باب الخامس عشر في تخطئة كل واحد من الأربعة في كثير من أحكامه

الصفحة 181 

وفيه فصول: الأول: فيما أجمعوا عليه الثاني: فيما اختلفوا فيه الثالث: فيما أضيف إليهم من المخازي، الرابع: في البخاري، الخامس: فيما أنكر مسلم والبخاري من الأحاديث.

فنقول أولا: إن هؤلاء الأربعة ليسوا من الصحابة بل من التابعين وقد رضيت أهل السنة بنسبة جملة المذهب إليهم، وقد عدلت عن نسبته إلى نبيهم، التي هي أوكد لتعظيمه وحرمتهم، من نسبته إلى قوم يخطئ بعضهم بعضا، وربما يلعن بعضهم بعضا وقد اعترفوا بكمال دينهم في حياة نبيهم، في قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم (1)).

فاختلاف الأربعة إن كان لاختلاف في المقال، فقد وثقوا بمن شهدوا عليهم بالفسق والضلال، وإن كان لحاجة دعتهم إليه، فكيف يقتدى بمن يشهد على ربه بنقص دينه، وإن كان لا لحاجة فقد قبحوا ذكر نبيه حيث وضعوا ما لم يكن في زمانه، وإن كان لزعمهم أنهم أعرف وأهدى لشريعة نبيهم فأتوا بما لم يأت به، فهو بهت لعقولهم مع اختلافهم في أحكامهم، ولقد كان أسلافهم ضلالا قبل ظهورهم.

وما الدليل على وجوب الاقتصار على الأربعة، دون الأقل منهم. أو الزايد عليهم، وقد وجد من أتباعهم من يضاهيهم، فلم لا يسري الاسم والتقليد إليهم، إذ كانوا يحتجون بقول النبي: اختلاف أمتي رحمة، فمن زاد فيه زاد في الرحمة، فكان اختلاف كل شخصين من الأمة أبلغ من تحصيل الرحمة، ولزم كون الائتلاف موجبا للتقية وكان النبي صلى الله عليه وآله والصدر الأول مبعدين من هذه الرحمة والمروي في أحاديثنا

____________

(1) المائدة: 6.

الصفحة 182 

اختلاف أصحابي لكم رحمة (1) قيل: ومن أصحابك قال: أهل بيتي ومن تبعهم.

قال محمد بن بابويه: أهل البيت لا يختلفون إلا من حيث التقية رحمة للشيعة وإذا تعدلت الأخبار فقد جاء عن الصادق عليه السلام من طريقين إلا إذا وافق أحدهما مذهب العامة فيترك قال ابن بابويه: لاحتمال خروجه على التقية، وما خالفهم لا يحتمل ذلك.

ثم نرجع ونقول: إن كان في سابقتهم من بلغ إلى مرتبتهم، فلم لا كانت الإضافة إليهم، وقد قال الغزالي في خطبة كتابه المسمى باقتحام العوام عن علم الكلام. إعلام: اعلم أن الحق الصريح عن أهل البصائر مذهب السلف، أعني الصحابة والتابعين. فقد نبه على إسقاط الاقتداء بالأربعة، ولقد قال: أقضى الأمة بشهادة نبيه في نهج بلاغته ترد على أحدهم القضية فيحكم فيها برأيه، ثم ترد بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم تجتمع القضاة عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد! وكتبهم واحد، أفأمرهم بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء لله فلهم أن يقضوا وعليه أن يرضى، أم أنزل الله دينا تاما فقصر الرسول بتبليغه).

ولقد أحسن النيلي حيث أخذ شيئا من ذلك فقال:

 

وقالوا اختلاف الناس في الفقه رحمة   فلم ذا لما هذا يحل ويحرم

أربان للانسان أم كان دينهم     على النقص من دين الكمال فتمموا

أم الله لا يرضى بشرع نبيه       فأضحوا هم في ذلك الشرع أقوم

أم المصطفى قد كان في وحي ربه       يقصر في تبليغه ويجمجم

أم القوم كانوا أنبياء صوامتا      فلما قضى المبعوث عنهم تكلموا

أم الدين لم يكمل على دين أحمد       فعادوا عليه بالكمال وأحكموا

أما قال إني اليوم أكملت دينكم وأتممت للنعماء مني عليكم

فما فرط الباري إذا في كتابه    بشئ ولا أن المشيئة منهم

 

____________

(1) والأظهر أن يكون الاختلاف بمعنى التردد: المجيئ والذهاب لأخذ معالم الدين.

الصفحة 183 

 

 

فلم حرموا ما كان حلا وحللوا  بفتواهم ما جاء وهو محرم

ترى الله فيما قاله زاد أو هفا     نبي الهدى أم كان جبريل يوهم

لقد أبدعوا فيما أتى من خلافهم         وقالوا اقبلوا مما نقول وسلموا

 

قالوا: وأنتم فرق وفي مذهبكم اختلاف، قلنا: لا بل الاثنا عشرية فرقة واحدة، ونقطع بخطاء من خالفها، وأنتم تصوبون الأربعة (1) ونحن لم نرد حديثا ثبتت صحته وقد قال ابن الجوزي شيخ الحنابلة في المنتظم: اتفق الكل في الطعن على أبي حنيفة وعرض به البخاري برده الأحاديث الصحيحة كقوله: القرعة قمار والإشعار مثلة، وسيأتي.

قالوا: لا لوم في الاختلاف، وقد وقع بين الأنبياء كما في داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث (2)) قلنا: لا اختلاف بينهما بل نسخ الله حكم داود بحكم سليمان.

قالوا: اختلفت الصحابة حيث قال النبي صلى الله عليه وآله: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، فضاق الوقت، فمنهم من صلى قبل وصوله، ومنهم من ترك، فلم يعتب النبي صلى الله عليه وآله على أحد، قلنا: لا نبطل الاجتهاد بل الرأي والقياس، وقد شهد صاحب المنتظم في أبي حنيفة أنه إمام أصحاب الرأي.

____________

(1) هذا هو الصواب في الجواب فإن فقه الشيعة يبتني على أن الحكم الواقعي واحد، لا يختلف باختلاف الفقهاء، وهو يصوبون الآراء جميعا.

(2) الأنبياء: 78.

الصفحة 184 

 

(1)

فصل

* (نذكر فيه خطأ الأربعة فيما أجمعوا عليه) *

 

وهو أمور:

1 - أجازوا غسل الرأس بدلا من مسحه في الوضوء، وأوجبوا غسل الرجلين فخالفوا نص الكتاب في موضعين.

2 - أجازوا مسح الخفين (1) وقد نطق القرآن بالرجلين، وقد قال الباقر مع شهادة الفريقين له: سبق الكتاب المسح على الخفين، وفيه مزيد كلام يأتي في الباب الأخير إن شاء الله.

3 - منعوا الفريضة على الراحلة للضرورة، وفيه ترك الصلاة مع القدرة عليها ومخالفة لقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (2) ولفعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه في يوم مطير على الراحلة صلاها.

4 - أجازوا في الصلاة قول: آمين وخالفوا قول النبي الأمين: لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين.

5 - أجازوا الوضوء بالماء المغصوب مع دلالة صريح العقل وتواتر النقل على قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، والنهي في التعبد موجب للفساد.

6 - توضأوا مع غسل الجنابة، وقد جعل الله غاية المنع من المساجد الغسل فالمتوضي معه متزيد على الشرع، وقد روى صاحب الحلية عن رسول الله صلى الله عليه وآله (من توطأ بعد الغسل فليس منا) وفي سنن السجستاني قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وآله

____________

(1) بعضهم قال بجواز المسح على الخفين مطلقا: حضرا وسفرا، وبعضهم بالجواز في السفر فقط، ومن المنكرين للمسح على الخفين ابن عباس، قال: لئن أمسح على جلد الحمار أحب إلي كم من أن أمسح على الخفين ونقل الرازي أن ابن عمر أيضا كان يخالف ذلك.

(2) البقرة: 286.

الصفحة 185 

يغتسل ويصلي ولا يحدث وضوءا بعد الغسل، ونحوه عنها في مسند أحمد.

7 - استحبوا صلاة الضحى، وقد روي في كتبهم بدعتها، ففي الجمع بين الصحيحين للحميدي عن مرزوق العجلي قلت: أكان عثمان يصلي الضحى؟ قال:

لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبي قال: ما إخاله وفيه من مسند عائشة ما صلى النبي صلى الله عليه وآله الضحى وفيه عن ابن عمر صلاة الضحى بدعة وفي مسند ابن حنبل أن أبا سعيد وأبا بشير رأيا رجلا يصليها فعيباه عليها ونهياه عنها.

وسبب ابتداعها أن معاوية لما بلغه نعي أمير المؤمنين وقت الضحى، قام فصلى ست ركعات، ثم أمر بني أمية بالأحاديث في فضلها عن النبي صلى الله عليه وآله حتى رووا أن النبي قال: إن الله كتبها عليه، ورووها ركعة عن أبي ذر، وعن أم هاني أن النبي صلى الله عليه وآله صلاها ثمان ركعات فانظر إلى تناقض هذه الأحاديث إن أمرك أحدها بالأخذ به أمرك الآخر بتركه.

8 - خيروا المسافر بين الصوم والفطر، فخالفوا قوله تعالى (1): (فعدة من أيام أخر (2)) وفي الجمع بين الصحيحين: خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة في عشرة آلاف، فلما بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد افطر، وقد قال الترمذي يؤخذ من أمر رسول الله بالأخير (3) وفيه خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى خيبر في رمضان وفي الناس

____________

(1) سواء قرى برفع (عدة) أو نصبها، فإذا قرئ بالرفع، كان تقديره: فعليه عدة من أيام أخر. وإذا قرئ بالنصب كان تقديره: فليصم عدة من أيام أخر، وكيف كان وجوب الأيام الأخر يدل على وجوب الافطار، حيث إن التخيير مستلزم للجمع بين الصوم والقضاء.

(2) البقرة: 184.

(3) ذكره في المنتقى كما نقله نيل الأوطار ج 4 ص 236 عن ابن عباس أن النبي (ص) خرج من المدنية ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمانين ونصف من مقدمه المدينة فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى إذا بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا.

الصفحة 186 

مفطر وصائم، فركب راحلته وشرب ليراه الناس فشربوا (1).

وفيه عن جابر خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة عام الفتح في رمضان، فلما بلغ كراع الغميم دعا بقدح فرفعه ليراه الناس ثم شرب، فقيل: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة.

9 - أبطلوا صلاة الجمعة بعد انعقادها إذا تفرق العدد، وخالفوا نص القرآن فيه، وقوله عليه السلام: الصلاة على ما افتتحت عليه.

10 - استحبوا صلاة العيد، وقد جاء القرآن بها، ودل على عدم الفلاح بتركها، ودوام النبي صلى الله عليه وآله عليها.

11 - استحبوا صلاة الكسوف فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم ذلك فصلوا، وفي خبر ابن مسعود النذري: فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة.

12 - اكتفوا في صلاة الموتى بتكبيرات أربع (2) وفي الجمع بين الصحيحين عن زيد بن أرقم كان النبي صلى الله عليه وآله يكبر خمسا وكبر [ علي ] على سهل بن حنيف خمسا (3) وقال: إنه من أهل بدر إيضاحا أن الخمس للمؤمن، والأربع للمنافق، ووافقنا ابن أبي ليلى ورثى فقال:

 

وتكبيره خمسا عليه دلائل       وإن كان تكبير المضلين أربع

 

وروى الخطيب والديلمي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي على الميت خمسا

____________

(1) ومن الروايات المتواترة قوله صلى الله عليه وآله: (ليس من البر الصيام في السفر، رواه السيوطي في الجامع الصغير عن مسند أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود و النسائي عن جابر وابن ماجة عن ابن عمر، وصححه.

(2) أجمع الفقهاء الأربعة على عدم وجوب التكبيرة الخامسة، ومن الشافعية من جوزها وقال لا تبطل بالخامسة، ثم إنهم أجمعوا على التسليم فيها كتسليم الصلاة وعلى اشتراط الطهارة، والشافعي عين الفاتحة عقيب الأولى وجعل الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عقيب الثانية وأبو حنيفة قال: يحمد الله في الأولى.

(3) كبر عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام خمسا خمسا: خمسا وعشرين تكبيرة.

الصفحة 187 

وأسند الخطيب التاريخي أن عيسى مولى حذيفة بن اليمان صلى على جنازة فكبر خمسا ثم التفت وقال: وما وهمت ولا نسيت، ولكن تبعت مولاي حذيفة فإنه كبر خمسا.

وفي الفردوس قال عليه السلام: كبرت الملائكة على آدم خمسا وعن بعض الصادقين عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على المؤمن خمسا وعلى المنافق أربعا، فكانت الصحابة تعرف ذلك وفي رواية ابن بطة صلى النبي صلى الله عليه وآله على حمزة بخمس تكبيرات وصلي على السفاح بخمس تكبيرات، وصححه صاحب المنتظم، وذكره الهمداني في عنوان السنن وقال العسكري في كتاب الأوائل: أول من كبر أربعا عمر بن الخطاب، و (1) قد روي أن الله كتب خمس فرائض: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة، والعامة تركوا الولاية فتركوا تكبيرها.

13 - لم يستحبوا الجريدتين مع ما روي في الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله مر بقبرين يعذبان أحدهما من النميمة والآخر بعدم التنزه من البول، فشق عسيبا رطبا باثنين وغرس على كل واحد واحدا، ثم قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا.

وفي حديث سفيان أنه عليه السلام قال للأنصار: خضروا صاحبكم بجريدتين خضراوين، يوضعان من أصل الترقوة إلى أصلا اليدين، والأصل فيه أن آدم لما هبط استوحش فسأل الله شيئا من شجر الجنة ليأنس به، فنزلت النخلة فأنس بها وأوصى أن يجعل في كفنه جريدتين منها، وقال: أرجو الأنس في قبري بهما، ففعل ذلك ولده ونسله الأنبياء بعده، فلما درس أحياها النبي صلى الله عليه وآله وشرعه وأوصى

____________

(1) نقله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 137، وذكره ابن الشحنة في حوادث سنة 23 من تاريخه روضة المناظر المطبوع بهامش الكامل لابن الأثير ج 11 ص 122 وكذا أبو الفداء ج 1 ص 141.

الصفحة 188 

أهل بيته باستعماله، وسيأتي في الباب الأخير تكميل ذلك من كتب الجمهور فليطلب منه.

14 - خصوا الخمس بغنائم دار الحرب، فخالفوا عموم (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه (1)).

15 - لم يوجبوا كفارة بتعمد غليظ الغبار، فخالفوا النص الدال على وجوبها بالافطار.

16 - منعوا فسخ الحج إلى العمرة فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله من لم يسق فليحل وليجعلها عمرة (2) 17 - لم يبطلوا حج متعمد ترك المبيت بمزدلفة، فخالفوا فعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، وقوله: من ترك المبيت بمزدلفة فلا حج له.

18 - لم يبرؤوا المضمون عنه بالضمان، فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي لما ضمن الدرهمين عن الميت: فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك، فدل على انتقال الدين عن الميت وقال لأبي قتادة لما ضمن الدينارين: هما عليك والميت منهما برئ؟ قال: نعم.

19 - أنفذوا إقرار العبد بحد أو قصاص، فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وإقرار العبد على مولاه، فمفهوم الحديث أنه ليس بجائز.

20 - منعوا إجارة الأرض لزرع الطعام فخالفوا قضية العقول، وقوله تعالى:

____________

(1) الأنفال: 41.

(2) وأول من خالف النبي صلى الله عليه وآله في ذلك عمر ابن الخطاب، لما قال صلى الله عليه وآله من لم يسق هديا فليحل، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت، لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدى، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله فقال له عمر بن الخطاب: أنخرج حجاجا وذكر أحدنا يقطر منيا؟ فقال صلى الله عليه و آله: إنك لن تؤمن بها أبدا.

الصفحة 189 

(أوفوا بالعقود) (1).

21 - منعوا الوصية للوالدين والأقربين، فخالفوا قوله تعالى: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين (2)) وبدلوا قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه (3)).

22 - أجازوا عول المواريث قال ابن عباس: سبحان من أحصى رمل عالج جعل في المال نصفين وثلثا، ذهب النصفان بالمال، فأين الثلث؟ قيل: من أول من أعال؟ قال: عمر، قلت: فهلا شرت عليه، قال: هبته.

23 - ورثوا العصبة فخالفوا قوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض (4)) ولا خلاف أن الأقرب فيهم أولى من الأبعد، وألزمهم الفضل بن شاذان أن يرث ابن العم أكثر من ابن الصلب فيمن خلف ولدا وثمانية وعشرين بنتا فإن له سهمين من ثلاثين، وهما خمس الثلث، ولو كان عوضه ابن عم فله مجموع الثلث.

24 - منعوا وارث النبي صلى الله عليه وآله من ميراثه برواية أبي بكر: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة، وهي فاسدة لقوله تعالى: (وورث سليمان داود) (5) وقال: في زكريا: (يرثني ويرث من آل يعقوب (6)) وحكم أبو بكر لعلي بميراث بغلة النبي صلى الله عليه وآله وسيفه ودرعه، لما نازعه فيها العباس، وإنما قصد عليه السلام أن يظهر تخطئة الحكم بتلك الرواية للناس، وقد سلف ذلك في باب المطاعن مستوفى.

____________

(1) المائدة: 1.

(2) البقرة: 180 و 181.

(3) البقرة: 180 و 181.

(4) الأنفال: 75.

(5) النمل: 16.

(6) مريم: 6.

 

 

 

 

الصفحة 190 

25 - منعوا نكاح بنت الأخ والأخت على العمة والخالة وإن رضيتا، فخالفوا (فانكحوا ما طاب لكم) (1) (وأحل لكم ما وراء ذلكم (2)).

26 - منعوا نكاح المتعة فخالفوا قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) (3) وهو حقيقة في المتعة (4) وقد قرأ ابن عباس (إلى أجل) وتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله

____________

(1) النساء: 3.

(2) النساء: 24.

(3) النساء: 24.

(4) وليس ذلك لمكان لفظ الاستمتاع فإن التمتع - بالمعنى اللغوي - عام للنكاح الدائم والمنقطع، بل لأجل قوله تعالى (فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة).

أما أولا فلأن لفظ الأجرة لا يطلق إلا في مقابل الاستمتاع المنقطع من أي شئ كان و على أي وجه كان كما في قوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن). وأما في مقابل النكاح الدائم فإنما يطلق لفظ الصداق كما قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا).

وقوله في مورد الاستمتاع المنقطع (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) وزان قوله في مورد الاستمتاع الدائم (فإن طبن لكم عن شئ) الخ.

وأما ثانيا فلأن لفظ (فريضة) يدل على وجوب تعيين الأجرة، فإنه قيد للأجرة، لا للإيتاء، وأما في مورد الاستمتاع الدائم، فقد قال تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة)، وقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) فلم يوجب فرض المهر ولا تعيين مقداره.

ويدل على جواز المتعة بالمعنى الاصطلاحي آيات أخر:

منها قوله تعالى في النساء: 25: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف) وهو نكاح المملوكة، فلا يجوز نكاحها إلا بالانقطاع.

ومنها قوله تعالى في المائدة: 5: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) فصدرها يجوز متعة المؤمنات من أهل الاسلام، وذيلها يجوز متعة النساء النصرانيات أو هن وسائر الكتابيات فلا يجوز نكاح الكتابيات إلا بالانقطاع.

ومنها قوله تعالى في الممتحنة: 10، (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن، ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وفي تشريع هذا النوع من النكاح في المؤمنات المهاجرات، جمع بين الحقوق، منها حق زوجها الكافر إذا أسلم، فإن له أن يرغب في نكاح زوجتها المهاجرة، إذا لم تنكح دائما، وغير ذلك مما يطول به البحث.

الصفحة 191 

إباحتها، وأفتى بها علي وابن مسعود وجابر وعبد الله ومسلم والخدري والمغيرة ومعاوية وابن عباس ومجاهد وابن جبير وعطاء وابن جريج، واستمرت مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله وخلافة أبي بكر، وأكثر خلافة عمر، حتى نهى عنها، وسيأتي ذلك محررا إن شاء الله.

27 - أجازوا طلاق الحائض فخالفوا قوله تعالى (1): (فطلقوهن لعدتهن) (2) أي لقبل عدتهن وطلق ابن عمر امرأته حائضا فأمره النبي صلى الله عليه وآله بمراجعتها حتى

____________

(1) (فطلقوهن لعدتهن) أي لوقت عدتهن، فإن اللام للتأقيت، وفيه دلالة على وجوب إيقاع الطلاق في الطهر لأن الأقراء هي الأطهار بين الحيضتين، وليس بالحيض، لوجوه:

منها أنه قال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وإلحاق التاء بالعدد يراد به المذكر، والطهر مذكر والحيض مؤنثة.

ومنها ما رواه أصحابنا عن زرارة قال: سمعت ربيعة الرأي يقول: إن من رأيي أن الأقراء هي الأطهار بين الحيضتين، وليس بالحيض، فدخلت على الباقر عليه السلام فحدثته بما قال، فقال عليه السلام، كذب، لم يقل برأيه، وإنما بلغه عن علي عليه السلام.

فقلت: أصلحك الله أكان علي عليه السلام يقول ذلك؟ قال: نعم كان يقول: إنما القرء الطهر يقرء فيه الدم فيجمعه، فإذا جاء الحيض قذفته، قلت: أصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين، قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج الحديث.

وهذا القول هو مذهب أصحابنا والشافعي، لكن عندنا أنه لو فعل خلاف ذلك بطل الطلاق وأما عند الشافعي وباقي الفقهاء فعل حراما وصح طلاقه: أما الحرمة، فلأن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وأما الصحة فلأن النهي لا يستلزم الفساد.

(2) الطلاق: 1.

الصفحة 192 

تطهر، وروي أنه قال له: هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها الطهر.

28 - أوقعوا طلاق الثلاث المرسلة ثلاثا فخالفوا (الطلاق مرتان (1)) فسأل عمر النبي صلى الله عليه وآله لو طلقتها ثلاثا قال: عصيت ربك وزوي عن ابن عباس كان الطلاق ثلاثا واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، فألزمهم الثلاث بلفظ واحد قال ابن عباس: فطلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس فحزن عليها فقال النبي صلى الله عليه وآله: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثا في مجلس واحد قال: إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت، فراجعها.

ولأن (طالق) لفظ واحد فإذا قال: ثلاثا كان كاذبا إذ الواحد لا يكون ثلاثا إلا أن يخبر به عن طلاق ماض، والقاري مرة لو قال بعدها: عشرة، لم تصر عشرا، وكذا المسبح والشاهد في اللعان وغير ذلك.

وقد استفاض عن علي: إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس فإنهن ذوات أزواج وقال ابن عباس: ألا تعجبون لقوم يحلون المرأة لرجل وهي تحرم عليه، ويحرمونها على آخر وهي تحل له، وهو المطلق ثلاثا في مجلس واحد.

وأتي عمر بمطلق ثلاثا فردها إليه بعد أن أوجع رأسه ضربا وأتى بآخر فأبانها منه، فقيل له في اختلاف حكمه؟ فقال: أردت أن أحمله على كتاب الله ولكن خشيت أن يتابع فيه الغير، فاعترف بأن هذا استحسان، وأنه ردها على الأول بحكم الكتاب وقد أجمع على رد ما خالف الكتاب والسنة فقد أجمع على بطلان الثلاث.

29 - لم يوجبوا الإشهاد في الطلاق، فخالفوا (وأشهدوا ذوي عدل منكم (2)) فحملوه على الرجعة، قلنا: لا يحتاج إليه فيها مع أن الفراق أقرب إليه منها.

30 - قالوا: لو قتل الحر حرة قتل ولا رد فخالفوا قوله تعالى: (والأنثى بالأنثى) (3) إذ مفهومه عدم قتل الذكر بالأنثى.

____________

(1) البقرة: 229.

(2) الطلاق: 2.

(3) البقرة: 178.

الصفحة 193 

31 - أوجبوا الكفارة بقتل الذمي، فخالفوا مقتضى العقل، بأصل البراءة والكتاب (1): (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة (2)).

32 - أحلوا صيد جوارح الطير والسباع (3) واستثنى أحمد الكلب الأسود البهيم فخالفوا (وما علمتم من الجوارح مكلبين (4)).

33 - منعوا القطع من دون عشرة دراهم، ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله هذه الدراهم إلى زمان الحجاج مع روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله قطع في مجن قوم قيمته ثلاثة دراهم (5).

____________

(1) وقوله خ ل.

(2) النساء: 92.

(3) قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز الصيد إلا بالكلب، ولا يجوز بشئ من جوارح الطير كالصقر والبازي والباشق والعقاب، ولا بشئ من سباع البهائم من الفهد والنمر إلا الكلب خاصة، وبه قال ابن عمر ومجاهد.

وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والثوري وربيعة: يجوز الصيد بجميع ذلك إذا أمكن تعليمه متى تعلم. وقال الحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق يجوز بكل ذلك إلا بالكلب الأسود البهيم لقوله صلى الله عليه وآله لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا الأسود البهيم.

(4) المائدة: 4.

(5) قال الشيخ في الخلاف: النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته ربع دينار سواء كان درهما أو غيره من المتاع، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وعائشة وفي الفقهاء الأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي.

وقال داود وأهل الظاهر: يقطع بقليل الشئ وكثيره، وليس لأقله حد. وبه قال الخوارج، وقال الحسن البصري: القطع في نصف دينار فصاعدا، وبه قال ابن الزبير وقال عثمان البتي: القطع في درهم واحد فصاعدا.

وقال مالك: النصاب الذي يقطع به أصلان: الذهب والفضة، فنصاب الذهب ربع دينار، ونصاب الفضة ثلاثة دراهم، أيهما سرق قطع من غير تقويم. وإن سرق غيرهما قوم بالدراهم، فإن بلغ ثلاثة دراهم قطع.

وقال أبو حنيف وأصحابه: القطع في عشرة دراهم فصاعدا، فإن سرق من غيرها قوم بها، فخالفنا في فصلين في أصل النصاب وفيما يقوم به.

دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: القطع في ربع دينار فصاعدا فإن استدلوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قطع من سرق مجنا قيمته عشرة دراهم عورضوا بما روي أنه كان قيمته ثلاثة دراهم، على أن الخبر تضمن أن المجن كان قيمته عشرة دراهم فليس فيه أنه لا يقطع بأقل منها.

الصفحة 194 

34 - قطعوا اليد من الرسغ والرجل من المفصل، وقد قطعهما علي من نصف الكف ونصف القدم، رووا ذلك عن أحمد بن منبه، وذكر الجواليقي أن علي بأن أصمع جد الأصمعي قطعه علي من أصول أصابعه، فجاء إلى الحجاج وقال:

إن أهلي عنفوني بتسميتي عليا فسماه سعيدا، وأجرى عليه كل يوم دانقين و طسوجا، وقال: إن زدت لأقطعن ما أبقاه أبو تراب، من حد مورها أي من أصلها 35 - منعوا حكم القاضي بعلمه إلا أن أبا حنيفة قال: لا يحكم بما علم في غير ولايته، فأوجبوا ترك العمل بالعلم المقدم على الظن، وهو الشهادة، ولأنه إذا علم الطلاق ثلاثا فجحد الزوج فحلفه وسلمه إياه فسق، وإذا لم يحكم وقف الحكم، وكذا في الغصب وغيره، ولو شهد عدلان بخلاف علمه حكم بالباطل في زعمه وخالفوا أيضا قوله تعالى: (فاحكم بين الناس بالحق (1)).

إن قيل: كيف يمكن دعواكم علينا ذلك، والله يقول: (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا (2)) قلنا: هذا احتمال واه إذ المراد بسنة الله ما يرجع إلى أفعال نفسه من عقاب النار وسياق الكلام دل عليه، ولئن عمت أفعال خلقه، لم يمكن تبديلها أيضا لأن ما سنه حق وصواب، ويمتنع جعل الصواب غير صواب، فيصير التقدير (لن تجد لسنة الله من يقدر يبدلها) وإنما العمل بها

____________

(1) ص: 26.

(2) فاطر: 43.

الصفحة 195 

كما قال: (بدلوا نعمة الله كفرا (1)) أي بدلوا شكرها كفرا إذ لا يقدر أحد على تبديل نعمة الله وأيضا عندكم إنا نحن بدلنا سنة الله إذ تعتقدون بدعا في أفعالنا وحاشانا من ذلك بمن الله.

فهذه قطرة مما خالفوا فيه الله ورسوله، فليحذر المنصف نفسه عن اتباع ذو الأهواء، واعتقاد عقائد الآباء، فيستدل ويعتقد، ويخرج من زمرة الأشقياء ولا يخسر الآخرة والأولى، فإن الرؤساء إنما فعلوا ذلك طلبا لمنافع الدنيا، نعوذ بالله من ذلك الإقدام، الموجب للآثام، الموجب للآلام، ونسأله سلوك طريق الاسلام الموصلة إلى دار السلام.

____________

(1) إبراهيم: 28.

الصفحة 196 

 

(2)

فصل

* (نذكر فيه نبذة من اختلافهم في أنفسهم توكيدا لخطائهم) *

 

وهو أمور:

1 - جوز أبو حنيفة الوضوء بالنبيذ المطبوخ، فخالف القرآن في قوله: (و أنزلنا من السماء ماء طهورا (1)).

(2) منع الشافعي الطهارة بالمتغير بطاهر، فخالف عموم القرآن وألزم الحرج لعدم انفكاك الماء عن تغير يسير غالبا.

3 - طهر الشافعي بالدباغ جلد المأكول، واستثنى أبو حنيفة الخنزير خاصة فطهر به جلد الكلب وغيره، فخالف: (حرمت عليكم الميتة (2)).

4 - لم يوجب أبو حنيفة النية في الطهارة المائية، فخالف (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا (3) (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين (4)) إنما الأعمال بالنيات ويلزم ارتفاع حدث من سقط في ماء نائما.

5 - أجاز أحمد المسح على العمامة فخالف (وامسحوا برؤوسكم (5)).

6 - لم يوجب الترتيب بين الأعضاء في الوضوء أبو حنيفة ومالك فخالفا القرآن بذلك.

7 - لم يوجب مالك الغسل على من أنزل بعد الغسل، بال أولا، ولم يوجب أبو حنيفة الغسل بإنزال الماء بغير شهوة فخالفا (وإن كنتم جنبا فاطهروا (6)).

____________

(1) الفرقان: 48.

(2) المائدة: 3.

(3) المائدة: 6.

(4) البينة: 5.

(5) المائدة: 6.

(6) المائدة: 6.

الصفحة 197 

8 - اعتبر أبو حنيفة وضوء الكافر وغسله فخالف (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين) ولا إخلاص للكافر.

9 - جوز أبو حنيفة ومالك التيمم بالمعدن والثلج والملح ولشجر، فخالفا (فتيمموا صعيدا طيبا) (1).

____________

(1) الصعيد: هو التراب المتصاعد من الأرض، إما بالريح أو ضرب اليد أو الرجل بها، ولذلك يطلق الصعيد على الطريق لتصاعد ترابه بضرب الأرجل، ولذلك نفسه عرفه بعض اللغويين بأن الصعيد: المرتفع من الأرض، أو ما ارتفع من الأرض) يعنون من الارتفاع التصاعد، ثم هذا التراب المتصاعد إذا نزل على وجه الأرض أيضا سمى صعيدا باعتبار ما كان ولذلك عرفه الآخرون بأن الصعيد ما على وجه الأرض، فوجه الأرض ظرف، وما عليه هو الصعيد.

وكيف كان، لا ريب أن الصعيد من الأرض ولمكان التصاعد، لا يكون إلا التراب أو الرمل أو الرماد، ولما تقيد بكونه طيبا خرج الرمل والرماد، وبقي التراب الطيب الذي يخرج نباته بإذن الله.

بقي كيفية التيمم، فالتيمم إنما هو الطلب والأخذ ولا يمكن طلب التراب المتصاعد ولا أخذه إلا بالضرب ليتصاعد التراب من وجه الأرض.

فحينئذ يكون تيمم الصعيد بأن تبسط كفيك وتضرب بهما على التراب، ليتصاعد التراب ويلتصق بباطن كفيك، فهذا معنى تيمم الصعيد، فبعد التيمم، أعني التصاق التراب المتصاعد يمتثل قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)، ولم يقل فامسحوا وجوهكم ليدل إطلاقه على استيعاب الوجه، بل قال (فامسحوا بوجوهكم) يعني يكفي في المسح مسح بعض الوجه، وأما أي بعض منه فهو مطلق، والمطلق - في إطلاق القرآن العظيم - ينصرف إلى الفرد الأكمل الأشرف فإن الله طيب، ولا يقبل إلا الطيب، فالممسوح من الوجه لا يكون إلا أشرف أبعاضه، وهو الجبهة أو هي والجبينين.

ثم يجب المسح على ظاهر اليدين، وإنما قلنا ظاهر اليدين فإن التراب المتصاعد الذي ينفذ في مسام البدن، قد نفذ في باطن اليدين، وعمل فيهما ما عمل، ثم مسحنا بزائده على الجبهة والجبينين، فينصرف بتلك القرينة، مسح الأيدي إلى مسح ظاهر اليدين لا غير.

فعلى هذا لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص الجاف الذي يصلح لأن يتصاعد، و يصلح للعلوق الذي نص عليه القرآن الكريم: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه). وأما اشتراط كونه طاهرا فهو قيد زائد، فإن التراب إذا جف وصلح لأن يتصاعد يطهر بجفافه بنفسه، وإذا كان نديا لم يكن صعيدا.

الصفحة 198 

10 - أوجب الشافعي إعادة من صلى بالتيمم إذا كان قد حيل بينه وبين الماء فخالف الأمر بالتيمم، وهو يقتضي الخروج من العهدة.

11 - حد أبو حنيفة الماء الذي لا يقبل التنجيس بما لا يتحرك أحد طرفيه بحركة الآخر (1) فخالف أحكام الشرع لأن أحكامه منوطة بأمور مضبوطة، و الحركة تختلف باختلاف الاعتبار، فلا تكون الأحكام بها منوطة، ويلزم كون الماء الواحد بشدة الحركة نجسا، وبضعفها طاهرا، وهو جمع المتنافيين.

12 - لم يجوز أبو حنيفة التيمم بالأرض المنجسة بالبول، إذا جفت بالشمس وحكم بطهارتها وهو تناقض، ومخالف لقوله: (صعيدا طيبا) والطيب الطاهر.

13 - حرم الشافعي وأبو حنيفة مباشرة الحائض بين السرة والركبة فخالفا (فاعتزلوا النساء في المحيض (2)) أي في موضعه.

14 - جوز أبو حنيفة الصلاة في كل نجاسة نزلت عن الدرهم، فخالف عموم (وثيابك فطهر (3)).

15 - أوجب أحمد قضاء الصلاة على من أغمي عليه في جميع وقتها، فخالف رفع القلم عن ثلاثة، ولاشتراط التكليف بالفهم.

16 - استحب أبو حنيفة الإسفار بالصبح، وتأخير الظهرين والجمعة، فخالف (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم (4)) (فاستبقوا الخيرات (5)) والمكلف في معرض

____________

(1) كأنه ناظر إلى معنى الكر لغة كما أشار إليه الثعالبي وقال به من الشيعة ابن عزاقر الشلمغاني في كتاب التكليف، راجع كتاب التكليف المعروف عند العامة فقه الرضا (ع).

باب الكر، ولنا كلام قصير في ذلك في تعليقة البحار ج 51 ص 375 من طبعته الحديثة.

(2) البقرة: 222.

(3) المدثر: 4.

(4) آل عمران: 133.

(5) المائدة: 48.

الصفحة 199 

الحدثان، فالتقديم أولى.

17 - جوز أبو حنيفة انعقاد الصلاة بغير التكبيرة من غير أسماء الله فخالف:

فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله: تحريمها التكبير، وأجاز التكبير بغير العربية فخالف النبي صلى الله عليه وآله حيث فعله بالعربية.

18 - لم يستحب مالك التعوذ في أول الصلاة فخالف عموم (فاستعذ بالله (1)) 19 - اكتفى أبو حنيفة بقراءة آية، ولو من غير الفاتحة في الصلاة، فخالف ما تواتر من قوله صلى الله عليه وآله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (2) وكأنه بناه على مذهبه السخيف أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات.

20 - لم يوجب أبو حنيفة ومالك البسملة حتى أن مالك كره قراءتها في الصلاة، فخالف ما تواتر من أنها آية من كل سورة، وعد النبي صلى الله عليه وآله إلى نستعين خمس آيات.

21 - جوز أبو حنيفة السكوت في الأخيرتين وثالثة المغرب، ولم يوجب قراءة ولا تسبيحا، فخالف النبي صلى الله عليه وآله حيث قرأ الحمد وحدها.

22 - لم يوجب أبو حنيفة القراءة بالعربية فخالف (قرآنا عربيا (3)) (بلسان عربي (4)).

23 - اكتفى أبو حنيفة في الركوع بمسمى الانحناء، ولم يوجب الطمأنينة فيه، ولا الرفع منه، ولا الطمأنينة فيه، فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله فيه فإنه ركع و اطمأن وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وأنكر على من لم يطمئن وقال:

____________

(1) النحل: 98.

(2) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير على ما في السراج المنير ج 3 ص 471، و مثله قوله صلى الله عليه وآله: (كل صلاة لم يقرء فيها فاتحة الكتاب فهي خداج) أخرجه أبو داود في سننه ج 1 ص 188.

(3) طه: 113.

(4) الشعراء: 195.

الصفحة 200 

نقر كنقر الغراب، لئن مات وهذه صلاته ليموتن على غير ديني.

24 - لم يوجب الشافعي وأبو حنيفة ومالك ذكرا في الركوع والسجود لأنهما لا تلتبس العبادة فيهما بالعادة، والقيام والقعود، لما التبسا احتج إلى القراءة والتشهد فيهما، قلنا: الاجتهاد غير مقبول عند معارضة النص، وهو ما اشتهر من فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم (1)):

ضعوها في ركوعكم، ولما نزلت (سبح اسم ربك الأعلى (2)): اجعلوها في سجودكم.

25 - أجاز أبو حنيفة السجود على الأنف والكف بدل الجبهة، فخالف النبي صلى الله عليه وآله حيث أمر بالسجود على يديه وركبتيه وأطراف أصابعه وجبهته قال:

أمرت أن أسجد على سبعة آراب أي أعضاء، وفسر ابن جبير والزجاج والفراء قوله تعالى: (وأن المساجد لله (3)) بالأعضاء السبعة ورواه المعتصم عن الباقر عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تتم صلاة أحدكم إلا أن يسجد ممكنا جبهته من الأرض حتى ترجع مفاصله.

26 - لم يوجب أبو حنيفة الرفع من السجود، فلو حفر لجبهته ثم هبط إليها حسبت له ثانية، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله: ثم ارفع رأسك حتى تطمئن جالسا.

27 - لم يوجب الشافعي وأبو حنيفة التشهد الأول فخالفا فعل النبي صلى الله عليه وآله.

28 - لم يوجب مالك التشهد الأخير ولا الجلوس له، وأوجب أبو حنيفة الجلوس دون التشهد، فخالفا فعل النبي صلى الله عليه وآله وتعليمه لابن مسعود، فإنه قال:

علمني التشهد، وقال: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك.

29 - لم يبطل مالك الصلاة بتعمد الكلام لمصلحتها، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله لا يصلح فيها كلام الآدميين.

30 - قال الثلاثة غير أحمد: لو سبقه الحدث تطهر وبنى، فخالف قضاء العقل

____________

(1) الواقعة: 74.

(2) الأعلى: 1.

(3) الجن. 18.

الصفحة 201 

في الجمع بين الضدين، وأعجب من هذا قول الشافعي إذا سبقه فرج ليتوضأ فأحدث عمدا تطهر وبنى.

31 - كره مالك سجود الشكر وقال أبو حنيفة: هو بدعة، فخالف العقل الدال على وجوب شكر المنعم الذي أعظمه وضع الجبهة، والنقل (واشكروا لله) ونحوها قال عبد الرحمن بن عوف: سجد النبي صلى الله عليه وآله فأطال ثم جلس، وقال:

أتاني جبرائيل وقال: من صلى عليك مرة صلى الله عليه وآله عشرا فخررت شكرا لله وسجد لله شكرا لما أتي برأس أبي جهل.

وفي صحيح أبي داود كان النبي صلى الله عليه وآله إذا بشر بشئ سجد شكرا لله وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي قال النبي صلى الله عليه وآله: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه خطيئة، ومثله في سنن ابن ماجة وسجد النبي صلى الله عليه وآله شكرا لما اجتمع علي بفاطمة والحسنين، فأكلوا العصيدة و روى ابن عوف قال: سجد النبي صلى الله عليه وآله شكرا لله، وروي مثله عن أبي بكر لما بلغه قتل مسيلمة وعن علي لما ظفر بذي الثدية.

وأنكروا علينا تعفير الوجه في السجود، وفي المجلد الثالث من صحيح مسلم قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يعفر لأطأن رقبته، فرآه يعفر فحالت الملائكة بينه وبينه، أفصار فعل النبي صلى الله عليه وآله بدعة، وبدعة الكافر سنة 32 - تنقطع الصلاة بمرور الكلب الأسود والمرأة والحمار، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله المتواتر: لا تنقطع الصلاة بشئ، وادرؤا ما استطعتم، فإنما هو الشيطان.

33 - لم يوجب أبو حنيفة قضاء عبادات زمان الردة، فخالف عموم قول النبي صلى الله عليه وآله: من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها، ولو نقص لكانت الردة وسيلة إلى إسقاط العبادات، بأن يتركها طول عمره، فإذا حضر الموت ارتد ثم أسلم، وهذا من أعظم الفساد.

34 - لم يوجب أبو حنيفة الذكر على من لم يحسن القراءة، فخالف العقل فإن الذكر أنسب بالقراءة من السكوت والنقل في قوله عليه السلام: من لم يكن

الصفحة 202 

معه شئ فليحمد الله ويكبره والأمر للوجوب.

35 - حرم أبو حنيفة دخول الجنب المساجد، فخالف (إلا عابري سبيل (1)) وأجاز دخول المشرك جميع المساجد بالإذن (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام (2)) فقد حرم ما حلل الله، وحلل ما حرم الله.

36 - قال أبو حنيفة: القنوت بدعة، وقال الشافعي: محله بعد الركوع فخالفا ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله قنت في صلاة الغداة قبل الركوع.

37 - جوز الشافعي وأبو حنيفة أن يأتم قائم بقاعد، فخالف العقل فإن القاعد يخل بركن والنقل: قول النبي صلى الله عليه وآله: لا يؤمن أحد بعدي قاعدا بقيام، وأعجب من هذا إيجاب ابن حنبل قعود المؤتمين بالقاعد القادرين على القيام وكيف يترك فرض لأجل نفل.

38 - كره الشافعي الايتمام بالفاسق والمبدع، ومن يسب السلف، فخالف (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (3)) (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا (4) وأي ركون أعظم من الايتمام بمثل هؤلاء في عمود الدين.

39 - جعل أبو حنيفة الطريق والماء مانعين من الايتمام، ولم يجعل الجدار مانعا وهو غريب.

40 - جوز الشافعي قصر العاصي، فخالف قواعد الشريعة أن الرخصة لا تناط بالعاصي، وخير في سفر الطاعة بين القصر والتمام، فخالف الله حيث أوجب القصر في الصيام، ولم يفرق أحد بين الصلاة والصيام، قال عمر بن حصين:

حججت مع النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر فكانوا يصلون ركعتين، وقال ابن عباس:

____________

(1) النساء: 43.

(2) براءة: 28.

(3) الحجرات: 6.

(4) هود: 113.

الصفحة 203 

فرض الله الصلاة في السفر على لسان نبيكم ركعتين، وعن عائشة فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر. وقال عمر: الصبح ركعتان، و الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والسفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم.

41 - تقتضي صلاة السفر تماما في الحضر والسفر، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله:

من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، وصلاة الحضر غير صلاة السفر.

42 - جوز أبو حنيفة الصلاة في السفينة جالسا للقادر على القيام، فخالف النصوص الدالة على وجوب القيام وأي فارق بين السفينة وغيرها.

43 - جوز الشافعي تقديم العصر على الظهر، فخالف إجماع الأنام، وفعل النبي عليه السلام.

44 - لم يوجب أبو حنيفة الجمعة على أهل السواد، فخالفت: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) (1) وقريب منه الشافعي حيث لم يوجبها على الخارج عن البلد، ما لم يسمع الأذان.

45 - لم يوجب الشافعي وأحمد الجمعة على أقل من أربعين، فخالفوا عموم القرآن.

46 - جعل الشافعي وأبو حنيفة استمرار العدد إلى آخرها شرطا فيها فخالفا عموم الأمر بها.

47 - جوز أبو حنيفة صلاة الانسان الظهر في داره، وإن كان قادرا على إدراك الجمعة فخالف القرآن.

48 - لم يوجب أبو حنيفة القيام في الخطبة فخالف استمرار النبي صلى الله عليه وآله عليه.

49 - لم يوجب أبو حنيفة قرآنا في صلاة الجمعة فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله فقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين وأحمد بن حنبل في مسنده أنه عليه السلام كان يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين.

____________

(1) الجمعة: 9.

الصفحة 204 

50 - قال أبو حنيفة: تدرك الجمعة بإدراك اليسير منها، ولو سجود السهو بعد التسليم، فخالف نص الرسول من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.

51 - منع الشافعي وأبو حنيفة صلاة الجمعة في الصحراء، فخالفا عموم القرآن.

فقد ظهر لك أن الإمامية أكثر إيجابا للجمعة من الجمهور، وهم يشنعون عليهم بتركها، حيث لم يأتموا بفاسق أو مخالف للاعتقاد الصحيح، أو من يترك الخطبة التي خطبها النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعون إلى زمن المنصور، لما وقع بينه و بين العلوية خلاف قال: والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، ولأرفعن عليهم بني تيم وعدي، وذكر الصحابة في خطبته واستمرت البدعة إلى الآن.

52 - لم يوجب أبو حنيفة صلاة شدة الخوف ماشيا، بل يؤخرهما إلى انقضاء الخوف ويقضيها فخالف قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) (1) 53 - نفى أبو حنيفة صلاة الاستسقاء فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وآله صلاها ركعتين، ونحوه عن ابن عباس، وفعلها أبو بكر وعمر 54 - منع الشافعي ومالك وأحمد الصلاة على الشهيد فخالفوا فعل النبي صلى الله عليه وآله حيث صلى على حمزة وشهداء أحد.

55 - جعل الثلاثة المشي أمام الجنازة أفضل فخالفوا أمر النبي صلى الله عليه وآله روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال: أمرنا رسول الله باتباع الجنازة ذكره في مسند براء بن عازب في الحديث الخامس من المتفق عليه، ونحوه في الخامس و العشرين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه ونحوه في الستين بعد المائة من المتفق عليه.

56 - جوز أبو حنيفة صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة عليها قائما، فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين فإن أحدا منهم لم يصلها قاعدا.

57 - لم يوجب بعضهم الكافور في غسل الأموات، وفي الجزء الأول من

____________

(1) البقرة: 239.

 

 

 

 

الصفحة 205 

صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بماء وسدر، وقال: واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور.

58 - أنكر جماعة منهم الحبرة للميت، وفي الجمع بين الصحيحين أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته وهو مسجى بها وفي مسند عائشة نحوه، ومسند أنس: كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وآله أن يلبسها، وفي مسند ابن عوف: كفن مصعب ببردة، وفي مسند سهل بن سعد من أفراد البخاري: أهدت امرأة للنبي صلى الله عليه وآله بردة فطلبها رجل فأعطاه، فعابه الناس فقال: أردت أن تكون كفني فكانت كفنه.

فهذه قطرة من بحار اختلافهم، خالفوا فيها كتاب ربهم، وسنة نبيهم، ولهم أقوال أخر شنيعة في أحكام الشريعة، سيأتي في الباب الأخير نبذة منها، تركنا أكثرها خوف الإطالة بها، من أراد بها نجح طيره، طلبها في كتاب نهج الحق وغيره ولا غرو بمن تعصب وترك الأدلة الواضحة، أن يبتدع هذه الأمور الفاضحة، مع نقلهم عن نبيهم (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة مصيرها إلى النار).

ونقلوا من أدخل في دين ما ليس منه فهو رد، وقد أنشأ ابن الحجاج في خطائهم من القيل ما يغني النبيل عن الدليل:

 

الشافعي من الأئمة واحد         ولديه ذا الشطرنج غير حرام

وأبو حنيفة قال وهو مصدق     فيما يبلغه من الأحكام

شرب المثلث والمنصف جائز  فاشرب على طرب من الأيام

وأباح مالك الفقاع تطرقا         وبه قوام الدين والاسلام

ولابن حنبل في النصوص فتاوى        إن رد ما قد ناله بتمام

ورواة مكة رخصوا في متعته    وهم رعاة مصالح الأعوام

فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج       في كل مسألة بقول إمام

 

الصفحة 206 

تذنيب:

ذكر الغزالي في الذخيرة والمزني وكانا إمامين للشافعية تسطيح القبور هو المشروع لكن لما اتخذه الرافضة شعارا لهم عدلنا عنه إلى التسنيم وذكر الزمخشري في كشافه وهو من أئمة الحنفية في تفسير قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته (1)) جوز الصلاة بمقتضى هذه الآية على أجود المسلمين، لكن لما اتخذ الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه.

وقال مصنف الهداية من الحنفية أيضا: المشروع التختم في اليمين لكن لما اتخذه الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار، وقال الكنجي في كفاية الطالب: إن عليا عليه السلام كان يتختم في اليمين.

وقال الترمذي والسجستاني وابن حنبل وابن ماجة وأبو يعلى المحتسب والسلمي والبيهقي وهو في صحيحي مسلم والبخاري: إن النبي صلى الله عليه وآله والعترة والصحابة تختموا في أيمانهم، وعد الجاحظ في كتاب نقوش الخواتيم أن الأنبياء من آدم إلى النبي صلى الله عليه وآله تختموا في أيمانهم، وخلعه ابن العاص من يمينه ولبسه في شماله وقت التحكيم.

وذكر الراغب في المحاضرات أن أول من تختم في اليسار معاوية فلبس المخالف في شماله، علامة ضلالته، باستمراره على خلع علي من إمامته، وفي التذكرة قال الشافعي وأحمد والحكم: المسح على الخفين أولى من الغسل لما فيه من مخالفة الشيعة، وقال عبد الله المغربي المالكي في كتابه المعلم بفوائد مسلم:

إن زيدا كبر خمسا على جنازة قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبرها، وهذا المذهب الآن متروك لأنه صار علما على القول بالرفض.

فلينظر العاقل إلى من يذهب إلى ضد الصواب، ويترك ما جاء من السنة والكتاب، ويبدل أحكام الشريعة، لأجل العمل بها من الشيعة، وهلا بدلوا الصلاة

____________

(1) الأحزاب: 43.

الصفحة 207 

والصيام، وغيرهما من الأحكام، لأجل عمل أتباع الإمام عليه السلام.

أما نحن فبحمد الله لم نعمد إلى ما نثبت صحته وروايته، فأخرجناه من سنة نبينا لأجل من يعمل به من غيرنا، لأن المخالف أخذ دينه عن القياس و الاستحسان، ونحن أخذناه عن أئمة الأزمان، الذين أخذوا التحريم والتحليل عن جدهم النبيل، عن جبرئيل، عن الرب الجليل، وحاشاهم أن يجعلوا المشروع غير مشروع، لكون غيرهم يعتقد مشروعيته، وما أحسن قول شاعرهم في الحث على اتباعهم:

 

إذا شئت أن تختر لنفسك مذهبا         وتعلم أن الناس في نقل أخبار

فدع عنك قول الشافعي ومالك وأحمد والمروي عن كعب أحبار

ووال أناسا قولهم وحديثهم      روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

 

الصفحة 208 

 

(كلام في القياس)

* (عدلوا به عن الكتاب والسنة) *

 

وقد روى الخطيب في تاريخه والديلمي في فردوسه من عدة رجال إلى عوف ابن مالك إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم يحرمون الحلال، ويحللون الحرام.

وفي الفردوس أيضا عن أنس عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وآله: تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله وبرهة بسنة نبيه، ثم تعمل بالرأي، فإذا عملوا به فقد ضلوا و أضلوا:

وفي إبانة ابن بطة ومسند الهذلي عن ابن عباس: إياكم والرأي، وعنه لو جعل الله الرأي لأحد لجعله لرسوله، بل قال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله (1)) ولم يقل: بما رأيت.

وروى الجاحظ وغيره في كتاب الفتيا قول أبي بكر: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي، وقول عمر: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلوا، وقال:

إياكم والمكاءلة قالوا: وما هي قال: المقايسة.

قال ابن مسعود: يذهب فقهاؤكم وصلحاؤكم ويتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون الأمور بآرائهم وقال الشعبي: إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام، وحرمتم الحلال، قال مسروق: ولا أقيس شيئا بشئ أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها.

فهذا النبي صلى الله عليه وآله وصحابته وأتباعه ينهون عن القياس، وهم يعملون بالقياس فإذا كانوا لقول الله ونبيه وصحابته ينكرون، فبأي حديث بعده يؤمنون.

هذا ما فيه من الأثر وأما العقل فنقول: إذا ذم الله التفاضل في البر

____________

(1) المائدة: 49.

الصفحة 209 

فقيس عليه الأرز، مع جواز أن يتعبدنا بتحليل تفاضله، بطل القياس.

قالوا: تحريم التفاضل في البر لعلة فيه، قلنا: فلو أباحه لنا فإن كانت العلة حاضرة استحالت حليته، وإن لم تكن جاز أن لا يكون في الأرز.

قالوا: علل الشريعة علامات لا علل موجبات، قلنا: قد ثبت أن حمل الفرع على الأصل لعلة موجبة، على أن العلامة الدالة على الحكم توجب الحكم، لأنها لا تخرج عن الدلالة أبدا، إذ لا يصح خروج الدليل عن دلالته.

قالوا: هذه العلل سمعية، يجوز أن تخرج أحيانا عن دلالتها، قلنا: فالسمعية لا وصول إليها إلا بالسمع، وحينئذ يكون نصا، ويبطل القياس.

قالوا: إنا نذكر العلامات بضرب من الاستخراج، قلنا: فاستخرجوا الآن فعجزوا.

وقال بعضهم طريق الاستخراج غلبة الظن، قلنا: فالظن لا بد له من سبب قالوا: سبب غلبة الظن معروفة، كمن غلب في ظنه السلامة في طريق دون غيره، والربح في نوع من التجارة دون غيره، والعافية في دواء دون غيره، قلنا: هذه مستنده إلى عادات ظاهرة ولا عادة للشريعة لاتفاق أحكام المختلفات، واختلاف أحكام المتفقات، ولهذا من لم يسلك الطرقات، لم يغلب في ظنه السلامة في بعضها، ومن لم يتجر لم يغلب الربح في بعضها، ومن لم يجرب الأدوية لم يغلب العافية في بعضها.

إن قالوا: فقول علي: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب فتح لي من كل باب ألف باب، دليل على صحة القياس، قلنا الذي علمه هو الذي فتحه له، أو أنه افتكر وبحث في كل باب فعرف منه ألف باب لقوله عليه السلام: من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم، أو علمه علامة ألف حادثة فعرف من كل علامة ألف علامة.

هكذا ذكر المفيد في المحاسن، وذكر عن غير واحد أنه علمه صنعة الحكم إجمالا مثل (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ففتح له منه تحريم الأخت ونحوها ومن الربا في المكيل والموزون، ففتح له أنواع هذين، ومثل (يحل

الصفحة 210 

من الطير ما دف ويحرم منه ما صف، ومن البيض ما اختلف طرفاه، ويحرم ما اتفق) ونحو ذلك.

وذكر المفيد في المحاسن قول أبي حنيفة: البول في المسجد أحيانا أحسن من بعض القياس، قال محمد بن الحسن من أصحابه: لو دخل جنب بئرا بنية الغسل فسد الماء ولم يطهر وكذا إن خرج ودخل ثانية وثالثة فإن دخل رابعة طهر.

قال جمال الدين في مختلفه: إن اتفقت المسألتان بطل القياس لاتحادهما، و إن اختلفتا بطل القياس لامتناع قياس الشئ على مخالفه.

قال الرازي في معالمه: الحكم بالقياس بغير ما أنزل الله، إذ لو كان بما أنزل كان الحكم بالقرآن حكما بغير ما أنزل، فيدخل تحت (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (1)) وهو باطل للزوم كفر كل من لم يعمل بقياس، فلزم العكس وهو المطلوب.

 

شعر:

 

إن كنت كاذب في الذي حدثتني (2)   فعليك وزر أبي حنيفة أو زفر

المائلين إلى القياس تعمدا       العادلين عن الشريعة والأثر

 

____________

(1) المائدة: 44.

(2) روى عن علي بن صالح البغوي قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن زيد الواسطي لأحمد بن المعدل: إن كنت كاذبة بما حدثتني الخ.

الصفحة 211 

إلحاق

 

دخل النعمان على الصادق عليه السلام فقال: من أنت؟ قال: مفتي العراق، قال: بما تفتي؟

قال: بكتاب الله قال: هل تعرف ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه؟ قال: نعم، قال:

فقوله تعالى: (وقد رنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين (1)) أي موضع هي؟ قال: بين مكة والمدينة فقال: (ومن دخله كان آمنا (2)) ما هو؟ قال: البيت الحرام، فأنشد جلساءه: هل تعلمون عدم الأمن عن النفس والمال بين مكة والمدينة، وعدم أمن ابن الزبير وابن جبير في البيت؟ قالوا: نعم.

قال أبو حنيفة: ليس لي علم بالكتاب، وإنما أنا صاحب قياس قال له:

أيما أعظم القتل أو الزنا؟ قال: القتل، قال: قنع الله فيه بشاهدين، ولم يقنع في الزنا إلا بأربعة، أيما أفضل الصوم أم الصلاة؟ قال: الصلاة، قال: فلم أوجب على الحائض قضاء الصوم دون الصلاة، وأيما أقذر المني أم البول؟ قال: البول، قال:

فما بال الله أوجب الغسل منه دون البول.

قال: إنما أنا صاحب رأي قال: فما ترى في امرأة إنسان وامرأة عبد، سافرا عنهما، فسقط البيت عليهما فماتتا وتركتا ولدين لا يدري أيهما المالك من المملوك؟

قال: إنما أنا صاحب حدود، قال: فأعور فقأ عين صحيح، وأقطع قطع يد رجل كيف حدهما؟

قال: إنما أنا عالم بما بعث الأنبياء قال عليه السلام: فقوله سبحانه: (لعله يتذكر أو يخشى (3)) أهذا شك من الله؟ قال: لا علم لي، فقال عليه السلام: إنك تعمل بكتاب الله، ولست ممن ورثه، وإنك قياس، وأول من قاس إبليس، ولم يبن دين

____________

(1) سبأ: 18.

(2) آل عمران: 97.

(3) طه: 44.

الصفحة 212 

الاسلام على القياس، وإنك صاحب رأي وخص الله نبيه بالرأي في قوله: (و احكم بينهم بما أراك الله (1)) فكان رأيه صوابا ومن دونه خطأ، ومن أنزلت عليه الحدود أولى منك بعلمها، وأعلم منك بمباعث الأنبياء خاتم الأنبياء، ولولا أن يقال: دخل أبو حنيفة على جعفر ابن رسول الله فلم يسأله عن شئ لما سألتك فقس إن كنت مقيسا فقال: والله لا تكلمت به بعدها، فقال عليه السلام: كلا إن حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك انتهى كلامه عليه السلام (2).

____________

(1) اقتباس من قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) النساء: 105.

(2) روى الحديث الطبرسي في الاحتجاج ص 196 ط نجف، وروى بعده عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال: يا با حنيفة قد بلغني أنك تقيس فقال: نعم، فقال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس لعنه الله حين قال: (خلقتني من نار وخلقته من طين) فقاس بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.

الصفحة 213 

 

(3)

فصل

 

وفيه أطراف أربعه للمشايخ الأربعة:

الأول أبو حنيفة (1) وفيه أمور:

1 - أتاه رجل من المشرق بكتاب سمعه منه، فرجع عنه، فنادى: عام الأول

____________

(1) هو النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي أحد الأئمة الأربعة صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه، وذكر الخطيب في تاريخه أن أبا حنيفة رأى في منامه كأنه ينبش قبر رسول الله، فبعث من سأل ابن سيرين فقال ابن سيرين: صاحب هذه الرؤيا يثور علما لم يسبقه إليه أحد قبله.

قلت: (النبش عن قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن كان تأويله الفحص عن آثار حياته العلمية، لكنه سارق قد أتى من غير الباب، ومن غير الوجه الذي أمر الله به، ولذلك تراه يفتي بالقياس والرأي، ويجعل الحديث الصحيح تحت قدمه ولا يبالي).

روى أنه اجتمع الثوري وشريك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم فقالوا: ما تقول في رجل قتل أباه ونكح أمه وشرب الخمر في رأس أبيه؟

فقال: هو مؤمن.

فقال ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة أبدا. وقال الثوري: لا كلمتك أبدا، و قال شريك: لو كان لي من الأمر شئ لضربت عنقك، وقال له الحسن: وجهي من وجهك حرام أن أنظر إلى وجهك أبدا وروى عن الإمام مالك: قال: ما ولد في الاسلام مولود أضر على أهل الاسلام من أبي حنيفة، وقال: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس، وعن الأوزاعي:

قال: عمد أبو حنيفة إلى عرى الاسلام فنقضه عروة عروة وأحرج عن أبي صالح الفراء قال:

سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر، قال:

ولو أدركني النبي صلى الله عليه وآله وأدركته لأخذ بكثير من أقولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن. توفى أبو حنيفة سنة 150 وقبره ببغداد.

الصفحة 214 

أفتيتني بهذا فهرقت به الدماء وأبحت به النساء، قال أبو حنيفة: هذا رأي رجعت عنه، قال: أفيجوز أن ترى من قول غيره أيضا؟ قال: لا أدري؟ قال: لكني أدري إن من أخذ عنك فهو ضال.

2 - قال الغزالي: أجاز أبو حنيفة وضع الحديث على وفق مذهبه.

3 - يوسف ابن أسباط قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله لأخذ بكثير من أقوالي.

4 - الحكم بن هشام قلت لأبي حنيفة: ما تقول هو الحق بعينه؟ قال: لا أدري، ولعله الباطل بعينه؟

5 - في تاريخ بغداد قال شعبة: كف من تراب خير من أبي حنيفة.

6 - قال الشافعي: نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنة.

7 - قال سفيان ومالك وحماد والأوزاعي والشافعي: ما ولد في الاسلام أشأم من أبي حنيفة.

8 - قال مالك: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على الأمة من فتنة إبليس.

9 - قال ابن مهدي: ما فتنة على الاسلام بعد الدجال أعظم من فتنة أبي حنيفة.

10 - قال له الأصمعي: (توضأت)؟ قال: (وصلات) قال: أفسدت الفقه فلا تفسد اللغة.

11 - قال له ابن أبي ليلى: أيحل النبيذ والغنى؟ قال: نعم، قال: أفيسرك أن تكون أمك نباذة أو مغنية؟

12 - في مجالس ابن مهدي: كان أبو حنيفة يشرب مع مساور، فلما تنسك عاب مساورا فكتب إليه شعرا.

 

إن كان فقهك لا يتم    بغير شتمي وانتقاصي

فاقعد وقم بي حيث شئت       من الأداني والأقاصي

 

الصفحة 215 

 

 

فلطال ما زكيتني وأنا    المقيم على المعاصي

أيام تعطيني وتأخذ      في أباريق الرصاص

 

فأنفذ إليه أبو حنيفة بمال فكف عنه.

13 - طهر جلد الميتة والكلب بالدباغ، وفي سنن ابن ماجة وأمالي ابن شيبة قول النبي صلى الله عليه وآله: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.

14 - لو ماتت فارة في بئر نزح منها عشرون دلوا ولو وقع فيها ذنبه نزحت كلها، ولو مات فيها مؤمن طاهر نزحت كلها، فسوى بينه وبين ذنب الفارة.

15 - لو بالت فارة في بئر فيها ألف قربة نجستها.

16 - قال النبي صلى الله عليه وآله: من أدرك ركعة من العصر فقد أدركها ومن الصبح فقد أدركها، وقال أبو حنيفة: يكون للعصر مدركا وللصبح ليس مدركا، فأخذ بنصف الخبر وألقى نصفه.

17 - يملك المسلم الخمر بشراء وكيله الذمي.

18 - يصح إبراء الوكيل بغير إذن الموكل.

19 - لو زرع بيده الأرض المغصوبة فلا أجرة عليه، ولو آجره فالأجرة له.

20 - لو غير المغصوب عن صفته ملكه (1).

21 - إذا وجب البيع فلا خيار للمجلس بعده.

____________

(1) قال الشيخ في الخلاف كتاب الغصب المسألة 20: إذا غصب شيئا ثم غيره عن صفته التي هو عليها أو لم يغيره مثل أن كانت نقرة فضربها دراهم أو حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه و خبزه أو شاة فذبحها وقطعها لحما وشواها أو طبخها لم يملكه، وبه قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة: إذا غير الغصب تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله، ملكه فاعتبر ثلاث شرائط: أن يزول به الاسم، والمنفعة المقصودة، وأن يكون ذلك بفعله، فإذا فعل هذا ملك. لكن يكره له التصرف فيه قبل دفع قيمة الشئ.

وحكى ابن جرير عن أبي حنيفة أنه قال: لو أن لصا نقب فدخل دكان رجل فوجد فيه بغلا وطعاما ورحى فصمد إلى البغل وطحن الطعام ملك الدقيق، فإن انتبه صاحب الدكان كان للص قتاله ودفعه عن دقيقه، فإن أتى الدفع عليه، فلا ضمان على اللص.

الصفحة 216 

22 - جوز قبض الموهوب بدون إذن الواهب في المجلس.

23 - النضر بن شميل، في كتاب الحيل: ثلاثمائة وثلاثون حيلة قال الشافعي كلها كفر:

منها من قبل حمأته (1) انفسخ نكاح زوجته ومن حلف ليتزوجن برئ بالعقد على كافرة أو إحدى محارمه، ومن حلف ليصومن أو ليصلين فصام بعض يوم أو سجد سجدة لم يحنث في يمينه، ومن حلف ليطأن زوجته صائمين من غير عذر يلف حريرة ويطأ ولا ينقض صومه، ومن طلق ثلاثا فأراد زوجها إرجاعها أمرها بالردة فإذا فعلت نكحها. شعر

 

لكم من فرج محصنة عفيفة     أحل حرامه بأبي حنيفة

وكم من كل مسألة ظريفة       تجهمها بآراء سخيفة

فصير حسنها في الناس قبحا    وصير طيبها فيهم كجيفة

 

24 - جوز الطلاق قبل النكاح، وحديث النبي صلى الله عليه وآله بخلافه.

25 - أوقع سائر العقود من المكرهين مع قوله: (لا إكراه في الدين (2)) وروت عائشة لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. والاغلاق هنا الاكراه والسكر.

26 - لو تزوج وطلق عقيب العقد بلا فصل، ولا دخول، لحق به الولد لستة أشهر.

27 - لو عقد عليها بمصر وهي ببغداد، لحق به الولد.

28 - لو غاب عن زوجته مدة طويلة ولم يفارق أصحابه فجاءت بولد لحق به.

29 - لا قود على من قتل بغير حديد، من خنق، ورض رأس، وغيره، حتى قيل له: في رجل رمى آخر بحجر فقتله فقال: لو رماه بأبي قبيس لم أقتله به.

30 - الجنايات الموجبة للحدود إذا تقادم عهدها سقطت.

31 - الشارب إذا زال سكره سقط حده.

____________

(1) يريد بالحمأة أقارب الزوجة ممن لا يجمع بين نكاحها ونكاح الزوجة.

(2) البقرة: 256.

الصفحة 217 

32 - المثلث الذي لا يسكر حلال، وشربه سنة، وتحريمه بدعة.

33 - قال كان النبي صلى الله عليه وآله قال: كل سكر حرام، فزادوا الميم وقالوا:

مسكر، قال أبو نواس:

 

أحل العراقي النبيذ وشربه       وقال روينا أنه حرم السكر

 

وقال العزى:

 

وما قاله الكوفي في الفقه مثلما  تغنى به البصري في صفة الخمر

 

يعني أبا نواس.

34 - لو سرق بعض الجماعة قطع الجميع حكاه المفيد في المحاسن فأسقط الحد مع وجوبه وأوجبه مع سقوطه.

35 - أسقط النبي الزكاة عن الأوقاص والخيل والرقيق والخضراوات والناقص عن خمسة أوسق من الغلات وأوجبها أبو حنيفة في ذلك كله.

الثاني الشافعي (1):

حكى عنه الربيع في كتابه أنه قال: لا بأس بصلاة الجمعة والعيدين خلف

____________

(1) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي المطلبي يتفق نسبه مع بني هاشم وبني أمية في عبد مناف، لأنه من ولد المطلب بن عبد مناف، ولد يوم وفاة أبي حنيفة سنة 150 بغزة هاشم - مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر - ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبالمدينة وقدم بغداد مرتين وحدث بها وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته سنة 204.

ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وأثنى عليه كثيرا وذكر في حقه هذين البيتين

 

مثل الشافعي في العلماء         مثل البدر في نجوم السماء

قل لمن قاسه بنعمان جهلا      أيقاس الضياء بالظلماء

 

وله أشعار تشعر عن حب آل بيت رسول الله، قد نقل بعضها المصنف رحمه الله في ما مر من الكتاب، ويحكى عنه أنه قال: في جواب من سأله عن أمير المؤمنين عليه السلام، ما أقول في رجل أسر أولياؤه مناقبه، تقية، وكتمها أعداؤه حنقا وعداوة، ومع ذلك قد شاع منه ما ملأت الخافقين.

الصفحة 218 

كل امرئ وإن كان متغلبا صلى علي بالناس وعثمان محصور، صرح بتغلب علي عليه السلام والمتغلب على أمر الأمة فاسق، وقال: صلى الحسنان خلف مروان، وما كانا يعيدان.

أبو بكر بن عياش: سود الله وجه ابن إدريس، وقال عمار بن زريق: ذكر الشافعي عند الثوري فقال: غير فقيه ولا مأمون وقال: حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجرايد، ويطاف بهم في العشاير، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام، وقال أصحابه المختلفون في المذاهب ثلاثة نكفر المعتزلة ونفسق السبابة للسلف، والمخالفون في الفروع لا ولا.

وفي الإحياء أخذ الشافعي من الرشيد ألف دينار.

وفي منية النفس: قال القاضي ابن شهري: كان الشافعي لا يحدث إلا ولجانبه غلام أمرد حسن الوجه، فأنشد أصحابه لنفسه:

 

يقولون لا تنظر وتلك بلية       ألا كل ذي عينين لا بد ناظر

وليس اكتحال العين بالعين ريبة          إذا عف فيما بينهن الضماير

 

حكم بطهارة المني وقال: منه خلقت الأنبياء، ونسي خلقهم من العلقة وهم دم نجس، وقد سمي أثر المني رجز الشيطان في قوله: (ويذهب عنكم رجز الشيطان) (1) فأوجب نجاسته والتطهير منه.

1 - لو مس المؤمن التقي فرجه أو فرج كلب أو خنزير أو فرج بهيمة أو صغير أو بدن امرأة أجنبية انتقض وضوؤه.

2 - سن مسح الرأس ثلاثا، وبمرة، لعدم اقتضاء الأمر التكرار.

3 - جوز أكل دود الطعام معه.

4 - كل حيوان طاهر في حياته يطهر جلده إذا مات بدباغه.

5 - لا بأس بالصلاة خلف الخوارج لأنهم متأولون، وخلف الفاسق والمبدع.

6 - أبطل الصلاة في السفينة إذا كان حبلها مشدودا في موضع نجس.

7 - لو تشهد أو سلم بالفارسية أجزأه ولم يرى النبي صلى الله عليه وآله تلفظ بها في

____________

(1) الأنفال: 11.

الصفحة 219 

حال فضلا عن أن يؤدي بها فرضا.

8 - لو جمع بين الظهرين في وقت العصر، جاز أن يبدأ بالعصر.

9 - جوز الاعتكاف بغير صوم، ولم يعتكف النبي صلى الله عليه وآله إلا صائما.

10 - من أفطر في رمضان عمدا لا لعذر قضى ولا كفارة.

11 - من أسلم في بعض يوم ولم يصمه قضاه.

12 - صرف المال إلى النكاح أولى من الحج.

13 - للأبوين منع الولد من حج الاسلام.

14 - لو ذبح الهدي ذمي أجزأه.

15 - اللواط أو إيتاء بهيمة لا يفسد الحج قال ابن الحجاج:

 

فرعون لم يحكم بهذا ولا        جرت به سنة هامان

 

16 - للسلطان أن يقطع شيئا من الشوارع ورحبات الجوامع.

17 - العجم ليسوا أكفاء للعرب، ولا العرب لقريش، ولا قريش لبني هاشم.

18 - يجوز نكاح البنت من الزنا.

19 - نسب نبينا إلى الرغبة في الحرام، حيث قال: إذا أبصر امرأة وأعجبته وجب على زوجها طلاقها، قال ابن الحجاج:

 

أنت فقيه عالم أحب أن تفتيني من قبل أن أضطر في شرح كتاب المزني

 

20 - أحل أكل الطين الأبيض، مع قول النبي صلى الله عليه وآله: الطين حرام على أمتي، قال الخوارزمي:

 

دع الطين معتقدا مذهبي         فقد صح لي من حديث النبي

من الطين ربي برا آدما  فآكله آكل للأب

 

21 - أجاز سماع الغنى بالقصب وشبهه، وفي القرآن (واجتنبوا قول الزور (1).

____________

(1) الحج: 30. وقال الشرتوني في أقرب الموارد: الزور بالضم: الشرك بالله وأعياد اليهود والنصارى، والرئيس، ومجلس الغناء.

 

 

 

 

الصفحة 220 

22 - الجلاد لا عهدة عليه، عند جهله بالحال.

23 - إذا تغلب الفسقة على الولاية، فكل من ولوه نفذ حكمه.

قال الآمدي:

 

علومكم وإن كثرت هباء         بلا فضل وفضلكم فضول

أتعتقدون قاتل آل طه   غدا في الحشر ينجو والقتيل

ودينكم القياس فهل بهذا        متى أنصفتم تقضي العقول

 

الثالث مالك (1):

وهو أمور:

1 - في كامل المبرد، وعقد ابن ربه: كان مالكا يذكر عليا وعثمان و طلحة والزبير ويقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر.

2 - دخل محمد بن الحسن على مالك ليسمع منه الحديث فسمع في داره المزمار والأوتار، فأنكر عليه، فقال: إنا لا نرى به بأسا.

3 - في حلية الأولياء وغيرها عن ابن حنبل وأبي داود أن جعفر بن سليمان ضرب مالكا وحلقه وحمله على بعير وروي أنه كان على رأي الخوارج فسئل عنهم فقال: ما أقول في قوم ولونا فعدلوا فينا.

4 - قتل شخص أخاه فقال أبوه: أنا الوارث وقد عفوت عنه، قال مالك:

ليس لك ذلك، وكان الأب إذا سئل يقول: أحدهما قتل صاحبه والآخر قتله مالك.

____________

(1) هو مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان الأصبحي المدني، وقيل القرشي التميمي، صاحب كتاب الموطأ في الفقه الأحمدي، أحمد الأئمة الأربعة لجماعة أهل السنة قيل هو أول المعلنين لبدعة العمل بالرأي في هذه الأمة، أخذ القراءة عرضا عن نافع بن أبي نعيم وسمع الزهري ونافعا مولى عبد الله بن عمر وروى عن الأوزاعي ويحيى بن سعيد وأخذ العلم عن ربيعة الرأي.

ولد سنة خمس وتسعين للهجرة، وحمل به ثلاث سنين، وتوفى في شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة.

الصفحة 221 

5 - لو تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الشك، وعن الشافعي لا يحل لمالك أن يفتي.

6 - سؤر الكلب والخنزير من المايعات مباح ومن الماء مكروه.

7 - من لم يجد إلا ماء ولغ فيه كلب توضأ منه.

8 - لعاب الكلب طاهر.

9 - كره التسمية في الصلاة إلا في رمضان.

10 - جعل الاستعاذة بعد القراءة أخذه من ظاهر (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله (1)) وجميع أهل المعاني قالوا: معناه إذا أردت أن تقرأ، مثل إذا أكلت فسم.

11 - جوز هو والشافعي تقدم المأموم على الإمام.

12 - لو حلف لا يأكل لحما فأكل شحما حنث، ولو عكس لم يحنث وهذا تناقض.

13 - البحري كله حلال، ولو طفى (2).

14 - سائر سباع الطير ذي المخلاب وغيره لا بأس بأكله، وكذا الوحشي كله إلا الخنزير، وفي كتاب ابن ماجة نهى النبي صلى الله عليه وآله يوم خيبر عن كل ذي ناب أو مخلاب، وفي سننه أيضا: ما تقول يا رسول الله في الثعلب والضبع؟ فقال:

من يأكلهما؟ فقلت فالذئب قال: هل يأكل الذئب أحد فيه خير.

15 - لو قال أنت طالق يوم أموت أو تموتين أو يموت زيد طلقت في الحال.

____________

(1) النحل: 98.

(2) الطافي: السمك الذي مات في الماء فيعلو ويظهر على الماء، قال الشيخ قدس سره في الخلاف: السمك إذا مات في الماء لم يحل أكله، وكذلك إذا نضب الماء عنه أو انحسر عنه الماء، أو حصل في ماء بارد أو حار، فمات فيه، لم يحل أكله.

وقال الشافعي: يحل جميع ذلك من جميع حيوان الماء، وقال أبو حنيفة إذا مات حتف أنفه لم يؤكل، وإن مات بسبب مثل أن انحسر عنه الماء أو ضربه بشئ أكل إلا ما يموت بحرارة الماء أو برده، فإن عنه فيه روايتين.

الصفحة 222 

16 - لو اعتقد الطلاق بقلبه وقع.

17 - لو طلق الأجنبية ثم تزوجها وقع.

18 - لو قال: أنت علي كظهر أمي أو ظهر زيد أو ظهر الدابة وقع.

19 - لو قال: كل من أتزوجها فهي طالق، فتزوج واحدة طلقت، فلو عاد وتزوجها طلقت أيضا.

20 - أكثر الحمل سبع سنين، أو خمس أو أربع.

21 - من قطع ذنب حمار القاضي لزم كمال قيمته (1).

22 - للمخنث أن يستعمل لأنه مالك نفسه.

23 - يحل وطئ النساء في أحشاشهن،

شعر:

 

فحاولها من خلفها فتمنعت     وقالت معاذ الله من فعل ذلك

فقال لها جازت على قول مالك فقالت رماك الله في يد مالك

 

____________

(1) قال الشيخ قدس سره: إذا جنى على حمار القاضي كان مثله جنايته على حمار الشوكي سواء في أن الجناية إذا لم يسر إلى نفسه يلزمه أرش العيب، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.

وقال مالك: إن كان حمار القاضي فقطع ذنبه ففيه كمال قيمته لأنه إذا قطع ذنبه فقد أتلفه عليه، لأنه لا يمكنه ركوبه، لأن القاضي لا يركب حمارا مقطوع الذنب ويفارق حمار الشوكي لأنه يمكنه حمل الشوك على حمار مقطوع الذنب، ولم يقل هذا في غير ما يركبه القاضي من البهائم مثل الثور وغيره وكذلك لو قطع يد حماره.

الصفحة 223 

 

الرابع ابن حنبل (1):

وهو أمور:

1 - قال الكشي: هو من أولاد ذي الثدية جاهل شديد النصب، يستعمل الحياكة لا يعد من الفقهاء.

2 - هجر الحارث المحاسبي في رده على المبتدعة، وقال: إن ترد عليهم فقد حكيت قولهم.

3 - في قوت القلوب أنه قال: علماء أهل الكلام زنادقة وقال: لا يفلح صاحب الكلام أبدا.

4 - في فضائل الصحابة قال صالح بن أحمد بن حنبل لأبيه: لم لا تلعن يزيد؟

فقال: ومتى رأيتني لعنت أحدا؟ فقال: ألا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ قال:

أين؟ قال: قوله: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (2)) فهل قطيعة أعظم من القتل.

____________

(1) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي الأصل البغدادي المنشأ والمسكن والمدفن. رابع الأئمة الأربعة، لأهل السنة، قال ابن خلكان في وصفه: كان إمام المحدثين، صنف كتابه المسند، وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وقيل إنه كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الشافعي وخواصه، لم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، دعى إلى القول بخلق القرآن، فلم يجب فضرب وحبس، وفي البحار نقلا من الطرائف: قال: رأيت كتابا كبيرا مجلدا في مناقب أهل البيت عليهم السلام تأليف أحمد بن حنبل فيه أحاديث جليلة قد صرح فيها نبيهم بالنص على علي بن أبي طالب بالخلافة على الناس ليس فيها شبهة عند ذوي الإنصاف، وهى حجة عليهم، وفى خزانة مشهد على ابن أبي طالب عليهم السلام بالغري، من هذا الكتاب نسخة موقوفة، من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة.

(2) القتال: 21 و 23.

الصفحة 224 

5 - في مسند جعفر قال أحمد: لا يكون الرجل سنيا حتى يبغض عليا ولو قليلا.

6 - منتحل الجدل للغزالي: أفتى أحمد بوجوب قتل رجل قال بخلق القرآن فروجع فيه، فقال: إن رجلا رأى في منامه أن إبليس مر على باب ذلك الرجل فقيل: لم لا تدخلها؟ فقال: فيها رجل يقول بخلق القرآن، أغناني عن دخولها فقام الرجل وقال: لو أفتى إبليس بقتلي في اليقظة قبلتموه؟ قالوا: لا، قال: و النوم أولى.

7 - - قال: لله جوارح من عين، ويد، وجنب، وقدم، وينزل إلى السماء كل ليلة، وأفعال العباد منه.

8 - من زعم أن محمدا وعليا خير البشر فهو كافر.

9 - من لا يرى الترحم على معاوية فهو ضال مبتدع.

10 - يجزي المسح على العمامة كإسحاق والأوزاعي والثوري.

11 - يجوز مسح الرأس بيد غيره، وبآلة، ومطر يمر على رأسه.

(بحث)

 

صنف عبد الله الهروي منهم كتابا في اعتقادهم، وفيه: إن الله عاب الأصنام في قوله: (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) (1) فدل هذا على أن له ذلك.

قلنا: هذا خرج على وجه الاستعظام، لعبادة الأصنام، حيث عدلوا عنه تعالى مع ظهور آياته إلى من لا ينفع من عبده، ولا يضر من جحده، فلا آلة له يدفع بها عن نفسه، فهو موضع العجب والانسلاخ من القرآن في قوله: (ليس كمثله شئ (2)).

____________

(1) الأعراف: 195.

(2) الشورى: 11.

الصفحة 225 

تذنيب:

أسند سليمان بن مقاتل في كتاب الأسماء قيل: يا رسول الله مما ربنا؟ قال:

[ لا ] من ماء رواء ولا من أرض ولا من سماء، خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نفسه من عرقها.

وفيه: منهم من يذكر أن البحر من بصاق الله، وأن على رأسه شعرا جعدا قططا.

وفيه: قيل: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟ قال: في غمام تحته هواء، وفوقه هواء.

وفي تاريخ ثابت بن سنان: نادى صاحب الشرط في بغداد: لا يجتمع من الحنابلة اثنان في موضع واحد.

والمعتصم الخليفة ضرب ابن حنبل وحبسه، ووقع الراضي بالله نسخة للحنابلة فيها: من نافق بإظهار الدين، وتوثب على المسلمين، وأكل أموال المعاهدين، كان قريبا من سخط رب العالمين، وقد تأمل أمير المؤمنين جماعتكم، وكشفت له الخبرة عن مذهب صاحبكم، فوجده كاللعين إبليس، يزين لحزبه المحظور، ويركب بهم صعاب الأمور، ويدلي لهم حبل الغرور، فأقسم بالله لئن لم تنصرفوا عن مذموم مذهبكم، ومعوج طريقكم، ليوسعنكم ضربا، وتشريدا، وقتلا، وتبديدا، و لتعملن السيوف في عواتقكم، والنار في منازلكم.

الصفحة 226 

 

(4)

فصل

* (في البخاري (1)) *

 

ما رأينا عند العامة أكثر صيتا، ولا أكثر درجة منه، فكأنه جيفة علت، أو كلفة غشت بدرا، كتم الحق وأقصاه، وأظهر الباطل وأدناه، قال ابن البيع في معرفة أصول الحديث: احتج البخاري بأكثر من مائة رجل من المجهولين، و صح عند العلماء أنه روى عن ألف ومائتي رجل من الخوارج الملعونين، ذكر منهم صاحب المصالت جماعة.

وقال له ابن حنبل: سميت كتابك صحيحا وأكثر رواته خوارج؟ فقرر مع الغريري سماع كل كراس بدانق، فلهذا لم ترفع روايته إلا عن الغريري.

وحبسه قاضي بخارى أيام حياته، لما قال له: لم رويت عن الخوارج؟ قال لأنهم ثقات لا يكذبون، وإنما شاع كتابه لتظاهره بعداوة أهل البيت، فلم يرو خبر الغدير مع بلوغه في الاشتهار، إلى حد لا يمكن فيه الانكار، وقد ذكرنا طرفا

____________

(1) هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن برذربه الجعفي بالولاء، ولد ببخارى عام 194 ونشأ بها يتيما فحفظ القرآن وحفظ عشرات الألوف من الأحاديث قبل أن يناهز البلوغ، ثم رحل في طلب الحديث إلى أكثر ممالك الشرق من خراسان والجبل والعراق والحجاز ومصر والشام.

وظل طول حياته يتردد بين الأمصار، ويقيم ببغداد ونيسابور حتى اشتاق إلى بلاده فرجع إليها وابتلى فيها بفتنة خلق القرآن، فأخرجه أهل بخارى، ومات في طريقه بقرية يقال لها خرتنك على ثلاثة فراسخ من سمرقند عام 256.

ألف كتابه الجامع الصحيح في ست عشرة سنة واستخرج أحاديثها من ستمائة ألف حديث، عدد أحاديثه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون، وبعد إسقاط المكرر أربعة آلاف.

الصفحة 227 

من رواته في باب النص من النبي المختار، على علي الكرار، وكتم حديث الطائر مع كونه مشهورا في الخاص والعام على مرور الأيام، وجحد آية التطهير مع إجماع المفسرين على نزولها فيهم من غير نكير، إلا ما كان من عكرمة الخارجي والكذاب الكلبي وثالثهما البخاري.

ولم ينقل من حديث الراية أوله (1) بل قال: لأعطين الراية رجلا وترك أوله (أن النبي صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر فرجع يؤنب أصحابه ويؤنبونه، ثم عمر فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه، حتى ساء النبي صلى الله عليه وآله فقال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار).

روى ذلك أحمد، والطبري، وابن بطة، والترمذي، وابن ماجة، و الثعلبي، وأبو يعلى. والبيهقي، والواحدي.

ولم يرو حديث سد الأبواب (2) وقد رواه ثلاثون رجلا من الصحابة منهم سعد

____________

(1) رواه في باب غزوة خيبر ج 3 ص 51، وهكذا باب مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ج 2 ص 299 ولم يذكر صدر الحديث في كلا الموضعين.

(2) لكنه رواه في ج 2 ص 288 عند سرده مناقب المهاجرين وفضلهم لأبي بكر، قال:

حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح قال حدثني سالم أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله الناس وقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله.

قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وآله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من أمن الناس على في صحبته وماله أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الاسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب الأسد إلا باب أبي بكر.

والعجب أن أكثر المحدثين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام، واستجاز أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفتح من بابه كوة إلى المسجد

=>

الصفحة 228 

ابن أبي وقاص، وابن عباس، وابن أرقم، وجابر الأنصاري، وحذيفة، و الخدري، ومعاذ، وابن عمر، وأبو رافع، وأم سلمة، وبريدة، وذكره أبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى في المسند، والخطيب في تاريخه، والبلاذري في تاريخه والترمذي في جامعه، وابن بطة في إبانته، وأحمد في فضائله، والطبري في خصائصه وابن ميمونة في إملائه، وشعبة في أماليه، والبيهقي في كتابه، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه وآله.

ولم يذكر ما نقلته رواتهم من قول الأول: أي سماء تظلني الحديث، ولا خبر الكلالة، ولا خطبة الاستقالة، ولا بدايع عثمان، ولا حديث ماء الحوأب، و لما لم يخش من تلك التمويهات: صدق عليه (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات (1)).

____________

<=

فلم يجزه له، والبخاري يروي هذا الحديث المنكر في صحيحه:

يقول: باب قول النبي صلى الله عليه وآله: (سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر) قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله. ثم يروي الحديث عن أبي سعيد الخدري كما مر وتراه يكثر الحديث في أن رسول الله قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، و بعينه وبعين المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشبك أصابعه بأصابع علي عليه السلام ويغدو ويروح معه، ويعلمه ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، ويناجيه من دون الناس ويخلو به في كل مكان، وهو يذب عن وجه رسول الله الكرب، ويمشي بمشيه، ويتسارع إلى خدمته، و و و... فلو كان متخذا خليلا - بعنوان الخلة - لما كان يعدو عن علي بن أبي طالب أخوه الذي كان يقول له برواية البخاري نفسه (ج 2 ص 299): (أنت مني وأنا منك).

على أن ابن ماجة يروي في سننه تحت الرقم 93 من مقدمة كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال قبيل وفاته: ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، إن صاحبكم خليل الله.

وهذا تصريح بعدم اتخاذه الخليل، كما دل عليه حديث البخاري لمكان لفظ (لو) وهو حرف امتناع لامتناع.

(1) البقرة: 139.

الصفحة 229 

إن قيل: إنه لم يجوز [ ذلك ] ذكر ما يصنع تلك إلا وضع تلك الأولياء قلنا:

فما بال البخاري ومسلم تصديا لذكر معايب الأنبياء، ففي الحديث التاسع والثمانين بعد المائة من المتفق عليه من الجمع بين الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله أن موسى لطم ملك الموت على عينه فقلعها، لما جاء لقبض روحه.

وفي الحادي عشر منه بعد المائتين أن إبراهيم لما يطلب الخلق منه الشفاعة يقول: كذبت ثلاث كذبات اذهبوا إلى غيري: ونحوه في السابع والعشرين بعد المأتين، ولو أن أحدا نقل عن شيخهم كذبا لطعنوا في روايته، وسارعوا إلى تكذيبه أفما كان للأنبياء المختارين أسوة بالشيخين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الاغتياب وذم الدواب، فكيف يصح عنه ذلك فيمن ذكاهم ومدحهم.

وفي الرابع والأربعين منه لعبت الحبشة عند النبي صلى الله عليه وآله فحصبهم عمر فنهاه النبي صلى الله عليه وآله.

وفي الإحياء: غنت جوار عنده، فدخل عمر فأشار النبي صلى الله عليه وآله بالسكوت فخرج، فقال: عدن! فدخل فأشار بالسكوت فخرج فقلن: من هذا؟ قال: عمر، و هو لا يؤثر سماع الباطل.

وفي المجلد الأول من صحيح مسلم سبعة أحاديث تتضمن نحو ذلك فقبح الله من أضاف النقص إلى نبيه، والكمال إلى بعض رعيته، ولا مدح لتابع، مع ذم المتبوع.

وفي الخامس والأربعين منه أن النبي صلى الله عليه وآله سهى عن العصر عن ركعتين حتى نبهه ذو اليدين، فرجع فأتم بركعتين، وفي الحديث الأول منه، وفي الثاني من أفراد البخاري والثاني أيضا من أفراد مسلم أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس فأيقظه عمر، وهذا يناقض ما رووه من أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، أي نومه لا يمنعه من معرفة الأحوال وفي الخامس منه أنه ترك صلاة العصر يوم الأحزاب.

الصفحة 230 

فضيحة:

من عجيب روايتهم في الرابع والأربعين من الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله سب رجلين وقال: إني شارطت ربي أن أي المسلمين لعنته فاجعله له زكاة وأجرا، وهذا بهت، إذ كيف يكون سباب النبي صلى الله عليه وآله لمسلم ويكون مصلحة له.

فعلى هذا يحسن أن يسأل الله لهم ويسألوه أيضا لأنفسهم، أن يوفق نبيه لسبهم ويلهمه لعنهم.

وفي الرابع عشر منه أن النبي صلى الله عليه وآله ذبح على النصب، فلم يأكل منه زيد ابن نفيل، فكان أعرف بالله منه، وقد جاء في كتبهم أن الله تولى تربيته وتأديبه.

ومن العجب أنهم يرمون نبيهم وباقي الأنبياء بما ذكرناه ونحوه وينزهون صحابته ونساءهم عن مثله.

قال عبد الله الهروي منهم في كتاب الاعتقاد: الصحابة كلهم عدول، ونساؤهم فمن تكلم فيهم بتهمة أو تكذيب فقد توثب على الاسلام بالإبطال.

وفي الأصل التاسع من الإحياء للغزالي: اعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة.

قلنا: كيف ذلك وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وآله: لتسلكن سنن من كان قبلكم فبعدا لقوم زكوا من أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن ضلالهم، وأخرجوا رسل الله عن خلالهم وفي الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله عليا بقتل الفرق الثلاث، وقد أسفلنا ما أحدث المشايخ الأخباث من الأنكاث، وأهل السنة يفضلون أهل الذمة، مع علمهم بأنهم يطعنون على نبيهم، وجميع صحابته وأتباعه، حتى لو أن لهم سيفا أفنوا الجميع به، ويقدمونهم على طائفة مسلمة تسمى الرافضة حيث طعنوا في بعضهم بما ثبت صدوره عنهم، وقد شهد نبيهم على أحداثهم.

ففي الثامن والعشرين من الجمع بين الصحيحين: ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، وفي رواية الخدري فيقال: إنك لا تدري ما

الصفحة 231 

أحدثوا بعدك فأقول: سحقا لمن بدل بعدي ومنه في الحديث الستين من المتفق عليه لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم.

ومنه في الحادي والثلاثين بعد المائة نحو ذلك ومنه في السابع والستين بعد المائتين نحو ذلك من مسند أبي هريرة من عدة طرق ومن مسند عائشة وأسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة وابن المسيب وابن مسعود وحذيفة.

ولولا عظم ضلالهم، ما قال فيهم: سحقا لمن بدل بعدي، لما بلغوا إلى حد لا تقبل شفاعته فيهم.

ومنه في الحديث الأول من صحيح البخاري قال أبو الدرداء: ما أعرف من أمة محمد شيئا إلا أنهم يصلون جميعا.

ومنه في الحديث الأول من صحيح البخاري قال الزهري: دخلت على أنس وهو يبكي، قلت: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت، وفي حديث ما أعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قيل:

فالصلاة؟ قال، أليس قد صنعتم ما صنعتم؟ فكيف ذموا الرافضة، ورفضوهم بالطعن على بعض الصحابة، بشئ زكوهم فيه، ونقلوا ما هو أعظم منه.

الصفحة 232 

(5)

فصل

 

كتم البخاري ومسلم أخبارا جمة في فضائل أهل البيت، صحيحة على شرطهما ذكرها الشيخ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الجزء الثامن من كتاب بغية الطالبين في مناقب الخلفاء الراشدين، وسأذكر منها ما يليق وضعه بما تقدمه، لا يخفى به حال هذين الإمامين عند من يفهمه:

1 - زيد بن أرقم: علي أول من أسلم، أخرجه ابن حنبل في المناقب، و الترمذي في الجامع، والجاحظ، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1).

2 - أخرج الحاكم في المستدرك قوله عليه السلام: أنا الصديق الأكبر صليت قبل الناس سبع سنين لا يقولها بعدي إلا كاذب، قال: وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

3 - أخرج في المستدرك قوله عليه السلام: أنا الهادي والنبي المنذر، قال: وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

4 - أخرج في المستدرك حديث الفرخ المشوي، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

5 - قول النبي صلى الله عليه وآله لسلمان: من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، وقال: صحيح الإسناد، على شرط البخاري، ومسلم، ولم يخرجاه.

6 - أخرج قول النبي صلى الله عليه وآله: من أراد أن يحيى حياتي، ويموت موتتي

____________

(1) ترى هذه الروايات مستخرجة عن كتاب المستدرك مع النص على صفحته في كتاب فضائل الخمسة منبثة في باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام.

الصفحة 233 

ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

7 - أخرج قول النبي صلى الله عليه وآله: أنت وليي في الدنيا والآخرة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

8 - أخرج حديث الغدير وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.

9 - أخرج قول بريدة الأسلمي: تنقصت عليا عند النبي فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه قال: وهذا صحيح الإسناد على شرطيهما ولم يخرجاه.

10 - أخرج الترمذي وأبو حاتم وابن حنبل قول النبي: علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي، وأخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجه (1):

11 - أخرج ابن حنبل حديث سد الأبواب غير باب علي، وأخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

12 - أخرج الحاكم في المستدرك قول النبي صلى الله عليه وآله: علي سيد العرب، قال وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

13 - عبد الله بن أسعد: قال النبي صلى الله عليه وآله: أوحى إلي ثلاثا في علي: إنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، قال في المستدرك: صحيح الإسناد.

14 - روى جماعة منهم أبو بكر والخجندي وعمر بن مرة وابن مسعود وعمرو ابن العاص والأسدي وعمر بن الحصين ومعاذ وأبو هريرة وابن الفرات وعائشة من طرق عدة قول النبي صلى الله عليه وآله: النظر إلى وجه علي عبادة، قال في المستدرك:

صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

____________

(1) ولكن أخرجه البخاري كما عرفت في باب مناقبه ج 2 ص 299.

الصفحة 234 

15 - قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة: أما ترضين أن الله اطلع إلى الأرض فاختار منها رجلين: أحدهما أبوك، والآخر بعلك، أخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

16 - لف النبي صلى الله عليه وآله عليا وزوجته وولداه عند نزول آية التطهير وقال:

هؤلاء أهل بيتي، أخرجه الترمذي والقزويني والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجه.

17 - أنا مدينة العلم وعلي بابها أخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وهنا: أخبار أخر لم يصرح الكنجي بأنهما لم يذكراها، منقولة من كتب القوم أعرضنا عنها.

فهذه الأحاديث إن كانت لم تصل إلى الشيخين مع شهرتها، فهو دليل قصورهما فكيف يرجحون كتابيهما، ويلهجون بذكرهما على غيرهما، وإن وصلت إليهما فتركا روايتها ونقلها، كان ذلك من أكبر أبواب التهمة والانحراف، والرجوع عن السبيل الواضح إلى الاعتساف.

وهذا الكنجي وغيره قد أخرج ذلك، وبين الطريق الرافع لاعتذار السالك والجاذب لمن تبصر به إلى النور عن الضلال الحالك، والمنجي لمن تمسك به من عظيم المهالك، ونحن نسأل الله الكريم الرحيم، أن يثبت أقدامنا على الصراط المستقيم ويجعلنا من ورثة جنة النعيم، فضلا من ربك، ذلك هو الفوز العظيم.

الصفحة 235 

تذنيب:

عابونا بترك مخالطتهم والأركان إليهم وما ذلك إلا بما علمنا من ظلمهم وضلالهم لقوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (1) (وما كنت متخذ المضلين عضدا) (2).

وقد ذكر أحمد بن محمد الجرجاني في مختصر المعارف والغزالي في الإحياء أن مالك بن أنس ترك المسجد والجمعة حتى مات، وفي الإحياء أن سعدا وسعيدا لزما بيوتهما ولم يأتيا المدينة لجمعة ولا غيرها.

وفيه قيل لابن حنبل: ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاة؟ فقال: حجتي الحسن البصري وإبراهيم التميمي، فهلا وسعنا عذرهم لأئمتهم مع أنا أعذر منهم حيث يقرؤن لجليسهم إن الله يعذب من غير ذنب ويسهلون المعاصي، بقولهم: ما قدر الله كان وما لم فلا، ولأنهم طرحوا أحاديث العترة.

ففي أول الجزء الأول من صحيح مسلم قال الجراح بن مليح يقول: سمعت جابرا يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله (3) قال جرير:

____________

(1) هود، 113.

(2) الكهف: 51.

(3) قال السيد بن طاوس نور الله ضريحه في كتاب الطرائف: روى مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول بإسناده إلى الجراح بن مليح قال: سمعت جابرا يقول: عندي سبعون ألف حديث، عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله تركوها كلها ثم ذكر مسلم في صحيحه بإسناده إلى محمد بن عمر الرازي، قال سمعت حريزا يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه، لأنه كان يؤمن بالرجعة.

ثم قال: انظر - رحمك الله - كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلى الله عليه وآله برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم.

أقول: راجع صحيح مسلم ج 1 ص 13 و 14، باب وجوب الرواية عن الثقات و ترك الكذابين.

 

 

 

 

الصفحة 236 

فلم أكتب عنه لأنه كان يؤمن بالرجعة، فتركوا الانتفاع بتلك الأحاديث لأجل قول جاء القرآن به في (الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف (1)) وغيرهم، و جاءت أخبار بحياة أصحاب الكهف.

وأباحوا الخطأ في الشريعة فقد ذكر في الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد.

خاتمة:

أتباع كل قوم أعرف بمذاهبهم، فالشيعة أعرف بمذاهب العترة التي رفع النبي صلى الله عليه وآله الضلالة عن من تمسك بها، والعترة قد أثنت على الشيعة بالورع و الديانة، فيعلم كل عاقل مرافقتهم لها في العقايد والأمانة، ومن الله الإعانة.

____________

(1) البقرة: 243.