إجماع المسلمين على إمامة علي عليه السلام

وأما الاجماع: فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام أن معرفة إمام(1) المسلمين واجبة على العموم، كوجوب معظم الفرائض في الدين.

وأما النظر والاعتبار: فإنا وجدنا الخلق منوطين بالأئمة في الشرع، إناطة يجب بها عليهم معرفتهم على التحقيق، وإلا كان ما كلفوه من التسليم لهم في أخذ الحقوق منهم، والمطالبة لهم في أخذ مالهم، والارتفاع إليهم في الفصل عند الاختلاف، والرجوع إليهم في حال الاضطرار، والفقر إلى حضورهم لإقامة الفرائض من صلوات وزكوات وحج وجهاد، تكليف ما لا يطاق، ولما استحال ذلك على الحكيم الرحيم سبحانه، ثبت أنه فرض معرفة الأئمة، ودل على أعيانهم بلا ارتياب.

فإن قال: فخبروني الآن من كان الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وآله، والقائم في رئاسة الدين مقامه، لأعرفه فأؤدي بمعرفته ما افترض له علي من الولاء؟

قيل له: من أجمع المسلمون على اختلافهم في الآراء والأهواء على إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله(2)، ولم يختلفوا من بعد وفاته فيما أوجب له ذلك من اجتماع خصال الفضل له والأقوال فيه والأفعال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

____________

(1) في أ، ح، م: أئمة.

(2) في أ، ح زيادة: على حال.

 

الصفحة 30   

فإن قال: أبينوا لي عن صحة هذا المقال، فإني أراكم مدعين الاجماع فيما ظاهره الاختلاف، ولست أقنع منكم فيه إلا بالشرح لوجهه والبيان(1).

قيل له: ليس فيما حكيناه من الاجماع(2) اختلاف ظاهر ولا باطن، فإن ظننت ذلك لبعدك عن الصواب، أفلا ترى أن الشيعة من فرق الأمة تقطع بإمامته عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، وتقضي له بذلك إلى وقت وفاته، وتخطئ من شك في هذا المقال على كل حال؟

والحشوية(3) والمرجئة(4) والمعتزلة متفقون على إمامته عليه السلام بعد عثمان، وأنه

____________

(1) في ب، م: والمقال.

(2) (من الاجماع) ليس في ب، م.

(3) سميت الحشوية بهذا الاسم، لأنهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وآله، أي يدخلونها فيها وليست منها، وهم من فرق المرجئة يقولون بالجبر والتشبيه، وإن الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر، وقالوا: كل ثقة من العلماء يأتي بخبر مسند عن النبي فهو حجة. " المقالات والفرق: 6، 136 ". وأراد المصنف بالحشوية هنا أهل السنة عموما، أنظر ص 91 و 216.

(4) المرجئة: اختلف فيهم على أقوال: فقيل هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضير مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم.

وقيل: هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل، لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل.

وقيل: ما عدا الشيعة من العامة، وسموا مرجئة لأنهم زعموا أن الله تعالى أخر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله. " المقالات والفرق: 5، 131، مجمع البحرين - رجا - 1: 177 ".

 

الصفحة 31   

لم يخرج عنها حتى توفاه الله تعالى راضيا عنه، سليما من الضلال؟