الربا

يحرم الربا بنص الكتاب والسنة واجماع المسلمين كافة من يوم الرسول الأعظم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم إلى اليوم بل لا يحتاج التحريم إلى دليل لأن الدليل انما يستدل به على النظريات الاجتهادية والمسائل الظنية أمّا الواضحات البديهية فيستوي في معرفتها العالم والجاهل والمجتهد والمقدل فلا حاجة بها ـ اذن ـ إلى دليل.. ومن هنا حكم الفقهاء بكفر من انكر تحريم الربا لأنه ينكر ما ثبت بضرورة الدين تماماً كما ينكر وجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة قيل للامام الصادق عليه‏السلام : ان فلاناً يأكل الربا ويسميه اللبا؟ قال: لأن امكنني اللّه‏ منه لاضربن عنقه .

وكما يحرم أخذ الرب كذلك يحرم اعطاؤه فعن علي أمير المؤمنين عليه‏السلام أن رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم «لعن الربا وآكله وبايعه ومشتريه وكاتبه والشاهد عليه» ولا فرق  في التحريم بين الدافع والقابض حتى ولو كان لضرورة ملحة لأن الشارع لعن الجميع وهددهم بقوله: «فاذنوا بحرب من اللّه‏ ورسوله» ولم يستشن أحداً .

وتقول: لقد تسالم الفقهاء على أن الضروريات تبيح المحذورات... وانه سبحانه اذا قال: يَمْحَقُ اللّه‏ُ الرِّبَاْ وَيُربي الصَّدَقَاتِ فقال أيضاً: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيكُمُ الْمَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّه‏ِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّه‏َ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ([1]). وتحريم الربا تماماً كتحريم الميتة فان حلت الميتة من أجل الضرورة فيجب أن يحل الربا للغاية نفسها .

ونجيب أولاً: ان الضرورة المسوغة غير موجودة هنا اطلاقاً لا بالقياس إلى القابض ولا بالقياس إلى الدافع أمّا القابض فلأن المفروض أن لديه من المال ما يقيم به الاود ولو يوماً واحداً والآية الكريمة أحلت الميتة والدم ولحم الخنزير لمن اشرف على الهلاك من الجوع لا لمن يرابي لتربو امواله وأمّا الدافع فلأن الضرورة اذا سوغت له أخذ المال فانها لا تسوغ له دفع الزيادة التي اشترطت عليه واذا اخذت قهراً عنه فلا تحل للآخذ بل تكون أكلاً للمال بالباطل .

ثانياً: لا تلازم بين تحليل الميتة للمضطر وبين تحليل أموال الغير.. أجل قال الفقهاء: اذا انحصر حفظ الحياة بأكل مال الغير جاز أن يأكل منه بمقدار ما يرفع الضرر على شريطة أن يضمن الآكل بدل المال من المثل والقيمة ويسدد عند الامكان وبديهة أن هذا شيء وتحليل الربا شيء آخر. وبكلمة ان الاضطرار ليس سبباً من اسباب الملك ولا لصحة المعاملة بل يرتفع التحريم والعقاب فقط ولا تلازم بين الحكم التكليفي وهو التحليل وبين الحكم الوضعي أي الفساد فقد تكون المعاملة محرمة وغير فاسدة كالبيع وقت النداء وقد تكون فاسدة وغير محرمة كبيع الصغير والسفيه .

وبهذا يتضح أن الربا لا يحل أكله بشتى صوره واشكاله أمّا الاضطرار وخوف الهلاك فانه يرفع الاثم فقط ولا يكون سبباً للتمليك وصحة المعاملة .

______________________________

[1] البقرة: 173 .

 

 

هل فساد الربا موجب لفساد المعاملة من الاساس أو يختص الفساد بالزيادة فقط أمّا المعاملة فصحيحة وبكلمة: هل الربا فاسد ومفسد للعقد أو فاسد غير مفسد ـ مثلاً ـ اذا اقرضه عشرة دراهم بشرط أن يردها اثني عشر أو باعه مداً من الحنطة بواحد ونصف فالزيادة محرمة وفاسدة بلا ريب ولكن هل تفسد المعاملة أيضاً؟. فلا يصح للمستقرض أن يتصرف برأس المال وهو الـ 10 دراهم ولا للمشتري بمد الحنطة أو أن المعاملة تكون صحيحة ويجوز للمستقرض أن يتصرف بالمال وللمشتري بالمبيع ؟

والجواب: ان كل ما فيه شائبة الربا فهو فاسد ومفسد حتى ولو قلنا: ان الشرط الفاسط ـ غير الربا ـ لا يفسد لأن الادلة التي دلت على تحريم الربا صريحة بأن كل معاملة تتصل بالربا من قريب أو بعيد فهي باطلة تماماً كبيع الحصاة. (مر تفسيره في فصل شروط العوضين فقرة النهي عن المعاملة).

وعلى هذا فمن اشترى جنساً بجنس مع الزيادة أو اقترض كذلك يجب أن يرد المال الذي اقترض والمبيع الذي قبض ويحرم عليه التصرف فيه مع العلم بالربا وفساد المعاملة وان ابقاه في يده جرى عليه حكم المقبوض بالعقد الفاسد .

وتقول: اذا باع شاة وخنزيراً في صفقة واحدة يصح البيع بالنسبة إلى الشاة بما يقابلها من الثمن ويفسد بالنسبة إلى الخنزير كذلك باجماع الفقهاء فليكن الحال هنا كذلك تبطل الزيادة وتكون المعاملة صحيحة بالقياس إلى رأس المال ؟

ونجيب بان بيع الشاة مع ما يقابلها من الثمن مقصود منذ البداية ولو مع الخنزير أمّا البيع والدين من غير زيادة فغير مقصود اطلاقاً فاذا قلنا بصحة المعاملة في رأس المال يلزم أن يكون الذي وقع لم يقصد والذي قصد لم يقع .

 

 

أوضحنا في الفقرة السابقة أن العين بيد المستقرض في ربا القرض وبيد المشتري في ربا البيع هي بحكم المقبوض بالعقد بالفاسد ونتكلم الآن عن حكم الزيادة التي قبضها المقرض من المستقرض والبائع من المشتري: هل يجب عليه أن يردها على مالكها ان كانت قائمة وان يرد بدلها من المثل أو القيمة ان كانت تالفة أو لا يجب عليه شيء من ذلك ؟

وحيث ان الزيادة التي قبضها المرابي باقية على ملك ملكها الاول لفسد المعاملة من رأس وهي في يده بحكم المقبوض بالعقد الفاسد فيجب عليه ردها سواء أعلم بأن الربا محرم أو لم يعلم وسواء أكانت الزيادة ربا القرض أو ربا البيع لقوله تعالى: وإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رؤوسُ أَمْوالِكُمْ الذي يعم الجاهل والعالم أجل اذا كان قد قبض الربا جاهلاً به أو بتحريمه يرتفع عنه الاثم والعقاب أما الضمان ووجوب الرد فلا لأن الحكم الوضعي يثبت مع الجهل كما يثبت مع العلم قال صاحب الجواهر: «المعروف بين المتأخرين أن الجاهل بالربا كالعالم به في وجوب الرد من غير فرق بين تلف العين أو بقائها لاطلاق ما دل على تحريم الربا لعدم انتقاله عن المالك والعذر في الحكم التكليفي لا ينافي الفساد الذي هو الحكم الموضعي» .

وقال جماعة من الفقهاء: يجب رد الربا اذا كان القابض قد قبضه عن علم به وبحكمه أمّا الجاهل فلا يجب عليه شيء لقوله تعالى: فَمَن جَآءَهُ مَوعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ. والمراد بمجيء الموعظة العلم بعد الجهل .

وأجاب صاحب الجواهر بأن المراد بالآية الكريمة العفو عما سلف في حال الجاهلية وقبل نزول الآية كما هو الشأن في قوله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ كما أن الآية تشمل المرابي الذي قد أسلم الآن فان كان قد قبض الربا قبل اسلامه فلا يجب عليه رده بعد الاسلام وان لم يكن قد قبضه فلا يحل له أخذه قال الرسول الأعظم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم : من أسلم على شيء فهو له .

وتقول: لقد روى الرواة عن الإمام الصادق عليه‏السلام أنّه سئل عن رجل أربا بجهالة ثم أراد أن يتركه؟ فقال: أمّا ما مضى فله وليتركه فيما يستقبل .

وأجاب صاب الجواهر عن هذه الرواية وما إليها بان مراد الإمام عليه‏السلام أن الجاهل معذور في أكل الربا من حيث العقاب والاثم لا من حيث الضمان ووجوب الرد ثم قال: «ان التفصيل بين الجاهل والعالم يلزم منه أمور عظيمة من تحليل مال الغير وان صاحب المال لا يجوز له أخذه وغير ذلك مما يصعب الالتزام به» .

ونحن مع صاحب الجواهر من عدم الفرق بين الجاهل والعالم لأنه المشهور بين الفقهاء المتأخرين ويتفق مع الاصول والقواعد القاضية بان من اتلف مال غيره فهو له ضامن وكيف يمكن الجمع بين بقاء الربا على ملك مالكه الأول وبين جواز أكله للجاهل وضمانه له ؟

ثم ان المرابي ان وجد من قبض منه الربا رده إليه بالذات وان وجده ميتاً رده إلى الورثة فان لم يعلم له وارثاً تصدق به عنه .

 

 

الربا معناه الزيادة والاضافة يقال: ربا الشيء يربو اذا زاد ومنه قوله تعالى: وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيربُوَاْ في أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ اللّه‏َِ.. وما من شك أن الزيادة من حيث هي ليست حراماً وإلاّ انسد باب الربح والتجارة اذن لا بد من نص شرعي يبين ويفسر ما أجمل اللّه‏ في كتابه من ذكر الربا وبتعبير ثانٍ ان للشارع حقيقة شرعية واصطلاحاً خاصاً في معنى الربا وقد دلت الاحاديث النبوية والروايات عن أهل بيت الرسول الأعظم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم أن اربا يثبت فيموردين: الأول في القرض مطلقاً من غير شرط سوى شرط الزيادة والمنفعة من ورائه الثاني في غيره من المعاملات .

 

 

ربا القرض أن يقرض الانسان شيئاً أي شيء كان ويشترط على المستقرض المنفعة من وراء القرض سواء أكانت المنفعة من جنس المال كمن اقرض عشرة دراهم بشرط أن يردها أحد عشر أو من غير جنسه كما لو اشترط أن يعمل المستقرض له عملاً أو يعيره شيئاً قال النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم : «كل قرض حر نفعاً فهو حرام». وسئل الإمام الصادق عليه‏السلام عن رجل اعطى رجلاً مئة درهم على أن يزيده خمسه دراهم أو أقل أو أكثر؟ فقال الإمام عليه‏السلام : هذا هو الربا المحض .

ولو تبرع المستقرض بالزيادة من تلقائه ومن غير شرط كان له ذلك فقد سئل الإمام عنه؟ فقال: لا بأس ما لم يشترط.. الربا يأتي من قبل الشرط وانما تفسده الشروط.. ان النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم اقترض بكراً فرده بازلاً رباعياً ان خير الناس احسنهم قضاء .

ولاجل هذا النص وكثير غيره اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن الربا يثبت في الدين بشرط الزيادة والمنفعة اطلاقاً سواء أكانت العين من نوع المكيل أو الموزون أو المعدود أو المذروع وسواء أكانت المنفعة من نوع المال أو من غيره. وبكلمة ان ربا القرض لا فرق فيه بين عين وعين ولا بين منفعة ومنفعة فاذا قال الفقيه: هذا الشيء من الاعيان الربوبية دون ذاك أو قال: يحرم التفاضل بين مكيلين أو موزونين ولا يحرم بين معدودين ومذروعين فانما يريد تحديد ربا غير القرض لان ربا القرض حده الزيادة فقط أية زيادة تكون على أية عين من الاعيان .

 

 

اتفق الفقهاء على أن الربا يثبت أيضاً في البيع بالشرطين الآتيين واختلفوا في غير البيع وذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر والسيد اليزدي في المحقات إلى أن الربا يثبت في الصلح وفي كل معاوضة يمكن التفاضل فيها بين العوضين واستدلوا على ذلك بالادلة الدالة على تحريم الربا بوجه عام الشامل لكل زيادة وأيضاً استدلوا بنصوص خاصة دلت على اشتراط المماثلة وعدم الزيادة مع اتحاد الجنس منها قول الإمام عليه‏السلام : الفضة مثلاً بمثل وليس فيها زيادة ولا نقصان والمستزيد في النار وهو شامل للبيع وغير البيع ومنها أن الإمام سئل عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثني عشر رطلاً دقيقاً؟. قال: لا. والمقاطعة غير البيع فدل على أن الربا يثبت في غير البيع من المعاوضات تماماً كما يثبت بالبيع.. ويشترط لثوبته في غير الدين شرطان: الأول أن يكون العوضان من جنس واحد الثاني أن يكونا مما يكال أو يوزن. وفيما يلي البيان :

 

 

1 ـ هذا هو الشرط الأول وضابطه أن يصدق على كل من العوضين اسم الحقيقة النوعية التي توجد فيهما بجميع مقوماتها كبيع الحنطة بالحنطة أو بيع الحنطة بالدقيق لأن الثاني متفرع عن الاول أو بيع النشا بالدقيق لأن الاثنين متفرعان عن أصل واحد وهو الحنطة والدليل على هذا الشرط قال الرسول الأعظم صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم : «اذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم» وقول الإمام الصادق عليه‏السلام : «كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثيلين بمثل اذا كانا من جنس واحد» .

وبهذا الشرط يخرج العوضان اللذان يصدق عليهما اسم واحد ولكن حقيقة كل منهما غير حقيقة الآخر كالارز بالزيت حيث يصدق عليهما معاً اسم الطعام فالمعيار انما هو الاتحاد في الحقيقة النوعية لا مجرد الاتحاد والاشتراك بالاسم .

واجمع الفقهاء إلاّ من شذ على أن الحنطة والشعير جنس واحد لا يجوز التفاضل بينهما لقول الإمام عليه‏السلام : «الحنطة والشعير رأساً برأس لا يزداد واحد منهما على الآخر.. ان أصل الشعير من الحنطة». وأيضاً أجمعوا على أن الغنم والمعز جنس واحد .

ونتيجة هذا الشرط أن غير المتجانسين كالتمر والحنطة فيجوز بيع أحدهما بالآخر مع التساوي والتفاوت نقداً ونسيئة على المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر وصاحب مفتاح الكرامة .

 

 

2 ـ الشرط الثاني أن يكون العوضان مما يكال أو يوزن فلا ربا فيما يباع عداً كالبيض ولا مشاهدة كالثوب والحيوان فيجوز بيع بيضة ببيضتين وثوب بثوبين نقداً ونسيئة على المشهور بشهادة صاحب ملحقات العروة الوثقى قال الإمام الصادق عليه‏السلام : لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن.. وقال: لا بأس الثوب بثوبين والبيضة ببيضتين والفرس بفرسين ثم قال: كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل اذا كان من جنس واحد فاذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد .

وقال الفقهاء فيتحديد المكيل والموزون: ان ما علم أنّه كان مكيلاً أو موزوناً في عهد رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم يحرم التفاضل بينهما حتى لو ترك الناس الكيل والوزن فيه وكل ما علم أنّه كان غير مكيل أو موزون في عهده جاز فيه التفاضل حتى ولو صار مكيلاً أو موزوناً عند الناس بعده وان جهل الحال ينظر: فان اتفقت البلدان بكاملها على كيله أو وزنه فهو من الاعيان الربوية وان اختلفتب بحيث يكون الشيء الواحد موزوناً في بلد ومعدوداً في بلد فلكل بلد حكم نفسه على ما هو المشهور بين الفقهاء

بشهادة صاحب الجواهر لأن الموضوعات يحكّم فيها عرف الناس وعاداتهم .

وتقول: لقد قرر العلماء ان الألفاظ تحمل على العرف العام حتى ولو كان المخاطب بها من أهل العرف الخاص لأن العرف الخاص متعدد ومتفاوت فيتعذر ضبطه وعليه فلا يجوز أن يكون لكل بلد حكم نفسه .

والجواب: ان الاختلاف هنا في المصاديق والافراد أمّا المفهوم الكلي المراد من اللفظ فواحد عند الجميع فان معنى المكيل هو الذي يكال بوعاء مقدر والموزون ما يوزن بعيار كذلك وهذا لا تبدل فيه في كل عصر ومصر والاختلاف انما هو بالافراد كما قلنا وبديهة أن الاحكام الشرعية بالكليات التي يمكن ضبطها وتحديدها لا بالجزئيات التي تختلف بحسب البلدان والزمان .

فتحصل مما قدمنا أن الاعيان الربوبية هي كل ما كان من نوع المكيل والموزون حباً كان أو معدناً أو دهناً أو طيباً أو فاكهة أو نباتاً أو غير ذلك فان كان العوضان من غير المكيل والموزون جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً ومتساوياً حتى ولو كانا من جنس واحد كثوب بثوبين نقداً ونسيئة أمّا في القرض فلا تجوز الزيادة اطلاقاً .

وان كان احدهما يكال أو يوزن دون الآخر جاز البيع اطلاقاً مهما كان التفاوت نقداً ونسيئة كبيع الثوب بالحنطة .

وان كان كل منهما يكال أو يوزن إلاّ أن أحدهما من غير جنس الآخر كالارز والسكر جاز البيع متساوياً ومتفاضلاً نقداً ونسيئة .

وان كانا من جنس واحد فلا يجوز التفاضل بينهما لا نقداً ولا نسيئة كالسكر بالسكر والارز بالارز ويجوز بالتساوي نقداً لا نسيئة بالاجماع لأن للزمان قسطاً من الثمن كما قال أكثر من واحد .

 

 

المشهور بين الفقهاء أنه لا ربا بين الوالد وولده ولا بين الزوج وزوجته فيجوز لكل منهما أن يأخذ الفضل والزيادة من الآخر.. وأيضاً لا ربا بين المسلم وبين الحربي على أن يأخذ المسلم الفضل دون العكس أي أن المسلم يأخذ الربا من الحربي ولا يعطيه فقد روي عن الإمام أبي جعفر الصادق عليه‏السلام أنه قال: ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده ولا بينه وبين أهله ـ أي زوجته ـ ربا.. وقال: قال رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله‏ و سلم : ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم ولا نعطيهم ([2]) .

والمشهور أيضاً بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر أنّه لا يجوز أخذ الربا من الذمي وان حكمه في ذلك حكم المسلم أمّا ما جاء عن أهل البيت عليهم‏السلاممن أخذ الربا منه فشاذ متروك.. وقال صاحب مفتاح الكرامة في مجلد المتاجر ص 332 ما نصه بالحرف: «ان أهل الكتاب في زماننا حربيون لكنهم لا يغتالون لشبهة الامان فلا اشكال في جواز أخذ الربا منهم» .

وقال جماعة من الفقهاء: ان الحكم بعدم الربا بين الاب والابن لا يتعدى الى الام جموداً على حرفية النص واقتصاراً لما خالف الاصل على موضع اليقين كما أن الأب ـ هنا ـ لا يشمل الأب الرضاعي للعلة نفسها .

ونحن على علم اليقين بأن نفي الربا بين الأب والابن لا علة له إلاّ الابوة وهي بين الابن والام أقوى منها بين الأب وابنه وبديهة أن العلم بعلة الحكم تماماً كالعلة المنصوصة وأقوى وعليه يتعدى الحكم إلى الأم.. أجل الأب الرضاعي غير الأب النسبي.

______________________________

[2] عمل أبو حنيفة بهذا الحديث فأباح للمسلم أن يأخذ الربا من الحربي فتح القدير: 5 / 300 .