تصرفات المشتري

تصرفات المشتري

سبق أن المشتري يملك المبيع بالعقد، وان الشفيع له حق التملك عليه، ويتفرع على تملك المشتري أن له أن يتصرف في المبيع كيف شاء، ويتفرع على حق الشفيع للتملك أن يأخذ المبيع بالشفعة، ويبطل تصرفات المشتري.. ولا منافاة في الجمع بين هذين الحقين، فانهما أشبه بحق الدائنين في تركة المبيت المستغرقة للدين، وتملك الورثة لها، فإن لهؤلاء أن يتصرفوا فيما ملكوه من موروثهم، وفي الوقت نفسه للدائنين أن يبطلوا تصرفه الورثة إذا لم يفوا بديونهم. ومثله الهبة، فان للواهب حق الرجوع عنها، وللموهوب له حق التصرف في الموهوب قبل الرجوع .

وقد ذكر الفقهاء أمثلة من إبطال الشفيع لتصرفات المشتري، وحكم ما يعرض للمبيع وهو في يده من الهلاك أو الزيادة أو النقصان، ونلخص طرفاً منها فيما يلي :

 

 

إذا تقايل البائع والمشتري، واتفقا على ارجاع المبيع لصاحبه قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة صح التقابل صح التقايل، لأن حق الشفيع سابق على البائع من حيث ان الشفعة استحقت بالعقد، والتقايل متأخر عنه، فتقدم الشفعة عليه، لمكان السبق.. واذا طرأ نقص على المبيع بعد ارجاعه للبائع فضمانه على المشتري، لأنه كان مسؤولاً عما يحدث في المبيع قبل التقايل، فتستمر المسؤولية إلى ما بعده .

هذا ما قاله الفقهاء دون أن ينقلوا الخلاف فيه.. والحق أنّه لا شفعة من رأس مع التقايل، لأن أدلة الشفعة ظاهرة في تملك المشتري للمبيع، ومنصرفة عن حالة التقايل، بل ان موضوع الشفعة هو الشريك الحادث، والمفروض عدمه، فتنتفي لانتفاء موضوعها.

 

 

إذا باع المشتري السهم الذي اشتراه من الشريك فللشفيع فسخ البيع، ويتخير بين أن يأخذ من المشتري الأول، أو المشتري الثاني، لأن حق الشفيع يثبت ويتعدد بتعدد البيع، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده في شيء من ذلك».. واذا أخذ الشفيع من المشتري الأول دفع له الثمن الذي وقع عليه العقد، وبطل البيع الثاني، واذا أخذ من المشتري الثاني دفع له الثمن الذي اشتراه به بالغاً ما بلغ .

وإذا تعددت العقود وتتابعت، حتّى تجاوزت الاثنين، فأي عقد أخذ به الشفيع يكون ما قبله صحيحاً، وما بعده باطلاً، أما صحة السابق فلأن الرضا بالعقد المتأخر يستدعي الرضا بما تقدم عليه، وأمّا بطلان المتأخر فلان الذي قبله قد زال بالفسخ، فيبطل المتأخر، لأنه متفرع عنه .

وإذا اشترك عقاران في المرافق، كالطريق والشرب، وبيع أحدهما، وبنى المشتري فيه مسجداً، ثمّ أخذه الشفيع من المشتري يبطل الوقف، وله أن يهدم المسجد، وكذا اذا كان عقار مشاعاً بين اثنين، وباع أحد الشريكين سهمه المشاع، وأخفى المشتري البيع عن الشفيع، وقال له: استوهبت السهم من شريكك، وطلب منه القسمة، وبعد أن تقاسما بنى المشتري مسجداً في سهمه، ثمّ تبين الواقع للشفيع، فله أن يأخذ المبيع من المشتري، ويهدم المسجد، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا ـ أي بين فقهاء المذهب ـ ولا اشكال، لسبق حق الشفيع، بل عن كتاب المبسوط الاجماع على أن له نقض المسجد إن كان هذا بناه» .

وإذا وهب المشتري المبيع فللشفيع أخذه، ومتى أخذه بطلت الهبة، ويأخذ الشفيع العين اين وجدها، ويدفع الثمن إلى المشتري الواهب، لا إلى الموهب له، لأن المفروض بطلان الهبة، وارجاع الأمر إلى ما كان قبلها .

 

 

اذا طرأ على المبيع هدم أو عيب، وهو في يد المشتري فالحكم عند الأكثر على التفصيل التالي :

1 ـ أن يتلف المبيع، ولا يبقى له من أثر بآفة سماوية، فتبطل الشفعة لارتفاع موضوعها .

2 ـ أن ينقص المبيع، مثل الدار ينهدم بعضها أو كلها، وتبقى الأرض من غير ارادة المشتري وتصرفه، أو فعل أجنبي، والحكم في ذلك أن يتخير الشفيع بين الأخذ بجميع الثمن، أو ترك الشفعة، سواء أحصل النقص قبل مطلبة الشفيع، أو بعدها، إذا المفروض أن المشتري لم يقم بأي عمل يوجب الضمان فقد سئل الإمام  عليه‏السلام عن رجل اشترى من رجل داراً غير مقسومة، وكان الشريك الآخر غائباً، ولما قبضها المشتري جاء سيل جارف وهدمها، ثمّ جاء الشريك الغائب، وطلب الشفعة، فأعطاه الشفعة، على أن يعطيه الثمن كاملاً، فقال الشريك الشفيع: ضع من الثمن قيمة البناء، فما هو الواجب في ذلك؟ قال الإمام  عليه‏السلام: ليس له إلاّ الشراء والبيع. أي يأخذ الثمن الذي وقع عليه العقد .

3 ـ أن يكون النقص بفعل المشتري، ولكن قبل مطالبة الشفيع بالشفعة، والحكم فيه كالصورة الأولى، وهو التخيير بين الأخذ بجميع الثمن أو الترك، لأن المشتري تصرف في ملكه، ولم يعتد، فلا موجب للضمان .

4 ـ أن يكون النقص بسبب المشتري، ولكن بعد أن طالب الشفيع بالشفعة، والحكم أن المشتري يضمن النقص، أي يسقط من الثمن ما يقابل النقص الذي احدثه المشتري، لأن الشفيع قد استحق أخذ المبيع كاملاً بالمطالبة، فيكون تصرف المشتري بعدها تعدياً منه، والمتعدي ضامن .

 

 

إذا اشترك عقاران في المرافق، كالطريق والشرب، وبيع أحدهما، وأقام المشتري فيه بناء، أو غرس فيه غرساً، أو أخذه الشفيع بالشفعة، فهل عليه أن يدفع للمشتري عوض البناء والغرس، أو يجوز له أن يهدم البناء، ويقلع الغرس. ويرمي به إلى المشتري ؟

وليس من شك أن للشفيع والمشتري أن يتفقا ويتراضيا على أن يتملك الشفيع البناء والغرس لقاء عوض يدفعه للمشتري، أو يبقى البناء والغرس على ملك المشتري لقاء عوض يدفعه المشتري للشفيع، كما أن للشريك أن يقلع الغرس، ويهدم البناء، ويزيلهما من أرض الشفيع دون أن يستأذنه، لأنه مالك لهما، وللمالك أن يتصرف في ملكه كيف شاء، ولا يحق للشفيع أن يعارضه في شيء من ذلك، ولا أن يمنعه من الدخول والمرور في أرضه للقلع والهدم، ونقل الأنقاض، لأن ذلك ضروري للتصرف في ملكه، كما أنّه ليس للمشتري أن يطالب الشفيع بشيء مما يتضرر به من الهدم والقلع، لأنه هو الذي أصر عليهما .

لا شك في شيء من ذلك، وانما الشك والاختلاف فيما اذا أصر الشفيع على هدم البناء وقلع الغرس، وازالتهما من أرضه، وأصر المشتري بدوره على الامتناع عنها، ولم يمكن التوفيق بين الشفيع والمشتري، ونقل صاحب الجواهر أقوال الفقهاء في ذلك: منها أن الشفيع مخير بين أمرين: امّا أن يسقط الشفعة، وامّا أن يأخذ البناء والغرس بقيمتهما مستحقين للهدم والقلع لأن المشتري يملكها كذلك ([1]) .

ومنها ان الشفيع مخير بين أمور ثلاثة: أن يترك الشفعة، أو يأخذ البناء والغرس بقيمتها، أو يجبر المشتري على القلع مجاناً ودون تعويض، فان أبى قلع الشفيع وهدم.

ومنها التخيير بين هذه الأمور الثلاثة على أن يتحمل الشفيع الضرر الذي ينال المشتري بسبب الهدم والقلع، وذلك بأن يدفع له الشفيع التفاوت بين قيمة الشجر مغروساً، وقيمته مقلوعاً، والتفاوت بين قيمة البناء قائماً، وقيمة أدواته بعد الهدم، وبهذا قال الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة وكثيرون من كبار الفقهاء، وهو أرجح الأقوال، لأنه يجمع بين الحقين .

___________________________________

[1] عبارة صاحب الجواهر هنا مجملة، وهذا نصها بالحرف: «أن يعطي قيمة ما أخذ من المشتري» وفسرناها نحن بأن الشفيع يأخذ الغرس والبناء مستحقين للهدم والقلع.. لأن المعنى لا يستقيم إلاّ بهذا التفسير .

 

 

النماء على نوعين: نماء متصل: كضخامة الشجرة، وتزايد فروعها وأغصانها، ونماء منفصل، كالثمرة على الشجرة، او سكنى الدار، فاذا تجدد الأول بعد البيع فهو للشفيع، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال ضرورة تبعية ذلك للعين التي تعلق بها حق الشفعة». أما الثاني فهو ما يتجدد منه بعد البيع وقبل الأخذ بالشفعة فهو للمشتري، قال صاحب الجواهر: «بلا خلاف ولا اشكال ضرورة أنّه نماء حدث في ملك المشتري، وأنّه كان متزلزلاً.. هذا بالاضافة إلى أن النماء الحادث ليس من متعلق البيع الذي ثبت فيه حق الشفعة» .