في المسألة في القبر

الصفحة 98   

في المسألة في القبر(*)

 

قال أبو جعفر اعتقادنا في المسألة في القبر أنها حق(1)،(2).

____________

(*) قال المؤلف قده في ضمن جوابه عن المسألة الخامسة من المسائل السروية: فأما كيفية عذاب الكافر في قبره وتنعم المؤمن فيه، فإن الخبر أيضا قد ورد بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا في جنة من جناته، ينعمه فيه إلى يوم الساعة فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي في التراب وتمزق ثم أعاده إليه وحشره إلى الموقف وأمر به إلى جنة الخلد، ولا يزال منعما ببقاء الله عز وجل (بإبقاء الله - ظ) غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا بل يعدل طباعه ويحسن صورته ولا يهرم مع تعديل الطباع ولا يمسه نصب في الجنة ولا لغوب، والكافر يجعل في قالب كقالبه في محل عذاب يعاقب ونار يعذب بها حتى الساعة ثم ينشئ جسده الذي فارقه في القبر فيعاد إليه فيعذب به في الآخرة عذاب الأبد ويركب أيضا جسده تركيبا لا يفنى معه وقد قال الله عز وجل: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) (سورة المؤمن: 46) وقال في قصة الشهداء: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (سورة آل عمران: 170) وهذا قد مضى في ما تقدم فدل على أن الثواب والعذاب يكون قبل يوم القيمة وبعدها، والخبر وارد بأنه يكون مع فراق الروح والجسد في الدنيا والروح هيهنا عبارة عن الفعال الجوهر البسيط، وليس بعبارة عن الحياة يصح عليها العلم والقدرة لأن هذه الحياة عرض لا تبقى ولا يصح عليها الإعادة، فهذا ما عول عليه أهل النقل وجاء به الخبر على ما بيناه.

أنظر الصفحة 40 - 42 من هذا الكتاب. طبع 1371 چ. فأخبر أنهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض أموات لا حياة فيها. منه ره.

(1) الاعتقادات ص 58.

(2) عنه في البحار 6: 279 - 280 و 53: 128 - 130.

الصفحة 99   

قال أبو عبد الله الشيخ المفيد - رضي الله عنه -: الذي ذكره أبو جعفر غير مفيد(1) لما تصدق(2) الحاجة إليه في المسألة والغرض منها، والذي يجب أن يذكر(3) في هذا المعنى ما أنا مثبته إن شاء الله تعالى.

جاءت الآثار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(4) أن الملائكة تنزل(5) على المقبورين فتسألهم عن أديانهم، وألفاظ الأخبار بذلك متقاربة، فمنها أن ملكين لله تعالى يقال لهما: ناكر ونكير، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه، فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة النعيم، وإن ارتج(6) عليه سلموه إلى ملائكة العذاب.

وقيل في بعض الأخبار(7): إن اسمي الملكين اللذين ينزلان على الكافر:

ناكر ونكير، واسمي الملكين اللذين ينزلان على المؤمن: مبشر وبشير، وقيل:

إنه إنما سمي ملكا الكافر ناكرا ونكيرا، لأنه ينكر الحق وينكر ما يأتيانه به ويكرهه، وسمي ملكا المؤمن مبشرا وبشيرا، لأنهما يبشرانه بالنعيم، ويبشرانه من الله تعالى بالرضا والثواب المقيم. وإن هذين الاسمين ليسا بلقب(8) لهما،

____________

(1) (ز) (ش): جيد.

(2) في المطبوعة: يقصد.

(3) ( أ ): يذكره.

(4) بحار الأنوار 6: 280.

(5) (ز): تتنزل.

(6) رتج وارتج الباب: أغلقه، ارتج على الخطيب: استغلق عليه الكلام، أنظر (مجمع البحرين - رتج) لفخر الدين الطريحي، أيضا. چ.

(7) بحار الأنوار 6: 280.

(8) (ق) تلقيبا.

الصفحة 100 

وإنهما(1) عبارة عن فعلهما.

وهذه أمور يتقارب بعضها من بعض ولا تستحيل معانيها، والله سبحانه أعلم بحقيقة الأمر فيها، وقد قلنا فيما سلف أنه إنما ينزل الملكان على من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، ومن سوى هذين فيلهى عنه(2)، وبينا أن الخبر جاء بذلك، فمن جهته قلنا فيه ما ذكرناه(3).

فصل:

 

وليس ينزل الملكان إلا على حي، ولا يسألان إلا من يفهم المسألة(4) ويعرف معناها، وهذا يدل على أن الله تعالى يحيي العبد بعد موته للمسألة(5)، ويديم حياته لنعيم إن كان يستحقه، أو لعذاب إن كان يستحقه. نعوذ بالله من سخطه، ونسأله التوفيق لما يرضيه برحمته(6).

والغرض من نزول الملكين ومساءلتهما العبد أن الله تعالى يوكل بالعبد بعد موته ملائكة النعيم أو ملائكة العذاب، وليس للملائكة طريق إلى علم ما يستحقه العبد إلا بإعلام(7) الله تعالى ذلك لهم، فالملكان اللذان ينزلان على العبد أحدهما من ملائكة النعيم والآخر من ملائكة العذاب، فإذا هبطا لما وكلا به

____________

(1) (ح) (ق): وإنما هو. والأنسب في السياق: وإنما هما.

(2) بحار الأنوار 6: 280.

(3) بحار الأنوار 6: 280.

(4) في بقية النسخ: للمسألة.

(5) في بقية النسخ: المسألة.

(6) بحار الأنوار 6: 280.

(7) (ز): بإلهام.

الصفحة 101 

استفهما حال العبد بالمسألة(1)، فإن أجاب بما يستحق به النعيم قام بذلك ملك النعيم وعرج عنه ملك العذاب، وإن ظهرت فيه علامة استحقاقه(2) العذاب(3)، وكل به ملك العذاب وعرج عنه ملك النعيم.

وقد قيل: إن الملائكة الموكلين بالنعيم والعذاب(4). غير الملكين الموكلين بالمسألة، وإنما يعرف ملائكة النعيم وملائكة العذاب ما يستحقه العبد من جهة ملكي المسألة، فإذا سألا العبد وظهر منه ما يستحق به الجزاء تولى منه ذلك ملائكة الجزاء وعرج ملكا المسألة إلى مكانهما من السماء. وهذا كله جائز، ولسنا نقطع بأحد دون صاحبه، إذ الأخبار فيه متكافئة والعبارة لنا في معنى ما ذكرناه الوقف والتجويز(5).

فصل:

 

وإنما وكل الله تعالى ملائكة المسألة وملائكة العذاب والنعيم بالخلق تعبدا لهم بذلك، كما وكل الكتبة من الملائكة بحفظ أعمال الخلق(6) وكتبها ونسخها ورفعها تعبدا لهم بذلك، وكما تعبد طائفة من الملائكة بحفظ بني آدم، وطائفة منهم بإهلاك الأمم، وطائفة(7) بحمل العرش، وطائفة بالطواف حول

____________

(1) في بقية النسخ: بالمسألة.

(2) (ق): استحقاق.

(3) بحار الأنوار 6: 280 و 281.

(4) (ح): والعقاب.

(5) بحار الأنوار 6: 281.

(6) (ح): الخلائق.

(7) (ز) زيادة: منهم.

الصفحة 102 

البيت المعمور، وطائفة بالتسبيح، وطائفة بالاستغفار للمؤمنين، وطائفة بتنعيم أهل الجنة، وطائفة بتعذيب أهل النار [ والتعبد لهم ](1) بذلك ليثيبهم(2) عليها. ولم يتعبد الله الملائكة بذلك عبثا كما لم يتعبد البشر والجن بما تعبدهم به لعبا، بل تعبد الكل للجزاء، وما تقتضيه الحكمة من تعريفهم نفسه تعالى والتزامهم شكر النعمة(3) عليهم.

وقد كان الله تعالى قادرا على أن يفعل العذاب بمستحقه من غير واسطة، وينعم المطيع من غير واسطة، لكنه سبحانه علق ذلك على الوسائط لما ذكرناه وبينا وجه الحكمة فيه ووصفناه، وطريق مسألة الملكين الأموات بعد خروجهم من الدنيا بالوفاة هو السمع، وطريق العلم برد الحياة إليهم عند المسألة هو العقل، إذ لا يصح مسألة الأموات واستخبار الجماد(4)(5).

وإنما يحسن الكلام للحي العاقل لما يكلم به، وتقريره وإلزامه بما يقدر عليه، مع أنه قد جاء في الخبر أن كل مسائل ترد إليه الحياة عند مساءلته(6) ليفهم ما يقال له، فالخبر بذلك(7) يؤكد ما في العقل، ولو لم يرد بذلك خبر لكفى حجة العقل فيه على ما بيناه(8).

____________

(1) في المطبوعة: وتعبدهم.

(2) (ح) (ق) زيادة: على الأعمال التي يؤدون بها التكليف كما تعبد البشر والجن بالأعمال ليثيبهم.

(3) (ز): النعم.

(4) في المطبوعة: الجمادات.

(5) بحار الأنوار 6: 281.

(6) في بقية النسخ: مساءلتهم.

(7) في بعض النسخ: أكد.

(8) بحار الأنوار 6: 281.