(معرفة من شاهد صاحب الزمان (عليه السلام

الصفحة 537 

في حال الغيبة وعرفه من أصحابنا

521 / 125 - روى عبد الله بن علي (1) المطلبي، قال: حدثني أبو الحسن محمد ابن علي السمري، قال: حدثني أبو الحسن المحمودي، قال: حدثني أبو علي محمد بن أحمد المحمودي، قال: حججت نيفا وعشرين سنة، كنت في جميعها أتعلق بأستار الكعبة، وأقف على الحطيم، والحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وأديم الدعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف، وأجعل جل دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه).

فإنني في بعض السنين قد وقفت بمكة على أن ابتاع حاجة، ومعي غلام في يده مشربة حليج (2) ملمعة، فدفعت إلى الغلام الثمن، وأخذت المشربة من يده، وتشاغل

____________

(1) في " م، ط " زيادة: بن.

(2) المشربة: الإناء يشرب فيه والحليج: اللبن الذي ينقع فيه التمر ثم يماث. وفي " ط ": الحلج.

الصفحة 538 

الغلام بمماكسة البيع (1)، وأنا واقف أترقب، إذ جذب ردائي جاذب، فحولت وجهي إليه فرأيت رجلا أذعرت حين نظرت إليه، هيبة له، فقال لي: تبيع المشربة؟ فلم أستطع رد الجواب، وغاب عن عيني، فلم يلحقه بصري، فظننته مولاي.

فإنني يوم من الأيام أصلي بباب الصفا بمكة، فسجدت وجعلت مرفقي في صدري، فحركني محرك برجله، فرفعت رأسي، فقال لي: افتح منكبك عن صدرك.

ففتحت عيني، فإذا الرجل الذي سألني عن المشربة، ولحقني من هيبته ما حار بصري، فغاب عن عيني.

وأقمت علي رجائي ويقيني، ومضت مدة وأنا أحج، وأديم الدعاء في الموقف.

فإنني في آخر سنة جالس في ظهر الكعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار، ومحمد بن القاسم العلوي، وعلان الكليني، ونحن نتحدث إذا أنا برجل في الطواف، فأشرت بالنظر إليه، وقمت أسعى لاتبعه، فطاف حتى إذا بلغ إلى الحجر رأى سائلا واقفا على الحجر، ويستحلف (2) ويسأل الناس بالله (عز وجل) أن يتصدق عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلما نظر إلى السائل انكب إلى الأرض وأخذ منها شيئا، ودفعه إلى السائل، وجاز، فعدلت إلى السائل فسألته عما وهب له، فأبى أن يعلمني، فوهبت له دينارا، وقلت:

أرني ما في يدك. ففتح يده، فقدرت أن فيها عشرين دينارا، فوقع في قلبي اليقين أنه مولاي (عليه السلام)، ورجعت إلى مجلسي الذي كنت فيه، وعيني ممدودة إلى الطواف، حتى إذا فرغ من طوافه عدل إلينا، فلحقنا له رهبة شديدة، وحارت أبصارنا جميعا، قمنا إليه فجلس، فقلنا له: ممن الرجل؟

فقال: من العرب.

فقلت: من أي العرب؟

فقال: من بني هاشم.

فقلنا: من أي بني هاشم؟

____________

(1) المماكسة في البيع: استنقاص الثمن حتى يصل البائع والمشتري إلى ما يتراضيان عليه.

(2) في " ط ": ويستخلف.

الصفحة 539 

فقال: ليس يخفى عليكم إن شاء الله (تعالى). ثم التفت إلى محمد بن القاسم فقال: يا محمد، أنت على خير إن شاء الله، أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) عند فراغه من صلاته في سجدة الشكر؟ قلنا: لا.

قال: كان يقول " يا كريم مسكينك بفنائك، يا كريم فقيرك زائرك، حقيرك ببابك يا كريم " ثم انصرف عنا، ووقفنا نموج ونتذكر، ونتفكر، ولم نتحقق.

ولما كان من الغد رأيناه في الطواف، فامتدت عيوننا إليه، فلما فرغ من طوافه خرج إلينا، وجلس عندنا، فأنس وتحدث، ثم قال: أتدرون ما كان يقول زين العابدين (عليه السلام) في دعائه عقب الصلاة: قلنا: تعلمنا.

قال: كان (عليه السلام) يقول: " اللهم إني أسألك باسمك الذي به تقوم السماء والأرض، وباسمك الذي به تجمع المتفرق، وتفرق المجتمع، وباسمك الذي تفرق به بين الحق والباطل، وباسمك الذي تعلم به كيل البحار، وعدد الرمال، ووزن الجبال، أن تفعل بي كذا وكذا ".

وأقبل علي حتى إذا صرنا بعرفات، وأدمت الدعاء، فلما أفضنا منها إلى المزدلفة، وبتنا فيها (1)، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي: هل بلغت حاجتك؟

فقلت: وما هي يا رسول الله؟

فقال: الرجل صاحبك. فتيقنت عندها.(2)

522 / 126 - وروى أبو عبد الله محمد بن سهل الجلودي، قال: حدثنا أبو الخير أحمد بن محمد بن جعفر الطائي الكوفي في مسجد أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن يحيى الحارثي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، قال: خرجت في بعض السنين حاجا إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياما، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان (عليه السلام)، فما عرفت له خبرا، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممت غما شديدا وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب

____________

(1) في " ع، م ": أفضنا وصرنا إلى مزدلفة وبتنا بها.

(2) مدينة المعاجز: 606 / 66، تبصرة الولي: 140 / 45.

الصفحة 540 

صاحب الزمان (عليه السلام)، فخرجت حتى أتيت مكة، فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعا، كل ذلك أطلب، فبينا (1) أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بانسان كأنه غصن بان، متزر ببردة، متشح بأخرى، قد كشف عطف بردته على عاتقه، فارتاح قلبي وبادرت لقصده، فانثنى إلي، وقال: من أين الرجل؟

قلت: من العراق.

قال: من أي العراق؟

قلت: من الأهواز.

فقال: أتعرف الخصيبي (2).

قلت: نعم.

قال: رحمه الله، فما كان أطول ليله، وأكثر نيله، وأغزر دمعته!

قال: فابن المهزيار.

قلت: أنا هو.

قال: حياك الله بالسلام أبا الحسن. ثم صافحني وعانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمد نضر الله وجهه؟

قلت: معي. وأدخلت يدي إلى جيبي (3) وأخرجت خاتما عليه " محمد وعلي " فلما قرأه استعبر حتى بل طمره (4) الذي كان على يده، وقال: يرحمك الله أبا محمد، فإنك زين الأمة، شرفك الله بالإمامة، وتوجك بتاج العلم والمعرفة، فإنا إليكم صائرون. ثم صافحني وعانقني، ثم قال: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟

قلت: الإمام المحجوب عن العالم.

____________

(1) في " ط ": فبينما.

(2) في " ط " الحضيني.

(3) في " ط ": جنبي (4) الطمر: الكساء البالي.

الصفحة 541 

قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه (1) سوء أعمالكم، قم (2) إلى رحلك، وكن على أهبة من لقائه، إذا انحطت الجوزاء، وأزهرت نجوم السماء، فها أنا لك بين الركن والصفا.

فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني، فما زلت أرقب الوقت حتى حان، وخرجت إلى مطيتي، واستويت على رحلي، واستويت على ظهرها، فإذا أنا بصاحبي ينادي إلي: يا أبا الحسن. فخرجت فلحقت به، فحياني بالسلام، وقال: سر بنا يا أخ.

فما زال يهبط واديا ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف، فقال: يا أبا الحسن انزل بنا نصلي باقي صلاة الليل. فنزلت فصلى بنا الفجر ركعتين، قلت: فالركعتين الأوليين؟ قال: هما من صلاة الليل، وأوتر فيها، والقنوت في كل صلاة جائز.

وقال: سر بنا يا أخ. فلم يزل يهبط بي واديا ويرقى بي ذروة جبل حتى أشرفنا على واد عظيم مثل الكافور، فأمد عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقد نورا، قال: المح هل ترى شيئا؟

قلت: أرى بيتا من الشعر.

فقال: الأمل. وانحط في الوادي واتبعت الأثر حتى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها، ونزلت عن مطيتي، وقال لي: دعها.

قلت: فإن تاهت؟

قال: هذا واد لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن. ثم سبقني ودخل الخباء وخرج إلي مسرعا، وقال: أبشر، فقد أذن لك بالدخول. فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور، فسلمت عليه بالإمامة، فقال لي: يا أبا الحسن، قد كنا نتوقعك ليلا ونهارا، فما الذي أبطأ بك علينا؟

 

قلت: يا سيدي، لم أجد من يدلني إلى الآن.

____________

(1) في " ط ": جنه، وكلاهما بمعنى.

(2) في " م، ط ": زيادة: سر.

الصفحة 542 

قال لي: لم (1) نجد أحدا يدلك؟ ثم نكث بإصبعه في الأرض، ثم قال: لا ولكنكم كثرتم الأموال، وتجبرتم على ضعفاء المؤمنين، وقطعتم الرحم الذي بينكم، فأي عذر لكم الآن؟

فقلت: التوبة التوبة، الإقالة الإقالة.

ثم قال: يا ابن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلا خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم.

ثم قال: يا ابن المهزيار - ومد يده - ألا أنبئك الخبر أنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني يأذن لولي الله، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء، فأجئ إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الاسلام، واجئ إلى يثرب فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فأمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى، فينادي مناد من السماء: " يا سماء أبيدي، ويا أرض خذي " فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان.

قلت: يا سيدي، ما يكون بعد ذلك.

قال: الكرة الكرة، الرجعة الرجعة، ثم تلا هذه الآية: * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا) * (2).

523 / 127 - أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن عبد الله، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أحمد الأنصاري، قال:

كنت حاضرا عند المستجار بمكة وجماعة يطوفون، وهم زهاء ثلاثين رجلا، لم يكن فيهم

____________

(1) في " ط ": ألم.

(2) مدينة المعاجز 606 / 67، المحجة للبحراني: 123، والآية من سورة الإسراء 17: 6.

الصفحة 543 

مخلص غير محمد بن القاسم العلوي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجة إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزار راجح محرم (1) فيه، وفي يده نعلان، فلما رأيناه قمنا هيبة له، فلم يبق منا أحد إلا قال وسلم عليه، وجلس منبسطا ونحن حوله، ثم التفت يمينا وشمالا، فقال: أتدرون ما كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في دعاء الالحاح؟

فقلنا: وما كان يقول؟

قال: كان (عليه السلام) يقول " اللهم أني أسألك باسمك الذي تقوم به السماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحق والباطل، وبه تجمع بين المتفرق، وبه تفرق بين المجتمع، وقد أحصيت به عدد الرمال وزنة الجبال وكيل البحار، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل لي من أمري فرجا " ثم نهض ودخل الطواف، فقمنا لقيامه حتى انصرف، وأنسينا (2) أن نذكر أمره، وأن نقول من هو، وأي شئ هو؟ فلما كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف، فقمنا له كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلسه منبسطا، ونظر يمينا وشمالا، وقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدعاء بعد الصلاة الفريضة؟

قلنا: وما كان يقول؟

قال: كان (عليه السلام) يقول: " إليك رفعت الأصوات، ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، وخير من أعطى، يا صادق، يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدعاء ووعد الإجابة، يا من قال:

* (ادعوني أستجب لكم) * (3)، يا من قال: * (إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) * (4)، ويا

____________

(1) في " ع ": وأصبح محرما.

(2) في " ط ": ونسينا.

(3) غافر 40: 60.

(4) البقرة 2: 186.

الصفحة 544 

من قال: * (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) * (1) لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك المسرف، وأنت القائل: * (لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) * (2) ".

ثم نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء، فقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول في سجدة الشكر؟

قلنا: وما كان يقول؟

قال: كان (عليه السلام) يقول: " يا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا كرما وجودا، يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلا سعة وعطاء، يا من لا تنفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له ما دق وجل، لا يمنعك إساءتي من إحسانك، أن تفعل بي الذي أنت أهله، فأنت أهل الجود والكرم والتجاوز، يا رب يا الله لا تفعل بي الذي أنا أهله، فإني أهل العقوبة ولا حجة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوبي كلها كي تعفو عني، وأنت أعلم بها مني، أبوء إليك بكل ذنب أذنبته، وكك خطيئة احتملتها، وكل سيئة عملتها، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأجل الأكرم ".

وقام فدخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت، وقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى، فجلس متوسطا (3)، ونظر يمينا وشمالا، وقال: كان علي ابن الحسين (عليه السلام) يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب -: " عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك ".

ثم نظر يمينا وشمالا، ونظر إلى محمد بن القاسم من بيننا، فقال: يا محمد بن القاسم، أنت على خير إن شاء الله (تعالى). وكان محمد بن القاسم يقول بهذا الأمر.

وقام فدخل الطواف، فما بقي أحد إلا وقد الهم ما ذكر من الدعاء، وأنسينا أن نذكره إلا في آخر يوم، فقال: بعضنا: يا قوم، أتعرفون هذا؟

____________

(1 و 2) الزمر 39: 53.

(3) في " ط ": مستوطنا.

 

 

الصفحة 545 

فقال محمد بن القاسم: هذا والله هو صاحب الزمان، هو والله (1) صاحب زمانكم.

فقلنا: كيف يا أبا علي؟ فذكر أنه مكث سبع سنين، وكان يدعو ربه، ويسأله معاينة صاحب الزمان (عليه السلام) - قال - فبينا نحن عشية عرفة فإذا أنا بالرجل بعينه يدعو بدعاء، فجئته وسألته ممن هو؟ فقال: من الناس.

فقلت: من أي الناس، أمن عربها أو من مواليها؟ قال: من عربها.

قلت من أي عربها؟ قال: من أشرافها.

قلت: ومن هم؟ قال: بنو هاشم.

قلت: من أي بني هاشم؟ قال: من أعلاها ذروة وأسناها.

فقلت: ممن؟ قال: من فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام.

فعلمت أنه علوي، فأحببته على العلوية، ثم فقدته من بين يدي، ولم أدر كيف مضى، فسألت القوم الذين كانوا حولي: أتعرفون هذا العلوي؟ فقالوا: نعم، يحج معنا كل سنة ماشيا. فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي!

ثم انصرفت إلى المزدلفة كئيبا حزينا على فراقه، نمت ليلتي فإذا أنا بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال لي: يا محمد، رأيت طلبتك؟

قلت: ومن ذلك يا سيدي؟

قال: الذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك. وذكر أنه كان نسي أمره إلى الوقت الذي حدثنا به.(2)

524 / 128 - نقلت هذا الخبر من أصل بخط شيخنا أبي عبد الله الحسين الغضائري (رحمه الله)، قال: حدثني أبو الحسن علي بن عبد الله القاساني، قال: حدثنا الحسين بن محمد سنة ثمان وثمانين ومائتين بقاسان بعد منصرفه من أصبهان، قال:

____________

(1) (صاحب الزمان هو والله) ليس في " ع، م ".

(2) مدينة المعاجز: 607 / 68.

الصفحة 546 

حدثني يعقوب بن يوسف بأصبهان، قال: حججت سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين، فلما دخلنا مكة تقدم بعضهم فاكترى لنا دارا في زقاق (1) من سوق الليل في دار خديجة تسمى دار الرضا (عليه السلام)، وفيها عجوز سمراء، فسألتها لما وقفت على أنها دار الرضا (عليه السلام): ما تكونين من أصحاب هذ الدار، ولم سميت دار الرضا؟

فقال: أنا من مواليهم، وهذه دار الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، وأسكننيها الحسن بن علي (عليهما السلام) فإني كنت خادمة له.

فلما سمعت بذلك أنست بها، وأسررت الأمر عن رفقائي، وكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل أنام مع رفقائي في رواق (2) الدار ونغلق الباب، ونرمي خلف الباب حجرا كبيرا، فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنا فيه شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد فتح، ولم أر أحدا فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلا ربعة (3)، أسمر، يميل إلى الصفرة، في وجهه سجادة (4)، عليه قميصان وإزار رقيق قد تقنع به، وفي رجله نعل طاق - وخبرني أنه رآه في غير صورة واحدة - فصعد إلى الغرفة التي في الدار حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إن لها في الغرفة بنتا، ولا تدع أحدا يصعد إلى الغرفة.

فكنت أرى الضوء الذي رأيته قبل في الزقاق على الدرجة عند صعود الرجل في الغرفة التي يصعدها من غير أن أرى السراج بعينه، وكان الذين معي يرون مثل ما أرى، فتوهموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى بنت هذه العجوز، وأن يكون قد تمتع بها، فقالوا: هؤلاء علوية، يرون هذا (5) وهو حرام لا يحل. وكنا نراه يدخل ويخرج ونجئ إلى الباب وإذا الحجر على حالته التي تركناه عليها، وكنا نتعهد الباب خوفا

____________

(1) الزقاق: الطريق الضيق.

(2) الرواق: بيت كالفسطاط، وقيل: سقف في مقدم البيت.

(3) الربعة: الوسيط القامة.

(4) السجادة: أثر السجود في الجبهة.

(5) أي المتعة.

الصفحة 547 

على متاعنا، وكنا لا نرى أحدا يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج والحجر خلف الباب إلى أن حان وقت خروجنا.

فلما رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي، ووقعت الهيبة فيه، فتلطفت للمرأة، وقلت: أحب أن أقف على خبر الرجل. فقلت لها: يا فلانة، إني أحب أن أسألك وأفاوضك من غير حضور هؤلاء الذين معي، فلا أقدر عليه، فأنا أحب إذا رأيتني وحدي في الدار أن تنزلي لأسألك عن شئ.

فقالت لي مسرعة: وأنا أردت أن أسر إليك شيئا، فلم يتهيأ ذلك من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك - ولم تذكر أحدا -: لا تخاشن (1) أصحابك وشركاءك ولا تلاحهم (2) فإنهم أعداؤك، ودارهم.

فقلت لها: من يقول؟

فقالت: أنا أقول. فلم أجسر لما كان دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها، فقلت:

أي الأصحاب؟ وظننتها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي.

فقالت: لا، ولكن شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك. وكان قد جرى بيني وبين الذين عنتهم أشياء في الدين فشنعوا علي (3) حتى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنها إنما عنت أولئك.

فقلت لها: ما تكونين من الرضا (عليه السلام).

فقالت: كنت خادمة للحسن بن علي (عليهما السلام). فلما قالت ذلك قلت: لأسألنها عن الغائب (عليه السلام)، فقلت: بالله عليك رأيته بعينك (4)؟

____________

(1) خاشنه: خلاف لاينه، أي خشن عليه في القول أو العمل.

(2) أي تنازعهم وتخاصمهم.

(3) شنع فلانا: كثر عليه الشناعة، وشنع عليه الأمر: قبحه.

(4) في " ع، م ": بعينه.

الصفحة 548 

فقالت: يا أخي (1)، لم أره بعيني، فإني خرجت وأختي حبلى وأنا خالية، وبشرني الحسن (عليه السلام) بأني سوف أراه آخر عمري، وقال: تكونين له كما أنت لي. وأنا اليوم منذ كذا وكذا سنة بمصر، وإنما قدمت الآن بكتابه ونفقة وجه بها إلي على يد رجل من أهل خراسان، لا يفصح بالعربية، وهي ثلاثون دينار، وأمرني أن أحج سنتي هذه، فخرجت رغبة في أن أراه.

فوقع في قلبي أن الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو، فأخذت عشرة دراهم رضوية، وكنت حملتها على أن ألقيها في مقام إبراهيم (عليه السلام) فقد كنت نذرت ذلك ونويته، فدفعتها إليها، وقلت، في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة (عليهما السلام) أفضل مما ألقيها في المقام وأعظم ثوابا، وقلت لها ادفعي هذه الدارهم إلى من يستحقها من ولد فاطمة (عليهما السلام)، وكان في نيتي أن الرجل الذي رأيته هو، وإنما تدفعها إليه، فأخذت الدراهم وصعدت وبقيت ساعة ثم نزلت، وقالت: يقول لك ليس لنا فيها حق، فاجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية خذ منها بدلها وألقها في الموضع الذي نويت، ففعلت ما أمرت به عن الرجل.

ثم كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلاء بآذربيجان، فقلت لها:

تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب و (2) يعرفها.

فقالت: ناولني فإني أعرفها. فأريتها النسخة، وظننت أن المرأة تحسن أن تقرأ، فقالت: لا يمكن أن أقرأ في هذا المكان. فصعدت به إلى السطح، ثم أنزلته فقالت:

صحيح. وفي التوقيع: إني أبشركم ما سررت به وغيره.

ثم قالت: يقول لك: إذا صليت على نبيك (عليه السلام)، فكيف تصلي عليه؟

فقلت: أقول: " اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كأفضل ما صليت وبارك وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".

____________

(1) في " ط " زيادة: أني.

(2) في " ط " زيادة: هو.

الصفحة 549 

فقالت: لا، إذا صليت عليهم فصل عليهم كلهم وسمهم. فقلت: نعم.

فلما كان من الغد نزلت ومعها دفتر صغير قد نسخناه فقالت: يقول لك: إذا صليت على نبيك فصل عليه وعلى أوصيائه على هذه النسخة. فأخذتها وكنت أعمل بها.

ورأيته عدة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم وخرج، فكنت أفتح الباب وأخرج على أثر الضوء وأنا أراه - أعني الضوء - ولا أرى أحدا حتى يدخل المسجد، وأرى جماعة من الرجال من بلدان كثيرة يأتون باب هذه الدار، قوم عليهم ثياب رثة يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم، ورأيت العجوز تدفع إليهم كذلك الرقاع وتكلمهم ويكلمونها ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم جماعة في طريقنا حتى قدمنا بغداد.