الايجار كلّ شهر بكذا

الايجار كلّ شهر بكذا :

ما هو حكم الشرع في الايجار الشائع، مثل اجرتك هذا البيت، أو الحانون كلّ شهر بكذا، بحيث تكون المنفعة والأجرة وابتداء الاجارة كلّ ذلك معلوم، ولم يجهل إلاّ انتهاء الاجارة فقط ؟

قال جماعة من الفقهاء ببطلان الاجارة، حيث أوجبوا العلم بزمن الاجارة بداية ونهاية، وقال آخرون: تصح الاجارة في الشهر الأول، وتبطل فيها بعده، ويثبت على المسأجر اجرة المثل. وجاء في كتاب الجواهر باب الاجارة، والجزء السابع من مفتاح الكرامة ص112 طبعة 1336 هـ: «في كتاب الخلاف للشيخ، والغنية لابن زهرة: اذا قال: اجرتك هذه الدار كلّ شهر بكذا كانت الاجارة صحيحة، والمنع يحتاج إلى دليل، وان لم يعين آخر المدة. وعن ابن الجنيد أنّه قال: لا بأس أن يستأجر الدار كلّ شهر بكذا، وكلّ يوم بكذا، ولا يذكر نهاية الاجارة» .

ونحن على هذا الرأي، ومن القائلين بالجواز، لأن العقد تام في نظر لاعرف، فيشمله: أوفوا بالعقود، والمؤمنون عند شروطهم. ولا يستلزم ذلك أي محذور، فان الاجرة معلومة، وجهة المنفعة معلومة، ومجرد الجهل بنهاية الاجارة لا يستلزم بطلانها، فليس كلّ جهل موجب للبطلان أو مؤدٍ للضرر. وقد رأينا العرف يتسامح في مثل ذلك، ويكتفي بالعلم بجزء معلوم من الاجرة مقابل جزء معلوم من العمل.. مثل أن يقول المالك للعامل: انقل هذه الأكياس، ولك كذا عن كلّ كيس، أو هذه الاحجار، ولك عن كلّ حجر درهم، وما إلى ذاك فان مثل هذا شائع ومعروف مع جهلهم بعدد الأكياس والأحجار، ومجموع الاجرة عليهما ([1]) .

ونقل صاحب الحدائق عن المحقق الاردبيلي وعن صاحب الكافية الميل إلى صحة الاجارة إذا قال: آجرتك الدار، والحانوت كلّ شهر بكذا فمتى تنتهي الاجارة؟ وفي أي وقت يجوز للمالك، أو للمستأجر أن يفسخ الايجار، وينهي مدته؟ مع العلم بأن الاجارة من العقود اللازمة التي لا تفسخ قبل انتهاء مدتها إلاّ بارادة المتعاقدين ؟

الجواب: نقل صاحب الجواهر، وصاحب مفتاح الكرامة عن السيّد ابن زهرة أنّه أجاب عن ذلك بأن أجرة الشهر تستحق بالدخول فيه، ولا يجوز للمستأجر ولا للمؤجر الفسخ حتّى ينقضي الشهر، فإذا انقضى الشهر جاز الفسخ.. ومهما يكن، فإن الذين قالوا ببطلان الاجارة إذا لم يعين نهايتها قالوا جميعاً: ان ذلك يصح إذا قصد الجعالة، أو الاباحة بعوض، حيث يتحملان من الجعالة ما لا تتحمله الاجارة، وسنذكر في الفصل الآتي الفرق بين الاجارة والجعالة عن الفقهاء، وان المستأجر يملك المنفعة في الاجارة، وعليه أن يدفع عوضها على كلّ حال، حتّى ولو لم يستوفيها، أما الجعالة ، فإن العوض لا يدفع إلاّ مع الاستيفاء.

__________________________________________

[1] ربما يجاب عن هذا، وأمثاله بأنه من باب الجعالة لا الاجارة.. والذي نعتقده أن العرف لا يفرقون بين الجعالة والاجارة، ويأتي الكلام عن الجهالة مفصلاً في الفصل التالي ان شاء اللّه‏ .