شروط المتعاقدين بالمعنب الحقوقي

الأهلية  :

تكلم فقهاء المذهب عن الاهلية واطالوا حتى شغل كلامهم عنها حيزاً كبيراً في كتب الفقيه ولكنهم يا للاسف لم يفردوها بفصل مستقل يدرجون فيه جميع مسائلها واحكامها كما فعل الحقوقيون الجدد وانما تكلموا عنها حسب المناسبات في باب العبادات والمعاملات والاحكام والجنايات فتعرضوا في العبادات لصحة صوم الصبي وصلاته وحجه ووجوب الزكاة في أمواله ونيابته عن غيره وفي باب المعاملات لتصرفاته وما يتبعها وفي باب الاحكام لطهارته ونجاسته وشهادته ولقطته وحيازته للمباحات والولاية عليه وعلى أمواله والوصية له والوقف عليه وما يتحمله من نفقة الاقارب وفي باب الجنايات لتأديبه وضمان ما يتلفه وما إلى ذاك مما يحتاج احصاؤه إلى بذل الجهد وسعة الوقت .

وقسم الحقوقيون الجدد وبعض الفقهاء القدامى الاهلية إلى أهلية الوجوب وأهلية الاداء وارادوا بالاولى صلاحية الانسان للتمتع بالحقوق التي جعلها الشارع له وعليه دون حق استعمالها والتصرف فيها وارادوا بالثانية صلاحيته لاستعمال ما له من حق ونفاذ تصرفه فيه .

ونوجز نحن الكلام عن الاهلية كما ارادها الفقهاء من اقوالهم العديدة المتفرقة في شتى ابواب الفقه وقد رأيناها تختلف عندهم باختلاف المراحل والاطوار التي يمر بها الانسان في حياته منذ تكوينه جنيناً تاماً في بطن امه ثم انفصاله حياً حتى يصبح مميزاً ثم عاقلاً بالغاً. وكذا تختلف أهلية العاقل البالغ باختلاف احواله من الرشد والسفه والصحة والمرض والعلم والعدالة والقرابة وغيرها وفيما يلي نشير إلى هذه الحالات كلها أو جلها :

1 ـ الجنين فانه أهل لما يوصى له به ويوقف عليه كما يجب ان يحجز له من تركة أبيه أكبر نصيب على أن لا ينفذ شيء من ذلك إلاّ بعد انفصاله حياً. وهذا الحق يثبت لابن آدم بما هو حى ولو كان جنيناً في بطن أمه .

2 ـ وبمجرد انفصاله حياً وقبل أن يبلغ دون التمييز يصير أهلاً لتحمل الديون ومنها ديون مورثة على القول بانتقالها من ذمة الميت إلى ذمة الورثة لا إلى أعيان التركة .

ويضمن الصبي والمجنون ما يحدثان من اتلاف أو عيب في مال الغير وعلى الولي السداد من مالهما ان وجد وإلاّ انتظر صاحب الحق قدرة القاصر على الوفاء .

وأيضاً يملك الصبي ما يشترى ويوهب له وتصح الشركة معه والصلح عنه والبيت والشراء والزواج له وما إلى ذلك من العقود التي يجريها الولي لحسابه على الاصول الشرعية. وهذا الحق يثبت للانسان بما هو حي غير اجنبي .

أما أقوال غير المميز وافعاله فهباء لا أثر لها اطلاقاً حتى ولو تمحضت لمنفعته ([1]) .

3 ـ اذا دخل دور التمييز يصبح أهلاً للصدقة عند المشهور وصحة الوصية في الخير وحيازة المباحات واستحقاق الكون في الامكنة العامة اذا سبق إليها وامتلاك اللقطة اذا كانت دون الدرهم كما أنّه يصير اهلاً للتأديب على السرقة واللواط وما إليه.

4 ـ اذا بلغ عاقلاً راشداً استقل في جميع تصرفاته المالية وغير المالية واذا بلغ سفيهاً منع عن التصرف المالي إلاّ باذن الولي .

5 ـ من كان سليماً من مرض الموت حقّ له أن يتصرف في جميع امواله وإلاّ منع من التصرف عما يزيد على الثلث .

6 ـ العادل أهل للشهادة المثبتة للحق وامامة الجماعة وولاية الحسبة.

7 ـ المجتهد أهل للافتاء والقضاء والولاية على الايتام والمجانين والغائبين. والأب أهل للولاية على اولاده الصغار .

والمتحصل من كل ذلك أن أهلية كل شيء بحسبه ولم اهتد إلى تعريف لها غير هذه الايماءة إذ يستحيل فهمها مجردة عن مواردها أما تقسيمها إلى أهلية الوجوب وأهلية الاداء فتقسيم ناقص لا يشمل جميع الموارد إلاّ بضرب من التكليف والتعسف فان أهلية العادل للشهادة ـ مثلاً ـ لا تثبت حقاً له ولا عليه كي تدخل في أهلية الوجوب كما أن الادلاء بالشهادة ليست من آثار العدالة في شيء كي تدخل في أهلية  الأداء وانما هي أثر من آثار العلم بالحق ولذا جاز لكل عالم به أن يشهد عادلاً كان أو عير عادل هذا مجمل القول في الأهلية كما هي عند الفقهاء وقد مهدنا به للكلام عن شروط المتعاقدين .

___________________________________________

[1] جاء في وسلية النجاة للسيد أبو الحسن الاصفهاني ان المجنون والصبي اذا التقطا ما دون الدرهمملكاه سواء أقصدا التملك أو قصده وليهما ولم أر فقيهاً رتب أثراً شرعياً على قصد المجنون والصبي

غير المميز في اللقطة ولا في غيرها بل قال صاحب الجواهر لا حكم لالتقاط الصبي وان كان مميزاً مراهقاً .