بيع الفضولي

يشترط في البائع أن يكون عاقلاً بالغاً رشيداً وقاصداً بلا اكراه ومالكاً أو ولياً أو وصياً أو وكيلاً وتقدم الكلام عن شرط البلوغ والعقل والقصد بلا اكراه ويأتي الكلام عن الرشد والولاية في باب الحجر وعن الوصي في باب الوصية ([1]) وعن الوكيل في باب الوكالة وخصصنا هذا الفصل للكلام عن الفضولي وما يتعلق به وقد فرع عليه الفقهاء فروعاً شتى وأطالوا في التفريع والتفصيل ولو حاول فقيه أن يجري عملية الاحصاء لمسائله المتراكمة كما جاءت في مكاسب الشيخ الانصاري وحواشيها والتعليقات عليها لبلغت العشرات ويتلخص أكثرها بخاصة المهم منها في الفقرات التالية :

_________________________________

[1] تكلمنا عن الوصاية والولاية والسفه عند فقهاء الامامية في كتاب الفصول الشرعية وكتاب الاحوال الشخصية على المذاهب الخمسة ولم نشر إلى الدليل وسنتعرض لها مع الدليل في الاجزاء الآتية من هذا الكتاب ان شاء اللّه‏ .

 

 

الفضولي مأخوذ من الفضول ولفظه جمع لفضل كفلوس جمع لفلس ولكنه استعمل استعمال المفرد ثم نسب إليه على اعبتاره مفرداً لا جمعاً. والفضولي في اللغة هوالذي يعترض لما لا يعنيه وهذا المعنى اساس للمعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء حيث ارادوا به «الكامل الذي يتصرف تصرفاً غير مالك له». والمراد بالكامل أن يكون الفضولي عاقلاً بالغاً لأن كلا من المجنون والصبي لا تجوز تصرفاته عن نفسه فبالاولى عن غيره قال الشيخ الانصاري: «الفضولي أن يكون العاقد أهلاً للعقد من حيث انّه بالغ عاقل وان يكون المبيع قابلاً للبيع ولا يفقد العقد شيئاً إلاّ خلوه عن مقارنة اذن المالك». ومثال ذلك أن يبيع العاقل البالغ ملك غيره دون اذنه أو إذن وليه أو وكيله أو وصيه أو يبيع مال نفسه الذي لا يملك التصرف فيه لرهن أو تحجير عليه لسفه أو فلس فاذا باع الراهن العين التي رهنها توقف النفاذ على الاجازة من المرتهن وكذا السفيه لا تنفذ تصرفاته المالية إلاّ بإذن الولي ومثله المفلس الذي حجزت أمواله لحساب الغرماء والمريض مرض الموت اذا تربع بأكثر من الثلث .

 

 

لا يشترط في الفضولي ان تنصرف نيته إلى العمل لمصلحة الغير بل اذا اتجهت إلى العمل لمصلحته ثم تبين أن عمله لمصلحة غيره يكون فضولياً فالعبرة في الفضولي أن لا يملك التصرف الذي قام به مهما كان الدافع وسيتّضح ذلك من الأمثلة الآتية. قال صاحب الجواهر: «لا يعتبر في الفضولي قصد الفضولية قطعاً فمن باع شيئاً بعنوان أنّه ماله فبان أنّه مال غيره كان فضولياً»

 

 

اذا تصرف انسان في مال الغير دون اذن سابق ولكن صادف تصرفه هوى في نفس المالك فهل يجب على المالك والحال هذي أن يجيز المعاملة التي طابت لها نفسه بحيث يعد مسؤولاً أمام الله سبحانه ان امتنع عن الاجازة أو ان الخيار له ان شاء اجاز وان شاء رفض؟. وبالايجاز: هل الرضا الباطني تماماً كالاذن الصريح؟.

قال الشيخ الانصاري: «الذي يقوى في النفس لولا الخروج عن ظاهر الفقهاء ـ أي أن الفقهاء لا يعتدون بهذا الرضا ـ عدم التوقيف على الاجازة اللاحقة بل يكفي الرضا المقرون بالعقد سواء انكشف الرضا بعد العقد أم لم ينكشف اصلاً فيجب على المالك فيما بينه وبين اللّه‏ امضاء ما رضي به وترتب الآثار عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقود وقوله تعالى: إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ وقول الإمام عليه‏السلام: لا يحل مال امرى‏ء مسلم إلاّ عن طيب نفس» .

والحق مع الفقهاء الذين لم يكتفوا بمجرد الرضا دون التعبير عنه قال الشيخ النائيني: «لا بد من الانشاء باللفظ أو الفعل فلا الكراهية الباطنية رد ولا الرضا الباطني اجازة بل كل منهما يحتاج إلى كاشف». أمّا لوه تعالى: أَوْفُواْ بِالْعقودِ وقوله عز من قائل: إلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَراضٍ وقوله الإمام عليه‏السلام: إلاّ عن طيب نفس: فانه خطاب موجه إلى من له التصرف ولا يمت إلى الفضولي بسبب قريب أو بعيد.

 

 

كل ما تصح فيه الوكالة تصح فيه الفضالة ولذا اتفق الفقهاء على أنّها تجري في جميع العقود حتى الزواج والوقف بناء على أن نية القربة ليست شرطاً في صحته كما هو الحق. وأيضاً تجري في الايقاعات ما عدا العتق والطلاق حيث ادعى كثير من الفقهاء وجود الاجماع على عدم جواز الفضالة فيهما وانكر الشيخ محمد حسين الاصفهاني وجود الاجماع واجاز الفضالة في العتق والطلاق واستدل بأن كل الفقهاء أو جلهم قالوا بصحة عتق الراهن للعبد المرهون متوقعاً فكه أو اجازة المرتهن واذا جازت الفضالة في العتق جازت في غيره بطريق أولى .

والحق أن البحث فيما تصح فيه الفضالة وما لا تصح يتفرع عن البحث الآتي وهو أن الفضالة: هل هي على مقتضى القاعدة أو على خلافها فان ك انت على القواعد تحتم القول بأنها تصح في جميع العقود والايقاعات إلاّ ما خرج بالدليل وان كانت على غير القاعدة تحتم القول بعدم صحتها إلاّ ما خرج بالدليل ويأتي الكلام عن ذلك مفصلاً .

 

 

كما تجرى الفضالة على العين الخارجية مثل بعتك دار زيد أو اشتريت دارك لزيد تجري أيضاً على ما في الذمة مثمناً كان مثل بعتك طناً من الحنطة في ذمة زيد بدارك هذي أو ثمناً مثل اشتريت دارك لزيد بألف ليرة في ذمة.. فاذا أجاز زيد البيع له في المثال الأول يثبت في ذمته طن الحنطة للمشتري كما انه اذا أجاز شراء الدار له يثبت في ذمته ألف ليرة للبائع واذا رد ورفض بطل البيع والشراء من الاساس ولا يحق للطرف الثاني مطالبة الفضولي بشيء لأن عقد الفضولي لا أثر له اطلاقاً مع عدم الاجازة .

 

 

اذا وقع العقد بين اثنين وكان احدهما فضولياً ولكن الطرف الآخر كان يجهل الفضالة حيث لا قرينة تدل عليها كما لو قال المشتري: اشتريت هذه الدار بألف وهو يقصد الشراء لزيد ولكنه لم يصرح به فان أجاز زيد تم البيع بلا ريب وان رفض فهل يبطل البيع من الاساس بحيث لا يحق للبائع أن يطالب المتعاقد بشيء أو أن له الحق أن يلزمه بتسليم الثمن واستلام المثمن؟.

نقل العلامة في التذكرة أن فقهاء المذهب أوجبوا الأخذ بظاهر العقد وان المسؤول هو المشتري الذي أجرى العقد مع البائع. وايضاً نسب الشيخ الانصاري هذا القول إلى جماعة من المحققين وهو الحق لأن قصد الشراء للغير لا أثر له اذا لم يعبر عنه بقول أو فعل بل يلغى قصد الغير ويقع العقد للمتعاقد بالذات لأن أثر العقد ينحصر بالمتعاقدين ولا ينصرف إلى غيرهما إلاّ مع القرينة .

وتقول: على هذا يلزم أن يوجد العقد بلا قصد لأن من قصد له الشراء لم يرض به ومن باشر العقد لم يقصد الشراء لنفسه مع العلم بأن العقود تتبع القصود؟.

ونقول في الجواب: ان ظاهر العقد يدل على أن المتعاقد قصد الشراء لنفسه وهو مأخوذ بهذا الظاهر حتى يثبت العكس أما قوله: اني قصدت الشراء لزيد فلا يلتفت إليه ما دام لم يعلم به أحد غيره فهو اشبه بمن أقر بحقه لغيره ثم ادعى عدم قصد الاقرار وبكلمة ان جميع الدوافع النفسية التي لا يعلم بها إلاّ صاحبها لا أثر لها اطلاقاً في جميع المعاملات .

 

 

قدمنا أن أثر العقد لا يتناول غير المتعاقدين إلاّ مع القرينة وهنا سؤال وهو: هل يؤخذ بالقرينة اذا دلت على أن المثمن لشخص والثمن على شخص آخر كما لو قال: اشتريت هذا لزيد بدرهم في ذمتي أو قال: اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة زيد؟.

قال الشيخ الانصاري: «المسألة تحتاج إلى تأمل». وعلق السيد اليزدي على ذلك بقوله: «والانصاف البطلان في الصورتين مقطوع به.. من حيث كونهما من الجمع بين المتنافيين». ومعنى قوله هذا أن طبيعة العقد تستدعي أن يكون الثمن على من له المثمن فاذا جعل المثمن لشخص والثمن على غيره حصل التهافت والتناقض في كلام واحد واصبح لغواً لا أثر له .

 

 

اذا نهى صاحب المال عن بيع ماله ومع ذلك لم يعبأ الفضولي بالنهي واجرى البيع فهل يقع صحيحاً بحيث اذا رضي المالك واجاز نفذ العقد وأثر أثره أو يقع العقد باطلاً والاجازة لغواً لأنها بلا موضوع؟.

ذهب المشهور بشهادة الشيخ الانصاري إلى أن النهي لا أثر له وان العقد صحيح ينفذ بالاجازة لأن الدليل الذي دل على صحة معاملة الفضولي لم يفرق بين سبق النهي وعدمه ومهما يكن فان النهي شيء عارض يذهب أثره بمجرد حصول الرض والاجازة .

 

 

اذا افترض ان الغاصب باع العين التي اغتصبها قاصداً النيابة عن مالكها كان والحال هذه فضولياً يصح بيعه وينفذ بالاجازة وهل يكون ايضاً فضولياً اذا لم يقصد المالك اطلاقاً بل قصد نفسه بالذات حتى كأنه هو المالك الحقيقي؟.

ذهب المشهور إلى أن بيع الغاصب من أقسام بيع الفضولي فاذا أجازه المالك انتقلت العين المغصوبة إلى المشتري وثمنها إلى المجيز. وقال البعض: كلا ان عقد الغاصب باطل من الاساس ولا تجدي الاجازة شيئاً لانتفاء موضوعها واستدل هذا البعض بأدلة :

منها: قول الإمام عليه‏السلام: لا تبع ما ليس عندك وقوله عليه‏السلام: لا بيع إلاّ في ملك.

وأجاب المشهور القائلون بالصحة ان هذا ينفي وقوع البيع لغير مالك العين ولا ينفي وقوعه لمالك العين اذا رضي واجاز كما هو الغرض .

ومنها: ان الغاصب انشأ البيع قاصداً به نفسه دون المالك وبديهة أن المالك اذا أجاز فانما يجيز البيع لنفسه لا للغاصب وعلى هذا يكون الذي اجازه المالك ـ وهو البيع لنفسه ـ غير مقصود والمقصود ـ وهو البيع للغاصب ـ لم تتعلق به الاجازة.

واجاب عنه القائلون بالصحة ان حقيقة البيع هي مبادلة مال بمال كائناً من كان صاحب المال فمتى تحقق قصد المبادلة تم العقد سواء أقصد المالك الحقيقي أو قصد غيره أو لم يقصد أحد على الاطلاق لأن هذا القصد ليس من حقيقة البيع ولا من شروطه في شيء وعلى هذا فلا أثر لقصد الغاصب تملك العين المغصوبة ولا لتنزيل نفسه منزلة المالك وانما الأثر لقصد المعاوضة والمبادلة بين المالين والاجازة تتعلق بهذا القصد لا بما اراده الغاصب وهدف إليه من المبادلة وهذا معنى قول السيد اليزدي: «ان حقيقة البيع ليس إلاّ مبادلة ما بمال من غير نظر إلى أنه لنفسه أو لغيره وهذا المعنى موجود في بيع  الغاصب وقصد انه لنفسه خارج عن حقيقة البيع» .

وليس من شك أن الغاصب اذا سلط غيره بالبيع أو بغيره على العين التي اغتصبها فان لمالكها تمام الحق أن يدعها في يد من أخذها من الغاصب بأية وسيلة أراد ولكن الغاصب في الحقيقة لا يقصد البيع لنفسه ولا لغيره ولا يهمه شيء إلاّ الحصول على المال بكل سبيل كما هو شان اللصوص إلاّ أن الفقهاء افترضوا بالغاصب أنّه يقصد البيع لنفسه ثم أخذوا بالتأويل والتفريع على شيء لا وجود له ومهما يكن فان الكثير من مسائل الفقه افتراضية.

 

 

سبق أن عرّفنا الفضولي واشرنا إلى بعض ما خفي من أفراده ومصاديقه ونذكر الآن ما ذهب إليه المشهور من صحة معاملته ومنها يتبين الضعف في قول من قال بعدم صحتها .

وقبل أن نستعرض النصوص الخاصة بالفضولي ينبغي أن نحقق: هل القاعدة تستدعي صحة الفضالة بما هي بحيث يكون تصرف الفضولي صحيحاً في كل شيء ويترتب الأثر عليه بمجرد الاجازة سواء أكان بيعاً أو هبة أو زواجاً أو طلاقاً وما إلى ذاك إلاّ ما خرج بالدليل أو أن القاعدة تقتضي بطلان الفضالة بحيث لا تجدي الاجازة إلاّ ما خرج بالدليل وبتقريب ثانٍ: هل يمكن أن يصدر عقد انشائي صحيح ممن لا يملك حق التصرف بحيث لا يحتاج العمل بموجبه إلاّ إلى الاجازة أو أن هذا العقد لا يمكن صدوره إلاّ من المالك أو المأذون كالولي والوصي والوكيل؟.

وعلى الأول وهو امكان انشاء العقد من غير مالك التصرف يجب أن نحكم بصحة المعاملات التي بجريها الفضولي بشتى انواعها إلاّ اذا ثبت بآية أو رواية أو اجماع بطلان معاملته في مورد خاص كالعتق والطلاق أما اذا كان العقد الانشائي مختص بمالك التصرف فقط فيجب الحكم ببطلان معاملة الفضولي اطلاقاً إلاّ اذا ثبت بالدليل صحتها في مورد خاص كالبيع .

والحق ما ذهب إليه المشهور من أن عقد الفضولي على وفق القاعدة لأن العاقد عاقل بالغ والمحل قابل للتمليك والتملك أما خلو العقد عن اذن المالك فال يوجب نفي اسم العقد والبيع عنه أجل ان الرض شرط لنفاذ العقد لالإنشائه .

جاء في المجلد الخامس من كتاب الحدائق: «احتج الفقهاء لصحة الفضولي بأنه بيع صدر من أهله في محله فكان صحيحاً أما أنه من أهله فلصدوره من بالغ عاقل مختار ومن جمع هذه الصفات كان أهلاً للايقاعات وأما صدوره في محله فلانه وقع على عين يصح تملكها وينتفع بها وتقبل النقل من البائع إلى آخر وأما الصحة فلثبوت المقتضي السالم عن المعارضة أما كون الشيء غير مملوك للعاقد لا يمنع من صحة العقد فان المالك لو أذن قبل البيع لصح فكذلك بعده لعدم الفرق بينهما» .

وقال صاحب الجواهر: «المنسوب إلى علمائنا أن عقد الفضولي صحيح لاندراجه بعد الرضا بالبيع مثلاً والعقد والتجارة عن تراض فيشمله ما دل على الصحة واللزوم من الكتاب والسنة والاجماع ضرورة عدم توقف صدق اسمائها ـ أي أسماء البيع والعقد والتجارة ـ على صدور اللفظ من غير الفضولي.. ولا شيء في الأدلة ما يدل على اعتبار سبق الرضا أو مقارنته» .

واذا كان عقد الفضولي على وفق القواعد الكلية والأدلة العامة فلا يحتاج القائل بصحته إلى دليل خاص ومع ذلك ومع ذلك استدل المشهور بأدلة نذكر منها رواية  عروة البارقي لاشتهارها واستدلال الفقهاء بها منذ عهد الشيخ الطوسي (ت 460 هـ)إلى اليوم .

روي أن النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله ‏و سلم أعطى عروة البارقي ديناراً ليشتري شاة فاشترى به شاتين ثم باع في الطريق احداهما بدينار ولما أتى النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله ‏و سلم وأخبره قال له: بارك اللّه‏ تعالى لك في صفقة يمينك .

ووجه الاستدلال أن النبي صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله ‏و سلم اذن لعروة بشراء شاة ولم يأذن له ببيع ما يشتريه فيكون بيعه الشاه والحال هذه فضولياً أما شراء الشاتين بالدينار فليس من الفضالة في شيء لأن الرضا بشراء شاة واحدة بدينار يدل بالفحوى وطريق أولى على الرضا بشراء شاتين به وعليه يكون العقد مقترناً بالرضا ويختص محل الشاهد في الرواية ببيع الشاة بدينار فانه من أوضح افراد الفضولي وتبريك النبي  للصفة اجازة صريحة تكشف عن الرض والموافقة .

 

 

المراد من المجيز في كلمات الفقهاء مالك التصرف الذي وقع العمل نيابة عنه سواء أكان مالكاً حقيقياً أو ولياً أو وصياً أو وكيلاً أو حاكماً أو عدول المسلمين الذين هم اولياء الحسبة وليس من شك ولا اختلاف في أن المجيز يجب أن تتوافر فيه حين الاجازة جميع الشروط المعتبرة لابرام العقد والبلوغ والرشد والصحة في التصرفات التي يشترط فيها الخلو من مرض الموت وهذه الحقيقة لا تحتاج إلى دليل ولا يعقل أن تكون محلاً للاختلاف لأنها تحمل قياسها معها .

واختلف الفقهاء: هل يجب أيضاً أن يكون المجيز أهلاً لابرام العقد حين انشائه وصدوره من الفضولي تماماً كما يجب أن يكون حين الاجازة أو يكفي أن يكون تام الاهلية حين الاجازة فقط أما حين انشاء العقد فلا يشترط ذلك. وتظهر النتيجة فيما اذا باع الفضولي مال المجنون أو الصغير أو السفية أو مات المالك قبل أن يجيز البيع أو يرفضه.. فعلى الأول يقع عقد الفضولي لغواً اذا كان المجيز على وصف من هذه الاوصاف حين انشاء العقد ولا تجدي اجازة الصبي شيئاً بعد بلوغه والمجنون بعد افاقته والسيفه بعد رشده والوارث بعد موت مورثه وعلى الثاني يصح العقد والاجازة بعد زوال المانع وتترتب على العقد جميع آثاره الشرعية .

وللفقهاء في ذلك قولان اقواهما الاكتفاء بتوافر الشروط حين الاجازة سواء توافرت أيضاً حين انشاء العقد أو لم تتوافر لأن الدليل الذي دل على صحة عقد الفضولي مطلق وغير مقيد بوجود مجيز كامل الاهلية هذا ألى أن العبرة في ترتيب الآثار بالاجازة وسبق أن المجيز لا بد أن يكون أهلاً للابرام والالتزام في حين الاجازة. وعلى هذا اذا وقع العقد فضالة عن المجنون والصغير يصح ويتوقف النفاذ على اجازة الولي أو اجازتهما بعد العقل والبلوغ قال الشيخ الاصفهاني في حاشية المكاسب: ان العقد صدر من العاقل والبالغ ولكن صادف صدوره حال صغر المالك أو جنونه وهذه المصادفة لا تمنع العقد بما هو عقد من الصحة ما دام صادراً عن عاقل بالغ ثم ذكر الفقهاء هنا مسائل منها :

 

 

1 ـ ان يبيع الراهن العين التي رهنها ثم يفك الرهن من المرتهن وقد أفتوا بصحة البيع ونفاذه بلا اجازة لأن الاجازة انما تعتبر اذا كان المانع من النفاذ عدم التعبير عن الرض وطيب النفس والمفروض أن الراهن عبّر عن رضاه بانشاء العقد فينحصر المانع ـ اذن ـ بوجود الرهن وتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة فاذا فك الرهن زال المانع ونفذ العقد وبالايجاز أن تصرفات الراهن في العين المرهونة تكون صحيحة ونافذة اذا اعقبها فك الرهن بحيث لم يبق للمرتهن أية سلطة على العين .

 

 

2 ـ ان يبيع السفيه بعض ما يملك بلا اذن الولي ثم يزول السفه ويرتفع الحجر وقد افتوا بصحة البيع ولكن مع الاجازة من نفس المالك الذي أجرى العقد بعد أن صار رشيداً والفرق بين عقد الراهن الذي لا يحتاج إلى اجازة وبين عقد السفيه الذي يحتاج إليها أن المانع من الأخذ بعقد السفيه هو عدم الاجازة اذ لا يعتد برضاه اطلاقاً بل ينفذ العقد حتى ولو كان له كارهاً بخلاف عقد الراهن فان المانع من الأخذ به وجود الرهن أما رضاه لا بد منه وله كل الأثر في نفاذ العقد وترتب احكامه عليه .

 

 

3 ـ ان يبيع مال الغير ثم يملكه بارث أو شراء فيصح البيع ولكن يتوقف على اجازته بعد تملكه للعين المبيعة أما الصحة فلأن الدليل الذي دل على صحة عقد الفضولي غير مقيد باتحاد المالك ولا بتعدده واما الاحتياج إلى الاجازة فلان البائع لم يكن أهلاً لابرام العقد حين انشائه .

 

 

4 ـ ان يبيع العين معتقداً أنّه لا يملك التصرف بها فيتبين العكس كالولي يبيع مال الطفل أو المجنون أو السفيه وهو جاهل بالولاية أو الوكيل يبيع العين عن الموكل ناسياً الوكالة أو الابن يبيع مال أبيه بظن أنه حي فتبين أنه ميت ويصح البيع ويلزم في الجميع دون الاحتياج إلى الاجازة لأن صحة العقد ولزومه لا بد فيه من أمرين: القصد إلى معناه والرضا به من المالك والأول شرط للصحة والثاني للزوم وكلاهما متحقق في الجميع هذا إلى أن الاعتقاد بعدم الملك أو الولاية أو الوكالة لا يغير الواقع عن واقعه ولا يخرج الأدلة المطلقة عن اطلاقها فسلطنة المالك والولي والوكيل تبقى على ما هي وتنطبق عليها أدلة السلطنة حتى مع الذهول عنها أو اعتقاد عدمها وتقدم أن قصد من له البيع أو الشراء اجنبى عن حقيقة العقد .

 

 

سبق أن المجيز ـ وهو مالك التصرف ـ لا يشترط أن يكون تام الأهلية حين انشاء العقد وصدوره من الفضولي وانما يشترط أن يكون أهلاً لابرام العقد حين الاجازة فقط والآن نتكلم عن محل الاجازة وهو العقد الذي تعلقت به. وبديهة أن الاجازة ليست جزءاً من العقد ولا شرطاً لانشائه وانما هي شرط لتأثره وبلفظ آخر أن الشروط على نوعين منها شرط لصحة العقد ومنها شرط للزوم العقد والعمل بمستلزماته والاجازة شرط للّزوم لا للصحة.

والشروط التي يجب توافرها في عقد الفضولي الذي تتعلق به الاجازة والذي عبرنا عنه بالمجاز هي نفس الشروط التي يجب توافرها في صحة عقد الاصيل من تطابق الايجاب والقبول على شيء واحد وصراحتها في التعبير عن الارادة ومن أهلية المتعاقد بالعقل والبلوغ والرشد ومن قابلية العوضين للتمليك وعلم المتعاقدين بهما وما إلى ذلك ما عدا ورضا المالك. أجل هناك شروط لا تتصل بانشاء العقد بما هو عقد بل تاتي في مرتبة متأخرة عنه وذلك مثل القدرة الفعلية على تسليم المبيع فانها ليست شرطاً في انشاء العقد ولا في صحة الاجازة فلو باع زيد ـ مثلاً ـ طناً من الحنطة في ذمة زيد على أن يكون القبض بعد ثلاثة أشهر يصح البيع وينفذ اذا جاز زيد حتى مع العجز عن التسليم عند الاجازة حيث يكتفى بوجود القدرة حين القبض أي ان الشرط امكان التسليم في حينه .