في الجنة والنار

الصفحة 116 

في الجنة والنار(*)

قال أبو جعفر اعتقادنا في الجنة أنها دار البقاء(1)،(2).

قال الشيخ المفيد - رحمه الله -: الجنة، دار النعيم لا يلحق من دخلها نصب ولا يلحقهم فيها لغوب، و(3) جعلها الله سبحانه دارا لمن عرفه وعبده، [ ونعيمها دائم ](4) لا انقطاع له، والساكنون فيها على أضرب:

فمنهم: من أخلص لله تعالى، فذلك الذي يدخلها على أمان من عذاب الله تعالى.

ومنهم: من خلط عمله الأصلح بأعماله(5) السيئة كأن يسوف منها التوبة، فاخترمته المنية قبل ذلك، فلحقه خوف من العقاب في عاجله وآجله، أو في عاجله دون آجله، ثم سكن الجنة بعد [ عفو الله أو عقابه ](6)،(7).

____________

(*) أنظر كتاب (علم اليقين في أصول الدين - ص 208 - 209) للمحدث القاشاني. ج.

(1) الاعتقادات ص 76.

(2) البحار 8: 200 - 201 / 204 و 8: 324 - 325 /؟؟؟.

(3) ليست في (ز).

(4) (ق): وجعل نعيمها دائا.

(5) (ح) ( أ ) (ش): بأعمال سيئة، (ق): بالأعمال.

(6) في بقية النسخ: عفو أو عقاب.

(7) بحار الأنوار 8: 201.

الصفحة 117 

ومنهم: من يتفضل(1) عليه بغير عمل سلف منه في الدنيا، وهم الولدان المخلدون الذين جعل الله تعالى تصرفهم لحوائج أهل الجنة ثوابا للعاملين(2)، وليس في تصرفهم مشاق عليهم ولا كلفة، لأنهم مطبوعون إذ ذاك على المسار بتصرفهم في حوائج المؤمنين.

وثواب أهل الجنة الالتذاذ [ بالمآكل والمشارب ](3) والمناظر والمناكح وما تدركه حواسهم مما يطبعون على الميل إليه، ويدركون مرادهم بالظفر به وليس في الجنة من البشر من يلتذ بغير مأكل ومشرب وما تدركه الحواس من الملذوذات.

وقول من يزعم(4): أن في الجنة بشرا يلتذ بالتسبيح والتقديس من دون الأكل والشرب، قول شاذ عن دين الاسلام، وهو مأخوذ من مذهب النصارى الذين زعموا أن المطيعين في الدنيا يصيرون في الجنة ملائكة لا يطعمون ولا يشربون ولا ينكحون.

وقد أكذب الله سبحانه هذا القول في كتابه بما رغب العاملين(5) فيه من الأكل والشرب والنكاح، فقال تعالى: (أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا)(6) الآية، وقال تعالى: (فيها أنهار من ماء غير آسن)(7) الآية، وقال تعالى:

____________

(1) (ح): تفضل.

(2) ( أ ) (ز) (ق): العالمين.

(3) (ق): بالمأكل والمشرب.

(4) ( أ ) (ز): زعم.

(5) في بعض النسخ: العالمين.

(6) الرعد: 35.

(7) محمد: 15.

الصفحة 118 

(حور مقصورات في الخيام)(1) وقال تعالى: (وحور عين)(2) وقال سبحانه:

(وزوجناهم بحور عين)(3) وقال سبحانه: (وعندهم قاصرات الطرف أتراب)(4) وقال سبحانه: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم)(5) الآية، وقال سبحانه: (وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة)(6).

فكيف استجاز من أثبت في الجنة طائفة من البشر لا يأكلون ولا يشربون ويتنعمون بما به الخلق من الأعمال يتألمون، وكتاب الله تعالى شاهد بضد ذلك والاجماع على خلافه، لولا أن(7) قلد في ذلك من لا يجوز تقليده أو عمل على حديث موضوع(8)؟!

وأما النار، فهي [ دار من ](9) جهل الله سبحانه، وقد يدخلها بعض من عرفه [ بمعصية الله ](10) تعالى، غير أنه لا يخلد فيها، بل يخرج منها إلى النعيم المقيم، وليس يخلد فيها إلا الكافرون.

وقال تعالى: (فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصليها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى)(11) يريد [ بالصلي هاهنا ](12) الخلود فيها، وقال تعالى: (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا)(13) وقال تعالى: (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم)(14)

____________

(1) الرحمن: 72.

(2) الواقعة: 22.

(3) الدخان: 54.

(4) ص: 52.

(5) يس: 55.

(6) البقرة: 25.

(7) ( أ ) (ح) (ق): أنه.

(8) بحار الأنوار 8: 202.

(9) (ز): دار القرار لمن.

(10) (ز): بمعصيته.

(11) الليل: 14 - 16.

(12) (ق): بالأشقى ها هنا الكافر، وبالإصلاء.

(13) النساء: 56.

(14) المائدة: 36.

الصفحة 119 

الآيتان. وكل آية تتضمن ذكر الخلود في النار فإنما هي في الكفار دون أهل المعرفة بالله تعالى بدلائل العقول والكتاب المسطور والخبر الظاهر المشهور والاجماع والرأي(1) السابق لأهل البدع من أصحاب الوعيد.