في الغلو والتفويض

الصفحة 131 

قال أبو جعفر: باب الاعتقاد في الغلو والتفويض... إلى آخره(1).

قال الشيخ المفيد - رحمه الله(2): الغلو في اللغة هو [ التجاوز عن الحد ](3) والخروج عن القصد.

قال الله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق)(4) الآية، فنهى عن تجاوز الحد في المسيح، وحذر من الخروج عن القصد في القول، وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعديه الحد على ما بيناه.

والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته - عليهم السلام - إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد، وهم ضلال كفار حكم فيهم أمير المؤمنين - عليه السلام - بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمة - عليهم السلام - عليهم بالإكفار والخروج عن الاسلام(5).

فصل:

 

فأما ما ذكره أبو جعفر - رحمه الله - من مضي نبينا والأئمة - عليهم السلام - بالسم والقتل، فمنه ما ثبت، ومنه ما لم يثبت، والمقطوع به أن أمير المؤمنين والحسن والحسين - عليهم السلام - خرجوا من الدنيا بالقتل ولم يمت أحدهم(6) حتف أنفه(7)،

____________

(1) الاعتقادات ص 97.

(2) بحار الأنوار 25: 344.

(3) ( أ ) (ح) (ز) (ش) (ق): تجاوز الحد.

(4) النساء: 71.

(5) بحار الأنوار 25: 345.

(6) (ق) (ز): أحد منهم.

(7) بحار الأنوار 27: 216.

الصفحة 132 

وممن مضى بعدهم مسموما موسى بن جعفر - عليه السلام - ويقوى في النفس أمر الرضا - عليه السلام -(1) وإن كان فيه شك، فلا طريق إلى الحكم فيمن عداهم بأنهم سموا أو اغتيلوا أو قتلوا صبرا، فالخبر بذلك يجري مجرى الإرجاف(2)، وليس إلى تيقنه سبيل(3)(4).

____________

(1) أنظر (كشف الغمة ص 264 ط إيران 1294 ه‍) لبهاء الدين علي بن عيسى الأربلي المتوفى سنة 692 أو 693، وإلى (البحار ص 91 - 92 ج 12 ط كمباني).

قال المحدث الفقيه الرباني الشيخ يوسف البحراني (1107 - 1186 ه‍) في كتابه (الحدائق الناضرة ص 449 مجلد كتاب الحج ط تبريز): الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا - عليه السلام -... وقبض بطوس في آخر صفر سنة ثلاث ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة...

وبعض الأخبار يدل على أنه قبض مسموما سمه المأمون العباسي. وإليه ذهب الصدوق - رحمه الله - وأكثر أصحابنا لم يذكروه.

أنظر كتاب (أعيان الشيعة ص 205 - 211 ج 4 ق 2 ط 1 دمشق) للعلامة السيد محسن العاملي - رحمه الله.

والعدد السابع من مجلة (مهر - الفارسية - ص 740 ط طهران 1313 ش ه‍) لسنتها الثانية، وإلى ذيل كتاب (تاريخ مختصر إيران ص 20 - 24 ط طهران 1314 ش). بقلم العلامة الدكتور صادق رضا زاده شفق أستاذ جامعة طهران(*).

____________

(*) اقرأ مختصرا من ترجمته في كتابي (سخنوران إيران در عصر حاضر ج 2 ط هند) و (نثر فارسي معاصر - 138 ط طهران).

(2) أرجف: خاض في الأخبار السيئة والفتن قصد أن يهيج الناس.

أنظر (مجمع البحرين - رجف) أيضا. چ

(3) بحار الأنوار 27: 216.

(4) قال الشيخ المفيد - رحمه الله - في كتاب (الأنساب والزيارات) من تأليفه النفيس (المقنعة ص 72 - 75 ط 1274 ه‍):

وقبض (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) مسموما لليلتين بقيتا من صفر سنة عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وقبض (أمير المؤمنين - عليه السلام -) قتيلا بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة وله يومئذ ثلاث وستون سنة.

وقبض (الحسن بن علي - عليه السلام -) مسموما بالمدينة في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة، فكان سنه - عليه السلام - يومئذ سبعا وأربعين سنة.

وقبض (الحسين بن علي - عليه السلام -) قتيلا بطف كربلا من أرض العراق يوم الاثنين العاشر من المحرم قبل زوال الشمس سنة إحدى وستين من الهجرة، وله يومئذ ثماني وخمسون سنة.

وقبض (علي بن الحسين - عليه السلام -) بالمدينة سنة خمس وتسعين وله يومئذ سبع وخمسون سنة.

وفي (التهذيب ص 27 ت 2 ط إيران):

وقبض (محمد بن علي - عليه السلام -) بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة، وكان سنه يومئذ سبعا وخمسين سنة.

وقبض (جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام -) بالمدينة في شوال سنة ثمانية وأربعين ومائة، وله يومئذ خمس وستون سنة.

وقبض (موسى بن جعفر - عليه السلام -) قتيلا بالسم ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وكان سنه يومئذ خمسا وخمسين سنة.

وقبض (علي بن موسى الرضا - عليه السلام -) بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين، وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة.

وقبض (محمد بن علي - عليه السلام -) ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وله يومئذ خمس وعشرون سنة.

وقبض (علي بن محمد - عليه السلام -) بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة وسبعة أشهر.

وقبض (الحسن بن علي - عليه السلام -) بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، وكان سنه يومئذ ثمانيا وعشرين سنة. انتهى ملخصا.

هذا وقد قال المصنف - رحمه الله - في كتابه (الارشاد) في هذا الموضوع - أعني كيفية وفاة الأئمة الطاهرين ومدة أعمارهم - بمثل ما قاله في كتابه (المقنعة) عينا بدون تفاوت قيد شعرة معنى، فتدبر جيدا. چ

الصفحة 133 

والمفوضة صنف من الغلاة، وقولهم الذي فارقوا(1) به من سواهم من

____________

(1) (ق): خالفوا.

الصفحة 134 

الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم ونفي القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم(1)، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة، وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال.

والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول، ولم يكن(2) الحلاج(3) يتخصص بإظهار التشيع وإن كان ظاهر أمره التصوف، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم، ويدعون للحلاج الأباطيل، ويجرون في ذلك مجرى المجوس(4) في دعواهم لزرادشت

 

____________

(1) بحار الأنوار 25: 345.

(2) في المطبوعة: وكان.

(3) أنظر (الفهرست ص 269 - 272 ط مصر) لابن النديم. چ

(4) قال العلامة الكبير والأستاذ الشهير صاحب الفخامة مولانا أبو الكلام آزاد وزير معارف الهند المعظم في مجلة (ثقافة الهند ص 13، سبتمبر 1950 م) الجليلة طي مقالته الممتعة حول (شخصية ذي القرنين المذكورة في القرآن) - التي حررت بغاية التحقيق، وينبغي بل يلزم لأصحاب النظر والعلم أن يرجعوا إليه - ما نصه: وهنا ينبغي أن ننبه على خطأ شائع: نطقوا كلمة (موغوش) في اللغة العربية (مجوسا) وأطلقوها على أتباع الدين الزردشتي، ولم يكن في الأصل اسما لهم، فقد ثبت الآن بلا ريب أنه كان اسما يعرف به أتباع الدين الذي كان شائعا في مادا قبل زردشت، فقد وردت الكلمة في أوستا كذلك، واستعملت في شأن معارضي زردشت، ولكن لما كان اشتهر أهل مادا في بلاد العرب والشام باسم موغوش، أخذوا يسمون به أتباع زردشت كذلك.

وقال أيضا في ص 11 من المجلة: النطق الصحيح لاسم زردشت في اللغة البهلوية (زاراتهسترا)... إلى آخر مقاله القيم.

أنظر (البحار ص 379 ج 5 ط كمباني) و (أعيان الشيعة ص 150 - 151 ج 2 ط 2 دمشق). چ

الصفحة 135 

المعجزات، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات(1)، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس.

فصل:

 

فأما نص أبي جعفر - رحمه الله -(2) بالغلو على من نسب مشايخ القميين وعلمائهم إلى التقصير، فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرا، وإنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحقين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قم أم(3) غيرها من البلاد وسائر الناس.

وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد - رحمه الله - لم نجد لها دافعا في التقصير، وهي ما حكي عنه أنه قال: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام(4) - عليه السلام - فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنه من علماء القميين ومشيختهم.

وقد وجدنا جماعة وردوا(5) إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين،

____________

(1) بحار الأنوار 25: 345.

(2) بحار الأنوار 25: 345.

(3) (ز): أو من، (ح): أو.

(4) أنظر ذيل كتاب (أوائل المقالات طبع 1371 - ص 36) و (مجمع البيان - ص 317 ج 2 ط صيدا) للشيخ الطبرسي. وكتاب (الوافي - ص 143 ج 5 ط 1364 ه‍) للمحدث القاشاني. چ.

(5) (ح): وردت.

الصفحة 136 

وينزلون الأئمة - عليهم السلام - عن مراتبهم، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية(1) حتى ينكت(2) في قلوبهم، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون(3)، ويدعون مع ذلك أنهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه.

ويكفي في علامة الغلو نفي القائل به عن الأئمة سمات الحدوث وحكمه لهم بالإلهية والقدم، [ إذ قالوا بما ](4) يقتضي ذلك من خلق أعيان الأجسام واختراع الجواهر وما ليس بمقدور العباد من الأعراض، ولا يحتاج مع ذلك إلى الحكم عليهم وتحقيق أمرهم بما جعله أبو جعفر سمة للغلو(5) على كل حال(6).

____________

(1) (ق): الشرعية.

(2) وفي حديث وصف أهل البيت ع من جملة علومهم نكت في القلوب و... أما النكت في القلوب بإلهام... (مجمع البحرين - نكت). چ.

(3) (ق): والفتوى.

(4) (ق) ( أ ): أو، (ح) (ز): إذا ما.

(5) في بقية النسخ: في الغلو.

(6) بحار الأنوار 25: 346.