الزيدية 1

حياة زيد

في عصر الاَئمة الثلاثة ( عليهم السلام )

    بَخَس الموَرخون حقوق آل البيت جميعاً ، وحقوق زيد الثائر الشهيد خصوصاً ولم يذكروا من أحواله شيئاً كثيراً ، مع أنّهم استقصوا بيان حياة الجائرين من بني أُمية والعباس وذكروا مجالس المجون والخلاعة لهم ، وما جرى بينهم وبين المغنّيات وسائر الاَجلاف فيها. من القصص والهزليّات وهذا إن دل على شيء فإنّما يدلّ على اضطهاد أهل البيت حتى عند أهل القلم والبيان ، فأخفوا آثارهم ومناقبهم. ولاَجل ذلك نذكر في المقام ما وقفنا عليه في طيات الكتب معتذرين عن قلة ما نهدي إلى سدنة ثائرنا ـ قدس اللّه نفسه الزكية ـ.

    فنقول :

حياته في عصر الاِمام زين العابدين ( عليه السلام ) :

    أدرك زيد بن علي من الاَئمة الاثني عشر ، ثلاثة :

    1ـ والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (38 ـ 94 هـ).

 

________________________________________

(58)

    2ـ أخوه الاَكبر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) (57ـ 114هـ).

    3ـ ابن أخيه الاِمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) (83 ـ 148هـ).

    فلنذكر فيما يرجع إلى المحور الاَوّل من المحاور الثلاثة ، نسبه وميلاده ومواصفاته الخلقية وما يمتّ إليه بصلة.

 

نسبه الوضّاح :

    هو زيد الشهيد ، بن زين العابدين علي ، بن سيد الشهداء الحسين ، بن مولى الموحدين وسيد الوصيين علي ، بن حامي الرسول والذائد عن حريمه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبي طالب ، هوَلاء آباوَه فله أن يفتخر ويقول :

أُولئك آبائـي فجئنـي بمثلهـم           إذا جمعتنا يا جرير المجامع

    وأمّا أُمّه فاسمها حورية أو حوراء اشتراها المختار بن أبي عبيدة الثقفي وأهداها إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : انّ المختار بن أبي عبيدة اشترى جارية بثلاثين ألفاً. فقال لها : أدبري ، فأدبرت ، ثم قال لها : أقبلي ، فأقبلت ، ثم قال : ما أرى أحداً أحقّ بها من علي بن الحسين ، فبعث بها إليه ، وهي أُم زيد بن علي ( عليه السلام ) وأنجبت له زيداً وعمر ، وعلياً وخديجة (1).

    روى ابن قولويه (م 369 هـ) قال : روى بعض أصحابنا ، قال : كنت عند علي بن الحسين ( عليه السلام ) فكان إذا صلّى الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس فجاءُوه يوم ولد فيه زيد ، فبشّروه به بعد صلاة الفجر ، قال : فالتفت إلى أصحابه وقال : « أي شيء ترون أن أُسمّي هذا المولود؟ » فقال كل رجل منهم : سمّه كذا ، سمّه كذا. قال : فقال : « يا غلام عليّ بالمصحف » ، فجاءُوا بالمصحف ، فوضعه على

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 86 ، المكتبة الحيدرية ، النجف الاَشرف (1385هـ ـ 1965م).

________________________________________

(59)

حجره. قال : ثم فتحه ، فنظر إلى أوّل حرف في الورقة ، فإذا فيه : « فَضَّلَ اللّهُ المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجراً عَظِيماً » (النساء ـ 95) قال : ثم طبقه ، ثم فتحه ، فنظر فإذا في أوّل الورقة : « إنَّ اللّهَ اشتَرى مِنَ المُوَمِنِينَ أنفُسَهُم وأموالَهمْ بِأنَّ لَهُمُ الجنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التوراة والاِنجِيلِ والقُرآنِ ومَنْ أوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فاسْتَبشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الّذِي بايَعْتُم بِهِ وذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيم » (التوبة ـ 111) ثم قال : « هو واللّه زيد ، هو واللّه زيد ». فسمّي زيداً (1).

    وفي الروض النضير بعد نقل الآيتين ، قال الاِمام : « عزّيت عن هذا المولود وأنّه لمن الشهداء » (2) وإنّما اختار الاِمام هذا الاسم بعد التفاوَل بالقرآن والمفاجأة بالآيتين ، في صدر الورقةلما تضافر عن النبي والوصي والحسين بن علي ـ عليهم السلام ـ أنّه قال مشيراً إلى الحسين ( عليه السلام ) : « إنّه يخرج من ولده رجل يقال له زيد ، ويقتل بالكوفة ، يصلب بالكناسة ، ويخرج من قبره نبشاً ، تفتح لروحه أبواب السماء وتبتهج به أهل السماوات » (3) فأيقن أنّ المولود هو الذي تنبّأ به الرسول الاَعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

 

ميلاده :

    اختلف الموَرّخون في ميلاده ، ويرجع بعضُ الاختلافِ في ميلاده ، إلى الاختلاف في مقتله ، وأنّه هل استشهد سنة مائة وعشرين ، أو مائة وإحدى وعشرين ، أو مائة وثنتين وعشرين ، أو مائة وثلاث وعشرين ، وبما أنّ المشهور أنّه

________________________________________

    1 ـ ابن إدريس : السرائر : 3/638 ، قسم المستطرفات ، فيما استطرفه من روايات أبي القاسم بن قولويه وحميد بن أحمد المحلي (582 ـ 652هـ) : الحدائق الوردية : 137 ـ 138.

    2 ـ السياغي : الروض النضير : 1/100.

    3 ـ الصدوق : عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1/250 ، الباب 25 ، وحميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية : 138 ـ 139 ، وسيوافيك تفصيل التنبّوَات في محلها.

________________________________________

(60)

استشهد عن عمر يناهز (42 سنة) ، وتلك الشهرة منضمة إلى الاختلاف في نفس الميلاد ، صارا سبباً للاختلاف الاَكثر في ميلاده ، وها أنّا نسرد أقوال الموَرخين والمترجمين ، وعلى جميع الاَقوال يدور ميلاده بين سنة (75) و (79) وربما يبدو أنّ الحقّ غير ذلك ، وسيوافيك آخر البحث :

    1ـ قال محمد بن سعد : قتل يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة ويقال : سنة اثنتين وعشرين ومائة (1).

    2 ـ وقال البخاري : زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي عن أبيه ، روى عنه عبد الرحمن بن الحارث ويقال : كنيته أبو الحسين ، أخو محمد بن علي ، وحسين بن علي قتل سنة ثنتين وعشرين ومائة (2).

    3 ـ وقال ابن حِبّان في الثقات : رأى جماعة من أصحاب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وروى عنه ولده ، وقتل سنة ثنتين وعشرين ومائة (3).

    4 ـ وعن مصعب بن عبد اللّه الزبيري : قتل زيد بن علي بالكوفة. قتله يوسف بن عمر في زمن هشام بن عبد الملك وقتل يوم الاثنين لثلاث خلت من صفر سنة عشرين ومائة ، وهو يوم قتل ، ابن اثنتان وأربعين سنة (4).

    5 ـ وقال الذهبي : اختلف في تاريخ مصرعه على أقوال : فقال مصعب الزبيري : قتل في صفر سنة عشرين ومائة وله اثنتان وأربعون سنة.

    وقال أبو نعيم : قتل يوم عاشوراء سنة اثنتين وعشرين ومائة ، رواه ابن سعد.

    وقال الزبير بن بكار : قال محمد بن الحسن : قتل زيد يوم الاثنين ثاني صفر

________________________________________

    1 ـ ابن سعد : الطبقات : 5/326.

    2 ـ البخاري : التاريخ الكبير : 2/403 برقم 1341.

    3 ـ ابن حبان : الثقات : 4/249 ـ 250.

    4 ـ المزي : تهذيب الكمال : 10/98.

(61)

سنة اثنتين وعشرين ومائة (1).

    6 ـ وقال الصفدي : وكانوا قد صلبوه بالكناسة سنة إحدى واثنتين أو ثلاث وعشرين ومائة ، وله اثنتان أو أربع وأربعون سنة ثم حرقوه بالنار ، فسمّي زيد النار ، ولم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين ثم أُنزل بعد أربع سنين من صلبه (2).

    7 ـ وروى السياغي عن الاِمام المرشـد باللّه في أماليـه أنّه ولـد سنة 75 واستشهد سنة 122هـ (3).

    وسيوافيك عن الطبري والجزري في الفصل المختص بثورته أنّهما ذكرا تاريخ خروجه واستشهاده عام 122هـ.

 

القول الحق في ميلاده :

    ولكن هنا احتمالاً آخر لا يتفق مع جميع الاَقوال لكن توَيده القرائن والروايات وهي أنّ أُم زيد كما تقدم ـ كانت أمة أهداها المختار إلى الاِمام زين العابدين ( عليه السلام ) ـ وقد خرج المختار عام 66 وقتل عام 67هـ ، وطبع الحال يقتضي أنّه أهداها إلى الاِمام في أحد العامين ، ولا يمكن تأخره عنهما ، وبما أنّ زيداً كان أوّل ولدٍ أنجبت فلا محيص عن القول بأنّ زيداً من مواليد سنة 67هـ أو بعدها ، ولو قلنا بتأخر ولادة زيد إلى عام 75هـ وما بعده فلازم ذلك أن لا يمسّها الاِمام إلى ذلك العام أو كانت لا تلد إلى تلك السنة أو أولدت ولكن لم يكن له حظ من البقاء والكل بعيد. وعلى ضوء ذلك يحتمل قوياً أنّ يكون ميلاد زيد هو

________________________________________

    1 ـ الذهبي : تاريخ الاِسلام ووفيات المشاهير والاَعلام : 107 ـ 108 (حوادث سنة 121 ـ 140هـ).

    2 ـ الصفدي : الوافي بالوفيات : 15/34. (إنّ « زيد النار » لقب زيد بن موسى بن جعفر الذي خرج في عصر « المأمون » وأحرق بيوت بني العباس : والظاهر أنّ الصفدي قد سها في تسمية زيد بن علي به).

    3 ـ السياغي : الروض النضير : 1/96.

________________________________________

(62)

عام قتل المختار ، أعني : 67هـ ، أو عام بعده ، فلو أخذ في مقتله بالقول المشهور ، وأنّه استشهد عام 122هـ ، يكون عمره عند ذاك حوالي 55 سنة.

    هذا وتوَيد ذلك روايات تنصّ على أنّ أُمّه حملت زيداً عام الاَهداء وإليك نصّها :

    1 ـ روى الشيخ أبو القاسم فرات بن إبراهيم الكوفي ـ من أعلام أوائل القرن الرابع ـ في تفسيره عن الجعفي عن أبيه ، قال : كنت أُدمن الحجّ فأمرّ على علي ابن الحسين ( عليهما السلام ) فأُسلِّمُ عليه ففي بعض حججي غدا علينا علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ووجهه مشرق فقال : « جاءني رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ليلتي هذه حتى أخذ بيدي فأدخلني الجنّة ، فزوّجني حوراء فواقعتها فعلقته ، فصاح بي رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا علي بن الحسين سمِّ المولود منها زيداً ».

    قال : فما قمنا من مجلس عليّ بن الحسين ذلك اليوم ، وعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقصّ الروَيا حتى أرسل المختار بن أبي عبيدة بأُم زيد أرسل بها إليه المختار ابن أبي عبيدة هدية إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) شراها بثلاثين ألفاً ، فلما رأينا إشغافه بها تفرّقنا من المجلس ، فلما كان من قابل حججت ومررت على علي بن الحسين ( ( عليهما السلام ).أ) لاَُسلِّم عليه فأخرج بزيد على كتفه الاَيسر وله ثلاثة أشهر وهو يتلو هذه الآية ويومىَ بيده إلى زيد وهو يقول : « هذا تَأوِيلُ رُوَيايَ مِن قَبلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقّاً » (1).

    2 ـ روى أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي وقال : وعن أبي حمزة الثمالي قال : كنت أزور علي بن الحسين ( عليهما السلام ) في كل سنة مرّة في وقت الحجّ ، فأتيته سنة وإذا على فخذه صبيّ ، فقام الصبي فوقع على عتبة الباب فانشجّ رأسه ، فوثب إليه علي بن الحسين ( عليهما السلام ) مُهَروِلاً فجعل ينشف دمه بثوبه

________________________________________

    1 ـ فرات بن إبراهيم : التفسير : 200 ، تحقيق محمد الكاظم.والآية 100 من سورة يوسف.

________________________________________

(63)

ويقول له : « يابني أُعيذك باللّه أن تكون المصلوب في الكناسة! » قلت : بأبي أنت وأُمي أيّ كناسة؟ قال : « كناسة الكوفة ». قلت : جعلت فداك ويكون ذلك ؟ قال : « أي واللّه إن عشت بعدي لترينّ هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولاً مدفوناً منبوشاً مسلوباً مسحوباً مصلوباً في الكناسة ثم ينزل فيحرق ويدق ويذرى في البر ».

    قلت : جعلت فداك وما اسم هذا الغلام؟ قال : « زيد ». ثم دمعت عيناه ، ثم قال : « ألا أُحدثك بحديث ابني هذا ، بينما أنا ليلة ساجد وراكع ، ذهب بي النوم فرأيت كأنّي في الجنة ، وكأنّ رسول اللّه وعلياً وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ قد زوّجوني جارية من الحور العين ، فواقعتها واغتسلت عند سدرة المنتهى وَوَلِّيت ، وهاتف يهتف بي : لِيُهنَّك زيد ، ليهنّك زيد ، ليهنّك زيد. فاستيقظت فأصبت جنابة ، فقمت فتطهرت وصليت صلاة الفجر ، فدقّ الباب وقيل لي : على الباب رجل يطلبك. فخرجت فإذا أنا برجل معه جارية ملفوف كمها على يده ، مخمرة بخمار ، فقلت : ما حاجتك؟ فقال : أُريد علي بن الحسين. فقلت : أنا علي بن الحسين. قال : أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفي وهو يقرئك السلام ويقول : وقعت هذه الجارية في ناحيتنا فاشتريتها بستمائة دينار وهذه ستمائة دينار فاستعن بها على دهرك (1) ودفع إليّ كتاباً ، فأدخلت الرجل والجارية وكتبت له جواب كتابه ، وقلت للجارية : ما اسمك ؟ قالت : حوراء. فهيّوَوها لي وبتُّ بها عروساً فعلقت بهذا الغلام فسمّيته زيداً ، وهو هذا ، وسرّي ما قلت لك ».

________________________________________

    1 ـ روى ابن الاَثير : أنّ المختار وجد في بيت المال تسعة آلاف ألف فقسّمها بين أصحابه (الكامل : 4/226) ولعله عند ذاك بعث بهذه الدنانير إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، فيكون عام الاِهداء هو عام الخروج.

________________________________________

(64)

    قال أبو حمزة : فما لبثت إلاّ برهة حتى رأيت زيداً بالكوفة في دار معاوية بن إسحاق فسلّمت عليه. ثم قلت : جعلت فداك ما أقدمك هذا البلد؟ قال : الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فكنت أختلفُ إليه فجئته ليلة النصف من شعبان فسلمت عليه وجلست عنده. فقال : يا أبا حمزة تقوم حتى تزور قبر أمير الموَمنين علي ( عليه السلام ) ؟ ـ قلت : نعم جعلت فداك.

    ثم ساق أبو حمزة الحديث حتى قال :

    أتينا الذكوات البيض فقال : هذا قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ثم رجعنا فكان من أمره ما كان. فواللّه لقد رأيته مقتولاً مدفوناً منبوشاً مسلوباً مسحوباً مصلوباً بالكناسة ثم أُحرق ودق وذُري في الهواء (1).

    3 ـ ما رواه أبو القاسم علي الخزاز قال : عن زيد بن علي ( عليه السلام ) قال : كنت عند أبي علي بن الحسين ( عليه السلام ) إذ دخل عليه جابر بن عبد اللّه الاَنصاري ، (م78هـ) فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر ، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال : يا غلام أقبل ، فأقبل ، ثم قال : أدبر ، فأدبر ، فقال : شمائل كشمائل رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما اسمك يا غلام؟ قال : « محمد ». قال : ابن من؟ قال : « ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب » ، قال : أنت إذاً الباقر. قال : فأبكى (فانكبّ) عليه وقبّل رأسه ويديه ثم قال : يا محمد إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقرئك السلام. قال : « على رسول اللّه أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام ».

    ثم عاد إلى مصلاّه ، فأقبل يحدث أبي ويقول : إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لي يوماً : يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام فإنّه سميّي وأشبه الناس بي ، علمه علمي وحكمه حكمي ، سبعة من ولده أُمناء

________________________________________

    1 ـ الثقفي : الغارات : 2/860 ـ 861؛ وابن طاووس : فرحة الغريّ : 51 ، المطبوع في ذيل مكارم الاَخلاق.

________________________________________

(65)

معصومون أئمة أبرار ، والسابع مهديهم الذي يملاَ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثمّ تلا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « وَجَعَلناهُمْ أئمّةً يَهدُونَ بِأَمرنا وأوْحَيْنا إلَيْهِم فِعْلَ الخَيْراتِ وإقَامِ الصَّلاةِ وإيتَاءَ الزَّكاةِ وكَانُوا لَنا عابِدِينَ » (1).

    المشهور أنّ جابر ، توفي بين السبعين والثمانين من الهجرة (2).

    وهذه الروايات المسندة ، التي رواها الاَثبات من العلماء ، مع ما ذكرنا من القرينة يدفع جميع الاَقوال ويثبت أنّ ميلاده كان متقدماً على عقد السبعين كما عرفت.

    إكمال :

    ولعل ما يرويه الكليني في كافيه من تعبير عبد الملك تزويج الاِمام السجاد ، أمته راجع إلى أُم زيد التي كانت أمة وتزوجها الاِمام بعد الاعتاق ، وإليك النص :

    كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه بأخبار ما يحدث فيها ، وإن عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) أعتق جارية له ثم تزوّجها ، فكتب العين إلى عبدالملك.

    ثم كتب عبد الملك إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) : « أمّا بعد : فقد بلغني تزويجك مولاتك ، وقد علمت أنّه كان في أكفّائك من قريش من تُمجّد به في الصهر ، وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ، ولا على ولدك أبقيت والسلام.

    فكتب إليه علي بن الحسين ( عليه السلام ) : « أمّا بعد : فقد بلغني كتابك تعنّفني بتزويجي مولاتي وتزعم أنّه قد كان في نساء قريش من أتمجّد به في

________________________________________

    1 ـ الخزاز : كفاية الاَثر في النص على الاَئمة الاثني عشر : 298.والآية 73 من سورة الاَنبياء.

    2 ـ قال الشيخ الطوسي في رجاله : أنّه توفي عام 78 ، وبه قال ابن قتيبة في معارفه ، والطبري في ذيوله لاحظ : قاموس الرجال لشيخنا التستري : 2/519.

________________________________________

(66)

الصهر ، واستنجبه في الولد ، وأنّه ليس فوق رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرتقاً في مجد ، ولا مستزاد في كرم. وإنّما كانت ملك يميني خرجت منّي ، أراد اللّه عزّ وجلّ منّي بأمر التمس به ثوابه ، ثم ارتجعتها على سنة ، ومن كان زكياً في دين اللّه فليس يخل به شيء من أمره ، وقد رفع اللّه بالاِسلام الخسيسة ، وتمّم به النقيصة ، وأذهب اللوَم ، فلا لوَم على أمرىَ مسلم إنّما اللوَم لوَم الجاهلية والسلام ».

    فلمّا قرأ ، الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان فقرأه ، فقال : يا أمير الموَمنين لشدّ ما فخر عليك علي بن الحسين!! فقال : يا بني لا تقل ذلك فإنّها ألسُن بني هاشم التي تفلق الصخر ، وتغرف من بحر ، أنّ علي بن الحسين ( عليه السلام ) يا بني يرتفع من حيث يتّضع الناس (1).

 

مواصفاته الخلقية :

    نقل السياغي عن الشيخ أبي محمد يحيى بن يوسف بن محمد الحجوري الشافعي : أنَّ زيداً كان أبيض اللون ، أعين ، مقرون الحاجبين ، تام الخلق ، طويل القامة ، كث اللحية ، عريض الصدر ، أقنى الاَنف ، أسود الرأس واللحية ، إلاّ أنّه خالطه الشيب في عارضيه.

    كان مثل جده ( عليه السلام ) في شجاعته وسخاوته وفصاحته وبلاغته وعلمه وحلمه ـ إلى أن قال : ـ وما أشبه حاله بقول من قال :

فما إن براه اللّه إلاّ لاَربعإمامٌ لاَخيارٍ ، وقلبٌ لجحفلٍ              يقرّ له القاصي بهنّ مع الدانيوفارسُ ميدانٍ وصدرٌ لاِيوانِ

________________________________________

    1 ـ الكليني : الكافي : 5/344.

________________________________________

(67)

    إلى أن قال : ونحن نعلم بأنّ من بني أُمية من خطب له في ثمانين ألف منبر ، فإذا مات ، مات ذكره معه ، وكان من بني العباس من كانت دولته خمسين سنة وملك أقطار الاَرض من شرق وغرب فما كان ذكرهم إلاّ مدّة حياتهم (1).

    روى أبو الفرج عن مولى آل الزبير ، قال : كنّا عند علي بن الحسين ( عليه السلام ) فدعا ابناً له يقال له : زيد ، فكبا لوجهه ، وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : « أُعيذك باللّه أن تكون زيداً المصلوب بالكناسة من نظر إلى عورته متعمداً أصلى اللّه وجهه النار » (2).

    وعن أبي خالد الواسطي وأبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنّه قال لهما : « يا أبا خالد ، وأنت يا أبا حمزة إنّ أبي دعا زيداً فاستقرأه القرآن ، فقرأ عليه ، فسأله عن المعضلات ثم دعا له وقبّل بين عينيه » ، ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « يا أبا حمزة إنّ زيداً أُعطي من العلم علينا بسطة » (3).

    والظاهر أنّ الراوي صحّف كلمة الاِمام وأضاف لفظة « علينا » وأنّ أبا جعفر قال : إنّ زيداً أُعطي من العلم بسطة مشيراً إلى قوله سبحانه : « وزادَهُ بَسْطَةً في العِلْمِ والجِسْم » (البقرة ـ 247).

    ولو صحّ ما ذكره السياغي فيرجع كونه ذا قراءة خاصة إلى عصره والده السجاد ( عليه السلام ) : فقال أبو سعيد الحميري أنّه ضليع بعدّة علوم منها علم القرآن ، ووجوه القراءات وله قراءة خاصة مفردة مروية عنه (4).

    ونقل الشيخ الطوسي في الفهرست أنّ قراءته هي عين قراءة جده الاِمام

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/97 ، حميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية : 138.

    2 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 89.

    3 ـ السياغي : الروض النضير : 1/102 ، حميد بن أحمد المحلي : الحدائق الوردية : 142.

    4 ـ الحور العين : 186.

________________________________________

(68)

علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) (1).

    قال محقّق تفسيره في مقدمته : « ولعلّ أوّل من جمع قراءته بكتاب مستقل عمر بن موسى الوجيهي الذي كان معاصراً لزيد فقال عنها : « إنّ هذه القراءة سمعتها عن زيد بن علي ( عليه السلام ) » وكان هذا الكتاب موجوداً بعد سنة إحدى وستين ومائتين فقد استنسخها إبراهيم بن مسكين في السنة ذاتها ونقل عنه بعد ذلك يحيى بن كهمش.

    وقد جمع قراءته أيضاً الحسن بن علي الاَهوازي. ولعل أبا حيان قد اطّلع عليها أو على قسم منها على الاَقل ، فقد استشهد منها في كتابه البحر المحيط فذكر « أنّ الاَهوازي ... في قراءة زيد بن علي أنّه قرأ ربّ العالمينَ الرحمنَ الرحيمَ بنصب الثلاثة ».

    وجمعها أيضاً أبو حيان في كتاب سمّاه : « النير الجلي في قراءة زيد بن علي ».

    ووردت قراءة زيد أيضاً كاملة في كتب القراءة والتفسير لكنها مقرونة بغيرها من القراءات حسب ورود كل منها على الآية القرآنية الكريمة.

    فقد جاءت بهذه الطريقة في كتب القراءات كما في كتاب « شواذ القراءة » للكرماني ، وأيضاً في كتاب « معجم القراءات القرآنية ».

    وكذلك وردت كاملة في كتب التفسير كما في كتاب « البحر المحيط » لاَبي حيان وكذلك ضمها الآلوسي لكتابه في التفسير المسمّى « روح المعاني » (2).

    وقال الكاتب الچلبي : كتاب « النير الجلي في قراءة زيد » لاَبي علي الاَهوازي المقري (3).

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الفهرست : 140.

    2 ـ الدكتور حسن محمد تقي الحكيم : تفسير الشهيد زيد بن علي : 37 ، المقدمة.

    3 ـ الكاتب الچلبي : كشف الظنون : 2/624.

________________________________________

(69)

وفي الختام :

    نقل المقريزي عن عاصم بن عبيد اللّه أنّه قال : لقد أُصيب عندكم رجل ماكان في زمانكم مثله ، ولا أراه يكون بعده مثله (زيد بن علي) لقد رأيته وهو غلام حدث ، وأنّه ليسمع الشيء من ذكر اللّه فيغشى عليه ، حتى يقول القائل ما هو بعائد إلى الدنيا ... (1).

 

حياته في عصر الاِمام الباقر ( عليه السلام ) :

    التحق الاِمام زيد العابدين ( عليه السلام ) بالرفيق الاَعلى ، ونصّ على إمامة ولده البارّ ، أبي جعفر محمد الباقر ( عليه السلام ) الذي دان بفضله وعلمه وورعه الداني والقاصي ، والموَالف والمخالف قال ابن حجر : سمّي الاِمام باقراً ، لاَنّه من بقر الاَرض أي شقّها وإثارة مخبآتها ومكامنها ، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الاَحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثم قيل هو باقر العلم وشاهر علمه ورافعه (2).

    لقد استنارت بقية الصحابة ووجوه التابعين ، من نوره ، وارتووا من منهل علمه ، فكان الاحتفال بمجالسه أكبر احتفال ، يوم ذاك. توفي الاِمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وزيد بن علي في أوان حلُمه ، أو بعده بقليل فضّمه الاِمام الباقر إلى أولاده فكان يعطف عليه ويحنو إليه كالوالد الروَوف بالنسبة إلى أولاده إلى أن شبّ وترعرع ، وبلغ في العلم والعمل ما بلغ ، وقد نصّ بذلك أكثر من كتب عن زيد :

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/ 98 ، لاحظ الخطط للمقريزي : 2/419.

    2 ـ ابن حجر : الصواعق المحرقة : 200 ، ط2 ، مكتبة القاهرة (1385هـ ـ 1965م).

________________________________________

(70)

    1 ـ قال الشيخ في فصل أصحاب الاِمام الباقر ( عليه السلام ) : « زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، أخوه ( عليه السلام ) ، ذكره أيضاً في أصحاب أبيه زين العابدين ( عليه السلام ) (1).

    2 ـ قال المزي : روى عن : أبان بن عثمان ، وعبيد اللّه بن أبي رافع ، وعروة بن الزبير وأبيه علي بن الحسين وأخيه أبي جعفر محمد بن علي الباقر (2).

    3 ـ وذكره بهذا النصّ ابن حجر في تهذيب التهذيب (3).

    4 ـ وقال الذهبي : زيد بن علي بن الحسين ... الهاشمي العلوي أخو أبي جعفر ... روى عن : أبيه وأخيه أبي جعفر وعروة وكان أحد العلماء الصلحاء بدت منه هفوة (4) فاستشهد فكانت سبباً لرفع درجته في آخرته (5).

    لقد عاش زيد تحت رعاية أخيه الكبير البار الحنون فتلقى منه الحديث والتفسير والاَُصول والمعارف حتى فاق وبرع أقرانه.

    قال ابن زهرة : وقد مات أبوه (زيد) عام 94هـ أي وهو في الرابعة عشرة من عمره فتلقى الرواية عن أخيه محمد الباقر ( عليه السلام ) الذي يكبره بسن تسمح بأن يكون له أباً إذ إنّ الاِمام جعفر الصادق بن الاِمام محمد الباقر ( عليهما السلام ) ، كان مثل سن الاِمام زيد رضي اللّه عنهم أجمعين.

________________________________________

    1 ـ الشيخ الطوسي : الرجال : باب الزاي : 89 ـ 122.

    2 ـ جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 10/96.

    3 ـ ابن حجر العسقلاني : تهذيب التهذيب : 3/419.

    4 ـ أُنظر إلى كلام الرجل ، وتسميته الخروج على الظلم والعدوان هفوة والمداراة مع الظالمين ثباتاً على الدين. ولا عتب لاَنّه من الذين رأوا الخروج على الظالمين حراماً ، على خلاف قول رسول اللّه من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً حرم اللّه ، ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول اللّه ، يعمل في عباده بالاِثم والعدوان ، فلم يُغير عليه بفعل أو قول كان حقاً على اللّه أن يدخله مدخله (الطبري : التاريخ : 4/304) وسيوافيك الكلام في هذا المجال في المستقبل.

    5 ـ الذهبي : تاريخ الاِسلام : 105 (حوادث سنة 121 ـ 140هـ).

(71)

    وما كان من المعقول أن يجمع الاِمام زيد وهو في سن الرابعة عشرة كل علم آل البيت فلابد أن يكمل أشطراً من أخيه الذي تلقى علم أبيه كاملاً ، وقد كان الباقر ( عليه السلام ) إماماً في الفضل والعلم ، وأخذ عنه كثيرون من العلماء ورووا عنه ومن هوَلاء أبو حنيفة شيخ فقهاء العراق ، وقد نال الباقر ( عليه السلام ) فضل الاِمامة العلمية ، حتى أنّه كان يحاسب العلماء على أقوالهم وما فيها من خطأ وصواب (1).

    كان الاِمام الباقر ( عليه السلام ) ينظر إليه نظر أخٍ عطوف ويثني عليه أحياناً ويطريه ، ويأمر بعض أصحابه بإنشاء طرائف تمثل شخصية زيد ونفسيته وإليك بعض ما وقفنا عليه :

    5 ـ روى الصدوق في الاَمالي عن أبي الجارود قال : إنّي لجالس عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) إذ أقبل زيد فلما نظر إليه وهو مقبل ، قال : « هذا سيد أهل بيته والطالب بأوتارهم لقد أنجبت أُمٌّ ، ولدتك يازيد » (2).

    6 ـ وعن جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) وقد نظر إلى أخيه زيد بن علي فتلا هذه الآية : « فالّذِينَ هَاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِي سَبِيلي وقاتَلُوا وقُتِلُوا ... » الآية ، وقال : هذا واللّه من أهل ذلك » (3).

    7 ـ وعنه أيضاً سألت محمد بن علي ( عليهما السلام ) عن أخيه زيد فقال : « سألتني عن رجل ملىء إيماناً وعلماً من أطراف شعره وقدمه وهو سيد أهل بيته » (4).

    دخل زيد على الاِمام الباقر ( عليه السلام ) فلما رآه تلا : « يا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوامينَ للّهِ شُهداءَ بالقِسطِ » ثم قال : « أنت واللّه يا زيد من أهل ذلك » (5).

________________________________________

    1 ـ محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الاِسلامية : 2/ 465.

    2 ـ الصدوق : الاَمالي : 335 ، الحديث 11.

    3 ـ السياغي : الروض النضير : 4/104.والآيتان من سورة آل عمران : 195 وسورة المائدة : 8.

    4 ـ السياغي : الروض النضير : 4/104.والآيتان من سورة آل عمران : 195 وسورة المائدة : 8.

    5 ـ السياغي : الروض النضير : 4/104.والآيتان من سورة آل عمران : 195 وسورة المائدة : 8.

________________________________________

(72)

    8 ـ روى الصدوق عن جابر الجعفي ، قال : دخلت على الباقر ( عليه السلام ) وعنده زيد أخوه ، فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي ، قال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : « يامعروف أنشدني من طرائف ما عندك » ، فأنشد :

لعمرك ! ما إن أبو مالكولا بألدّ « لدى قوله » (1)ولكنه سيد بارعإذا سُدته ، سُدتَ مِطواعة                بوان ، ولا بضعيف قواهيعادي الحكيم إذا ما نهاهكريم الطبايع حلو نثاه (2)ومهما وكلت إليه كفاه

    قال : فوضع أبو جعفر ( عليه السلام ) يده على كتفي زيد ، وقال : هذه صفتك يا أبا الحسين! (3).

    9 ـ روى أبو الفرج عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنّه قال له بعد التمثل بالاَبيات السابقة : « ولقد أنجبت أُمّ ولدتك يا زيد. اللّهم أشدد أُزري بزيد » (4).

________________________________________

    1 ـ ورواه في الاَغاني بالنحو التالي :

ولا بالاَلدَّ ، لــه فــــارغ                 يعادي أخاه إذا ما نهـاه (الاَغاني : 24/106)

    2 ـ بتقديم النون على الثاء المثلثة لاحظ تعليقة المحقّق على البحار : 46/169.

    3 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1/251 ح5 الباب 25 ، أبو الفرج : الاَغاني : 24/106 ، ورواه في الاَغاني بالنحو التالي :

ولـكـنّـه هيِّـــن ليّـــنٌ                 كعاليـة الرمـح عَردٌ نَساه

    قال المعلّق : عرد نساه شديد ساقه. (الاَغاني : 24/106)

    4 ـ أبو الفرج : الاَغاني : 24/107 ومر صدره في حديث الصدوق.

________________________________________

(73)

حياته في عصر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) :

    1 ـ لم يذكر التاريخ شيئاً من حياته في عصر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) ، غير تجواله في البلاد ، لدعم الخروج ، وجمع العُدّة والعِدِّة ، الذي سيمر عليك في الفصول الآتية غير أنّه لو صحّ ما يرويه أبو الفرج الاصفهاني عن عبد اللّه بن جرير أنّه رأى أنّ جعفر بن محمد ( عليه السلام ) « يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج » (1) لدل على أنّ الاِمام ( عليه السلام ) كان يكرمه لكونه عمـه ـ وهو بمنزلة الاَب ـ ولاَنّه أكبر منه سناً ، خصوصاً على ما حقّقنا من أنّه من مواليد عام 67 أو 68 ، فيدل على تواضعه وكمال أدبه ، وقد كان ذلك رائجاً بين بني هاشم.

    وقد كان بين زيد ، وعبد اللّه بن الحسن المثنى مناظرة في صدقات علي ( عليه السلام ) فكانا يتحاكمان إلى قاض ، فإذا قاما من عنده أسرع عبد اللّه إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب (2).

    وقد كانت أواصر الحب والود بين الاِمام وعمه متبقية إلى يوم حمامه ، ولما بلغ نعيه إلى المدينة أخذ الناس يفدون إلى الاِمام ويعزّونه.

    2 ـ روى أبو الفرج عن فضيل بن رسام : دخلت علي جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أُعزّيه عن عمّه ثم قلت له : ألا أُنشدك شعر السيد (الحميري) فقال : « أنشد » فأنشدته قصيدته (العينية المعروفة) التي يقول فيها :

الناس يوم البعث راياتهم                  خمس فمنها هــالك أربـع (3)

________________________________________

    1 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 87.

    2 ـ سيوافيك شرح المحاكمة بينهما.

    3 ـ أبو الفرج : الاَغاني : 7/251 ، وللقصة صلة ، فمن أراد فليرجع إلى مصدرها.

________________________________________

(74)

    3 ـ لمّا توفي الاِمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) أنشد زيد قصيدة ـ سنوافيك بها في فصل خطبه وأشعاره ـ عزّى فيها الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وقال :

أبا جعفر الخير أنت الاِمام                 وأنت المرجي لبلوى غدي (1)

    ويظهر من بعض الروايات أنّه استشار الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في خروجه فقال له : « يا عم إن رضيت أن تكون المقتول (المصلوب) بالكناسة فشأنَك » فلمّا ولّى ، قال جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) : « ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه » (2) .

    روى الصدوق عن معمر بن خيثم : كنت جالساً عند الصادق ( عليه السلام ) فجاء زيد بن علي بن الحسين فأخذ بعضادتي الباب ، فقال له الصادق ( عليه السلام ) : « أُعيذك أن تكون المصلوب بالكناسة » (3).

    كل ذلك يدلّ على ودٍّ عميق للعمّ ، وأدب لائق بأهل البيت.

________________________________________

    1 ـ ابن شهر آشوب : المناقب : 4/197 ، طبعة دار الاَضواء ، بيروت.

    2 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1/248 ح1 ، عنه البحار : 46/174 ح27.

    3 ـ الصدوق : العيون : 1 ، الباب 25 ، الحديث : 4 ، طبعة قم. وسنوافيك ببقية الرواية.

________________________________________

(75)

الفصل الثالث

في خطبه ، وكلماته

وأشعاره ، ومناظراته وعبادته

    كان زيد الشهيد فصيحاً ، بليغاً يأخذ بجوامع الكلم ويستعملها في مواردها وقد شهد به الصديق والعدو ، قال الواقدي : وبلغ هشام بن عبد الملك مقامُ زيد بالكوفة ، فكتب إلى يوسف بن عمر : أشخِصْ زيداً إلى المدينة فإنّي أخاف أن يخرجه أهل الكوفة لاَنّه حلو الكلام ، شديد البيان ، خليق بتمويه الكلام (1) وإليك بعض ما أثر عنه من المواعظ والحكم والاَدب ونحوها :

    1 ـ روى أبو الموَيد موفق بن أحمد المدعو بـ « أخطب خوارزم » : « قيل لزيد ابن علي : الصمت خير أم الكلام؟ فقال : قبح اللّه المساكتة ، ما أفسدها للبيان ، وأجلبها للعيّ والحصر ، واللّه للمماراة أسرع في هدم الفتى من النار في يبس العرفج ، ومن السيل إلى الحدور (2) (3).

________________________________________

    1 ـ سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص : 300 ، اليعقوبي : التاريخ : 2/325 الخوارزمي : مقتل الحسين : 2/119.

    2 ـ الحدور على وزن رسول هو المكان ينحدر منه. (لسان العرب : 4/172 ، مادة « حدر) ».

    3 ـ محسن الاَمين : أعيان الشيعة : 7/123 ، نقلاً عن مقتل الحسين للخوارزمي.

________________________________________

(76)

    فقد فضل الكلام على السكوت ، وذم المماراة ، فالكلام أفضل بشرط أن لا يكون مماراة.

    2 ـ إذا تلا زيد بن علي قوله سبحانه : « وإن تَتَولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أمْثَالَكُم » (محمد ـ 38).

    يقول : « إنّ كلام اللّه هذا تهديد وتخويف ، ثم يقول : اللّهم لا تجعلنا ممّن تولّى عنك فاستبدلت به بدلاً » (1).

    3 ـ قال زيد بن علي لاَصحابه : « أُوصيكم بتقوى اللّه ، فإنّ الموصي بها لم يدَّخر نصيحة ، ولم يقصِّـر في الاِبلاغ ، فاتقوا اللّه في الاَمر الذي لا يفوتكم منه شيء وإن جهلتموه وأجملوا في الطلب ، ولاتستعينوا بنعم اللّه على معاصيه ، وتفكّروا ، وأبصروا هل لكم قبل خالقكم من عمل صالح قدمتموه فَشَكَرَه لكم ، فبذلك جعلكم اللّه تعالى من أهل الكتاب والسنّة ، وفضّلكم على أديان أبائكم ، ألم يستخرجكم نطفاً من أصلاب قوم ، كانوا كافرين ، حتى بثّكم في حجور أهل التوحيد ، وبث من سواكم في حجور أهل الشرك ، فبأي سوابق أعمالكم طهركم إلاّ بمنّه وفضله الذي يوَتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم » (2).

    4 ـ وقال مبيّناً لما هو الغاية من الخروج : « وإنّما خرجت على بني أُمية الذين قتلوا جدي الحسين ، وأغاروا على المدينة يوم الحرة ، ثم رموا بيت اللّه بحجر المنجنيق والنار » (3).

    5 ـ روى عبد اللّه بن مسلم بن بابك قال : خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة ، كان نصف الليل واستوت الثريا فقال : « يا بابكيّ ، ما ترى هذه الثريا أترى أن

________________________________________

    1 ـ محسن الاَمين : أعيان الشيعة : 7/123.

    2 ـ الاَمير أُسامة بن مرشد ، لباب الآداب نقلاً عن المدائن كما في زيد الشهيد للسيد الاَمين العاملي : 92.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 35 ـ 36.

________________________________________

(77)

أحداً ينالها؟ » قلت : لا ، قال : « واللّه لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض أو حيث أقع ، فأتقطَّع قطعة قطعة وإنّ اللّه أصلح بين أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) » (1).

    6ـ إنّ زيداً كتَّب كتائبه ، فلمّـا خفقت راياته رفع يده إلى السماء فقال : « الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه ما يسرني إنّي لقيت محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنههم عن منكر ».

    وفي رواية أُخرى : « واللّه إنّي لاَستحيي من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا لقيته ولم آمر أُمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه إن أُجّجت لي نار وقذفتُ فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه عزّ وجلّ ، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الاَعلى مع محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم ـ ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونحن بنوه ، يا معشر الفقهاء وأهل الحجى أنا حجة اللّه عليكم هذه يدي مع أيديكم ، على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتابه ... »(2).

    7ـ كانت بيعته التي يبايع عليها الناس هي : « إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه ، وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسوية ورد الظالمين ، وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا ، وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك؟ » فإذا قالوا نعم ، وضع يده على يده ثم يقول : « عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته أو ذمة رسول اللّه لتفينّ ببيعتي ، ولتقاتلنّ عدوي ، ولتنصحنّ لي في السر والعلانية » فإذا قال نعم مسح يده على يده ، ثم قال : « اللهم اشهد » (3).

________________________________________

    1 ـ المجلسي : البحار : 44/329.

    2 ـ أخطب خوارزم : مقتل الحسين : 2/108.

    3 ـ الطبري : التاريخ : 5/492 ، ابن الاَثير : الكامل : 4/233 ، باختلاف يسير في الكلمات.

________________________________________

(78)

    8 ـ ومن كلامه : « إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه وإلى السنن أنّ تحيى ، وإلى البدع أن تدفع ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم ، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل » (1).

    9 ـ ومن كلامه المعروف قاله لهشام أنّه : « لم يكره قوم قطُّ حدّ السيف إلاّ ذلّوا » (2).

    10 ـ وروى ابن عساكر أنّه قال : « واللّه ما كره قوم الجهاد في سبيل اللّه إلاّ ضربهم اللّه تعالى بالذل » (3).

    11 ـ وقال أيضاً لهشام : « أنّه ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ، ولا يصغر دون تقوى اللّه » (4).

    إلى غير ذلك من الكلمات التي سيمرّ بعضها عليك في المستقبل. غير أنّ كل ذلك حكم قصيرة يباري فيها ، ما ورثه عن مطلع الفصاحة والبلاغة جدّه الاِمام أمير الموَمنين.

    ثم لزيد خطب ، ورسائل ، نكتفي من كل منهما بواحد ، والاِمعان فيهما يعرف مقدرته على إنشاء الكلام البليغ ، وإبداعه المعاني السامية ، في جمل قصيرة وإليك الخطبة ثم الرسالة :

    12 ـ خطبته التي ، يعرّف فيها موقفه من الخروج وأنّه ليس إلاّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنهاض المسلمين لاِزالة المروانيّين عن منصة الحكومة الاِسلامية ورد الاَمر إلى أهل بيت النبي وإليك نصها :

    « يا أيّها الناس إنّ اللّه قد بعث في كل زمان خيرة ، ومن كل خيرة منتجباً

________________________________________

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 498؛ ابن الاَثير : الكامل : 5/243.

    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 269.

    3 ـ مختصر تاريخ دمشق : 9/151.

    4 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/206 ، طبعة دار الاَندلس ، بيروت.

________________________________________

(79)

خيرة منه قال : « اللّهُ أعلَمُ حَيْثُ يَجعَلُ رِسالَتَه » (الاَنعام ـ 124) فلم يزل اللّه يتناسخ خيرته حتى خرج محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أفضل تربة وأطهر عترة أُخرجت للناس ، فلمّا قبض اللّه محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا عارف أمخركم (1) بعد زخورها وحصّن حصونك على سائر الاَحياء بأنّ محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قريشياً ، ودانت العجم للعرب بأنّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان عربياً حتى ظهرت الكلمة وتمت النعمة فاتّقوا اللّه عباد اللّه وأجيبوا إلى الحقّ وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ، ولاتأخذوا سنّة بني إسرائيل ، كذَّبوا أنبياءهم ، وقتلوا أهل بيت نبيهم.

    ثم أنا أُذكركم أيّـها السامعون لدعوتنا ، المتفهّمون لمقالتنا ، باللّه العظيم الذي لم يذكر المذكورون بمثله ، إذا ذكروه وجلت قلوبكم واقشعرَّت لذلك جلودكم ، ألستم تعلمون أنّا ولد نبيكم المظلومون المقهورون ، فلا سهمُ وُفينا ، ولا تراث أُعطينا ، وما زالت بيوتاً تهدم وحرمتنا تنتهك وقائلنا يعرف ، يولد مولودنا في الخوف ، وينشأ ناشئنا بالقهر ويموت ميّتنا بالذل؟

    ويحكم إنّ اللّه قد فرض عليكم جهاد أهل البغي والعدوان من أُمتكم على بغيهم ، وفرض نصرة أوليائه الداعين إلى اللّه وإلى كتابه قال : « ولَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُـرُهُ إنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز » (الحجّ ـ40).

    ويحكم إنّا قوم غَضِبْنا للّه ربّنا ، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملتنا ، ووضعنا من توارث الاِمامة والخلافة ، وحكم بالهوى ونقض العهد ، وصلّـى الصلاة لغير وقتها ، وأخذ الزكاة من غير وجهها ودفعها إلى غير أهلها ، ونسك المناسك بغير هديها ، وأزال الاَفياء والاَخماس والغنائم ومنعها الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وعطّل الحدود وأخذ منه الجزيل ، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل ، وقرب الفاسقين ومثل بالصالحين ، واستعمل الخيانة وخوّن أهل الاَمانة ،

________________________________________

    1 ـ وفي نسخة : أنجزكم.

________________________________________

(80)

وسلّط المجوس وجهز الجيوش ، وخلد في المحابس وجلد المبين وقتل الوالد ، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف بغير مأخوذ من كتاب اللّه وسنّة نبيه.

    ثم يزعم زاعمكم الهزاز على قلبه ، يطمع خطيئته إنّ اللّه استخلفه يحكم بخلافته ، ويصد عن سبيله وينتهك محارمه ويقتل من دعا إلى أمره ، فمن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن افترى على اللّه كذباً أو صد عن سبيله أو بغاه عوجاً ، ومن أعظم عند اللّه أجراً ممّن أطاعه وأدان بأمره وجاهد في سبيله وسارع في الجهاد ، ومن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن يزعم أن بغير ذلك يحقّ عليه ثم يترك ذلك استخفافاً بحقّه وتهاوناً في أمر اللّه وإيثاراً لدنياه ، « ومَنْ أحْسَنُ قَوْلاً ممّن دَعا إلى اللّهِ وعَمِلَ صالِحاً وقالَ إنّني مِنَ المُسْلِمين » (فصلت ـ 33) (1).

    13 ـ روى حميد بن أحمد المحلي (582 ـ 652هـ) بالاِسناد المنتهي إلى أبي الجارود أن زيداً لمّا ظهر ، خطب وقال : « الحمد للّه الذي منّ علينا بالبصيرة وجعل لنا قلوباً عاقلة ، وأسماعاً واعية ، وقد أفلح من جعل الخير شعاره ، والحقّ دثاره ـ إلى أن قال : ـ فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرِّقة ، العادلة غير الجائرة ، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ، ودعائم النفاق ، فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن ردّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا واختار الدنيا الزائلة الآفلة ، على الآخرة الباقية ، فاللّه من أُولئك برىء ، وهو يحكم بيننا وبينكم.

    إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم ، فلاَن يستجيب لكم رجل واحد خير ممّا طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة ، وعليكم بسيرة أمير الموَمنين علي بن طالب ( عليه السلام ) بالبصرة والشام : لا تتبعوا مُدبِراً ولا تُجهِزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً ، واللّه على ما أقول وكيل.

________________________________________

    1 ـ فرات بن إبراهيم الكوفي : التفسير : 136 ـ 137 ، ط 1 ، تحقيق محمد الكاظم ، موَسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الاِرشاد ، طهران (1410 هـ ـ 1990م).

(81)

    عباد اللّه لا تقاتلوا على الشك فتضلّوا عن سبيل اللّه ، ولكن البصيرة ثم القتال ، فإنّ اللّه يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حقّ. عباد اللّه : البصيرة » قال أبو الجارود : يابن رسول اللّه ، يبذل الرجل نفسه عن غير بصيرة؟ قال : « نعم أنّ أكثر من ترى عشقت نفوسهم الدنيا فالطمع أرداهم إلاّ القليل الذين لا تخطر الدنيا على قلوبهم ، ولا لها يسعون فأُولئك مني وأنا منهم » (1).

    14 ـ وها نحن ننشر في المقام رسالته إلى علماء الاَُمّة قبيل خروجه ، فحاول فيها بكل وسيلة تشجيع الناس على رفض الظلم والمطالبة بالحرية والعدالة.

    قام بتحقيقها وتصحيحها محمد يحيى سالم عزان عن أربع نسخ ، نوّه بخصوصيتها في مقدمتها ونشرها دار التراث اليمني صنعاء عام 1412هـ.

    وإليك نصها :

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين حتى يرضى وصلّى اللّه وسلم وبارك وترحّم وتحنّن وسلّم على سيّدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمّد.

    إلى علماء الاَُمّة الذين وجبت للّه عليهم الحجّة.

    من « زيد بن علي » ابن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

    سلام على أهل ولاية اللّه وحزبه.

    ثم إنّي أُوصيكم معشر العلماء بحظّكم من اللّه في تقواه وطاعته ، وأن لا تبيعوه بالمكس (2) من الثمن ، والحقير من البدل ، واليسير من العِوَض ، فإنّ كلّ

________________________________________

    1 ـ حميد المحلي : الحدائق الوردية : 141 ، الطبعة الثانية ـ 1405هـ ق. وقد جئنا بخلاصة الخطبة ومن أراد الوقوف على الجميع فعليه الرجوع الى المصدر.

    2 ـ المكس : النقص والظلم.

________________________________________

(82)

شيء آثرتموه وعملتم له من الدنيا ليس بخَلَف ممّا زيّن اللّه به العلماء من عباده الحافظين لرعاية ما استرعاهم واستحفظهم من أمره ونهيه ، ذلك بأنّ العاقبة للمتقين ، والحسرة والندامة والويل الدائم للجائرين الفاجرين.

    [الاعتبار من الاَُمم السابقة]

    فتفكّروا عباد اللّه واعتبروا ، وانظروا وتدبّروا وازدجروا بما وعظ اللّه به هذه الاَُمّة من سوء ثنائه على الاَحبار والرهبان.

    إذ يقول : « لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَبّانِيُّونَ والاَحبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الاِثْمَ وأكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ » (1).

    وإنّما عاب ذلك عليهم بأنّهم كانوا يشاهدون الظلمة الذين كانوا بين ظهرانيهم يأمرون بالمنكر ، ويعملون الفساد فلا ينهونهم عن ذلك ، ويرون حقّ اللّه مضيعاً ، ومال اللّه دُولة يوَكل بينهم ظلماً ودولة بين الاَغنياء ، فلا يمنعون من ذلك رغبة فيما عندهم من العَرَض الآفل ، والمنزل الزائل ، ومداهنة (2) منهم على أنفسهم.

    وقد قال اللّه عزّ وجلّ لكم : « يَا أَيُّـها الّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الاَحْبارِ والرُّهْبَانِ لَيَأكُلُونَ أموالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَهَبَ وَالفِضَّةَ وَلايُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّـرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِيمٍ » (3) كيما تحذروا.

    وإذا رأيتم العالم بهذه الحالة والمنزلة فأنزلوه منزلة من عاث في أموال الناس بالمصانعة (4) ، والمداهنة ، والمضارعة (5) لظلمة أهل زمانهم ، وأكابر

________________________________________

    1 ـ المائدة : 63.

    2 ـ المداهنة : المداراة والملاينة ، وداهن على نفسه أبقى عليها.

    3 ـ التوبة : 34.

    4 ـ المصانعة : الرشوة والمداراة.

    5 ـ المضارعة : التقرب والمقارنة.

________________________________________

(83)

قومهم ، فلم ينهوهم عن منكر فعلوه. رغبة فيما كانوا ينالون من السحت (1) بالسكوت عنهم.

    وكان صدودهم عن سبيل اللّه بالاِتباع لهم ، والاغترار بإدهانهم (2) ومقارنتهم الجائرين الظالمين المفسدين في البلاد. ذلك بأنّ أتباع العلماء يختارون لاَنفسهم ما اختار علماوَهم. فحذروا علماء السوء الذين سلكوا سبيل من ذَمّ اللّه وباعوا طاعة اللّه الجائرين.

    إنّ اللّه عزّ وجلّ قال في كتابه : « إِنّا أنْزَلْنَا التوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُوراً يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا لِلّذِينَ هَادُوا وَالرّبّانِيّونَ والاَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا الناسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرُون » (3).

    فعاب علماء التوراة والاِنجيل بتركهم ما استحفظهم من كتابه ، وجَعَلَهم عليه شهداء خشية الناس ، ومواتاة (4) للظالمين ، ورضاً منهم بأعمال المفسدين. فلم يوَثروا اللّه بالخشية فسخط اللّه عليهم لمّا اشتروا بآياته ثمناً قليلاً ، ومتاعاً من الدنيا زائلاً. والقليل عند اللّه الدنيا وما فيها من غضارتها(5) وعيشتها ونعيمها وبهجتها ، ذلك بأنّ اللّه هو علاّم الغيوب.

    قد علم بأنّ ركوب معصيته ، وترك طاعته ، والمداهنة للظلمة في أمره ونهيه ، إنّما يلحق بالعلماء للرهبة والرغبة من عند غير اللّه ، لاَنّهم علماء باللّه ، وبكتابه وبسنّة نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

________________________________________

    1 ـ السحت : ما خبث من المكاسب.

    2 ـ الاِدهان والمداهنة بمعنى : المصانعة واللين ، وقيل : الاِدهان الغش.

    3 ـ المائدة : 44.

    4 ـ المواتاة : حسن المطاوعة والموافقة.

    5 ـ غضارة الدنيا : النعمة والسعة والخصب.

________________________________________

(84)

[الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

    ولعمري لو لم يكن نال علماء الاَزمنة من ظلمتها ، وأكابرها ، ومفسديها ، شدة وغلظة وعداوة ، ما وصّاهم اللّه تعالى وحذّرهم. ذلك أنّهم ما ينالون ما عند اللّه بالهوينا ولا يخلدون في جنّته بالشهوات.

    فكره اللّه تعالى للعلماء ـ المستحفظين كتبه وسنّته وأحكامه ـ ترك ما استحفظهم ، رغبة في ثواب من دونه ، ورهبة عقوبة غيره. وقد ميزكم اللّه تعالى حقّ تميز ، ووسمكم سمة (1) لا تخفى على ذي لب ، وذلك حين قال لكم : « والمُوَْمِنُونَ وَالمُوَْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلئِكَ سَيرْحَمُهُمُ اللّهُ إنَّ اللّهَ عَزيزٌ حَكِيم » (2).

    فبدأ بفضيلة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده ، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده.

    ولعمري لقد استفتح الآية في نعت الموَمنين بفريضة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاعتبروا عباد اللّه وانتفعوا بالموعظة.

    وقال تعالى في الآخرين : « المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ » (3).

    فلعمري لقد استفتح الآية في ذمّهم بأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف فاعتبروا عباد اللّه وانتفعوا.

________________________________________

    1 ـ السمة : العلامة.

    2 ـ التوبة : 71.

    3 ـ التوبة : 67.

________________________________________

(85)

    واعلموا أنّ فريضة اللّه تعالى في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أُقيمت له استقامت الفرائض بأسرها هَيّنُها وشديدها.

    وذلك أنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو :

    الدعاء إلى الاِسلام ، والاِخراج من الظلمة ، ورد الظالم ، وقسمة الفيء والغنائم على منازلها ، وأخذ الصدقات ووضعها في مواضعها ، وإقامة الحدود ، وصلة الاَرحام ، والوفاء بالعهد ، والاِحسان ، واجتناب المحارم ، كل هذا من الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    يقول اللّه تعالى لكم : « وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرّ وَالتَقْوَى وَلاَتَعَاوَنُوا عَلَى الاِثْمِ وَالعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ » (1) فقد ثبت فرض اللّه تعالى فاذكروا عهد اللّه الذي عاهدتموه وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم : « سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ » (2).

    [دور العلماء ومكانتهم]

    عباد اللّه فإنّما تصلح الاَُمور على أيدي العلماء وتفسد بهم إذا باعوا أمر اللّه تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين ، الجائرين ، فكذلك الجهّال والسفهاء إذا كانت الاَُمور في أيديهم ، لم يستطيعوا إلاّ بالجهل والسفه إقامتها فحينئذ تصرخ المواريث ، وتضج الاَحكام ، ويفتضح المسلمون (3).

    وأنتم أيّها العلماء عصابة مشهورة ، وبالورع مذكورة ، وإلى عبادة اللّه

________________________________________

    1 ـ المائدة : 2.

    2 ـ المائدة : 7.

    3 ـ يفتضح المسلمون بمعنى يفرط المسلمون. قال الزمخشري : سمعتهم يقولون : افتضحنا فيك أي فرطنا في زيارتك وتفقدك.

________________________________________

(86)

منسوبة ، وبدراسة القرآن معروفة ، ولكم في أعين الناس مهابة ، وفي المدائن والاَسواق مكرمة ، يهابكم الشريف ، ويكرمكم الضعيف ، ويرهبكم من لا فضل لكم عليه. يُبدَأ بكم عند الدُعوَة ، والتُحَفَة (1) ، ويشار إليكم في المجالس ، وتشفعون في الحاجات ، إذا امتنعت على الطالبين. وآثاركم متبعة ، وطرقكم تسلك.

    كل ذلك لما يرجوه عندكم من هو دونكم من النجاة في عرفان حقّ اللّه تعالى. فلاتكونوا عند إيثار (2) حقّ اللّه تعالى غافلين ، ولاَمره مضيّعين ، فتكونوا كالاَطباء الذين أخذوا ثمن الدواء وأعطبوا المرضى. وكرعاة استوفوا الاَجر وضلّوا عن المرعى. وكحرّاس مدينة أسلموها إلى الاَعداء ، هذا مثل علماء السوء.

    لا مالاً تبذلونه للّه تعالى ، ولانفوساً تخاطرون بها في جنب اللّه تعالى ، ولاداراً عطلتموها ، ولازوجة فارقتموها ، ولاعشيرة عاديتموها. فلاتتمنوا ما عند اللّه تعالى وقد خالفتموه.

    فترون أنّكم تسعون في النور ، وتتلقاكم الملائكة بالبشارة من اللّه عزّ وجلّ؟ كيف تطمعون في السلامة يوم الطامة؟! وقد أخرجتم الاَمانة ، وفارقتم العلم ، وأدهنتم في الدين. وقد رأيتم عهد اللّه منقوضاً ، ودينه مبغوضاً ، وأنتم لاتفزعون ومن اللّه لاترهبون.

    فلو صبرتم على الاَذى ، وتحملّتم الموَنة في جنب اللّه لكانت أُمور اللّه صادرة عنكم ، وواردة إليكم.

________________________________________

    1 ـ التحفة : بضم المثناة وتسكين المهملة : البر واللطف.

    2 ـ الاِيثار : التقديم والتفضيل ، والمعنى هنا : فلا تكونوا غافلين عند إيثار وتقديم حقّ اللّه تعالى والدفاع عنه.

________________________________________

(87)

    عباد اللّه لاتمكّنوا الظالمين من قِيَادِكم (1) بالطمع فيما بأيديهم من حطام الدنيا الزائل ، وتراثها الآفل ، فتخسروا حظّكم من اللّه عزّ وجلّ.

    عباد اللّه استقدموا إلى الموت بالوثيقة في الدين ، والاعتصام بالكتاب المتين ، ولاتعجبوا بالحياة الفانية فما عند اللّه هو خير لكم ، وإنّ الآخرة هي دار القرار.

    عباد اللّه اندبوا الاِيمان ونوحوا على القرآن ، فو الذي نفس « زيد بن علي » بيده لن تنالوا خيراً لا يناله أهل بيت نبيّكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا أصبتم فضلاً إلاّ أصابوه فأصبتم فضله.

    [إلى علماء السوء]

    فيا علماء السوء أكببتم على الدنيا وإنّها لناهية لكم عنها ، ومحذرة لكم منها ، نصحت لكم الدنيا بتصرفها فاستغششتموها ، وتَفَتحت لكم الدنيا فاستحسنتموها ، وصدقتكم عن نفسها فكذبتموها.

    فيا علماء السوء هذا مهادكم الذي مهدتموه للظالمين ، وهذا أمانكم الذي أتمنتموه (2) للخائنين ، وهذه شهادتكم للمبطلين. فأنتم معهم في النار غداً خالدون. « ذلِكُم بِمَا كُنْتُم تَفْرَحُونَ فِى الاَرْضِ بِغَيْرِ الحَقّ وَبِمَا كُنْتُم تَمْرَحُونَ » (3).

    فلو كنتم سلّمتم إلى أهل الحقّ حقهم ، وأقررتم لاَهل الفضل بفضلهم لكنتم أولياء اللّه ، ولكنتم من العلماء به حقاً ، الذين امتدحهم اللّه عزّ وجلّ في كتابه بالخشية منهم.

________________________________________

    1 ـ القياد كالمقود : ما يقاد به ، واستعماله هنا مجاز ، والمعنى : لا تمكّنوا الظالمين من قودكم كما تقاد البهائم.

    2 ـ أتمنتموه بمعنى أمنتموه ، حكاه في اللسان عن ثعلب وقال : وهي نادرة.

    3 ـ غافر : 75.

________________________________________

(88)

    فلا أنتم علمتم الجاهل ، ولا أنتم أرشدتم الضال ، ولا أنتم في خلاص الضعفاء تعملون ، ولابشرط اللّه عليكم تقومون ، ولا في فكاك رقابكم [ولا السلب إلاّ سلبكم].

    يا علماء السوء اعتبروا حالكم ، وتفكّروا في أمركم ، وستذكرون ما أقول لكم.

    يا علماء السوء إنّما أمنتم عند الجبارين بالاِدهان ، وفزتم بما في أيديكم بالمقاربة ، وقربتم منهم بالمصانعة (1) ، قد أبحتم الدين ، وعطّلتم القرآن ، فعاد علمكم حجّة للّه عليكم ، وستعلمون إذا حشرج الصدر ، وجاءت الطامة ، ونزلت الداهية.

    يا علماء السوء أنتم أعظم الخلق مصيبة ، وأشدهم عقوبة ، إن كنتم تعقلون ، ذلك بأنّ اللّه قد احتج عليكم بما استحفظكم إذ جعل الاَُمور ترد إليكم ، وتصدر عنكم.

    الاَحكام من قبلكم تلتمس ، والسنن من جهتكم تختبر. يقول المتبعون لكم : أنتم حجّتنا بيننا وبين ربّنا. فبأي منزلة نزلتم من العباد هذه المنزلة؟

    فوالذي نفس « زيد بن علي » بيده لو بيّنتم للناس ما تعلمون ودعوتموهم إلى الحقّ الذي تعرفون ، لتضعضع بنيان الجبارين ، ولتهدّم أساس الظالمين ، ولكنّكم اشتريتم بآيات اللّه ثمناً قليلاً ، وأدهنتم في دينه ، وفارقتم كتابه.

    هذا ما أخذ اللّه عليكم من العهود والمواثيق ، كي تتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الاِثم والعدوان ، فأمكنتم الظلمة من الظلم ، وزيّنتم لهم الجور ، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقارنة ، فهذا حالكم.

    فيا علماء السوء فمحوتم كتاب اللّه محواً ، وضربتم وجه الدين ضرباً ،

________________________________________

    1 ـ المصانعة : المداراة والمداهنة.

________________________________________

(89)

فند (1) واللّه نديد البعير الشارد ، هرباً منكم.

    فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحقّ من ذرية النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ورفعت روَوسهم فوق الاَسنّة ، وصُفّدُوا في الحديد ، وخلص إليهم الذل ، واستشعروا الكرب وتسربلوا الاَحزان ، يتنفسون الصعداء (2) ، ويتشاكون الجهد.

    فهذا ما قدّمتم لاَنفسكم ، وهذا ما حملتموه على ظهوركم ، فاللّه المستعان ، وهو الحكم بيننا وبينكم ، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين.

    [دعوة إلى الجهاد]

    وقد كتبت إليكم كتاباً بالذي أُريد من القيام به فيكم. وهو : العمل بكتاب اللّه ، وإحياء سنّة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

    فبالكتاب قوام الاِيمان ، وبالسنّة يثبت الدين. وإنّما البدع أكاذيب تخترع ، وأهواء تتّبع ، يتولّـى فيها وعليها رجال رجالاً صدّوهم عن دين اللّه ، وذادوهم عن صراطه ، فإذا غيّرها الموَمن ، ونهى عنها المُوَحّد ، قال المفسدون : جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!!

    وأيم اللّه ما البدعة إلاّ التي أحدث الجائرون ، ولا الفساد إلاّ الذي حكم به الظالمون.

    وقد دعوتكم إلى الكتاب. فأجيبوا داعي اللّه ، وانصروه ، فوالذي بإذنه دعوتكم ، وبأمره نصحت لكم ، ما ألتمس أثرة على موَمن ، ولا ظلماً لمعاهد ، ولوددت أنّي قد حميتكم مراتع (3) الهلكة ، وهديتكم من الضلالة ، ولو كنت أوقد

________________________________________

    1 ـ ند البعير : شرد ونفر.

    2 ـ في القاموس : بالضم بعده سكون ، وفي لسان العرب : بالضم بعده تحريك بالفتح : النفس بتوجع ، وفي شرح القاموس الاَوّل أصح.

    3 ـ مراتع : مواضع.

________________________________________

(90)

ناراً فأقذف بنفسي فيها ، لا يقربني ذلك من سخط اللّه ، زهداً في هذه الحياة الدنيا ، ورغبة منّي في نجاتكم ، وخلاصكم. فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظاً ونصيباً.

    عباد اللّه انصحوا داعي الحقّ وانصروه إذ قد دعاكم لما يحييكم. ذلك بأنّ الكتاب يدعو إلى اللّه ، وإلى العدل والمعروف ، ويزجر عن المنكر.

    فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم ، ونحن أولى الناس بكم. رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « جدّنا » ، والسابق إليه الموَمن به « أبونا » ، وبنته سيدة النسوان « أُمّنا » ، فمن نزل منكم منزلتنا. فسارعوا عباد اللّه إلى دعوة اللّه ، ولا تنكلوا عن الحق ، فبالحق يُكبَت (1) عدوّكم ، وتمنع حريمكم ، وتأمن ساحتكم.

    وذلك أنّا ننزع الجائرين عن الجنود ، والخزائن ، والمدائن ، والفيء ، والغنائم ، ونثبت الاَمين الموَتمن ، غير الراشي والمرتشي ، الناقض للعهد. فإن نظهر فهذا عهدنا ، وإن نستشهد فقد نصحنا لربّنا ، وأدّينا الحقّ إليه من أنفسنا ، فالجنة مثوانا ومنقلبنا ، فأي هذا يكره الموَمن ، وفي أي هذا يرهب المسلم ، وقد قال اللّه عزّ وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « وَلاَ تُجادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أنْفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَيُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أثِيماً » (2).

    وإذا بدأت الخيانة ، وخربت الاَمانة ، وعمل بالجور ، فقد افتضح الوالي. فكيف يكون إماماً على الموَمنين من هذا نعته وهذه صفته؟!

    اللّهم قد طلبنا المعذرة إليك ، وقد عرّفتنا إنّك لاتصلح عمل المفسدين ، فأنت اللّهم وليّنا ، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحقّ.

    هذا ما نقول ، وهذا ما ندعو إليه ، فمن أجابنا إلى الحقّ فأنت تثيبه وتجازيه ،

________________________________________

    1 ـ يكبت : يرد العدو ويغيضه.

    2 ـ النساء : 107.

(91)

ومن أبى إلاّ عتوّاً وعناداً فأنت تعاقبه على عتوّه وعناده.

    فاللّه اللّه عباد اللّه أجيبوا إلى كتاب اللّه ، وسارعوا إليه ، واتخذوه حكماً فيما شجر بينكم ، وعدلاً فيما فيه اختلفنا ، وإماماً فيما فيه تنازعنا ، فإنّا به راضون ، وإليه منتهون ، ولما فيه مسلمون ، لنا وعلينا. لانريد بذلك سلطاناً في الدنيا ، إلاّ سلطانك ، ولانلتمس بذلك أثرة على موَمن ، ولا موَمنة ، ولاحر ، ولا عبد.

    عباد اللّه فأجيبونا إجابة حسنة تكن لكم البشرى.

    يقول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : « فَبَشِّـرْ عِبَادِ * الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ » (1).

    ويقول : « وَمَنْ أحْسَنُ قَوْلاً مِـمَّن دَعَا إِلى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقالَ إِنّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ » (2).

    [مكانة أهل البيت ( عليهم السلام )]

    عباد اللّه فاسرعوا بالاِنابة وأبذلوا النصيحة ، فنحن أعلم الاَُمّة باللّه ، وأوعى الخلق للحكمة ، وعلينا نزل « القرآن » ، وفينا كان يهبط « جبريل » ( عليه السلام ) ، ومن عندنا اقتبس الخير. فمن علم خيراً فمنّا اقتبسه ، ومن قال خيراً فنحن أصله ، ونحن أهل المعروف ، ونحن الناهون عن المنكر ، ونحن الحافظون لحدود اللّه.

    عباد اللّه فأعينونا على من استعبد أُمّتنا ، وأخرب أمانتنا ، وعطّل كتابنا ، وتشرف بفضل شرفنا. وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أُمورنا ، والجهاد في سبيل خالقنا ، وشريعة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، صابرين على الحق ، لا نجزع من نائبة من ظلمنا ، ولا نرهب الموت إذا سلم لنا ديننا.

________________________________________

    1 ـ الزمر : 17 ـ 18.

    2 ـ فصلت : 33.

________________________________________

(92)

    فتعاونوا ، وانصروا ، يقول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : « يَا أَيُّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُـرُوا اللّهَ يَنْصُـرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أقدامَكُمْ » (1).

    ويقول اللّه عزّ وجلّ : « وَليَنْصُرَنَّ اللّه مَنْ يَنْصُـرُهُ إنَّ اللّه لَقَويٌّ عَزيزٌ * الّذِينَ إنْ مَكّنَّاهُمْ فِي الاَرضِ أقامُوا الصّّلاةَ وآتَوُا الزّكاةَ وَأَمَرُوا بِالمعَرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وللّهِ عاقِبَةُ الاَُمورِ » (2).

    عباد اللّه فالتمكين قد ثبت بإثبات الشريعة ، وبإكمال الدين يقول اللّه عزّ وجلّ : « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أنْتَ بِمَلُوم » (3).

    وقال اللّه عزّ وجلّ فيما احتج به عليكم : « اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسلامَ دِيناً » (4).

    عباد اللّه فقد أكمل اللّه تعالى الدين ، وأتم النعمة ، فلا تنقصوا دين اللّه من كماله ، ولا تبدّلوا نعمة اللّه كفراً فيحل بكم بأسه وعقابه.

    عباد اللّه إنّ الظالمين قد استحلّوا دماءنا ، وأخافونا في ديارنا ، وقد اتّخذوا خذلانكم حجة علينا فيما كرهوه من دعوتنا ، وفيما سفهوه من حقّنا ، وفيما أنكروه من فضلنا عناداً للّه ، فأنتم شركاوَهم في دمائنا ، وأعوانهم في ظلمنا ، فكل مال للّه أنفقوه ، وكل جمع جمعوه ، وكل سيف شحذوه (5) ، وكل عدل تركوه ، وكل جور ركبوه ، وكل ذمة للّه تعالى أخفروها (6) وكل مسلم أذلّوه ، وكل كتاب نبذوه ، وكل

________________________________________

    1 ـ محمد : 7.

    2 ـ الحج : 40ـ 41.

    3 ـ الذاريات : 54.

    4 ـ المائدة : 3.

    5 ـ شحذوه : أحدّوه.

    6 ـ أخفره : نقض عهده.

________________________________________

(93)

حكم للّه تعالى عطّلوه ، وكل عهد للّه تعالى نقضوه ، فأنتم المعينون لهم على ذلك بالسكوت عن نهيهم عن السوء.

    عباد اللّه إنّ الاَحبار والرهبان من كل أُمّة مسوَولون عما استحفظوا عليه ، فأعدّوا جواباً للّه عزّ وجلّ على سوَاله.

    اللهم إنّي أسألك بنبيّنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تثبّتاً منك على الحقّ الذي ندعو إليه وأنت الشهيد فيما بيننا ، الفاصل بالحقّ فيما فيه اختلفنا ، ولاتستوي الحسنة ولا السيئة.

    والسلام على من أجاب الحقّ ، وكان عوناً من أعوانه الدالّين عليه.

    تمّ ذلك بحمد اللّه ومنّه.

 

مناظراته :

    إنّ لزيد الشهيد مناظرات جرت بينه وبين هشام وأُناس أُخر وفيها دلالة واضحة على قوة منطقه ، ونضاجة فكره وبالاَخص على حضور بديهته نقتطف ما يلي :

    1 ـ روى موفق الدين عن معمر بن خيثم : قال لي زيد بن علي : كنت أُباري هشام بن عبد الملك وأُكايده في الكلام ، فدخلت عليه يوماً فذكر بني أُمية ، فقال : واللّه هم أشدّ قريش أركاناً ، وأشدّ قريش مكاناً ، وأشدّ قريش سلطاناً ، وأكثر قريش أعواناً ، كانوا روَوس قريش في جاهليّتها ، وملوكهم في إسلامها فقلت له : على من تفخر؟ أعلى بني هاشم ، أوّل من أطعم الطعامَ وضرب الهامَ وخضعت لها قريش بإرغام ، أم على بني المطلب سيد مُضر جميعاً ، وإن قلت معد كلّها صدَقت ، إذا ركب مشوا ، وإذا انتعل احتفوا ، وإذا تكلّم سكتوا ، وكان يطعم الوحوش في روَوس

 

________________________________________

(94)

الجبال والطير ، والسباع والاِنس في السهل ، حافر زمزم ، وساقي الحجيج ، أم على بنيه أشرف رجال ، أم على نبي اللّه ورسوله حمله اللّه على البراق ، وجعل الجنة عن يمينه ، والنار عن شماله فمن تبعه دخل الجنة ، ومن تأخّر عنه دخل النار ، أم على أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أخي رسول اللّه وابن عمه المفرِّج الكرب عنه وأوّل من قال لا إله إلاّ اللّه بعد رسول اللّه لم يبارزه فارس قط إلاّ قتله ، وقال فيه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مالم يقله في أحد من أصحابه ولا لاَحد من أهل بيته ، قال : فاحمر وجهه (1).

    2 ـ دخل زيد على هشام بن عبد الملك ، وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه ، فقال له زيد : إنّه ليس من عباد اللّه أحد فوق أن يوصى بتقوى اللّه ، ولا من عباد اللّه أحد دون أن يوصى بتقوى اللّه ، وأنا أُوصيك بتقوى اللّه يا أمير الموَمنين فاتقه ، فقال له هشام : أنت الموَهل نفسك للخلافة ، الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أُمّ لك وإنّما أنت ابن أمة ، فقال له زيد : إنّي لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند اللّه من نبيّ بعثه وهو ابن أمة ، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية ، لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيم ( عليهما السلام ) فالنبوة أعظم منزلة عند اللّه أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو ابن علي بن أبي طالب ، فوثب هشام عن مجلسه (وزيد في عمدة الطالب ووثب الشاميون) ودعا قهرمانه فقال : لا يبيتن هذا في عسكري (الليلة) فخرج زيد وهو يقول : إنّه لم يكره قط أحد حد السيوف إلاّ ذلّوا (2).

    3 ـ قد وشي بزيد إلى هشام ، فسأله عن ذلك فقال : أحلف لك. قال هشام : فإذا حلفت أفأُصدقك؟! قال : إتق اللّه. قال هشام : أومثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى

________________________________________

    1 ـ موفق الدين الخوارزمي : مقتل الحسين : 2 / 117.

    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 268 ، طبعة النجف الاَشرف.

________________________________________

(95)

اللّه ، قال : لا أحد فوق أن يوصى بتقوى اللّه ، ولا أحد دون أن يوصى بتقوى اللّه. قال هشام : بلغني أنّك تريد الخلافة وأنت لا تصلح لها لاَنّك ابن أمة قال : قد كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة وإسحق ابن حرة ، فأخرج اللّه من صلب إسماعيل النبيّ الكريم ، فعندها قال له هشام : قم ، قال : إذاً لا تراني إلاّ حيث تكره (1).

    4 ـ روى خالد بن صفوان اليمامي ، قال : أتينا زيـد بن علي وهو يومئذ بالرصافة ، رصافة هشام بن عبد الملك ، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم وجاءُوا معهم برجل انقاد له أهل الشام في البلاغة ، والبصر بالحجج ، وكلّمنا زيد بن علي في الجماعة وقلنا : إنّ اللّه مع الجماعة وأنّ أهل الجماعة حجّة اللّه على خلقه ، وأنّ أهل القلّة هم أهل البدعة والضلالة ، قال : فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّـى على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم تكلّم بكلام ما سمعت قرشيّاً ولا عربيّاً أبلغ موعظة ، ولا أظهر حجّة ولا أفصح لهجة منه ، قال : ثم أخرج إلينا كتاباً قاله في الجماعة والقلة ، ذكر من كتاب اللّه فلم يذكر كثيراً إلاّ ذمّه ولم يذكر قليلاً إلاّ مدحه ، والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة ، والكثير في المعصية هم أهل البدع. قال خالد بن صفوان : فيئس الشامي فما أحلى ولا أمر (كذا) وسكت الشاميون فما يجيبون بقليل ولا كثير ، ثم قاموا من عنده فخرجوا وقالوا لصاحبهم : فعل اللّه بك وفعل ، غررتنا وفعلت ، زعمت أنّك لا تدع له حجّة إلاّ كسرتها فخرست ، فلم تنطق ، فقال لهم : ويلكم كيف أكلّم رجلاً إنّما حاجّني بكتاب اللّه أفأستطيع أن أرد كلام اللّه؟! فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك : ما رأيت في الدنيا رجلاً قرشياً ولا عربياً يزيد في العقل والحجج غير زيد بن علي ( عليهما السلام ) (2).

________________________________________

    1 ـ مختار البيان والتبيين كما في زيد الشهيد للاَمين : 48 ـ 49.

    2 ـ حميد المحلي : الحدائق الوردية : 142 ـ 143؛ السياغي : الروض النضير : 1/100.

________________________________________

(96)

أشعاره :

    هذه نتف من مناظراته وفيها غنى وكفاية ، فلنعطف عنان البحث إلى ما جادت به قريحته في مواقف مختلفة ويبدو أنّه لا ينظم الشعر إلاّ في مجالات قليلة ، يصبّ ما في نفسه من جوى وشكوى ، وحماس في قالب النظم وإليك بعض ما وقفنا عليه :

    1 ـ روى أبو الفرج عن زكريا قال : أردت الخروج إلى الحجّ فمررت بالمدينة ، فقلت : لو دخلت على زيد بن علي ، فدخلت فسلمت عليه فسمعته يتمثّل :

ومن يطلب المال الممنّع بالقنامتى تجمع القلب الذكي وصارماًوكنت إذا قوم غزوني غزوتهم             يعش ماجداً أو تخترمه المخارموأنفاً حمياً تجتنبك المظالمفهل أنا في ذا يالهمدان ظالم

    يقول : فخرجت من عنده وظننت أنّ في نفسه شيئاً وكان من أمره ما كان (1).

    2 ـ روى الخزاز عن ابن بكير أنّه قال لزيد : يابن رسول اللّه هل عهد إليكم رسول اللّه متى يقوم قائمكم؟ قال : يا بن بكير ، إنّك لن تلحقه ، وإن هذا الاَمر يليه ستة أوصياء بعد هذا ، ثم يجعل اللّه خروج قائمنا فيملاَها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، قلت يا بن رسول اللّه ألست صاحب هذا الاَمر؟ فقال : أنا من العترة ، فعدت فعاد إليّ ، فقلت : يا بن رسول اللّه هذا الذي قلته عنك أو عن رسول اللّه؟ فقال : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ، لا ولكن عهد ، عهِدَه إلينا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم أنشأ يقول :

________________________________________

    1 ـ أبوالفرج : مقاتل الطالبيين : 89.

________________________________________

(97)

   

نحن سادات قريشنحن الاَنوار التي مننحن منّا المصطفى الفبنا قد عرف اللّهسوف يصلاه سعيراً                   وقوام الحقّ فيناقبل كون الخلق كنّاـمختار والمهدي منّاوبالحق أقمنامن تولى اليوم عنّا (1)

    3 ـ روى ابن شهر آشوب في المناقب أنّه رثى الاِمام الباقر ( عليه السلام ) بأبيات وقال :

   

ثوى باقر العلم في ملحدفمن لي سوى جعفر بعدهأبا جعفر الخير أنت الاِمام            إمام الورى طيب المولدإمام الورى الاَوحد الاَمجدوأنت المرجى لبلوى غد (2)

    4 ـ اجتمع مع هشام فأهانه ، فخرج عن مجلسه وهو يقول : « من أحب الحياة ذل » ثم أنشأ يقول :

مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنالاتطمعوا أن تهينونا ونكرمكمواللّه يعلم أنّا لا نحبّكمكلّ امرىءٍ مولعٌ في بغض صاحبه             سيروا رويداً كما كنتم تسيروناوان نكفّ الاَذى عنكم وتوَذوناولانلومكم أن لا تحبّونافنحمد اللّه نقلوكم وتقلونا (3)

    1 ـ الخزاز القمي : كفاية الاَثر : 296 ـ 297.

    2 ـ ابن شهر آشوب : المناقب : 4/197 ، طبعة دار الاَضواء ، بيروت.

    3 ـ ابن منظور : مختصر تاريخ دمشق : 9/156.

________________________________________

(98)

    5 ـ روى ابن الاَثير لما أهانه هشام ، وقال : أُخرج ، قال : أخرج ثم لا أكون إلاّ حيث تكره ، فقال له سالم : يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك ، فخرج من عنده وسار إلى الكوفة ولمّا خرج من مجلس هشام أنشد :

شرّده الخـوف وأزرى بهمنخرق النعلين يشكو الوجىقد كان في الموت له راحةإن يحدث اللّه له دولة                   كذاك من يكره حرّ الجلادتنكثه أطراف مرو حدادوالموت حتم في رقاب العبادتترك آثار العدا كالرماد (1)

    6 ـ روى السيد محسن الاَمين في أعيان الشيعة نقلاً عن الخوارزمي في مقتله : إنّ أبا الحسين لما رأى الاَرض قد طوقت جوراً ورأى قلة الاَعوان ، وتخاذل الناس ، كانت الشهادة أحب الميتات إليه فخرج وهو يتمثل بهذين البيتين :

إن المحكم ما لم يرتقب حسداًمن عاذ بالسيف لاقى فرجة عجباً                  لو لم يرهب السيف أو وخز القنا صفاموتاً على عجل أو عاش فانتصفا (2)

    7 ـ روى ابن الاَثير ، قال محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب لزيد : أذكرك اللّه يا زيد ، لما لحقت بأهلك ولا تأتي أهل الكوفة ، فإنّهم لا يفون لك ، فلم يقبل ، فقال له : خُرِجَ بنا أُسراء على غير ذنب من الحجاز ، إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق ، إلى قيس ثقيف يلعب بنا ثم قال :

________________________________________

    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/206.

    2 ـ الاَمين : أعيان الشيعة : 7/116.

________________________________________

(99)

   

بكرت تخوّفني الحتوف كأنّنيفأجبتها إنّ المنية منهلإنّ المنية لو تُمثَّل مُثّلتْفاقني حياءك لا أبا لُكِ وأعلمي                 أصبحت عن عرض الحياة بمعزللا بد أن أُسقى بكأس المنهلمثلي (كذا) إذا نزلوا بضيق المنزلإنّي امروَ سأموت إن لم أُقتل (1)

    8 ـ روى المرتضى في الفصول المختارة عن الحسين بن زيد ، قال : حدثني مولاي قال : كنت مع زيد بن علي ( عليه السلام ) بواسط فذكر قوم الشيخين وعلياً فقدّموهما عليه ، فلمّا قاموا قال لي زيد : قد سمعت كلام هوَلاء وقد قلت أبياتاً فادفعها إليهم وهي :

من شرّف الاَقوام يوماً برأيهوقول رسول اللّه والحقّ قولهبأنّك منّي ياعلي معالنادعاه ببدر فاستجاب لاَمرهفما زال يعلوهم به وكأنّه             فإنّ علياً شرّفته المناقبُوإن رغمت منهم أُنوف كواذبكهارون من موسى أخ لي وصاحبوما زال في ذات الاِله يضاربشهاب تلقاه القوابس ثاقب (2)

    9 ـ قال السيد الاَمين : وممّا نسب إليه قوله :

لو يعلم الناس ما في العرف من شرفوبادروا بالذي تحوي أكفهم                  لشرفوا العرف في الدنيا على الشرفمن الخطير ولو أشفوا على التلف (3)

________________________________________

    1 ـ ابن الاَثير : الكامل : 5/233 ، طبعة دار صادر.

    2 ـ المرتضى ، الفصول المختارة من العيون والمحاسن : 25.

    3 ـ تاريخ ابن عساكر : 6/20.

________________________________________

(100)

    10 ـ روى عن نسمة السحر أنّ هذين البيتين له :

يقولون زيداً لا يزكى بما لهإذا حال حول لم يكن في أكفنا                وكيف يزكي المال من هو باذلهمن المال إلاّ رسمه وفواضله (1)

    11 ـ روى الديلمي : أنّه لما جرى بينه وبين هشام كلام خرج ( عليه السلام ) وهو يقول :

حكم الكتاب وطاعة الرحمنكيف النجاة لاَُمّة قد بدلتفالمسرعون إلى فرائض ربّهموالكافرون بحكمه وبفرضهلكل أُناس مقبر بفنائهمفما إن تزال دار حيٍّ قد أُخربتهم جيرة الاَحياء أمّا مزارهم           فرضا جهاد الجائر الخوانما جاء في الفرقان والقرآنبرئوا من الآثام والعدوانكالساجدين لصورة الاَوثان (2)فهم ينقصون والقبور تزيدوقبرٌ بأفناء البيوت جديدفدانٍ وأمّا الملتقى فبعيد (3)

    12 ـ تمثل زيد بالاَبيات التالية وقد تمثل بها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم صفين والحسين بن علي ( عليهما السلام ) يوم قتل وهي لضرار بن الخطاب الفهري :

________________________________________

    1 ـ الاَمين العاملي : زيد الشهيد : 94 ، نقلاً عن نسمة السحر فيمن تشيع وشعر.

    2 ـ السياغي ، الروض النضير : 1/107.

    3 ـ ابن عبد ربّه : العقد الفريد : 3/236.

(101)

مهلاً بني عمنا ظلامتنلمثلكم نحمل السيوف ولاإنّي لاَنمي إذا انتميت إلىبيض بساط كان أعينهم                إنّ بنا سورة من الفلقتغمز أحسابنا من الدققعز عزيز ومفتر صدقتكحل يوم الهياج بالعلق (1)

    لما خرج زيد بن علي كتب للكميت : اخرج عنّا يا أعيمش ألست القائل :

ما أُبالي إذا حفظت أبا القا                 سم فيكم ملامة اللوام

    فكتب إليه الكميت :

تجود لكم نفسي بما دون وثبة            تظل بها الغربان حولي تحجل (2)

     هذا زيد ، وهذه كلمه وخطبه ، وحججه ومناظراته ، وشعره وقريضه وعند ذاك تقف على صدق ما رواه الخوارزمي في مقتله عن خالد بن صفوان قال : انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة في بني هاشم إلى زيد بن علي ـ رضي اللّه عنه ـ (3).

    أمّا الفصاحة والخطابة فقد عرفت نماذج من كلامه ، وأمّا العبادة ، فيكفي في

________________________________________

    1 ـ الاَغاني : 19/191.

    2 ـ الاَغاني : 17/34.

    3 ـ الخوارزمي : المقتل : 2/119.

________________________________________

(102)

تهالكه فيها : ما رواه فرات بن إبراهيم عن رجل : قال صحبت زيداً ما بين مكّة والمدينة وكان يصلّـي الفريضة ثم يصلّي ما بين الصلاة إلى الصلاة ويصلّـي الليل كلّه ويكثر التسبيح ويكرر هذه الآية : « وجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد » ، فصلّـى ليلة معي وقرأ هذه الآية إلى قريب نصف الليل فانتبهت من نومي فإذا أنا به مادّ يديه نحو السماء وهو يقول :

    إلهي عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة ، ثم انتحب ، فقمت إليه وقلت : يا بن رسول اللّه لقد جزعت في ليلتك هذه جزعاً ما كنت أعرفه ، فقال : ويحك يا نازلي أنّي نمت هذه الليلة وأنا ساجد فرأيت جماعة عليهم لباس لم أر أحسن منه فجلسوا حولي وأنا ساجد فقال رئيسهم : هل هو هذا ؟ فقالوا : نعم. فقال : أبشر يا زيد فإنّك مقتول في اللّه ومصلوب ومحروق بالنار ولا تمسّك النار بعدها أبداً ، فانتبهت وأنا فزع (1).

    روى الخزاز عن يحيى بن زيد أنّه قال له في حديث : يا أبا عبد اللّه إنّي أُخبرك عن أبي ( عليه السلام ) وزهده وعبادته إنّه كان يصلّـي في نهاره ما شاء اللّه ، فإذا جنّ الليل عليه نام نومة خفيفة ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء اللّه ، ثم يقوم قائماً على قدميه يدعو اللّه تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر سجد سجدة ثم يصلّـي الفجر ثم يجلس للتعقيب حتى يرتفع النهار ، ثم يذهب لقضاء حوائجه ، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاّه واشتغل بالتسبيح والتمجيد للرب المجيد ، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس ، ثم يصلي العصر ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة ، فإذا غربت الشمس صلّى المغرب والعشاء ، فقلت : هل كان يصوم دائماً؟ قال : لا

________________________________________

    1 ـ فرات بن إبراهيم : التفسير : 435. والآية 19 من سورة ق.

________________________________________

(103)

ولكنّه يصوم في كل سنة ثلاثة أشهر ، وفي كل شهر ثلاثة أيام ثم أخرج إليّ صحيفة كاملة فيها أدعية علي بن الحسين ـ عليه السلامـ (1).

    روى أبو الفرج بسند عن محمد بن الفرات : رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثّراً خفيفاً وكان في خاتمه « اصبر تُوَجر وتوقّ تنج » (2).

________________________________________

    1 ـ الخزاز القمي : كفاية الاَثر : 304 ـ 305.

    2 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 87 و 89.

________________________________________

(104)

________________________________________

(105)

الفصل الرابع

مشايخه وتلاميذه

في الحديث والتفسير

    إنّ أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) كانوا في غنى عن الحضور لدى الغير ، والرجوع إليهم في مجال العقائد والاَُصول ، والاَحكام والفروع ، والاَخلاق والسلوك وكل ما يمتّ إلى الدين بصلة ، وتحتاج إليه الاَُمّة. وذلك لا للمبالغة في مقامهم ، أو الغلو في علومهم. بل لاَجل تنصيص النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليهم ، حيث إنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تارة يصوّرهم بأنّهم أعدال القرآن وقرناوَه ، من تمسك بهما لن يضل أبداً (1) ، وأُخرى بأنّ مثلهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق (2) ، وثالثة بأنّهم كالنجوم ، فكما أنّ الكواكب أمان لاَهل الاَرض من الغرق ، فكذلك أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أمان للاَُمّة من الاختلاف (3) ، إلى غير ذلك من الاَحاديث المتواترة أو المتضافرة الدالة على أنّ أئمة أهل البيت مراجع الاَُمّة ، ومصادر الاَحكام ، وهم عن

________________________________________

    1 ـ حديث الثقلين : اتفق الفريقان على نقله وتصحيحه لايشك فيه إلاّ العدو الغاشم.

    2 ـ تلويح إلى قول النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».

    3 ـ قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « النجوم أمان لاَهل الاَرض من الغرق وأهل بيتي أمان لاَُمّتي من الاختلاف في الدين » لاحظ في الوقوف على مصادرها المراجعات للسيد شرف الدين العاملي المراجعة الثانية : 40 ـ 46 طبعة الاَعلمي ، لبنان.

________________________________________

(106)

علومهم ومعارفهم يصدرون ، وإلى أقوالهم وأفعالهم يسكنون. ومن كان هذا وصفه ومقامه فيحتلّ من مخروط الاَُمّة مكان الرأس والقمة ، ونعم ما قال القائل :

فَوال أُناساً قولهم وكلامهم                 روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

    وما ربّما يرى من أنّ أحد الاَئمة ، يروي حديثاً عن صحابي أو تابعي كالاِمام الباقر ( عليه السلام ) إذا روى مثلاً عن جابر ، فإنّما هو لاَجل إقناع السائل الذي اعتاد بقبول الرواية إذا أُسند إلى النبي الاَكرم وإلاّ فالاِمام الباقر ( عليه السلام ) في غنى عن الاِسناد إليه وهو معدن علم النبي وموئله وهكذا أبناوَه المعصومون.

    هذا هو حال أئمة أهل البيت وأمّا العلماء المنتمون إليهم بالنسب كالحسنيّين والحسينيّين فيصدرون عن معارفهم ويحتجون بأقوالهم وأفعالهم أيضاً وربّما ينقلون عن الغير ويسكنون إليهم وذلك لا للاِعراض عن أئمتهم ، بل اقتداء بقول نبيهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « الحكمة ضالة الموَمن أين وجدها أخذها » ولاَجل ذلك نرى أنّ زيد الثائر أخذ الحديث عن غيرهم ، كما أخذ عنه الكثيرون من المحدّثين والفقهاء. وإليك بيان هذا الفصل من فصول حياته.

 

مشايخه :

    كان لزيد الثائر تنقلات وسفرات كثيرة بين المدن الاِسلامية بين المدينة ومكّة ، والحجاز والشام والعراق ، ففي هذه الرحلات أخذ العلم والحديث عن لفيف ، وإليك أسماء مشايخه أوّلاً ، ثم تلامذته.

    روى عن : أبان بن عثمان بن عفان ، وعبيد اللّه بن أبي رافع ، وعروة بن الزبير ، وأبيه علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) ، وأخيه أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) (1).

________________________________________

    1 ـ المزي : تهذيـب الكمال : 10/96 ، الذهبي : سير أعلام النبلاء : 5/389 ، تاريخ الاسلام القسم المختص بحوادث (سنة 121ـ 141)ص105 ، ابن حجر العسقلاني : تهذيب التهذيب : 3/419.

________________________________________

(107)

تلامذته :

    روى عنه : الاَجلح بن عبد اللّه الكندي ، وآدم بن عبد اللّه الخثعمي ، وإسحاق بن سالم ، وإسماعيل بن عبد الرحمان السدي ، وبسام الصيرفي ، وأبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثمالي ، وابن أخيه جعفر بن محمد بن علي الصادق ، وابنه حسين بن زيد بن علي ، وخالد بن صفوان ، وأبو سلمة راشد بن سعد الصائغ الكوفي ، وزبيد اليامي ، وزكريا بن أبي زائدة ، وزياد بن علاقة ، أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني ، وسعيد بن خثيم الهلالي ، وسعيد بن متصور المِشرفي الكوفي ، وسليمان الاَعمش ، وشعبة بن الحجاج ، وعباد بن كثير ، وعبد اللّه بن عمر بن معاوية ، وعبد اللّه بن عيسى بن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، وعبد الرحمان بن الحارث ابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، وعبد الرحمان بن أبي الزناد ، وعبيد اللّه بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب ، وعبيد بن اصطفى ، وأبو هريرة عُريف بن درهم ، وعمر بن موسى ، وأبو خالد عمرو بن خالد الواسطي ، وابنه عيسى بن زيد بن علي ، وفضيل بن مرزوق ، وكثير النواء ، وكيسان أبو عمر القصار الكوفي ، ومحمد ابن سالم ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، والمطّلب بن زياد ، وأبو الزناد موح ابن علي الكوفي ، وهارون بن سعد العجلي ، وهاشم بن البريد (1).

    ثم إنّ علاّمة صنعاء السياغي فصل من يروي عنه من أولاده عمّن ليس منهم ، فقال :

    تلامذته : أولاده السادة الاَبرار :

    عيسى بن زيد ، ومحمد بن زيد ، وحسين بن زيد ، ويحيى بن زيد.

________________________________________

    1 ـ جمال الدين المزي : تهذيب الكمال : 10/96. هذا ما ذكره جمال الدين ، ونذكر المشهورين منهم في قائمة خاصة.

________________________________________

(108)

    فعيسى بن زيد الاَوحد الذي أخذ عنه سفيان الثوري ، وكان زاهد أهل زمانه وهو جد العراقيين.

    ومحمد بن زيد ، جد الذين ببلاد العجم.

    وحسين بن زيد ، جد المشهورين من ذرية زيد بن علي.

    ويحيى بن زيد هو القائم بالاِمامة بعده.

 

مشاهير أصحابه الذين أخذوا عنه العلم :

    ما نقلناه عن جمال الدين المزّي يهدف إلى مطلق من أخذ عنه العلم ، سواء اشتهر بالاَخذ عنه أم لا وفي هذه القائمة نخص المشهورين وبين المذكورين في القائمتين من النسب الاَربع عموم وخصوص من وجه.

    1 ـ منصور بن المعتمر بن عبد اللّه السلمي الكوفي مات سنة 132 هـ احتج به البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

    2 ـ هارون بن سعد العجلي أو الجعفي الكوفي وهو من شيوخ مسلم.

    3 ـ معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري استشهد مع الاِمام زيد وصلب معه.

    4 ـ أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني وهو الذي تنسب إليه الجارودية الزيدية.

    5 ـ الحسن بن صالح وأخوه.

    6 ـ علي بن صالح وكلاهما بتريان ، لاحظ رجال الكشي برقم 108.

    7 ـ هاشم صاحب البريد وقد جاء في سند الكافي في باب معرفة الاَئمة يروي عن الصادق ( عليه السلام ) لاحظ تنقيح المقال : 3/288.

 

________________________________________

(109)

    8 ـ محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى من أصحاب الاِمام الصادق ( عليه السلام ) لاحظ تنقيح المقال : 3/136.

    9 ـ سلمة بن كهيل أحد المبايعين لزيد له ترجمة في رجال الكشي برقم : 205.

    10 ـ عمرو بن خالد الواسطي راوي مسنده وستوافيك ترجمته عند البحث عن آثار زيد العلمية.

    11 ـ إسماعيل بن عبد الرحمان السدّي من كبار علماء الكوفة مات سنة 127هـ.

    12 ـ أبو الزناد : موح بن علي الكوفي. له ترجمة في تهذيب الكمال : 1/456.

    13 ـ سليمان بن مهران الاَعمش من كبار علماء الكوفة ولد سنة ستين وتوفي عام 148هـ.

    14 ـ الاَجلح بن عبد اللّه الكندي. لاحظ تنقيح المقال : 1/266.

    15 ـ معمر بن خثيم الهلالي له ترجمة في تنقيح المقال : 3/234.

    16 ـ سعيد بن خثيم الهلالي له ترجمة في تنقيح المقال : 2/26.

    17 ـ شعبة بن الحجاج بن ورد (83 ـ 160هـ) من العلماء كان ينتقل بين الكوفة والبصرة وواسط.

    18 ـ قيس بن الربيع من أصحاب الصادقين ( عليهما السلام ). تنقيح المقال : 3/31.

    19ـ سفيان بن أبي السمط ، اقـرأ ترجمتـه في تنقيح المقال : 2/38 ، بسقوط « أبي » من العبارة.

    20 ـ محمد بن الفرات الجرمي. له ترجمة في رجال الكشي ، برقم : 428.

 

________________________________________

(110)

    21 ـ فضيل بن الزبير الرسان له ترجمة في تنقيح المقال : 2/13.

    22 ـ عبد اللّه بن الزبير : أخو فضيل بن الزبير لاحظ رجال الكشي برقم : 287.

    23 ـ سالم بن أبي حفصة ترجمه الكشي برقم 109.

    24 ـ عبد اللّه بن عتيبة.

    25 ـ زبيد اليامي (1) وهو من صغار التابعين توفي عام 221أو 421هـ.

    هوَلاء مشاهير تلامذته ، وأمّا غيره فقد أتى بأسمائهم العلاّمة السياغي في كتابه ، فمن أراد فليرجع إليه ، وقد تعرفت على ما ذكره جمال الدين المزّي في ذلك المجال (2).

    ثم إنّ أولاد عبد اللّه بن الحسن بن الحسن المثنى الذين أخذوا من زيد عبارة عن :

    1 ـ محمد بن عبد اللّه : النفس الزكية.

    2 ـ إبراهيم بن عبد اللّه : النفس الرضية.

    3 ـ إدريس بن عبد اللّه.

    4 ـ يحيى بن عبد اللّه.

    5 ـ السيد موسى بن عبد اللّه.

    فهوَلاء أخذوا العلم عن أبيهم وعن زيد وبعض أصحابه أيضاً (3).

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/114 ـ 115.

    2 ـ جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 10/96.

    3 ـ السياغي : الروض النضير : 1/115.

(111)

    إنّ العلاّمة السياغي وغيره عدّوا كثيراً من فقهاء أهل السنّة ونسّاكهم من أتباع الاِمام زيد ، وحاولوا بذلك شيوع إمامته والاقتداء به يوم ظهوره وخروجه ، ولكن الموَيد لثورة زيد ، غير كونه تابعاً لزيد في الاَُصول والفروع.

    وهناك كلمة قيّمة لنشوان الحميري قد رفع بها الستر عن وجه الحقيقة وقال : « اجتمع طوائف الناس على اختلاف آرائهم على مبايعته ، فلم يكن المعتزلي أسرع إليها من المرجىَ ، ولا المرجىَ من الخارجي ، فكانت بيعته ( عليه السلام ) مشتملة على فرق الاَُمّة على اختلافها (1).

    إنّ أبا حنيفة إمام السنّة دعم خروج زيد بالمال ، وأفتى بوجوب نصرة زيد وقد أرسل المال إليه ، كما هو مذكور في غير واحد من المعاجم ، مع أنه لم يكن تابعاً لزيد لا في الاَُصول ولا في الفروع.

 

حديث المنتمين إلى زيد :

    إنّ لفيفاً من فقهاء أهل السنّة ، كانوا يعانون من جور بني أُمية وطغيانهم ، لمّا وقفوا على خروج زيد قاموا بدعمه وإمداده بالقول والعمل ، فصاروا معروفين بالزيدية وما هم من الزيدية بشيء إلاّ تصويب خروج زيد ، وإمداده ، والزيدي عندنا ، من يقتفيه في العقيدة والعمل.

    وبذلك يظهر التأمل في بعض ما ذكره الحاكم الجشمي البيهقي (413 ـ 494هـ) في جلاء الاَبصار.

    قال : وعن محمد بن زيد قال : بعث أبو حنيفة ـ رحمه اللّه ـ إلى زيد بن علي ( عليهما السلام ) بمال ، وقال : استعن به على ما أنت فيه. وعن فضيل ابن الزبير قال : كنت رسول زيد بن علي إلى أبي حنيفة ، فسألني من يأتيه من الفقهاء؟ فقلت :

________________________________________

    1 ـ نشوان الحميري : الحور العين : 185.ولكلامه صلة سيوافيك.

________________________________________

(112)

سلمة بن كهيل ويزيد بن أبي زياد وهارون بن سعد وأبو هاشم الرماني وحجاج ابن دينار وغيرهم كثير. وعن شعبة قال : سمعت الاَعمش يقول : واللّه لولا ضرارة بي لخرجت معه ، واللّه ليُخذُلنَّه واللّه ليُسلمُنَّه كما فعلوا بجده وعمه. وعن عقبة بن إسحاق السلمي قال : كان منصور بن المعتمر يدور على الناس يأخذ البيعة لزيد ابن علي. وعن ليث قال : جاءنا منصور يدعونا إلى الخروج مع زيد بن علي. وعن حماد بن زيد وذكر سفيان الثوري فقال : كان ذاك زيدياً ، وعن أبي معاوية وذكر عنده سفيان فقال : نحن أعرف بهذا منكم ، كان سفيان من هذه الشيعة وكان منصور يأخذ البيعة لزيد بن علي. وذكر السيد أبو طالب بإسناده عن أبي عوانة قال : كان سفيان زيدياً ، وكان إذا ذكر زيد بن علي يقول : بذل مهجته لربّه ، وقام بالحقّ لخالقه ، ولحق بالشهداء المرزوقين من آبائه. وقال أبو عوانة : كان زيد بن علي يرى الحياة غراماً ، وكان ضجراً بالحياة. وعن الواقدي قال : كان سفيان زيدياً. وعن النضر بن حميد الكندي قال : شهدت سعد بن إبراهيم بالمدينة حين نعي إليه زيد بن علي ( عليهما السلام ) ، فبكى واشتد حزنه واشتد جزعه ، وتخلف في منزله يعزّى بعد سبعة أيام ، فسمعته يقول : ما خلف مثله. وعن الصادق ـ يعني جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ـ : « عمي زيد خرج على ما خرج عليه آباوَه ، ووددت أنّي استطعت أن أصنع كما صنع عمي ، فأكون مثل عمي ، من قتل مع زيد كمن قتل مع الحسين ابن علي ( عليهما السلام ) » (1).

    وعلى هذا الغرار قول ابن العماد الحنبلي ، قال : وكان ممن بايعه منصور بن المعتمر ، ومحمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، وهلال بن خباب بن الاَرت وابن شبرمة ومسعر بن كدام وغيرهم (2)

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/104.

    2 ـ ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب : 1/158.

________________________________________

(113)

    إنّ القول بالتشيع يجمعه الاعتقاد ، بخلافة الاِمام علي أمير الموَمنين عن النبي الاَكرم نصاً جليّاً أو خفياً كما يدّعيه بعض الزيدية ، ولم يكن هوَلاء متشيعين بهذا المعنى نعم كانوا موَيدين ثورة زيد ومدعمين لها بألوان مختلفة.

    حتى إنّ بعض الموَيدين لثورته ، والمبايعين له ، قد استقال بعد البيعة كما روى في حق كثير النواء حيث بايع فاستقال وأقاله زيد وقال :

للحرب أقوام لها خلقواخير البرية من أمسى تجارته              وللتجارة والسلطان أقوامتقوى الاِله ، وضرب يجتلي الهام (1)

الثناء عليه ممزوجاً مع المغالاة :

    1 ـ روى المقريزي عن أحمد بن محمد بن الحسيـن بن زيد بن علي ، قال : حدثنا أهلي أنّ زيداً ( عليه السلام ) ماتوسد القرآن منذ احتلم حتى قتل ، وأمّا الصيام فكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.

    ولعله أراد بقوله : « ماتوسد القرآن » الكناية عن قيام الليل واستكمال قراءة القرآن في صلاة التهجد (2).

    2 ـ قال نشوان الحميري في شرح « رسـالة الحور العين » : فلمّا شهر فضله وتقدمه وبراعته وعرف كماله الذي تقدم به أهل عصره اجتمع طوائف الناس على اختلاف رأيهم على مبايعته ، فلم يكن الزيدي أحرص عليها من المعتزلي ، ولا المعتزلي أسرع إليها من المرجىَ ، ولا المرجىَ من الخارجي ، فكانت بيعته ( عليه السلام ) مشتملة على فرق الاَُمّة مع اختلافهم. ولم يشذ عن بيعته إلاّ هذه الفرقة

________________________________________

    1 ـ المفيد : الاختصاص : 128 ، ط 1379؛ المجلسي : البحار : 46/181.

    2 ـ المقريزي : الخطط : 2/419 ، كما في الروض النضير : 1/99.

________________________________________

(114)

القليلة التوفيق ـ أخزاهم اللّه تعالى ـ قال : ومن الواضح الذي لا أشكال فيه أنّ زيد بن علي ( عليه السلام ) يُذكر مع المتكلمين إن ذكروا ، ويُذكر مع الزهاد ، ويُذكر مع الشجعان ، وأهل المعرفة بالضبط والسياسة ، فكان أفضل العترة لاَنّه كان مشاركاً لجماعتهم في جميع خصال الفضل ، ومتميزاً عنهم بوجوه لم يشاركوه فيها ، فمنها اختصاصه بعلم الكلام (1) ، الذي هو أجلّ العلوم ، وطريق النجاة ، والعلم الذي لا ينتفع بسائر العلوم إلاّ معه ، والتقدم فيه والاشتهار عند الخاص والعام. هذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ يصفه في صنعه الكلام ويفتخر به ويشهد له بنهاية التقدم ، وجعفر بن حرب في كتاب « الديانة » وكثير من معتزلة بغداد كمحمد بن عبد اللّه الاِسكافي وغيره ينتسبون إليه في كتبهم ، ويقولون نحن زيدية ، وحسبك في هذا الباب انتساب المعتزلة إليه ، مع أنّهاتنظر إلى سائر الناس بالعين التي تنظر بها ملائكة السماء إلى أهل الاَرض مثلاً. فلولا ظهور علمه وبراعته وتقدمه على كل أحد في فضيلته لما انقادت إليه المعتزلة (2).

 

المغالاة في علمه وفقهه :

    إنّ الغلو هو الخروج عن الحد ، قال سبحانه : « يا أهْلَ الكِتابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُوُُلوا على اللّهِ إلاّ الحَق » (النساء ـ 171). وقال سبحانه : « قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَق » (المائدة ـ 77). وقال الاِمام علي ( عليه السلام ) وهو يصف الغلوّ وخلافه يقول : الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق ، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد » (3).

________________________________________

    1 ـ سيوافيك أنّه لم يوَثر من زيد ، أي رأي كلامي وإنّ تتلمذه على واصل غير ثابت.

    2 ـ السياغي : الروض النضير : 1/101 ، لاحظ شرح رسالة الحور العين : 185.

    3 ـ الرضي : نهج البلاغة : قسم الحكم ، برقم 347.

________________________________________

(115)

المغالا ة في أي موضوع من الموضوعات تلازم الكذب أوّلاً ، والاِغراء بالجهل ثانياً ، وبخس الحق ثالثاً إلى غير ذلك من المضاعفات ، من غير فرق بين أن يتعلق بأمر ديني أو غيره ، وهنا نذكر شيئاً مما قيل في حقّه من المغالاة :

    1 ـ اتفقت كلمة أصحاب المعاجم على أنّ زيداً ، أخذ عن والده وأخيه محمد الباقر ( عليهما السلام ) ولم ينكر أحد ذلك وقد تخرج من مدرسة أخيه عشرات المحدثين والفقهاء والمتكلمين ، لا يشق غبارهم ولا يدرك شأوهم غير أنّ هناك من يروقه الحط عن مكانة أئمة أهل البيت ، أو الخضوع للعاطفة ، أو الحسد لمنزلة أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) فلا يرضى إلاّ بترفيع زيد عليه ، يقول : لقد علم زيد ، القرآن من حيث لم يعلمه أبو جعفر ، قلت : وكيف ذلك؟ قال : لاَنّ زيداً علم القرآن ، وأُوتي فهمه. وأبو جعفر أخذ من أفواه الرجال. قال الديلمي : وقد قيل لاَبي جعفر : باقر علم الاَنبياء والعالم ورأس الشيعة في زمانه. وعنه : واللّه لقد علمت أهل بيتي فما علّمت أفضل من زيد بن علي ولقد استوسقت له الفضائل ، واجتمع له الخير ، وكمل فيه الحقّ فما يساميه أحد إلاّ والحقّ ينكسه ويزهقه (1).

    يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ زيداً من علماء أهل البيت وأفاضلهم ، وهو علم القرآن وأُوتي فهمه ، ولكنه من أين أخذ علمه هل أخذ عن أبيه زين العابدين ، وأخيه باقر العلوم ( عليهما السلام ) فإذاً تنتفي المغالاة ، أو من غيرهما ، ومن هو ذاك الغير الذي علّم زيداً ، وصار زيد في علم القرآن عيالاً عليه ، وبرع وترعرع وتقدم على أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟!

    وثانياً : ما مصدر هذه الاَُكذوبة من أنّ أبا جعفر ( عليه السلام ) أخذ من أفواه الرجال ، إذ لم يأت في أي مصدر من المصادر ، إنّ الاَئمة الاثني عشر ـ عليهم

________________________________________

    1 ـ الروض النضير : 1/101 وهذا القضاء الجائر نسبه الديلمي في مشكاة الاَنوار إلى عبد اللّه بن محمد ابن علي بن الحنفية.

________________________________________

(116)

السلام ـ حضروا مجلس درس أحد من الصحابة والتابعين والعلماء ، نعم ربّما روى بعضهم حديثاً عن الرسول مسنداً إلى بعض الصحابة أو التابعين وهو غير الدراسة والتعلّم لديهم.وقد مضى وجه النقل عنهم.

    هذا هو ابن سعد يعرّفه بقوله : « محمّد الباقر من الطبقة الثالثة من التابعين كان عالماً عابداً ثقة ، روى عنه الاَئمة أبو حنيفة وغيره. وقال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، ويعني بالحكم ، الحكم بن عتيبة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه » (1).

    أفمن يسلم عليه النبي عن طريق جابر يقول جابر : كنت جالساً عند رسول اللّه والحسين في حجره وهو يداعبه فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « ياجابر يولد مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقوم سيد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام » (2).

    يقول المفيد : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر من أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) وروى عنه معالم الدين ، بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وسارت بذكر كلامه الاَخبار وانشدت في مدائحه الاَشعار (3).

    وبذلك يظهر حال ما رواه الذهبي وغيره عن الاِمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه عرف عمه بقوله : « كان واللّه أقرأنا لكتاب اللّه وأفقهنا في دين اللّه ، وأوصلنا

________________________________________

    1 ـ سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص : 1/302.

    2 ـ المصدر نفسه : 3. 3 ، أخرجه أيضاً ابن حجر في لسان الميزان : 5/198 ، وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة : 199 ، والمناوي في الكواكب الدّريّة : 1/164 وغير ذلك.

    3 ـ المفيد : الارشاد : 261 ـ 262.

________________________________________

(117)

للرحم ما تركنا وفينا مثله » (1) ولو صح الحديث لحمل على التفضيل النسبي بالنسبة إلى سائر الهاشميين.

    تطرف بعد تطرف :

    ومن ذلك ما يرويه حميد بن أحمد المحلي قال : روينا بالاسناد الموثوقة أيضاً أنّ زيد بن علي ( عليهما السلام ) سأل محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) كتاباً كان لاَبيه ، قال : فقال له محمد بن علي : نعم ، ثم نسي ولم يبعث إليه ، فمكث سنة ثم ذكر ، فلقى زيداً فقال : أي أخي ألم تسأل كتاب أبيك؟ قال : بلى. قال : واللّه ما منعني أن أبعث به إلاّ النسيان. قال : فقال له زيد : وقد استغنيتُ عنه. قال : تستغني عن كتاب أبيك؟ قال : نعم استغنيت عنه بكتاب اللّه ، قال : فاسألك عما فيه؟ قال له زيد : نعم ، قال : فبعث محمداً إلى الكتاب ، ثم أقبل فسأله عن حرف حرف وأقبل زيد يجيبه حتى فرغ من آخر الكتاب ، فقال له محمد : واللّه ما حرمت منه حرفاً واحداً (2).

    يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ ظاهر الحديث أنّ اللقاء بين الاَخوين كان بعيداًبشهور غير متقارب كما هو ظاهر قوله : فمكث سنة ثم ذكر فلقى زيداً ، وهذا ما لا تعطيه ظروف الحياة في المدينة المنورة.

    وثانياً : أنّ ما نقله عن زيد من حديث الاستغناء إنّما يصح لو كان الكتاب ، كتاباً عادّياً غير مرتبط بتفسير القرآن وحل معضلاته ومشكلاته ، أو مبيّناً لمخصصاته ومقيداته ، ولكن الظاهر أنّ الكتاب كان على خلاف ذلك ومع ذلك كيف يمكن الاستغناء عنه بالقرآن.

________________________________________

    1 ـ جمـال الدين المزي ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال : 10/98 ، الذهبي : سير أعلام النبلاء : 5/390وتاريخ الاِسلام (حوادث ـ 121 ـ 140هـ) ص 106.

    2 ـ الحدائق الوردية : 140.

________________________________________

(118)

________________________________________

(119)

الفصل الخامس

الآثار العلمية الباقية عن زيد

    كان وليد البيت العلوي ، مفسّراً للقرآن ، عارفاً بالسنّة ، ترك آثاراً علمية إمّا أملاها على تلاميذه ، أو حرّرها بقلمه ويراعه ونأتي في المقام بما وقفنا عليه من الآثار :

 

1 ـ المجموع الفقهي.

 

2 ـ المجموع الحديثي.

    نسب إلى زيد المجموع الفقهي تارة والحديثي أُخرى ، والمسند ثالثة. روى الجميع أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي غير أنّ الكتب الثلاثة هي المطبوعة باسم المسند ، وأمّا تسميته بالحديثي والفقهي فلاَجل أنّ الكتاب يتضمّن روايات عن زيد عن آبائه كما يتضمن آراء له فلو كان الكتابان في بدء الاَمر مختلفين فهو في المطبوع كتاب واحد ، وأمّا توصيفه بالمسند لاَنّ ما في الكتاب يحتوي رواياته عن آبائه ، وقد جمع ـ ما رواه أبو خالد عن زيد ـ عبد العزيز بن إسحاق بلا تبويب شأنَ المسانيد ، وبوبّه بعد قرون الحسين بن يحيى بن إبراهيم الديلمي في سنة 1201هـ وكان قبل التبويب مجزّأ على ستة أبواب على أصل الجامع له ، والمطبوع

 

________________________________________

(120)

هو ما بوبّه الديلمي.

    والناظر في المجموع الحديثي يميز الحديث عن المجموع الفقهي فنرى في كتاب الطهارة باب ذكر الوضوء لونين من الكلام.

    أ : حدثني زيد بن علي بن الحسين (عن أبيه سقط عن المطبوع) عن جده الحسين بن علي إلى أن قال : رأيت رسول اللّه توضّأ فغسل وجهه.

    ب : وسألت زيداً بن علي عن الرجل ينسى مسح رأسه حتى يجفّ وضووَه.

    ومثل الثاني إذا قال : وقال زيد بن علي رضي اللّه عنه « المضمضة والاستنشاق سنّة ... »

    والقسم الاَوّل حديث ، ولكن الثاني وما يليه ، من المجموع الفقهي.

    وأخبار المجموع النبويةُ المرفوعة مائتا حديث وثمانية وعشرون حديثاً.

    والعلوية ثمانمائة وعشرون خبراً.

    وقد تلقاها أئمة الزيدية بالقبول وقالوا : هو أوّل كتاب جمع في الفقه وقال منهم :

زيد يزيد على الورىفالفضل مجموع به                   في أصله وفروعهوالعلم في مجموعه

    وقد شرحه لفيف من الزيدية أوسعها شرح القاضي العلامة شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي الحيمي اليمني الصنعاني ، ولد بصنعاء سنة 1180 هـ وتوفي سنة 1221هـ ، أسماه « الروض النضير في شرح مجموع الفقه الكبير » ، وقد طبع طبعتين ، الطبعة الثانية محقّقة طبع عام 1388هـ ، وشرحه هذا يشتمل على تخريج الاَحاديث وشرحها واستنباط الاَحكام المأخوذة منها مع ذكر أقوال العلماء

(121)

في مسائل الخلاف والتكلّم في ما عارضها من الاَحاديث بالجمع أو الترجيح ، والكتاب يدلّ على سعة باعه واتقانه الفقه والاَُصول (1).

    والشارح وإن جعل المحور ، مسند الاِمام زيد ، لكنه يستدل على ما ورد فيه شيء بالطرق المألوفة في الفقه السنّي من الاحتجاج بما ورد في الصحاح والمسانيد من مراسيل وموقوفات للصحابة وبأُمور لا تعترف بها أئمّة أهل البيت من القياس وغيره ، ولذلك أصبح الكتاب أشبه بفقه أهل السنّة ، ولاَجل ذلك يقول الشيخ محمّد بخيت المطيعي الحنفي المصري في تقريظه على الكتاب : « وهو موافق في معظم أحكامه لمذهب الاِمام الاَعظم أبي حنيفة النعمان وماذا عنى أن تقول في كتاب يوافق ما فيه ، ما بكتبنا ومذاهبنا » (2) وسوف ندرس المجموع من حيث الاعتبار في الفصل القادم.

 

3 ـ تفسير غريب القرآن :

    الغريب من الغرابة وهي الغموض والخفاء ، فالغريب هو الغامض من الكلام وكان النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والاِمام علي ( عليه السلام ) وتلميذه ابن عباس وغيرهم من الصحابة يفسّرون غريب القرآن الكريم وقد جاء في أسئلة نافع بن الاَزرق( 277) سوَالاً وجّهها هو وزميله إلى ابن عباس ، وأجاب عنها (3).

    ولعل أوّل من ألّف في غريب القرآن هو أبان بن تغلب بن رياح البكري (ت

________________________________________

    1 ـ لاحظ ما كتب حول الكتاب بقلم عدّة من الاَعلام في مقدمته ، ط2 ، مكتبة الموَيد ، الطائف ، 1388هـ ـ 1968م.

    2 ـ الروض النضير : 17 ، المقدمة.

    3 ـ السيوطي : الاتقان : 2/69ـ 104.

________________________________________

(122)

141هـ) من أصحاب الاِمام السجاد والباقر والصادق ( عليهم السلام ) وكانت له عندهم منزلة ، وله قراءة مفردة مشهورة عند القراء (1).

    لكن لو صحت نسبة تفسير غريب القرآن المطبوع حديثاً لزيد ، المحقّق على يد فضيلة الدكتور حسن محمد تقي الحكيم ، لَسبقه زيد في التأليف ، فهو أوّل باكورة في هذا النوع ظهر في الصعيد الاِسلامي ، ويظهر من مقارنة هذا الكتاب مع كتاب المجاز لاَبي عبيدة (ت 212هـ) الذي ألّفه في غريب القرآن أنّه كان لهذا الكتاب تأثير بالغ في كتاب أبي عبيدة مباشرة أو بالوساطة (2).

    والكتاب يبتدىَ من سورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس ويركز في التفسير على الغريب ولذلك لا يذكر من آيات السورة إلاّ ما هو موضع نظره.

    وردت نسبة الكتاب إليه في بعض الكتب مثلاً :

    1 ـ جاء في كتاب الاَمالي لابن الشجري : قال الاِمام أبو الحسين زيد بن علي ( عليهما السلام ) في تفسير الغريب.

    2 ـ جاء في طبقات الزيدية لصارم الدين في ترجمة حياة أبي خالد قوله : وروي عن أبي خالد تفسير الغريب للاِمام زيد بن علي ، عطاء بن السائب.

    3 ـ جاء في كتاب الروض النضير : روى عن أبي خالد تفسير الغريب للاِمام زيد بن علي ، عطاء بن السائب (3).

    ونستطيع أن نوَيد نسبة الكتاب إلى الاِمام الثائر بالرجوع إلى المواضع التي يمكن أن يظهر فيها مذهبه وعقيدته.

________________________________________

    1 ـ النجاشي : الرجال : 1/73 برقم 6 ، السيوطي : بغية الوعاة : 76.

    2 ـ عن مقدمة المحقّق ص55 ، ثم ذكر دلائل التأثير بشكل واضح.

    3 ـ تفسير غريب القرآن ، مقدّمة المحقّق ص48 وذكر مصادر ما نقل.

________________________________________

(123)

    ومن تلك الآيات آية البلاغ ، فهو يقول في تفسير قوله : « يا أيُّـها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وإن لَم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاس » قال زيد بن علي ( عليهما السلام ) : هذه لعلي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه خاصة : « واللّه يعصمك من الناس » أي يمنعك منهم(1).

    ومنها آية الذكر ، قال في تفسير قوله سبحانه : « فَسْئَلُوا أهْلَ الذِّكْر » (النحل ـ 43) قال الاِمام زيد بن علي ( عليهما السلام ) : نحن أهل الذكر (2).

    فالتفسيران يوَيدان أنّ الكتاب لشيعي يرى النص لعليّ يوم الغدير ، ويرى أنّ المرجع بعد الكتاب والرسول ، هو عترته.

    كما يعلم كونه نافياً للروَية التي كانت يوم ذاك عقيدة أصحاب الحديث. يقول في تفسير قوله : « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إلى رَبِّها ناظِرَة » (القيامة : 22 ـ 23) معناه مشرقة وناضرة : منتظرة للثواب (3).

    هذه نظرة عابرة إلى التفسير ، ولو قرىَ بإمعان ودقة ، يتبين أن التفسير لمن تربّى في أحضان أئمة أهل البيت والعترة الطاهرة ( عليهم السلام ).

 

4 ـ الصفوة :

    والكتاب ، دراسة قرآنية هادئة يتبنى بيان فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتقديمهم على سائر الناس في مختلف المجالات ، وإنّ السبب لدبيب الفساد بين المسلمين صرف القيادة عنهم ، ودفعها إلى غيرهم. حقّقه الكاتب ناجي حسن ، طبع في مطبعة الآداب في النجف الاَشرف بلا تاريخ ، اعتمد في التصحيح

________________________________________

    1 ـ تفسير غريب القرآن ، ص129 ، ط بيروت ، 1412هـ.

    2 ـ تفسير غريب القرآن : ص 18 و 359.

    3 ـ تفسير غريب القرآن : ص 18 و 359.

________________________________________

(124)

على تصوير نسخة واحدة محفوظة بمكتبة المتحف البريطاني تحت رقم 203 زيدية.

    رواها أبو الطيب علي بن محمد بن مخلد الكوفي :

    قال : حدثني إسماعيل بن يزيد العطارد.

    قال : حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم المنقري

    قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري

    قال : حدثني أبي وحماد بن يعلى الثمالي

    عن أبي الزناد ، وأصحاب زيد بن علي عن زيد بن علي ( عليه السلام ) أوّله :

    أمّا بعد فإنّي أُوصيك بتقوى اللّه الذي خلقك ورزقك.

 

5 ـ رسالته إلى علماء الاَُمّة :

    نشرت ـ موَخراً ـ رسـالة بهذا الاسـم عن دار التراث اليمني في صنعـاء ، حقّقها محمد يحيى سالم غفران وهي الرسالة التي بعثها الاِمام الثائر إلى علماء الاَُمّة مبيّناً فيها تفاصيل دعوته وبيان أهدافه التي خرج مجاهداً من أجلها وهي تعطي صورة واضحة من روح ثورية للاِمام ، وتمرد على الحكم الاَموي ، وصياح على علماء السوء الذين كان لهم الدور البارز في تخدير حماس الجماهير ، وتشويه مفاهيم الدين ، وتثبيت ملك الظالمين.

    وبما أنّ للرسالة أثرها الرسالي الجهادي الحماسي وتمثل الهدف الاَمثل لنضال الاِمام وكفاحه وتمرّده على الحكم الاَموي نشرناها في الفصل الثالث مشفوعاً بالشكر للناشر والمحقّق ، وقد حقّقها عن نسخ أربع ، قدّم تفاصيلها في المقدمة ، وشفّعها بذكر موارد اقتبس العلماء من هذه الرسالة مع نسبة ما اقتبسوه إلى الاِمام.

 

________________________________________

(125)

6 ـ منسك الحج أو مناسك الحج

    رسالة في بيان أعمال الحجّ ومناسكه نشره العلاّمة السيد محمد علي الشهرستاني ببغداد سنة 1342هـ و يوجد من الكتاب نسخ مخطوطة في مكتبة برلين برقم 10360 وغيرها (1).

    هذه هي الآثار المنشورة التي وقفنا على نشرها وطبعها وقرأناها وهناك آثار له لم تنشر إلى الآن أو نشرت ولم نقف على نشرها ومنها نسخ في المكتبات والمتاحف ، وقد بذل الدكتور حسن محمد تقي الحكيم محقّق تفسير غريب القرآن لزيد جُهداً في الوقوف على تلك الآثار نقتبس من مقدمته ما يلي :

    7 ـ رسالـة في أثبات وصيـة أمير الموَمنين وإثبات إمامته وإمامة الحسن والحسين وذريتهما ، توجد نسخة منها في مكتبة برلين برقم 9681(الاَوراق 16ب ـ 19ب ، من سنة 850 هـ تقريباً) (2) وقال : توجد عندي صورة منها.

    8 ـ رسالة في أجوبة زيد بن علي ، على مسائل لاَخ له من أهل المدينة ، توجد في مكتبة وهبي457/4 (الاَوراق 81ب ـ 84ب ، من القرن العاشر الهجري) (3).

    9 ـ رسالة في الاِمامة إلى واصل بن عطاء. توجد في مكتبة وهب ي457/2 (الاَوراق 77 ب ـ 78 ب من القرن العاشر الهجري) (4).

    10 ـ تثبيت الاِمامـة. مخطوطة المتحف البريطاني ملحق 336 ، مخطوطات شرقية رقم 3971 (الاَوراق 25 ـ 28 من سنة 1215هـ) وتوجد أيضاً في مكتبة

________________________________________

    1 ـ لاحظ مقدّمة تفسير غريب القرآن لمحقّقها الدكتور حسن محمد تقي الحكيم : 43.

    2 ـ انظـر تاريخ الاَدب العربي لبروكلمان : 3/324 ؛ وتاريخ التراث العربي : الجزء 3 من المجلد 1/324؛ والروض النضير : 1/117.

    3 ـ انظر تاريخ التراث العربي : ج 3 من المجلَّد 1/326 ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي.

    4 ـ انظر تاريخ التراث العربي : ج 3 من المجلَّد 1/326 ، منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي.

________________________________________

(126)

أمبروزيانا في ميلانو بإيطاليا رقم 74أ (الاَوراق 78أ ـ 188 ب من سنة 1035هـ) (1).

    11 ـ تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن. يوجد في مكتبة برلين رقم 10224( الاَوراق 9 ـ 16 من حوالي سنة 850 هـ) (2).

    12 ـ رسالة في حقوق اللّه. توجد في مكتبة الفاتيكان رقم 1027 (الورقتان 130 ـ 131 ، من سنة 1332 هـ) وتوجد أيضاً في مكتبة وهبي رقم 457/3 (الاَوراق 78 ب ـ 81أ ، القرن العاشر الهجري) (3).

    13 ـ الرد على المرجئة. يوجد هذا الكتاب مخطوطاً في مكتبة برلين رقم 10265 (الاَوراق من 1 ـ 116 ، من حوالي سنة 850هـ) (4).

    14 ـ قراءة زيد بن علي. يوجد الكتاب في مكتبة امبروزيانا في (ميلانو) في إيطاليا ، رقم 289ف.

    هذه هي الكتب الباقية من ثائرنا ولعل اللّه سبحانه يقيض رجال العلم لنشر ما بقي من آثاره وربما يذكر له رسائل ، عفى عليها الزمان فالاَولى عطف عنان البحث ، على دراسة مجموعه الفقهي والحديثي ، حتى نقوّمهما سنداً ومتناً في الفصل الآتي.

________________________________________

    1 ـ أُنظر تاريخ الاَدب العربي لبروكلمان : 3/324؛ وتاريخ التراث العربي : الجزء 3 من المجلد 1/324.

    2 ـ أُنظر تاريخ الاَدب العربي لبروكلمان : 3/323؛ وتاريخ التراث العربي : الجزء 3 من المجلد : 1/323.

    3 ـ أُنظر تاريخ الاَدب العربي لبروكلمان : 3/324؛ وتاريخ التراث العربي : المجلد 1 الجزء 3/326 و 323؛ وتفسير غريب القرآن : 41 ، المقدمة.

    4 ـ أُنظر تاريخ الاَدب العربي لبروكلمان : 3/324؛ وتاريخ التراث العربي : المجلد 1 الجزء 3/326 و 323؛ وتفسير غريب القرآن : 41 ، المقدمة.

________________________________________

(127)

الفصل السادس

دراسة مسند الاِمام زيد

سنداً ومضموناً

    لقد وقفت على الآثار الباقية من الاِمام زيد ، والمهُم منها هو مجموعه الفقهي والحديثي الذي اشتهر باسم المسند للاِمام زيد ، فتلزم علينا دراسته من حيث الاعتبار ، وما فيه بعض المخالفة لفقه أهل البيت ، أعني : الصادقين ومن بعدهم فنقول :

    روي المجموعُ عن الاِمام زيد بالسند التالي :

    1 ـ حدثني (1) عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر بن الهيثم القاضي البغدادي قال :

    2 ـ حدثنا أبو القاسم علي بن محمد النخعي الكوفي. قال :

    3 ـ حدثنا سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي. قال :

    4 ـ حدثني نصر بن مزاحم المنقري العطار قال :

    5 ـ حدثني إبراهيم بن الزبرقان التيمي قال :

    6 ـ حدثني أبو خالد الواسطي رحمهم اللّه تعالى قال :

________________________________________

    1 ـ والقائل هو علي بن العباس الذي هو أحد الرواة عن عبد العزيز جامع المجموع.

________________________________________

(128)

    7 ـ حدثني زيد بن علي بن الحسين عن أبيه : علي بن الحسين ، عن جده الحسين بن علي ، عن أمير الموَمنين علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ).

    وقد وصلنا المجموع بهذا السند وهو مذكور في صدره (1) وفي الصفحة التي تلي آخر الكتاب (2).

    وقد ذكر شارح المجموع شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي (1180 ـ 1221هـ) سنده إلى الكتاب ، فأخذ أوّلاً بذكر أُستاذه وشيخه أبي يوسف الحسين ابن يوسف (3) إلى أن انتهى إلى أبي القاسم علي بن محمد النخعي الآنف ذكره ، غير أنّ المهم دراسة وثاقة هوَلاء المشايخ الذين تنتهي إليهم رواية المسند في جميع الاَعصار فنبتدىَ بدراسة حال من وقع في أوّل السند.

    أ ـ عبد العزيز بن إسحاق بن البقال :

    قال الذهبي : كان في حدود الستين وثلاثمائة قال ابن أبي الفوارس الحافظ : له مذهب خبيث ، ولم تكن في الرواية بذاك ، سمعت منه أحاديث رديّة.

    قلت : له تصانيف على رأي الزيدية عاش تسعين عاماً. ثم روى الذهبي عنه بإسناده الحديث التالي :

    قال : إنّ نزول اللّه إلى الشيء إقباله عليه من غير نزول ، ثم وصفه بأنّ إسناده مظلم ومتنه مختلق (4).

    لانستطيع أن نساير ابن أبي الفوارس في قوله : « له مذهب خبيث » ولم يكن مذهبه سوى محبته لآل البيت أو دعمه مبدأ الخروج على بني أُمية الذي لا يروق

________________________________________

    1 ـ مسند الاِمام زيد : 247.

    2 ـ المصدر نفسه : 282.

    3 ـ توفّي بصنعاء سنة 1231هـ عن ثمانين سنة.

    4 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 2/623 برقم 5083.

________________________________________

(129)

السلفيّين ومن لف لفّهم ، فإنّ مذهبهم هو المماشاة مع الظالمين و السكوت أمام ظلمهم ، وعدم الخروج عليهم.

    كما لا نستطيع أن نساير الذهبي حيث وصف اسناد حديثه بالظلمة ومتنه بالاختلاق ، وما هذا إلاّ لاَنّ الذهبي يتظاهر بالتنزيه ، ولكن يعتنق لبّاً التجسيم بشهادة أنّ كتبه تمدح المجسمةومن يثبت للّه الحركة والجهة من أوصاف الجسم وإذا ذكر المشبهة أطال الكلام فيهم بالمدح والوصف ، وربّما سود صحائف في حقهم خصوصاً في كتابه « سير أعلام النبلاء » وأمّا إذا بلغ إلى أهل التوحيد والتنزيه فلا يخرج إلاّ بالهمز واللمز وهو دأبه يلمسه كل دوَوب على مطالعة رجاله وتاريخه.

    والحديث لما كان على طرف النقيض من عقيدته ، وصف اسناده بالظلمة ومتنه بالاختلاق ، صدق اللّه العلي العظيم حيث قال : « كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُون ».

    وأمّا الشيعة فقد ورد في كتبهم ذكر في حقّ عبد العزيز بن إسحاق البقال فعنونه الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم ( عليهم السلام ) قال : عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر الزيدي البقال الكوفي وكان زيدياً يكنى أبا القاسم سمع منه التلعكبري سنة ست وعشرين وثلاثمائة (1).

    وقال في الفهرست : عبد العزيز بن إسحاق له كتاب في طبقات الشيعة ، وعنونه ابن داود في القسم الثاني (2) من رجاله ، ومعنى كونه من القسم الثاني أنّه ممن ورد فيه ذم وإن كان ورد فيه مدح عن آخرين.كما عنونه العلاّمة في هذا القسم (3) من كتابه الخلاصة ، ومعناه أنّه لا يعمل برواياته.

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الرجال : 483 ، باب من لم يرو عنهم ، برقم 37.

    2 ـ القسم الثاني من كتابه مختص بمن ورد فيه أدنى جرح ، ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره.

    3 ـ القسم الثاني : من كتابه مختص بمن لايعمل بروايته ومن لايعمل بروايته أعم من كونه مطعوناً أو لا.

________________________________________

(130)

    ومع ذلك نرى أنّ الشيخ أبا زهرة يقول : إنّ الرجل موضع طعن جمهور المحدثين من أهل السنّة كما أنّه موضع طعن الاِمامية ، لكنه موضع تقدير وتوثيق الزيدية أجمعين (1).

    وما ذكره أخيراً حقّ لا غبار عليه لكن ما نسبه إلى الاِمامية لا مصدر له سوى أنّه ورد في القسم الثاني من رجال العلاّمة وابن داود وقد عرفت في التعليقة معنى ذلك.

    وأمّا الزيدية فقد اتفقوا على وثاقته وقالوا : أبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي البقال شيخ الزيدية ببغداد. قال في الطبقات : روى مجموع الاِمام زيد بن علي ( عليه السلام ) الفقهي الكبير المرتب المبوب عن علي بن محمد النخعي ، وقد سمع منه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن الحسني سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. وقال في مطلع البدور : هو شيخ الزيدية ببغداد ، والعراق ، وكان عالماً محدثاً حافظاً ، وقال في غيره : كان علاّمة كبيراً وفاضلاً شهيراً ، سمحاً ، عالماً زاهداً ، سعيداً ولياً لآل محمّد ، رأساً في العلوم ، مهيمناً على المظنون والعلوم ، له كتاب في إسناد مذهب الزيدية وتعدادهم ، وذكر تلامذة زيد بن علي وأصحابه الذين أخذوا عنه العلم (2).

 

ب : أبو القاسم علي بن محمّد النخعي الكوفي :

    وهو أُستاذ عبد العزيز بن إسحاق ، ولم نجد له عنواناً في كتب الرجال للشيعة ، وأمّا أهل السنة فقال الذهبي : علي بن محمد : أبو القاسم الشريف

________________________________________

    1 ـ الاِمام زيد : 262.

    2 ـ السياغي : الروض النضير : 1/61 ، ثم ذكر ترجمة الذهبي ونقده.

(131)

الزيدي الحراني شيخ القرّاء وتلميذ النقاش وثّقه أبو عمرو الداني ، واتّهمه عبد العزيز الكتاني ، ذكرته في طبقات القراء (1) وهل الترجمة للشيخ النخعي أو لغيره المشترك معه في الكنية والاسم واسم الاَب؟ احتمالان ، نعم ذكر الذهبي في ترجمة عثمان بن أبي شيبة وقال : « يحيى » (2) بن محمد بن كاس النخعي قال : حدّثنا : إبراهيم بن عبد اللّه الحصاف ، قال : قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة تفسيره فقال : وجعل السفينة في رجل أخيه فقيل إنّما هو السقاية ، فقال : أنا وأخي أبو بكر لا نقرّ لعاصم (3).

    وقال في تذكرة الحفاظ : وفيها « سنة أربع وعشرين وثلاثمائة » توفي شيخ الحنفية علي بن كاس النخعي الكوفي (4).

    وذكره في طبقات الحنفية فقال : علي بن محمد بن الحسن بن كاس الكاسي النخعي القاضي الكوفي ، روى عن محمد بن علي بن عفان ، وعنه أبو القاسم المطرزي والمستكي أُستاذ الضميري وله « الاَركان الخمسة » توفي أربع وعشرين وثلاثمائة (5).

    وعند ذلك يظهر لنا سر تلاقي الفقه الزيدي والفقه الحنفي إلى حد كبير ، فإنّ الفقه الموروث من زيد لم يكن على حد يتجاوب مع متطلبات المجتمع الاِسلامي آنذاك ، فلم يكن بدّ من بسطه في ضوء القواعد الاَُصولية ، فإذا كان المفتي حنفياً يبسطه حسب الضوابط التي يعتبرها دليلاً على الحكم فيدخل فيه القياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسد الذرائع ، ولا تهمه مخالفة

________________________________________

    1 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 3/155 برقم 5935.

    2 ـ وفي التعليقة : علي وهو الصحيح.

    3 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 3/37 ـ 38 برقم 5518.

    4 ـ الذهبي : تذكرة الحفاظ : 3/821 في ضمن ترجمة ابن الشرقي.

    5 ـ السيّاغي : الروض النضير : 1/64.

________________________________________

(132)

أئمة أهل البيت ، الذين جاءوا إلى الساحة بعد مقتل زيد ، وقد بيّـن الشيخ الكوثري هذا التلاقي بشكل آخر فقال : « إنّ ذلك التوافق العظيم بين آل زيد وبين فقهاء العراق في ثلاثة أرباع المسائل إنّما نشأ من اتحاد مصدر علوم الفريقين ، لاَنّ فقهاء الكوفة والعراق إنّما توارثوا الفقه طبقة فطبقة عن علي وابن مسعود وسائر كبار فقهاء الصحابة الذين نشروا العلم بالكوفة ولاسيما الذين تديّروها (1) بعد انتقال علي كرم اللّه وجهه إليها ، واستمروا بها في عهد الاَُمويين ثم عن فقهاء أصحابهم وأصحاب عمر ، وابن عباس ومعاذ الذين انتقلوا إليها واستقروا بها ابتعاداً عن معاقل الاَُمويين ، ثم عن أصحاب أصحابهم الفقهاء رضي اللّه عنهم الذين بهم صارت الكوفة مصدر العلم الناضج في ذلك العهد وكانت علوم الحجاز والمدينة المنورة يتشارك فيها فقهاء الاَمصار لكثرة حجهم عاماً فعاماً في تلك الاَعصار (2).

 

ج ـ سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي :

    هو جد علي بن محمد النخعي أبو أُمّه ، قال في الطبقات : يروي عن نصر بن مزاحم المنقري سمع منه مجموعي الاِمام زيد بن علي ( عليه السلام ) « الحديثي » و « الفقهي » وسمعهما عليه علي بن محمد بن كاس (أي النخعي) وكان سماعه عليه سنة خمس وستين ومائتين (3) ولم أجد له عنواناً في كتب الرجال لاَصحابنا الاِمامية.

 

د ـ نصر بن مزاحم المنقري العطار :

    قال الذهبي : نصر بن مزاحم الكوفي ، عن قيس بن الربيع وطبقته ، رافضي ، جلد ، تركوه. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين ، حدّث عنه : نوح بن حبيب وأبو

________________________________________

    1 ـ من الدير : أخذوه مكاناً.

    2 ـ الروض النضير : ص28 ، المقدمة.

    3 ـ السياغي : الروض النضير : 1/64.

________________________________________

(133)

سعيد الاَشجّ وجماعة ، قال العقيلي : شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير. وقال أبو خيثمة : كان كذاباً ، وقال أبو حاتم : واهي الحديث ، متروك ، وقال الدار قطني : ضعيف وروى أيضاً عن شعبة (1).

    ما ذكره الذهبي وشيوخه ، شنشنة أعرفها من كل من يكنّ لاَهل البيت غيظاً وعداء وإن كان يتجنب عن إظهاره ، فمن روى فضيلة فيهم أو أنشد قريضاً فهو عندهم رافضي ، كذاب ، خبيث ، متروك الحديث إلى غير ذلك ، وأمّا المجسّمة والمشبهة ومن يتولّى آل أُمية وسلاطينهم ، فهو جليل ، ثقة ، يكتب حديثه ويحتج به.

    وأمّا أصحابنا فقد اتفقوا على وثاقته قال النجاشي : نصر بن مزاحم مستقيم الطريقة ، صالح الاَمر ، غير أنّه يروي عن الضعفاء كتبه. حِسان ، منها : كتاب الجمل (2) بل وذكره الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الاِمام الباقر ( عليه السلام ) (3).

    إنّ الرجل مع كونه شيعياً ، علوي الولاء ، لكنه عندما يسرد وقائع صفين يسرده بشكل كاتب محايد فهو حين يذكر مثالب معاوية ، يذكر شعر الشاميّين في الطعن على الاِمام وحزبه ، وهذا يدل على أنّه كان رجلاً رحب الصدر لايستفزه المذهب إلى الاكتفاء بذكر كلام طرف واحد ، ويذكر كلام المبطل بتمامه أيضاً.

 

هـ ـ إبراهيم بن الزبرقان :

    قال الذهبي : وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم : لا يحتج به روى عنه أبو نعيم (4).

________________________________________

    1 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 4/253 ـ 254 ، لاحظ تاريخ بغداد : ج 13 برقم 7245.

    2 ـ النجاشي : الرجال : 2/384 برقم 1149.

    3 ـ الشيخ الطوسي : الرجال : برقم : 3 باب أصحاب الاِمام الباقر ( عليه السلام ) ولكنه بعيد لاَنّ الاِمام توفّي سنة 114هـ وتوفّي نصر عام 212هـ.

    4 ـ ميزان الاعتدال : 1/31.

________________________________________

(134)

    وقال في طبقات الزيدية : روى عن أبي خالد الواسطي مجموعي الاِمام زيد ابن علي ، وله رواية عن مجاهد ، وعنه نصر بن مزاحم ، وقال : حدثني المجموع الكبير المرتب جميعه ، عن أبي خالد ، وروى عنه أبو نعيم الحافظ ، واحتج به أئمتنا ، ووثقه الموَيد باللّه ووثقه من المحدثين ابن معين ، وقال نصر بن مزاحم : كان من خيار المسلمين ، وكان خاصاً بأبي خالد الواسطي ، وقال ابن أبي الحديد : هو في رجال الحديث وقال غيره من رجال الشيعة المحدثين ، وعيب عليه بالتشيع. وقال أبو حاتم : لا يحتج به (1).

    وأمّا أصحابنا الاِمامية فذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وقال : إبراهيم بن الزبرقان التيمي الكوفي ، أسند عنه (2) فقد أهملوه من حيث التوثيق وعدمه.

 

و ـ أبو خالد ، عمرو بن خالد :

    لقد اضطربت كلمة الرجاليين في حقه فأهل السنّة على تضعيفه. قال الذهبي : عمرو بن خالد القرشي ، كوفي ، أبو خالد ، تحول إلى واسط.

    قال وكيع : كان في جوارنا ، يضع الحديث ، فلما فطن له تحوّل إلى واسط.

    وقال معلى بن منصور عن أبي عوانة : كان عمرو بن خالد يشتري الصحف من الصيادلة ويحدّث بها.

    وروى عباس ، عن يحيى ، قال : كذاب غير ثقة. حدث عنه أبو حفص الاَبـّار وغيره ، فروى عن زيد بن علي ، عن آبائه.

    وروى عثمان بن سعيد ، عن يحيى ، قال : عمرو بن خالد الذي يروي عنه

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/66.

    2 ـ الطوسي : الرجال : 144 برقم 40.

________________________________________

(135)

الاَبـّار كذاب. وروى أحمد بن ثابت ، عن أحمد بن حنبل ، قال : عمرو بن خالد الواسطي كذاب.

    وقال النسائي : روى عن حبيب بن أبي ثابت ، كوفي ليس بثقة. وقال الدارقطني : كذاب.

    وروى إبراهيم بن هراسة أحد المتروكين ، عن أبي خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن علي ، قال : لعن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذكرين أحدهما يلعب بصاحبه (1).

    وأظن أن هذا الصخب والهياج حول الرجل لاَجل أنّه من موالي أئمة أهل البيت والمجاهرين بولائهم ، وهذا يكفي في التضعيف وصب القارعات عليه.

    وأعجب منه ما ذكره الذهبي في آخر كلامه من الحكم بوضع لعن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذكرين أحدهما يلعب بصاحبه ، فإنّه مروي عن الفريقين.

    كيف يشك الذهبي في صحة الحديث مع أنّ الكتاب يصدّقه حيث يخص جواز الالتذاذ بالجنس بموردين ويقول : « والّذِين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إلاّ على أزْواجِهِمْ أو مَا مَلَكَتْ أيْمانُهُم » (الموَمنون : 5 ـ 6) وما ورد في الحديث ليس منهما فجاز لعنه.

    روى السيوطي في مسنده من كتاب جمع الجوامع من قسم الاَفعال فقال : عن الحرث ، عن علي : « قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سبعة لايكلمهم اللّه يوم القيامة ولاينظر إليهم ويقال لهم أدخلوا النار مع الداخلين إلاّ أن يتوبوا : الفاعل والمفعول به ، والناكح يده ... ».

    أخرج البيهقي عن ابن عباس : « أنّ النبي قال : لعن اللّه من وقع على بهيمة ،

________________________________________

    1 ـ الذهبي : ميزان الاعتدال : 3/257. وفي المتن يغلب أحدهما صاحبه.

________________________________________

(136)

ولعن اللّه من عمل عمل قوم لوط ، إلى غير ذلك من الروايات التي رواها أهل السنّة (1) وأمّا الشيعة فحدث عنه ولا حرج ، فقد عدّه الكشي في ترجمة الحسين بن علوان ، من رجال أهل السنّة الذين لهم ميل ومحبة شديدة (2).

    وظاهر النجاشي أنّه إمامي حيث ألّفه لذكر رجال الاِمامية ولو ذكر من غيرهم لاَشار إلى مذهبه وهو عنونه وذكر سنده إلى كتابه من دون إيعاز إلى مذهبه (3) إلاّ إذا قيل إنّه ترك ذكر مذهبه في المقام لكونه معروفاً.

    وعده الشيخ في الفهرست من موَلفي الشيعة وقال : أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي له كتاب ذكره ابن النديم (4) فعدّه من أصحاب الاِمام الباقر وعمرو بن خالد الواسطي بتري.

    وستعرف كلامه عند سرد الروايات المروية عن زيد في الكتب الاَربعة عند الكلام على رواية زيد أنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غسل رجليه ، والقرائن تشهد أنّه شيعي زيدي ، ويدلّ عليه مضافاً إلى إطباق الزيدية عليه ما رواه الكشي في ذيل ترجمة محمد بن سالم بياع القصب : محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبو عبد اللّه الشاذاني ـ وكتب به ـ إلى أن قال : حدثني الفضل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو يعقوب المقري وكان من كبار الزيدية ، قال : أخبرنا عمرو بن خالد وكان من روَساء الزيدية عن أبي الجارود وكان رأس الزيدية قال : كنت عند أبي جعفر ( عليه السلام ) جالساً إذ أقبل زيد بن علي فلمّا نظر إليه أبو جعفر قال :

________________________________________

    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/85 ـ 86؛ ولاحظ وسائل الشيعة : 18 ، الاَبواب الستة من أبواب اللواط : 416ـ 424 ، والباب الثالث من أبواب نكاح البهائم ووطء الاَموات والاستمناء : 574. هذا إذا فهمنا من الحديث الناكح بيده أو لعب أحد الذكرين بالآخر ، وإلاّ يكون الحديث مجملاً.

    2 ـ الكشي : الرجال : 333 ، برقم 252 ، وما ذكره هنا ينافي ما ذكره برقم 106 من كونه من روَساء الزيدية.

    3 ـ النجاشي : الرجال : 2 ، برقم 762.

    4 ـ الطوسي : الفهرست : برقم 849.

________________________________________

(137)

« هذا سيد أهل بيتي والطالب بأوتارهم » ومنزل عمرو بن خالد كان عند مسجد سماك وذكر ابن فضال أنّه ثقة (1).

    وإذا كان لبعض هذه النقاشات في هوَلاء ، مظنة صدق ، غير أنّ الشيخ النجاشي ( 372 ـ 450هـ) يرويـه بسنـد آخر نأتي بنصّه حتى يتبيّـن أنّ للكتاب سندين أو أكثر.

    أخبرنا محمد بن عثمان (النصيبي) قال : حدثنا علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن نصر بن مزاحم عنه (أبي خالد) بكتابه (2).

    ولاَجل إيقاف القارىء على عناية الاِمامية بروايات زيد ، نأتي بما وقفنا عليه في الكتب الاَربعة بعد حذف المكررات فنقول :

 

الرواية عن زيد بن علي في الكتب الاَربعة :

    احتجت الاِمامية بالروايات المروية عن زيد بن علي عن آبائه ( عليهم السلام ) إذا لم تكن مخالفة لما اتفقت عليه روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وروي عنه في الكتب الاَربعة تسعة وثلاثون حديثاً ـ بعد حذف المكررات ـ وأكثر ما روي فيها موجود في مسنده كما سنشير إليه في مواضعه :

    والراوي عنه :

    إمّا عمرو بن خالد ـ غالباً ـ.

    أو أبو خالد الواسطي.في موردين وكلاهما واحد.

    أو هاشم بن يزيد. في مورد واحد.

    أو الحسين بن علوان.

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 231 برقم419.

    2 ـ النجاشي : الرجال : برقم 769.

________________________________________

(138)

    والظاهر وقوع السقط في الاَخير والصحيح الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد فإنّ الحسين بن علوان يروي عن زيد بواسطة عمرو بن خالد كثيراً.

    ولاَجل إيقاف القارىَ على اهتمام محدثي الاِمامية بما روي عنه نأتي في هذا الفصل بخصوص ما روي عنه في الكتب الاَربعة ونترك الباقي لوقت آخر ، وقد استعنّا في تخريج رواياته بالحاسب الآلي ، ورتبنا الروايات حسب ترتيب أبواب الفقه المألوف بين أصحابنا وربما يكون ، بين ما روي فيها والموجود في مسنده اختلاف يسير في اللفظ.

كتاب الطهارة

روى الشيخ الطوسي :

    1 ـ روى محمد بن الحسن الصفار عن عبد اللّه بن المنبه (1) عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ( عليهم السلام ) قال : « جلست أتوضأ وأقبل رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين ابتدأت في الوضوء فقال لي : تمضمض واستنشق واستن ، ثم غسلت وجهي ثلاثاً ، فقال : قد يخرجك من ذلك المرتان ، قال : فغسلت ذراعي ومسحت برأسي مرتين ، فقال : قد يجزيك من ذلك المرة ، وغسلت قدمي ، فقال لي : « يا علي خلّل ما بين الاَصابع لا تخلل بالنار » (2).

    وعلّق عليه الشيخ قال : هذا الخبر موافق للعامة قد ورد مورد التقية ، لاَنّ المعلوم من مذهب الاَئمة ( عليهم السلام ) مسح الرجلين في الوضوء دون غسلهما.

________________________________________

    1 ـ والظاهر وقوع التصحيف في السند ، والصحيح المنبه بن عبيد اللّه كما في كثير من الاَسانيد.

    2 ـ الطوسي : محمد بن الحسن : (ت 460 هـ) ، التهذيب : 1/93 ، الباب : 4 باب صفة الوضوء الحديث 97 و رواه الاِمام المهدي لدين اللّه محمد بن المطهر في المنهاج الجلي ، (لاحظ تعليقة مسند زيدص 53).

    وراجع أيضاً : الطوسي : الاستبصار : 1/65 ، الباب 37 ، الحديث8.

________________________________________

(139)

روى الشيخ الطوسي :

    2 ـ أخبرني الشيخ (محمد بن النعمان) عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن المنبه بن عبيد اللّه ، عن الحسين بن علوان الكلبي ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « سألت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما ؟فقال : إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما اللّه عزّ وجلّ ليس في العرق ، فلا يغسلان ثوبهما » (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    3 ـ سعد ، عن أبي الجوزاء المنبه بن عبيد اللّه ، عن الحسين بن علوان الكلبي ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « الغسل من سبعة من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميت وإن تطهرت أجزاك » وذكر غير ذلك (2).

    في غسل الميت والصلاة عليه :

    روى الشيخ الطوسي :

    4 ـ سعد بن عبد اللّه ، عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد اللّه (3) عن الحسين

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 1/269 ، الباب12 (باب تطهير الثوب) الحديث : 79 ، زيد بن علي : المسند : ص61 وراجع : الطوسي : الاستبصار : 1/185 ، الباب110 ، الحديث : 5.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 1/464 ، الباب 23 ، الحديث162 ، وعلّق الشيخ والطوسي على قوله : وإن تطهّرت أجزاك ، أنّه محمول على التقية لوجوب الغسل وعدم كفاية التطهير.

    3 ـ هكذا في النسخة والظاهر عبيد اللّه بقرينة سائر الروايات.

________________________________________

(140)

بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي ( عليهم السلام ) قال : « إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم من نسائه ، قال : يوزرنه إلى الركبتين ، ويصبن عليه الماء صباً ، ولا ينظرن إلى عورته ، ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه ، فإذا كان معه نساء ذوات محرم يوزرنه ويصببن عليه الماء صباً ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    5 ـ سعد بن عبد اللّه ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي ( عليهم السلام ) قال : أتى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفر فقالوا إنّ امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم ، فقال : « كيف صنعتم؟ » فقالوا : صببنا عليها الماء صباً ، فقال : « أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ » قالوا : لا ، قال : « أفلا يمّمتموها؟ » (2).

    روى الشيخ الطوسي :

    6 ـ وبهذا الاِسناد (3) ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي بصير ، عن أيوب ابن محمد الرقي ، عن عمرو بن أيوب الموصلي ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « إنّ قوماً أتوا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالوا : يارسول اللّه مات صاحب لنا وهو

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 1/441 ، الباب23 ، الحديث 71 : زيد بن علي : المسند : ص145 ورواه أيضاً في التهذيب : 1/343 ، الباب 13 ، الحديث168 ، باختلاف يسير. و الاستبصار : 2/201 ، الباب118 ، الحديث7.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 1/443 ، الباب23 ، الحديث78؛ و الاستبصار : 1/203 ، الباب 118 ، الحديث14.

    3 ـ أي أخبرني الشيخ المفيد عن أبي جعفر محمد بن علي عن محمد بن الحسن.

(141)

مجدور فإن غسلناه انسلخ ، فقال : يمّموه » (1).

    7 ـ عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي ( عليهم السلام ) أنّه سئل عن رجل يحترق بالنار ، فأمرهم أن يصبوا عليه الماء صباً وأن يصلّـى عليه (2).

    روى الشيخ الطوسي :

    8 ـ روى علي بن الحسين ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد اللّه (3) ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) في الصلاة على الطفل أنّه كان يقول : « اللّهم اجعله لاَبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً » (4).

    روى الشيخ الطوسي :

    9 ـ علي بن الحسين ، عن سعد ، عن أبي الجوزاء المنبه بن عبيد اللّه ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن أمير الموَمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : « يسل الرجل سلاّ ويستقبل المرأة استقبالاً ، ويكون أولى الناس بالمرأة في موَخرها »(5).

________________________________________

    1 ـ الشيخ الطوسي : التهذيب : 1/333 ، الباب13 ، الحديث145.

    2 ـ الكليني : الكافي : 3/213؛ الحديث6؛ زيد بن علي : المسند : 147؛ الطوسي : التهذيب : 1/333 ، الباب13 ، الحديث144.

    3 ـ الظاهر عبيد اللّه.

    4 ـ الطوسي : التهذيب : 3/195 ، الباب13 ، الحديث21؛ زيد بن علي : المسند : 150.

    5 ـ الطوسي : التهذيب : 1/326 ، الباب13 باب تلقين المحتضرين ، الحديث119؛ زيد بن علي : المسند ، باب 152 ، باختلاف يسير.

________________________________________

(142)

أحكام الشهيد

روى الكليني :

    10 ـ عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال أمير الموَمنين صلوات اللّه عليه : « ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلاّ أن يكون أصابه دم فإن أصابه دم ترك ولا يترك عليه شيء معقود إلاّ حل » (1).

    روى الطوسي :

    11 ـ محمد بن الحسن الصفار عن عبد اللّه بن المنبه (2) عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « للشهيد سبع خصال من اللّه : أوّل قطرة من دمه مغفور له كل ذنب ، والثانية : يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه تقولان مرحباً بك ويقول هو مثل ذلك لهما ، والثالثة : يكسى من كسوة الجنّة ، والرابعة : يبتدره خزنة الجنّة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه ، والخامسة : أن يرى منزلته ، والسادسة : يقال لروحه أسرح في الجنّة حيث شئت والسابعة : أن ينظر في وجه اللّه وإنّها لراحة لكل نبي وشهيد » (3).

________________________________________

    1 ـ الكليني : الكافي : 3/211 ، الحديث4؛ زيد بن علي : المسند : 146 (باب الشهيد) الطوسي ، التهذيب : 1/332 ، الحديث 140.

    2 ـ الظاهر وقوع التصحيف في السند ، والصحيح عن المنبه بن عبيد اللّه كما في كثير من الاَسانيد.

    3 ـ الطوسي : التهذيب : 6/121 ، الباب22 ، الحديث3؛ زيد بن علي ، المسند : 351. وقد ورد أبسط مما في المتن هنا.

________________________________________

(143)

روى الشيخ الطوسي :

    12 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواره في ثيابه ، وإن بقى أياماً حتى تتغير جراحته غسل » (1).

كتاب الصلاة

قال الصدوق :

    13 ـ روي عن زيد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) أنّه قال : « سألت أبي سيد العابدين ( عليه السلام ) فقلت له : يا أبه أخبرني عن جدنا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا عرج به إلى السماء وأمره ربه عزّ وجلّ بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن أُمّته حتى قال له موسى بن عمران ( عليه السلام ) : إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فأنّ أُمّتك لا تطيق ذلك؟ فقال : « يابُنيَّ أن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لايقترح على ربه عزّ وجلّ فلا يراجعه في شيء يأمره به ، فلمّا سأله موسى ( عليه السلام ) ذلك وصار شفيعاً لاَُمّته إليه لم يجز له أن يرد شفاعة أخيه موسى ( عليه السلام ) فرجع إلى ربّه عزّ وجلّ فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات » قال : فقلت له : يا أبه فلم لم يرجع إلى ربّه عزّ وجلّ ولم يسأله التخفيف من خمس صلوات وقد سأله موسى ( عليه السلام ) أن يرجع إلى ربّه عزّ وجلّ ويسأله التخفيف؟ فقال : « يا بُنيَّ أراد ( عليه السلام ) أن يحصل

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 6/168 ، الباب22 ، الحديث7؛ زيد بن علي : المسند : 146. وللشيخ الطوسي تعليقة على الرواية فإنّها غير معمول بها عند الاَصحاب؛ أيضاً الشيخ الطوسي : الاستبصار : 1/25 ، الباب 125 ، الحديث 6.

________________________________________

(144)

لاَُمّته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول اللّه عزّ وجلّ : « مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْـرُ أمثَالِها » ألا ترى أنّه ( عليه السلام ) لما هبط إلى الاَرض نزل عليه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يامحمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول (لك) : إنّها خمس بخمسين « ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وما أنا بِظَلاّمٍ لِلعَبِيد » قال : فقلت له : يا أبه أليس اللّه جلّ ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال : « بلى تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً » قلت : فما معنى قول موسى ( عليه السلام ) لرسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إرجع إلى ربّك؟ فقال : « معناه معنى قول إبراهيم ( عليه السلام ) : « إنّي ذَاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدِين » ومعنى قول موسى ( عليه السلام ) « وَعجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى » ومعنى قوله عزّ وجلّ : « فَفِرُّوا إلى اللّه » يعني حجّوا إلى بيت اللّه ، يابني إنّ الكعبة بيت اللّه فمن حجّ بيت اللّه فقد قصد إلى اللّه ، والمساجد بيوت اللّه فمن سعى إليها فقد سعى إلى اللّه وقصد إليه ، والمصلّـي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ ، فإنّ للّه تبارك وتعالى بقاعاً في سماواته ، فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ألا تسمع اللّه عزّ وجلّ يقول : « تَعْرُجُ الَمَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْه » ويقول (اللّه) عزّ وجلّ في قصة عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) : « بَل رَفَعَهُ اللّهُ إلَيْه » ويقول اللّه عزّ وجلّ : «إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيِّبُ والعَمَلُ الصالِحُ يَرْفَعُه » (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    14 ـ محمد بن الحسن الصفار ، عن عبد اللّه بن المنبه (2) ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي ـ عليه

________________________________________

    1 ـ الصدوق : من لايحضره الفقيه : 1/ 198 ، الحديث 603 ، وفي الحديث نكات بديعة ولم نجده في مسنده.

    2 ـ الصحيح : المنبه بن عبيد اللّه كما في سائر الاَسانيد.

________________________________________

(145)

السلام ـ أنّه أتاه رجل فقال : يا أمير الموَمنين واللّه إنّي لاَحبك للّه فقال له : « ولكني أُبغضك للّه » قال : ولم؟ قال : « لاَنّك تبغي في الاَذان ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً (1) ، سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجراً كان حظّه ، يوم القيامة » (2).

    روى الشيخ الطوسي :

    15 ـ محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن الحسن بن علي ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس ، فقال : لهما علي ( عليه السلام ) « إن شئتما فليوَم أحدكما صاحبه ولا يوَذن ولايقيم » (3).

    روى الشيخ الطوسي :

    16 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « الاَغلف لا يوَم القوم وإن كان أقرأهم ، لاَنّه ضيع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ولا يصلّى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه » (4).

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الاستبصار : 3/65 الباب 38 ، الحديث 2.

    2 ـ الطوسى : التهذيب : 6/376 ، الباب 93 ، الحديث 220؛ زيد بن علي : المسند : 85 ، وفي المسند تتغنّى مكان تبغي وهو الاَصح.

    3 ـ الطوسي : التهذيب : 2/281 ، الباب13 ، الحديث 21 ، و 3/55 ، الباب 13 ، الحديث 103؛ زيد بن علي : المسند : 113 باختلاف.

    4 ـ الطوسي : التهذيب : 3/30 ، الباب 3 ، الحديث 20؛ زيد بن علي : المسند : 151 باختلاف يسير.

________________________________________

(146)

    روى الشيخ الطوسي :

    17 ـ سعد ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « صلّى بنا رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم : يارسول اللّه هل زيد في الصلاة شيء؟ فقال : وماذاك؟ قال : صليت بنا خمس ركعات قال : فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم وكان يقول : هما المرغمتان ».

    قال محمد بن الحسن : هذا خبر شاذ لا يعمل عليه لاَنّا قد بينا أن من زاد في الصلاة وعلم ذلك ، يجب عليه استئناف الصلاة ، وإذا شك في الزيادة فإنّه يسجد السجدتين المرغمتين ، ويجوز أن يكون ( عليه السلام ) إنّما فعل ذلك لاَنّ قول واحد له لم يكن مما يقطع به ، ويجوز أن يكون كان غلطاً منه وإنّما سجد السجدتين احتياطاً (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    18 ـ روى سعد بن عبد اللّه ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ( عليه السلام ) قال : صليت مع أبي ( عليه السلام ) المغرب فنسى فاتحة الكتاب في الركعــة الاَُولى فقرأها في الثانية (2)

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 2/349 ، الباب14 ، الحديث 37؛ الاستبصار : 1/377 ، الباب 219 ، الحديث5؛ زيد بن علي : المسند : 109.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 2/148 ، الباب 23 ، الحديث36؛ زيد بن علي : المسند : 94. والرواية مطروحة لتضمنها نسبة السهو إلى الاِمام المعصوم مع بعد مضمونها لعدم طروء النسيان في الركعة الاَُولى بالنسبة إلى فاتحة الكتاب. وراجع أيضاً : الطوسي : الاستبصار : 1/354 ، الباب206 ، الحديث7.

________________________________________

(147)

في الضمان

    روى الشيخ الطوسي :

    19 ـ عنه (1) ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) أنّه أتى بحمال كانت عليه قارورة عظيمة كانت فيها دهن فكسرها فضمّنها إيّاه ، وكان يقول : كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن ، فسألته ما المشترك؟ فقال : الذي يعمل لي ولك ولذا (2).

    روى الشيخ الطوسي :

    20 ـ روى محمـد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) أنّه أتاه رجل تكاري دابة فهلكت ، فأقرّ أنّه جاز بها الوقت فضمّنه الثمن ولم يجعل عليه كراء (3).

    روى الشيخ الطوسي :

    21 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) أنّه كان يضمن صاحب الكلب إذا عقر نهاراً ولايضمنه إذا عقر بالليل ، وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون ، وإذا دخلت بغير إذنهم فلا ضمان عليهم (4).

________________________________________

    1 ـ أي عن محمد بن أحمد بن يحيى.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 7/222 ، الباب 20 ، الحديث85؛ زيد بن علي : المسند : 254.

    3 ـ الطوسي : الاستبصار : 3/135 ، الباب88 ، الحديث3. قال الشيخ : الوجه في هذه الرواية ضرب من التقيّة لاَنّها موافقة لمذهب كثير من العامة.

    4 ـ الطوسي : التهذيب : 10/228 ، باب الاثنين إذا قتلا ، الحديث 31.

________________________________________

(148)

في الربا

    روى الشيخ الطوسي :

    22 ـ عنه (1) ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « لعن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الربا وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه » (2).

 

في الخمر

    روى الكليني :

    23 ـ عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : لعن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه (3).

 

في النكاح

    روى الشيخ الطوسي :

    24 ـ روى محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ـ

________________________________________

    1 ـ أي عن الحسين بن سعيد الاَهوازي.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 7/15 ، الباب1 ، الحديث 64؛ زيد بن علي : المسند : 229 باختلاف يسير.

    3 ـ الكليني : الكافي : 6/398 ، الحديث10.

________________________________________

(149)

عليه السلام ـ : إنّ امرأة أتته ورجل قد تزوجها ودخل بها وسمى لها مهراً وسمى لمهرها أجلاً فقال له علي ( عليه السلام ) : « لا أجل لك في مهرها إذا دخلت بها فأدّ إليها حقها » (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    25 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) أنّه قال : « الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لاتحل له أبداً » (2).

    روى الشيخ الطوسي :

    26 ـ روى محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « حرم رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم خيبر لحوم الحمر الاَهلية ونكاح المتعة » (3).

 

في الطلاق

    روى الشيخ الطوسي :

    27 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين [بن علوان]

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 7/358 ، الباب 31 من أبواب النكاح ، الحديث 20؛ الاستبصار : 3/221 ، الباب 138 ، الحديث 4 ؛ زيد بن علي : المسند : 27.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 7/317 ، الباب 27 من أبواب النكاح ، الحديث17 ، والرواية مطروحة لدى الاِمامية لعدم كفاية الرضعة الواحدة بالاتفاق عندهم ، وفي المسند : 282 : سألت زيداً عن المصة والمصتين ، قال : تحرم.

    3 ـ الطوسي : التهذيب : 7/251 ، الباب 24 ، الحديث10؛ زيد بن علي المسند : 271 ، وفي المسند : نهى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن نكاح المتعة عام خيبر. والرواية وردت مورد التقية.

________________________________________

(150)

عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) في رجل أظهر طلاق امرأته وأشهد عليه وأسرّ رجعتها ثم خرج فلمّا رجع وجدها قد تزوجت قال : « لاحقّ له عليها من أجل أنّه أسرّ رجعتها وأظهر طلاقها » (1).

 

في الحدود

    روى الشيخ الطوسي :

    28 ـ عنه (2) ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : سئل رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الساحر؟ فقال : إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد حل دمه (3).

    روى الشيخ الطوسي :

    29 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « إذا أسلم الاَب جر الولد إلى الاِسلام ، فمن أدرك من ولده دعى إلى الاِسلام فإن أبى قتل ، وإذا أسلم الولد لم يجر أبويه ولم يكن بينهما ميراث » (4).

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 8/44 ، الباب 3 من أبواب الطلاق ، الحديث5.

    2 ـ أي عن محمد بن أحمد بن يحيى.

    3 ـ الطوسـي : التهذيب : 6/283 ، البــاب 91 ، الحديث185؛ و ج 10/147 ، الباب 10 من الزيادات ، الحديث16؛ زيد بن علي : المسند : 303 ، وفي المسند : حد الساحر القتل.

    4 ـ الطوسي : التهذيب : 8/236 ، العتق الباب1 ، الحديث 85. أن لا يرث الاَب ، ويرث الولد ، لاَنّ الاِسلام يزيد عزّاً لا حرماناً.

(151)

    روى الصدوق :

    30 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، عن علي ( عليه السلام ) في رجل قذف امرأته ثم خرج فجأة وقد توفيت قال : « يخير واحدة من ثنتين يقال له : إن شئت ألزمت نفسك الذنب فيقام عليك الحد وتعطى الميراث ، وإن شئت أقررت فلاعَنْت أدنى قرابتها إليها ولا ميراث لك » (1).

 

في الديات

    روى الشيخ الطوسي :

    31 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 8/194 ، الباب 8 باب اللعان ، الحديث 38؛ الصدوق : من لا يحضره الفقيه : 3/539 ، الباب2 الحديث 4856.

________________________________________

(152)

الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : لاتعقل العاقلة إلاّ ما قامت عليه البينة ، قال : وأتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصة ولم يجعل على العاقلة شيئاً (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    32 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « المعتق على دبر فهو من الثلث وما جنى هو والمكاتب وأُم الولد فالمولى ضامن لجنايتهم » (2).

 

في القصاص

    روى الشيخ الطوسي :

    33 ـ عن محمد بن أحمد بن يحيـى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجـوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليهم السلام ) قال : « ليس بين الرجل والنساء قصاص إلاّ في النفس » (3).

    روى الشيخ الطوسي :

    34 ـ عـن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجـوزاء عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « ليس بين الرجال والنساء قصاص إلاّ في النفس ، وليس بين الاَحرار والمماليك قصاص إلاّ في النفس عمداً ، وليس بين الصبيان قصاص في شيء إلاّ في النفس » (4).

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 10/175 ، باب البينات على القتل ، الحديث 24؛ والاستبصار : 4/262 ، الباب 152 ، الحديث5؛ لاحظ المسند : 306.

    2 ـ الطوسي : التهذيـب : 8/262 ، التدبير الباب2 ، الحديث17؛ و الاستبصار : 4/31 ، الباب 15 ، الحديث 19.

    3 ـ الطوسي : الاستبصار : 4/266 ، الباب 154 ، الحديث7.

    4 ـ الطوسي : التهذيب : 10/279 ، باب القصاص ، الحديث 18؛ لاحظ المسند : 307.

________________________________________

(153)

ما لا يختص بباب

    روى الشيخ الطوسي :

    35 ـ عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجل فقال : يارسول اللّه أنّ أبي عمد إلى مملوك لي فاعتقه كهيئة المضرة لي فقال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « أنت ومالك من هبة اللّه لاَبيك ، أنت سهم من كنانته يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور ويجعل من يشاء عقيماً ، جازت عتاقة أبيك ، يتناول والدك من مالك وبدنك ، وليس لك أن تتناول من ماله ولا من بدنه شيئاً إلاّ بإذنه » (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    36 ـ محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن الحسن ابن الحسين الاَنصاري ، عن يحيى بن معلى الاَسلمي ، عن هاشم بن يزيد قال : سمعت زيد بن علي ( عليه السلام ) يقول : كان علي ( عليه السلام ) في حربه أعظم أجراً من قيامه مع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حربه قال : قلت بأي شيء تقول أصلحك اللّه؟ قال : فقال لي : لاَنّه كان مع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تابعاً ولم يكن له إلاّ أجر تبعيته وكان في هذه متبوعاً وكان له أجر كل من تبعه (2).

    روى الكليني :

    37 ـ عنه [أي عن علي بن إبراهيم] ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي

________________________________________

    1 ـ الطوسي : التهذيب : 8/235 ، كتاب العتق الباب 1 ، الحديث 82.

    2 ـ الطوسي : التهذيب : 6/170 ، الباب 179 ، الحديث4.

________________________________________

(154)

خالد الواسطي ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما » (1).

    روى الشيخ الطوسي :

    38 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين ابن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « أتيت أنا ورسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجلاً من الاَنصار فإذا فرس له يكيد بنفسه ، فقال له رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انحره يضعف لك به أجران : بنحرك إيّاه واحتسابك له ، فقال : يارسول اللّه إلي منه شيء؟ قال : نعم كل وأطعمني قال : فأهدى للنبي ( عليه السلام ) فخذاً منه فأكل منه وأطعمني » (2).

    روى الشيخ الطوسي :

    39 ـ عنه (3) عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) : قال رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا التقى المسلمان بسيفهما على غير سنّة ، القاتل والمقتول في النار » فقيل : يارسول اللّه القاتل فما بال المقتول؟! قال : « لاَنّه أراد قتلاً » (4).

    هذه هي 39 حديثاً نقلها مصنّفو الكتب الاَربعة عن الاِمام زيد التي نقلها عن أبيه عن آبائه.

________________________________________

    1 ـ الكلينـي : الكافي : 6/ 48 ، الحديث5. الطوسي : التهذيب : 8/12 ، الباب 5 من أبواب الطلاق ، الحديث 35.

    2 ـ التهذيب : 9/48 ، كتاب الصيد والذبائح ، الباب 1 ، الحديث 101.

    3 ـ أي عن محمد بن أحمد بن يحيى.

    4 ـ الطوسي : التهذيب : 6/174 ، الباب 79 ، الحديث 25.

________________________________________

(155)

الفصل السابع

هل كان زيد معتزليّ المبدأ والفكرة

    ولمّا كان أحد الاَُمور الدافعة إلى القول بأنّ زيداً كان ذا منهاج كلامي خاص ، هو صلته بواصل رئيس المعتزلة ، نطرح الموضوع على طاولة البحث ليتبيّـن مدى صحة ذلك الوهم.

    هل كانت الصلة بين زيد وواصل بن عطاء على أساس أنّهما يذهبان إلى وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو أحد الاَُصول الخمسة لدى المعتزلة (1) أو أنّ الصلة بينهما كانت على أساس أنّ زيداً تتلمذ على واصل وتخرج عليه في الاَُصول. المعروف هو الثاني ، والحقّ هو الاَوّل لوجوه :

    أوّلاً : كانت العاصمة العلمية للمسلمين يوم ذاك (أوائل القرن الثاني الهجري) هي المدينة المنورة ، فكانت تزدحم بالعلماء والمفكرين ، وعلى رأسهم محمد الباقر ( عليه السلام ) وبعده شيخ الهاشميين عبد اللّه بن الحسن بن الحسن وغيرهما من مشاهير المحدثين والمفسرين وعلى ضوء ذلك فلم يكن في ذلك أي حافز لمغادرة المدينة إلى العراق ثم البصرة. ولم تكن البصرة يوم ذاك إلاّ

________________________________________

    1 ـ الانتصار : 5؛ ومقالات الاِسلاميين : 1/278.

________________________________________

(156)

مركزاً أدبياً لغوياً ثم مركز الاَهواء والملل والآراء والنحل.

    ثانياً : قد عرفت فيما سبق أنّ زيداً الثائر من مواليد عام 67 هـ ، وواصل بن عطاء من مواليد 80 هـ. فهو أكبر منه بكثير. فلو صحّ أن يتتلمذ على أحد في العراق فيجب أن يتتلمذ على شيخ واصل ، الحسن البصري ، في البصرة أو يتتلمذ على شيخه في المدينة المنورة وهو أبو هاشم ابن محمد الحنفية أُستاذ واصل. وبعد ذلك كله ، فلم يكن عند واصل شيء بديع قصرت عنه يد زيد. فإنّه أخذ ما أخذ عن أبي هاشم ، كما حققناه في الجزء الثالث (1) من تلك الموسوعة ، فالذي شهّر واصل في الاَوساط الاِسلامية هو القول بالتوحيد والعدل والتركيز على كون الاِنسان مختاراً ، ورد القضاء والقدر بالمعنى السالب عن الاِنسان الاختيارَ والحريةَ وهو قد أخذه من أبي هاشم وهو عن أبيه ، وهو عن وصي الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمير الموَمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فربيب البيت الهاشمي ، أعني : زيداً ، كان غنياً عن التوسل بواصل في معرفة ما كان يجده في بيته العامر بالعلم والمعرفة.

    وثالثاً : لم يذكر أحد من الموَرخين ولا أصحاب المقالات تتلمذ زيد على واصل قبل الشهرستاني وإنّما انفرد هو بذلك وتبعه غيره ، فلا تجد منه أثراً في فرق الشيعة للنوبختي ، ولا في مقالات الاِسلاميين للاَشعري ، ولا الفرق بين الفرق للبغدادي ولا لابن حزم في الفصل. وعلى ذلك فلا يركن إلى كلام تفرد به الشهرستاني البعيد عن بيئة زيد وعصره ، وقد استشهد الاِمام في أوائل القرن الثاني ، وتوفي الشهرستاني عام 548هـ.

    هذا هو الحقّ القراح الذي لا مرية فيه ، ولا أظن بزيد ولا بإنسان دونه تربّى في أحضان البيت النبوي ، أن يتتلمذ في الاَُصول والعقائد على أمثال واصل ، صنيع أبي هاشم في المدينة ، ثم الحسن البصري في البصرة ، والمتفردّ بآراء وعقائد لا

________________________________________

    1 ـ السبحاني : بحوث في الملل والنحل : 3/189.

________________________________________

(157)

يساندها علماء أهل البيت وأئمتهم. وأظن أنّ المصدر لما ذكره ، هو تعاطف الزيديين مع المعتزلة في العصور اللاحقة على وجه صارت الاَُصول الخمسة مقبولة لدى الزيديين ، فصار ذلك سبباً لحدس الشهرستاني أنّ زيداً تتلمذ على واصل ، ومنه أخذ الاَُصول وسرى إلى أتباعه ومقتفيه ، غافلاً عن عدم الملازمة بين الاعتقادين ، ولو خضعت الزيدية لهذه الاَُصول فلجهة أُخرى سيوافيك بيانها. ولنذكر عبارة الشهرستاني ثم نذكر ماذكره بعض المحقّقين من السنّة والزيدية.

    يقول : « وزيد بن علي لمّا كان مذهبه هذا المذهب : (كل فاطمي عالم زاهد شجاع ، سخيّ خرج بالاِمامة يكون إماماً واجب الطاعة) أراد أن يحصـل الاَُصول والفروع حتى يتحلى بالعلم ، فتتلمذ في الاَُصول لواصل بن عطاء الغزال الاَلثغ رأس المعتزلة ورئيسهم. مع اعتقاد واصل أنّ جده علي بن أبي طالب (رض) في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ما كان على يقين من الصواب. وأنّ أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لابعينه وصارت أصحابه كلهم معتزلة » (1).

    وقد سرى هذا الخطاء إلى غير واحد ممن كتب عن زيد فاتخذه حقيقة راهنة.

    قال ابن أبي الدم في « الفرق الاِسلامية » : الزيدية أصحاب زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكان زيد قد آثر تحصيل علم الاَُصول. فتتلمذ لواصل بن عطاء رئيس المعتزلة ورأسهم وأوّلهم فقرأ عليه واقتبس منه علم الاعتزال وصار زيد وجميع أصحابه معتزلة في المذهب والاعتقاد ، وكان أخوه الباقر محمد بن علي يعيب عليه كونه قرأ على واصل بن عطاء وتتلمذ له واقتبس منه مع كونه يجوِّز الخطأ على جده علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بسب خروجه إلى حرب الجمل والنهروان ، ولاَنّ واصلاً كان يتكلم

________________________________________

    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/138.

________________________________________

(158)

في القضاء والقدر على خلاف مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) (1).

    كلام الشيخ أبو زهرة :

    لقد تلقى الشيخ أبو زهرة ما ذكره الشهرستاني أمراً صحيحاً واستنتج من كلامه أُموراً ثلاثة ولكنه تنظر فيه بما يلي :

    « ولكن أيصح أن نقول إنّ زيداً تتلمذ على واصل في هذه المرحلة؟ إنّ الرجلين كانا في سن واحدة فقد ولد كلاهما في سنة 80 (2) من الهجرة النبوية أو قريباً من ذلك ويظهر أنّهما عندما التقيا كان زيد في سن قد نضجت لاَنّ واصلاً لا يمكن أن يكون في مقام من يدرس مستقلاً إلاّ إذا كان في سن ناضجة.

    ولهذا نرى أنّ التقاء زيد ـ رضي اللّه عنه ـ بواصل بن عطاء كان التقاء مذاكرة علمية وليس التقاء تلميذ عن أُستاذ ، فإنّ السن متقاربة وزيد كان ناضجاً فهو قد أراد أن يعرف النواحي المختلفة حول أُصول العقائد ، كما تلقي فروع الاَحكام عن أُسرته وفي المدينة مهد علم الفروع ـ إلى أن قال ـ : وقبل رحلة زيد إلى البصرة أيسوغ لنا أن نقول إنّه ما كان من قبل ، على علم بأُصول المعتزلة؟ لعل الاِجابة عن هذا السوَال توجب علينا أن نرجع إلى علماء آل البيت قبل زيد والذين عاصروه وهنا نجد من الاَخبار ، ما يذكر أنّ علماء آل البيت تكلموا في العقائد وكانوا قريبين مما قاله واصل بن عطاء بل إنّا نجد من يقول إنّ واصلاً تلقى عقيدة الاعتزال عن آل البيت فقد كانوا على علم به وخصوصاً محمد ابن الحنفية ابن علي رضي اللّه عنهما ، فقد كان عالماً غواصاً في العلوم ، وقد قال فيه الشهرستاني : « وكان كثير العلم ، غزير المعرفة ، وقّاد الفكر ، مصيب الخواطر ، قد أخبره أمير الموَمنين (أي علي) عن أحوال الملاحم وأطلعه على مدارج المعالم ، قد اختار العزلة ، وآثر

________________________________________

    1 ـ الصفدي : الوافي بالوفيات : 15/35.

    2 ـ عرفت ما هو الحقّ في ميلاده.

________________________________________

(159)

الخمول على الشهرة » (1).

    هذا كلامه وياليت الاَُستاذ رافق كلامه بذكر المصادر ، ولا يقضي في الموضوع بشكل قاطع.

    وهذا ما نلمسه من كتب الاَُستاذ أبي زهرة مع كثرة ما كتب. وعلى كل تقدير فلا دليل على تتلمذ زيد لواصل ، لو لم يكن دليل على عدمه ، وكون اتباعه معتزليين في العقيدة لا يكون دليل على كون إمامهم كذلك.

 

كلام بعض المعاصرين من الزيدية :

    إنّ لبعض المعاصرين من علماء الزيدية تحقيقاً رائعاً في المقام نأتي بنصه ـ مع طوله ـ :

    « من الاَغلاط الشائعة نسبة الزيدية إلى المعتزلةـ في أُصول الدين والتوحيد وعلم الكلام ـ والقول بأنّ الاِمام زيد بن علي قد تتلمذ على رئيس المعتزلة واصل ابن عطاء.

    ولعل الشهرستاني المتوفى 548هـ هو أوّل من سجّل هذه الغلطة في كتابه (الملل والنحل) ثم تابعه أكثر من بحث عن الاعتزال والمعتزلة. إمّا لاِهمالهم الفحص والتمحيص لما يروونه ، وإمّا لاَنّه قد وافق ما يريدون قوله عن الزيدية والزيديين.

    ولا أعتقد أنّ للشهرستاني أيَّ دليل قوي على قوله. وربّما أنّه جعل من التوافق بين الزيدية والمعتزلة في أكثر مسائل الاَُصول الدينية دليلاً على قوله ، ولكن هذا غير كاف قطعاً لاِلحاق فرقة بأُخرى. لاَنّه لو اعتبر التوافق في رأي ما ، دليلاً على توحيد فرقة مع أُخرى لما تميزت فيما بينها كل المذاهب الاِسلامية المعروفة اليوم وقبل اليوم ، لاَنّها تتوافق في كثير من المسائل وبالاَخص الفقهية الفرعية منها.

________________________________________

    1 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 39 ـ 40.

________________________________________

(160)

    أمّا القول بأنّ الاِمام زيداً قد تتلمذ لواصل بن عطاء. من أجل أن يحصل على علم الاَُصول والفروع حتى يتحلّـى بالعلم كما يقول الشهرستاني ـ فهو أغرب وأعجب. ذلك لاَنّ المعلوم عند جميع الموَرخين والباحثين والعالمين ـ أنّ المدينة المنورة ـ وليست البصرة ـ هي معدن العلم ومدينته ، كما قال الاِمام أبو حنيفة ـ رحمه اللّه ـ لمن سأله عمن تلقى علمه فقال : كنت في معدن العلم ولزمت فقيهاً من فقهائهم. وهو يعني الاِمام جعفر الصادق ـ رحمه اللّه ـ حيث لازمه عامين ، وكان يقول : لولا السنتان لهلك النعمان » (1).

    فهل من المعقول أن يخرج الاِمام زيد من معدن العلم وينبوعه ومدينته ليذهب إلى البصرة ليحصل على علم الفروع والاَُصول حتى يتحلّـى بالعلم كما قال الشهرستاني؟ إنّه لاَمر غريب وعجيب حقاً!! وهو مع ذلك قول مخالف لما أجمع عليه الموَرخون فقد قالوا إنّ واصل بن عطاء هو الذي أخذ العلم من معدن العلم ومدينته ، ولازم أهل البيت النبوي الشريف الذي يعد من مشاهيره في عصره الاِمام زيد بن علي. وأجمعوا على أنّ واصل بن عطاء كان مولى لآل محمد بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ـ أي آل محمد بـن الحنفيــة ـ وأخذ العلم عن ابنـه أبي هاشم عبد اللّه بن الحنفية. وأنّه بعد 21 عاماً من عمره سافر إلى البصرة سنة 101 هـ حيث التقى فيها بالزاهد عمرو بن عبيد فزامله في حلقة الحسن البصري حتى حدث الخلاف بين واصل وأُستاذه الحسن البصري في تسمية مرتكب الكبيرة من المسلمين حيث قالت الخوارج هو كافر. وقالت المرجئة : هو موَمن. فقال الحسن البصري : هو منافق. فقال واصل : هو فاسق. والفسق منزلة بين المنزلتين : منزلة الكفر والنفاق. ومنزلة الاِيمان ، وبعد أن رجع عمرو بن عبيد إلى قوله وفارقا حلقة الحسن ، أطلق عليهما لاعتزالهما الحلقة (اسم المعتزلة) ثم صار

________________________________________

    1 ـ أبو زهرة : الاِمام الصادق ( عليه السلام ) : 28.

(161)

اسماً لمن تابعهم في مسائل علم الكلام ، بل لقد نصّ المحقّقون من المعتزلة والزيدية على أنّ مسألة المنزلة بين المنزلتين هذه قد أخذها واصل بن عطاء من أُستاذه أبي هاشم عبد اللّه ابن محمد بن الحنفية (1).

    وإذا كان لابد من نسبته إلى فرقة من الفرق فينسب إلى الفرقة (العدلية) والعدلية كلمة تطلق على كل من يقول بالعدل والتوحيد وينفي الجبر والتشبيه والتجسيم للّه ، تعالى اللّه عن ذلك ، ولهذا صحّ للقاضي عبد الجبار بن أحمد المتوفى 415 هـ. وللاِمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى ، ان يجعلا من رجال الطبقة الاَُولى للعدلية كلَّ الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة ممن صرح بالعدل ونفي الجبر. وقد جعلا الاِمام زيد بن علي وأبا هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية أُستاذ واصل من رجال الطبقة الثالثة وجعلا واصل بن عطا وعمرو بن عبيد من رجال الطبقة الرابعة.

    وقد توهم البعض من المتأخرين أنّ الطبقات التي أشرت إليها هي طبقات المعتزلة والصحيح غيره. لاَنّ البحث في طبقات القاضي وفي الملل والنحل للمهدي كان عن العدلية ، وليس عن المعتزلة ، ولفظه في الملل والنحل (2) مسألة (له) أي قالت المعتزلة : وأجمعت العدلية على أنّ للعالم محدثاً قديماً قادراً عالماً حياً ... حتى قال : وقد رتب القاضي ـ أي عبد الجبار ـ طبقاتهم ونحن نشير إلى جملتها. ثم أشار في المسألة التي تلتها إلى طبقاتهم.

    فالاِمام المهدي حكى عن المعتزلة روايتهم لما اجمعت عليه العدلية. ثم رتب طبقاتهم كما فعل القاضي عبد الجبار مستدلاً بأقوالهم في العدل ونفي الجبر (3).

________________________________________

    1 ـ شرح الاَُصول الخمسة : 137 ـ 138.

    2 ـ البحر الزخار : 1/44 ـ 45.

    3 ـ علي بن عبد الكريم شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق : 21.

________________________________________

(162)

    وبعد هذا البيان الضافي من العلمين ، لا يبقى أي شك في أنّه لم يكن لوليد البيت النبوي أية دراسة لدى واصل بن عطاء ، وأقصى ما يمكن أن يقال : كانت بينهما مزاملة أو محادثة في تطبيق أصل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، على الساحة الاِسلامية. ونضيف في المقام أمرين :

    1 ـ أنّه لو تتلمذ زيد على واصل أو كان معتزلياً في العقائد ، لانعكست آراء أُستاذه في الكتب الموروثة منه ، مع أنّه ليس من تلك الاَُصول فيها عين ولا أثر ، غير التركيز على الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استنتجه من الكتاب والسنّة واختمر به منذ شبابه إلى التحاقه بربه.

    2 ـ أنّ ابن المرتضى ، جعل زيد بن علي في طبقاته مقدماً على طبقة واصل ابن عطاء (1) ولو صحّ الزعم المعروف كان عليه أن يجعله متأخراً عنه ، لكونه في الاعتزال عيال عليه.

________________________________________

    1 ـ ابن المرتضى : المنية والاَمل : 17و 28 ، تحقيق سوسنة ديفلدفلزر ، بيروت 1380هـ ـ 1961م؛ والقاضي عبد الجبار الهمذاني : فرق وطبقات المعتزلة : 32 و 41 ، تحقيق الدكتور علي سامي النشار وعصام الدين محمد علي ، دار المطبوعات الجامعية ، القاهرة ، 1972م.

________________________________________

(163)

الفصل الثامن

هل كان زيد إماماً

في الاَُصول والعقائد ، والفروع والاَحكام؟

    إنّ للمذهب الزيدي السائد حالياً في اليمن وغيرها بعدين : بعداً فقهياً ـ يُلحقه بالمذاهب الفقهية المعروفة ، وهذا ما يبحث عنه في تاريخ الفقه وطبقات الفقهاء ـ وبُعداً عقائدياً ، وهذا هو المسوّغ لطرحه في كتب الملل والنحل ، ولاشك أنّ المذهب الزيدي الذي تبنّاه أئمة الزيدية طيلة قُرُون ، من عهد أحمد بن عيسى ابن زيد موَلف الاَمالي (ت 247 هـ) إلى عهود الاَقطاب الثلاثة كان يتمتع ببعدين متميزين العقيدة والفقه ، وهوَلاء الاَقطاب عبارة عن :

    1 ـ الاِمام القاسم الرسّـي.

    2 ـ الاِمام الهادي يحيى بن الحسين.

    3 ـ الاِمام الناصر الاَطروش.

    فكان عندهم الفقه والعقيدة ولكل ميزة وسمة ، تضفي له صبغة خاصة في مجاله إنّما الكلام في المذهب الموروث عن نفس الاِمام أي زيد الثائر ، فهل كان لمذهبه بعدان ، فقهي وعقائدي؟ أو كان لمذهبه بعد واحد؟ أو لم يكن هذا ولا ذاك

 

________________________________________

(164)

بل كان رجلاً ثورياً وإماماً للجهاد والنضال ومفسراً للقرآن ، ومحدّثاً للسنّة النبوية ، ومفتياً في ضوئهما أحياناً؟ وتظهر حقيقة الحال فيما يأتي ولنقدم البحث في العقائد ثم نتبعه بالبحث في الفقه.

    إنّ ربيب البيت العلوي زيداً الثائر قد تعلم الاَُصول والعقائد ، من أئمة أهل البيت وعلى رأسهم والده الاِمام زين العابدين وأخيه الاِمام الباقر ( عليهما السلام ) ، فكان القول بالتوحيد ورفض التجسيم والجهة ، والعدل وتنزيهه سبحانه عن كل سوء وشين ، والقول بعصمة الاَنبياء ومصونيتهم عن الخطأ والزلل ، ونفي القدر بمعنى السالب للاختيار والحرية والموجب للغوية بعث الاَنبياء والرسل ، إلى غير ذلك من الاَُصول الرائجة في باب الاِمامة والمعاد ـ كان القول بهذه الاَُصول ـ أمراً واضحاً لدى الهاشميين والعلويين ورثها كابر عن كابر ، فلو قال به زيد ، فلا يجعله ذا منهج كلامي خاص.

    إنّما الكلام فيما ينسب مناسب إليه من الآراء حول سائر الموضوعات ، وسيوافيك إنّها آراء الزيدية ، لاصلة لها بزيد ، وأنّ ربطها ونسبتها إليه ، خال عن الدليل.

    قال الحاكم أبو سعد المحسَّن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي (413 ـ 494هـ) في كتابه جلاء الاَبصار :

    وإذ قد بينا المذاهب المحدثة والبدع المولدة ، بقى ما كان عليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه وعلماء أهل البيت ، وهو القول بتوحيد اللّه ، ونفي التشبيه ، والقول بعدله ، وبراءته من كل سوء ، والقول بعصمة أنبيائه ، وصدق ما جاءوا به على ما نطق به الكتاب ، ومشايخ العدل ، أخذوها من علماء أهل البيت. أخذها واصل بن عطاء عن محمد بن الحنفية وابنه أبي هاشم وكان مع ذلك من أصحاب النفس الزكية ، وكان عمرو بن عبيد قد تأهب للخروج إلى زيد بن علي ـ

 

________________________________________

(165)

عليه السلام ـ فورد الخبر بقتله. وكان مطر الوراق ، وبشير الرحال من أصحاب إبراهيم بن عبد اللّه ، وكان حَكَمُ المعتزلي من أصحاب عيسى بن زيد ، والروايات بذلك من علماء أهل البيت ( عليهم السلام ) ظاهرة ، وكتب القاسم ويحيى والناصر والمهدي ـ يعني أبا عبد اللّه الداعي ـ وأحمد بن عيسى وغيرهم من أئمتهم عليهم السلام مشحونة بذكر العدل والتوحيد.

    وروى أنّ أبا الخطاب وجماعة دخلوا على زيد بن علي ( عليهما السلام ) فسألوه عن مذهبه ، فقال : إنّي أبرأ ، إلى اللّه من المشبهة الذين شبّهوا اللّه بخلقه ، ومن المجبرة الذين حملوا ذنوبهم على اللّه ، ومن المرجئة الذين طمَّعوا الفسّاق في عفو اللّه ، ومن المارقة الذين كفّروا أمير الموَمنين ، ومن الرافضة الذين كفّروا أبا بكر وعمر ، وهذا عين مذهب أهل العدل ، وكان إمام هذه الطائفة بعد أمير الموَمنين والحسن والحسين ومحمد بن علي (1) وعلي بن الحسين ، زيد بن علي بن الحسين عليه السلام ورحمة اللّه وبركاته وجميع أولاد أمير الموَمنين ، إلاّ أنّ زيداً تقدمهم بالفضل والعلم والجهاد في سبيل اللّه (2).

    هذا مجمل القضاء في الموضوع وقد « شهد شاهد من أهلها » على ما ذكرنا غير أنّ البرهنة على المختار ، وأنّ ما نسب إلى زيد من الآراء فإنّما هي أرآء الزيدية ، لا الاِمام القائد ولاَجل ذلك ، لانجد أثراً من هذه الآراء المعزوّة إليه في الكتب الموروثة منه. حتى لو وجدنا أنّ أئمة الزيدية لهجوا بها ـ كالقاسم الرسي ـ رأس القاسمية (170ـ242هـ) والناصر الاَطروش ـ رأس الناصرية (230 ـ 304هـ) موَسس المذهب الزيدي في بلاد الديلم والجبل ، والاِمام الهادي إلى الحقّ به رأس الهادوية في اليمن (245 ـ 298هـ) لا يكون ذلك دليلاً على ثبوته من إمامهم ، لاَنّ

________________________________________

    1 ـ يريد محمدبن الحنفية بقرينة تقديمه على والد زيد : علي بن الحسين ( عليهما السلام ).

    2 ـ السياغي : الروض النضير : 1/99 ـ 100.

________________________________________

(166)

الاَئمة المتأخرين عن زيد ، اجتهدوا في الاَُصول والفروع فضموا ما ورثوه من إمامهم إلى ما حصلوه بمساعيهم فيهما ، فلا يسوغ لباحث أن ينسب شيئاً إلى زيد ، بحجة تواجده في كتب هوَلاء الاَئمة المتأخرين. وإن أردت التفصيل في الآراء المعزوّة إليه عن كثب فلاحظ ما يلي :

 

1 ـ مرتكب الكبيرة :

    كانت الخوارج تصفه بالكفر والشرك. والمرجئة بالاِيمان ، وكان الحسن البصري يصفه بالنفاق ، وذهب واصل إلى أنّه لا كافر ولا موَمن بل في منزله بين المنزلتين (1).

    واستظهر الشيخ أبو زهرة أنّ زيداً يوافق المعتزلة في هذا الرأي غير أنّه لا يراه مخلداً في النار على خلاف المعتزلة واستظهره من كتاب أوائل المقالات ، مع أنّه نسبه إلى الزيدية دون زيد حيث قال : وأجمعت المعتزلة وكثير من الخوارج والزيدية على خلاف ذلك وزعموا أنّ مرتكب الكبائر ممن ذكرناه فاسق ليس بموَمن ولا مسلم (2) ولا يصح القضاء البات بهذا المقدار.

 

2 ـ رأيه في القدر :

    لقد استنبط أبو زهرة مما ذكره ابن المرتضى في المنية والاَمل خصوصاً من الرسالة التي كتبها ابن عباس إلى جبرية أهل الشام ، أنّ عقيدة زيد في القدر ، هو أنّه يجمع بين الاِيمان بالقضاء والقدر ، واعتبار الاِنسان مختاراً في طاعاته ومعاصيه ، وأنّ معاصيه ليس قهراً عن اللّه تعالى ، ولا غلبة عليه (3).

________________________________________

    1 ـ لاحظ دليله حول هذا الاَصل : الجزء الثالث : 225.

    2 ـ الظاهر أن يقول ولا كافر لينطبق على عقيدة المعتزلة.

    3 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 209.

________________________________________

(167)

    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره إنّما هو عقيدة كل آل البيت أخذوه من مستقى الوحي وكلام الوصي علي ( عليه السلام ) وقد أوضح الحال عندما سأله رجل عند منصرفه من صفين بما هو معروف (1) وقد اشتهر عنهم : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الاَمرين » وزيد وغيره وجميع الشيعة أمام هذا الاَصل سواسية.

 

3 ـ رأيه في البداء :

    لقد كثر اللغط والجَلَبَة حول البداء فمن طاعن عليه بأنّ معنى قولهم بدا للّه ، هو ظهور ما خفي عليه ، وهو يستلزم جهله سبحانه بالمستقبل وتغيير إرادته المستلزمة لحدوث ذاته إلى غير ذلك من المضاعفات ، ومن قائل بأنّ المقصود من بدا للّه ، هو أنّه بدا للناس من اللّه والاِطلاق من باب المشاكلة ، والنبي الاَكرم هو الاَُسوة في الاِطلاق فقد وصفه سبحانه بهذا في كلامه ونقلها البخاري (2) وإلاّ فأي مسلم واع يلهج بتجويز الجهل أو تغيير إرادته ، فمن المأسوف عليه جداً أنّ الناقمين من الشيعة في قولهم بالبداء تساهلوا في بيان عقيدتهم وراجعوا في تبيين مواقفهم إلى كتاب خصمائهم.

    نعم ذكر الشيخ المفيد على أنّ الاِمامية اتفقوا على أنّ إطلاق لفظ البداء في وصف اللّه تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس وأضاف : وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الاِمامية (3).

    وما ذكره المفيد إنّما هو عقيدة الزيدية ، لا الاِمام زيد ، ولا ملازمة بين الرأيين والمخالف لو وقف على مقصود الاِمامية من البداء لما خالفه وتلقاه أمراً صحيحاً ، ولاَجل أنّ الشيخ أبا زهرة وقف على مقاصدهم البداء بعد الاحتكاك بعلمائهم

________________________________________

    1 ـ الرضي : نهج البلاغة : قصار الحكم برقم 78.

    2 ـ البخاري : الصحيح : 4/171 ، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع.

    3 ـ المفيد : أوائل المقالات : 13/53.

________________________________________

(168)

وكتبهم صرح بما ذكرناه فلاحظ (1).

 

4 ـ الرجعة والمهدي :

    ذهبت الاِمامية إلى القول بالرجعة وإنّ اللّه سبحانه يرد قوماً من الاَموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعزّ منهم فريقاً ، ويذلّ فريقاً وقد ذكرنا دليلهم من الكتاب والسنّة في الجزء السادس من هذه الموسوعة فلاحظ ، غير أنّ الشيخ المفيد ذكر مخالفة الزيدية لهذا الاَصل في كلامه السابق ، وجعله الشيخ أبا زهرة دليلاً على كونه معتقد زيد والاَصل الذي نشأ عليه (2).

    والعجب أنّه عطف القول بالمهدي على فكرة الرجعة ونسب إلى الاِمام الجليل نفي فكرة المهدي وقال : الاِمام زيد قد نفى فكرة المهدي المنتظر ، فنفى معها فكرة الرجعة ، لاَنّ الرجعة كما تصورها الاِمامية ومن قبلهم الكيسانية تقتضي وجود المهدي ، وبما أنّ لا مهدي في نظر الاِمام زيد ، لاَنّ الاِمام يجب أن يكون غير مستور وأن يدعو لنفسه فلا يوجد إمام مكتوم ولا مغيب (3).

    إنّ ما ذكره الشيخ أبو زهرة زلة لاتستقال ، فكيف يمكن أنّ يستدل على عقيدة إنسان مثل زيد ، بكلمة لم يثبت كونه قائلها ، وعلى فرض كونه قائلها فإنّما قال بها في ظروف خاصة ، لا في الاِمام الذي اتفقت الشرائع السماوية عليه ، ولاسيما مسانيد السنّة وصحاحها.

    أقول : لقد تواترت النصوص الصحيحة والاَخبار المروية من طريق أهل السنّة والشيعة الموَكدة على إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) والمشيرة صراحة إلى أنّ عددهم كعدد نقباء بني إسرائيل ، وأنّ آخر هوَلاء الاَئمة هو الذي يملاَ

________________________________________

    1 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 212.

    2 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 212.

    3 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 212.

________________________________________

(169)

الاَرض ـ في عهـده ـ عـدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا ، وأنّ أحاديث الاِمام الثاني عشر الموسوم بالمهدي المنتظر قد رواها جملة من محدثي السنّة في صحاحهم المختلفة كأمثال الترمذي (المتوفى عام 297هـ) وأبي داود (المتوفى عام 275هـ) وابن ماجة (المتوفى عام 275هـ) وغيرهم ، حيث أسندوا رواياتهم هذه إلى جملة من أهل بيت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصحابته ، أمثال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وعبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن عمر ، وأُم سلمة زوجة الرسول الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة وغيرهم :

    1 ـ روى الاِمام أحمد في مسنده عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي يملاَها عدلاً كما ملئت جورا » (1).

    2 ـ أخرج أبو داود عن عبد اللّه بن مسعود : أنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىَ اسمه اسمي » (2).

    3 ـ أخرج أبو داود عن أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ قالت : سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة » (3).

    4 ـ أخرج الترمذي عن ابن مسعود : أن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « يلي رجل من أهل بيتي يواطىَ اسمه اسمي » (4).

    إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي بلغت أعلى مراتب التواتر على وجه. يقول الدكتور عبد الباقي : إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين أو راو أو راويين ، إنّها مجموعة من الاَحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً ، اجتمع

________________________________________

    1 ـ مسند أحمد : 1/99 و 3/17 ، 70.

    2 ـ جامع الاَُصول : 11/48 برقم 7810.

    3 ـ جامع الاَُصول : 11/48 برقم 7812.

    4 ـ المصدر نفسه : برقم 7810.

________________________________________

(170)

على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح (1).

 

5 ـ لا معجزة للاَئمة :

    إذا كانت الاِمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا ، وإمرة إلهية (لاشعبية) واستمراراً لوظائف النبوة كلّها ، سوى تحمل الوحي الاِلهي ، ومحتاجاً إلى تنصيب النبي الاَكرم بأمر من اللّه سبحانه ، فالتعرف على الاِمام المنصوب ، يتوقف على دليل يعرفه كالنبي الاَعظم ، وهو أحد الاَُمور التالية :

    1 ـ نص صريح متواتر لايدع شكاً للاِنسان أنّه خليفة الرسول.

    2 ـ أو كرامة خارقة للعادة مقارنة لدعوى الاِمامة والخلافة عن الرسول مورثة لليقين بصلته باللّه سبحانه.

    3 ـ أو وجود قرائن وشواهد تفيد القطع أنّه منصوب من اللّه سبحانه لهداية الاَُمّة.

    نعم لو كانت الاِمامة مقاماً شعبياً ، تختاره الاَُمّة الاِسلامية لقيادتها وتنظيم أمرها. فهو لا يحتاج إلى شيء من النص ، والكرامة الخارقة للعادة ، ولا إلى العلم المفاض من اللّه سبحانه.

    وبما أنّ الاِمامة عند الشيعة إنّما هي بالمعنى ، الاَوّل ، وهي عندهم من الاَُصول اشترطوا فيها : النص ، والعلم بما تحتاج إليه الاَُمّة في مجال الدين والقيادة ، أو الكرامة الخارقة للعادة المورثة لليقين بكونه رجلاً إلهياً صادقاً فيما يدعي من الخلافة والاِمامة. وهذا على خلاف ما يذهب إليه أهل السنّة فإنّها عندهم حكومة عرفية ، وإمارة زمنية ، يُنصب ويعزل بأمر الشعب وإرادته وعزله ونصبه. أو يُنصب بإرادة الحاكم السابق.

________________________________________

    1 ـ الدكتور عبد الباقي : بين يدي الساعة 123.

(171)

    غير أنّ أبا زهرة زعم أنّ الاِمام زيد لا يرتضي شيئاً من هذا وذلك لاَنّه يرى أنّ الاِمام من بني فاطمة رجل ككل الناس ليس بمعصوم عن الخطأ وليس علمه فيضاً ولو إشراقاً ، بل علمه بالدرس والبحث ويُخطىَ ويصيب كغيره من الناس ومادام كذلك فإنّه لا يحتاج إلى خارق العادات (1).

    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره إنّما هو عقيدة أئمة الزيدية الذين جاءوا إلى الساحة ، شاهرين سيوفهم. فقاموا بالاَمر في اليمن وغيره ولولاه لما استقرت إمامتهم ، ـ بعد كونهم أفراداً عاديين ـ وأمّا كونه معتقد زيد فلم يقم عليه دليل ، مع كونه معتقداً بإمامة الاِمام علي والسبطين وأبيه وأخيه ( عليهم السلام ) بالنص ، وهو واضح لمن تتبع شوارد النصوص.

    أضف إلى ذلك أنّ ظهور الكرامات على الاَولياء والاَبرار مما جوّزه أكثر الفرق وإنّما خالف فيه المعتزلة بشبهة أنّه تبطل دلالة المعجزة على النبوة. لكن جوزه من المعتزلة ابن الاَخشيد ، وأبو الحسين البصري وكذا محقّقو الاَشعرية كالجويني والغزالي وفخر الدين الرازي وغيرهم ، وأمّا الزيدية فالمذكور في كلام الشيخ المفيد ، أنّهم يوافقون المعتزلة في نفي صدورها لكن في كلام المتأخرين منهم ما يدلّ على العكس ، فقد نقل العلاّمة الشيخ فضل الزنجاني في تعليقته على أوائل المقالات عن الاِمام أبي الحسين يحيى بن حمزة بن علي الحسيني الذي كان من أفاضل الزيدية ومن القائمين بالاَمر باليمن (2) في كتابه الكبير المسمّى بالشامل إلى ذهاب الزيدية إلى جواز ظهورها (3).

    وياحبذا راجع أبا زهرة الكتب الفلسفية كالاِشارات والشفاء للشيخ

________________________________________

    1 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : وكان عليه أن يلاحظ أوائل المقالات : 41 ، 42 كما لاحظ سائر الموارد.

    2 ـ ولد بصنعاء سنة 669 وتوفّي عام 747 وكانت مدّة خلافته 51 سنة.

    3 ـ الزنجاني( 1301 ـ 1360) : تعليقة أوائل المقالات : 41 ، طبعة تبريز.

________________________________________

(172)

الرئيس (1) ، حتى يقف على أنّ صدور الكرامات من الاَولياء ليس أمراً معضلاً ، بل الاَُصول العقلية توَيده والكتاب والسنّة يوافقانه.

 

6 ـ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

    إنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من الاَُصول المسلّمة لدى المسلمين عامّة من غير فرق بين الفرق : المعتزلة والاَشاعرة والاِمامية. قال القاضي عبد الجبار : « لا خلاف بين الاَُمّة في وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (2).قال الشيخ المفيد : « إنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان فرض على الكفاية بشرط الحاجة إليه لقيام الحجّة على من لاعلم لديه إلاّ بذكره ... » (3).

    وهو مشروط بشروط مذكورة في كتب القوم ، غير أنّ الشيخ أبا زهرة زعم أنّ الاَصل المذكور ، لايجتمع مع القول بالتقية ، وزعم أنّ أبا الشهداء وحفيده زيد الثائر أخذا بالاَصل الاَوّل ، وأمّا أباه أعني : علي زين العابدين رأى من الحكمة ألاّ يخرج إلاّ مع العدد والقوة ، ولاَنّ تلك الحوادث (حوادث كربلاء) جعلته يشك في وجود النصراء الاَقوياء في اعتقادهم ، فانصرف إلى العلم غير راض ولامطمئن للباطل.

    ـ ثم قال : ـ ومن هنا تولد عند الشيعة مبدأ التقية وهي السكوت عن مقاومة الباطل من غير رضا به ـ إلى أن قال : ـ إنّ زيداً آمن بالاَصل الاَوّل وروي إنّه رخص في التقية لكنه كان في أوّل حياته وفي وقت انصرافه للدراسة كان يأخذ بمبدأ التقية ، لكنّه بعد أن درس الفرق المختلفة والتقى بأهل العراق غلب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4).

________________________________________

    1 ـ أبو علي : الاِشارات : 3/497.

    2 ـ القاضي عبد الجبار : شرح الاَُصول الخمسة : 741.

    3 ـ المفيد : أوائل المقالات : 98.

    4 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 215 ـ 217.

________________________________________

(173)

    يلاحظ عليه : أنّ هذا أشبه بكلام من لا يعرف موضع الاَصلين ومركزهما (وأُجلّ الشيخ أبا زهرة من أن يكون من تلك الزمرة) ويزعم أنّ بين الاَصلين مطاردة ، وأنّ الزعيم الاِسلامي إمّا أن يختار الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو يلتجىء إلى التقية ، وأنت إذا راجعت إلى ما أسلفناه في الجزء الثالث حول الاَصل الاَوّل وفي الجزء السادس حول التقية لعرفت أنّ الاَصلين من الاَُصول الاِسلامية المتقنة ولكل موردٍ وموقف حسب شروطهما وضوابطهما ، فلو أنّ أبا الشهداء وحفيده زيد بن علي قاما بالاَمر وأمرا بالمعروف والنهي عن المنكر لاَجل ظروف فرضته عليهما ، ولو كانت تلك الشروط مهيأة في زمن ابنه زين العابدين وأخيه محمد بن الحنفية لقاما مثل ما قاما ، فلو نرى أنّ الاَخيرين التزما البيت وصارا جليسيه فلظروف فُرضت عليهما ، ولعمر الحقّ أنّ مثل هذا الكلام من شيخ المصريين غريب جداً إذ كيف يقول : « ومن هنا ـ أي قعود الاِمام السجاد ومحمد الحنفية عن الاَمر بالمعروف ـ تولد عند الشيعة مبدأ التقية؟! أو ما يذكر قول اللّه سبحانه : « إلاّ أن تَتَّقُوا مِنهُم تُقاة » (آل عمران ـ 28) أو قوله سبحانه : « مَن كَفَرَ بِاللّه مِن بِعدِ إيمانِهِ إلاّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِيمانِ » (النحل ـ 28).

    أو ما قرأ كلمات المفسرين حولهما حتى عمّموا مفادهما إلى اتقاء المسلم من المسلم الظالم؟ والحقّ أنّ الشيخ أبا زهرة مع كونه كاتباً ذا صدر رحب وإطلاع وسيع وقلم سيّال ، لكنه يخرج الظنون بصورة الاَُمور الواضحة القطعية ويضفي على حدسيّاته صبغة الجزم.

 

7 ـ الصفات ليست غير الذات :

    ذهبت العدلية ـ من غير فرق بين المعتزلة والاِمامية والزيدية ـ إلى أنّ صفات اللّه الذاتية كالعلم والقدرة والحياة غير ذاته مفهوماً ، وعينها مصداقاً ، دفعاً لوصمة التركيب ، الملازم للاِمكان ، المنزّه عنه سبحانه ، قال الشيخ المفيد : « إنّ اللّه

 

________________________________________

(174)

عزّ وجلّ اسمه حي لنفسه لا بحياة وأنّه قادر لنفسه ، وعالم لنفسه ، لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات ـ إلى أن قال : ـ وهذا مذهب الاِمامية كافة والمعتزلة إلاّ من سميناه (أبا هاشم الجبائي) وجمهور الزيدية وجماعة من أصحاب الحديث والحكمة (1).

    وقد تبع هوَلاء خطب الاِمام علي ( عليه السلام ) وكلماته ، فإنّه أوّل من شقّ هذا الطريق ، وأوضح المنهج ، وحكم بحكم بات على توحيد الصفات مع الذات. قال : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الاِخلاص له ، وكمال الاِخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه » (2).

    والعجب أنّ الشيخ أبا زهرة نسب عينية الصفات إلى زيد وصوّره أنّه من آرائه ، والحقّ أنّه من أرائه ، لكنه لابمعنى أنّه ذو منهج كلامي بل كل ما نسب إليه لا يخلو من أمرين : إمّا أنّه ليس من زيد وإنّما هو من أتباعه ومقتفي أثره ، أو هو من زيد ولكنه أخذه من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ).

    فقد حصحص الحقّ وبان أنّ زيداً لم يكن مفكراً كلامياً غارقاً في البحوث الكلامية نظير واصل بن عطاء ، أو عمرو بن عبيد أو أبي جعفر موَمن الطاق وهشام بن الحكم ، بل كان زيد رجلاً ثورياً له صلة بتفسير القرآن وجمع الروايات وعظة الناس وهدايتهم إلى الطريق المهيع.

    ثم إنّ الشيخ أبا زهرة استخرج عقائده الكلامية ـ حسب ما عرفت ـ من

________________________________________

    1 ـ المفيد : أوائل المقالات : 18.

    2 ـ الرضي : نهج البلاغة : الخطبة 1.

________________________________________

(175)

أسباب عقيمة غير منتجة وبما أنّه أشار إليها في آخر كلامه نأتي بنصه ، ثم بملاحظتنا ، يقول :

    « حاولت استخراج عقائده الكلامية من الاَُمور التالية :

    1 ـ أن يكون ذلك رأياً لواصل بن عطاء الذي صاحبه ، وقدّر علماء النحل أنّه اختار منهاجه وطريقه ، أو كان كلاهما على منهاج واحد ورأي واحد ، فاعتبر كل كلام لواصل في هذه المسائل آراء للاِمام زيد إلاّ ما ثبت أنّه لم يقله ، أو لم يكن من المعقول أن يكون قد قاله ، كقول واصل : إنّ علياً في قتال معاوية لم يكن على حقّ بيقين ، فليس ذلك نظر أهل البيت بالاتفاق.

    2 ـ إنّ ما ينسب إلى الزيدية من أقوال ونراه في ذاته معقولاً وقريباً من منطق الاِمام زيد وتفكيره فإنّا نقرر أنّه رأي زيد ـ رضي اللّه عنه ـ لاَنّ الزيدية إذا استثنينا الجارودية منهم ، يتلاقون في أكثر آرائهم مع الاِمام زيد ، فهم له في الجملة متبعون.

    3 ـ إنّ ما يقوله بعض المتصلين به أو الذين ثبت اتصالهم به نعتبره إذا اتفق ما يقوله الزيدية أو ينسب مزكياً لنسبة تلك الاَقوال إليه (1).

    يلاحظ عليه : أنّ القياس الاَوّل عقيم جداً إذ لا نعلم مدى تعاطف زيد مع واصل وزمالته معه ، حتى نتخذ عقيدة الجليس دليلاً على عقيدة الجليس الآخر.

    وأضعف منه الطريق الثاني فإنّ الزيدية كسائر الفرق ، مارسوا علم الكلام وحضروا محافل البحث والنقاش ثم أتّخذوا موقفاً في كل مسألة ، وكيف يمكن أن ينسب وليد فكر هوَلاء لزيد المحدِّث المفسِّر غير المهتّم إلا بإنهاض المسلمين ضد الطغاة وإزالتهم عن منصّة الحكم واستغلال الصلحاء بالحكم؟!.

    ومنه يظهر حال الطريق الثالث فلا نطيل الكلام.

________________________________________

    1 ـ أبو زهرة : الاِمام زيد : 222 ـ 224.

________________________________________

(176)

    كل ما ذكرنا يرجع إلى زيد ، وأمّا الزيدية فلهم عندنا حساب خاص سوف نرجع إلى إرائهم وعقائدهم في مجال الاَُصول والفقه في فصل مستقل.

    زلة بعدها زلة :

    قد عرفت مدى صحّة كلام الشيخ أبو زهرة في نسبه هذه الآراء إلى زيد وقد تبعه من جاء بعده ، من دون ترو وتحقيق ، فنرى أنّ الدكتور « أحمد محمود صبحي » يتبعه عشوائياً وينسب تلك الآراء إلى زيد حرفاً بحرف ، فنسب إليه إنكار القول بالبداء ، والتقية ، والعصمة ، والعلم اللدني ، والمهدوية ، وذكر أنّ آراء زيد في ذلك المجال متعارضة وآراء الاِمامية وذكر أنّ مصدر كلامه هو كتاب « نشأة الفكر الفلسفي في الاِسلام » للدكتور علي سامي النشار ، وأظن أنّه ذكره بعنوان أحد المصادر ، وإلاّ فالمصدر الواقعي لكلامه هو كتاب أبي زهرة ووحدة الصياغة تعرب عن عيلولتهما على الشيخ وعلى كل تقدير فقد خبطوا خبطة عشواء وبذلك أفسدوا الاَمر على المجتمع الاِسلامي وصوروا أنّ الاِمام زيد كان يخالف الرأي العام لسائر الاَئمة الاثني عشر ، ولعله كان هذا هو المقصد من إلقاء الحجر في الماء الراكد. وإيجاد الفرقة أو توسيعها بين الطائفتين.

     قد أسفر وجه الحقيقة وبان أنّ زيداً كان علويّ المبدأ والفكرة ، ولم يكن له في الاَُصول والعقائد سوى ما عند العترة الطاهرة بقي الكلام من كونه صاحب مذهب فقهي خاص ، على أساس منهج معين وهذا هو الذي نأخذه بالبحث.