في العصمة

الصفحة 128 

قال أبو جعفر - رحمه الله -: باب الاعتقاد في العصمة(1).

قال الشيخ المفيد - رحمه الله -(2): العصمة من الله تعالى لحججه(3) هي التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى، والعصمة [ تفضل من الله ](4) تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته، والاعتصام فعل المعتصم، وليست العصمة مانعة من القدرة(5) على القبيح، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن، ولا ملجئة له إليه، بل هي الشئ الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصيته له، وليس كل الخلق يعلم هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والأخيار.

____________

(1) الاعتقادات ص 96.

(2) بحار الأنوار 17: 96.

(3) قال المصنف قده في رسالة (النكت الاعتقادية - ص 45 - 46 ط 2 بغداد) فإن قيل ما حد العصمة. والجواب - العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما. فإن قيل ما الدليل على أنه معصوم من أول عمره إلى آخره. والجواب - الدليل على ذلك أنه لو عهد منه السهو والنسيان لارتفع الوثوق منه عند اخباراته ولو عهد منه خطيئة(*) لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة. چ.

(4) (ز) من تفضل الله.

(5) (ز): المقدرة.

____________

(*) أما بعض الآيات وشواذ الأخبار المتضمنة نسبة الخطايا والمعامي إلى الأنبياء أو إلى نبينا عليه وعليهم السلام فقد أجاب عنها تلميذ المصنف أعني الشريف المرتضى في كتاب (تنزيه الأنبياء - ط إيران ونجف). هبة الدين الحسيني.

الصفحة 129 

قال الله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى)(1) الآية، وقال سبحانه: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين)(2) وقال سبحانه:

(وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار)(3).

والأنبياء والأئمة - عليهم السلام -(4) من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها والصغائر، والعقل يجوز عليهم ترك مندوب إليه على غير التعمد للتقصير والعصيان، ولا يجوز عليهم ترك مفترض إلا أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة - عليهم السلام - من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب، والمفترض قبل حال إمامتهم وبعدها.

فصل(5):

 

فأما الوصف لهم بالكمال في كل أحوالهم، فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه.

____________

(1) الأنبياء: 101.

(2) الدخان: 32.

(3) ص 47.

(4) قال المصنف قده في رسالة (النكت الاعتقادية - ص 48 - 49 ط 2): فإن قيل ما الدليل على أن الإمام يجب أن يكون معصوما. والجواب - الدليل على ذلك من وجوه:

الأول: إنه لو جاز عليه الخطاء لافتقر إلى إمام آخر يسدده ثم ننقل الكلام إليه ويتسلسل أو يثبت المطلوب.

الثاني: إنه لو جاز عليه فعل الخطيئة (فإن) وجب الانكار عليه سقط محله من القلوب فلا يتبع، والغرض من نصبه اتباعه (فيتنقض الغرض) وإن لم يجب الإنكار عليه سقط وجوب النهي عن المنكر وهو باطل.

الثالث: إنه حافظ للشرع فلو لم يكن معصوما لم تؤمن منه الزيادة والنقصان.    چ.

(5) قال المؤلف - قدس - في جواب المسألة السادسة والثلاثين من المسائل العكبرية: إن الطاعة في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له من جهة الإمامة دون غيره، والأمر له خاصة دون من سواه، فلما قبض صلى الله عليه وآله وسلم صارت الإمامة من بعده لأمير المؤمنين - عليه السلام - ومن عداه من الناس كافة رعية له، فلما قبض - عليه السلام - صارت الإمامة للحسن بن علي، والحسين - عليه السلام - إذ ذاك رعية لأخيه الحسن - عليه السلام -، فلما قبض الحسن - عليه السلام - صار الحسين إماما مفترض الطاعة على الإمام. وهكذا حكم كل إمام وخليفة في زمانه، ولم تشترك الجماعة في الإمامة معا، وكانوا فيها على الترتيب الذي ذكرناه.

 

فصل:

 

وقد ذهب قوم من أصحابنا الإمامية إلى أن الإمامة كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين - عليهم السلام - في وقت واحد، إلا أن النطق والأمر والتدبير كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مدة حياته دونهم، وكذلك كان الأمر والتدبير لأمير المؤمنين دون الحسن والحسين، وجعل الإمام في وقت صاحبه صامتا وجعل الأول ناطقا. وهذا خلاف في العبارة، والأصل ما قدمناه. چ

الصفحة 130 

وقد جاء الخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة - عليهم السلام - من ذريته كانوا حججا لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم، ولم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص وجهل، فإنهم يجرون مجرى عيسى ويحيى - عليهما السلام - في حصول الكمال لهم مع صغر السن وقبل بلوغ الحلم. وهذا أمر تجوزه العقول ولا تنكره، وليس إلى تكذيب الأخبار سبيل، والوجه أن نقطع على كمالهم - عليهم السلام - في العلم والعصمة في أحوال النبوة والإمامة، ونتوقف فيما قبل ذلك، وهل كانت أحوال نبوة وإمامة أم لا(1) ونقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله تعالى عقولهم إلى أن قبضهم - عليهم السلام -(2).

____________

(1) في هذه العبارة تأمل عن غموض، ويحتمل أن يكون عطفا على (فيما قبل ذلك) فيكون المراد التوقف في أمرين:

الأول: الحكم بكمال العلم والعصمة قبل البعثة وتصدي الإمامة.

والثاني: الحكم بفعلية الاتصاف بالنبوة والإمامة قبل ذلك، ويحتمل أيضا أن تكون الواو زائدة أو مستأنفة وكان تعليلا. للحكم بالتوقف في كمال العلم والعصمة، وحاصل المعنى يلزم أن نتوقف في الحكم بكمالهم في العلم والعصمة قبل البعثة وتصدي الإمامة بعلة الشك في اتصافهم بالنبوة والإمامة قبل ذلك.

(2) بحار الأنوار 67: 97.