الكلام حول كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام

فصل

 

قد كان بعض متكلمي المعتزلة رام الطعن في هذا الكلام، بأن قال: قد ثبت أن القوم الذين فرض الله تعالى قتالهم بدعوة من أخبر عنه كفار خارجون عن ملة الإسلام، بدلالة قوله تعالى: { تقاتلونهم أو يسلمون }(2).

____________

(1) الوحي: السرعة. " الصحاح. وحى - 6: 252 "، وفي ب، ح، م: وفي أرحى.

(2) سورة الفتح 48: 16.

 

الصفحة 118 

وأهل البصرة والشام والنهروان - فيما زعم - لم يكونوا كفارا، بل كانوا من أهل ملة الإسلام إلا أنهم فسقوا عن الدين، وبغوا على الإمام، فقاتلهم بقوله تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله }(1).

وأكد ذلك عند نفسه بسيرة أمير المؤمنين عليه السلام فيهم، وبخبر رواه عنه عليه السلام، أنه سئل عنهم، فقال: " إخواننا بغوا علينا }(2) ولم يخرجهم عن حكم أهل الإسلام.

قال: فثبت بذلك أن الداعي إلى قتال من سماه الله تعالى ووصفه بالبأس الشديد(3) إنما هو أبو بكر وعمر دون أمير المؤمنين عليه السلام،

فصل

 

فقلت له: ما أبين غفلتك، وأشد عماك! أنسيت قول أصحابك في المنزلة بين المنزلتين، وإجماعهم على من استحق التسمية بالفسق خارج بما به استحق ذلك عن الإيمان والإسلام، غير سائغ تسميته بأحد هذين الاسمين في الدين على التقييد والاطلاق، أم جهلت هذا من أصل الاعتزال، أم تجاهلت وارتكبت العناد؟!

____________

(1) سورة الحجرات 49: 9.

(2) قرب الإسناد: 45، سنن البيهقي 8: 182، حياة الصحابة 2: 496.

(3) في ب، ح، م: والشدة.

 

الصفحة 119 

أو لست تعلم أن المتعلق بإيجاب الإسلام على أهل البصرة والشام(1) والنهروان لا يلزم بذلك إكفارهم، ولا يمنعه من نفي الكفر عنهم، بحسب ما نبهناك عليه من مقالة أصحابك في الأسماء والأحكام، فكيف ذهب عليك هذا الوجه من الكلام، وأنت تزعم أنك متحقق بعلم الحجاج؟! فاستحى لذلك وبانت فضيحته، بما كان يدافع به من الهذيان.

فصل

 

قال بعض المرجئة وكان حاضر الكلام: قد نجونا نحن من المناقضة التي وقع فيها أهل الاعتزال، لأنا لا نخرج أحدا من الإسلام إلا بكفر يضاد الإيمان، فيجب على هذا الأصل أن يكون الكلام بيننا في إكفار القوم على ما تذهبون إليه، وإلا لزمكم معنى الآي.

فقلت له: لسنا نحتاج إلى ما ظننت من نقل الكلام على الفرع(2)، وإن كان مذهبك في الأسماء ما وصفت، لأن الإسلام عندنا وعندك إنما هو الاستسلام والانقياد، ولا خلاف بيننا أن الله عز وجل قد أوجب على محاربي أمير المؤمنين عليه السلام مفارقة ما هم عليه بذلك من العصيان، وألزمهم الاستسلام له والانقياد إلى ما يدعوهم إليه، من الدخول في الطاعة وكف القتال، فيكون قوله تعالى: { تقاتلونهم أو

____________

(1) (والشام) ليس في ب، ح، م.

(2) (على الفرع) ليس في ب، ح، م.

 

الصفحة 120 

يسلمون }(1) خارجا على هذا المعنى الذي ذكرناه، وهو موافق لأصلك، وجار على أصل اللغة التي نزل بها القرآن. فلحق بالأول في الانقطاع، ولم أحفظ منه إلا عبارات فارغة داخلة في باب الهذيان.

فصل

 

على أنه يقال للمعتزلة والمرجئة والحشوية جميعا: لم أنكرتم إكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، وقد فارقوا طاعة الإمام العادل وأنكروها، وردوا فرائض الله تعالى عليه وجحدوها، واستحلوا دماء المؤمنين وسفكوها، وعادوا أولياء الله المتقين في طاعته، ووالوا أعداءه الفجرة الفاسقين في معصيته، وأنتم قد أكفرتم مانعي أبي بكر الزكاة، وقطعتم بخروجهم عن ملة الإسلام؟! ومن سميناه قد شاركهم في منع أمير المؤمنين عليه السلام الزكاة، وأضاف إليه من كبائر الذنوب ما عددناه، وهل فرقكم بين الجميع في أحكام الكفر(2) والإيمان إلا عناد في الدين وعصبية للرجال.

فصل

 

فإن قالوا: مانعو الزكاة إنما منعوها على وجه العناد، ومحاربو أمير المؤمنين إنما حاربوه ومنعوه زكاتهم واستحلوا الدماء في خلافه على

____________

(1) سورة الفتح 48: 16.

(2) في ب، م: في الأحكام.

 

الصفحة 121 

التأويل دون العناد، فلهذا افترق الأمران.

قيل لهم: انفصلوا(1) ممن قلب القصة عليكم، فحكم على محاربي أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه، واستحلال دماء المؤمنين من أصحابه، ومنعه الزكاة وإنكار حقوقه بالعناد، وحكم على مانعي أبي بكر الزكاة بالشبهة والغلط في التأويل، وهذا أولى بالحق والصواب، لأن أهل اليمامة لم يجحدوا فرض الزكاة، وأنما أنكروا فرض حملها إلى أبي بكر، وقالوا:

نحن نأخذها من أغنيائنا، ونضعها في فقرائنا، ولا نوجب على أنفسنا حملها إلى من لم يفترض له ذلك علينا بسنة ولا كتاب.

ولم نجد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام حجة في خلافه واستحلال قتاله ولا شبهة أكثر من أنهم نكثوا بيعته فقد أعطوه إياها من أنفسهم بالاختيار، وادعوا بالعناد أنهم أجابوا إليها بالاضطرار، وقرفوه(2) بقتل عثمان وهم يعلمون اعتزاله فتنة عثمان، وطالبوه بتسليم قتلته إليهم وليس لهم في الأرض سلطان، ولا يجوز تسليم القوم إليهم على الوجوه كلها والأسباب، ودعاه المارقون منهم إلى تحكيم الكتاب، فلما أجابهم إليه زعموا أنه قد كفر بإجابتهم إلى الحكم بالقرآن، وهذا ما لا يخفى العناد من جماعتهم فيه على أحد من ذوي الألباب.

____________

(1) في ب، م: انقضوا.

(2) قرفه: اتهمه. " الصحاح - قرف - 4: 1415 ".

 

الصفحة 122 

فصل

 

فإن قالوا: فإذا كان محاربو أمير المؤمنين عليه السلام كفارا عندكم بحربه، مرتكبي العناد في خلافه، فما باله عليه السلام لم يسر فيهم بسيرة الكفار فيجهز على جرحاهم، ويتبع مدبرهم، ويغنم جميع أموالهم، ويسبي نساء هم وذراريهم، وما أنكرتم أن يكون عدوله عن ذلك في حكمهم يمنع من صحة القول عليهم بالإكفار؟

قيل لهم: إن الذي وصفتموه في حكم الكفار إنما هو شئ يختص بمحاربي المشركين، ولم يوجد في حكم الاجماع والسنة فيمن سواهم من سائر الكفار، فلا يجب أن يعدى منهم إلى غيرهم بالقياس، ألا ترون أن أحكام الكافرين تختلف، فمنهم من يجب قتله على كل حال، ومنهم من يجب قتله بعد الامهال، ومنهم الجزية ويحقن دمه بها ولا يستباح، ومنهم من لا يحل دمه ولا تؤخذ منه الجزية على حال، ومنهم من يحل نكاحه ومنهم من يحرم بالإجماع، فكيف يجب اتفاق الأحكام من الكافرين على ما أوجبتموه فيمن سميناه، إذا كانوا كفارا، وهي على ما بيناه في دين الإسلام من الاختلاف؟!

فصل

 

ثم يقال لهم: خبرونا هل تجدون في السنة أو الكتاب أو الاجماع الحكم(1) في طائفة من الفساق بقتل المقبلين منهم وترك المدبرين، وحظر

____________

(1) (الحكم) ليس في ب، م.

 

الصفحة 123 

الإجهاز على جرحى المقاتلين وغنيمة ما حوي عسكرهم دون ما سواه من أمتعتهم وأموالهم أجمعين؟

فإن ادعوا معرفة ذلك ووجوده طولبوا بتعيينه فيمن عدا البغاة من محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، فإنهم يعجزون عن ذلك، ولا يستطيعون إلى إثباته سبيلا.

وإن قالوا: إن ذلك، وإن كان غير موجود في طائفة من الفاسقين، فحكم أمير المؤمنين عليه السلام به في البغاة دليل على أنه في السنة أو الكتاب(1)، وإن لم يعرف وجه التعيين.

قيل لهم: ما أنكرتم أن يكون حكم أمير المؤمنين عليه السلام في البغاة ممن سميتموه دليلا على أنه حكم الله تعالى قي طائفة من الكافرين موجود في السنة والكتاب، وإن لم يعرف الجمهور الوجه في ذلك على التعيين، فلا يجب أن يخرج القوم من الكفر لتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى به فيمن سواهم من الكافرين، كما لا يجب خروجهم من الفسق بتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم الله تعالى به فيمن سواهم من(2) الفاسقين، وهذا ما لا فصل فيه.

فصل

 

على أن أكثر المعتزلة يقطعون بكفر المشبهة والمجبرة، ولا

____________

(1) في ب: في السنة والكتاب.

(2) (الكافرين كما.. سواهم من) ليس في أ، ب، م.

 

الصفحة 124 

يخرجونهم بكفرهم عن الملة، ويرون(1) الصلاة على أمواتهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وموارثتهم، ومنهم من يرى مناكحتهم، ولا يلحقونهم بغيرهم من الكفار في أحكامهم المضادة لما وصفناه، ولا يلزمون أنفسهم مناقضة في ذلك.

وأبو هاشم الجبائي(2) خاصة يقطع بكفر من ترك الكفر وأقام على قبيح أو حسن يعتقد قبحه، ولا يجري عليه شيئا من أحكام الكافرين من قتل، أو أخذ جزية، أو منع من موارثة، أو دفن في مقابر المسلمين، أو صلاة عليه بعد أن يكون مظهر للشهادتين، والاقرار بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله على الاجمال، وهذا يمنعه فيمن تقدم ذكره من المعتزلة وأصحابهم من المطالبة في محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما سلف حكايته عن الخصوم، ولا يسوغ لهم الاعتماد بذكر الإسلام من الأذى(3).

فصل

 

فإن قالوا: كيف يصح لكم إكفار أهل البصرة والشام وقد سئل

____________

(1) في أ: بكفرهم عن المسألة، وترك.

(2) هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، أبو هاشم، من كبار المعتزلة، عالم بالكلام، له آراء انفرد بها عنهم، وله مصنفات في الاعتزال، ولد ببغداد، وتوفي بها في سنة 321 هـ. أنظر " تاريخ بغداد 11: 55 / 5735، وفيات الأعيان 3: 183 / 383، سير أعلام النبلاء 15: 63 / 32 ".

(3) (ولا يسوغ.. الأذى) ليس في ب، ح، م.

 

 

الصفحة 125 

أمير المؤمنين عليه السلام عنهم، فقال: " إخواننا بغوا علينا "(1)، ولم ينف عنهم الإيمان، ولا حكم عليهم بالشرك والإكفار؟!

قيل لهم: هذا خبر شاذ، لم يأت به التواتر من الأخبار، ولا أجمع على صحته رواة الآثار، وقد قابله ما هو أشهر منه، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وأكثر نقلة، وأوضح طريقا في الإسناد، وهو أن رجلا سأل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، والناس مصطفون للحرب، فقال له: علام نقاتل هؤلاء القوم - يا أمير المؤمنين - ونستحل دماءهم وهم يشهدون شهادتنا، ويصلون إلى قبلتنا؟

فتلا عليه السلام هذه الآية، رافعا بها صوته: { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون }(2).

فقال الرجل حين سمع ذلك: كفار، ورب الكعبة. وكسر جفن سيفه ولم يزل يقاتل حتى قتل(3).

وتظاهر الخبر عنه عليه السلام أنه قال يوم البصرة: " والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم: { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل

____________

(1) تقدم مع تخريجاته في ص 118.

(2) سورة التوبة: 9: 12.

(3) الاحتجاج: 169 - 170.

 

الصفحة 126 

الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم }(1).

وجاء مثل ذلك عن عمار وحذيفة رحمة الله عليهما(2)، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه آله، فالأمر في اجتماع أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام على إكفار عثمان والطالبين بدمه وأهل النهروان أظهر من أن يحتاج فيه إلى شرح وبيان، وعنه أخذت الخوارج مذهبها الموجود في أخلافها اليوم من الإكفار لعثمان بن عفان وأهل البصرة والشام، وإن كانت الشبهة دخلت عليهم في سيرته عليه السلام فيهم، وما استعمله من الأحكام حتى ناظره أسلافهم عند مفارقتهم له فحججهم(3) بما قد تواترت به الأخبار.

فصل

 

على أنا لو سلمنا لهم الحديث في وصفهم بالإخوة له عليه السلام، لما منع من كفرهم، كما لم يمنع من بغيهم، ولم يضاد ضلالهم باتفاق مخالفينا، ولا فسقهم عن الدين واستحقاقهم اللعنة والاستخفاف والإهانة وسلب اسم الإيمان عنهم والإسلام، والقطع عليهم بالخلود في الجحيم.

____________

(1) أمالي الطوسي 1: 130، تفسير العياشي 2: 79 / 27، مناقب ابن شهرآشوب 3: 148، شواهد التنزيل 1: 209 / 280 و 281، والآية من سورة المائدة 5: 54.

(2) تفسير التبيان 3: 555، مجمع البيان 3: 321، مناقب ابن شهرآشوب 3: 148.

(3) في م: في حبهم.

 

الصفحة 127 

قال الله تعالى: { وإلى عاد أخاهم هودا }(1)، فأضافه إليهم بالإخوة وهو نبي الله وهم كفار بالله عز وجل.

وقال تعالى: { وإلى ثمود أخاهم صالحا }(2).

وقال: { وإلى مدين أخاهم شعيبا }(3) ولم يناف ذلك كفرهم، ولا ضاد ظلالهم وشركهم، فأحرى أن لا يضاد تسمية أمير المؤمنين عليه السلام محاربيه بالإخوة مع كفرهم بحربه، وضلالهم عن الدين بخلافه، وهذا بين لا إشكال فيه.

فصل

 

ومما يدل على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السلام علمنا بإظهارهم التدين بحربه، والاستحلال لدمه ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد ثبت أن استحلال دماء المؤمنين أعظم عند الله من استحلال(4) جرعة خمر، لتعاظم المستحق(5) عليه من العقاب بالاتفاق.

وإذا كانت الأمة مجمعة على إكفار مستحل الخمر، وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر مستحل

____________

(1) سورة الأعراف 7: 65، سورة هود 11: 50.

(2) سورة الأعراف 7: 73، سورة هود 11: 61.

(3) سورة الأعرف 7: 85، سورة هود 11: 84.

(4) في أ زيادة: شرب.

(5) في ب: المستحل.

 

الصفحة 128 

دماء المؤمنين، لأنه أكبر(1) من ذلك وأعظم في العصيان بما ذكرناه، وإذا ثبت ذلك صح الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام على ما وصفناه.

دليل آخر: ويدل على ذلك أيضا ما تواترت به الأخبار من قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " حربك - يا علي - حربي، وسلمك سلمي "(2).

وقد ثبت أنه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أمير المؤمنين عليه السلام حربه على الحقيقة، وإنما أراد التشبيه في الحكم دون ما عداه، وإلا كان الكلام لغوا ظاهر الفساد، وإذا كان حكم حربه عليه السلام كحكم حرب الرسول صلى الله عليه وآله وجب إكفار محاربيه، كما يجب بالإجماع إكفار محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله.

دليل آخر: وهو أيضا ما أجمع على نقله حملة الآثار من قول الرسول صلى الله عليه وآله: " من آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى الله تعالى "(3) ولا خلاف بين أهل الإسلام أن المؤذي للنبي صلى الله عليه وآله بالحرب والسب والقصد له بالأذى والتعمد لذلك كافر، خارج عن ملة الإسلام، فإذا ثبت ذلك وجب الحكم بإكفار محاربي أمير المؤمنين عليه السلام بما أوجبه

____________

(1) في أ: أكثر، وفي ب، م: أكفر.

(2) أمالي الطوسي 1: 374، تفسير فرات: 181، مناقب ابن شهرآشوب 3: 217، مناقب الخوارزمي: 76، مناقب ابن المغازلي: 50 / 73، الفصول المختارة: 197.

(3) الرياض النضرة 3: 122، ذخائر العقبى: 65، الجامع الصغير للسيوطي: 122، ينابيع المودة: 205، مناقب ابن شهرآشوب 3: 211.

 

الصفحة 129 

النبي صلى الله عليه وآله من ذلك بما بيناه.

دليل آخر: وهو أيضا ما انتشرت به الأخبار، وتلقاه العلماء بالقبول عن رواة الآثار، من قول النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام:

" اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".

وقد ثبت أن من عادى الله تعالى وعصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الإيمان، فإذا ثبت أن الله تعالى لا يعادي أولياءه وإنما يعادي أعداءه، وصح أنه تعالى معاد لمحاربي أمير المؤمنين عليه السلام لعداوتهم له، بما ذكرناه من حصول العلم بتدينهم بحربه عليه السلام بما ثبت به عداوة محاربي رسول الله صلى الله عليه وآله ويزول معه الارتياب، وجب إكفارهم على ما قدمناه.

وقد استقصيت الكلام في هذا الباب في كتابي المعروف بـ (المسألة الكافئة)(2) وفيما أثبته منه هاهنا كفاية، إن شاء الله.

فصل

 

ثم يقال للمعتزلة ومن وافقهم في إنكار إمامة معاوية بن أبي

____________

(1) أمالي الصدوق: 460 / 2، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 47 / 183 و 59 / 227، مشكل الآثار 2: 307، مسند أحمد 1: 88 و 4: 370، أخبار أصفهان 2: 227، تاريخ بغداد 14 / 236، مستدرك الحاكم 3: 110.

(2) ذكر هذا الكتاب تلميذاه النجاشي والطوسي وسمياه " المسألة الكافئة في إبطال توبة الخاطئة ". أنظر رجال النجاشي: 399، فهرست الطوسي: 158.

 

الصفحة 130 

سفيان وبني أمية من عقلاء أصحاب الحديث: ما الفرق بينكم فيما تأولتم به الآية، وأوجبتم به منها طاعة أبي بكر وعمر، وبين الحشوية فيما أوجبوا به منها طاعة معاوية وبني أمية وجعلوه حجة لهم على إمامتهم، وعموا بالمعني بها أبا بكر وعمر وعثمان ومن ذكرناه.

وذلك أن أكثر فتوح الشام وبلاد المغرب والبحرين والروم وخراسان كانت على يد معاوية بن أبي سفيان وأمرائه كعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة ومعاوية بن حديج وغير من ذكرناه، ومن بعدهم على أيدي بني أمية وأمرائهم بلا اختلاف.

فإن جروا(1) على ذلك خرجوا عن أصولهم، وزعموا أن الله سبحانه أوجب طاعة الفاسقين، وأمر باتباع الظالمين، ونص على إمامة المجرمين، وإن امتنعوا منه لعلة من العلل مع ما وصفناه من قتالهم بعد النبي صلى الله عليه وآله لقوم كفار أولي بأس شديد منعوا من ذلك في الرجلين بمثلها، فلا يجدون فصلا مع ما يلحق مقالتهم من الخلل والتناقض بالتخصيص على التحكم دون الحجة والبيان، ومن الله نسأل التوفيق.

____________

(1) في ب، ح، أ: أقروا.