وحينئذ لابد من الرجوع في تصحيحه إلى عموم الوفاء بالعقود ونحوه. وعليه فلا يختص بصورة ما إذا كان المحال عليه بريئا، بل يجري في غيره. غاية الامر أنه لا يكون الوفاء من مال المحيل، بل من مال المحال عليه، ويبقى دين المحيل على المحال عليه بحاله. كما لا يختص أيضا بتحويل المحال عليه على نفسه، بل يكون أيضا بتحويل المحال على المحال عليه، فيقول المحال للمحال عليه: " أحلت ديني عليك " فيقول المحال عليه: " قبلت "، فيكون المحيل هو المحال لا المحال عليه. وجميع هذه الصور ليست من الحوالة المصطلحة عند الفقهاء، بل هي حوالة بالمعنى اللغوي قام الدليل على صحتها إن تم. ومثل ذلك ما إذا كان التحويل من شخص آخر، كما إذا كان دين لزيد على عمرو، فيحيل الدين المذكور خالد على

 

 

____________

(* 1) المائدة: 1.

 

===============

 

( 382 )

 

[ وكذا من المحال عليه إذا كان بريئا، أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه (1). وأما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف (2) ] بكر، فيقبل الدائن - وهو زيد - والمحول عليه - وهو بكر - فتصح مثل هذه الحوالة بالعمومات مع عدم رضا المدين وهو المحيل، وليست من الحوالة الاصطلاحية ذات الاحكام المخصوصة المستفادة من النصوص والاجماع ثم إنه لا يخفى أن من يعتبر رضاه يجب أن يكون المفهوم الانشائي تحت سلطانه، والمحيل ليس كذلك، فان التحويل إفراغ لذمته، ولا سلطان له على المنع من إفراغ ذمته. نعم سلطانه على المنع من إشغال ذمته، والتحويل ليس فيه شئ من ذلك. نعم لما كان التحويل موجبا إما لاشتغال ذمته بمثل الدين للمحال عليه لو كانت الحوالة على البرئ أو بغير الجنس، وإما لسقوط دينه الذي على المحال عليه لو كانت الحوالة بالجنس على غير البرئ، وكان كل ذلك تحت سلطانه، كانت الحوالة تحت سلطانه. (1) يعني: يشترط رضاه، ويقتضيه قاعدة السلطنة على نفسه، لان إشغال ذمته بدين للمحتال تصرف في نفسه. وهو واضح لو كان بريئا. وكذلك لو كان مشغول الذمة بغير جنس الدين، فان اشتغال ذمته بجنس الدين أيضا تصرف في نفسه يحتاج إلى إعمال سلطنته. وعن التنقيح: أنه في هذه الصورة يعتبر رضاه قطعا. لكن في الجواهر قد يمنع القطع فيما ذكره. (2) والمنسوب إلى المشهور اعتبار رضاه، وعن الاردبيلي: أنه لم يظهر فيه مخالف، وعن التذكرة: نسبته إلى أصحابنا، وعن المختلف: نسبته إلى علمائنا. ولكن عن أبي الصلاح عدم اعتبار رضاه، وعن المختلف: الميل إليه، وفي مفتاح الكرامة: أنه خيرة المقتصر والتنقيح وإيضاح النافع والمسالك والروضة، وعن التنقيح: أنه قال: " إن اعتبرنا شغل الذمة والحوالة بمثل ما عليه فلا يشترط رضاه قطعا ".

 

===============

 

( 383 )

 

[ ولا يبعد التفصيل بين أن يحول عليه بماله عليه، بأن يقول: " أعطيه من الحق الذي لي عليك "، فلا يعتبر رضاه، فانه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه (1) ] (1) قد استدل في المسالك على ذلك بأن المحيل قد أقام المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة، فلا وجه للافتقار إلى رضا من عليه الحق. كما لو وكله في القبض منه ثم ذكر انا نمنع أن مقتضى الحوالة النقل، بل هي أيفاء بما في ذمة الغير، فلا تقصر عن بيع ما في ذمة الغير، ولا يشترط فيه الرضا إجماعا. انتهى. وتبعه على ذلك في الجواهر، غير أنه لم يتعرض لما ذكره أولا من إقامة المحتال مقام نفسه في القبض بالحوالة. وفي المتن جعل المحول عليه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه. والمتحصل من كلمات الجماعة في الاستدلال على عدم اعتبار رضا المحول عليه أمور: الاول: منع كون الحوالة نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. الثاني: أن المحيل قد أقام المحتال مقامه في قبض دينه. الثالث: أن الحوالة إيفاء بماله الذي في ذمة المحال عليه. الرابع: أن الحوالة بمنزلة توكيل المحال عليه في وفاء دينه. وفي الجميع إشكال ظاهر. إذ الاول خلاف ما عليه الاجماع من أن الحوالة نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال. فراجع كلماتهم في تعريف الحوالة، وقد ادعي في المسالك الاتفاق على ذلك في مسألة اعتبار إبراء المحتال للمحيل في عدم جواز رجوعه إليه. ومن ذلك يظهر الاشكال في الثاني، إذ لو كان مفادها ذلك لم تكن نقلا، بل كان الدين باقيا بحاله في ذمة المحيل حتى يحصل الوفاء بقبض المحتال من المحال عليه. ومنه يظهر الاشكال في الثالث. وأما الرابع فيتوجه عليه أن مقتضي ذلك اعتبار الرضا من المحال عليه كالوكيل الذي لا تصح وكالته إلا برضاه، كما تقدم. مضافا إلى أن

 

===============

 

( 384 )

 

[ وإن كان بنحو اشتغال ذمته للمحتال وبراءة ذمة المحيل بمجرد الحوالة، بخلاف ما إذا وكله فان ذمة المحيل مشغولة إلى حين الاداء. وبين أن يحوله عليه من غير نظر إلى الحق الذي له عليه على نحو الحوالة على البرئ، فيعتبر رضاه، لان شغل ذمته بغير رضاه على خلاف القاعدة. وقد يعلل باختلاف الناس في الاقتضاء (1) فلابد من رضاه. ولا يخفى ضعفه، كيف وإلا لزم عدم جواز بيع دينه على غيره، مع أنه لااشكال فيه. الرابع: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل (2) سواء كان مستقرا أو متزلزلا، فلا تصح في غير الثابت، سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل ومال السبق والرماية ] جعله بمنزلة الوكيل في الاستيفاء ينافي كون الحوالة نقلا، كما سبق. فالمصنف جمع بين دعويين متنافيتين. مضافا إلى أن أولاهما أولى بالدليل على اعتبار الرضا من الدليلية على عدم الاعتبار، والثانية كذلك لان اشتغال ذمة المحول عليه بغير سلطانه خلاف قاعدة سلطنة الناس على أنفسهم، المستفادة من قاعدة سلطنة الناس على أموالهم. فحكم هذه الصورة كالصورة الآتية، والفرق الذي ذكره غير فارق. (1) علله بذلك في المسالك في جملة أدلة المشهور، وأجاب عنه بأن اختلاف الناس في الاقتضاء لايمنع من مطالبة المستحق ومن ينصب. (2) إجماعا، كما عن الحدائق. وعن مجمع البرهان حكايته عن بعضهم. وعن التحرير: أن شرطها ثبوته في ذمة المحيل، فلو أحاله بما يقرضه لم يصح إجماعا. انتهى. ويقتضيه مفهومها عرفا، فان التحويل

 

===============

 

( 385 )

 

[ قبل حصول السبق، أو لم يوجد سببه أيضا كالحوالة بما يستقرضه. هذا ما هو المشهور (1). ولكن لا يبعد كفاية حصول السبب، كما ذكرنا في الضمان (2)، بل لا يبعد الصحة فيما إذا قال: " أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد " (3) فرضي ورضي زيد أيضا، لصدق الحوالة، وشمول العمومات، فتفرغ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض. ] عرفا يقتضي نقل ما في ذمة إلى ذمة، فهو يتوقف على وجود شئ في الذمة، كما يقتضي ثبوت شئ في ذمة المحال عليه، فلا يتحقق مع عدم ذلك. و بالجملة: التحويل والتحول يتوقف على ثبوت شئ في محل فينتقل إلى محل آخر. (1) قد عرفت دعوى الاجماع عليه. (2) قد عرفت الاشكال عليه في الضمان وان امتناع ضمان ما لم يجب من القضايا التي قياساتها معها، فانه إذا لم يجب الشئ فضمانه بلا مضمون عنه ولا مضمون له، لان المضمون عنه من يكون عليه شئ لغيره والمضمون له من يكون له شئ على غيره، ومع عدم ثبوت شئ لا يكون شئ لاحد ولا في ذمة أحد. نعم يجوز أن يتعهد شخص لآخر بأمر استقبالي، فيكون وجوبه بالضمان، فيملكه المضمون له. لكنه ليس من الضمان الاصطلاحي بل هو ضمان لغوي ليس موضوعا لكلام الاصحاب، كما تقدم تفصيل ذلك مرارا. وكذا نقول في المقام: إذا لم يكن دين فلم ينقل المحيل ما في ذمته إلى ذمة المحال عليه. (3) مفهوم الجملة المذكورة أن العوض يوخذ من زيد، لا أن الدين بنتقل إلى ذمة زيد، وحينئذ لا تحويل ولا تحول. فكيف تصدق الحوالة؟! كذ إذا قال: " أقرضني درهما، وينتقل بدله الذي في ذمتي إلى ذمة

 

===============

 

( 386 )

 

[ الخامس: أن يكون المال المحال به معلوما جنسا وقدرا للمحيل والمحتال، فلا يصح الحوالة بالمجهول على المشهور (1) للغرر (2). ويمكن أن يقال بصحته إذا كان آئلا إلى العلم، كما إذا كان ثابتا في دفتره، على حد ما مر في الضمان من صحته مع الجهل بالدين. بل لا يبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم ] زيد: فقبل المخاطب وزيد، فانه أيضا لا شئ في ذمة القائل ولا انتقال من ذمته إلى ذمة زيد إذ لا قرض. نعم إذا وقع القرض وقع الانتقال فإذا أخذ بنحو الواجب المعلق امتنع الثبوت فعلا. لعدم القرض، وإذا كان مشروطا بالقرض كان العقد معلقا وهو باطل. فإذا قال الزوج لزوجته: " أحلتك في نفقة الغد على زيد " فقبل، امتنع أن تملك المرأة شيئا على زيد بعنوان نفقة الغد، لانها لا تملك قبل الغد، وإذا كان الملك على نحو التعليق على الغد فهو باطل، لقدح التعليق في العقود والايقاعات، إلا في موارد مخصوصة ليس هذا منها. وكذلك الكلام في مال الجعالة قبل العمل، فان التحويل يقتضي أن يملك المحتال في ذمة المحال عليه، وقبل العمل لا يملك العامل شيئا لافي ذمة المحيل ولا في ذمة غيره. وكذا الكلام في مال السبق ونحوه. (1) وعن النهاية: الاجماع عليه، وفي مفتاح الكرامة: " لم نجد المخالف، وإنما ذكرت الصحة احتمالا مع الجهل في التذكرة والمسالك ومجمع البرهان. نعم لم يذكر هذا الشرط في عداد الشرائط في الوسيلة والغنية وغيرهما. ولعل تركهم له لظهوره، كالبلوغ والرشد وغيرهما ". (2) قد عرفت في الضمان أن عموم نفي الغرر لم يثبت، وإنما الثابت نفيه في البيع، فلا يشمل المقام، وعموم الصحة يقتضي الجواز. فراجع ما سبق في الضمان.

 

===============

 

( 387 )

 

[ بعد إمكان الاخذ بالقدر المتيقن. بل وكذا لو قال: " كلما شهدت به البينة وثبت خذه من فلان ". نعم لو كان مبهما كما إذا قال: " أحد الدينين الذين لك علي خذه من فلان " بطل (1)، وكذا لو قال: " خذ شيئا من دينك من فلان " (2) هذا ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم بصحته (3) ] (1) لان المبهم المردد لا مطابق له في الخارج، إذ كل ما في الخارج متعين غير مردد، وإذا لم يكن له مطابق في الخارج امتنع أن يثبت له حكم شرعي يترتب عليه عمل. (2) لابهام الشئ. (3) يفترق الواجب التخييري عن المردد أن المردد لا يكون موضوعا لحكم شرعي، لعدم المطابق الخارجي له، والواجب التخييري يكون موضوعا للوجوب التخييري، وله مطابق خارجي، فان الوجوب التخييري ليس قائما بالمردد بين الخصال، وإنما قائم بكل واحدة من الخصال، لكن قيامه على نحو خاص بحيث يسقط عن الجميع بفعل واحدة من الخصال. وكذلك الوجوب الكفائي، فانه موجه إلى كل واحد من المكلفين على نحو خاص، بحيث يسقط بامتثال واحد منهم، وليس متعلقا بالمردد بين أفراد المكلفين. فالواجب التخييري كل واحد من الخصال الثلاث في الكفارة، لا أمر مردد بينها، وهذه الخصال الثلاث مع أن كل واحدة منها واجبة لا يجب فعلها أجمع، لان الوجوب تعلق بها على نحو لا يقتضي فعلها أجمع، بل يسقط عن الجميع بفعل واحدة منها. فإذا تعلقت الحوالة بالدينين على وجه التخيير اقتضت وفاء المحال عليه لاحدهما على التخيير لاجمعا، فإذا وفى أحد الدينين بطلت الحوالة بالنسبة إلى الآخر ولم تقتض وفاءه.

 

===============

 

( 388 )

 

[ لعدم الابهام فيه حينئذ (1). السادس: تساوي المالين - أي المحال به والمحال عليه - جنسا ونوعا ووصفا، على ما ذكره جماعة (2)، خلافا لآخرين (3). وهذا العنوان وإن كان عاما إلا أن مرادهم - بقرينة التعليل بقولهم: تفصيا من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به، إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه - فيما كانت الحوالة (4) على مشغول الذمة بغير ما هو مشغول الذمة به، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير ] (1) كأن الوجه فيه عمومات صحة العقود، والابهام المانع عقلا من الصحة مفقود. (2) قال في الشرائع. " ويشترط تساوي المالين جنسا ووصفا، تفصيا عن التسلط على المحال عليه، إذ لا يجب أن يدفع إلا مثل ما عليه. وفيه تردد ". ونسبه في المسالك إلى الشيخ وجماعة، وفي جامع المقاصد إلى الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن حمزة، وفي مفتاح الكرامة: نسبه إلى المبسوط في أخر الباب وحكى عن الايضاح نسبته إلى القاضي وابن حمزة، ثم قال:، ولم نجد ذلك في الوسيلة، ولم يحكه في المختلف عن أحد غير الشيخ في المبسوط. (3) حكي ذلك عن التذكرة والتحرير والحواشي واللمعة والتنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد والمسالك والروضة وغيرها، وحكي ذلك أيضا عن موضع من المبسوط: (4) متعلق بقوله: " ان مرادهم ". ويحقق أن مرادهم ذلك قول العلامة في القواعد في تحرير المسألة: " وتصح على من ليس عليه حق،

 

===============

 

( 389 )

 

[ بأن يدفع بدل الدنانير دراهم. فلا يشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البرئ (1) بأن يدفع الدنانير، أو على مشغول الذمة بالدنانير بأن يدفع الدراهم. ولعله لانه وفاء بغير الجنس برضا الدائن (2). فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس. والوجه في عدم الصحة: ما أشير إليه (3) من أنه لا يجب عليه أن يدفع الا مثل ما عليه. وأيضا الحكم ] أو عليه مخالف، وعلى رأي ". فموضع الخلاف أن يكون المال المحول به مخالفا لما على المحول عليه من حق. (1) لكن يشكل ذلك من وجه آخر، وهو أنك عرفت في الشرط الرابع وجوب كون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل، فإذا أحال في الفرضين المذكورين بغير الجنس فقد أحال بما ليس ثابتا في ذمة المحيل، لان ما هو الثابت في ذمة المحيل في الفرضين المذكورين الدراهم لا الدنانير، فالاحالة بالدنانير إحالة بما ليس ثابتا في الذمة. ولعل عدم تعرضهم لهذه المسألة لوضوح حكمها، وهو بطلان الحوالة لفقد الشرط المذكور. نعم إذا تراضى المحيل والمحتال على تحول الدراهم التي للمحتال في ذمة المحيل إلى الدنانير وصار الدين دنانير، جاز التحويل حينئذ، وكان تحويلا لما هو ثابت في الذمة. ولعل إنشاء الحوالة كاف في حصول هذا التحول. (2) قد عرفت الاشكال في أن الحوالة وفاء، إذ هي نقل وتحويل لما في الذمة إلى ذمة أخرى. كما قد عرفت الاشكال أيضا في الحوالة هنا من جهة عدم ثبوت شئ في الذمة. والذي يرفع الاشكال من الوجهين في المقام هو تحويل ما في الذمة من جنس إلى آخر ثم تحويله من ذمة إلى أخرى، وحينئذ يكون من الوفاء بالجنس لا بغير الجنس. (3) يعني: في تعليل الحكم المتقدم.

 

===============

 

( 390 )

 

[ على خلاف القاعدة (1). ولا إطلاق في خصوص الباب، ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة. ووجه الصحة: أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس (2) ولا بأس به. وهذا هو الاقوى (3). ثم لا يخفى أن الاشكال ] (1) ذكر ذلك في الجواهر. (2) فيه ما عرفت من المباينة بين الحوالة والوفاء بالجنس أو بغيره، وحينئذ تحتاج في مشروعيتها إلى دليل، فإذا تم ما ذكره في الجواهر تعين الرجوع إلى أصالة البطلان. (3) إذ الاشكال المشار إليه في الشرايع لا مجال له مع التراضي، لان التسليط يكون بسلطنته. وأما إشكال الجواهر: ففيه أن التعارف لا يوجب قصور الاطلاق ولا تخصيص العمومات، كما أشرنا إلى ذلك مرارا. فالعمل بالاطلاق المقتضي للصحة متعين. ثم لا يخفى أن مقتضى التحويل نفسه انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه، وأما كون المدفوع بدلا عما للمحيل في ذمة المحال عليه فأمر خارج عن التحويل قد أنشئ في ضمنه، فالمحيل قصد إنشاء نقل الدين في ذمته إلى ذمة المحال عليه، كما قصد إنشاء كون المدفوع من المال عوضا عما له في ذمته، فالقبول من المحال عليه قبول للامرين معا. وهذه البدلية الانشائية ظاهرة في محل الكلام من اختلاف الجنسين، أما مع اتحادهما فيمكن أن يقصد إنشاء البدلية ويمكن أن لا يقصد ذلك، بل تكون البدلية قهرية بنحو التهاتر، وصحة الجميع موافقة لمقتضى القواعد العامة من دون معارض ولا مقيد. والذي يتصل مما ذكرنا: أن الاشكال في صورة اختلاف ما في ذمة المحيل مع المال المحال به يلزم من وجهين: من جهة صحة الحوالة، ومن

 

===============

 

( 391 )

 

[ إنما هو فيما إذا قال: " اعط مما لي عليك من الدنانير دراهم " بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه. وأما إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الاشكال فيه، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البرئ، بأن يدفع الدنانير، وحينئذ فتفرغ ذمة المحيل من الدراهم، وتشتغل ذمة المحال عليه بها، وتبقى ذمة المحال عليه مشغولة بالدنانير، وتشتغل ذمة المحيل له بالدراهم، فيتحاسبان بعد ذلك. ولعل الخلاف أيضا مختص بالصورة الاولى، لا ما يشمل هذه الصورة أيضا (1). وعلى هذا فيختص الخلاف بصورة واحدة وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحق بغير جنسه، كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم. (مسألة 1): لافرق في المال المحال به بين أن يكون ] جهة الوفاء، فإذا صحت الحوالة - بأن حول ما في الذمة إلى جنس المال المحول به - ارتفع الاشكال الثاني وكان الوفاء بالجنس، وإن لم تصح الحوالة - بعدم قصد هذا التحول - لم يحصل الوفاء لا بالجنس ولا بغير الجنس. وأما صوره اختلاف المال المحال به مع ما في ذمة المحال عليه فان قصد الوفاء به صحت الحوالة وكان الوفاء بغير الجنس، وإن لم يقصد الوفاء صحت الحوالة ولم يكن وفاء. فالحوالة لا مانع من صحتها ولا وجه للاشكال فيها، وإن كان إشكال فهو في الوفاء، وعلى تقدير قصد الوفاء لا مجال للاشكال، لانه يكون من قبيل الوفاء بغير الجنس. (1) التي يختص الانشاء فيها بنقل الدين لاغير.

 

===============

 

( 392 )

 

[ عينا في الذمة، أو منفعة، أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة (1)، ولو مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة والقراءة (2)، سواء كانت على البرئ أو على مشغول الذمة بمثلها (3). وأيضا لا فرق بين أن يكون مثليا كالطعام، أو قيميا كالعبد والثوب (4) والقول بعدم الصحة في القيمي (5) للجهالة، ضعيف، ] (1) في الجواهر: " لا يبعد - إن لم يكن إجماعا - جواز الحوالة بالاعمال على البرئ، أو على مشغول الذمة للمحيل بمثلها، بناء على أنها بحكم المال، بدليل صحة وقوعها ثمنا للمبيع وعوضا للخلع ومهرا في النكاح... (إلى أن قال): لكن لم أجد مصرحا به، كما أنه لم أجد في نصوص الحوالة ما هو صريح فيه أو ظاهر، بل هو غير متعارف ". أما احتمال الاجماع على الخلاف فضعيف، إذ لا مأخذ له، وعدم التعرض له أعم من البناء على العدم. وعدم دلالة نصوص الحوالة عليه لايمنع من الرجوع فيه إلى القواعد العامة المقتضية للصحة، وكذلك عدم التعارف على ما عرفت. ثم إن الفرق بين المنفعة والعمل: أن المنفعة أثر العمل، فالمملوك تارة: يكون العمل، وأخرى: المنفعة والاثر المترتب على العمل. (2) مما كان الغرض منه الثواب أو غيره من الامور المتعلقة بالآخرة، كما أشار إلى ذلك في الجواهر. (3) لعدم الفرق في الدخول في عموم الادلة. (4) قال في الشرائع: " وأن يكون (يعنى: المال المحال به) ثابتا في الذمة، سواء كان له مثل كالطعام، أو لامثل له كالعبد "، ونحوه ما في غيرها. ويقتضيه عموم أدلة الصحة. (5) حكي عن الشيخ (ره) في أحد قوليه وابن حمزة، وفي الحدائق: نسبته إلى الشيخ وجماعة، وفي مفتاح الكرامة: أن نسبته إلى الشيخ وجماعة

 

===============

 

( 393 )

 

[ والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها (1). (مسألة 2): إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل وان لم يبرءه المحتال. والقول بالتوقف على إبرائه (2) ضعيف. والخبر الدال على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالابراء من المحتال (3)، ] في غير محله، إذ ليس غير الشيخ الا ابن حمزة. قال في المبسوط: " وإنما تصح في الاموال ذوات الامثال ". (1) قد عرفت أن الجهالة لا تقدح في الحوالة، وليس من شرائطها العلم. ولاجل ذلك كان المناسب الجواب بذلك، ولو سلم منع الجهالة فلا يقتضي ذلك عموم المنع عن القيمي، إذ قد لا يكون القيمي مجهولا. هذا وأما الجواب المذكور فالاشكال فيه ظاهر، إذ بعد ما عرفت من أنه لا تجوز الحوالة بغير ما في الذمة فالقيمي المحول به هو عين ما في ذمة المحيل للمحتال، فان كان كليا قابلا للانطباق على الواجد للصفات والفاقد لها فالمحال به هو ذلك الكلي، وإن كان ما في الذمة مقيدا ببعض الصفات الوجودية أو العدمية فالمحال به هو ذلك المقيد. وفي الصورة الاولى لا يجوز أن يكون المحال به مقيدا بصفات خاصة، وفي الصورة الثانية لا يجوز أن يكون مطلقا ولا مقيدا بغير الصفات المقيد بها ما في الذمة، وإلا كان التحويل بغير ما في الذمة. وعليه فيجوز أن يكون المحال به مجهولا إذا كان ما في الذمة كذلك. ولو قيد بالصفات الموجبة لمعلوميته لم تصح الحوالة. وعلى هذا فالجواب المذكور ظاهر الاشكال. (2) حكي ذلك عن أبي على والشيخ في النهاية والقاضي والحلبي والمقداد. (3) هو خبر زرارة عن أحدهما (ع): " في الرجل يحيل الرجل بما كان له على رجل آخر، فيقول له الذي احتال: برئت مما لي عليك.

 

===============

 

( 394 )

 

[ المراد منه القبول (1)، لا اعتبارها بعده أيضا. وتشتغل ذمة ] فقال (ع) إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه، وإن لم يبرأه فله أن يرجع إلى الذي أحاله ". (* 1) والسند ليس فيه مناقشه أو اشكال إلا من جهة ابراهيم بن هاشم، والصحيح أنه صحيح الحديث. وظاهره اشتغال الذمة بالدين إلى أن يحصل الابراء، فيكون المراد من الرجوع عدم صحة الحوالة، لافسخ الحوالة، إذ معنى الابراء يتوقف على ذلك. (1) هذا أحد المحامل. وحمل أيضا على ما إذا شرط المحيل البراءة، فانه يستفيد بذلك عدم الرجوع لو ظهر إفلاس المحال عليه. وحمل أيضا على ما إذا ظهر بعد التحويل إعسار المحال عليه فأبرأ المحتال المحيل. وهذه المحامل كلها بعيدة. لكن لابد من ارتكاب واحد منها أو من غيرها لما في رواية أبي أيوب: " أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه. قال (ع): لا يرجع عليه أبدا، إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك " (* 2) ونحوها رواية منصور بن حازم (* 3)، وفي رواية عقبة بن جعفر عن أبي الحسن (ع) قال: " سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي ثم يتغير حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي؟ قال (ع) لا " (* 4) فان حمل هذه النصوص على صورة الابراء - فيكون الجمع من حمل المطلق على المقيد - بعيد، فان الاستثناء دليل على كون المتكلم في مقام الحصر. ولا سيما وان اعتبار الابراء بعيد عن المرتكزات العرفية جدا، فيكون أولى بالتنبيه عليه من صورة الافلاس

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب الضمان حديث: 2. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب الضمان حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 11 من ابواب الضمان حديث: 4.

 

===============

 

( 395 )

 

[ المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمته. وتبرأ ذمة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به، وتشتغل ذمة المحيل للمحال عليه (1) إن كانت على برئ أو كانت بغير المثل، ويتحاسبان بعد ذلك. (مسألة 3): لا يجب على المحتال قبول الحوالة (2) وإن كانت على ملي (3). (مسألة 4): الحوالة لازمة، فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كل من الثلاثة (4). نعم لو كانت على معسر مع جهل ] ولعل الاقرب من وجوه الجمع المتقدمة ما ذكره في المتن وسبقه إليه جماعة، ويكون المراد من قوله في الرواية: " في الرجل يحيل " خصوص الايجاب لا العقد، يعني: في الرجل ينشئ التحويل، إذ بعد تحقق القبول تبرأ ذمة المحيل، ولا معنى للابراء بعد ذلك، بناء على اتفاقهم على أن الحوالة ناقلة للدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. ومن ذلك تعرف الوجه في قوله: " وتشتغل ذمة المحال عليه ". (1) بلا إشكال ظاهر، لانه استوفى مال المحال عليه، فيكون له ضامنا. (2) إجماعا بقسميه، كما في الجواهر. وعن الخلاف والغنية والمبسوط والتذكرة وغيرها إجماع المسلمين إلا من زفر. ويقتضيه ما تقدم مما دل على اعتبار رضا المحال عليه. (3) وعن داود الظاهري وجوب القبول حينئذ، للنبوي: " إذا أحيل أحدكم على الملي فليحتل " (* 1). لكنه غير ظاهر الحجية. (4) إتفاقا. كما يقتضيه أصالة اللزوم. ولبعض النصوص المتقدمة

 

 

____________

(* 1) سنن البيهقي الجزء: 6 الصفحة: 70.

 

===============

 

( 396 )

 

[ المحتال باعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل (1). والمراد من الاعسار أن لا يكون له ما يوفي دينه زائدا على مستثنيات الدين (2). وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم (3) ولا يعتبر فيه كونه محجورا (4). ] في رجوع المحتال في لزومها بالنسبة إليه. وعن سلار: جواز رجوع المحتال إلى المحيل إذا لم يأخذ شيئا من المال. ودليله غير ظاهر. مع أنه مخالف لما تقدم. (1) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه صريحا أو ظاهرا. ويقتضيه روايتا أبي أيوب ومنصور المتقدمتان في المسألة الثانية. (2) التعبير بالاعسار وقع في كلام العلامة في القواعد، ولم يكن في النص، وإنما الذي كان في النص التعبير بالفلس، والظاهر منه عدم التمكن من وفاء الدين، فان المفلس عرفا هو العاجز عن وفاء دينة، وكذلك المعسر ظاهر في الواقع في العسر، وإذا كان الانسان لا يتمكن من وفاء دينه فهو في عسر. ويشير إلى ذلك قوله تعالى: (فان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (* 1). (3) كالمحقق في الشرائع. ولولا ذلك لم يكن دليل عليه، بل الدليل على خلافه، فان ظاهر قوله (ع): " لا يرجع عليه إلا أن يكون قد أفلس " (* 2) المنع من الرجوع في غير المفلس وإن كان فقيرا. ومن ذلك تعرف أن التعبير بالاعسار أصح من التعبير بالفقر. (4) لاطلاق النصوص (* 3) التي أخذ موضوعها المفلس واقعا في

 

 

____________

(* 1) البقرة: 280. (* 2) الوسائل باب: 11 من ابواب الضمان حديث: 1. (* 3) تقدم التعرض لها في المسألة: 2 من هذا الفصل.

 

===============

 

( 397 )

 

[ والمناط الاعسار واليسار حال الحوالة (1) وتماميتها. ولا يعتبر الفور في جواز الفسخ (2). ومع إمكان الاقتراض والبناء عليه يسقط الخيار، للانصراف على إشكال (3). ] مقام الثبوت، فلا يعتبر أن يكون في مقام الاثبات. (1) كما يقتضيه ظاهر قوله (ع) في رواية أبي أيوب: " قد أفلس قبل ذلك "، وما في رواية عقبة (* 4) من المنع من الرجوع على المحيل إذا تغير حال الصيرفي بعد التحويل. نعم ظاهر رواية أبي أيوب اعتبار الافلاس قبل الحوالة. لكن من المعلوم أن المراد به حال الحوالة، والتعبير بذلك مبني على الغالب، لندرة المقارنة بينهما حدوثا. (2) كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. وفي الجواهر: " وهل هو على الفور أو التراخي؟ وجهان، أقواهما الثاني، للاطلاق وغيره ". وكأنه يريد من غير الاطلاق الاستصحاب. لكن يشكل بناء على أن المرجع في المقام عموم اللزوم، لا استصحاب الجواز. فلاحظ. وعن الحواشي: إذا قلنا بالخيار في نظير المسألة الآتية فهو على الفور. ولم يتضح وجهه في قبال ما عرفت. اللهم إلا أن يتأمل في الاطلاق. وهو كما ترى. (3) المفروض في كلامهم صورة ما إذا تجدد اليسار والعلم بسبق الفقر. وعن جامع المقاصد والمسالك والروضة والكفاية والرياض: ثبوت الخيار، للاطلاق. وفي القواعد: انه فيه اشكال، وكذا عن التذكرة والحواشي. وعن الايضاح: أن التحقيق أنه يبنى على أن علل الشرع معرفات أو علل حقيقية، وعلى الثاني فالباقي مستغن عن المؤثر أو محتاج. يعني: فعلى الاولين يثبت الخيار، وعلى الاخير ينتفي. وفي الجواهر: أنه لا بأس به بعد كون علل الشرع معرفات وعدم احتياج الباقي في بقائه إلى غير الاول. وفيه: أنه لو سلمت

 

 

____________

(* 1) الوسائل باب: 11 من ابواب الضمان حديث: 4.

 

===============

 

( 398 )

 

[ وكذا مع وجود المتبرع (1). (مسألة 5): الاقوى جواز الحوالة على البرئ (2)، ] هذه المباني فليس بحيث يجوز رفع اليد عن الادلة الشرعية من امارة أو أصل، فلو قلنا بأن علل الشرع معرفات أو أنها علل حقيقية أصلية وكان عموم اللزوم بلا معارض كان هو المحكم، ولو قلنا بأنها علل أصلية وكان الباقي محتاجا إلى مؤثر وكان إطلاق دليل الخيار بلا معارض كان هو المحكم أو كان استصحاب الخيار بلا معارض كان أيضا هو المحكم. فالمباني المذكورة إذا لم توجب العلم لا تسقط الادلة الشرعية عن مقام المرجعية، وأنى لها بالعلم مع أن العلية غير منصوصة، وانما استفيدت من قرائن الاحوال الظنية. وبالجملة: فالتعويل على الامور المذكورة في اثبات الاحكام الشرعية في غاية من الوهن. هذا فيما فرضه الاصحاب من تجدد اليسار. والمصنف لم يتعرض له وانما تعرض لمثله. والكلام في الجميع من باب واحد، والعمل باطلاق دليل الخيار المقتضي للتراخي - كما ذكره في الجواهر وغيره - متعين. وأما دعوى الانصراف فممنوعة. ولو كان الانصراف موجبا لسقوط الخيار يتجدد اليسار كان موجبا لثبوته يتجدد الاعسار، وهو خلاف النص، فمنشأ الانصراف مخالف للنص. (1) الكلام فيه كالكلام فيما قبله. (2) على المشهور شهرة عظيمة، بل عن السرائر: نفي الخلاف فيه بين أصحابنا، بل حكي بعضهم عنها الاجماع عليه. ويقتضية إطلاق الادلة عمومها وخصوصها. وفي الجواهر استدل على ذلك بالسيرة على فعلها بحيث يعلم شرعيتها. لكنه كما ترى. وعن الشيخ في المبسوط في آخر الباب: المنع. وحكى بعضهم ذلك عن القاضي وابن حمزة، لاصالة

 

===============

 

( 399 )

 

[ ولا يكون داخلا في الضمان (1). ] عدم ترتب الاثر، التي لا مجال لها مع الاطلاق المقتضي للصحة. وفي جامع المقاصد: أن مبنى القولين المذكورين على الخلاف في أن الحوالة استيفاء أو اعتياض، فعلى الاول يجوز. وعلى الثاني لا يجوز. وتبعه على ذلك في المسالك، وسبقه إليه الشهيد في الحواشي على ما حكي. وفيه - كما في مفتاح الكرامة -: أن ذلك من تخريجات الشافعية، وإنما هي أصل برأسه وعقد مفرد، كما صرح بذلك جماعة، ومنهم الخلاف، قال: " إن الذي يقتضيه مذهبنا أن نقول إنها عقد قائم بنفسه ". ثم حكى اطباق أصحابنا على أنها ليست بيعا الا ما يلوح من المبسوط، وهو مؤول... إلى آخر ما ذكره. وفي الجواهر: أن الاصح كونها أصلا برأسه، وإن لحقها حكم الوفاء في بعض الاحوال، والاعتياض في بعض آخر... هذا والتأمل في مفهوم الحوالة والبيع والوفاء يقتضي وضوح تباين المفاهيم المذكورة وعدم انطباق بعضها على بعض، فلا وجه لاجراء أحكام بعضها على بعض إلا بدليل خاص. وقد سبق في الشرط السادس التعرض لما يظهر من جماعة من الاصحاب - ومنهم المصنف - من كونها وفاء. فراجع. (1) أشار بذلك إلى ما ذكره في الشرائع، قال: " ويصح أن يحيل على من ليس له عليه دين، لكن يكون ذلك بالضمان أشبه "، وفي القواعد "، لكنه أشبه بالضمان ". ووجه المشابهة اشتراكها مع الضمان في انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه كانتقاله إلى ذمة الضامن البرئ. وعن الكاشاني: " الاظهر أنها ضمان ". لكنه كما ترى، فان الضمان التعهد بالدين الذي في ذمة المضمون عنه ومن أحكامه انتقاله إلى ذمة الضامن، لا عين الانتقال، ولذا خالف فيه المخالفون، وفي المقام معنى الحوالة هو النقل والانتقال، فاختلفا مفهوما وإن اشتركا في بعض الاثار.

 

===============

 

( 400 )

 

[ (مسألة 6): يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة (1). (مسألة 7): يجوز الدور في الحوالة (2). وكذا يجوز الترامي (3) بتعدد المحال عليه واتحاد المحتال (4)، أو بتعدد المحتال واتحاد المحال عليه (5). (مسألة 8): لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته (6). ] (1) بلا إشكال ظاهر، عملا بعموم نفوذ الشروط وصحتها. قال في الجواهر: " وقد تقدم في الضمان مالا يخفى عليك جريانه في المقام كغيرة، من أحكام الاجل واشتراط الخيار وغير ذلك ". (2) كما ذكره في التذكرة وغيرها. وفي الجواهر: " بل لم نجد خلافا هنا وإن سمعته في الضمان ". ويقتضيه عموم الادلة في البابين. والمراد به: أن يحيل المحال عليه في بعض المراتب على المحيل الاول، فيرجع المحتال منه أولا عليه بعد ذلك. (3) كما نص عليه في الشرائع والقواعد وغيرهما. والظاهر أنه لا اشكال فيه كما يظهر ذلك من ذكرهم له مرسلين له إرسال المسلمات. ويقتضيه عموم الادلة. (4) كما إذا أحال زيد بكرا على عمرو، فاحاله عمرو على خالد، فأحاله خالد على الوليد، فأحاله الوليد على عبد الملك، فان المحتال واحد وهو بكر، والمحال عليه عمرو ثم خالد ثم الوليد... (5) كما إذا أحال بكر في المثال السابق خالدا على عمرو، فأحال خالد الوليد على عمرو، فأحال الوليد عبد الملك على عمرو. (6) هذا مما لا إشكال فيه، ضرورة جواز التبرع عن الغير في وفاء دينه وعدم اعتبار المباشرة فيه عرفا. ويقتضيه مادل على جواز وفاء

 

===============

 

( 401 )

 

[ وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال (1). وكذا لو تبرع المحيل عنه (2). (مسألة 9): لو أحال عليه فقبل وأدى ثم طالب المحيل بما أداه، فادعى أنه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه، فالقول قوله مع عدم البينة (3)، فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أداه، لاصالة البراءة من شغل ذمته للمحيل (4) ودعوى: أن الاصل أيضا عدم اشتغال ذمة المحيل بهذا الاداء مدفوعة: بأن الشك في حصول اشتغال ذمته وعدمه مسبب عن الشك في اشتغال ذمة المحال عليه (5). وعدمه وبعد جريان ] الوارث دين المورث، وما دل على وفاء دين الفقير من الزكاة، وما ورد في وفاء الولد دين والده وأنه يكتب بذلك بارا. (1) على ما تقدم قي كتاب الضمان. (2) هذا من أفراد المسألة الاولى. (3) كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. (4) فيكون قول المحيل موافقا للاصل، فيكون منكرا وعليه اليمين إذا لم تكن بينه لخصمه. (5) يعني: أن اداء المال المحول به يوجب اشتغال ذمة المحيل لو لم يكن ذمة المحال عليه مشغولة بمثله، أما إذا كانت مشغولة بمثله فحينئذ يقع التهاتر قهرا، فلا تشتغل ذمة المحيل بشئ، فيكون الحكم الشرعي أنه تشتغل ذمة المحيل بأداء المال إذا لم تكن ذمة المحال عليه مشغولة به للمحيل، فإذا كان هذا العدم مجرى الاصل ثبت الحكم الوجودي، وهو اشتغال ذمة المحيل.

 

===============

 

( 402 )

 

[ أصالة براءة ذمته يرتفع الشك. هذا على المختار من صحة الحوالة على البرئ، وأما على القول بعدم صحتها فيقدم قول المحيل، لان مرجع الخلاف إلى صحة الحوالة وعدمها، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدم قول مدعي الصحة وهو المحيل (1). ] (1) فإذا ثبتت الصحة ثبت اشتغال ذمة المحال عليه، لتوقف الصحة عليه، وإذا ثبت ذلك ثبتت براءة ذمة المحيل من مثل المال الذي دفعه المحال عليه للمحتال. وفي جامع المقاصد والمسالك، وعن غيرهما: تعارض أصل الصحة مع أصالة براءة ذمة المحال عليه، فيبقى مع المحال عليه أداء دين المحيل باذنه، فيرجع عليه. وفي مفتاح الكرامة والجواهر: الاشكال على ذلك بأن أصل الصحة مقدم على أصل البراءة في المقام، وكذلك على جميع الاصول المقتضية للفساد، لاخصية دليل حجية أصل الصحة من أدلة حجية الاصول المذكورة، ولو بني على العمل بها لم يبق لاصل الصحة مورد، نعم يشكل ما ذكر بأن أصل الصحة وإن اقتضى اشتغال ذمة المحال عليه لكن بلحاظ أثر الصحة، لا بلحاظ أثر آخر، فإذا وقع عقد أو ايقاع من مشكوك البلوغ وكان أصل الصحة يقتضي تحقق البلوغ لم يجز ترتيب اثار البلوغ كلية، بل يختص بصحة العقد المذكور، وكذلك إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة، فانه لا يترتب على أصالة صحة الصلاة إلا الطهارة من حيث الصلاة الواقعة، فلا يجوز له أن يصلي صلاة أخرى بلا طهارة اعتمادا على أصالة صحة الصلاة المثبتة للطهارة، فلا تثبت الطهارة بلحاظ سائر آثارها، كما بنى على ذلك المصنف في مباحث الشك من مباحث الخلل وكذلك غيره ممن سبقه أو لحقه.

 

===============

 

( 403 )

 

[ ودعوى: أن تقديم قول مدعي الصحة (1) إنما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين (2)، وهما في الحوالة المحيل والمحتال، وأما المحال عليه فليس طرفا وإن اعتبر رضاه في صحتها. مدفوعة أولا: بمنع عدم كونه طرفا، فان الحوالة مركبة من إيجاب وقبولين. وثانيا: يكفي اعتبار رضاه في الصحة في جعل اعترافه بتحقق المعاملة حجة عليه (3) بالحمل على الصحة. نعم لو لم يعترف بالحوالة، بل ادعى أنه أذن له في أداء دينه يقدم قوله لاصالة البراءة من شغل ذمته، فباذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه، ولم يتحقق هنا الحوالة بالنسبة إليه حتى تحمل على الصحة وإن تحقق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها. (مسألة 10): قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة (4) - حيث قالوا: " لو أحال عليه فقبل وأدى " فجعلوا محل ] (1) هذه الدعوى ذكرها في الجواهر معترضا بها على ما تقدم منه ومن مفتاح الكرامة. (2) لا يخفى أن أصل الصحة لا يختص بطرف العقد، بل يجري بالاضافة إلى كل من هو محل ابتلاء العمل الصحيح، سواء كان أحد طرفي العقد أو غيره. (3) لا يتوقف العمل بأصل الصحة على اعترافة، بل إذا ثبت وجود الحوالة وشك في صحتها لزم ترتيب الاثر عليها وإن لم يعترف بها أحد المتنازعين، فان القاضي الشرعي يجري الاصل المذكور ويعمل عليه في تشخيص المدعي والمنكر وترتيب الاحكام. (4) قال في جامع المقاصد: " فرع: لا يرجع المحال عليه مع براءة

 

===============

 

( 404 )

 

[ الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الاداء - أن حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض الا بعد الاداء، فقبله وان حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل والمحتال، لكن ذمة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البرئ الا بعد الاداء. والاقوى حصول الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرد قبول المحال عليه، إذ كما يحصل به الوفاء (1) بالنسبة إلى دين المحيل بمجرده، فكذا ] ذمته إلا بعد الاداء، لان الحوالة حينئذ في معنى الضمان. وفي المسالك: " وفي قوله - يعني: المحقق في الشرائع -: (أدى ثم طالب) إشارة إلى أن المحال عليه مع براءة ذمته لا يرجع على المحيل إلا مع الاداء، كالضامن، لما تقدم من أن هذا القسم بالمضان أشبه ". وفي مفتاح الكرامة: " وليعلم أن المحال عليه إذا كان برئ الذمة لا يرجع على المحيل إلا بعد الاداء، لان الحوالة حينئذ في معنى الضمان. ولذا عبر في الشرائع وغيرها بالاداء ". وفي الجواهر نحو ذلك. وصريح الجميع: أن الوجه في ذلك المشابهة بالضمان من أنها نقل للمال من ذمة المحيل إلى ذمة البرئ. وهو كما ترى، فان هذا النوع من المشابهة لا يقتضي ثبوت حكم الضمان من دون دليل عليه وما أكثر المشابهات بين العقود مع أن لكل واحد منها حكمه لا يتعدى منه إلى غيره مما يشابهه، فان الهبة المعوضة تشبه البيع، ولا يجري عليها حكم البيع، وكذا الصلح المعاوضي، بل عموم المعاوضات، مع أن لكل حكمه لا يتعدى منه إلى غيره. فالتعليل بذلك أشبه بتخريجات الشافعية ونحوهم، لا يعول عليه في إثبات الحكم الشرعي. (1) يعني: كما يحصل بالقبول وفاء ذمة المحيل يحصل اشتغال ذمة المحيل به فيحصل التهاتر إذا كان له دين على المحال عليه، أو يستقر في ذمته إذا كان المحال عليه بريئا. لما قد عرفت من أن من أسباب الضمان

 

===============

 

( 405 )

 

[ في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا كان مديونا له، وحصول شغل ذمة المحيل له إذا كان بريئا. ومقتضى القاعدة في الضمان أيضا تحقق شغل المضمون عنه للضامن بمجرد ضمانه، إلا أن الاجماع وخبر الصلح دلا على التوقف على الاداء فيه، وفي المقام لا إجماع ولا خبر، بل لم يتعرضوا لهذه المسألة. وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الاداء، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفاه بالاقل أو صالحه بالاقل، فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقا إذا كان بريئا. ] عرفا استيفاء مال الغير، والمحيل هنا قد استوفى مال المحال عليه باشتغال ذمته لافراغ ذمة نفسه. لكن في حاشية بعض الاعاظم: أن ما ذكر هو الصحيح: وكذا في كتاب الضمان، بدعوى أن استيفاء مال الغير الموجب لضمانه إنما يحصل بالاداء، لا بمجرد الاشتغال. وقد ذكرنا هناك الاشكال فيه وأن الاداء إنما يكون لمصلحة المحال عليه، لا لمصلحة المحيل، فان مصلحة المحيل حصلت بمجرد الحوالة، وبها كان فراغ ذمته وصلاح حاله، والاداء له دخل في فراغ ذمة المحال عليه، ولا يرتبط بالمحيل حتى يكون استيفاء له من المحيل. مع أنه لو سلم ذلك هنا لم يكن فرق بين الحولة على البرئ، والحوالة على غيره، وكل من قال باعتبار الاداء خصه بالحوالة على البرئ، لانها في معنى الضمان، ولم يقل به في الحوالة على غيره لانها ليست كذلك. وما ذكره (قده) في حاشيته الاخرى من الفرق بين الحوالة على البرئ والحوالة على المديون، بأنه في الحوالة على المديون لو توقف اشتغال ذمة

 

===============

 

( 406 )

 

[ (مسألة 11): إذا احال السيد بدينه على مكاتبة (1) بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صح، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده، لثبوته في ذمته (2). والقول بعدم صحته قبل الحلول (3)، لجواز تعجيز نفسه، ضعيف، إذ غاية ما يكون كونه متزلزلا، فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار. واحتمال عدم اشتغال ذمة العبد (4)، لعدم ثبوت ذمة اختيارية له فيكون وجوب الاداء تكليفيا. كما ترى. ] المحيل للمحال عليه على الاداء لزم اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل قبل الاداء وللمحتال معا. غير ظاهر، إذ لم يتضح كون ذلك محذورا حتى يتعين الفرار عنه بالالتزام بفراغ ذمة المحال عليه عن دين المحيل ويبقى في ذمته دين المحتال لاغير. ولو سلم فمثله في الاشكال الالتزام باشتغال ذمة المحال عليه بمال الحوالة بلا عوض في الحوالة على البرئ، إذ لم يكن ذلك قد أقدم عليه. فلاحظ. (1) يعني: إذا كان السيد مدينا، فاحال دائنه على عبده المكاتب بلحاظ ما عليه من مال الكتابة، صح التحويل. (2) هذا مالا إشكال فيه، كما في المسالك. ويقتضيه عمومات الصحة: (3) هذا القول حكي عن الشيخ في المبسوط، وعن القاضي متابعته مستدلا بما ذكر. (4) حكي ذلك عن الشيخ أيضا، كما تقدم في كتاب الضمان. ومقتضاه عدم صحة الحوالة حتى بعد حلول النجم، كما حكي عن الشيخ القول به. لكن ظاهر الشرائع وصريح المسالك اختصاص خلاف الشيخ بما قبل حلول النجم.

 

===============

 

( 407 )

 

[ ثم إن العبد بقبول الحوالة يتحرر لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الاداء منه، فإذا أعتقه المولى قبل الاداء بطل عتقه. وما عن المسالك من عدم حصول الانعتاق قبل الاداء، لان الحوالة ليست في حكم الاداء، بل في حكم التوكيل، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صح وبطلت الكتابة، ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة، لانه صار لازما للمحتال، ولا يضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة. فيه نظر من وجوه (1). وكأن دعواه أن الحوالة ليست في حكم الاداء إنما هي بالنظر إلى ما مر من دعوى توقف شغل ذمة المحيل للمحال عليه على الاداء، كما في الضمان، فهي وإن كان كالاداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال فبمجردها يحصل الوفاء وتبرأ ذمة المحيل، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك. وفيه منع التوقف المذكور كما عرفت، فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالاداء، فيتحقق بها الوفاء (2). (مسألة 12): لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله ] (1) أحدها: أنه لو كانت الحوالة توكيلا لم يكن وجه لانتقال المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ثانيها: أنه مناف لما ذكره من لزوم المال للمحتال، إذ لو كانت توكيلا فبالعتق ينتفي موضوع التوكيل، فتبطل الوكالة فكيف يبقى المال في ذمة المحال عليه للمحتال؟! ثالثها: أن لزوم المال للمحتال في ذمة المحال عليه يقتضي اشتغال ذمة السيد بمثله للاستيفاء. (2) وحينئذ يتحقق الانعتاق، ولا يصح عتق المولى بعد ذلك، حسب ما ذكر في المتن، ولا يصح ما ذكره في المسالك.

 

===============

 

( 408 )

 

[ بثمنها صح، لان حاله حال الاحرار، من غير فرق بين سيده وغيره. وما عن الشيخ من المنع ضيعف (1). (مسألة 13): لو كان للمكاتب دين على أجنبي فأحال سيده عليه من مال الكتابة صح، فيجب عليه تسليمه للسيد (2) ويكون موجبا لانعتاقه (3)، سواء أدى المحال عليه المال للسيد أم لا. (مسألة 14): لو اختلفا في أن الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة (4)، ] (1) استدل له بأن المكاتبة جائزة، فلو اشترى شيئا من سيده لزمه ثمنه، ومن الجائز فسخ الكتابة، لانها من العقود الجائزة، فيلزم حينئذ ثبوت شئ في ذمة العبد لسيده. وفيه: أولا: منع كونها جائزة ولو سلم وفرض تحقق الفسخ فان امتنع ملك المولى شيئا في ذمة العبد كان ذلك موجبا لانفساخ البيع، لا بطلان البيع مطلقا من أول الامر. ولاجل ذلك لم ينسب المنع إلى أحد سوى الشيخ فلم يوافقه عليه أحد. كما أنه بناء على ذلك فالمسألة من مسائل الكتابة لا الحوالة. (2) أما الصحة: فمقتضى العمومات. وأما وجوب التسليم: فلكونه من لوازمها. (3) كما ذكره في الجواهر، وقبله في المسالك وغيرها. لانه بمنزلة الاداء. ولم ينقل خلاف فيه، بل لا ينبغي ذلك، فكأن المراد من أداء مال الكتابة عدم بقائه في ذمة العبد وافراغ ذمة العبد منه، كما إذا أبرأه منه. (4) قال في الشرائع: " إذا قال: (أحلتك عليه) فقبض، وقال المحيل قصدت الوكالة، وقال المحتال: انما أحلتني بما عليك، فالقول قول

 

===============

 

( 409 )

 

[ فمع عدم البينة يقدم قول المنكر الحوالة (1)، سواء كان هو المحيل أو المحتال، وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده، وذلك لاصالة بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحتال (2) وبقاء اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل، وأصالة عدم ملكية ] المحيل، لانه أعرف بلفظه. وفيه تردد. أما لو لم يقبض واختلفا فقال: (وكلتك)، فقال: (بل أحلتني)، فالقول قول المحيل قطعا. ولو انعكس الفرض فالقول قول المحتال ". فاقتصر في تحرير الخلاف على صورة الاتفاق على صدور لفظ التحويل والمصنف فرض المسألة أولا في صورة عدم الاتفاق منهما على لفظ بعينه، ثم فرضها ثانيا في صورة الاتفاق على صدور لفظ: (أحلتك) من المحيل، وقد تبع في ذلك القواعد، غير أنه فيها قدم الفرض الثاني على الاول. وهو أوسع وأنفع. (1) كما عن التذكرة والتحرير والمبسوط، بل عن الا خبر: أنه لا خلاف فيه. (2) إذا كان المعيار في كون الشخص مدعيا ومنكرا مصب الدعوى ففي المقام يقتضي ذلك أن يكون الخصمان متداعيين، لان كلا من الحوالة والوكالة مخالف لاصالة عدمه. لكن التحقيق أن المدار في تشخيص المدعي والمنكر هو الغرض المقصود من التداعي لامصب الدعوى. والغرض المقصود هنا هو اشتغال ذمة المحيل للمحتال، واشتغال ذمة المحال عليه للمحيل أو للمحتال والاصل يقتضي بقاء الاول والثاني وعدم الثالث. وكل هذه الاصول توافق الغرض من دعوى الوكالة وتخالف الغرض من دعوى الحوالة، فيكون مدعي الحالة مدعيا لمخالفة دعواه للحجة، ومدعي الوكالة منكرا لموافقة دعواه للحجة.

 

===============

 

( 410 )

 

[ المال المحال به للمحتال. ودعوى: أنه إذا كان بعد القبض (1) يكون مقتضى اليد ملكية المحتال، فيكون المحيل المنكر للحوالة مدعيا، فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة. مدفوعة: بأن مثل هذه اليد لا يكون امارة على ملكية ذيها (2) فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص وادعى انه دفعه أمانة وقال الآخر: دفعتني هبة أو قرضا، فانه لا يقدم قول ذي اليد. هذا كله إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما، وأما إذا علم وكان ظاهرا في الحوالة أو في الوكالة فهو المتبع. ولو علم أنه قال: " أحلتك على فلان " وقال: " قبلت " ثم اختلفا في أنه حوالة أو وكالة، فربما يقال: إنه يقدم قول مدعي الحوالة (3)، لان الظاهر من لفظ: ] (1) هذه الدعوى ذكرها في الجواهر وجها للتردد في تقديم قول المحيل إذا كان يدعي التوكيل، كما ذكر في الشرائع. (2) لما اشتهر من أن ذا اليد إذا ادعى الملكية عن سبب معين كان مدعيا، لان اليد إنما تدل على الملكية في الجملة ولا تدل على السبب المدعى، فالمدعي له تخالف دعواه الاصل. لكن عرفت أن المدار في كون الخصم مدعيا هو الغرض لا مصب الدعوى، والغرض هو الملكية لا السبب المعين. فالعمدة في عدم حجية اليد في المقام عدم الدليل على حجية اليد، لان أدلة الحجية منزلة على الارتكاز العقلائي، وهو يختص بغير هذه الصورة. (3) كذا في المسالك، لكن قوى خلاف: وفي جامع المقاصد جعله الاصح، وتبعه في الجواهر. خلافا للمبسوط فذكر أن القول قول مدعي

 

===============

 

( 411 )

 

[ " أحلت " هو الحوالة المصطلحة (1)، واستعماله في الحوالة مجاز فيحمل على الحوالة. وفيه: منع الظهور المذكور (2). نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة، وأما ما يشتق ] الوكالة عملا بالاصول المتقدمة في صدر المسألة. وفي القواعد: أنه الاقرب ومال إليه في الشرائع، بل قطع به إذا كان الاختلاف بعد القبض، كما تقدم في عبارته المحكية. وفي المسالك: نسبه إلى الشيخ وجماعة. لكن في مفتاح الكرامة: " لم نعرفهم، ولا وجدنا ناقلا عنهم ". ولعل غرض المسالك من ذلك المحقق والعلامة. وقد أطال في المسالك في تقريبه والدفاع عنه. (1) ذكر ذلك في جامع المقاصد، وسبقه إلى ذلك في التذكرة، وتبعه على ذلك في الجواهر وغيرها. (2) لكن ظاهر الجماعة الذين ذهبوا إلى تقديم قول مدعي الوكالة الاعتراف بذلك، فقد ذكر في القواعد: أن الاقرب تقديم قول المحيل إذا كان قد ادعى التوكيل، لانه أعرف بلفظه وقصده، واعتضاده بالاصل. ثم قال: " ويحتمل تصديق المستحق، عملا بشهادة اللفظ "، فهو يعترف بشهادة اللفظ بالحوالة ومع ذلك جعل الاقرب تقدم قول مدعي الوكالة، ونحوه كلام الشيخ في المبسوط، فان المحكي عنه في الاستدلال على تقديم دعوى المحيل قصد الوكالة: أنه أعرف بلفظه باعتبار استعماله في المعنى الحقيقي وغيره، وكذا هو أعرف بما قصده إذ لا يعلم قصده الا من قبله، و ان قوله معتضد بأصالة بقاء المحيل... فهو يعترف بأن الحوالة حقيقة في معناها لكن يقبل قول القائل أردت الوكالة. وبالجملة: فالذي يظهر من كلماتهم الاعتراف بظهور " احلتك " ونحوه في الحوالة لكن يقبل قول مدعي الوكالة من جهة الاصل. وحينئذ فالاشكال عليه واضح، فان الاصل لا يجري مع ظهور الكلام على خلافه، فلا يكون من يوافق

 

===============

 

( 412 )

 

قوله الاصل منكرا بعد أن كان الاصل غير حجة لمخالفته لظاهر الكلام. وأما منع الظهور الذي ادعاه المصنف (ره): فغير ظاهر، إذ التحويل له معنيان: شرعي في الاصل وحقيقة في عرف المتشرعة، وهو نقل المحيل دينه من ذمته إلى ذمة المحال عليه، وعرفي وفي الاصل لغوي، وهو نقل الشئ من شئ إلى آخر، سواء كان من ذمة إلى أخرى أم من مكان إلى آخر أم من حال إلى حال أخر، فإذا قال المدين للدائن: " أحلت دينك على فلان " كان حوالة شرعية وعرفية، وإذا قال: " أحلتك على فلان " فالمعنى الذي تحت الفظ هو الحوالة العرفية. لكنه كناية عن الحوالة الشرعية، لان الدين لما نقل من ذمة المدين إلى غيره كأنه نقل الدائن من مكان المطالبة إلى مكان آخر، فهو نظير قولنا: " زيد كثير الرماد " المراد منه كثير الطبخ والكرام. وأما استعاله في الوكالة فهو من المجاز، إذ لا رائحة فيه للنقل للدين ولا لاثر من آثاره، إذ في التوكيل تسليط على مطالبة غير المدين، فيكون الوكيل قادرا على مطالبة المدين الموكل ومطالبة مدينه، فالوكالة حينئذ توسع في سلطان الدائن، لانقل لمدينة ولا لسلطانه على المطالبة، لان توكل المدين له على استيفاء دينه لا يمنعه من مطالبته، وإنما يسوغ له مطالبة المدين لمدينة مضافا إلى مطالبة مدينه، فكيف يصح حمله على الوكالة؟! إلا أن تكون من المجازات البعيدة. ومن ذلك تعرف الاشكال على ما ذكره في المسالك، حيث أشكل على ما ذكره في جامع المقاصد - من أن ظهور " أحلتك " في الحوالة مقدم على الاصول التي توافق الوكالة، لان الاصل الحقيقة - بأن الوكالة لما كانت تتحقق بكل لفظ يدل على الاذن بطريق الحقيقة وكانت الحوالة مؤدية لذلك لان معنى " أحلتك " كما يحتمل تحويل المال من ذمة إلى

 

===============

 

( 413 )

 

[ منها - كلفظ: " أحلت " - فظهوره فيها ممنوع (1). كما أن لفظ الوصية ظاهر في الوصية المصطلحة. وأما لفظ: " أوصيت " أو " أوصيك بكذا " فليس كذلك (2). فتقديم قول مدعي الحوالة في الصورة المفروضة محل منع (3). (مسألة 15): إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن، أو أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي برئ أو مديون للمشتري، ثم بان بطلان البيع، بطلت ] ذمة يحمتل ارادة تحويل المطالبة من المحيل إلى المحتال، ففائدتها تسليطه على المحال عليه... إلى آخر ما ذكر في النقض والابرام في تقريب ما ذكره الشيخ والجماعه. وجه الاشكال: أن الوكالة ليس فيها تحويل المطالبة من المحيل إلى المحتال، فان الوكالة لا تمنع من مطالبة الموكل لمدينه، فان الوكالة لا توجب انعزال الموكل عن السطان، فلا تحويل ولا تحول، فلابد أن يكون من المجاز. (1) فيه نظر، لان المشتق تابع للمشتق منه ومشارك له في مادة الاشتقاق، نعم كان الاولى له أن يمنع أن يكون: " أحلتك " مشتقا من الحوالة فلعله مشتق من التحويل، وحينئذ يتخلص من الاشكال المذكور. لكن يتوجه عليه أن اشتقاقه من التحويل لا يصحح استعماله في الوكالة على وجه الحقيقة، لما عرفت من أنه لا تحويل فيه ولا تحول، فيتعين حمله على الحوالة الاصطلاحية بقرينة المورد. (2) قد عرفت الاشكال فيه، وأن اللازم حينئذ دعوى كون " أوصيت " ونحوه من المشتقات مشتقة من الايصاء لا من الوصية. (3) بل هو المتعين، كما عرفت.

 

===============

 

( 414 )

 

[ الحوالة في الصورتين (1)، لظهور عدم اشتغال ذمة المشتري للبايع واللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال. هذا في الصورة الثانية، وفي الصورة الاولى وإن كان المشتري محالا عليه ويجوز الحوالة على البرئ، إلا أن المفروض ارادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمته، فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمته (2) لا عليه. ولا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقيا على ملك المشتري، فله الرجوع به ومع تلفه يرجع على المحتال (3) في الصورة الاولى وعلى البائع في الثانية. ] (1) كما في الشرائع والقواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها، وعن الفخر في شرحه: الاجماع عليه. وعلل بما في المتن، ومقتضاه بطلان الحوالة من أصلها، وإن كان ظاهر العبارة - كعبارة الشرائع والقواعد وغيرهما - يقتضى طروء البطلان على الحوالة بظهور بطلان البيع، لا بطلانها من أصلها. فكأنه تسامح في التعبير. ولذا قال في جامع المقاصد: " وقد كان الاحسن أن يقول: ولو فسد البيع فالحوالة باطلة إذ لم يطرأ بطلانها ". ونحوه في المسالك. (2) بذلك دفع الاشكال في مفتاح الكرامة والجواهر. وفيه: أن الحواله نقل الدين إلى ذمة المحال عليه، لا إلى ما في ذمته. نعم قد يلحظ ما في ذمته قيدا للتحويل، وقد يلحظ داعيا، وقد لا يلحظ أصلا، وفي الاول تبطل الحوالة بفقده لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، ولا تبطل في الاخيرين لانتفاء المقتضي. (3) لانه القابض لغير ماله، وكذا البائع في الثانية.

 

===============

 

( 415 )

 

[ (مسألة 16): إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثم انفسخ البيع بالاقالة أو باحد الخيارات فالحوالة صحيحة، لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن (1)، فيكون كما لو تصرف أحد المتبايعين في ما انتقل إليه ثم حصل الفسخ فان التصرف لا يبطل بفسخ البيع. ولا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده (2)، فهي تبقى بحالها ويرجع البايع على المشتري (3) بالثمن. وما عن الشيخ وبعض آخر (4) من الفرق بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة الثانية - وهي ما إذا أحال المشتري البايع بالثمن على أجنبي - ] (1) هذا يصلح تعليلا لصحتها حال وقوعها، لا لصحتها حال انفساخ البيع الذي هو محل الكلام. واللازم تعليل الصحة حينئذ بعدم المقتضي للبطلان كما إذا تصرف أحد المتبايعين ثم وقع الفسخ. (2) لاطراد المقتضي للصحة في المقامين. (3) هذا من السهو، والصحيح ويرجع المشتري على البائع. (4) المحكي عن الشيخ في المبسوط: بطلان الحوالة إذا كان المشتري قد أحال البائع ثم فسخ البيع، لانها تابعة للبيع، فإذا بطل المتبوع بطل التابع، وعن مجمع البرهان: أن البطلان أقوى، وفي الشرائع: " إذا أحال المشتري البائع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب السابق بطلت الحوالة، لانها تتبع البيع. وفيه تردد ". فيحتمل أن يكون وجه التردد ما ذكره المصنف (ره) - تبعا لجماعة - من أن الحوالة من العقود اللازمة. وتبعيتها للبيع في الانفساخ لا مقتضي لها، ويحتمل أن يكون وجه التردد ما سيأتي نقله عن العلامة.

 

===============

 

( 416 )

 

[ لانها تتبع البيع في هذه الصورة، حيث أنها بين المتبايعين بخلاف الصورة الاولى. ضعيف، والتبعية في الفسخ وعدمه ممنوعة. نعم هي تبع للبيع حيث أنها واقعة على الثمن، وبهذا المعنى لا فرق بين الصورتين (1). ] (1) إذ في الصورة الاولى الحوالة واقعة من البائع على الثمن، وفي الصورة الثانية واقعة من المشتري بالثمن، فالثمن موضوع لها في الصورتين معا. هذا ولا يخفى أنه في الصورة الثانية لما كان المشتري قد حول البائع بالثمن فالبائع يقبض الثمن من المحول عليه، فإذا بطل البيع رجع الثمن إلى ملك المشتري. أما في الصورة الاولى فالبائع حول غريمه على الثمن، فالمقبوض للغريم هو الثمن، فإذا بطل البيع بالفسخ امتنع أن يرجع الثمن المقبوض لغريم البائع إلى المشتري، لانه ليس ملكا للبائع، بل هو مضمون على البائع ضمان المعاوضة فيرجع المشتري به على البائع الضامن له لا على غيره. فيكون الحكم كما إذا اشترى البائع بالثمن ثوبا، فانه لا يرجع الثوب إلى المشتري بالفسخ. وبالجملة: في الصورة الثانية ينتقل الثمن الذي للبائع على المشتري من ذمة المشتري إلى ذمة المحال عليه، فلا تبدل في نفس المال، وإنما التبدل في الذمة، فانتقل من ذمة إلى ذمة، فإذا قبضه البائع من المحال عليه ففسخ البيع رجع نفس المقبوض إلى المشتري، لانه عين الثمن. وفي الصورة الاولى يكون الثمن الذي في ذمة المشتري قد انتقل إلى غريم البائع، ولم يبق في ملك البائع كي يرجع بالفسخ إلى المشتري، فالتبعية للبيع وإن كانت موجودة في الصورتين ولكن الكيفية مختلفة. بل عرفت سابقا أن الحوالة على غير البرئ ليست حوالة على المال، وإنما هي حوالة على الذمة، والمال مأخوذ قيدا تارة، وداعيا أخرى، وغير ملحوظ ثالثة كما عرفت، والتبعية تختص بالصورة الاولى

 

===============

 

( 417 )

 

[ وربما يقال ببطلانها (1) إن قلنا إنها استيفاء، وتبقى إن قلنا إنها اعتياض. والاقوى البقاء وإن قلنا إنها استيفاء، لانها معاملة مستقلة (2)، لازمة لا تفسخ بانفساخ البيع، وليس ] لاغير، وفيها أيضا لاتبعية في الفسخ، ولذلك قال في الشرائع: " أما لو أحال البائع أجنبيا بثمن على المشتري، ثم فسخ المشتري بالعيب أو بأمر حادث، لم تبطل الحوالة، لانها تعلقت بغير المتعاقدين ". ونحوه ما في القواعد، وعن الفخر في شرح الارشاد: الاجماع عليه، بل عن الشيخ: نفي الخلاف فيه، وإن تأمل في الحكاية بعض: (1) ذكر ذلك في القواعد، قال: " ولو احتال البائع ثم ردت السلعة بعيب سابق، فان قلنا: إن الحوالة استيفاء بطلت، لانها نوع إرفاق، فإذا بطل الاصل بطلت هيئة الارفاق، كما لو اشترى بدراهم مكسرة فأعطاه صحيحا ثم فسخ، فانه يرجع بالصحاح. وإن قلنا: إنها اعتياض، لم تبطل، كما لو استبدل عن الثمن ثوبا ثم رد بالعيب، فانه يرجع بالثمن لا الثوب، فللمشتري الرجوع على البائع خاصة إن قبض، ولا يتعين المقبوض، وإن لم يقبضه فله قبضه ". (2) هذا خلف، فانه إذا سلم إنها استيفاء لا تكون معاملة مستقلة في قبال الاستيفاء والاعياض. اللهم الا أن يكون مراده من الاستيفاء الاعم من ذلك، كما يظهر من عبارته. إلا أنه غير مرادهم من الاستيفاء كما يظهر من المثال المذكور في القواعد. فانه من الاستيفاء بالمعنى الخاص. وقد تقدم في كلام جماعة: انها استيفاء، والمصنف وافقهم على ذلك، وتقدمت المناقشة معهم بأنها لا تكون استيفاء، إذ لم يصل إلى الدائن شئ فلم يكن وفاء، وإنما كان مجرد فراغ ذمة المديون المحيل لاغير. وإن شئت قلت: ليس الحوالة وفاء حال وقوعها، إذ لم يصل إلى الدائن

 

===============

 

( 418 )

 

شئ من ماله، ولا حال القبض من المحال عليه، لفراغ ذمته قبل ذلك، وإنما القبض وفاء عما في ذمة المحال عليه لاغير. كما أنها ليست اعتياضا، إذ لم تكن معاوضة بين المحيل والمحتال بأن يكون المال الذي في ذمة المحال عليه عوضا عما له في ذمة المحيل، فان ذلك غير مقصود، ولا هو مفهوم الحوالة عرفا. بل ليس مفهومها الا نقل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فالثمن الذي في ذمة المشتري للبائع قد انتقل إلى ذمة المحال عليه، فالحوالة تبديل في الذمم لا تبديل في المال، فان المال باق بحاله وخصوصياته من دون تغيير فيه ولا تبديل، كالعين الخارجية التي تنقل من صندوق إلى صندوق ومن ظرف إلى ظرف. ولو كانت اعتياضا جرى عليها حكم بيع الصرف، من لزوم التقابض في المجلس، وجرى عليها حكم بيع الدين بالدين. فالبائع المحتال يملك الثمن في ذمة المحال عليه، فإذا وقع الفسخ قبل القبض بطلت الحوالة، لرجوع الثمن إلى ملك المشتري، وليس للبائع أخذه من المحال عليه، وإذا وقع الفسخ بعد القبض رجع المقبوض إلى ملك المشتري، لانه الثمن فيرجع إليه بالفسخ. ولذلك قال في الشرائع تفريعا على بطلان الحوالة: " فان لم يكن البائع قبض المال فهو باق في ذمة المحال عليه للمشتري. وإن كان البائع قبضه فقد برئ المحال عليه ويستعيده المشتري من البائع ". وأوضحه العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك بنحو ما ذكرنا، بل في الجواهر: " بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ". وعلى هذا فاللازم القول ببطلان الحوالة إذا وقع الفسخ قبل القبض وصحتها إذا وقع بعد القبض، لان بطلانها حينئذ يقتضي رجوع المقبوض إلى ملك المحال عليه، لا إلى المشترى، ولا يقولون به، ولا مقتضي له،

 

===============

 

( 419 )

 

[ حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة، كما إذا اشترى شيئا بدراهم مكسرة فدفع إلى البايع الصحاح أو دفع بدلها شيئا آخر وفاء (1)، حيث انه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشئ الآخر، لا الدراهم المكسرة، فان الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة، بل يتبع البيع في الانفساخ، بخلاف ما نحن فيه، حيث أن الحوالة عقد لازم (2) وان كان ] فاللازم التفصيل بين ما قبل القبض فالبطلان، وما بعده فالصحة، لا إطلاق القول ببطلان الحوالة. بل تمكن المناقشة فيما في الشرائع إذا بطلت الحوالة للفسخ قبل القبض يكون المال باقيا في ذمة المحال عليه للمشتري، بأن بطلان الحوالة يقتضي فراغ ذمة المحال عليه لا اشتغالها بالمحال به للمشتري، فان ذلك مقتضى الصحة لا البطلان. (1) في كون ذلك من الوفاء إشكال، لان الوفاء أداء ما في الذمة، والجنس الآخر أجنبي عما في الذمة فلا يكون أداء له. نعم إذا كان الاختلاف بالصفات مثل الصحاح والمكسرة والعبد الكاتب وغير الكاتب، يمكن تنازل المشتري عن الوصف فيقبل غير الموصوف، أو تنازل البائع عنه فيدفع غير الموصوف كالصحيح بدل المكسور، فيكون الوفاء بالنسبة إلى الذات. وهذا المعنى لا يأتي مع اختلاف الذات. والاكتفاء بالمالية، فيكون الوفاء بالاضافة إليها لا غير، خلاف ما بنوا عليه من بطلان البيع مع اختلاف الجنس، كما إذا باع عبدا فتبين أنه حيوان، أو باع ذهبا فتبين أنه نحاس، ونحو ذلك، فان البناء على البطلان يقتضي عدم البناء على تعدد المطلوب في ذلك، بخلاف باب الاختلاف بالصفة. وعلى هذا فلو بطل البيع رجع المشتري بالمسمى، لا ببدله. (2) اللزوم في نفسه لا ينافي الانفساخ بذهاب الموضوع وانتفائه.

 

===============

 

( 420 )

 

[ نوعا من الاستيقاء. (مسألة 17): إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي فأحال داينه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل المحتال والمحال عليه، وجب عليه الدفع إليه (1)، وإن لم يكن من الحوالة المصطلحة (2). وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته. ولو لم يتمكن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل المحال عليه إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستندا إليه، للغرور (3). (تم كتاب الحوالة) ] (1) جواز الدفع من جهة الاذن معلوم. أما وجوبه فغير معلوم إذا أمكن الدفع إلى المالك في ذلك الزمان أو فيما قبله، إذ الوكيل ممنوع من التصرف في المال بغير إذن مالكه، وكما يمكن الفرار عن ذلك بالدفع إلى المحتال يمكن بارجاعه إلى المالك. نعم إذا تعذر الدفع إلى المالك حينئذ وجب الدفع إلى المحتال، لئلا يلزم التصرف في مال المالك بغير إذنه، وحينئذ لا يتوقف وجوب الدفع على قبوله الحوالة. (2) لعدم انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. (3) فان قاعدة الغرور شاملة للمقام، ومجرد عدم وجوب الوفاء بالوعد والقبول لا يمنع من صدق الغرور، فان الغرور لم يكن مستندا إلى وجوب الوفاء، بل مستندا إلى الثقة بالوفاء بالوعد، كما لعله ظاهر. والحمد لله رب العالمين كما هو أهله. والصلاة والسلام على رسوله الكريم وأهل بيته الطاهرين. انتهى الكلام في ثامن شعبان المكرم، في السنة الثانية والثمانين بعد الالف والثلاثمائة من الهجرة النبوية، على صاحبها (1) جواز الدفع من جهة الاذن معلوم. أما وجوبه فغير معلوم إذا أمكن الدفع إلى المالك في ذلك الزمان أو فيما قبله، إذ الوكيل ممنوع من التصرف في المال بغير إذن مالكه، وكما يمكن الفرار عن ذلك بالدفع إلى المحتال يمكن بارجاعه إلى المالك. نعم إذا تعذر الدفع إلى المالك حينئذ وجب الدفع إلى المحتال، لئلا يلزم التصرف في مال المالك بغير إذنه، وحينئذ لا يتوقف وجوب الدفع على قبوله الحوالة. (2) لعدم انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. (3) فان قاعدة الغرور شاملة للمقام، ومجرد عدم وجوب الوفاء بالوعد والقبول لا يمنع من صدق الغرور، فان الغرور لم يكن مستندا إلى وجوب الوفاء، بل مستندا إلى الثقة بالوفاء بالوعد، كما لعله ظاهر. والحمد لله رب العالمين كما هو أهله. والصلاة والسلام على رسوله الكريم وأهل بيته الطاهرين. انتهى الكلام في ثامن شعبان المكرم، في السنة الثانية والثمانين بعد الالف والثلاثمائة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل السلام وأكمل التحية.