فصل في تتبع كلامه في إثبات إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه

الصفحة 311 

إعلم إنا وإن كنا نقول بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام على استقبال وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى حين وفاته هو عليه السلام فعندنا أن من لم يسلك في إمامته طريقتنا، ولم يعتمد أدلتنا، فإن إمامته لا تثبت له، وصاحب الكتاب إنما اعتمد في هذا الفصل على أن من بايعه واحد برضا أربعة على الصفات التي ذكرها كان إماما، وإن لم تجتمع الأمة على الرضا به، وهذه الطريقة مما قد بينا فسادها فيما تقدم، فيجب فساد ما فرعه عليها، وليس يمكنه أن يدعي الإجماع على إمامته، وإنما الخلاف في ذلك ظاهر، وإذا كان ما ذكره من الطريقة ليس بصحيح، والاجماع غير ثابت، فلم يبق في يد من نفى النص عن أمير المؤمنين عليه السلام من إمامته شئ، ثم ذكر في هذا الفصل عن أبي جعفر الإسكافي رحمه الله (1) من شرح ما وقعت عليه البيعة، وأن طلحة والزبير بايعا طائعين

____________

(1) نقل القاضي ذلك من كتاب المقامات لأبي جعفر الإسكافي (انظر المغني 20 ق 2 / 65 - 68، وأبو جعفر الإسكافي: هو محمد بن عبد الله من أكابر علماء المعتزلة ومتكلميهم صنف سبعين كتابا في الكلام ومن كتبه كتاب " المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي نقض كتاب " العثمانية " لأبي عثمان الجاحظ وقد لخص الكتابين ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13 / 215 - 295، وكان يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد، توفي الإسكافي سنة 240 وقد طبعت رسالة العثمانية في دار الكتاب العربي بتحقيق الأستاذ عبد السلام هارون والحق به بعض ما عثر عليه من نقض الإسكافي لها.

الصفحة 312 

راغبين فالرواية بخلافه، فإن الواقدي روى في كتاب الجمل من طرق مختلفة:

إن أمير المؤمنين عليه السلام لما قتل عثمان خرج إلى موضع يقال له بئر سكن وطلحة والزبير معه لا يشكان الأمر شورى، فقام الأشتر مالك بن الحارث النخعي فطرح عليه خميصة (1) وقال: هل تنتظرون من أحد وأخذ السيف، ثم قال يا علي: أبسط يدك فبسط يده فبايعه، ثم قال: قوموا فبايعوا، قم يا طلحة، قم با زبير، والله لا ينكل منكما، أحد إلا ضربت عنقه تحت قرطه فقاما وبايعا.

وفي بعض الروايات عن عبد الله بن الطفيل أن طلحة قام ليبايع، وأنا أنظر إليه يجر رجليه، فكان أول من بايع، ثم انصرف هو والزبير يقولان:

" إنما بايعناه واللج على رقابنا فأما الأيدي فقد بايعت، وأما القلوب فلم تبايع ".

وروى الواقدي بإسناده عن المنذر بن جهم قال: سألت عبد الله بن تغلبة:

كيف كانت بيعة علي عليه السلام؟

قال: أرأيت بيعة رأسها الأشتر، يقول: من لم يبايع ضربت عنقه وحكيم بن جبلة وذووهما، فما ظنك بها، ثم قال: أشهد لرأيت الناس يجرون إلى بيعته

____________

(1) الخميصة: ثوب من خز أو صوف ولا تكون خميصة إلا أن تكون سوداء، معلمة وجمعها الخمائص.

الصفحة 313 

فيعثرون، فيؤتى بهم فيضربون ويعنفون، فبايع من بايع، وانفلت من انفلت (1).

وروى الواقدي بإسناده عن سعيد بن المسيب (2) أنه قال لقيت سعيد ابن زيد (3) فقلت: بايعت؟ فقال: ما أصنع إن لم أفعل قتلني الأشتر، وقد روي من طرق مختلفة أن ابن عمر لما طولب بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: لا والله لا أبايع حتى تجتمع الأمة، فأفرج عنه، ولو كان الأمر على ما يراه المخالفون، لوجب أن يقول له: أليس الإجماع معتبرا في عقد الإمامة ولا اعتبرتموه في عقد إمامة أحد ممن تقدمني فتعتبرونه في العقد وفي بعض من عقد لي كفاية، وفي عدوله عن أن يقول ذلك لابن عمر ونظرائه وتهاونه بهم، وتمكينه من تهديد طلحة والزبير وحملهما على البيعة دلالة على أنه عليه السلام لم يعتبر في صحة إمامته بالبيعة، وإنما كانت ثابتة بالنص المتقدم.

____________

(1) غ " وانقلب من انقلب " خ ل.

(2) سعيد بن المسيب ولد لسنتين من خلافة عمر، ورباه علي عليه السلام لأن جده أوصى به إليه، ويعد سعيد من كبار التابعين جمع بين الحديث والفقه وسمع جماعة من الصحابة، وأكثر روايته المسندة عن أبي هريرة وكان زوج ابنته، واتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، واضطربت كلمات علماء الإمامية فيه، فبعضهم يرى أنه شديد الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام، وبعضهم يرى أنه من حواري زين العابدين عليه السلام، وثقاة أصحابه، وكل ما صدر عنه من قول يوهم الخلاف والانحراف إنما صدر إبقاء على نفسه، وإبعادا لها عن التهمة بالتشيع (انظر إتقان المقال 3 / 36) توفي بالمدينة واختلف في سنة وفاته على أقوال هي بين 92 و 150 والمسيب - بفتح الياء - وكان سعيد يكسرها ويقول: سيب الله من سيب أبي (مصادر نهج البلاغة 4 / 66).

(3) العدوي، تقدمت ترجمته.

الصفحة 314 

فأما قول صاحب الكتاب في هذا الفصل: (إن تخلف ابن عمرو سعد ومحمد بن مسلمة عن البيعة لم يكن على سبيل الخلاف، وإنما كرهوا قتال المسلمين، ولم يتشدد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عليهم، بل تركهم (1) فليس بصحيح لأن المروي المعروف أن بعضهم اعتذر بحديث القتال، وبعضهم التمس أن تكون البيعة بالاجماع، ويكون الاختيار بعد الشورى، وإجالة الرأي وليس الامتناع من المقاتلة، بموجب أن يمتنعوا من البيعة، وقد كان يجب أن يبايعوه ولا يمتنعوا من الدخول فيما وجب عليهم عند صاحب الكتاب الدخول فيه، فإذا التمس منهم القتال اعتذروا وامتنعوا، وإن كانت البيعة تشتمل على القتال وغيره. فقد كان يجب أن يبايعوا ويستثنوا القتال، وفي ترك أمير المؤمنين عليه السلام حملهم على الواجب في هذا الباب وإظهار التهاون بهم. وقلة الفكر فيهم، دلالة على ما قدمناه من أن بيعته لم تنعقد بالاختيار.

فأما تعاطي صاحب الكتاب في هذا الفصل إبطال قول من ادعى في ثبوت الإمامة مراعاة الإجماع فلو صح لم يكن نافعا له، لأنه إذا بطل بما ذكره مراعاة الإجماع، وبطل بما ذكرناه مراعاة العدد المخصوص الذي بينه فيجب أن يكون ذلك دليلا على فساد الاختيار، وعلما على أن الإمامة لا تثبت إلا بالنص فكيف وما ذكره غير صحيح؟ ويمكن من راعى الإجماع في الإمامة أن يطعن في قوله أنه لو كان لا يثبت عقد الإمامة إلا بالإجماع لا يتم أبدا لأن الناس يختلفون في المذاهب وبعضهم يكفر بعضا، ويفسقه ولا يرضى كل فريق بما يختاره الآخر بأن يقول الإجماع المعتبر هو إجماع أهل الحق والمؤمنين، ولا اعتبار بالكفار ولا بالفساق إذا كانوا ليسوا

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 68.

 

 

 

 

الصفحة 315 

مؤمنين فمن أجمع أهل الإيمان عليه كان إماما، ولم يلتفت إلى خلاف غيره بل الواجب على غيرهم أن يرجعوا إلى الحق في باب الاعتقاد كما يجب عليهم أن يسلموا إلى أهله ومن امتنع من ذلك كان عاصيا، وعلى قريب من هذا الكلام اعتمد صاحب الكتاب فيما مضى عند نصرته لصحة الاختيار، ورده الكلام على الطاعن منه بذكر الاختلاف بين الأمة، وأن بعضهم. لا يرضى بما فعله بعض.

وأما قوله: (إن نصب الإمام واجب على أهل المدينة التي مات فيها وهم بوجوب ذلك أولى لأنه لا يجوز أن يجب ذلك عليهم على وجه لا يتم ولو لم يتم إلا بالإجماع لكان قد لزمهم على وجه لا يتم (1)) فليس بشئ وذلك أن من خالف في هذا الباب لا يسلم له أن نصب الإمام يتعين وجوبه على أهل المدينة التي مات فيها ولا يجعلهم بذلك أولى من غيرهم، ثم لو سلم هذا لم يمتنع أن يجب عليهم ما يقف في صحته وتمامه على إمضاء غيرهم ورضاه، وليس ذلك بتكليف لما لا يطاق على ما ظنه، لأنه إنما يلزمهم أن يختاروا ويتفقوا على واحد بعينه، لتسكن النفوس إلى ارتياد الإمام والعدول عن باب الاهمال، ثم استقرار إمامته وثبوتها يعتبر فيه رضا جميع المؤمنين، فما في هذا من المنكر.

فأما قوله: (بأن هذا يقتضي أن يكون تقديم البيعة من القوم كعدمه في أن الاختيار قائم، ولو كان كذلك لم يصح دخوله في فروض الكفايات، لأن الفائدة في ذلك، أن قيام فريق به يسقط عن الباقين) فليس بصحيح لأن تقدم البيعة وإن كان رضا الجميع معتبرا له معنى أو فيه

____________

(1) المغني: 20 ق 2 / 68.

الصفحة 316 

فائدة لأن الرضا من الجماعة يقتضي صحة ذلك العقد المتقدم ولا يحتاج معه إلى استيناف عقد جديد وهذا يقتضي أن وجوده بخلاف عدمه، فأما التعلق بأنه من فروض الكفايات فيمكن أن يقال: إنه منها بهذا الشرط لأن عقد النفر للإمامة من رضى الجميع يكون ماضيا ولا يحتاج كل واحد إلى أن يعقد بنفسه وبعد فإن كان معنى فروض الكفاية هو ما فسروه فلمن خالفه أن يقول له ليس له عقد الإمامة من فروض الكفايات.

فأما قوله: (لو وجب اعتبار الإجماع لكان موت بعض من يدخل في الإجماع في حال البيعة يقدح في تمامها وصحتها وإن اتفق الباقون عليها) (1) فواضح البطلان لأن الإجماع إذا كان المعتبر منه باهل العصر، لم يكن موت من دخل فيه مخلا بالاجماع، ولا مخرجا لاتفاق الباقين من أن يكون إجماعا، وهذا المعنى لو قدح في اعتبار الإجماع في باب الإمامة لقدح في اعتباره في كل موضع، ثم وجدنا صاحب الكتاب في هذا الفصل لما حكى اعتراض من اعترض بخلاف معاوية، ومن كان معه في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام اعتمد على سب معاوية ورجمه بالكفر والفسق جملة بغير تفصيل، وإنه مبغض للحسن والحسين عليهما السلام وأن الرسول قال: (من أبغضهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله (2)) وبأنه كان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن بغضه نفاق (3) وذكر ما

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 68.

(2) روي هذا الحديث بطرق متعددة، ووجوه مختلفة ولكنها لا تخرج عما نقله المرتضى عن القاضي (انظر مسند أحمد 2 / 288، وكنز العمال، عن ابن أبي شيبة والطبراني، والخطيب 1 / 288).

(3) حديث (لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) رواه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه 1 / 47 باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه من الإيمان، والترمذي 2 / 301 والمتقي في الكنز 6 / 394 وقال أخرجه الحميدي وابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والعدني والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان وأبو نعيم وابن أبي عاصم.

الصفحة 317 

فعله بحجر وأصحابه، واستلحاق زياد، وتفويض الأمر إلى يزيد، وتحكيمه على أموال المسلمين، ووضعها في غير مواضعها، وأنه كان يستهزئ بالدين في كثير من أحواله (1) وأن كثيرا من الصحابة شكوا في إسلامه، وأنه بعث أصناما إلى بلاد الروم * وروي عنه القول بالجبر (2) * وأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (سباب المؤمن فسوق وقتله كفر (3) وإن معاوية داخل في ذلك لا محالة، وكل هذا ليس بشئ يعتمد عليه، في هذا الموضع، ولا يغني عن صاحب الكتاب شيئا فيما قصده، لأن أكثر ما ذكره مما طعن به عليه إنما ظهر منه بعد هذا الوقت الذي تكلمنا عليه لأنه إنما استلحق زيادا، وحكم يزيد في أموال المسلمين، وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك، مما عدده بعد حال البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام وخلافه فيها بأزمان طويلة، وكثير منه إنما فعله لما صار الأمر إليه، ولم يبق له مخالف، وليس ظهور الفسق في حال من الأحوال بمؤثر فيما تقدمها، فهب أنه كان فاسقا بقتال أمير المؤمنين عليه السلام وبسائر ما عدده، مما استأنف فعله من أين يجب أن يكون خلافه قبل هذا الحال غير معتد به؟ وأما الثاني مما ذكره من الطعون فيه فغير مسلم له ولا معترف له بوقوعه، وما يقوم في دعوى ذلك مع دفع

____________

(1) ما نقله القاضي في المغني من استهزاء معاوية بالدين أطبق عليه المعتزلة (انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 340).

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(3) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير 2 / 30 هكذا (سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه).

الصفحة 318 

خصومة إلا مقام من يسميه بالرفض فيما يدعونه على أبي بكر وعمر وعثمان، ويدفعهم هو عنه، ومن هذا الذي يسلم له أن كثيرا من الصحابة شكوا في إسلامه وقد كان يجب ألا يرسل هذا القول إرسالا حتى كأنه لا خلاف فيه، وهو يعلم أن من دونه خرط القتاد وحز الحلاقيم (1).

وأما ما يروى عنه من الجبر فشاذ ضعيف، وكان صاحب الكتاب ومن رافقه فيه بين أمرين بين دفع لما لا يحتمل التأويل والتخريج، وبين تأويل المحتمل فألا فعل ذلك فيما يروون عن معاوية لولا قلة الانصاف؟

فأما بعثه الأصنام إلى بلد الروم فما كنا نظن أن مثل صاحب الكتاب يصححه، ويحتج به، لأن هذا وأمثاله لا يكاد يحتج به إلا من هو معترف بالترفض معرق فيه، ولا يزال من سمع الأخبار بهذا وأمثاله من المعتزلة وغيرهم يتضاحكون، ويستهزئون، ويقولون كيف يظن بمعاوية تجهيز الأصنام! وهو وإن شككنا في دينه، فليس نشك في عقله، وجودة تحصيله، فكيف يستجيز ذلك الفعل من يتسمى بإمرة المؤمنين، وخلافة رسول رب العالمين، ويجعلون هذا في حيز الممتنع المستبعد، ومن قبيل ما يورده من لا يتأمل موارد الأمور ومصادرها، فإن كان قد نشط صاحب الكتاب للتصديق لما جرى هذا المجرى، فقد فتح للخصوم طريقا لا يملك سدها، وما يلزمونه إياه في مقابلة ذلك معروف.

فأما جعله قتال المسلمين كفرا فكيف نسي ذلك في أصحاب الجمل؟ وما فعل معاوية من قتال المسلمين إلا كفعلهم، والخبر الذي

____________

(1) القتاد: شجر صلب له شوك كالأبر وقد مر معنى هذا المثل، والحلاقيم جمع حلقوم وهو الحلق، والحز القطع.

الصفحة 319 

رواه عام لا استثناء فيه.

فأما إدخاله معاوية في النفاق بقوله: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) فمن أين له أن معاوية كان يبغض أمير المؤمنين عليه السلام؟

فإن قال: من حيث حاربه. قلنا: فقد حاربه عندك من لم يكن مبغضا له، ولا تسميه منافقا كطلحة والزبير وعائشة فإن قال: لست أعول في أنه مبغض له على فعل بعينه لأنني أعلم ضرورة، قيل له: علم الضرورة لا يختص بك مع مساواة غيرك لك في طريقه، فما بال السفيانية، وجميع أصحاب الحديث لا يشركونك في هذا العلم الضروري، وقد سمعوا الأخبار كسماعك وأكثر، وما الفصل بينك وبين من ادعى في أهل الجمل وغيرهم العلم الضروري، بأنهم كانوا يبغضون أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحفل بخلافك في ذلك كما لم تحفل أنت بخلاف من ذكرناه.

وأما دعواه بأنه كان يبغض الحسن والحسين عليهما السلام (1) فالكلام عليه في ذلك كالكلام فيما ذكره من بغض أمير المؤمنين عليه السلام، والذي ظهر من بعض عائشة خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام سالفا وآنفا في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته وما روي عنها في ذلك من الأقوال والأفعال، والتصريح والتلويح، هو الذي لا يمكن أحدا دفعه، ولعلنا أن نذكر طرفا من ذلك عند الكلام فيما ادعاه من توبتها.

وبعد، فلم يكن معاوية وحده مخالفا له في العقد، بل كان جميع أهل الشام ومن انضوى إليهم، ممن خرج عن المدينة، فهب له معاوية كان

____________

(1) انظر المعنى 20 ق 2 / 71.

الصفحة 320 

كافرا وفاسقا ولا يعتد بخلافه، ما تقول في خلاف من عداه ممن لا يمكنك أن ترميه بذلك؟ فإن قال: من عداه أيضا فاسق ببيعته لمعاوية، ومشايعته على قتال المسلمين، قيل له: إنما كلامنا عليهم قبل البيعة لمعاوية، وقبل أن يحاربوا المسلمين، فإن قال: لا أعتد بخلافهم لأن فيمن عقد له كفاية من حيث زاد عددهم على العدد المطلوب في عقد الإمامة، قيل له كلامنا الآن معك في غير هذا المعنى لأنك ادعيت في خلال كلامك الإجماع، وهذا كلام على دعوى الإجماع، فأما فساد قولك في اعتبار العدد الذي عينته وادعيت أنه به تثبت الإمامة ولو خالف سائر الناس فقد مضى مستقصى.