فيما وصف به الشيخ أبو جعفر الموت

الصفحة 94   

قال أبو جعفر(1): باب الموت، قيل لأمير المؤمنين... إلى آخره(2).

قال الشيخ أبو عبد الله(3): ترجم الباب بالموت وذكر غيره، وقد كان ينبغي أن يذكر حقيقة الموت أو يترجم الباب بمال الموت وعاقبة الأموات، فالموت، هو يضاد الحياة، يبطل معه النمو ويستحيل معه الاحساس، وهو محل(4) الحياة فينفيها، وهو من فعل الله تعالى وليس لأحد فيه صنع ولا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.

قال الله سبحانه: (هو الذي يحيي ويميت)(5)، فأضاف الإحياء [ إلى نفسه، وأضاف الإماتة إليها ](6).

وقال سبحانه: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)(7) فالحياة ما كان بها النمو والاحساس وتصح معها القدرة والعلم، والموت ما

____________

(1) معاني الأخبار 288، وعنه في البحار 6: 167 / 40.

(2) الاعتقادات ص 51.

(3) بحار الأنوار 6: 167.

(4) (ح) (ق): يحل محل.

(5) المؤمن: 68.

(6) في المطبوعة: والإماتة إلى نفسه.

(7) الملك: 2.

الصفحة 95   

استحال معه النمو والاحساس ولم تصح معه القدرة والعلم، وفعل الله تعالى الموت بالإحياء لينقلهم(1) من دار العمل والامتحان إلى دار الجزاء والمكافأة، وليس يميت الله عبدا من عبيده(2) إلا وإماتته أصلح له من بقائه، ولا يحييه إلا وحياته أصلح له من موته، وكل ما يفعله الله تعالى بخلقه فهو أصلح لهم وأصوب في التدبير.

وقد يمتحن الله تعالى كثيرا من خلقه بالآلام الشديدة قبل الموت، ويعفي آخرين من ذلك(3)، وقد يكون الألم المتقدم للموت [ ضربا من ](4) العقوبة لمن حل به، ويكون استصلاحا له ولغيره، ويعقبه نفعا عظيما، وعوضا كثيرا(5)، وليس كل من صعب عليه خروج نفسه كان بذلك معاقبا، ولا كل من سهل عليه الأمر في ذلك كان به مكرما مثابا.

وقد ورد الخبر بأن الآلام التي تتقدم الموت تكون كفارات لذنوب المؤمنين، وتكون عقابا للكافرين، وتكون الراحة قبل الموت استدراجا(6) للكافرين، وضربا من ثواب المؤمنين(7). وهذا أمر مغيب عن الخلق، لم يظهر الله تعالى أحدا من خلقه على إرادته فيه تنبيها له، حتى يتميز(8) له حال الامتحان من(9) حال

____________

(1) في بقية النسخ: لنقلهم.

(2) (ق): عباده.

(3) بحار الأنوار 6: 168.

(4) (ز): من باب.

(5) (ح): كبيرا.

(6) استدرجه: خدعه، واستدراج الله للعبد إنه كلما جدد خطيئته جدد له نعمة وأنساه الاستغفار فيأخذه قليلا قليلا ولا يباغته، أنظر (مجمع البحرين - درج). چ.

(7) بحار الأنوار 6: 168.

(8) ( أ ) (ز) (ش): يميز.

(9) (ق): عن.

الصفحة 96   

العقاب، وحال الثواب من حال الاستدراج، وتغليظا للمحنة ليتم التدبير الحكيم(1) في الخلق.

فأما ما ذكره أبو جعفر من أحوال الموتى بعد وفاتهم، فقد جاءت الآثار به على التفصيل.

وقد أورد بعض ما جاء في ذلك إلا أنه ليس مما ترجم به الباب في شئ، والموت على كل حال أحد بشارات المؤمن، إذ كان أول طرقه إلى محل النعيم، وبه يصل ثواب الأعمال الجميلة في الدنيا(2)، وهو أول شدة تلحق الكافر(3) من شدائد العذاب(4)، وأول طرقه إلى حلول العقاب(5)، إذ كان الله تعالى جعل الجزاء على الأعمال بعده وصيره سببا لنقله من دار التكليف إلى دار الجزاء، وحال المؤمن بعد موته أحسن من حاله قبله، وحال الكافر بعد مماته(6) أسوء من حاله قبله، إذ المؤمن صائر إلى جزائه بعد مماته، والكافر صائر إلى جزائه بعد مماته(7).

وقد جاء في الحديث عن آل محمد - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أنهم قالوا: الدنيا سجن المؤمن، والقبر بيته، والجنة مأواه، والدنيا جنة الكافر،

____________

(1) ( أ ) (ح) (ز) (ش): الحكمي.

(2) بحار الأنوار 6: 168.

(3) (ش) (ز) (ق): الكافرين.

(4) في بقية النسخ: العقاب.

(5) (ز): العذاب.

(6) في بقية النسخ: موته.

(7) بحار الأنوار 6: 169.

الصفحة 97   

والقبر سجنه، والنار مأواه(1)(2).

وروي عنهم - عليهم السلام - أنهم قالوا: الخير كله بعد الموت، والشر كله بعد الموت. ولا حاجة بنا مع نص القرآن بالعواقب إلى الأخبار، [ ومع شاهد ](3) العقول إلى الأحاديث.

وقد ذكر الله تعالى جزاء الصالحين فبينه، وذكر عقاب الفاسقين ففضله، وفي بيان الله سبحانه وتفصيله غنى عما سواه.

____________

(1) قال العلامة المحقق، كعبة الأدباء، الشيخ بهاء الدين محمد العاملي (المتوفى سنة 1030 ه‍) في (الكشكول ص 295 ط 2 نجم الدولة): رأى يهودي الحسن بن علي - عليه السلام - في أبهى زي وأحسنه، واليهودي في حال ردئ وأسمال رثة، فقال: أليس قال رسولكم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر؟ قال: نعم، فقال: هذا حالي وهذا حالك؟! فقال - عليه السلام -:

غلطت يا أخا اليهود، لو رأيت ما وعدني الله من الثواب وما أعد لك من العقاب لعلمت أنك في الجنة وأني في السجن!

وقال العلامة المدقق الحاج الملا محمد مهدي النراقي (المتوفى سنة 1309 ه‍) في كتاب (مشكلات العلوم ص 318 ط إيران 1305 ه‍) عند كلامه على توجيه الحديث: إن المؤمن وإن كان في الدنيا في نعيم وحسن حال، فإنه بالنسبة إلى حاله في الجنة في سجن وضيق وسوء حال، والكافر وإن كان في الدنيا في ضيق وسوء حال، فإنه بالنسبة إلى حاله في النار في جنة ونعيم، فيكون الحكمان للدنيا بالنسبة إلى الآخرة. ومثل هذا التوجيه مروي عن الحسن - عليه السلام -. چ.

(2) بحار الأنوار 6: 169 / 41 و 42.

(3) في بعض النسخ: وبشاهد.