الباب في إخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) لبيعة أبي بكر مكرها ملببا وإرادة حرق بيته (عليه السلام) وبيت فاطمة (عليها السلام) عند امتناعه من البيعة وإرادة قتله (

الصفحة 322 

وفيه واحد وثلاثون حديثا

الأول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من علماء العامة المعتزلة قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي وضننت بهم عن الموت وأغضيت على القذى وشربت على الشجى، فصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم، قال ابن أبي الحديد في الشرح: الكظم بفتح الظاء مخرج النفس والجمع أكظام وضننت بالكسر بخلت وأغضيت على كذا أغضضت عنه طرفي، والشجا ما يعترض في الحلق، ثم قال ابن أبي الحديد:

اختلفت الروايات في قصة السقيفة فالذي تقوله الشيعة وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيرا منه: إن عليا (عليه السلام) امتنع من البيعة حتى أخرج كرها، وإن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال: لا أبايع إلا عليا وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعباس بن عبد المطلب وجميع بني هاشم وقالوا: إن الزبير شهر سيفه فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم قال في جملة ما قال: خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر، ويقال: إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجرا فكسره، فساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته، ولم يتخلف إلا علي وحده فإنه اعتصم ببيت فاطمة فتحاموا إخراجه قسرا، وقامت فاطمة إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه، فتفرقوا وعلموا أنه مفرد لا يضر شيئا فتركوه وقيل: إنهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر، وقال: وقد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كثيرا من هذا، فأما حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة وقول من قال: إنهم أخذوا عليا (عليه السلام) يقاد بعمامته والناس حوله فأمر بعيد والشيعة تنفرد به على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك.

وقال أبو جعفر: إن الأنصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها: لا نبايع إلا عليا

الصفحة 323 

وذكر نحو هذا علي بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه، فأما قوله: لم يكن لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فقال: ما زال (عليه السلام) يقوله، ولقد قاله عقيب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو وجدت أربعين ذوي، عزم ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفين وذكره كثير من أرباب السير، وأما الذي يقوله جمهور المحدثين وأعيانهم فإنه (عليه السلام) امتنع من البيعة ستة أشهر ولزم بيته فلم يبايع حتى ماتت فاطمة (عليها السلام)، فلما ماتت بايع طوعا. وفي صحيح مسلم والبخاري: كانت وجوه الناس إليه وفاطمة باقية بعد، فلما ماتت انصرفت وجوه الناس عنه وخرج من بيته فبايع أبا بكر وكانت مدة بقائها بعد أبيها (عليه السلام) ستة أشهر(1).

الثاني: قال ابن أبي الحديد: روى أحمد بن عبد العزيز قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون في أمرهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة (عليها السلام) وقال: يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين ما حلف له فانصرفوا عنا راشدين، فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر(2).

الثالث: ابن أبي الحديد قال: وروى المبرد في الكامل صدر هذا الخبر عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت وسألت ما به فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد الله باريا فقال: أما إني على ما ترى لوجع وجعلتم لي معاشر المهاجرين شغلا من وجعي، وجعلت لكم عهدا مني من بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ورأيتم الدنيا قد أقبلت، والله لنتخذن ستور الحرير ونضائد الديباج وتألمون ضجايع الصوف الأذربي، كان أحدكم على حسك السعدان والله لئن يقدم أحدكم فيضرب عنقه في حد خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا، وإنكم غدا لأول ضال بالناس، وساق حديثه إلى أن قال: وقال أبو بكر: أما إني لا أساء إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وودت أني فعلتهن وثلاث وددت أني لم أكن فعلتها فوددت، أني لم أكن كشفت عن بيت فاطمة وتركته ولو أغلق على حرب، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا وكنت وزيرا، ووددت أن إذا أتيت بالفجاء لم

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 20.

(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 45.

الصفحة 324 

أكن أحرقته وكنت قتلته بالحديد أو أطلقته، وأما الثلاث التي تركتها ووددت أني فعلتها فوددت أني يوم أتيت بالأشعث كنت ضربت عنقه فإني تخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه، ووددت أني كنت وجهت خالدا إلى أهل الردة أقمت بذي الصفة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت ردة لهم، ووددت حيث وجهت خالدا إلى الشام كنت وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت كلتا يدي اليمين والشمال في سبيل الله، وأما الثلاث التي وددت أني سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنهن فوددت إني سألته عن هذا الأمر فكنا لا ننازعه أهله ووددت أني سألته عن ميراث العمة وبنت الأخت فإن في نفسي منها حاجة(1).

الرابع: ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبه قال:

حدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة وغضب علي والزبير، فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة فناشدتهما الله، فأخذوا سيفي علي والزبير وضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا، ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوما قط ولو قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولوددت أني أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره(2).

الخامس: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا أحمد بن معاوية قال: حدثني النضر بن شميل قال: حدثنا محمد بن عمرو عن سلمة بن عبد الرحمن قال:

لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي (عليه السلام) والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة، فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فدق به فبدر السيف، فصاح أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر قال أبو عمر بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة وقالوا: هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي الله بهم قال فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه(3).

السادس: ابن أبي الحديد قال: أبو بكر وقد روى في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 46.

(2) شرح نهج البلاغة: 2 / 50.

(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 56.

الصفحة 325 

معهم في بيت فاطمة والمقداد بن الأسود أيضا وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا (عليه السلام) فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي وتصيح فنهنهت من الناس وقالوا: ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد، ثم بايعوا أبا بكر فاستمر الأمر واطمأن الناس(1).

السابع: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثنا أبو زيد عن عمر بن شبة قال: أخبرنا أبو بكر الباهلي قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟ فقيل: عند علي وقد تقلد سيفه فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد فانطلقا حتى تأتياني بهما، فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: نبايع عليا، فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال: يا خالد دونكه فأمسكه ثم قال لعلي (عليه السلام): قم فبايع لأبي بكر فتلكأ فاحتبس فأخذ بيده وقال: قم، فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ورأت فاطمة ما صنع عمر بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله قال: فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع بعمر وطلب إليها فرضيت عنه(2).

الثامن: ابن أبي الحديد قال أبو بكر وأخبرنا أبو زيد قال: حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال:

حدثنا علي بن هاشم مرفوعا إلى عاصم بن عمر وابن قتادة قال: لقي علي (عليه السلام) عمر فقال له علي:

أنشدك الله هل استخلفك رسول الله؟ قال: لا، فقال: كيف تصنع أنت وصاحبك؟ قال: أما صاحبي فقد مضى لسبيله وأما أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك فقال: جذع الله أنف من ينقذك منها، لا ولكن جعلني علما فإذا قمت فمن خالفني ضل(3).

التاسع: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد قال: حدثني محمد بن عباد قال: حدثني أخي سعيد بن عباد عن الليث بن سعد عن رجاله عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أنه قال: ليتني لم أكشف بيت فاطمة ولو أعلن على الحرب(4).

العاشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر وذكر ابن شهاب أن ثابت بن قيس بن شماس أخي بني الحارث من الخزرج كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة قال: وروى سعد بن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم وأن محمد بن سلمة كان معهم وأنه هو الذي كسر سيف

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 56.

(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.

(3) شرح نهج البلاغة: 2 / 58.

(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 51.

الصفحة 326 

الزبير(1).

الحادي عشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثني أبو زيد عمر بن شبه عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة (عليها السلام) في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن عليكم البيت، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر فبدر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتى بايعوا أبا بكر(2).

الثاني عشر: ابن أبي الحديد قال أبو زيد: وروى النضر بن شميل قال: حمل سيف الزبير لما بدر من يده إلى أبي بكر وهو على المنبر يخطب فقال: اضربوا به الحجر قال أبو عمرو بن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة والناس يقولون: هذا أثر ضربة سيف الزبير(3).

الثالث عشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وأخبرني أبو بكر الباهلي عن إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر أين خالد بن الوليد؟ فقال: ها هو ذا قال: انطلقا إليهما يعني عليا والزبير فآتياني بهما، فانطلقا فدخل عمرو ووقف خالد على الباب من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليا قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن عمرو وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءا لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال: قم فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتى أمسكه خالد وساقهما عمر سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال، ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله قال: فلما بايع علي والزبير وهدأت تلك الفورة مشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه(4).

الرابع عشر: ابن أبي الحديد قال: فأما البخاري ومسلم في الصحيحين من كيفية المبايعة لأبي بكر فهو بهذا اللفظ الذي أورده عليك والإسناد إلى عائشة أن فاطمة (عليها السلام) والعباس أتيا أبا بكر

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 51.

(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.

(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.

(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 48.

الصفحة 327 

يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنا لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصنعه إلا صنعته، فهجرته فاطمة ولم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن لها أبا بكر، وكان لعلي وجه بين الناس حياة فاطمة، فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عن علي فمكثت فاطمة ستة أشهر ثم توفيت، فقال رجل للزهري وهو راوي هذا الخبر عن عائشة: فلم يبايعه علي ستة أشهر؟

قال: لا ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي، فلما رأى ذلك ضرع إلى مصالحة أبي بكر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدته فقال عمر: لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر: والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر حتى دخل على علي وقد جمع بني هاشم عنده، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضلك ولا نفاسة لخبر ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم به علينا، ثم ذكر قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحقه، فلم يزل علي (عليه السلام) يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر، فلما صمت علي تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فوالله لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصلها من قرابتي، إني والله ما آلوكم في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم إلا الخير ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا نورث ما تركناه صدقة وإنما يأكل آل محمد في هذا المال، إني والله لا أذكر أمرا صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا صنعته إن شاء الله.

قال علي: موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر به، ثم قام علي فخطب فعظم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس إلى علي وقالوا: أصبت وأحسنت، وكان علي قريبا إلى الناس حين قارب الأمر المعروف(1).

الخامس عشر: ابن أبي الحديد قال أبو بكر: وحدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد قال:

حدثنا أحمد بن الحكم قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد قال: تخلف علي عن بيعة أبي بكر فأخرج ملببا يمضي به ركضا وهو يقول: معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين لم يتخلف لخلاف وإنما تخلف لحاجة، فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له: انطلق

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 46.

الصفحة 328 

فبايع(1).

السادس عشر: ابن أبي الحديد قال: قال أبو بكر: وحدثنا يعقوب عن رجاله قال: لما بويع أبو بكر تخلف علي فلم يبايع فقيل لأبي بكر: إنه كره إمارتك فبعث إليه أكرهت إمارتي؟ قال: لا، ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه، أو قال: كان يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي برداء حتى أجمعه اللهم إلا إلى صلاة الجمعة فقال أبو بكر: لقد أحسنت قال: فكتبه علي (عليه السلام) كما أنزل بناسخه ومنسوخه(2).

السابع عشر: ابن أبي الحديد قال: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا وهو من محاسن الكتب:

أما بعد فقد أتاني كتابك، اصطفى الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) لدينه وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، وداعي مسدده إلى النضال، وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها إلا تربع أيها الإنسان على ظلعك أو تعرف قصور ذرعك وتتأخر حيث أخرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر، وإنك لذهاب في التيه، رواغ عن القصد.

ألا ترى غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حق، إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أو لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل بواحد ما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين؟ ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية، فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا لم ينفعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا على قومك إن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك وأنى لا يكون ذلك كذلك، ومنا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم، فإسلامنا ما قد سمع وجاهليتنا لا تدفع وكتاب الله مجمع لنا ما شذ عنا وهو قوله: * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * وقوله تعالى: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) *

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 45.

(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 40.

الصفحة 329 

فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة، ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله (صلى الله عليه وآله) فلجوا عليهم، فإن لم يكن الفلج لهم فالحق لنا دونكم وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم، وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت وعلى كلهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دين الله ولا مرتابا بيقينه وهذه حجتي إلى غيرك قصدها ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها(1).

الثامن عشر: ابن أبي الحديد قال: قال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: إنما أراد بذلك أن لا تنشر الكلمة ولا يختلف المسلمون وأن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار(2).

التاسع عشر: ابن أبي الحديد قال: روي عن جعفر بن محمد وغيره أن عمر ضرب فاطمة بالسوط وضرب الزبير بالسيف، وأن عمر قصد منزلها وفيه علي الزبير والمقداد وجماعة ممن تخلف عن أبي بكر وهم مجتمعون هناك فقال لها: ما أحد بعد أبيك أحب إلينا منك وأيم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك لنحرقن عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع(3).

العشرون: ابن أبي الحديد قال بعد نقله هذه الأخبار: واعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ومن تأملها وأنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريح مقطوع به لا تختلجه الشكوك ولا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنهم يقولون: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) نص على أمير المؤمنين (عليه السلام) نصا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ولا خبر المنزلة ولا ما شابهها من الأخبار الواردة من طرق العامة وغيرها، بل نص عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين، وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك فسلموا عليه بها وصرح لهم في كثير من المقامات بأنه خليفته عليهم من بعده وأمرهم بالسمع والطاعة له ولا ريب، أن المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم قطعا أنه لم يكن هذا النص ولكن سبق إلى النفوس والعقول أنه قد كان هناك تعريض وتلويح وكناية وقول غير فصيح وحكم غير مبتوت، ولعله (صلى الله عليه وآله) كان يصده عن التصريح بذلك أمر يعلمه ومصلحة

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 15 / 181 - 183.

(2) شرح نهج البلاغة: 20 / 147.

(3) شرح نهج البلاغة: 16 / 271.

الصفحة 330 

يراعيها أو وقوف مع إذن الله تعالى له في ذلك، فأما امتناع علي (عليه السلام) من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج فقد ذكره المحدثون ورواة السير، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين وقد ذكر من هذا النحو ما لا يحصى كثرة، وأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرساله قنفد إلى بيت فاطمة وأنه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى أن ماتت، وأن عمر أضغطها بين الباب والجدار فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا، وجعل في عنق علي حبل يقاد به وهو يعتل وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور وابناه حسن وحسين معهما يبكيان، وأن عليا لما أحضر سألوه البيعة فامتنع فتهدد بالقتل فقال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله فقالوا: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا، وأنه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق.

ولتنظر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها وأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة، فكله لا أصل له عند أصحابنا ولا يثبته أحد منهم ولا رواه أحد ولا نعرفه وإنما هو شئ تنفرد الشيعة بنقله(1).

أقول: العجب كل العجب من ابن أبي الحديد في إنكاره النص الصريح الذي لا يحتمل التأويل من النص الذي رواه وغيره من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه (عليه السلام) الإمام والخليفة والوصي والوزير، بل إن أنصف المنصف ولم يخادع الله تعالى ولم يخادع نفسه ولم يقلد الرجال بل يتبع البرهان المنير والحق المستبين والصراط المستقيم ليقي نفسه من نار الجحيم على أن ابن أبي الحديد قال في موضع آخر من الشرح: الظاهر عندي صحة ما رواه المرتضى في الشافي والشيعة، لا كل ما يزعمونه بل كان بعض ذلك، وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على ذلك يعني على كشف بيت فاطمة (عليها السلام)(2).

وأنا أذكر بعض ما ذكره السيد المرتضى في الشافي الذي صححه ابن أبي الحديد وحق لابن أبي الحديد أن يصحح ما نقله السيد المرتضى في الشافي لأنه (رضي الله عنه) لم يذكر من الروايات والأخبار في ذلك إلا ما هو حجة على المخالفين مسلم عندهم، ولهذا رواه من طريق العامة كالبلاذري وغيره، وأنا أذكر ما ذكره السيد المرتضى في الشافي داخلا في روايات العامة.

الحادي والعشرون: قال السيد المرتضى (رضي الله عنه) في الشافي: روى إبراهيم بن سعيد الثقفي قال:

حدثنا أحمد بن عمرو البجلي قال: حدثنا أحمد بن حبيب العاملي عن أبي عبد الله جعفر بن

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 2 / 59.

(2) شرح نهج البلاغة: 17 / 168.

 

 

 

 

الصفحة 331 

محمد الصادق (عليه السلام) قال: والله ما بايع علي (عليه السلام) حتى رأى الدخان قد دخل عليه بيته(1).

الثاني والعشرون: المرتضى أيضا قال: قد روى البلاذري عن مسلمة عن محارب عن سليمان التميمي عن أبي عون أن أبا بكر أرسل إلى علي فلم يبايع فجاء عمر ومعه قيس، فلقيته فاطمة (عليها السلام) على الباب فقالت: يا بن الخطاب لا أتراك محرقا علي بابي؟ قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك، وجاء علي (عليه السلام) فبايع.

قال السيد المرتضى عقيب هذا الحديث: وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة وإنما الطريف أن ترويه شيوخ محدثي العامة لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة وربما تنبهوا على ما يروونه عليهم فكفوا عنه، وأي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟ إلى هنا كلام السيد(2).

الثالث والعشرون: السيد أيضا قال روى إبراهيم عن يحيى بن الحسن عن عاصم بن عامر عن نوح بن دراج عن داود بن يزيد الأزدي عن أبيه عن عدي بن حاتم قال: ما رحمت أحدا رحمتي عليا حين أوتي به ملبيا فقيل له: بايع قال: فإن لم أفعل؟ قالا: إذا تقتل. قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، ثم بايع كذا، وضم يده اليمنى(3).

الرابع والعشرون: السيد قال: روى أبو الحسن أحمد بن جابر البلاذري وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروفة قال: حدثني بكر بن الهيثم قال:

حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (عليه السلام) حين قعد عن بيعته وقال: ايتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال علي (عليه السلام): إحلب حلبا لك شطره، والله ما حرضك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غدا وما تنفس على أبي بكر هذا الأمر ولكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا وقلنا: إن لنا حقا لا تجهلونه، ثم أتاه فبايع.

قال السيد عقيب هذا الخبر يتضمن ما جرت عليه الحال وما تقول الشيعة بعينه قد أنطق به روايتهم(4).

الخامس والعشرون: السيد قال: وروى البلاذري عن المدائني عن أبي حرب عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة (عليها السلام) بعد ستة أشهر فلما ماتت ضرع إلى صلح أبي بكر، فأرسل إليه أن يأتيه فقال له عمر: لا تأمنه وحدك، قال: وماذا يصنعون بي؟ فأتاه أبو بكر فقال له (عليه السلام): والله ما نقمنا عليك ما ساق الله إليك من خير وفضل ولكنما

____________

(1) الشافي في الإمامة: 3 / 241.

(2) الشافي: 3 / 241.

(3) الشافي: 3 / 244 وسليم بن قيس: 153.

(4) الشافي: 3 / 240.

الصفحة 332 

كنا نظن أن لنا في هذا الأمر نصيبا استبد به علينا، فقال أبو بكر: والله لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحب إلي من قرابتي، فلم يزل علي (عليه السلام) يذكر حقه وقرابته حتى بكى أبو بكر فقال: ميعادك العشية، فلما صلى أبو بكر الظهر خطب وذكر عليا وبيعته فقال علي (عليه السلام): إنه لم يحبسني عن بيعة أبي بكر أن لا أكون عارفا بحقه، ولكن نرى أن لنا في الأمر نصيبا استبد به علينا ثم بايع أبا بكر فقال المسلمون:

أصبت وأحسنت.

قال السيد عقيب الحديث: ومن تأمل هذا الخبر وما جرى مجراه علم كيف وقعت البيعة وما الداعي إليها، ولو كانت والحال سليمة والنيات صافية والتهمة مرتفعة لما منع أبا بكر أن يصير إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحده(1).

السادس والعشرون: السيد قال: روى إبراهيم الثقفي عن محمد بن أبي عمر عن أبيه عن صالح ابن أبي سود عن عقبة بن سنان عن الزهري قال: ما بايع علي إلا بعد ستة أشهر وما اجترئ عليه إلا بعد موت فاطمة (عليها السلام)(2).

السابع والعشرون: السيد قال: روى إبراهيم بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد البجلي عن داود بن يزيد الأزدي عن أبيه عن عدي بن حاتم قال: إني لجالس عند أبي بكر إذ جئ بعلي (عليه السلام) وقال له:

بايع، فقال له علي (عليه السلام): فإن أنا لم أبايع؟ قال: اضرب الذي فيه عيناك، فرفع رأسه إلى السماء وقال:

اللهم اشهد، ثم مد يده فبايعه وقد روى هذا المعنى من طرق كثيرة مختلفة وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلف لفظها وأنه (عليه السلام) كان يقول في ذلك اليوم لما أكره على البيعة وحذر من التقاعد عنها: يا بن أم أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، ويردد ويكرر(3).

الثامن والعشرون: السيد قال: وروى الثقفي قال: حدثني محمد بن علي عن عاصم بن عامر البجلي عن نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق عن سفيان بن فروة عن أبيه قال: جاء بريدة حتى ذكر له أسلم قال: لا أبايع حتى يبايع علي (عليه السلام) فقال علي: يا بريدة أدخل فيما دخل الناس فيه فإن اجتماعهم أحب إلي من اختلافهم اليوم(4).

التاسع والعشرون: السيد قال: روى إبراهيم قال: حدثني محمد بن أبي عمر قال: حدثنا محمد ابن إسحاق عن موسى بن عبد الله بن الحسن قال: أنت أسلم أن تبايع فقالوا: ما كنا نبايع حتى يبايع

____________

(1) الشافي: 3 / 242.

(2) الشافي: 3 / 242.

(3) الشافي: 3 / 244.

(4) الشافي: 3 / 243.

الصفحة 333 

بريدة لقوله (عليه السلام) لبريدة: علي وليكم من بعدي فقال علي (عليه السلام): يا هؤلاء إن هؤلاء خيروني أن يظلموني حقي أو أبايعهم، وارتد الناس حتى بلغت الردة أحدا، فاخترت أن أظلم حقي وإن فعلوا ما فعلوا(1).

الثلاثون: السيد المرتضى عقيب ذكره هذه الأحاديث: وذكر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه، وفيما أشرنا إليه كفاية ودلالة على أن البيعة لم تكن عن رضا واختيار، فإن قيل: كلما رويتموه في هذا المعنى أخبار آحاد لا توجب علما قلنا: كل خبر مما ذكرناه وإن كان واردا من طريق الآحاد فإن معناه الذي تضمنه متواتر به والمعنى على ذلك دون اللفظ، ومن استقرأ الأخبار وجد معنى إكراهه (عليه السلام) على البيعة وأنه دخل فيها مستدفعا للشر وخوفا من تفرق كلمة المسلمين، وقد وردت فيه أخبار كثيرة من طرق مختلفة تخرج من حد الآحاد إلى التواتر.

قال: وكيف يشكل على منصف أن بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تكن عن رضا والأخبار متظاهرة من كل من روى السير بما يقتضي ذلك حتى أن من تأمل ما روي في هذا الباب لم يبق عليه شك في أنه (عليه السلام) الجئ إلى البيعة وصار إليها بعد المدافعة والمحاجزة لأمور اقتضت ذلك ليس من جملتها الرضا. إلى هنا كلام السيد المرتضى في الشافي(2). وهو كتاب حسن مستوف في الإمامة.

كتاب الصراط المستقيم رواه من طريق العامة قال: طلب أبو بكر وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) لما امتنع هو وجماعة من البيعة، ذكره الواقدي في روايته والطبري في تاريخه ونحوه ذكر ابن عبد ربه وهو من أعيانهم، وكذا مصنف كتاب أنفاس الجواهر إلى كلام صاحب كتاب الصراط المستقيم(3).

الحادي والثلاثون: الصراط المستقيم، إن عمر وأصحابه أخذوا عليا أسيرا إلى البيعة، وهذا لا ينكره عالم من الشيعة قال: وقد أورد ابن قتيبة وهو أكبر شيوخ القدرية في المجلد الأول من كتاب السياسة قوله حين قال: إن لم تبايع نضرب عنقك، فأتى قبر النبي باكيا قائلا: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني(4).

____________

(1) الشافي: 3 / 243.

(2) الشافي: 245.

(3) الصراط المستقيم: 2 / 301.

(4) الصراط المستقيم: 2 / 10.