الباب في جيش أسامة وفيه أبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وغيرهم ولعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تأخر عن جيش أسام

الصفحة 110 

وفيه اثنا عشر حديثا

الأول: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو من أعيان علماء العامة من المعتزلة قال ابن أبي الحديد قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وقد أثنى ابن أبي الحديد على هذا الرجل عند أهل الحديث بقبول الحديث، وثقته وهو صاحب كتاب " السقيفة ".

قال: حدثنا أحمد بن إسحاق ابن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر في مرض موته أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير، وأمره أن يغير على " مؤتة " حيث قتل أبوه زيد، وأن يغمروا وادي فلسطين، فتثاقل أسامة وتثاقل الجيش بتثاقله، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه يثقل ويخف، ويؤكد القول على تنفيذ ذلك البعث حتى قال له أسامة بأبي أنت وأمي أتأذن لي أن أمكث أياما حتى يشفيك الله فقال: أخرج وسر على بركة الله.

فقال: يا رسول الله إن خرجت وأنت على هذا الحال خرجت وفي قلبي قرحة منك.

فقال (صلى الله عليه وآله): سر على النصر والعافية.

فقال: يا رسول الله إني أكره أن أسأل عنك الركبان.

فقال (صلى الله عليه وآله): انفد لما أمرتك به، ثم أغمي على رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) سأل عن أسامة والبعث فأخبر أنهم يتجهزون، فجعل يقول: أنفدوا بعث أسامة لعن الله من تخلف، عنه ويكرر ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه، حتى إذا

الصفحة 111 

كان بالجرف نزل ومعه أبو بكر وعمر وأكثر المهاجرين ومن الأنصار أسيد بن خضير وبشير بن سعد وغيرهما من الوجوه، فجاءه رسول أم أيمن يقول له أدخل فإن رسول الله يموت فقام من فوره فدخل المدينة واللواء على رأسه فجاء به حتى ركزه في باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد مات (صلى الله عليه وآله) في تلك الساعة.

قال: فما كان أبو بكر وعمر يخاطبان أسامة إلى أن ماتا إلا بالأمير(1).

الثاني: ابن أبي الحديد في الشرح قال: لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرض الموت دعا أسامة بن زيد بن حارثة فقال سر إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فإن أظفرك الله بالعدو فأقلل اللبث وبث العيون وقدم الطلائع فلم يبق أحق من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش منهم أبو بكر وعمر، فتكلم قوم فقالوا يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما سمع ذلك وخرج عاصبا رأسه فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال:

أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، لأن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله وأيم الله إنه كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها وإنهما لمن أحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم، ثم نزل فدخل بيته وجاء المسلمون يودعون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويمضون إلى عسكر أسامة بالجرف، وثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) واشتد ما يجده فأرسل بعض نسائه إلى أسامة وبعض من كان معه يعلمونهم ذلك، فدخل أسامة من عسكره والنبي (صلى الله عليه وآله) مغمور وهو اليوم الذي كدوه فيه فطأطأ أسامة عليه وقبله ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اسكت فهو لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة كالداعي له، ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه إلى ما بعثه فيه، ورجع أسامة إلى عسكره ثم أرسل نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أسامة يأمرنه بالدخول ويقلن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أصبح بارئا، فدخل أسامة من عسكره يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول فوجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مفيقا فأمره بالخروج وتعجيل التعود وقال: اغد على بركة الله، وجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة، ويكرر ذلك، فودع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج ومعه أبو بكر وعمر فلما ركب جاءه رسول أم أيمن فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يموت، فأقبل ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى زالت الشمس من هذا اليوم وهو يوم الاثنين وقد مات واللواء مع بريدة بن الحصيب، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مغلق وعلي (عليه السلام) وبعض

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 52.

 

 

 

 

الصفحة 112 

بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه وغسله فقال العباس لعلي (عليه السلام) وهما في الدار: امدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان.

فقال له: أويطمع فيها يا عم طامع غيري؟!

قال: ستعلم، فلم يلبث أن جاءتهما الأخبار بأن الأنصار أقعدت سعدا لتبايعه وأن عمر جاء بأبي بكر فبايعه وسبق الأنصار بالبيعة، فندم علي (عليه السلام) على تفريطه في أمر البيعة وتقاعده عنها وأنشده العباس قول دريد:

 

أمرتهم أمري بمنعرج اللوا       فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدر(1).

 

الثالث: ابن أبي الحديد قال: تزعم الشيعة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعلم موته وأنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلوا دار الهجرة منهما فيصفو الأمر لعلي (عليه السلام) ويبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيعة الناس لعلي (عليه السلام) بعده كانا من المنازعة والخلاف أبعد، لأن العرب كانت تلتزم بإتمام تلك البيعة ويحتاج في نقضها إلى حروب شديدة فلم يتم له ما قدر وتثاقل أسامة بالجيش أياما مع شدة حب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على نفوذه وخروجه بالجيش حتى مات (صلى الله عليه وآله) وهما بالمدينة، فسبقا علي إلى البيعة وجرى ما جرى(2).

الرابع: عبد الجبار قاضي القضاة في كتاب " المغني " وهو من المتعصبين من العامة روى في السبب في كون عمر من جملة جيش أسامة، أن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال عند ولاية أسامة، يولي علينا شاب حدث ونحن مشيخة قريش. فقال عمر: يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه فقد طعن في تأميرك إياه، ثم قال عمر: أنا أخرج في جيش أسامة(3).

الخامس: روى البلاذري في تاريخه وهو معروف بالثقة والضبط وبرئ من ممالأة الشيعة ومقاربتها، أن أبا بكر وعمر كانا معا في جيش أسامة(4).

السادس: ابن أبي الحديد بعد أن ذكر أحاديث في الشرح تدل على النص على أمير المؤمنين بالخلافة والإمامة قال: إني سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد وقد قرأت عليه هذه الأخبار فقلت له: ما أراها إلا تكاد تكون دالة على النص ولكني أستبعد أن يجتمع الصحابة على

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 159.

(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 161.

(3) شرح نهج البلاغة: 17 / 177.

(4) شرح نهج البلاغة: 17 / 177.

الصفحة 113 

دفع نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شخص بعينه كما استبعدنا من الصحابة على رد نصه على الكعبة وشهر رمضان وغيرهما من معالم الدين. فقال (رضي الله عنه): أبيت إلا ميلا إلى المعتزلة، ثم قال: إن القوم لم يكونوا يذهبون في الخلافة إلى أنها من معالم الدين، وأنها جارية مجرى العبادات الشرعية، كالصلاة والصوم، ولكنهم كانوا يجرونها مجرى الأمور الدنيوية، ويذهبون هذا مثل تأمير الأمراء وتدبير الحروب وسياسة الرعية وما كانوا يبالون في أمثال هذا من مخالفة نصوصه (صلى الله عليه وآله) إذا رأوا المصلحة في غيرها، ألا تراه كيف نص على إخراج أبي بكر وعمر في جيش أسامة لم يخرجا لما رأيا في مقامهما مصلحة للدولة والملة وحفظا للبيضة ودفعا للفتنة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخالف وهو حي في أمثال ذلك فلا ينكره ولا يرى به بأسا(1).

قال مؤلف هذا الكتاب: إن قوله: إن أبا بكر وعمر خالفا نص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا شك ولا ريب فيه، وأما اعتذاره عنهما ولم يخرجا لما رأيا إلى آخره، فاعتذار باطل، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنصح للملة وأحفظ للبيضة فكيف يريان المصلحة للإسلام دونه (صلى الله عليه وآله) وحفظا للبيضة بقعودهما، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرهما بالخروج والحث عليه، لأن الله تعالى ورسوله أعلم بمصالح الإسلام والعباد لا أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من الطغام والجهال ممن يقدم بين يدي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

السابع: صاحب كتاب " سير الصحابة " قال: أول خلف وجد فيما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أخبرني به أبو عمر محمد بن أبي عمر قال: حدثني سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي إلى " مؤتة " وهي الأرض التي قتل فيها جعفر الطيار ابن أبي طالب (رض) وتقدم إلى أسامة بالقتل والتحريق، والخبر طويل فيما وصاه به وأمره على أهل السوابق من المهاجرين وغيرهم من الوجوه، وعقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراية بكفه وأمر أبا بكر وعمر وعثمان أن يسيروا معه ولا لهما أمر، فلما علما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ثقل في مرضه فارقا أسامة وتخلفا عنه ورجعا إلى المدينة، وسار أسامة ولم يتبعاه فصعب ذلك على المسلمين وقالوا: هذا وهو حي ناطق قد خالفاه في أمره دون الصحابة فكيف يكون الحال إذا مات(2).

الثامن: صاحب سير الصحابة قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن الجرمي قال: حدثني أبو جيش الهروي قال: حدثنا عبد الرزاق عن أبيه عن

____________

(1) شرح نهج البلاغة: 12 / 82.

(2) بمضمونه في مكاتيب الرسول: 3 / 681.

الصفحة 114 

جده عن أبي سعيد الخدري قال: لما دخل عمر على أبي بكر قال له: اكتب الآن إلى المواضع وابدأ بأرض " مؤتة " إلى أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) أمره في أمر فيه على أهل السوابق من وجوه الصحابة وخرج معه أبو بكر وعمر وكانا من جملة أتباعه وهو المؤمر عليهما وأمره أن يسير إلى " مؤتة " وهي الأرض التي قتل فيها جعفر ابن أبي طالب (عليه السلام) وتقدم إليه بالقتل والتحريق في خبر طويل ورواه عمر بن شيبة، وقد سمعنا هذا الحديث والرسالة أيضا من طرق شتى أنهم قالوا: لما علم أبو بكر وعمر بن الخطاب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صورة الموت تشاوروا في التخلف عن أسامة فاستأذن أسامة أن يقضيا في المدينة أشغالا يوما وقيل ثلاثة أيام ويلحقا به فأذن لهما ثم رحل ممثلا لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا أول خلف منهما، فلما خرج علي من عند أبي بكر إلى أسامة، كتب أبو بكر بسم الله الرحمن الرحيم من خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي بكر:

يا أسامة فإن المسلمين اجتمعوا علي وفوضوا أمرهم إلي فاختاروني للإمامة عليهم والنظر في أمورهم وحراسة أبنائهم لما عرفوه عندي من الرأفة بهم وإيثار الحسني فيهم وإن المسلمين لن يعدموا ذلك مني بالإحسان إليهم والتسوية في الحق من ضعيفهم وقويهم، وقد عرف ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أمرك به المسير إلى " مؤتة " وما يجاورها من البلاد وما أوعز إليك من النهب والتحريق والقتل، ولولا أنه أمرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وندبه إليك لأحببت أن أردك عن هذا الوجه الذي سلطك عليه لتكون أنت ومن تبعك من المسلمين في جملة من عندي من المهاجرين والأنصار، فإن العرب قد ارتد أكثرها ورجعت عما عاهدت الله عليه ورسوله، فادخل فيما دخل فيه المسلمون واكتب إلي به وامض إلى ما أمرك به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولبئس الشئ التشنع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند فراقه مما يخالف أمره ونهيه، وبئس الرأي ما بعد يستأثر به دونه، إن رأيه (صلى الله عليه وآله) يعان بالتوفيق، ورأينا شوب بالظن معقود على الوهم، ومع ذلك أريدك أن تأذن لعمر(1) في مقامه عندي واستظهر به على أمري وما أحتاج إلى قيامه فيه، فلا يعترضك معترض فيخرجك عما فيه المسلمون أو يزين لك الشيطان بعض الغرور فنقول كما قال أهل الغفلة:

 

لقد حن قدح ليس منها          والظن دأب للبعيد عنها(2)

 

وأجر الأمور على ظاهرها ولا تجاهرنا بما في نفسك فإن اللجاجة تجلب الغلبة ورأيي لك خير

____________

(1) مصنف عبد الرزاق: 5 / 482 ح 9777، وسيرة ابن حبان: 427.

(2) في شرح النهج وغيره: وطفق يحكم فيها من عليه الحكم.

الصفحة 115 

من ظنك والله ولي كل خير، ثم امض على بركة الله تعالى واكتب إلي بما تستمده من جهتي في رأي ومؤنة فإني متشوق إلى ما يصلني من خبرك حفظك الله ونصرك وأحسن العون لمن معك.

فأجابه: بسم الله الرحم الرحيم من أسامة بن زيد مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر ابن أبي قحافة أما بعد، فإن كتابك جائني بما ينقض فيه الأخير الأول ويخالف القول فيه الفعال، فتصفحته تصفح معجب مسلما إلى مشيئة الله تعالى في ساير الأمور، فسبحان الله من عجيب الغيب ولا عجب من أمر الله تعالى، يا عجبا لك أتكتب في صدر كتابك من خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشهد أن المسلمين استخلفوك وما كان لك أن تستخلف بأمر المسلمين فإن الخلافة ليست بمردودة إلى المسلمين ليستخلفوا عليهم من يريدون، إنما ذلك بالنص وبرضى الشورى، فإذ اجتمعوا على واحد منهم كان لله فيه رضى وإذا وقع النص سقطت الشورى، فإن كنت قد نسيت نص النبي (صلى الله عليه وآله) على غيرك فقد كان يجب عليك أن تجتمع مع إخوانك المشاركين لك في هذا الأمر وتشاورهم حتى يستقر لك على ما تريد منهم ومنك، فإن لم تكن فعلت ذلك فقد غششت نفسك وخنت أمانتك ودينك فكيف يستخلفك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قد نفذك معي في البعث إلى " مؤتة " ويؤمرني عليك ويأمرك بالسمع لي والطاعة، ترى ألم يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه يموت وقد قال: اكتب لكم ما لا تختلفون بعدي، وقد نصها في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو الآمر عليك لا يحل لك أن تتطاول لها، فكيف وأنت تحت أمري وكتابك يشهد عليك، وقد سألتني في أن آذن لعمر في القعود عندك ويا سبحان الله تعالى ما أعجب قولك إنك لا تحب أن تفتح نظرك فيما يخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت في كل الأمور على خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألم يأمرك بالخروج معي؟!

ألم يبعثك إلى المسير في حملتي؟!

ألم تدخل أنت وعمر لعيادته فلما رآكما أنكر تخلفكما عن الخروج إلى معسكري حتى اعتذرتما بالاستعداد وسألتماني النظرة يومين أو ثلاثة، ثم أنفذت إليكما من يزعجكما بمثل ذلك ودخلتما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: نفذوا جيش أسامة، يكرر ذلك في الساعة الواحدة دفعات، حتى خرج أحدكما في بعض ذلك وهو يقول: إن محمدا ليهجر؟!

فكيف تدعي أنك لا تخالف أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت تخالف أوامره (صلى الله عليه وآله) لك؟ أو ما تستحيي من تقدمك على أهل بيته وهو يقدمهم ويؤخرك بفضلهم وتقصيرك، ويؤمرهم عليك ولا أهل بيته يؤمرك عليهم؟!

الصفحة 116 

ألم يسد بابك إلى المسجد ولم يسد بابهم؟ ألم [ يقل وهو ] يخطب: لا أحل المسجد لجنب ولا حائض إلا لمحمد وأزواجه وعلي وفاطمة والحسن والحسين؟

ألم يخرج إليكم وأنتم نيام في المسجد فيضربكم بقضيب كان في يده وقال: لا تناموا في مسجدي، فهل جعل عليا معكم؟

أليس قال له: يا علي إنك لست منهم إنك يحل لك في المسجد ما يحل لي؟

ألم يواخ بينكم وبين الأنصار واحدا بعد واحد وقال لعلي: أنت أخي في الدنيا والآخرة ولم يؤاخ أحدا منكم غير علي؟

أولم يقل وهو يخطب ويقل وهو غير خاطب: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وفي أسباب أخرى أفرده بفضائل لم يكن له فيها مشارك؟

وكيف استجرأت أن تخالف الله ورسوله في هذا التخلف عن المسير معي؟

والله ما رجعتما عن المسير معي إلا لهذا ولا شئ أعجب من إكراهك أهل السوابق والفضل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ما لا يؤثرون، وهجومك على بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهتك ستر بيته مستخرجا من لجأ إليها ممن لا قوة لك بأمره وانتهاكك حرمة ذلك البيت المبارك وحرمة ابنته وحرمة سبطيه، كأنك لا تعلم أن ذلك مهبط الوحي والروح الأمين ومنزل الكتاب وموسى النبي وقواعد الرسالة وكأنك تطلب ثارا لك أو تعاند وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أوما تذكر ما كنت مجتهدا فيه من طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصحبتك إياه فثنتك نفسك وصدك الشيطان عما رغبته فيه من طلب الرئاسة التي أرهقتك؟ أما تعلم أنك في ذلك بمنزلة من كان يرصد بفعله فرصة ينتهزها حتى أخبر عن أنه قال لابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا إن بلغني أنك إن آويت أحدا من هؤلاء لأحرقن عليك البيت وعليهم، فقالت: أنت محرق علي بيتي يا عمر؟

فقال لها: نعم، أليس كان ذلك كله يا أبا بكر خديعة منك على الدنيا وشر من ذلك تقدمك على من هو خير منك؟ وهل في ذلك إلا مقام تقوم فيه وأنت كثير الأعداء كثير التعب في مطعمك ومشربك ومرقدك غير مشكر من جميع المسلمين في ساير أعمالك، كثير التعب بعد الراحة شديد الخوف قليل النوم وأعظم من ذلك خاتمة أمرك التي تقصر بك عن معاينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم لا يقبل عذرك ولا ترحم عبرتك، وقد كنت عن ذلك غنيا ومنه بريا فاذهب بها شنيعة المنتظر قبيحة

الصفحة 117 

المخبر عند من تعلم غدا فأنت والله الناكث لعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرة بغصبك ما كان لعلي بن أبي طالب وهو مولى عليك، ومرة عصيانك أمر النبي (صلى الله عليه وآله) لتأميري عليك، وأقسم بالله لا مت إلا وأنت نادم على ذلك متأسف على ما صنعته حزين لما فرطت فيه، وما أقول بهذا أريد عطفك ولا أبغي صرفك ولكنه حق للمسلمين في تقويمك إذا ذللت وإرشادك إذا ضللت، وأما ما ضربت مثل اللقاح والناقة الضجور فكن في ذلك بردا وسلاما غلست بالنبي تضرب للمسلمين بعضهم من بعض، ولكني إذا رجعت اجتمعت مع إخواني المسلمين فأحدث ما أحدثوا وأترك ما تركوا ولا يضحك إليك سبق ولا تخلص إليك طويتي، وعلى يقين أقول لك: لقد أسقطت بعملك هذا ما سبق من علمك ولولا خبابه ما كنت عصيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته ونكثت عهده بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) وأما ما التمسته مني من الإذن لعمر فقد أذن هو لنفسه وغدا أحاججك يا أبا بكر عند ملك حكيم تأمر عمر بالجلوس عن المسير معي بغير إذني ولا عقل لك منعك عن السؤال لي في حقه، فكيف يرضى المسلمون هذا؟

لم لم تحكم على عمر وهو مثلك عبدا مأمورا فكيف يحكم على مولاه، وأنا اليوم مولاك الأصغر باستئذانك لي، لأنه لا يستأذن العبد إلا مولاه وقد استأذنتني لعمر وما أذنت لك، وأمير المؤمنين (عليه السلام) مولاي ومولاكما الأكبر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون مع الاجتماع سترون عما يكون، فلعن الله عبدا عق مولاه وصلى الله على سيدنا محمد النبي علي بن أبي طالب وآلهما أجمعين. وختم الكتاب وأنفذه إلى أبي بكر وعمر وقالا: لندبرن في غيره حتى يراه ومكانه.

قال صاحب الحديث: فلما تم لأبي بكر وعمر وسمعا من أسامة ما سمعا شرع أبو بكر في أخذ فدك والعوالي، وهما حديقتان أخذتهما فاطمة (عليها السلام) بحقها من الغنائم قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) لعامين وأربعة أشهر فأبرز أبو بكر سيدة نساء العالمين عن خدرها، وساق الحديث بذكر فدك والعوالي والحديث طويل(1).

فصل في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما، وروى ذلك في أبي بكر.

التاسع: من الجزء الرابع من صحيح مسلم في ثاني كراسة قال: حدثني [ وهب بن ] بقية قال:

حدثني خالد بن عبد الله عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا

____________

(1) لم نجده في المصادر.

الصفحة 118 

بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما(1).

العاشر: قال صاحب كتاب " سير الصحابة " الخلف الخامس في التقدم والإمامة: فأظهر الله الضغائن الخفية في بواطنهم عند الموت وتركوا وصية نبيهم (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير وغيره منها في تبوك قوله (صلى الله عليه وآله): هذا علي خير البشر من شك فيه فقد كفر، ومنها في يوم الأحزاب وفي يوم خيبر قوله (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وفي يوم الأبطح وسلام الشمس عليه، ومخاطبته بإمرة المؤمنين، وتأميره على العساكر التي نفذت إلى اليمين، ويوم المباهلة، ويوم بئر ذات العلم، وفي يوم الوادي إلى الجن وقد بعث أبا بكر فعاد ناكصا وعمر وعثمان وخمسة عشر نفرا من الصحابة وكلهم رجعوا ناكصين إلا عليا (عليه السلام)، وفي يوم البساط وهو قطيف الأرجوان وأبو بكر وعمر والجماعة معه، ويوم بيت أبي بكر يوم البرمة والقول لأبي بكر وعائشة خاصة لأن الكلم كان في بيتهم، وفي يوم سلام الجن، وفي ليلة خالد بن الوليد وخطاب علي (عليه السلام) النخلة اليابسة فأينعت الجني من الرطب، وفي كلام الله تعالى مما حذفوه وما بقي، وفي يوم التزويج والآيات التي ظهرت يوم فاطمة (عليها السلام) في مواضع أعجز عن إحصائها مثل قوله (صلى الله عليه وآله):

ظالموا أهل بيتي في النار، وبالصدقة في مناجاة الرسول ولم يوفق لها أحد إلا علي (عليه السلام)، وصدقة الخاتم وتوليته الحكومة.

وقوله (صلى الله عليه وآله): من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أكبه الله على منخريه في النار، وقوله (صلى الله عليه وآله): علي سيد الأوصياء وأنا سيد الأنبياء فأهملوا الله ورسوله وركبوا الهوى وتنازعوا في التقديم حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فلما قال الجماعة لسعد بن عبادة ذلك، بعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: والله رمتها ولا يكون أحد أحق منك بها، فبعث إليه الإمام (عليه السلام) وقال: إني لفي شغل عنها فشأنك والقوم سيقضي الله أمرا كان مفعولا، وأراد الإمام أن يعلمهم بما تريد فتساهمت المهاجرون والأنصار مع الأوس والخزرج فوقعت ثلاث مرات على الأوس والخزرج فخرج أبو بكر إلى سعد، وتساهموا ثلاث مرات فتقع على سعد، فأول من بايع لسعد أبو بكر وعمر وعثمان والمهاجرون والأنصار وصلى بالناس سعد ثلاث صلوات الفجر والظهر والعصر وتفرق عنه أصحابه، فكان قد كتب سبعين كتابا إلى المواضع التي كان قد ولاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لكل واحد منهم: إنك على ما ولاك عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه مات ووليت الأمر،

____________

(1) صحيح مسلم: 6 / 23.

الصفحة 119 

وأحضر سعد ما كان في بيت المسلمين فعزل الخمس منه وأنفذه إلى علي (عليه السلام) وقال: بذلك أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قسم الباقي على المسلمين كما كان يقسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أحضر من ماله مائتي ألف دينار ثيابا وغنما ونفذ الخمس منه إلى علي (عليه السلام) ثم قسم الباقي على سائر الصحابة كما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فشق ذلك على أقوام ودخلوا عليه المسجد وقد تفرقت عنه أصحابه وبنو عمه وسبوه وثاروا عليه وداسوه بأرجلهم حتى اختنق، وفي حديث آخر أنه بقي أياما ولكزوا عليه رجلين فكمنا له في ظاهر المدينة ثم رمياه بسهمين فقتلاه، وذكروا بزعمهم(1) أن الجن قتلوه وأنشدوا هذا الشعر:

 

قد قتلنا ملك الخزرج سعد بن عبادة    ورميناه بسهمين فلم يخط فؤاده

 

والحديث الأول أصح عندي وعند أهل التواريخ، وماج الناس من أصحاب السقيفة وتحالفوا نوبة ثانية على أن كل من خالف أبا بكر قتلوه، ثم خرج أبو بكر طالبا المسجد خاطبا لنفسه في اليوم الذي بايع فيه لسعد بن عبادة، واجتمع الناس لها من كل مكان وأكثروا القال والقيل، وأنكر عليه اثنا عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار.

غاية المرام للبحراني: 6 ....

الحادي عشر: صاحب " سير الصحابة " قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن موسى الهمداني عن محمد بن علي الطالقاني عن جعفر الكناني عن أبان بن تغلب قال: قلت لسيدي جعفر الصادق (عليه السلام) جعلت فداك هل في أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أنكر عليه؟ قال: نعم يا أبان الذي أنكر على الأول اثنا عشر رجلا ستة من المهاجرين وستة من الأنصار فمنهم خالد بن سعيد بن العاص الأموي وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي وبريدة الأسلمي ومن الأنصار قيس بن سعد بن عبادة وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وسهل بن حنيف وأبو الهيثم التيهان وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري هؤلاء اجتمعوا وتشاوروا وعزموا أنهم إن صعد أبو بكر منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحطونه، والحديث طويل ليس هنا موضع ذكره، لأن كل من هؤلاء الاثني عشر احتج على أبي بكر مما لا ينكره من النصوص عن النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) بالإمامة والخلافة واحتجوا على أبي بكر بها(2).

____________

(1) ذكر في العقد الفريد: 4 / 247 ط. دار الإحياء أن الذي قتل سعد هو عمر بإرسال شخص وقيل أنه خالد، وذكره البلاذري في أنساب الأشراف: 1 / 589 ح 1193 ط. مصر.

2) أقول: وها أنا أذكر لك تصريحهم وتصريح غيرهم بذلك:

الصفحة 120 

 

تصريح الصحابة بأحقية علي (عليه السلام)

تصريح الإمام الحسن بن علي (عليه السلام):

أخرجه أبو الفرج الأصفهاني في " مقاتل الطالبيين ": قال (عليه السلام) في رسالته لمعاوية: " فلما توفي (صلى الله عليه وآله وسلم) تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه... ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها... واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، فالموعد الله وهو الولي النصير. وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله " (مقاتل الطالبيين: 65 ذكر الخبر في بيعة الحسن بعد وفاة أمير المؤمنين، وأهل البيت لتوفيق أبي علم: 313 رسالة الإمام إلى معاوية).

* أقول: وللإمام الحسن مقولة مشهورة لأبي بكر: " انزل عن منبر أبي " (السقيفة: 66، وشرح النهج: 6 / 42 الخطبة 66، وأنساب الأشراف: 3 / 27، ومقتل الخوارزمي: 1 / 93، وكنز العمال: 5 / 616 ح 14085 و 13 / 654 ح 37662، وكفاية الطالب: 424).

تصريح الحسين بن علي (عليهما السلام):

وذلك في قوله لعمر: " انزل عن منبر أبي " (تاريخ دمشق: 14 / 175 ترجمة الحسين (عليه السلام)، وكنز العمال:

5 / 616 ح 14085 و 13 / 654 ح 37662).

تصريح فاطمة بنت محمد (عليها السلام):

كانت فاطمة بنت محمد المدافع الأول عن نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم عن خلافته التي قضى عمره الشريف في تبليغ الإسلام وبالخلافة يحفظ الإسلام، فكانت صلوات الله عليها تخرج مع علي (عليه السلام) تدعو لنصرته (الإمامة والسياسة: 1 / 29).

وقد أبرزت ذلك بقولها في مواقف عدة، من ذلك ما قالته صلوات الله عليها في خطبتها في مجلس أبي بكر بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) جاء فيها:

"... حتى إذا اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه ظهرت حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين،

الصفحة 121 

ونبع خامل الأفلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخا بكم فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم وأوردتم غير شربكم هذا والعهد قريب؟! والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، بماذا زعمتم: خوف الفتنة؟ ألا في الفتنة سقطوا... " (التذكرة الحمدونية: 6 / 257 ح 628، وبلاغات النساء: 25 كلام فاطمة، وأهل البيت لتوفيق أبي علم: 159، ومقتل الحسين للخوارزمي: 78 الفصل الخامس).

وقالت عليها رضوان الله تعالى: "... ونحن بقية استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله بينة بصائره، وآي فينا، منكشفة سرائره وبرهان منجلية ظواهره.. " (بلاغات النساء: 28 كلام فاطمة (عليها السلام).

وقالت عليها السلام في مرض وفاتها للنساء الذين دخلن عليها:

"... ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطأته، ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، ويالله لو تكافئوا على زمام نبذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسار بهم سيرا سجحا (سهلا)، لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا رويا... ولفتحت عليهم بركات من السماء.. إلى أي لجأ لجأوا وأسندوا، وبأي عروة تمسكوا، ولبئس المولى ولبئس العشير، استبدلوا والله الذنابي بالقوادم والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم *(يحسبون أنهم يحسنون صنعا)* *(إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)* ويحكم: *(أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)*...

*(أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)*(بلاغات النساء: 32 - 33 كلام فاطمة، والسقيفة للجوهري: 117 - 118، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 233 كتاب 45، وأهل البيت لتوفيق أبي علم: 176 - 177).

ومنه ما قالته (عليها السلام) في مجلس الأنصار:

" ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة النفس ونفثة الغيظ وبثة الصدر ومعذرة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر ناقبة الخف، باقية العار، موسومة بشنار الأبد.. " (التذكرة الحمدونية: 6 / 259 ح 628، وبلاغات النساء: 31 كلام فاطمة، والسقيفة للجوهري: 100، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 211 كتاب 45).

وزاد الجوهري: "... أفتأخرتم بعد الإقدام، ونكصتم بعد الشدة، وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم، فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون " (السقيفة: 100، وشرح

الصفحة 122 

النهج لابن أبي الحديد: 16 / 211 كتاب 45).

وزاد الطبري الإمامي من طريق أهل البيت:: "... فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر " (دلائل الإمامة: 38).

وأخرج الجزري بسنده عن فاطمة (عليها السلام) أنها قالت لهم:

" أنسيتم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنت مني بمنزلة هارون من موسى (عليهما السلام)؟!... ".

وقال: وهكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه المسلسل بالأسماء (أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: 33 ح 5).

* أقول: هذه جملة ما وصل إلينا من تصريحات فاطمة (عليها السلام)، وقد ذكر أصحابنا الكثير منها، أغمضنا عن ذكرها لأن الفضل ما شهدت به غيرنا (راجع دلائل الإمامة: 38 - 40، والاحتجاج: 1 / 97 إلى 109).

تصريح أبي بكر بن أبي قحافة:

أخرجه الجوهري عن المغيرة قال: مر المغيرة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي حين قبض، فقال:

وما يقعدكما؟

قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه، يعنيان عليا.

فقال: أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت وسموها في قريش تتسع.

قال: فقاما إلى سقيفة بني ساعدة، أو كلاما هذا معناه (السقيفة: 68، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 43 الخطبة 66).

تصريح عمر بن الخطاب:

قال في أثناء حواره لابن عباس: أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلا إنا خفناه على اثنتين: حداثة سنه وحبه بني عبد المطلب (السقيفة: 52 و 73 و 129، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 57 الخطبة 27، و 6 / 50 الخطبة 66).

وقال له يوما: يا بن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما.

قال: فقلت: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) فاردد عليه ظلامته.

الصفحة 123 

قال: فانتزع يده من يدي وقال: يا بن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا إنهم استصغروه.

قال: فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ براءة من أبي بكر (السقيفة: 70، وشرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 45 خطبة 66).

وقال له يوما: يا بن عباس ما يمنع قومكم منكم وأنتم أهل البيت خاصة؟

قال: قلت: لا أدري.

قال: لكني أدري، إنكم فضلتموهم بالنبوة فقالوا: إن فضلوا بالخلافة مع النبوة لم يبقوا لنا شيئا (العقد الفريد:

4 / 265 كتاب الخلفاء - أمر الشورى).

تصريح عثمان بن عفان:

ذلك ما قد يستفاد من ضمن حواره مع ابن عباس حول الخلافة حيث قال:

إني أعوذ بالله منكم يا بني عبد المطلب إن كان لكم حق تزعمون أنكم غلبتم عليه، فقد تركتموه في يدي من فعل ذلك بكم، وأنا أقرب إليكم رحما منه (تاريخ المدينة لابن شبة: 3 / 1046 حياة عثمان).

تصريح معاوية:

قال معاوية في رد رسالة محمد بن أبي بكر:

" فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما، فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضا وانقضى أمرهما.

إلى أن قال: أبوك مهد مهاده وبنى ملكه وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يك جورا فأبوك أسسه، ونحن شركاؤه وبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله، فعب أباك ما بدا لك أو دع والسلام على من أناب ورجع عن غوايته وتاب (وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 120 - 121 الجزء الثاني - كتاب معاوية إلى محمد بن أبي بكر، ومروج الذهب: 3 / 12 - 13 ذكر خلافة معاوية).

وأخرجه نصر بن مزاحم والمسعودي والبلاذري بطوله مع تفاوت في بعض الألفاظ (أنساب الأشراف:

3 / 165 - 166 أمر مصر في خلافة علي ط. دار الفكر).

 

 

 

 

الصفحة 124 

* أقول: اعترف عمر بمضمون كلام معاوية عندما قال لابن عباس: أما والله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر.

(شرح النهج: 2 / 57 خطبة 26).

تصريح سلمان الفارسي:

أنبأنا علي بن عبد الله، أنبأنا أبو زرعة عبد الكريم بن إسحاق بن سهلويه، أنبأنا أبو بكر الدينوري إجازة: سمعت أبا منصور عبد الله بن علي الأصبهاني ببروجرد سمعت أبا القاسم الطبراني، حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة عن أشياخه قال: لما كان يوم السقيفة اجتمعت الصحابة على سلمان الفارسي فقالوا: يا أبا عبد الله إن لك سنك ودينك وعلمك وصحبتك من رسول الله، فقل في هذا الأمر قولا يخلد عنك فقال: " گويم اگر شنويد ".

ثم غدا عليهم فقالوا: ما صنعت يا أبا عبد الله فقال: " گفتم اگر بكار بريد " ثم أنشأ يقول:

 

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف        عن هاشم ثم منهم عن أبي الحسن

أوليس أول من صلى لقبلته     وأعلم بالقول بالأحكام والسنن

ما فيهم من صنوف الفضل يجمعها      وليس في القوم ما فيه من الحسن

 

يقال ليس لسلمان غير هذه الأبيات (التدوين في أخبار قزوين: 1 / 78 - 79 القول في بيان من ورد قزوين من الصحابة - سلمان).

أقول: سوف أذكر أن هذه الأبيات من تصريح ابن أبي لهب والعباس.

وأخرج البلاذري وابن أبي شيبة اللفظ للأول: " كردان ونا كردان " أي عملتم وما عملتم، لو بايعوا عليا لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (أنساب الأشراف: 1 / 587 ح 1188 ط. مصر و 2 / 274 ط. دار الفكر، أمر السقيفة).

ولفظ الثاني: أخطأتم وأصبتم أما لو جعلتموها في أهل بيت نبيكم لأكلتموها رغدا (المصنف: 7 / 443 ح 37083 كتاب المغازي - خلافة علي -).

وذكره سبط ابن الجوزي بلفظ: " كردي نكردي " أي فعلتموها فوجئت عنقه (تذكرة الخواص: 63 الباب الرابع).

وأخرجها الجوهري بلفظ ابن أبي شيبة (السقيفة: 43، وشرح النهج: 2 / 49 خطبة 26 و 6 / 43 خطبة 66).

وأخرج عنه أيضا قوله: " أصبتم الخير ولكن أخطأتم المعدن " (السقيفة: 67، وشرح النهج: 6 / 43 خطبة 66).

الصفحة 125 

 

تصريح العباس:

أخرج الحموي عن علي قال: قال العباس بن عبد المطلب حين بويع لأبي بكر:

 

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف        عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن

أليس أول من صلى لقبلتكم     وأعلم الناس بالآثار والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما في جميع الناس كلهم         وليس في الناس ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردكم عنه فنعرفه      ها إن بيعتكم من أول الفتن

(فرائد السمطين: 2 / 82 ح 401).

 

وأخرج ابن شبة قوله لعلي: " واحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرنا " (تاريخ المدينة: 3 / 926 تفصيل عمر لصفات الصحابة).

وفي رواية قال: " ما أحد أولى بمقام رسول الله منه (علي) (أهل البيت لتوفيق أبي علم: 236).

أقول: أخرج الطبري الإمامي كلاما للعباس عندما استسقى عمر به وتوسل:

" يستسقون بنا ويتقدمونا، فإذا قحطوا استسقوا بنا، وإذا ذكروا الخلافة تمنوا سالما مولى أبي حذيفة والجارود العبدي " (المسترشد للطبري: 692 ح 359).

تصريح أبو سفيان:

أخرج عبد الرزاق وابن المبارك وابن عبد البر والبلاذري وابن أبي شيبة واليعقوبي وغيرهم قول أبي سفيان:

غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش، أما والله لأملأنها خيلا ورجالا (المصنف لعبد الرزاق: 5 / 451 ح 9767 بيعة أبي بكر، والاستيعاب: 2 / 254 ترجمة أبو بكر و 4 / 87 ترجمة أبو سفيان، وتاريخ اليعقوبي:

2 / 126 خبر السقيفة، والثقات لابن حبان: 2 / 287 ترجمة، وشرح النهج: 2 / 45 خطبة 26 عن الجوهري

الصفحة 126 

و 6 / 40 عنه أيضا خطبة 66، وأنساب الأشراف: 2 / 271 أمر السقيفة ط. دار الفكر.).

وقال يوم السقيفة أيضا:... فأما علي بن أبي طالب فأهل والله أن يسود على قريش وتطيعه الأنصار (الأخبار الموفقيات: 585 ح 382).

وزاد البلاذري في لفظ: إني لأرى فتقا لا يرتقه إلا الدم (أنساب الأشراف: 2 / 271 أمر السقيفة ط. دار الفكر).

وأنشد يوم السقيفة:

 

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم         ولا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم وإليكم        وليس لها إلا أبو حسن علي

 

(تاريخ اليعقوبي: 2 / 126 خبر السقيفة، والأخبار الموفقيات: 577 ح 376، وشرح النهج: 6 / 17 خطبة 66).

تصريح عبد الله بن عباس:

أخرجه ابن قتيبة في العيون قال: قال ابن عباس لمعاوية: ندعي هذا الأمر بحق من لولا حقه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا علينا حقا ضيعوه وحظا حرموه... أما الذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعهد منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنا بتأويله، ولو أمرنا أن نأخذه على الوجه الذي نهانا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه، إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارا (عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 6 كتاب السلطان - محل السلطان وسيرته وسياسته).

وله تصريحات أخرى وهي المحاورات التي جرت بينه وبين عمر حتى قال له عمر يوما: إن أول من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر.

فأجابه ابن عباس: أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود (شرح النهج لابن أبي الحديد:

20 / 160 عن الجوهري، والسقيفة: 129).

وقال له عمر يوما آخر: لعلك ترى صاحبك لها؟

قال: فقلت: القربى في قرابته وصهره وسابقته أهلها؟

قال: بلى ولكنه امرؤ فيه دعابة (تاريخ المدينة لابن شبة: 3 / 880 مقتل عمر).

وقال عمر له يوما ثالثا: أترى صاحبكم لها موضعا؟

قال: فقلت: وأين يبتعد من ذلك مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه؟

الصفحة 127 

قال: هو كما ذكرت، ولو وليهم تحملهم على منهج الطريق فأخذ المحجة الواضحة، إلا إن فيه خصالا: الدعابة في المجلس، واستبداد الرأي، والتبكيت للناس مع حداثة السن.

قال: قلت: يا أمير المؤمنين هلا استحدثتم سنه يوم الخندق إذ خرج عمرو ابن عبد الود وقد كعم عنه الأبطال وتأخرت عنه الأشياخ؟! ويوم بدر إذ كان يقط الأقران قطا، ولا سبقتموه بالإسلام إذ كان جعلته الشعب وقريش يستوفيكم؟! (تاريخ اليعقوبي: 2 / 158 - 159 ذيل أيام عمر).

تصريح المقداد:

أخرجه ابن أبي الحديد عن الجوهري بلفظ: واعجبا من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت، معدن الفضل ونجوم الأرض ونور البلاد، والله إن فيهم لرجلا ما رأيت رجلا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى منه بالحق ولا أقضى بالعدل (شرح النهج: 9 / 21 خطبة 135، والسقيفة: 81).

وبلفظ آخر له: وإني لأعجب من قريش وتطاولهم على الناس بفضل رسول الله ثم انتزاعهم سلطانه من أهله (شرح النهج: 9 / 49 - 58 خطبة 135، والسقيفة للجوهري: 89).

وأخرجه ابن شبه بألفاظ قريبة (تاريخ المدينة: 3 / 931 ذيل أخبار عمر).

تصريح عمار بن ياسر:

قال: يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه هاهنا مرة وهاهنا مرة، وما أنا آمن أن ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله (شرح النهج لابن أبي الحديد: 9 / 49 - 58 خطبة 135 عن الجوهري، السقيفة: 90).

وذكر في " العقد الفريد " باختصار ولكن أوله: فأنى تصرفون هذا الأمر عن بيت نبيكم (العقد الفريد: 4 / 264 كتاب الخلفاء - أمر الشورى).

هذا تصريح عمار الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق " (جامع الأحاديث:

1 / 149 ح 904).

وقال (صلى الله عليه وآله): " عمار ما خير بين أمرين إلا اختار أرشدهما " (جامع الأحاديث: 1 / 46 ح 175).

الصفحة 128 

 

تصريح أبا ذر:

قال أبو ذر لما توفي النبي وبويع لأبي بكر: أصبتم قناعه وتركتم قرابه، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان (شرح النهج: 6 / 13 خطبة 66 عن الجوهري، والسقيفة: 62).

وأخرج اليعقوبي قوله: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها أما لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله، وأقررتم للولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم (تاريخ اليعقوبي: 2 / 171 أيام عثمان، وأهل البيت للشرقاوي: 145).

تصريح عبد الله بن جعفر:

قال لمعاوية:... أيم الله لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الأمر موضعه لحقه وصدقه، ولأطيع الرحمن وعصي الشيطان وما اختلف في الأمة سيفان (الإمامة والسياسة: 1 / 195 حرب صفين ط. بيروت. و 149 ط. مصر 1378، وأهل البيت لتوفيق: 399).

تصريح عتبة بن أبي لهب:

أخرج ابن سيد الناس في " المدح " واليعقوبي والزبير بن بكار وغيرهم قوله:

 

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا        عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن

أليس أول من صلى لقبلته (لقبلتكم)    وأعلم الناس بالقرآن والسنن

(أقرب) وآخر الناس عهدا بالنبي ومن  جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به    وليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردهم عنه فنعلمه     ها أن ذا غبننا من أعظم الغبن

 

(منح المدح: 287 ذكر ابن أبي لهب، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 124 خبر السقيفة، وشرح النهج 6 / 21 شرح خطبة 66، وأسد الغابة: 4 / 40 ترجمته، والمواهب اللدنية: 1 / 242 ط. مصر، وشرح النهج: 6 / 21 خطبة 66، والأخبار الموفقيات: 580 ح 380 ط. بغداد، وتاريخ أبي الفداء: 1 / 156 أخبار أبي بكر، والجوهرة: 122).

* أقول: تقدمت هذه الأبيات ونسبت تصريحا لسلمان وأيضا للعباس، وهنا لعتبة، والمهم أنها صدرت منهم جميعا أو رددوا هذه الكلمات فصح كونها تصريحا لهم، وأيضا يأتي عن ابن عبد البر نسبتها إلى والد عتبة وهو

الصفحة 129 

الفضل بن عباس.

تصريح الفضل بن عباس:

قال: يا معشر قريش إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ونحن أهلها دونكم وصاحبنا أولى بها منكم. هذا لفظ اليعقوبي.

وذكره ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار بلفظ: يا معشر قريش وخصوصا يا بني تيم إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم.. وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه (الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار:

580 ح 380، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 124 خبر السقيفة، وشرح النهج: 6 / 21 شرح خطبة 66).

* أقول: وفي " الإستيعاب " و " الجوهرة " نسب الأبيات المتقدمة إليه (الإستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 67 ذيل ترجمة علي، والجوهرة: 122).

تصريح حسان بن ثابت:

قال يوم السقيفة:

 

جزى الله خيرا والجزاء بكفه    أبا حسن عنا ومن كأبي حسن

سبقت قريشا بالذي أنت أهله   فصدرك مشروح وقلبك ممتحن

تمنت رجال من قريش أعزة    مكانك هيهات الهزال من السمن

وكنت المرجى من لؤي بن غالب       لما كان منهم والذي بعد لم يكن

حفظت رسول الله فينا وعهده   إليك ومن أولى به منك من ومن

ألست أخاه في الإخا ووصيه    وأعلم فهر منهم بالكتاب والسنن

 

(تاريخ اليعقوبي: 2 / 128 أيام أبي بكر، والأخبار الموفقيات: 598 ح 388 وما بين المعكوفين منه).

تصريح البراء بن عازب:

قال: لم أزل لبني هاشم محبا، فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم.

(شرح النهج: 1 / 219 الخطبة الثالثة عن الجوهري، والسقيفة: 46).

الصفحة 130 

 

تصريح زيد بن أرقم:

قال يوم السقيفة: إنا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبد الرحمن.. إنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد: علي بن أبي طالب (شرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 20 شرح خطبة 66، والأخبار الموفقيات للزبير بن بكار: 579 ح 378، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 125 خبر السقيفة عن المنذر بن أرقم).

تصريح النعمان بن العجلان الزرقي الأنصاري:

قال:

 

وأهل أبو بكر لها خير قائم      وإن عليا كان أخلق للأمر

وكانا هوانا في علي وإنه         لأهل لها من حيث ندري ولا ندري

 

ورواه الزبير بلفظ:

لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

(الإستيعاب: 3 / 550 ترجمته، والأخبار الموفقيات للزبير بن بكار: 593 ح 384 وما بين المعكوفين منه).

تصريح خالد بن سعيد:

أخرج الطبري وعبد الرزاق وابن عساكر والبلاذري قوله: لما قدم خالد من اليمن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تربص ببيعته شهرين ولقي علي بن أبي طالب وعثمان وقال: يا بني عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم.

فأما أبو بكر فلم يحض بها، وأما عمر فاضطغنها عليه فلما بعث أبو بكر خالد بن سعيد أميرا على ربع من أرباع الشام فجعل عمر يقول: أبو مرة وقد قال ما قال.

فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وولى يزيد بن أبي سفيان (الإستيعاب: 2 / 255 ترجمة أبو بكر، وأنساب الأشراف: 2 / 270 أمر السقيفة ط. دار الفكر، وتاريخ الطبري: 2 / 586 سنة 13، والمصنف لعبد الرزاق: 5 / 454 ح 9770، وتاريخ دمشق: 16 / 78 رقم الترجمة: 188).

وأخرج اليعقوبي عنه قوله لعلي (عليه السلام): هلم أبايعك فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك (تاريخ اليعقوبي: 2 / 126 خبر سقيفة بني ساعدة، وتاريخ دمشق: 16 / 78 رقم الترجمة 1880).

الصفحة 131 

 

تصريح هزيل بن شرحبيل:

أخرجه البزار والحميدي وابن ماجة وأبو نعيم وأحمد، قال: كان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ود أبو بكر لو وجد من رسول الله في ذلك عهدا فخرم أنفه بخرامه (مسند البزار: 8 / 298 ح 3370 وبالهامش أخرجه ابن ماجة: 2 / 900 ح 2696، والحميدي: 2 / 315).

وأخرجه أبو نعيم صححه وأحمد بلفظ: لو وجد مع رسول الله - فخزم أنفه بخزامة (مسند أحمد: 4 / 382 ط.

م و 5 / 516 ح 18918 ط. ب، وحلية الأول ياء: 5 / 21 ترجمة طلحة بن مصرف رقم 285).

تصريح الخليفة المأمون:

وذلك ضمن مناظرته المشهورة في فضل علي (عليه السلام) وتفضيله على الصحابة بحضور فقهاء عصره جاء فيها: إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير الخلق بعد رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولى الناس بالخلافة له (العقد الفريد: 5 / 77 كتاب أخبار زياد والحجاج والطالبيين والبرامكة - احتجاج المأمون).

تصريح داود بن علي:

خطب في أول خلافة أبي العباس فقال: والله قسما برا لا أريد إلا الله به، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحق به من علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا، فليظن ظانكم وليهمس هامسكم (عيون الأخبار لابن قتيبة: 2 / 252 كتاب العلم والبيان - الخطب).

تصريح يزيد بن معاوية:

أخرج البلاذري في تاريخه قال: لما قتل الحسين بن علي كتب عبد الله ابن عمر إلى يزيد بن معاوية: أما بعد ..

فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين.

فكتب إليه يزيد: يا أحمق إنا جئنا إلى بيوت منجدة، وفرش ممهدة، ووسائد منضدة فقاتلنا عنها، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا، وإن يكن لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وابتزه واستأثر بالحق على أهله (الأنوار النعمانية:

1 / 53 عن البلاذري).

غاية المرام للبحراني: 6 * - أقول: هذه جملة من تصريحات الصحابة من أمهات كتب القوم، وهناك تصريحات أخرى من كتب أصحابنا لم نذكرها خشية الإطالة (الإحتجاج: 1 / 76 إلى 79 و 87 إلى 89، ومناقب آل أبي طالب: 2 / 252).

الصفحة 132 

ذكر من تخلف عن جيش أسامة الثاني عشر: صاحب كتاب " سير الصحابة ": وأما شرح أحوال محمد بن أبي بكر وعبد الله بن عمر، فإنهما يتحابان في الله، وكان عبد الله بن عمر فقيها عارفا بالشرع من لفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما ساعد أبا بكر وعمر أكثر الناس على ما فعلا، تأخرا عن أبويهما فبعث أبو بكر وعمر إلى محمد وعبد الله، فلما أتيا قال لهما عمر: لماذا تأخرتما؟ فقال عبد الله لمحمد: كن أنت على ما أنت عليه قابضا على حسامك فأيهما اعتدى علي في الكلام فأنا له وأيهما اعتدى علينا في الفعال فكن أنت له.

فقال محمد: سمعا وطاعة، ثم التفت عبد الله بن عمر وقال: ما تريد منا؟ قال: لم لا تصليان خلف أبي بكر؟ قال عبد الله: قد سألتكما على شرط لا تكتما في خلوتكما حقا، قالا: لا فاسأل عما بدا لك، فقال عبد الله: يا عمر هل لأسمعتك وأنت تقول لعلي (عليه السلام): بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت اليوم مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة؟ قال له عمر: يا عبد الله أما تخاف الله في أبيك أنا أقول لك يا بني وأنت تقول يا عمر. فقال عبد الله: السؤال فأجبني واسأل بعد ذلك.

فقال عمر: بلى أنا القائل لعلي: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

فقال: يا عمر هل أنت وأبو بكر مؤمنان أم لا؟

قال: بلى.

قال عبد الله: فما جزاء عبد عق مولاه وخالف أمره وعاق عليه، أتخوفني بالعقوبة والعقوبة يا عمر إذا عق العبد مولاه عق الولد أباه والحجة معي ولي في كتاب الله تعالى قوله: *(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)*.

يا عمر أما سمعت قول النبي (صلى الله عليه وآله) على عبد عق مولاه لعنه الله قولوا آمين، فقال الصحابة: آمين؟

فقال عمر: يا بني أما سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يلعن عاق والديه؟ فقال عبد الله: أينا أسبق إلى العقوق نحن أم أنتما، دع العقوق حتى ندع العقوق، يا عمر إنك ألم تعلم بعينيك أنت إذا أوذت واحدة هاجت الأخرى عليك، لا تسم ذلك إلينا ثم سم ذلك إليك لا تعلمني عقوقا ولا تحرمني عليك يا عمر إذا ملت إلى شهوتك طرقت غير دينك، يا عمر قال الله تعالى: *(فلا أنساب بينهم)* الآية يا عمر كما برأ الله نوحا من ولده برأني منك، يا عمر هذا أبو بكر إيمانه أوفى من إيمانك أم لا؟

قال عمر: بلى.

قال عبد الله: أفتريد طاعته لعلي أكثر من طاعتك، إن زعمت أنه أرادكما فقد اتفقتما على الباطل

الصفحة 133 

وأثمتما على خلق كثير، فإن عليا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنت يا أبا بكر أما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (عليهم السلام) إذا بويع خليفتان في يوم واحد فاقتلوا الأخير منهما؟

قال: بلى.

يا عبد الله، فلم بايعتم سعد بن عبد الله ونقضتم بيعته وبايعتم أبا بكر، فهل تجوز الصلاة خلف إمام وجب قتله شرعا. يا أبا بكر ويا عمر إننا لا نحضر معكما بعدها مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أي صلاة كانت فلا يدعنا منكم أحد قبل الصلاة خوفا أن نخرج من المسجد عند وجوب الصلاة.

فقال محمد بن أبي بكر: لقد صدقكما عبد الله، ثم خرجا من عندهما وأقاما على ذلك إلى أن مات أبواهما واستشهد محمد بن أبي بكر في طاعة الله ورضوانه ورضا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قتله معاوية بمصر وأمر مكانه عمرو بن العاص.