الرد وأحكامه

الرد هو التعبير عن عدم الرضا بعقد الفضولي على عكس الاجازة تماماً وليس السكوت والتردد بشيء هنا وهناك. وبديهة أن الراد يعتبر فيه ما يعتبر في المجيز لأن كل من له الاجازة له الرد وبالعكس كما يعتبر أن يكون العقد قابلاً للتأثير وإلاّ كان اشبه بالمولود ميتاً .

ويتحقق الرد بكل ما دل عليه من قول أو كتابة أو فعل وقد أطال الشيخ الانصاري الكلام في الفعل والتصرف الحادث بعد عقد الفضولي وقبل الاجازة وقسمه إلى تصرف منافٍ لتأثير العقد بحيث لا يبقى معه موضوع للاجازة ولا للرد وتصرف غير مناف للتأثير بل يمك معه الاجازة والرد وفيما يلي التلخيص والعرض :

 

 

اذا باع الفضولي شاة لغيره ـ مثلاً ـ فذبحها المالك وأكلها أو تلفت بآفة سماوية قبل الاجازة اذا كان كذلك ذهب العقد بذهاب موضوعه لأن الاجازة والرد انما يردان على شيء موجود أما المعدوم فلا يعقل رده ولا اجازته سواء أقلنا بالكشف أو النقل ومثله تماماً من حيث الحكم لو نقلها المالك عن ملكه ببيع أو هبة عند الشيخ الانصاري والشيخ النائيني والسيد الحكيم لأن المالك والحال هذه يصير اجنبياً عن العين المباعة ولا تنتقل الاجازة من المالك إلى من اشترى من الفضولي لأن هذا التصرف يبطل العقد بطلاناً مطلقاً فلا يبقى محل للاجازة أو الرد. قال الشيخ الانصاري: «وكذا يحصل الرد بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو الاتلاف وشبههما  ([1]) كالعتق والبيع والهبة والتزويج ونحو ذلك والوجه أن تصرّفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الاجازة لغرض خروجه عن ملكه» .

______________________________

[1] شبه النقل والاتلاف هو التزويج كما لو زوج الفضولي امرأة من رجل فزوجت هي نفسها من آخر .

 

 

اذا تصرف المالك قبل الاجازة تصرفاً غير مزيل للملك كما لو رهن أو أجر أو عرض للبيع التي باعها الفضولي فهل يكون هذا التصرف منافياً للعقد ومبطلاً له بحيث لا تصح معه الاجازة ولا يكون للرد من معنى لأنه من باب رد المردود وابطال الباطل؟.

الجواب  :

ان المعيار الكلي لمحل الاجازة والرد هو أن كل مورد يصح فيه البيع يكون محلاً للاجازة والرد وكل مورد لا يصح البيع فيه لا يكون محلاً لهما. والعين المرهونة لا يصح بيعها لأن المبيع يجب أن يكون ملكاً طلقاً كما يأتي في شروط المبيع وعليه يكون الرهن مبطلاً لعقد الفضولي تماماً كالبيع .

أمّا لو أجر المالك العين فان الاجارة لا تبطل عقد الفضولي بل يبقى محلاً للاجازة والرد لأن الايجار لا يخرج العين عن ملك صاحبها كما هو شأن البيع ولا يجعل الملك مقيداً كما هي الحال في الرهن. فاذا أجر المالك العين ثم أجاز عقد الفضولي صحت الاجازة وتم البيع وللمشتري الحق في أن يمضي الايجار لحسابه أو يفسخه لأن اجازة العقد قد كشفت أن الاجارة وقعت في ملكه فضالة عنه .

أما اذا عرض المالك العين للبيع قبل الاجازة أوالرد بالقول الصريح فينظر: فان كان المالك عالماً بعقد الفضولي ومتنبهاً له حين العرض كان ذلك رداً للعقد وإلا فلا اثر للعرض اطلاقاً لأنه بلا التفات لا يعبر عن الرد .

 

 

الفضولي معلوم وهو الذي يتدخل في شؤون الغير تطفلاً والمراد منه هنا من باع مال غيره بلا اذن والمشتري هو الطرف الذي اشترى العين منه والمالك هو صاحبها فاذا رد المالك العقد أصبح وجوده كعدمه وبطلت جميع التصرفات المتفرعة عنه قال كان المشتري قبض المبيع بعقد الفضولي وجب عليه اعادته بجميع فوائده ومنافعه وان لم يفعل فللمالك انتزاعه منه وتغريمه جميع ما استوفاه من المنافع لأن المفروض بقاء العين على ملك مالكها الأول. وقد سئل الإمام الصادق عليه‏السلامعن رجل اشترى جارية من السوق فاولدها ثم يجيء مستحق الجارية ـ أي صاحبها ـ فقال الإمام عليه‏السلام: يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع ـ أي المشتري ـ قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه .

 

 

إذا رجع المالك على المشتري واسترد العين منه ان كانت قائمة أو عوضها ان كانت هالكة فهل للمشتري الحق في الرجوع على الفضولي بما دفعه له من الثمن؟. وعلى افتراض أن له ذلك فهل يرجع إليه أيضاً بما دفع وانفق زيادة عن اثمن؟.

 

 

أما السؤال الأول وهو: «هل يرجع المشتري على الفضولي بالثمن فقط» فالواجب عنه يستدعي التفصيل على الوجه التالي :

1 ـ أن يكون المشتري جاهالاً بان البائع فضولي والحكم فيه أن للمشتري الحق في أن يسترد الثمن الذي دفعه للبائع ان كانت عينه قائمة وان يأخذ عوضها من المثل أو القيمة ان كانت هالكة لأن بطلان العقد يستدعي بقاء كل من الثمن والمثمن على ملك صاحبه وقد وضع الفضولي يده على الثمن فتشمله قاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤذي.

2 ـ أن يشتري من الفضولي وهو عالم بحقيقته وقد ذهب المشهور إلى أن المشتري في هذه الحال لا يحق له الرجوع على الفضولي بشيء سواء أكان الثمن باقياً أم هالكاً لأن المشتري هو الذي اضاع حقه واسقط احترام ماله بدفعه دون مقابل لعلمه أن العين التي تسلمها من الفضولي هي ملك لغيره فيكون والحال هذه كمن سلم ماله للمجنون وهو عالم بجنونه ولا تتأتي هنا قاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» لأن الفضولي تسلم الثمن واخذه باذن المشتري فتكون يده غير ضامنة .

والحق أن للمشتري الرجوع بالثمن على البائع الفضولي ان كانت عينه باقية وبعوضها ان كانت تالفة حتى ولو كان عالماً بحقيقة البائع إذ المفروض أن العقد قد بطل برد المالك ومعنى بطلانه أن كلاً من العوضين قد بقي بعد العقد على ملك صاحبه تماماً كما كان قبل العقد ومن هنا جاز للمالك الرجوع على المشتري فينبغي أيضاً أن يجوز للمشتري الرجوع على الفضولي. وبكلمة: انّه بعد أن بطل العقد جاز لكل من المالك والمشتري أن يطالب من استولى على ماله. هذا إلى أنّه لو قلنا: ان المشتري لا يجوز له الرجوع على البائع مع علمه بحقيقته لتحتم علينا أن نقول أيضاً: ان الثمن الذي قبضه الفضولي من المشتري أصبح ملكاً حلالاً له يتصرف به كيف يشاء.. ولا احسب أن فقيهاً واحداً يقول بذلك مع العلم بأن الفضولي اذا سلم العلين التي باعها للمشتري دون اذن المالك يصبح غاصباً.

أما القول بأن المشتري أقدم على اتلاف ماله بلا عوض فلا يبتني على أساس بل دفعه للبائع بقصد المعاوضة تماماً كما هي الحال في البيع الصحيح فكأنّ المشتري قد اشترط على البائع شرطاً ضمنياً بأن يرجع عليه بالثمن اذا أخذ العين صاحبها قال السيد اليزدي: «المفروض أن المشتري انما يدفع الثمن عوضاً عن هذا المال لا عن رفع يد البائع عنه فليس من قصد المشتري الاستفادة بل المعاملة الحقيقية وكذلك البائع فلا يكون هتكاً لحرمة ماله عرفاً وتسلط البائع عليه مجاناً. ويتفق السيد الحكيم في نهج الفقاهة مع السيد اليزدي واستدلا بقاعدة من وضع يده على مال غيره بعقد باطل فعليه الضمان. أما الشيخ الانصاري فبعد التردد والاحتمالات على عادته قال: «مستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض.. وصرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه» أي اذا كان المرتشي مسؤولاً عن الرشوة التي أكلها مع العلم بأن الراشي قد دفع الرشوة لغير المستحق فكذلك يكون البائع مسؤولاً عن الثمن وان دفعه لغير المستحق.

وصفوة القول ان المعيار في رجوع المشتري بالثمن على البائع هو وضع يده عليه بعقد باطل .

 

 

أمّا السؤال الثاني. وهو: «هل للمشتري الرجوع على البائع بما زاد عن الثمن »فينبغي ـ للتوضيح ـ ابرازه بهذه الصورة :

تقدم ان المشتري يرجع على البائع بالثمن الذي دفعه له سواء أكان جاهلاً بحقيقته أو عالماً خلافاً للمشهور الذين حصروا جواز الرجوع بصورة الجهل فقط. وهذا واضح اذا كان المال الذي دفعه المشتري للمالك بمقدار الثمن المسمى بعقد بيع الفضولي أما اذا دفع المشتري للمالك أكثر مما كان قد اعطاه للفضولي ثمناً للمبيع فهل يرجع المشتري أيضاً على البائع الفضولي بالزيادة بعد أن يسترد الثمن منه؟. وقد فصل الشيخ الانصاري في الجواب على الوجه التالي :

1 ـ أن تكون الزيادة ناشئة من زيادة قيمة العين على الثمن المسمى الذي دفعه للبائع وصورته أن يشتري زيد فرس عمرو من الفضولي بعشرة دراهم ثم تهلك الفرس في يد المشتري ولا يجيز المالك هذا البيع فللمالك أن يرجع على المشتري بقيمة الفرس لا بالمسمى فاذا افترض ان قيمتها عشرون درهماً فعلى المشتري أن يدفعها كاملة للمالك ولكن هل للمشتري أن يرجع بالعشرين على البائع ـ بعد أن يأخذ منه الثمن الذي كان قد دفعه له ـ أو يرجع عليه بما زاد على مقدار الثمن؟.

والجواب  :

لا يحق للمشتري أن يرجع بالعشرين كاملة على البائع وانما يرجع عليه بما زاد على الثمن المسمى أما ما يقابل الثمن وهو العشرة فلا يرجع بها على البائع لأن المشتري اقدم على دفعها حتى على تقدير هلاك الفرس تماماً كما لو اشتراها من المالك نفسه فالتغرير ـ اذن ـ لم يتحقق بالنسبة إلى العشرة المقابلة للثمن أما الزائد عنه فلم يقدم عليه فيكون البائع والحال هذه هو الغار الضار وعليه أن يتحمل مسؤولية الضرر والتغرير.

وزيادة في التوضيح نشير إلى أن كلام الشيخ الانصاري لا يتناول العشرة التي دفعها المشتري للبائع ثمناً للفرس وإلاّ لزم أن يدفع المشري الثمن مرتين: مرة للبائع والأخرى للمشتري.. ان الثمن المسمى يرجع إلى المشتري بلا بحث وانما ذكرنا «لفظ المسمى» لبيان أن ما يقابله لا يرجع به المشتري على البائع بل يرجع بما يزيد عن المقابل للثمن وتكون النتيجة أن المشتري اذا دفع عشرين بدلاً عن الفرس يخسر عشرة فقط وهى التي لم يغرره بها البائع ويخسر البائع عشرة لأنه غرر بالمشتري بها زيادة عن الثمن .

2 ـ ان يدفع المشتري للمالك عوض المنافع التي استوفاها من العين التي اشتراها من البائع قال الشيخ الأنصاري وجماعة من الكبار: ان للمشتري أن يرجع على البائع بما دفعه للمالك لقاعدة المغرور يرجع على من غره .

3 ـ أن ينفق المشتري على العين التي تسلمها من البائع كعلف الفرس وقد اجمعت كلمة الفقهاء على أن له الرجوع بها على البائع لقاعدة الغرر أيضاً .

 

 

هذه المسألة تتصل اتصالاً وثيقاً بمبحث الغاصب والفضولي ويسميها الفقهاء مسألة تعاقب الايدي وصورتها أن ينقل الغاصب العين المغصوبة منه إلى غيره أو يسلم الفضولي المبيع إلى المشتري بلا اذن المالك فيصبح بهذا التصرف غاصباُ ثم يبيع المشتري العين إلى مشترٍ ثان.. والفقهاء تكلموا في مطالبة المالك أصحاب  الايدي المتداولة على ماله ثم في رجوع أصحاب الايدي بعضهم على بعض بعد رجوع المالك عليهم كلاً أو بعضاً. ثم قد تكون العين قائمة عند مطالبة المالك وقد تكون هالكة.. وقبل كل شيء نود التذكير بهاتين القاعدتين اللتين تسالم عليهما الفقهاء وهما: قاعدة المغرور يرجع على من غره وقاعدة ان كل من استولى على مال غيره فعليه أن يرده ما دام قائماً أو يرد بدله من المثل أو القيمة ان هلك إلاّ أن تكون يده امانة على المال وهلك دون تعدٍ أو تفريط .

 

 

إذا تداولت العين المغصوبة أيدٍ عديدة وكانت ما تزال قائمة فالمالك بالخيار ان شاء رجع على من هي في يده ومتى تسلمها ارتفعت المسؤولية عن الجميع وان شاء تركها مع ذي اليد ـ ان طالبه المالك أن يلاحق بدوره من هي في يده وينتزعها منه ولو باقامة الدعوى عليه لأنه صاحب علاقة أي ان المسؤولية التي تحملها هذا الغاصب الذي انتقلت العين المغصوبة من يده تخوله أن يتتبع العين اينما كانت ليردها إلى ملكها .

وتسأل: ان حق المالك يتعلق بالعين لا بالذمة ما دامت العين قائمة فاذا هلكت تعلق حقه بالذمة لا بالعين وبدية ان اعطاء الحق للمالك بالرجوع على من وجدت العين في يده يستدعي أن حقه متعلق بالعين لا بالذمة وان اعطاه الحق له بالرجوع على غير من هي في يده من الغاصبين يستدعي أن تكون العين تالفة وان حقه متعلق بالذمة لا بالعين وهذا هو التنافي بعينه.. بالاضافة إلى أنه جمع بين العوض والمعوض عنه .

والجواب  :

فرق بين الضمان في العهدة والضمان في الذمة فان ضمان العهدة يتعلق ـ في الغالب ـ بالاعيان كضمان العارية العادية وضمان المبيع اذا ظهر مستحقاً للغير بحيث يرجع المضمون له على الضامن بالعوض اذا هلكت العين المضمونة أو امتنع الاستيلاء عليها

لسبب من الاسباب أما ضمان الذمة فيتعلق بالاموال التي تستقر في الذمم والضمان الذي لا يجتمع مع تلق حق المالك بالعين هو ضمان الذمة أما ضمان العهدة فهو معه على وفاق .

وكل من استولى على ملك الغير استيلاء يمكنه من التحكم فيه ولو آناً ما فقد دخل في عهدته وأصبح مسؤولاً عنه وعليه ارجاعه اينما كان ما دام قائماً فان هلك فعليه عوضه حتى ولو كان قد خرج من يده إلى غير يده. أجل اذا تداولته أيدٍ عديدة كان اصحاب الايدي بأجمعهم مسؤولين ولكن على سبيل البدلية والكفاية اذا قام به البعض سقط عن الكل.

2 ـ إذا تلفت العين في يد أحدهم تخير المالك في الرجوع بالعوض كاملاً على من شاء منهم وان شار وزعه على الجميع بالتساوي أو التفاوت لأن الرجوع على أحدهم بالكل يقتضي الرجوع عليه بالبعض بطريق أولى قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف ولا اشكال بل يمكن تحصيل الاجماع عليه لأن كلا منهم غاصب مخاطب برد العين أو البدل لقول الإمام عليه‏السلام: كل مغصوب مردود وحديث: على اليد ما اخذت حتي تؤدي.. ولا فرق في تعاقب الايدي بين الضمان بعقد فاسد أو غيره» .

 

 

تكلمنا في الفقرة السابقة عن حكم المالك مع أصحاب الأيدي وفي هذه الفقرة تنكلم عن حكم اصحاب الايدي بعضهم مع بعض ولنفترض أن العين تداولتها ثلاث أيدٍ كما لو كانت في يد زيد ثم انتقلت منه إلى عمرو ومنه إلى خالد وهلكت في يده.. وعلى هذا الافتراض اما أن يكون واحد من هؤلاء مغروراً من غيره واما أن لا يكون بينهم مغرور بل كانوا كلهم غاصبين فان كان بينهم مغرور ورجع المالك عليه كان له تمام الحق في أن يرجع هو بدوره على من غرّه بالاتفاق فلو أن عمرا اشترى العين من زيد على أنّها ملك له ورجع الملك إلى عمرو كان لعمرو أن يرجع إلى زيد لأن المغرور يرجع على من غرّه بالاجماع وكذا اذا رجع المالك على خالد وكان خالد مغروراً بعمرو فيحق له والحال هذه أن يرجع على عمرو.

اذن في حال وجود التغرير يمكن أن يرجع الثالث على الثاني والثاني على الثالث لأن الغار هو الذي انتقلت العين منه فيكون سابقاً والمغرور هو الذي انتقلت العين إليه فيكون لاحقاً وهذا معنى قول الفقهاء: «اللاحق يرجع على السابق اذا كان السابق غاراً له» .

أما إذا لم يكن بين اصحاب الايدي مغرور بل كانوا جميعاً غاصبين فيكون الأمر بالعكس تماماً أي ان السابق يرجع على اللاحق ولا يرجع اللاحق على السابق. فاذا رجع المالك على زيد ـ وهو الأول السابق على عمرو ـ ودفع زيد للمالك بدل العين يحق لزيد والحال هذه أن يرجع على عمرو ـ وهو الثاني اللاحق لزيد ـ ويطالبه بما دفع للمالك قائلاً له: لقد تسلمت العين من يدي فارجعها أو ارجع بدلها.. يحق ذلك لزيد لأنه لما دفع للمالك حقه قام مقامه وأخذ صفته. واذا رجع المالك على الثاني وهو عمرو يحق لعمرو أن يطلب خالداً تماماً كما جاز لزيد أن يطالب عمرا ولا يجوز لعمرو أن يطالب زيداً لأن زيداً لم يأخذ العين من عمرو بل على العكس فان عمرا أخذ من زيد وزيد أخذ من المالك. وكذا لو رجع المالك على الثالث أي على خالد في المثال المتقدم فلا يحق لخالد أن يطالب عمرا لأن خالدا تسلم من عمرو ولم يتسمل عمرو من خالد ـ ينبغي الانتباه أنّه لا مغرور هنا ـ وبكلمة: ان نسبة الأول إلى الثاني ونسبة الثاني إلى الثالث تماماً كنسبة المالك إلى الأول فان الأول اغتصب من المالك والثاني اغتصب من الأول والثالث  اغتصب من الثاني لأن الغاصب من الغاصب غاصب والنتيجة الحتمية لذلك أن الضمان يستقر في النهاية على من تلفت العين في يده .

 

 

والخلاصة اذا كان في أصحاب الايدي المتعاقبة مغرور فلا يستقر الضمان عليه بحال وان رجع عليه المالك رجع هو بدوره على من غرّه واذا لم يكن فيهم مغرور يستقر الضمان على من تلفت العين في يده بحيث اذا رجع المالك عليه لم يبق من شيء واذا رجع على من تقدم عليه جاز للمتقدم أن يرجع على المتأخر حتى تنتهي السلسلة إلى الأخير الذي تلفت العين في يده. وليس من شك أن تلف العين تحت اليد سبب لضمان صاحبها البدل من المثل أو القيمة ([1]) فان استوفى المالك حقه ممن تلفت العين في يده لم يرجع بعض أصحاب الايدي على بعض لعدم الموجب وان استوفى حقه من غير الذي تلفت العين في يده قام هذا الغير مقام المالك في المطالبة بالبدل لأن المفروض ان ضمان البدل قد استقر على من تلفت العين في يده ولا بد لهذا البدل من

صاحب ولا يعقل أن يكون صاحبه مالك العين لأنه قد استوفى حقه والحق لا يتعدد فلم يبق لهذا البدل من صاحب إلاّ من استوفى المالك حقه منه. وبكلمة موجزة وجامعة مانعة: ان الضمان يستقر على من تلفت العين في يده إلاذ إذا كان مغروراً وإلى هذا المعنى تومي العبارة الشائعة في كتب الفقه وهي: «يرجع كل سابق على كل لاحق ولا يرجع السابق على اللاحق اطلاقاً» .

______________________________

[1] اسباب الضمان ثلاثة: مباشرة الاتلاف كمن كسر اناء غيره بنفسه والتسبيب كمن حفر حفرة في الطريق العام فسقط فيها أحد المارة ومنه التغرير واليد كمن استولى على مال الغير فتلف بآفة سماوية أو بغيرها .

 

 

سبق أن العين إذا تلفت كان للمالك الحق بالتعويض من المثل أو القيمة فلو افترض أن العين كانت قيمية فهل للمالك المطالبة بقيمتها السوقية حين الغصب أو حين التلف أو اعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف؟.

أقوال أصحها القيمة حين التلف لأن حق المالك يتعلق بالعين ما دامت قائمة فان هلكت تعلق بالبدل حين هلاكها. اذن تتعين القيمة من هذا الحين. وقد تكلمنا عن ذلك في كتاب «أصول الاثبات» فصل اليد والضمان وسنتعرض له مفصلاً إن شاء اللّه‏ مع منافع المغصوب ومؤنة رده في الاجزاء الآتية باب الغصب .