الباب في قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) من طريق الع

الصفحة 104 

وفيه ثلاثة أحاديث

الحديث الأول: ابن شهرآشوب عن تفسير مجاهد أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) حين خلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: " يا رسول الله تخلفني على النساء والصبيان؟ فقال: يا أمير المؤمنين(1) أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال له: " اخلفني في قومي وأصلح " فقال:

 

بلى والله. * (وأولي الأمر منكم) * قال: علي بن أبي طالب " ولاه الله أمر الأمة بعد محمد " وحين خلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة فأمر الله العباد بطاعته وترك خلافه(2).

 

الحديث الثاني: ابن شهرآشوب قال: في إبانه الفلكي أنها نزلت لما شكى أبو بردة من علي (عليه السلام)(3).

 

الحديث الثالث: ابن شهرآشوب أيضا قال: سأل الحسن بن صالح بن حي - وهو زيدي تنسب إليه فرقة من الزيدية - عن جعفر الصادق (عليه السلام) في معنى الآية فقال: الأئمة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)(4).

 

الحديث الرابع: إبراهيم بن محمد الحمويني من أعيان علماء العامة قال: أنبأنا السيد النسابة جلال الدين عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي قال: أنبأنا والدي السيد شمس الدين شيخ شرف فخار الموسوي بروايته عن شاذان بن جبرائيل القمي عن جعفر بن محمد الدوريستي عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (قدس سره) قال: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قال: أنبأنا سعد بن عبد الله قال: نبأنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا (عليه السلام) في مسجد

 

____________

 

(1) في المصدر: يا علي.

 

(2) مناقب آل أبي طالب: 2 / 219، والبحار: 23 / 298 ح 41 - 42.

 

(3) المصدر السابق.

 

(4) المصدر السابق: 2 / 218.

 

الصفحة 105 

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم والفقه فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الفضل مثل قوله (صلى الله عليه وآله): " الأئمة من قريش "

 

وقوله (صلى الله عليه وآله): " الناس تبع قريش وقريش أئمة العرب " وقوله (صلى الله عليه وآله): " لا تسبوا قريشا " وقوله (صلى الله عليه وآله): " إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم " وقوله (صلى الله عليه وآله): " من أبغض قريشا أبغضه الله " وقوله (صلى الله عليه وآله): " من أراد هوان قريش أهانه الله " وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الفضل وذكروا ما قال في سعد بن عبادة وغسيل الملائكة فلم يدعوا شيئا من فضلهم حتى قال كل حي منا فلان وفلان وقالت قريش منا رسول الله ومنا حمزة ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحرث وزيد بن حارثة وأبو بكر وعمر وعثمان وأبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وعبد الرحمن بن عوف فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إلا سموه وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل فيهم علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وآله - وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة وابن عمر والحسن والحسين (عليهما السلام) وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر ومن الأنصار أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وأبو الهيثم ابن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله ابن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه غلام صبيح الوجه أمرد فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فلا أدري أيهما أجمل غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما فأكثر القوم وذلك من بكرة إلى حين الزوال، وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ساكت لا ينطق ولا أحد من أهل بيته، فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم فقال: " ما من الحيين إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار ممن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم "؟

 

قالوا: بل أعطانا الله ومن به علينا بمحمد (صلى الله عليه وآله) وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.

 

قال: " صدقتم يا معشر قريش والأنصار ألستم تعلمون أن الذي نلتم من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم وإن ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إني وأهل بيتي كنا نور يسعى بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله عز وجل آدم بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق الله آدم (عليه السلام)، وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض ثم حمله في السفينة في صلب نوح (عليه السلام)، ثم قذف به في

الصفحة 106 

النار في صلب إبراهيم (عليه السلام) ثم لم يزل الله عز وجل ينقلنا في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء والأمهات لم يلق واحد منا على سفاح قط؟ "

 

فقال: أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال:

 

" أنشدكم الله أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وأني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد من هذه الأمة؟ " قالوا: اللهم نعم.

 

قال: " فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت * (والسابقون) *(1) الأولون من المهاجرين والأنصار * (والسابقون السابقون أولئك المقربون) *(2) سئل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب وصي أفضل الأوصياء "

 

قالوا: اللهم نعم.

 

قال: " فأنشدكم الله أتعلمون حيث نزلت * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) *(3) وحيث نزلت * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) *(4) وحيث نزلت * (لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) *(5)

 

قال الناس: يا رسول الله خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم فأمر الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجهم ونصبني للناس بغدير خم ثم خطب فقال: أيها الناس إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبي فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة ثم خطب فقال: أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: قم يا علي فقمت، فقال: من كنت مولاه فعلي هذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فقام سلمان فقال: يا رسول الله ولاء كماذا فقال ولاء كولايتي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فأنزل الله تعالى ذكره * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) *(6) فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: " الله أكبر تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي " فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هذه الآيات خاصة في علي (عليه السلام) قال: " بلى فيه

 

____________

 

(1) الواقعة: 10.

 

(2) الواقعة: 10 - 11.

 

(3) النساء: 59.

 

(4) المائدة: 55.

 

(5) التوبة: 16.

 

(6) المائدة: 3.

 

الصفحة 107 

وفي أوصيائي إلى يوم القيامة " قالا: يا رسول الله بينهم لنا؟ قال علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي ثم ابني الحسن ثم الحسين ثم التسعة من ولد ابني الحسين واحدا بعد واحدا القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض " فقالوا كلهم: اللهم نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء، أو قال بعضهم:

 

قد حفظنا جل ما قلت لم نحفظ كله وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا: فقال علي - صلوات الله عليه وآله -: " صدقتم ليس كل الناس يستوون في الحفظ أنشد الله عز وجل من حفظ ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قام فأخبر به ".

 

فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول: " أيها الناس إن الله عز وجل أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله عز وجل على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي وأمركم بولايته وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة، وقد بينتها لكم والزكاة والصوم والحج فبينتها لكم وفسرتها وأمركم بالولاية، وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة ووضع يده على علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا على حوضي. أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم ".

 

ثم جلسوا قال سليم ثم قال علي (عليه السلام) " أيها الناس أتعلمون أن الله أنزل في كتابه * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *(1) فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي ولحمي يؤلمني ما يؤلمهم ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: أنت إلى خير إنما نزلت في وفي أخي علي بن أبي طالب وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة، ليس معنا فيها لأحد شرك ".

 

____________

 

(1) الأحزاب: 33.

 

الصفحة 108 

فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة فقال علي - صلوات الله عليه -: " أنشدكم الله ألستم أتعلمون أن الله عز وجل أنزل * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *(1) فقال سلمان: يا رسول الله عامة هذا أم خاصة؟

 

قال: أما المؤمنون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى اليوم القيامة؟ " قالوا: اللهم نعم.

 

قال " أنشدكم الله تعالى أتعلمون أني قلت: لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك لم خلفتني فقال: إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي؟ "

 

قالوا: اللهم نعم.

 

قال: أنشدكم الله أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج * (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير) *(2)... إلى آخر السورة فقام سلمان فقال: يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد، وهم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة قال سلمان: بينهم لنا يا رسول الله قال: أنا وأخي علي واحد عشر من ولدي " قالوا: اللهم نعم.

 

فقال علي (عليه السلام): " أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا فإن اللطيف أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال يا رسول الله: أكل أهل بيتك؟ فقال: لا ولكن أوصيائي منهم أولهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي وهو أولهم ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم عصى الله " فقال كلهم: نشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ذلك ثم تمادى بعلي (عليه السلام) السؤال فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرا كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق(3).

 

____________

 

(1) التوبة: 119.

 

(2) الحج: 77.

 

(3) فرائد السمطين: 1 / 312 / ب 58 / ح 250.