الاقرار والانكار

الاقرار والانكار  :

 

يصح الصلح مع الاقرار والانكار، قال صاحب الجواهر: «الاجماع على ذلك مضافاً إلى العمومات» أي عموم أدلة الصلح، كالآية الكريمة: «وَالصُّلحُ خَيرٌ». وحديث: «الصلح جائز» وما إلى ذاك، وفرع الفقهاء على ذلك أن المدعى عليه اذا قال للمدعي: صالحني لم يكن هذا اقراراً منه، لأن الصلح يجتمع مع الانكار.. وان المدعي اذا أقر بالحق المدعى به يجوز الصلح عليه بقيمته، وبأقل منها وأكثر وبالمساوي، ما دام التراضي متحققاً من الطرفين .

وقد فهمت الصلح بين اثنين على شيء خشية التنازع المحتمل، ولم أفهم للصلح وجهاً مع الاقرار بالحق، لأن المقر ان أداه كاملاً يكون هذا وفاء منه، وان زاد عليه تكون الزيادة هبة، وان تنازل المقر له عن حقه كلاً أو بعضاً كان هذا ابراء.. ومهما يكن، فالأمر سهل، والنتيجة واحدة، وهي الصحة والجواز عند الجميع، ولا اختلاف إلاّ بالتسمية .

واذا وقع الصلح بعد الانكار فان كان المدعي مبطلاً في دعواه وعالماً بكذبه فيها، وان المدعى عليه انما صالحه اتقاء للخصومة، وافتداء للدعوى الكاذبة، ان كان كذلك، يصح الصلح ظاهراً. ويبطل واقعاً، أي يحرم على المدعي الكاذب أخذ المال الذي وقع الصلح عليه، لأنه أكل للمال بالباطل، مع العلم بأن كل من المصطلحين ملزم قضاءاً بعقد الصلح.. أجل، لو استندت الدعوى إلى شبهة، أو قرينة يخرج المدعي بها عن الكذب يصح الصلح ظاهراً وواقعاً، مثال ذلك أن يرى انسان بخط مورثه ان له مالاً على فلان، فيقيم الوارث الدعوى عليه بناء على ذلك، وتتجه اليمين على المدعى عليه، فاذا صالح هذا الوارث على اسقاط الدعوى بمال فيأخذه حلالاً، لأن للمدعى عليه سبيلاً للتخلص من الصلح ودفع المال بحلف اليمين، ومع ذلك اختار الصلح عن رضا وطيب نفس .

وان كان المدعي محقاً في دعواه، وأنكرها المدعى عليه، كي يرضى المحق ببعض حقه، ورضي هذا بالبعض خوفاً من فوات الكل، أو دفعاً للخصومة والشقاق يصح الصلح ظاهراً، ويبطل واقعاً، ويحرم على المدعى عليه أكل ما تبقى من الحق لأنه أكل للمال بالباطل، قال الإمام الصادق  عليه‏السلام: اذا كان للرجل على الرجل دين، فماطله، حتى مات، ثم صالح ورثته على شيء فالذي أخذه الورثة لهم، وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخر، فان لم يصالحه على شيء حتى مات، ولم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به.

وسئل حفيده الإمام الرضا عليهماالسلامعن رجل أودع عنده يهودي أو نصراني أربعة آلاف درهم فهلك، أيجوز للرجل أن يصالح ورثته، ولا يعلمهم كم كان؟ فقال الإمام عليه‏السلام: لا يجوز، حتى يخبرهم .

وقال صاحب الجواهر: «لو أن شخصاً غصب عيناً من آخر، ثم صالحه عليها بمال، تبقى العين على ملك صاحبها، ولا يستثنى منها مقدار ما دفع إليه من عوضها، لفساد المعاوضة من الأساس إلاّ أذا رضي المدعي باطناً، وتنازل عن طيب نفس» .

وبالايجاز ان الصلح يصح ظاهراً، ويقطع النزاع، ولا يجوز لأحد الطرفين مطالبة الآخر بشيء، ولكنه لا يغير الواقع عما هو عليه، فعلى من يعلم بشغل ذمته للمصالح الآخر ان يدفع له الحق كاملاً، كما أن من أخذ بالصلح شيئاً لا حق له فيه يجب عليه ارجاعه إلى صاحبه ن فالمعيار لصحة الصلح واقعاً هو وصول الحق إلى أهل، لا مجرد صيغة الصلح.