نفخ الأرواح

الصفحة 31   

نفخ الأرواح (1)

أبو جعفر - رحمه الله - في قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي)(2) فقال:

هي روح مخلوقة أضافها إلى نفسه كما أضاف البيت إلى نفسه وإن كان خلقا له.

____________

(1) الاعتقادات ص 23.

(2) قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) (الحجر: 29) لا يسع الناس حتى المجسمة المشبهة والظاهرية أن يجمدوا على ألفاظ (نفخت فيه من روحي) دون أن يتأولوا المجاز فيها، لأن النفخ الشائع بالهواء إن جوزوه على الآلات أو من الآلات فلن يجوزه على الروح أو من الروح أحد حتى الحشوي الجهول، وإذا تعذرت الحقيقة فأنسب المجازات اتخاذ النفخ استعارة عن الحركة التدريجية المحسوسة في نمو الإنسان تشبيها لها بحركة الجراب المنفوخ أو نحوه فيه، فالتشابه بين نمو الإنسان وبين الحركة التدريجية المحسوسة في الجراب المنفوخ يسوغ استعارة لفظ النفخ لمعنى نمو الجسد المحسوس من ولوج الروح فيه، فترى القرآن يصور نمو الإنسان من محرك خفي في داخله أعني الروح الشبيهة بحركة الجراب من محرك خفي في داخله أعني الريح، ولكن بتصوير بليغ في لفظ وجيز.

أما الروح فهي بمعناها الشائع وغنية عن كل تأويل، والغرض منها الإشارة إلى نمو الإنسان في بدء أمره بواسطة الروح غير أن المهم هو كشف السر عن سر إضافتها إلى الله تعالى، فإن الإضافات تختلف وجوه الاعتبارات فيها حسب اختلاف المضافات، فالخلق عبيد الله باعتبار رقيتهم له، والرقية من أظهر صفات العبيد، والأنبياء سفراء الله باعتبار إبلاغهم أحكام الخالق إلى الخلائق، وهذا التبليغ من أظهر صفات السفراء، والكعبة بيت الله باعتبار اجتماع المسلمين فيها كإخوة، ومن أظهر مزايا البيت جمع شمل الإخوة والعائلة، والمسيح روح الله باعتبار ظهور الكمالات الملكوتية فيه، ومن أظهر صفات الروح أنها مرآة كمالات الملكوت.

إذن فالروح تستحق الإضافة إلى الله بهذا الاعتبار، إذ هي مرآة كمالات الملكوت والمظهر الأتم لكمالات الرب وأسراره الغيبية، وهذه الوجوه أرضى من أوجه الشيخين الجليلين. ش.

الصفحة 32   

قال الشيخ المفيد - رحمه الله -: ليس وجه إضافة الروح [ والبيت ] إلى نفسه(1) والنسبة إليه من حيث الخلق فحسب(2)، بل الوجه في ذلك التمييز لهما بالإعظام والاجلال والاختصاص بالإكرام والتبجيل من جهة التحقق بهما، ودل بذلك على أنهما يختصان منه بكرامة وإجلال لم يجعله لغيرهما من الأرواح و البيوت(3)، فكان الغرض من ذلك دعاء الخلق إلى اعتقاد ذلك فيهما والإعظام لهما به.

____________

(1) أي في الآيات الكريمة: (وعهدنا إلى إبراهيم و إسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين) (سورة البقرة: 126) - (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين) (سورة الحج: 26). ج.

(2) ( أ ) (ح) (ز) (ش) (ق) (م): حسب.

(3) (ق): والبيوتات.