الاسماعيلية 3

الفصل الحادي عشر

في

شجرة الاِمامة الاِسماعيلية

تدّعي الاِسماعيليّة أنّ شجرة الاِمامة تبتدأ من حين هبوط آدم إلى يومنا هذا ، ولم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل بن جعفر الصادق ، بل ذهبوا إلى عهد بدء الخليقة ، فطبّقوا قواعدهم الاِماميّة ، وسلسلوا الاِمامة تسلسلاً مستمرّاً إلى العصر الحاضر.

    ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالاَدوار ، والاَكوار ، وقد جعلو كلَّ دور يتألّف من إمام مقيم ، ورسولٍ ناطق ، أو أساس له ومن سبعة أئمّة يكون سابعهم متمَّ الدَّور ، ويمكن أن يزيد عدد الاَئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائيّة ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الاَئمّة المستودعين ، وليس في الاَئمّة المستقرين.

    أمّا الدّور فيكون عبادة صغيراً أو كبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق ، ويقوم فيها سبعة أئمَّة ، أمّا الدّور الكبير فيبتدأ من عهد آدم إلى القائم المنتظر ، الذي يُسمى دوره ، الدور السابع ، ويكون في الوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.

    وفي الصفحات التالية تظهر الشجرة الاِسماعيليّة ، وتفرعاتها ، وقد أخذناها من كتاب « الاِمامة في الاِسلام » ، تأليف الكاتب الاِسماعيليّ عارف تامر (1) الذي يقول : إنّ شجرةَ الاِمامة عند الاِسماعيليّة ظلّت حقبة طويلة مجهولة لدى الباحثين ، ومقصورة على طبقة خاصّةٍ من العلماء ، أو قُل في التقيّة والاستتار والكتمان.

    وقد أفرده الاَُستاذ أيضاً في كتاب خاص أسماه « فروع الشجرة الاِسماعيليّة الاِماميّة » نشرته المطبعة الكاثوليكية ، في بيروت عام 1957م.

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 145 ـ 161.

________________________________________

(236)

شجرة الاِمامة الاِسماعيليّة

منذ أَقدم العصور

الدور الاَوّل :

    (و يبتدىَ من وقت هبوط آدم حتى ابتداء الطوفان ، ومدته ألفان وثمانون عاماً وأربعة أشهر وخمسة عشر يوماً).

العدد   الإمام

المقيم  الرسول

الناطق  أساس الدور    الإمام المتم      الإمام المستقر

1       هُنيد    آدم      هابيل 130 ـ            أنوش بن (1) شيث 534 ـ 5831

2                          225            قينان بن أنوش 625 ـ 1535

3                          شيث            مهليئل بن قينان 795 ـ 1690

4                          230 ـ 1144          يارد بن مهليئل 960 ـ 1922

5                                              أخنوخ بن يارد 1122 ـ 1487

6                                              متوشالح بن اخنوخ 1287 ـ 2242.

7                                    لامك بن متوشالح       لامك بن متوشالح 1454 ـ 2346

________________________________________

    1 ـ وفي المصدر بنت ، وما أثبتناه هو الصحيح.

________________________________________

(237)

التعليقات :

    في هذا الدور يظهر لنا أنّ هُنيد (1) هو الاِمام المقيم ، الذي ربّى وتعهّد ، وأقام الرسول الناطق آدم ، وفي هذا الدور أيضاً يظهر لآدم أساسان هما : هابيل وشيث ، الاَوّل قتل بيد أخيه « قابيل » فاستلم منصبه بعد وفاته « شيث ». ويظهر أنّ متمَّ الدَّور هو الاِمام السابع لامك بن متوشالح.

    المعروف تاريخيّاً أنّهبوط آدم كان في عدن ، وأنّ وفاته كانت في موقع غار أبي قبيس في أرض الكعبة ، ويُقال : أنّ نوحاً بعد الطوفان استخرج جثته ، ودفنها في النجف الاَشرف ، إنّ الاَرقام التاريخيّة المذكورة أعلاه اعتبرناها في بدء ظهور آدم صفراًحتى طوفان نوح. ولهذا يكون آدم قد عمَّر 930 عاماً ، وشيث تسعمائة واثني عشر 912 ، وأنوش هو أوّل من غرس النخل 950 عاماً ، وقينان 910 أعوام ، ومهليئل 895عاماً ، ويارد 962 عاماً واخنوخ 365 عاماً ، ومتوشالح 955 عاماً ، ولامك 891 عاماً.

    في المصادر التاريخيّة أنّ الاِمام الخامس أخنوخ هو إدريس أو هرمس المثلث ، وهو أوّل من خط بالقلم ، وكان مسكنه في الكوفة ، وقد ولد قبل الطوفان بمدَّة يسيرة ، أمّا ابتداء الطوفان فكان سنة 2242. انّالكتاب السماويَّ المتداول في الدّور الاَوّل هو « الصحف » وتنسب إلى آدم.

________________________________________

    1 ـ قال العلامة الروحاني : و لم يعلم انّ هُنَيْد مربى آدم وهو الاِمام المقيم هل هو من جنس آدم أو ملك أو جنّأو غيرها.

    أقول : من العجب أنّه لم يأت اسمه في الذكر الحكيم ، ولو كان له ذلك المقام الشامخ ، فأولى أن يكون معلّم الملائكة ، لا آدم ثمّ إنّ المذهب المبنيّ على هذه الحدسيات التي لا تقوم علىأساس قطعي لا يكتسب صبغة علميّة قطعيّة.

________________________________________

(238)

الدور الثاني :

    « و يبتدىَ من وقت الطوفان سنة 2242 ، حتى ولادة إبراهيم الخليل ، ومدّته تسعمائة واثنتان وسبعون سنة وستة أشهر وخمسة عشر يوماً.

العدد   الإمام المقيم    الرسول الناطق  أساس الدور    الإمام المتم      الإمام المستقر

1       هود     نوح     سام              أرفكشاد بن سام « 2 » بعد الطوفان ـ 467

2                1642 ـ        2142 ـ                 شالخ بن قينان بن أرفشكاد (1) 672 ـ 765

3                350   5000          عابر بن شالخ 466 ـ 930

4                                              فالج بن عابر 540 ـ 879

5                                              رعوا بن فالج 670 ـ 1009

6                                              سروج بن رعوا 802 ـ 1132

7                                    ناحور بن سروج        ناحور بن سروج 932 ـ 1140

 

التعليقات :

    في هذا الدّور يظهر أنّ هوداً (2) هوالاِمام الذي أقام و أنعم و ربّى الرسول

________________________________________

    1 ـ كذا في المصدر.

    2 ـ قال العلاّمة الروحاني : إنّ ظاهر الكتاب العزيز ،. أنّ نوحاً (عليه السّلام) أقدم من هودعليه السّلام ، قال سبحانه : (وقومَ نُوحٍ مِنْ قَبلُ إنّهم كانوا همُ أظلم وأطغى) (النجم/52) فكيف يمكن للمتأخر زماناً أن يربّي المتقدم؟!

 

________________________________________

(239)

الناطق نوح ، وأنّ نوحاً هو صاحب رسالة النطق ، وأنّ ساماً هو أساس الدّور ، ويظهر أنّه سقط من الشجرة اسم « قينان بن أرفكشاد » والد شالخ. وقينان هذا أُبعد عن الاِمامة وأسقط اسمُه من الشجرة الاِماميّة لاَنّه كان يتعاطى السّحر ، فوصيَّة ارفكشاد تجاوزته إلى ولده شالخ. ويلاحظ أنّ هناك أكثر من مصدر تاريخي يوَكّد أنّ عابر بن شالخ هو « هود » ، وبعض المصادر توَكّد أنّ فالج هو ذو القرنين ، أو هود ، على اختلاف الروايات. و يلاحظ أنّ ناحور هو الاِمام المتمّ للدّور الثاني.

    إنّ نوحاً ولد سنة 1642 من ولادة آدم ، و عندما بلغ من العمر 600 عاماً جرى الطوفان الذي ابتدأ في العاشر من شهر رجب سنة 2242 من هبوط آدم ، وقد دام الطوفان ستة أشهر ، و انتهى في العاشر من شهر محرم سنة 2243.توفي نوح سنة 350 بعد الطوفان و عاش 950 عاماً ، و دفن على جبل الجودي ، من أعمال الموصل.وقد استوطن في مدّّة حياته الكوفة.

    أمّا أساس الدّور سام ، فقد عاش 600 عاماً. من الواضح أنّ أرفكشاد عاش 465 عاماً ، و شالخ 464 عاماً ، و عابر 460 عاماً ، و فالج 339 عاماً ، وسروج 330 عاماً ، وناحور 205 أعوام.

    الدور الثالث :

    « و يبتدىَ من وقت ولادة إبراهيم حتى ظهور موسى ، و مدَّته ألف و مائة و خمسون عاماً وسبعة أشهر و ثمانيةأيّام ».

 

________________________________________

(240)

العدد   الإمام المقيم    الرسول الناطق  اساس الدور

المستقر          اساس الدور المستودع الإمام المتم      الإمام المستودع          الإمام المستقر

1       تارح    إبراهيم إسماعيل        إسحاق          يعقوب بن إسحاق 160 ـ 307        قيذار بن إسماعيل

2       1011 ـ 1316        1081 ـ 1256        86 ـ 227     100 ـ 280            يوسف بن يعقوب 250 ـ 361   سلامان بن قيذار

3                                                        افرايم بن يوسف 280 بنت بن سلامان

4                                                        رازح بن عيص الهميسع بن بنت

5                                                        أيوب بن موص          يقدم بن الهميسع

6                                                        يونان بن أيوب يقداد بن يقدم

7                                              شعيب  شعيب بن صيفون       أود بن يقداد

 

(241)

التعليقات :

    في هذا الدّور يبدو أنّه ظهر تطور جديد على قصة الاِمامة ، فالاَئمّة المستقرّون من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، يدخلون كهف التقية والاستتار و يحل محلّهم الاَئمة المستودعون ، الذين هم من ولد إسحاق بن إبراهيم ، و قد ظل هذا الوضع قائماًحتى ظهور الناطق السادس محمد ، الذي ينحدر من أُسرة الاِمام المستقر إسماعيل ، بينما الرسولان الناطقان ، موسى و عيسى ، ينحدران من أُسرة إسحاق بن إبراهيم الخليل ، و من الواضح أنّه في عهد محمد ينتهي دور الاستيداع ، وتعود الاِمامة إلى الاَئمّة المستقرين.

    مما يجدر ذكره أنّ الرسول الناطق إبراهيم ، ولد في ا لاَهواز ، و منها جاء إلى حوران ، حيث اتخذها دار هجرة ، و دفن في بيت المقدس ، و قد عاش 113 عاماً ، أمّا ولده الاَكبر إسماعيل ، فوالدته هاجر و قد عاش 137 عاماً ، و دفن في بيت اللّه الحرام ، وأما إسحاق الابن الثاني ، فوالدته سارة ، وكان يقيم بين الشام و القدس ، وقد عاش 280 عاماً و دفن في بيت المقدس ، و يأتي بعده ولده الذي عاش 307 أعوام ، و قد دفن في القدس. و بعده يأتي أيضاً يوسف فقد عاش 110 أعوام ، و دفن في مصر. أمّا أيّوب ، وهو الاِمام الخامس فقد توفي في (مسكنه) و عاش 93 عاماً ، و يأتي بعده ابنه يونان ، و هو يونس أو ذو النون ، كما هو معروف ، و مقامه في نينوى ، قرب الموصل ، على هذه الصفحة نلاحظ أنّ شعيب هو الاِمام المستودع المتمّ للدور الثالث ، و كان يقيم في مديَن.

 

________________________________________

(242)

الدور الرابع :

العدد   الإمام المقيم    الرسول الناطق  اساس الدور

المستقر          اساس الدور

المستودع        الإمام المتم      الإمام المستودع          الإمام المستقر

1       أُد       موسى 425 ـ 545    هارون 442                       أيليا بن بسباس عدنان بن أُد

2                                                        أليسع بن أخطف        معد بن عدنان

3                          يوشع بن النون

436 ـ 28                        صموئيل الرائي 442 ـ 2494          نزار بن معد

4                                                        داوَد بن بسي 419 ـ 535     مضر بن نزار

5                                                        سليمان بن داؤد 523 ـ 575  الياس بن مضر

6                                                        عمران بن ماثان مدركة بن الياس

7                                              زكريا   زكريا بن برخيا 1616 ـ 1716        خزيمة بن مدركة

 

________________________________________

(243)

التعليقات :

    يلاحظ أنّه في هذا الدور لا يوجد أساس مستودع ، وأنّالاَساس المستقر هو هارون أخو موسى. و يبدو أنّه بعد وفاته تسلَّم يوشع بن نون رتبته الاَساسيّة. من الواضح أنّ إيليا بن بسباس هو « إيليا النبي » ، و أنّ عمران بن ماثان هو « روبيل » وأنّ زكريا هو الاِمام السابع المستودع المتمّ للدّور الرابع. في المصادر التاريخيّة أنّ موسى عاش 120 عاماً و نقل جثمانه من صحراء سيناء إلى القدس ، وولادته كانت في السابع من آذار سنة 425 ، وأنّ صموئيل الرائي عاش 53 عاماً ، وأنّ داوَد بن بسي عاش 116 عاماً ، وأنّسليمان بن داوَد عاش 52عاماً ، وأنّ زكرياء عاش 100 عام.

 

________________________________________

(244)

الدور الخامس :

    « ويبتدىَ من وقت ولادة عيسى حتى ظهور محمّد ، و مدّته ستمائة و سبعون سنة و ستة عشر يوماً ».

العدد   الإمام المقيم    الرسول الناطق  اساس الدور المستقر   اساس الدور المستودع الإمام المتم      الإمام المستودع          الإمام المستقر

1       خزيمة عيسى  يحيى 1715 ـ 30                                 كنانة بن خزيمة

2                          شمعون الصفا 1716 ـ 33                       مرقص أو عبد المسيح النضر بن كنانة

3                                                                  مالك بن النضر

4                                                        فيلبس  فهر بن مالك

5                                                                  غالب بن فهر

6                                                        اسطفانس       لؤي بن غالب

7                                                                  كعب بن لؤي

8                                                        هرقل   مرة بن كعب

9                                                                  كلاب بن مرة

10                                                      أرميا    قصي بن كلاب

11                                                                عبد مناف بن قصي

12                                                      مروة الراهب    هاشم بن عبد مناف

13                                                                عبد المطلب بن هاشم

14                                            جرس بحيرا    جرجس ـ بحيرا         عبد الله بن عبد الله

 

________________________________________

(245)

التعليقات :

    في هذا الدّور يظهر على المسرح أربعة عشر إماماً مستقراً ، يقابلهم سبعة أئمّة مستودعين ، أيْ أنّ كلَّ إمام مستودع كان معاصراً لاِمامين مستقرين ، ولم يجر مثل هذا في الاَدوار السابقة. ويلاحظ أنّ ولادة عيسى كانت سنة 1716 موسوية ، أي بعد وفاة موسى ، وقد قتل صلباً (1) سنة 9471 ، و عمّر ثلاثة وثلاثين عاماً ، أمّا أساس الدّور المستقر فكان يحيى ، و هو الذي ولد قبل ولادة عيسى بستة أشهر ، و هو يوحنا المعمدان نفسه ، و من المعروف انّ هيرودس الروماني قتله سنة 1746 ، وأنّ الاَساس الثاني المستقر للدور الخامس الذي سلم إليه هو « شمعون الصفا » أو سمعان بن يونان ، أو بطرس الراهب ، و يعتبر مربي عيسى وحجّة عمران بن ماتان الذي ورد ترتيبه ، الاِمام السادس المستودع في الدور الرابع.

    ويلاحظ أنّ جرجس أو بحيرا الراهب هو الاِمام السابع المستودع المتم للدور الخامس ، وكان دعاته في الجزيرة العربية هم : عمرو بن نفيل ، و ورقة بن نوفل ، و زيد بن عمران ، و هو الذي سلّم وراثة الاَنبياء المستودعين ، للاِمام المستقر المقيم أبو طالب ، يوم جاء إليه من الجزيرة العربية إلى دير بصرى الشام مع النبي محمد. ويلاحظ أنّ الاِمام المستقر النضر بن كنانة ، وكان يسمّى قيس ، ولُقّب النضر لنضارته ، وأنّ الاِمام المستقر هو فهر بن مالك ، كان لقبه مجمع قريش ، وأنّ كلاّب بن مرة كان يلقب بالحكيم ، أو عروة ، وأنّ قصي بن كلاب هو زيد ، و سمّي قصي لاَنّه أُقصي عن عشيرته ، وأنّ عبد مناف بن قصي اسمه المغيرة ، وأنّ هاشم بن عبد المناف اسمه عمران ، وأنّ عبد المطلب بن هاشم اسمه « شيبة الحمد ».

________________________________________

    1 ـ هذا الكلام تفنده الآية الشريفة : ( وما قَتَلُوهُ ومَا صَلَبُوهُ ولكِن شُبِّهَ لَهُم ... ) (النساء/157).

________________________________________

(246)

الدور السادس :

    « يبتدىَ من تاريخ الهجرة المحمدية و ينتهي بظهور القائم المنتظر ، ولا يمكن تحديد مدّته. إنّ الدور الكبير قد أصبح مقسماً إلى أدوار صغيرة ».

العدد   الإمام المقيم    الرسول الناطق  أساس الدور    الإمام المتم      الإمام المستقر

1       عمران  محمد  علي بن أبي طالب                علي بن أبي طالب

2       أبو طالب        م 571 ـ 634                             الحسين بن علي

3                                              علي بن الحسين ((زين العابدين))

4                                              محمد بن علي ((الباقر))

5                                              جعفر بن محمد ((الصادق))

6                                              إسماعيل بن جعفر

7                                    محمد بن إسماعيل     محمد بن إسماعيل

التعليقات :

    في هذا الدور يظهر أنّ عمران أبا طالب ، هو الاِمام المقيم في عهد الرسول الناطق محمد ، و أنّ الاِمام محمد بن إسماعيل هو الاِمام السابع المتم.و يلاحظ أنّ الاِمام الحسن بن علي لم يذكر في شجرة النسب لاَنّه يعتبر إماماً مستودعاً لدى الاِسماعيليين ، و هكذا محمد بن الحنفية ، و موسى بن جعفر (الكاظم).

 

________________________________________

(247)

تتمة الدور السادس :

    « ويبتدىَ من عهد معد بن إسماعيل « المعز لدين اللّه » ، ولا يمكن بعد الآن الحكم على الاَئمّة المتمّين بعد أن ظهر الاختلاف و تشعبت الشجرات ».

العدد   العدد المتسلسل         الإمام المتم      الإمام المستقر

1       15              نزار بن معد « العزيز باللّه »

2       16              الحسين بن نزار « الحاكم بأمر اللّه »

3       17              علي بن الحسن « الظاهر لاِعزاز دين اللّه »

4       18              معد بن علي « المستنصر باللّه » الاِسماعيلية ، الاِسماعيلية ، الاِسماعيلية المستعلية الموَمنية القاسمية ـ الآغاخانية

5       19              أحمد المستعلي نزار بن معد نزار بن معد

6       20              الآمر بأحكام اللّه حسن بن نزار هادي

7       21              الطيب بن الآمر محمد بن الحسن مهتدي

التعليقات :

    من الملاحظ هنا أنّ الاِسماعيليين قد افترقوا بعد الاِمام الثامن عشر المستنصر باللّه ، إلى ثلاث فرق هي : النزاريّة « القاسميّة » الآغاخانية ، و النزاريّة الاِسماعيلية الموَمنيّة ، والاِسماعيلية المستعلية ، و يلاحظ أنّ الفرقة المستعلية قد توقفت عند الطيّب بن الآمر الاِمام الحادي و العشرين ، الذي دخل كهف التقيّة و الاستتار ، كما يلاحظ أنّ الفرقة الدرزية قد توقفت عند الاِمام السادس عشر الحاكم بأمر اللّه ، و من الواضح أنّ النزاريّة نفسها قد انقسمت إلى فرقتين هما : الموَمنيّة ، والقاسميّة (الآغا خانية) ، كما سيظهر في الصفحات التالية.

 

________________________________________

(248)

تتمة الدور السادس

    « و يبتدىَ من الاِمام النزاري الموَمني حسن بن محمد ، و ينتهي برضي الدين ابن محمد ، وبقاهر النزاري القاسمي ، و ينتهي بشمس الدين محمد و هو الاِمام المتم السابع ».

العدد   العدد المتسلسل         أئمة النزارية المؤمنية    أئمّة النزارية

القاسمية ـ الآغا خانية

1       22     حسن بن محمد « جلال الدين »        قاهر

2       23     محمد بن الحسن « علاء الدين »        حسن على ذكره السلام

3       24     محمود بن محمد « ركن الدين »        أعلى محمد

4       25     محمد بن محمود « شمس الدين »      جلال الدين حسن

5       26     موَمن شاه بن محمد « علاء الدين »     علاء الدين محمد

6       27     محمد بن موَمن « خداوند »    ركن الدين خير شاه

7       28     رضي الدين بن محمد « ضياء الدين »  شمس الدين محمد

التعليقات :

    يظهر أنّ الاختلاف لدى النزاريّة قد بدأ منذ عهد نزار بن المستنصر باللّه الفاطمي ، ثمّ يظهر أنّ الفرقتين عادتا إلى الالتقاء مع أربعة أئمة هم : حسن بن محمد و « جلال الدين » ومحمد بن الحسن و « علاء الدين » ومحمود بن محمد « ركن الدين » ومحمد بن محمود « شمس الدين » و هوَلاء يشكّلون الاَرقام : 22و 23 و 24 و 25. أمّا لدى النزارية القاسمية الآغاخانية فيشكّلون الاَرقام 25و26و27و 28. وبعد الاِمام محمد شمس الدين انقسمت النزارية انقساماً فعليّاً إلى فرقتين :

    فالموَمنية ساقت الاِمامة بموَمن « الابن الاَكبر » ، و القاسمية ساقتها بقاسم « الابن الاَصغر » ، و كلّهذا جاء مفصّلاً في الصفحات التالية :

 

________________________________________

(249)

تتمة الدور السادس

    « و يبتدىَ من طاهر بن رضي الدين ، و ينتهي بعطية اللّه ، و هو الخامس و الثلاثون في شجرة الموَمنية ، أمّا لدى القاسمية فيبتدىَ بقاسم شاه و رقمه 29 ، و ينتهي بالاِمام أبي الذر علي ، و هو الاِمام الخامس والثلاثون من شجرة قاسم ».

العدد   العدد المتسلسل         أئمة النزارية المؤمنية    أئمّة النزارية

القاسمية ـ الآغا خانية

1       29     طاهر بن رضي الدين « العزيز »          قاسم شاه

2       30     رضي الدين الثاني بن طاهر « شمس الدين »   إسلام شاه

3       31     طاهر شاه بن رضي الدين الثاني « حجة اللّه »   محمد بن إسلام

4       32     حيدر بن طاهر « خداوند »      المستنصر باللّه الثاني

5       33     صدر الدين بن حيدر « معز الدين »     عبد السلام

6       34     معين الدين بن صدر الدين « قاهر »    غريب ميرزا

7       35     عطية اللّه بن معين الدين « خداي بخش »      أبو الذر علي

التعليقات :

    ماتزال الشجرتان النزاريتان قائمتين هنا ، و هما الوحيدتان بين فرق الشيعة الاِماميّة اللتان ظلتا سائرتين على النهج الاِمامي.

 

________________________________________

(250)

تتمة الدور السادس :

    « و يبتدىَ من عزيز بن عطية اللّه و رقمه 36 ، و ينتهي بالاِمام محمد بن حيدر « الاَمير الباقر » و هو الاِمام الخامس لدى الفرقة الموَمنية ، و بعهده انقطعت الفرقة الموَمنيّة عن الاتصال ، أمّا لدى القاسميّة فيبتدىَ من الاِمام مراد ميرزا ، و ينتهي بحسن علي و هو متمٌّ و سابع.

العدد   العدد المتسلسل         أئمة النزارية المؤمنية    أئمّة النزارية

القاسمية ـ الآغا خانية

1       36     عزيز بن عطية اللّه « الشاه »     مراد ميرزا

2       37     معين الدين الثاني بن عزيز « خليل اللّه »        ذوالفقار علي

3       38     محمد بن معين الدين « الاَمير المشرف »        نورالدين علي

4       39     حيدر بن محمد « المطهّر »     خليل الله علي

5       40     محمد بن حيدر « الاَمير محمد الباقر » نزار علي

6       41     ?        السيد علي

7       42     ?        حسن علي

التعليقات :

    يظهر أنّ الفرقة الموَمنية النزارية توقفت عن السير الاِمامي في عهد الاِمام محمد بن حيدر الاَمير الباقر ، رقم 40 ، وذلك سنة 1210 هـ . أمّا شقيقتها القاسميّة. فظلت سائرة على المنهج الاِمامي حتى عهدنا الحاضر.

(251)

تتمة الدور السادس :

    و يبتدىَ من الاِمام قاسم علي ، و ينتهي بالاِمام « كريم علي خان » ، و ترتيبه التاسع والاَربعون ، و هو متمم للدّور و سابع.

العدد   العدد المتسلسل         ائمة النزارية القاسمية ـ الآغاخانية

1       43     قاسم علي

2       44     أبو الحسن علي

3       45     خليل الله علي

4       46     حسن علي « آغا خان الاَوّل »

5       47     علي شاه « آغا خان الاَوّل »

6       48     سلطان محمد شاه « آغا خان الاَوّل »

7       49     كريم علي خان « آغا خان الاَوّل »

التعليقات :

    يظهر أنّ الفرقة الموَمنيّة النزارية ، قد اختفت عن المسرح الاِمامي ، وأنّ النزارية القاسميّة الآغاخانية ظلّت وحدها سائرة دون انقطاع عن الركب الاِمامي حتى يومنا هذا ، و هي الوحيدة بين الفرق الاِمامية التي لم تتوقف.

    ويلاحظ أنّ الاِمام الاَخير التاسع والاَربعين « كريم خان » ليس هو ابن سلطان محمد شاه ، بل حفيده ، و يظهر أنّ اسم علي خان و هو النجل الاَكبر لسلطان محمد شاه ، قد أسقط من الشجرة بموجب وصيّة عامّة من والده. إنّ الاَمير علي خان توفي في باريس بحادث سيارة بتاريخ 12 أيار سنة 1960 ، وكان يمثل باكستان في الاَُمم المتحدة.

 

________________________________________

(252)

تتمة الدور السادس :

    « هذا الدّور الصغير يبتدىَ من الاِمام محمد إسماعيل حتى عهد الاِمام معد ابن إسماعيل « المعز لدين اللّه » و يعتبر جزءاً من الدّور الكبير الذي يبتدىَ من عهد محمد حتى القائم المنتظر ».

العدد   العدد المتسلسل         الإمام المتم      الإمام المستقر

1       8                عبد اللّه بن محمد « الرضي »

2       9                أحمد بن عبد اللّه « الوفي »

3       10              الحسين بن أحمد « التقي »

4       11              عبيد اللّه المهدي

5       12              محمد بن علي « القائم »

6       13              إسماعيل بن محمد « المنصور باللّه »

7       14     معد بن إسماعيل المعز لدين اللّه        معد بن إسماعيل « المعز لدين اللّه »

التعليقات :

    يلاحظ هنا أنّه لم يعد هناك أيُّ وجود للناطق أو للاَساس ، وأصبح الاِمام هو الذي يحمل مهمات الناطقية ، كما أنّمهمات الاَساسيّة يحملها الحجّة أو الباب. في شجرات الدروز و المستعلية لا يرد اسم « عبيد اللّه المهدي » بين أسماء الاَئمّة المستقرين ويرد مكانه اسم « علي بن الحسين » و هذا لم تحقّقه المصادر ولا الوقائع حتى الآن. ومهما يكن من أمر فنحن ما نزال نعتبر « عبيد اللّه المهدي » إماماً مستقراً منتظرين المزيد من المعلومات والمصادر والاكتشافات التاريخية. (1)

________________________________________

    1 ـ عارف تامر ، الاِمامة في الاِسلام : 145 ـ 161 ، و التعليقات كلها له.

________________________________________

(253)

تأملات في أدوار الاِمامة

    إنّ ما ذكره الكاتب الاِسماعيلي ، لا يخلو من تأمّلات ، وإشكالات ، نشير إليها :

    الاَوّل : انّ ما ذكره من الاَدوار الستة للاِمامة و انّ كلَّ رسول ناطق تتلوه أئمّة سبعة ، على النحو السابق ، أمر مبنيٌّ على الظن و التخمين ، لا على القطع واليقين ، فإنّ التحدُّثَ عن الاَئمّة الذين قاموا بالاَمر ، بعد الرسول الناطق ، آدم ، فنوح ، فإبراهيم ، فموسى ، فعيسى ، فمحم ـ د (صلّى اللّه عليه و آله و عليهم السّلام) يبتني على أساطير ، لا يمكن الاِذعان بها ، ولا أدري أنّ الكاتب إلى أيِّ كتابٍ ، و سند قطعيّ اعتمد عليه في استخراج هذه القوائم ، مع أنّه ـ حسب اعتراف الكاتب ـ يعترف بأنّهذه الدرجات بالتفصيل ظلّت مجهولة لدى الباحثين ، ومقصورة على طبقة خاصة من العلماء. (1)

    الثاني : أن تفسير الاِمام المقيم ، بأنّه هو الذي يقيم الرسول الناطق ، ويعلمه و يربيه ، ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، و ينعم عليه بالاِمدادات ، وأحياناً يطلقون عليه اسم « ربّ الوقت » و « صاحب العصر » و تعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الاِمامة و أرفعها ، وأكثرها دقَّة و سرّية (2)وعلى ما ذكره فـ « هُنيد » إمام مقيم لآدم ، وهود لنوح ، وتارح لاِبراهيم ، و « أد » لموسى و خزيمة لعيسى ، وأبو طالب لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). و معنى ذلك أنّهوَلاء أفضل من النطقاء الستة ، الذين هم أُولو العزم من الرسل.

    وهل « هُنيد » أفضل من آدم الذي اختاره اللّه سبحانه بتعليم الاَسماء؟! أو أنّ هود أفضل من شيخ الاَنبياء نوح ، وهو الذي بُدئت به الشرائع؟! وهل تارح

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 142.

    2 ـ المصدر السابق : 143.

________________________________________

(254)

أفضل من إبراهيم ، الذي وصفه اللّه سبحانه بصفات عظيمة في القرآن الكريم و لم يصف بها غيره؟! وبالتالي يلزم أن يكون أبوطالب (عليه السّلام) أفضل من محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) !!

    الثالث : انّ الاِمام المتمّ هو الاِمام السابع ، المتم لرسالة الدور ، وأنّ قوته تكون معادلة لقوّة الاَئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم ، و من جهة ثالثة يطلق عليه اسم ناطق الدور أيْ أنّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للاَدوار.

    ومعنى ذلك أن يكون إسماعيل بن جعفر (عليه السّلام) أو محمد بن إسماعيل ـ على القول بأنّه متمّ الدّور ـ أفضلُ من خاتم النبيين الذي هوأفضل الخليقة باعتراف الفريقين.

    الرابع : أنّ الكاتب أخرج الحسن بن علي عليمها السّلام عن قائمة الاِمامة ، بحجّة أنّه لم يكن إماماً مستقراً ، بل إماماً مستودعاً ، ومعنى ذلك أنّ كلّ الاَئمّة الذين جاءوا بعد كلّ رسول ناطق من زمان آدم إلى زمان الخاتم ، كانوا أئمّة مستقرين ، وليس للكاتب دليل على ذلك ، مع أنّ إخراجه ينافي قول الرسول الذي نقلته الاِسماعيليّة في كتبهم من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » ، و معنى كلامه أنّهما صنوان لا يتفاوتان.

    الخامس : أنّ الكاتب بإخراجه الحسن بن علي عليمها السّلام عن قائمة الاِمامة ، جعل محمداً بن إسماعيل هو الاِمام السابع الذي به يتم الدّور مع أنّ الاِسماعيليّة يعتبرونه رسولاً ناطقاً ، و المتم في الاَدوار السابقة من زمان آدم إلى زمان نبي الاِسلام ، لم يكن رسولاً ناطقاً.

    والكاتب في الوقت نفسه جعله بادئاً للدور حيث قال في ص 156 : هذا الدّور الصغير يبتدىَ من الاِمام محمد بن إسماعيل ، حتى عهد الاِمام معد بن إسماعيل « المعز لدين اللّه » ، ولو كان الميزان هو الاَدوار السابقة ، لا يكون متمَّ الدّور ، بادىَ الدور باسم الرسول الناطق.

 

________________________________________

(255)

    وبالجملة أنّ جعل محمد بن إسماعيل متمّاً للدّور من جانب ، وناطقاً سابعاً ، ناسخاً للشريعة ، التي سبقته من جانب آخر ، أمران متناقضان ، إذا كان الميزان هو الاَدوار السابقة.

    لكن الظاهر من كلام مصطفى غالب ، في كتابه « تاريخ الدعوة الاِسماعيليّة » غير ذلك ، وأنّ متمَّ الدّور في الاَدوار السابقة أيضاً ، هو الرسول الناطق ، وأنّ نوحاً كان متمَّ الدّور ، وفي الوقت نفسه رسولاً ناطقاً ، وأنّمحمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان متمَّ الدَّور و في الوقت نفسه رسولاً ناطقاً. وقد استشهد على ما ذكره بكلام الداعي إدريس في كتابه « زهر المعاني » و إليك نصهما :

    ويعتبر الاِمام محمد بن إسماعيل أوّل الاَئمّة المستورين ، والناطق السابع ، و متمّ الدّور ، فقام بنسخ الشريعة التي سبقته ، وبذلك جمع بين النطق و الاِمامة ، و رفع التكاليف الظاهرة للشريعة ، ونادى بالتأويل ، واهتمَّ بالباطن.

    و لذلك قال فيه الداعي إدريس في كتابه « زهر المعاني » ص 56 : « إنّما خُصَّ محمد بن إسماعيل بذلك لانتظامه في سلك مقامات دور الستر ، لاَنّك إذا عددت آدم و وصيّه و أئمّة دوره ، كان خاتمهم الناطق و هو نوح (عليه السّلام) ... و إذا عددت عيسى و وصيَّه وأئمّة دوره ، كان محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متسلّماً لمراتبهم ، و هو الناطق خاتم للنطقاء ، وكان وصيُّه (عليه السّلام) بالفضل منفرداً به ، و إذا عددت الاَئمّة في دوره كان محمد بن إسماعيل سابعهم ، و للسابع قوّةٌ على من تقدَّمهُ ، فلذلك صار ناطقاً و خاتماً للاسبوع ، و قائماً ، وهو ناسخ شريعة صاحب الدّور السادس ، ببيان معانيها ، وإظهار باطنها المبطن فيها. (1)

    فهذان الكاتبان اللّذان قاما في عصرنا هذا بنشر آثار الاِسماعيليّة ، وتبيين عقائدها ، قد صوّرا الاَدوار السابقة بصورتين متناقضتين.

    فعارف تامر يصوّر الاَئمّة سبعة سابعهم متمّمهم ، ويتلوه الرسول الناطق

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 148.

________________________________________

(256)

بادىَ الدّور الجديد؛ و مصطفى غالب يصوّرهم سبعة ، سابعهم متمّمهم ، وفي الوقت نفسه الرسول الناطق.

    وهناك وجه آخر ، و هو أن يختلف حكم الاَدوار الستة ، مع الدَّور السابع ، فيكون الاِمام المتمُّ في الدّور الاَخير متمّاً و رسولاً ناطقاً على خلاف الاَدوار الستة ، و وجه ذلك أنّ هذا الدّور ليس دوراً مستقلاً ، بل تتمّة للدور السادس ، ولذلك يقول عارف تامر في التعريف بهذا الدور بالشكل التالي :

 

تتمة الدور السادس

    وهذا الدور الصغير يبتدىَ من الاِمام محمد بن إسماعيل حتى عهد الاِمام « معد بن إسماعيل » المعز لدين اللّه ، ويعتبر جزءاً من الدّور الكبير الذي يبتدىَ من عهد « محمد » حتى القائم المنتظر. (1)

    وما ذكرنا من الوجه هو الظاهر من الحامدي في كتابه « كنز الولد » وسيوافيك نصّه في الفصل الخاص بترجمة أعلام الاِسماعيليّة.

    السادس : أنّالمعروف بين الاِسماعليّة في العصور الاَُولى ، أنّ محمد بن إسماعيل هو الرسول الناطق ، وهو ناسخ للشريعة ، وقد نسبه النوبختي إلى طائفة من الاِسماعيليّة باسم القرامطة وقال : وزعموا أنّمحمد بن إسماعيل حيٌّ لم يمت وأنّه في بلاد الروم ، وأنّه القائم المهدي؛ ومعنى القائم عندهم أنّه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة ، ينسخ بها شريعة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وأنّ محمد بن إسماعيل من أُولو العزم ، وأُولو العزم عندهم سبعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وعلي ، ومحمد بن إسماعيل. (2)

    ولما كان القول بذلك يصادم إتفاق جمهور المسلمين على أنّ شريعة الاِسلام هي الشريعة الخاتمة ، و نبيّها هو النبي الخاتم ، وكتابه خاتم الكتب ، تجد

________________________________________

    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 156.

    2 ـ النوبختي : الفرق بين الفرق : 73.

________________________________________

(257)

أنّ مصطفى غالب ، ينقل عن الداعي إدريس « عماد الدين » في كتابه « زهر المعاني » أنّ المراد أنّه يبيّن معاني الشريعة ، ويظهر باطنها المبطن فيها. (1)

    ولكنّه تصرّف في العقيدة ، فإنّ الظاهر من عطف محمد بن إسماعيل على سائر النطقاء ، كنوح ، و إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، أنّه ناسخ بالحقيقة ، وإلاّ يلزم الاختلاف في معنى النسخ.

    السابع : قد عرفت أنّ لازم القاعدة التي استنبطها الكاتب من بطون التاريخ ، في أدوار الاِمامة أن تكون شريعة كلِّ رسول منتهية بظهور الاِمام السابع ، ويكون الاِمام اللاحق بادئاً للدّور الجديد ، مع أنّه يُرى انتقاض القاعدة في ظهور محمد بن إسماعيل ، حيث جعل الكاتب عارف تامر دوره متماً للدّور السادس لا بادئاً للدّور الجديد ، وأضاف بأنّه ينتهي بظهور الاِمام القائم المنتظر ، ولا يمكن تحديدُ مدّته.

    يلاحظ عليه : أنّ إدراج القائم المنتظر ، الذي هو من صميم عقائد الاِماميّة الاثني عشريّة في عقائد الاِسماعيليّة غريب جداً من وجهين :

    1 ـ إخراج محمد بن إسماعيل عن مقامه العظيم في العقيدة الاِسماعيليّة ، وجعل الاَدوار التالية حتى دور محمد بن إسماعيل من توابع دور محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

    2 ـ إنتظار الاِسماعيليّة للقائم المنتظر ، فإنّ القائم المنتظر في عقيدة الشيعة الاِماميّة أقلّ بكثير من صاحب الدور عند الاِسماعيليّة.

    وأظن أن جعل الدور الذي بدأ به محمد بن إسماعيل جزءاً من الدّور السادس ، لا دوراً مستقلاً لاَجل استقطاب نظر جمهور المسلمين إلى أنفسهم حتى ينسلكوا في عداد المسلمين. (2)

    كلّ ذلك يُعرب عن عدم وجود نظام عقائدي منسق عندهم.

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 148 ، نقلاً عن زهر المعاني : 56.

    2 ـ الاِشكال السابع من إفادات العلاّمة الروحاني ـ دام ظلّ هـ .

________________________________________

(258)

________________________________________

(259)

الفصل الثاني عشر

في

نظرية المثل والممثول

أو

تأويلات الاِسماعيلية

 

(261)

إنّ نظرية المثل والممثول تُعدُّ الحجر الاَساس لِعامّة عقائد الاِسماعيليّة ، التي جعلت لكلِّ ظاهر باطناً ، وسمّوا الاَوّل مثلاً ، والثاني ممثولاً.وعليه تبتني نظرية التأويل الدينيّة الفلسفية ، فتذهب إلى أنّ اللّه تعالى جعل كلَّ معاني الدّين في الموجودات ، لذا يجب أن يُستدل بما في الطبيعة على إدراك حقيقةَ الدين ، فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة ، التي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة ، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً ، لا يعلمه إلاّ الاَئمّة ، وكبار حججهم وأبوابهم ودعاتهم. (1)

    يقول الداعي الموَيد في الدين الشيرازي : خلق اللّه أمثالاً وممثولات ، فجسم الاِنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثَل والآخرة ممثول ، وانَّ هذه الاَعلام التي خلقها اللّه تعالى ، وجعل قُوام الحياة بها ، من الشمس والقمر ، و النجوم ، لها ذوات قائمة ، يحل منها محل المثل وانّقواها الباطنة التي توَثر في المصنوعات ، هي ممثول تلك الاَمثال.

    وقال صاحب المجالس المستنصرية : معشر الموَمنين انّ اللّه تعالى ضرب لكم الاَمثال جملاً وتفصيلاً ، ولم يستح من صغر المثال إذا بيّن به ممثولاً ، وجعل ظاهر القرآن على باطنه دليلاً ، ومن قصيدة الموَيد للدين يقول فيها :

أقصد حمى ممثوله دون المَثل           ذا أبرُ النحل (2) وهذا كالعسل

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة الينابيع : 13.

    2 ـ ابر النحل : لذعته.

________________________________________

(262)

    واستناداً إلى نظرية المثل والممثول يجب أن يكون في العالم الاَرضي عالم جسماني ظاهر يماثل العالم الروحانيّ الباطن. (1)

 

1 ـ العقول العشرة

    إنّ الاِسماعيليّة استخدمت في تطبيق تلك النظرية ، على ما تتبناه من تطبيق الدعوة الدينيّة على عالم التكوين نظرية الفلسفة اليونانية في كيفيّة حصول الكثرة في العالم ، ولم يكن الهدف في استخدام نظريتهم ، في بيان صدور الكثرات من الواحد البسيط ، إلاّ تطبيقها على الدعوة الدينيّة ، حتى يكون لكلِّ ظاهر باطن.

    توضيحه : أثبتت البراهين الفلسفيّة أنّه سبحانه واحد ، بسيط من جميع الجهات ، لا كثرةَ فيه ، لا خارجاً ولا عقلاً ، ولا وهماً

    ثمّ إنّهم بعد البرهنة على تلك القاعدة ، وقعوا في مأزق وهو أنّه كيف صدرت من الواحد البسيط ـ الذي لا يصدر عنه إلاّ الواحد ـ هذه الكثرات في عالم العقول ، والاَفلاك ، والاَجسام؟

    ذهب أرسطو وتلاميذه ، ومن تبعهم من المسلمين كالفارابي والشيخ الرئيس ، إلى أنّ الصادر منه سبحانه واحد ، وهو : العقل الاَوّل ، وهو مشتمل على جهتين :

    جهة لعقله لمبدئه ، وجهة إضافته إلى ماهيته.

    فبالنظر إلى الجهة الاَُولى صدر العقل الثاني ، وبالنظر إلى الجهة الثانية صدر الفلك الاَوّل ونفسه ، الذي هو الفلك الاَقصى.

    وصدر من العقل الثاني لهاتين الجهتين ، العقل الثالث ، والفلك الثاني مع نفسه ، الذي هو فلك الثوابت.

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة الينابيع : 13.

________________________________________

(263)

    ثمّ صدر من العقل الثالث لهاتين الجهتين ، العقل الرابع ، والفلك الثالث مع نفسه ، الذي هو فلك زحل.

    وبهذا الترتيب ، صدر العقل الخامس والفلك الرابع ، الذي هو فلك المشتري ، إلى أن وصل عدد العقول إلى عشرة ، وعدد الاَفلاك مع نفوسها تسعة.

    و تبنّى المذهب الاِسماعيلي ، الذي هو مذهب ذو صبغة فلسفيّة يونانيّة هذه النظرية مع اختلاف يسير في التعبير لا غير ، والفكرة الرئيسيّة عندهم واحدة.

    فمثلاً يعبّر الداعي الكرماني عن العقل الاَوّل بالمبدع ، كما يعبّر عن العقل الثاني بالمنبعث الاَوّل ، وكلا المسلكين يشتركان في أنّه يبتدىَ الصدور بالعقل الاَوّل ، الذي تسمّيه فلسفةُ المشاء بالعقل الاَوّل ، والمذهب الاِسماعيليّ بالمبدع الاَوّل ، وتنتهي بالعقل الفعّال ، ويتوسط بين العقل الاَوّل والعقل الفعّال سلسلة العقول ، والاَفلاك الاَُخرى.

    يقول الداعي الكرماني :

    والعقل الاَوّل مركز لعالم العقول إلى العقل الفعّال ، والعقل الفعّال عاقل للكل ، وهو مركز لعالم الجسم ، من الاَجسام العالية الثابتة (الاَفلاك) إلى الاَجسام المستحيلة المسمّاة عالم الكون والفساد (العناصر الاَربعة). (1)

    يقول الحكيم السبزواري في بيان تلك النظرية :

فالعقل الاَوّل لدى المشاءوعقله لذاته للفلكوهكذا حتى لعاشرٍ وصلبالفقر معط لهيولى العنصرفللهيولى كثرة استعداد              وجوبه مبدأ ثان جاءدان لدان سامك لسامكوالفيض منه في العناصر حصلو بالوجوب لنفوس صوربحركات السبعة الشداد (2)

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 127 ـ 129.

    2 ـ السبزواري : شرح المنظومة : 185.

 

________________________________________

(264)

    ثمّ إنّ المهم تطبيق هذه الدرجات الكونية على درجات الدعوة الدينيّة عند الاِسماعيليّة ، فقد جعلوا لكل ظاهر باطناً ، ولكلّ درجة كونيّة درجة دينيّة ، و إليك جدولاً يوضح ذلك :

    1 ـ العقل الاَوّل = الناطق.

    2 ـ العقل الثاني = الفلك الاَقصى = الاَساس.

    3 ـ العقل الثالث = فلك الثوابت = الاِمام.

    4 ـ العقل الرابع = فلك زحل = الباب.

    5 ـ العقل الخامس = فلك المشتري = الحجّة.

    6 ـ العقل السادس = فلك المريخ = داعي البلاغ.

    7 ـ العقل السابع= فلك الشمس = الداعي المطلق.

    8 ـ العقل الثامن= فلك زهرة = الداعي المحدود.

    9 ـ العقل التاسع= فلك عطارد = المأذون المطلق.

    10 ـ العقل العاشر= فلك القمر = المأذون المحدود ، وربّما يُطلق عليه المكاسر والمكالب. (1)

    هذا عرض موجز عن الدرجات الدينيّة للدعوة ، وأمّا تفسيرها فإليك بيانها إجمالاً :

    1 ـ الناطق : وله رتبة التنزيل.

    2 ـ الاَساس : وله رتبة التأويل.

    3 ـ الاِمام : وله رتبة الاَمر.

    4 ـ الباب : وله رتبة فصل الخطاب.

________________________________________

    1 ـ إنّ محقّقي كتاب راحة العقل لم يذكروا فلك الثوابت ، ولهذا صار العقل ممثولاً لما دون القمر ، وجعلوا فلك الاَفلاك والمحيط. فلكين مستقلين ، مع أنّهما في هيئة بطليموس ، فلك واحد ، إلاّ أن يخلتف ترتيب العوالم العلوية عند الاِسماعيليّة مع ما هو الثابت في علم الهيئة (لاحظ راحة العقل ، ص 25).

________________________________________

(265)

    5 ـ الحجّة : وله رتبة الحكم فيما كان حقّاً أو باطلاً.

    6 ـ داعي البلاغ : و له رتبة الاحتجاج ، وتعريف المعاد.

    7 ـ الداعي المطلق : وله رتبة تعريف الحدود العلوية والعبادة الباطنية.

    8 ـ الداعي المحصور ، أو المحدود : وله رتبة تعريف الحدود السفليّة والعبادة الظاهرة.

    9 ـ المأذون المطلق : وله رتبة أخذ العهد والميثاق.

    10 ـ المأذون المحدود : وله رتبة جذب الاَنفس المستجيبة ، وهو المكاسر. (1)

 

2 ـ النطقاء السبعة وأمثالها :

    وربّما يعبّرون عنها بالحروف السبعة (آ ، ن ، إ ، م ، ع ، م ، ق) وهي الحروف الاَُولى من أسماء النطقاء السبعة ، وهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، قائم (2) مع أُسسهم ممثولين للاَفلاك السبعة بالشكل التالي :

المثل   الممثول          أساسه

1 ـ زحل       آدم      شيث

2 ـ المشتري   نوح     سام

3 ـ المريخ     إبراهيم إسماعيل

4 ـ الشمس    موسى  يوشع

5 ـ الزهرة      عيسى  شمعون

6 ـ عطارد      محمد  علي

7 ـ القمر       القائم   مهدي (3)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع23.

    2 ـ يريدون به محمد بن إسماعيل ، لاَنّ والده توفي في حياة أبيه ، فانتقلت الاِمامة إليه ، وهو القائم والاِمام المستقر ، وأمّا الاِمام الكاظم (عليه السّلام) فقد كان إماماً مستودعاً.

    3 ـ القصيدة الشافية : 38 ، قسم التعليقة.

________________________________________

(266)

3 ـ الاَنوار الخمسة وأمثالها :

    الاَنوار الخمسة ، عبارة عن أُولى الموجودات في العالم ، وهي : السابق ، والتالي ، والجد ، والفتح ، والخيال ، وكلُّها ممثولات ، ولها أمثلة في الحدود العلويّة ، وفي عالم الدين ، وعالم المادة بالشكل التالي :

المثل   المثل في العالم العلوي الممثول في عالم الدين المثل في عالم الجسم

1 ـ السابق      العقل الكلّي     النبي    السماء

2 ـ التالي       النفس الكلّي    الاِمام   الاَرض

3 ـ الجد        إسرافيل         الوصي المعدن

4 ـ الفتح       ميكائيل          الحجّة  النبات

5 ـ الخيال      جبرائيل         الداعي  الحيوان

    وكلٌّ يأخذ الفيض من السابق ، ويفيضه إلى التالي. (1)

    وإلى هذه الاَنوار الخمسة يشير الداعي في قصيدته الشافيّة عند ذكر توبة آدم وتوسله بها قائلاً :

وعاد للّه بحسن التوبةوقال يا ربي إنّي أسألمُبتهلاً بالخمسة الاَنوارمن سابق كان بلا مثالوالجد ثم الفتح والخيال           آدم كي يغفر تلك الحوبةوإنّني عن زلّتي منفصلأوّل ما أبدعته في الدّارولاحق يتلوه بالكمالوبالحروف السبعة الاَشكال (2)

________________________________________

    1 ـ القصيدة الشافية : 37 ، قسم التعليقة؛ ناصر خسرو : خوان الاِخوان : 199.

    2 ـ القصيدة الشافية : 37.

________________________________________

(267)

نماذج من تأويلاتهم الفقهية

    لما كان القول بالمثَل والممثول أساساً للتأويل ، نذكر في المقام بعض تأويلاتهم في الشريعة.

    قالت الاِسماعيليّة : إنّ لكلّ ظاهر في الشريعة ، كالوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والجهاد ، والحج ، والولاية ، وغيرها باطناً ، يجب الاِيمان به.

    وقد كتب كثير من الفاطميين كُتباً في التأويل ، غير أنّ قاضي القضاة ، النعمان بن محمد ، قام بأمرين :

    الاَوّل : ألَّف كتاباً باسم « دعائم الاِسلام » وذكر الحلال والحرام والقضايا والاَحكام ، وطبع الكتاب في جزءين وهو يشتمل على الكتب التالية :

    1 ـ كتاب الولاية.

    2 ـ كتاب الطهارة.

    3 ـ كتاب الصلاة.

    4 ـ كتاب الزكاة.

    5 ـ كتاب الصوم والاعتكاف.

    6 ـ كتاب الحج.

    7 ـ كتاب الجهاد.

    8 ـ كتاب البيوع والاَحكام.

    9 ـ كتاب الاَيمان والنذور.

    10 ـ كتاب الاَشربة.

    11 ـ كتاب الاَطعمة

    12 ـ كتاب الطب.

    13 ـ كتاب اللباس والطبيب.

    14 ـ كتاب الصيد.

    15 ـ كتاب الذبائح.

    16 ـ كتاب الضحايا والعقائق.

    17 ـ كتاب النكاح.

    18 ـ كتاب الطلاق.

    19 ـ كتاب العتق.

    20 ـ كتاب العطايا.

    21 ـ كتاب الوصايا.

    22 ـ كتاب الفرائض.

    23 ـ كتاب الدّيات.

    24 ـ كتاب الحدود.

    25 ـ كتاب السُّرّاق والمحاربين.

    26 ـ كتاب الرّدة والبدعة

    27 ـ كتاب الغصب والتعدّي.

    28 ـ كتاب العارية والوديعة.

    29 ـ كتاب اللفظة واللقيطة والآبق.

    30 ـ كتاب القسمة والبنيان.

    31 ـ كتاب الشهادات.

    32 ـ كتاب الدعوى والبينات.

    33 ـ كتاب آداب القضاة.

    وهو في الحقيقة يحتوي على ظواهر الشريعة.

 

________________________________________

(268)

    الثاني : ألَّف كتاباً ، حاولَ فيه أن يبيّن التأويل الباطني لجميع الاَحكام ، أسماه بـ « تأويل الدعائم » واستطاع أن يُنهي تأليف الجزء الاَوّل منه ، والذي يشتمل على كتاب الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، ولكنَّ المنيّة حالت دون إتمامه لتأويل بقيّة الاَبواب الفقهية.

    ولذا نقتصر في المقام على ما جاء في هذا الكتاب ، بوجه مُوجز ، وهدفنا ذكر نماذج ، منها فقط ، لاَنّنا لا نروم التفصيل والاستقصاء في هذا البحث.

    وليعلم أنّ للفاطميين كتباً كثيرةً في التأويل ، وقد وَعَدَ محقّق كتاب « تأويل الدعائم » محمد حسن الاَعظمي أن ينشر بعضها في المستقبل. (1)

    لمّا كان التأويل أمراً شخصيّاً ، يختلف باختلاف الدّاعي ، واختلاف ذوقه ، اختلفت كلمة الدعاة أشدَّ الاختلاف ، في مسائل كثيرة ، يقول محقّق كتاب راحة العقل ، ما هذا لفظه :

    الداعي النخشبي وضع كتابه المحصول في فلسفة المذهب. وجاء بعده أبو حاتم الرازي ، فوضع كتابه الاِصلاح ، وخالف فيه أقوال من سبقه ، ثمّ جاء أبو يعقوب السجستاني ، أُستاذ الكرماني ، فانتصر للنخشبي ، وخالف أبا حاتم ، ثمّ جاء الكرماني الذي استطاع أن يوفّق بين آراء شيخه وآراء أبي حاتم. (2)

    إنّ المواضع المقتطفة من كتاب « تأويل الدعائم » يعرب عن أمرين :

    الاَوّل : أنّ جميع التأويلات مبنيّة على : أُسس فلسفيّة ذوقيّة ، لا تتمتع بالبرهان كأكثر تأويلات الصوفيّة.

    الثاني : أنّ غالب التأويلات مبنيّة على ثبوت مقامات غيبيّة لاَئمّتهم. ومن أجل أن يقف القارىَ بنفسه ، ويتيقن من صحة الدعوى التي ذكرناها هنا ، سوف نستعرض مجموعة من النماذج لآرائهم ، وهي :

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 35 ، قسم المقدمة.

    2 ـ راحة العقل : 17 ، مقدمة المحققين.

________________________________________

(269)

كتاب الولاية (الدعامة الاَُولى)

    جاء في كتاب تأويل الدعائم : عن الباقر (عليه السّلام) : « بني الاِسلام على سبع دعائم : (1) الولاية : وهي أفضل وبها وبالوليّ يُنتهى إلى معرفتها ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد » ، فهذه كما قال (عليه السّلام) : دعائم الاِسلام قواعده ، وأُصوله التي افترضها اللّه على عباده.

    ولها في التأويل الباطني أمثال ، فالولاية مَثلُها مَثلُ آدم(ص) لاَنّه أوّل من افترض اللّهُ عزّوجلّ ولايته ، وأمر الملائكة بالسجود له ، والسجود : الطاعة ، وهي الولاية ، ولم يكلفهم غير ذلك فسجدوا إلاّ إبليس ، كما أخبر تعالى ، فكانت المحنةُ بآدم (ص) الولاية ، وكان آدمُ مثلَها ، ولابدَّ لجميع الخلق من اعتقاد ولايته ، ومن لم يتولّه ، لم تنفعْهُ ولاية من تولاّه من بَعده ، إذا لم يدُن بولايته ويعترف بحقّه ، وبأنّه أصل مَنْ أوجب اللّهُ ولايتَه من رسله وأنبيائه وأئمّة دينه ، وهو أوّلهم وأبوهم.

    والطهارة : مَثَلُها مَثَلُ نوح (عليه السّلام) ، وهو أوّل مبعوث ومرسل من قبل اللّه ، لتطهير العباد من المعاصي والذنوب التي اقترفوها ، ووقعوا فيها من بعد آدم (ص) ، وهو أوّل ناطق من بعده ، وأ وّلُ أُولي العزم من الرسل ، أصحاب الشرائع ، وجعلَ اللّه آيته التي جاء بها ، الماء ، الذي جعله للطهارة وسمّاه طهوراً.

    والصلاة : مَثَلُها مَثَلُ إبراهيم (ص) وهو الذي بَنى البيتَ الحرام ، ونصبَ المقام ، فجعل اللّه البيت قبلة ، والمقامَ مصلّى.

    والزكاة : مثلها مثل موسى ، وهو أوّل من دعا إليها ، وأُرسل بها ، قال تعالى : « هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ المُقَدَّسِ طُوى * اذْهَبْ إِلى فِرْعَونَ إِنَّهُ طَغى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ». (2)

________________________________________

    1 ـ المرويّ عن طرقنا : بنى الاِسلام على خمس.

    2 ـ النازعات : 15 ـ 18.

________________________________________

(270)

    والصوم : مَثَلُه مثل عيسى (عليه السّلام) وهو (1) أوّل ما خاطب به أُمّه ، أن تقولَ لِمَنْ رأته من البشر ، وهو قوله الذي حكاه تعالى عنه لها : « فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَومَ إِنْسِيّاً » . (2) وكان هو كذلك يصوم دهره ، ولم يكن يأتي النساء ، كما لا يَجوز للصائم أن يأتيهنّ في حال صومه.

    والحج : مَثَلُه مَثَلُ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهو أوّل من أقام مناسك الحج ، وسنَّ سنته ، وكانت العرب وغيرها من الاَُمم ، تحجّ البيت في الجاهليّة ولا تقيم شيئاً من مناسكه ، كما أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله : « وما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً » . (3)

    وكانوا يطوفون به عُراة ، فكان أوّلُ شيء نهاهم عنه ذلك فقال ، في العُمرة التي اعتمرها ، قبل فتح مكة ، بعد أن وادعَ أهلَها ، وهم مشركون : « لا يطوفنّ بعد هذا بالبيت عريان ، ولا عريانة » ، وكانوا قدنصبوا حول البيت أصناماً لهم يعبدونها ، فلمّا فتح اللّهُ مكّة كسّرها ، وأزالها ، وسنَّ لهم سُنن الحجّ ، ومناسكه ، وأقام لهم بأمر اللّهِ معالمه. وافترض فرائضه. وكان الحجّ خاتمة الاَعمال المفروضة ، وكان هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم النبيين ، فلم يبق بعدَ الحجّ من دعائم الاِسلام غير الجهاد ، وهو مثل سابع الاَئمّة ، الذي يكون سابع اسبوعهم الاَخير ، الذي هو صاحب القيامة.(4)

________________________________________

    1 ـ الظاهر أنّ ضمير الفاعل يرجع إلى روح الاَمين.

    2 ـ مريم : 26.

    3 ـ الاَنفال : 35.

    4 ـ النعمان : تأويل الدعائم : 1/51 ـ 52.

(271)

كتاب الطهارة (الدعامة الثانية)

    قال صاحب تأويل الدعائم : لا يجزي في الظاهر صلاة بغير طهارة ، ومن صلّى بغير طهارة لم تُجزِه صلاتُه ، وعليه أن يتطهّر ، وكذلك (في الباطن) لا تجزي ولا تنفع دعوة مستجيبٍ يدعى ، ويوَخذ عليه عهد أولياء اللّهِ حتى يتطهّر من الذنوب ، ويتبرأ من الباطل كلِّه ، ومن جميع أهله ، وإن تبرأ من الباطل بلسانه ، مقيم على ذلك ، لم تنفعه الدعوة ، ولم يكن من أهلها ، حتى يتوبَ ويتبرأ ممّا تجب البراءة منه ، فيكون طاهراً من ذلك ، كما قال تعالى : « وَذَرُوا ظاهِرَالاِِثْمِ وَ باطِنَهُ » (1). (2)

    و يقول : إنّ الاَحداث التي توجب الطهارة لها في الباطن أمثال ، يجب التطهّر منه بالعلم ، كما وجب التطهّر في الظاهر من هذه بالماء ، فمثل الغائط مَثَل الكفر ، والذي يطهّر منه من العلم الاِيمان باللّه ، ومثَل البول مثل الشرك وهو درجات ومنازل ، و الذي يطهر منه من العلم توحيد اللّه ، ونفي الاَضداد والاَشباه ، والشركاء عنه ، ومثَل الريح تخرج من الدُبر ، مثل النفاق ، والذي يطهّر منه من العلم التوبةُ والاِقلاع عنه ، واليقين والاِخلاص والتصديق باللّه ، وأنبيائه وأوليائه ، وأئمّة دينه. (3)

    أمّا غسل الوجه ففيه سبعة منافذ : العينان ، والاَُذنان ، و المنخران ، والفم.

    وأنّ أمثالَهم في الباطن ، أمثال السبعة النطقاء الذين هم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى (عليهم السّلام) و محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وخاتم الاَئمّة من ذريته صاحب القيامة (ص) ، ولابُدّ للمستجيب بعد البراءة ، من الكفر والشرك والنفاق ، من

 

________________________________________

    1 ـ الاَنعام : 120.

    2 ـ تأويل الدعائم : 1/76.

    3 ـ تأويل الدعائم : 1/79.

________________________________________

(272)

العلم والاِيمان والتصديق بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووصيّه علي ومن الاِيمان والتصديق بالنطقاء الستة ، وهم : آدم ، ونوح ، و إبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وبخاتم الاَئمّة صاحب القيامة (ص) وهو اليوم الآخر الذي ذكره اللّه في غير موضع من كتابه ، وجعل الاَيّام السبعة أمثالاً لهم ، فالاَحد مَثَل آدم (عليه السّلام) و الاِثنين مَثَل نوح (عليه السّلام) ، والثُلاثاء مَثَل إبراهيم ، والاَربعاء مثل موسى (عليه السّلام) ، والخميس مَثَل عيسى (عليه السّلام) ، والجمعة مَثَل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جمع اللّه له علم النبيين ، و فضلهم وأكملهم به ، وجعله خاتمهم ، وفضّله بأن جعل السابع من ذريته ، ومن أهل دعوته. فكانَ غُسل الوجه مَثلاً على الاِقرار بهذه الاَسابيع وطاعتهم. (1)

 

في التيمّم :

    يقول : التيمّم وضوء الضرورة ، هذا من ظاهر الدّين ، وأمّا باطن التيمّم لِمَن عُدِم الماءَ وأنّه في التأويل طهارة من أحدث حدثاً في الدّين من المستضعفين ، مِنَ الموَمنين الّذين لا يجدون مفيداً للعلم ، ممّا يحدثونه عند ذوي العدالة من الموَمنين من ظاهر علم الاَئمّة الصادقين إلى أن يجد مفيداً من المطلقين.

    إلى أن قال : ولا ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلاّ في آخر الوقت ، بعد أن يطلب الماء.

    وذلك في الباطن من اقترف ما يوجب عليه الطهارة بالعلم الحقيقي ، فعليه أن يطلبه ، ولا يُعجِّل بالقصد إلى غير مطلق ، فيأخذ عنه ما يطهّره من العلم الظاهر ، حتى يجتهد في طلب مفيد مطلق ، فإذا بلغ في الطلب استطاعته وانتهى إلى آخر وقت ، يعلم أنّه لا يجد ذلك ، فحيئنذٍ يَقصد إلى من يفيده من الموَمنين ، أهل الطهارة من ظاهر علم أولياء اللّه ، ما يزيل عنه شكَ ما اقترفه وباطله.

    إلى أن قال : قال الصادق (ص) في ذلك : إنّه إن وجد الماء وقد تيمّم وصلّى

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/101 ـ 102.

________________________________________

(273)

بتيمّمه ذلك ، أجزأه وعليه أن يتطهّر بالماء أو يتيمّم ، إن لم يجد الماء ، لما يستقبله من الصلاة.

    باطن ذلك أنّه إن فعلَ ما ذكرناه في دعوة إمام أو حدّ من حدوده ، ثمّ دخلت على تلك الدعوة دعوة أُخرى ، ولم يجد مفيداً ، فهو على ما كان عليه ، وإن وجده كان على ما وصفنا ، وليس عليه شيء لما مضى. (1)

 

في ذكر التنظّف

    يقول : الحيض علّة تُصيب النساء في الظاهر ، وأمثال النساء ـ كما ذكرنا في الباطن ـ أمثال المستجيبين.

    فتأويل جملة القول في الحيض في الباطن ، أنّه علّة وفساد ، يدخل على المستجيب في دينه ، يحرم عليه من أجلها سماع الحكمة ، والكون في جماعة أهل الدعوة ، كما لا يحلّ في الظاهر للمرأة إذاحاضت أن تصلّي ، ولا تدخل المسجد ، وكذلك لا يحل لمفيد ذلك المستجيب ، أن يفيده شيئاً من العلم إذا أحدث ذلك الحدث ، حتى يتطهّر منه ، بالتوبة والنزوع عنه ، والاِقلاع ، وينقطع عنه ما عرض من ذلك الفساد في دينه. (2)

    ويقول أيضاً : قال الصادق (عليه السّلام) : إذا طهرت المرأة من حيضها في وقت صلاة ، فضيّعت الغسل ، كان عليها قضاء تلك الصلاة.

    تأويله : أنّ المقترِف إذا تابَ وانتصل ممّا اقترفه ، ولم يتطهّر في ذلك بالعلم ، كما وصفنا ، كان عليه أن يتطهّر ، وأن يسعى في إفادة ما فاته من الحكمة ، بعد إقلاعه عمّا اقترفه.

    فافهموا معشر الموَمنين ما تعبدكم اللّه به ظاهراً وباطناً ، فإنّ ذلك مرتبط

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/123 ـ 124.

    2 ـ تأويل الدعائم : 1/161.

________________________________________

(274)

بعضه ببعض ، يشهد كلّ شيء منه لصاحبه ، ويطابقه ويوافقه فما وجب في الظاهر ، وجب كذلك مثله ونظيره في الباطن ، لا يجزي إقامة أحدهما دون الآخر ، ولا يحلُّ في الظاهر ما حُرّم في الباطن ، ولا في الباطن ما حُرم في الظاهر ، وإيّاكم أن يستميلكم عن ذلك ، تحريف المحرّفين ، ولا شبهات الشياطين ، فإنّ اللّه عزّوجلّ يقول : « وَ ذَرُوا ظاهِرَ الاِِثْمِ وَ باطِنَهُ » (1) وقال : « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ » (2) وقال : « وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً » (3). (4)

 

كتاب الصلاة (الدعامة الثالثة)

    يقول : الصلاة في الظاهر ما تعبّد اللّه عباده الموَمنين به ، ليُثيبهم عليه ، وذلك ممّا أنعم اللّهُ عزّوجلّ به عليهم ، وقد أخبر تعالى أنّه « أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » فظاهرالنّعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر ، بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها ، وباطن النّعمة كذلك في إقامة دعوة الحقّ في كلّ عصرٍ كما هو في ظاهر الصلاة. (5)

    و يقول أيضاً : افترض اللّهُ خمسَ صلوات في الليل والنهار سمّاها في كتابه.

    وتأويل ذلك أنّ الخمس الصلوات في الليل والنهار في كلِّ يوم وليلة مثلها في الباطن مثلُ الخمس الدعوات لاَُولي العزم من الرسل الذين صبَروا على ما أُمروا به ، ودَعوا إليه.

    فصلاة الظهر وهي الصلاة الاَُولى مَثَلٌ لدعوة نوح (ص) ، وهي الدعوة

________________________________________

    1 ـ الاَنعام : 120.

    2 ـ الاَعراف : 33.

    3 ـ لقمان : 20.

    4 ـ تأويل الدعائم : 1/167.

    5 ـ تأويل الدعائم : 1/177.

________________________________________

(275)

الاَُولى ، وهوأوّل أُولي العزم من الرّسل.

    والعصر مَثَلٌ لدعوة إبراهيم (ص) وهو ثاني أُولي العزم ، وهي الصلاة الثانية.

    والمغرب وهي الصلاة الثالثة مَثَلٌ لدعوة موسى (ص) وهي الدعوة الثالثة ، وهو ثالث أُولي العزم.

    والعشاء الآخرة مَثَلٌ لدعوة عيسى (ص) وهي الدّعوة الرابعة ، وهو الرابع من أُولي العزم ، وهي الصلاة الرابعة.

    والفجر وهي الصلاة الخامسة مَثَلٌ لدعوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهي الدعوة الخامسة ، وهو خامس أُولي العزم ، فأمره اللّه بأن يُقيم الصلاة ظاهراًو باطناً ... وأن يدعو فيها إلى مِثْل ما دعا أُولوا العزم من قبله. (1)

 

في عدد الصّلاة

    يقول : ويتلو ذلك ذكر عددُ ما في كلّ صلاةٍ ، من الركوع ، وما يُجهر فيه منها بالقراءة ، و ما يُخافت فيه منها.

    تأويل ذلك : أنّ جملة عدد الركعات للخمس الصلوات في اليوم والليلة ، الفرض من ذلك سبعَ عشرة ركعة والسُّنّة مِثلا الفريضة (أربع وثلاثون ركعة) والصلاة على سبعة أضرب ، هذا ضرب منها.

    والثاني : صلاة الكسوف ، على خلاف صفة هذه ، لاَنّها ركعتان ، في كلِّ ركعة خمس ركوع.

    والثالث : صلاة العليل ، والعريان ، يصلّيان جالسين ، وإذا لم يستطع العليل الصلاة ، جالساً ، صلّى مستلقياً أو مضطجعاً ، وإذا لم يستطع الركوع والسجود ،

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/178 ـ 180.

________________________________________

(276)

يومىَ أي إيماء برأسه أو ببصره ، إذا لم يستطع أن يومىَ برأسه.

    والرابع : صلاة الخوف ، تصلى على معنى غير معنى الصلاة في الاَمن ، وتجزى على ركعة منها تكبيرة عند المواقفة والمسائفة.

    والخامس : صلاة الاستسقاء ، والاَعياد ، والجُمَع ، لها حدّ غير حدّ الصلاة في غير ذلك.

    والسادس : صلاة الجنائز ، ليس فيها ركوع ولا سجود.

    والسابع : الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهي لفظ باللسان بلا عمل بالاَركان.

    فأمثال الستة الاَضرب من الصلاة أمثال الدعوة الستة النطقاء ، وهم : آدم ، و نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى (عليه السّلام) و محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ... والصلاة السابعة التي هي الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي قول بلا عمل ، مثل لدعوة آخر الاَئمّة وخاتمهم ، وهو صاحب عصر القيامة ، لاَنّه إذا قام رفع العمل ، وقامت القيامة. (1)

 

في وقت الصّلاة

    يقول : أوّل وقت الظهر زوال الشمس.

    وتأويل ذلك : أنّ الشمس في الباطن مَثَلُها مثلُ وليّ الزمان من كاننبىٍّ أو إمام ، ومثل طلوعِها مَثلُ قيام ذلك الوليّ و ظهوره ، ومَثَلُ غروبها مَثَلُ نقلته وانقضاء أمره ، وكان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقته مَثَلُه مثل الشمس ، من وقت بعثه اللّه تعالى فيه إلى أن أكمل دينه الذي ابتعثه لاِقامته ، وإكماله بإقامة وصيّه ، وذلك قول اللّه تعالى الذي أنزل عليه في اليوم الذي قام فيه بولاية علي (ص) بغدير خم : « اَليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الاِِسلامَ

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/182.

________________________________________

(277)

دِيناً » (1) ،

    ل فلما فعل ذلك (ص) مال إلى النقلة عن دار الدنيا إلى معاده ، فكان بينَ ذلك وبين وفاته سبعون ليلة.

    وكان ذلك في التأويل مثل الزوال على رأس سبع ساعات ، كما ذكرنا من النهار ، التي جاء أنّ مَثَل عددها مثلُ عدد حروف اسمه واسم وصيّه (ص) ، وذلك سبعةأحرف ، محمدٌ أربعةُ أحرف ، وعليٌّ ثلاثة أحرف ، فذلك سبعة ، مثل للسبع ساعات ، التي تزول الشمس عندها التي مثلُها مثلُه (ص) ، ومثل زوالها زواله ، وانتقاله إلى معاده ، الذي أعدّ اللّهُ له فيه الكرامة لديه. (2)

 

في الاَذان والاِقامة

    يقول : إنّ الاَذان مَثَلُهُ مَثَلُ الدعاء إلى ولاية الناطق ، وهو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقته ، والاِمام في عصره.

    والاِقامة مثلُها مثلُ الدعاء إلى حجّته ، وهو وليّ أمر الاَُمّة من بعده ، الذي يُقيمه لذلك في حياته ، ويصير مقامه له بعد وفاته ، فالاَذان ثماني عشرة كلمة ... ومثل الاَذان ، مثلُ الدعاء إلى دعوة الحقّ ، وذلك مثلُ الدعاء إلى الستة النطقاء ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى (عليهم السّلام) ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، و الدعاء إلى دعوة الحجج الاثني عشر وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر ، التي هي جزائر الاَرض الاثنتي عشرة جزيرة ، بكلِّ جزيرةٍ منها داعٍ ، يدعو إلى دعوة الحق ، فدعوة الحق تشتمل على هذه الدعوات ، وتوَكّد أمرها ، وتُوجبُ الاِقرار بأصحابها ، وكان ذلك مثل عدد كلمات الاَذان لكلّ دعوة منها كلمة؛ والاِقامة تسعَ عشرة كلمة ... والاِقامة ـ كما ذكرنا ـ مثل النداء إلى الحُجّة فمثلُ الكلمة الزائدة فيها ، مثل الدعوة إلى الحجّة ، الذي هو أ ساس الناطق ، فأمّا الدعاء إلى الاَئمّة وحججهم ، فيدخل ذلك في دعوة أصحاب الجزائر ، لاَنّ دعوتهم إلى كلِّ إمامٍ في وقته وحجّته. (3)

________________________________________

    1 ـ المائدة : 3.

    2 ـ تأويل الدعائم : 1/199.

    3 ـ تأويل الدعائم : 1/214.

________________________________________

(278)

في ذكر المساجد

    يقول : فالمساجد في الظاهر البيوت التي يجتمع الناس إليها ، للصلاة فيها ، وهي على طبقات ، ودرجات فأعلاها المسجد الحرام.

    ومثله مثلُ صاحب الزمان مَنْ كان من نبي أو إمام.

    ومثل الاَمر بالحج والسعي إليه من أقطار الاَرض ، مَثلُ واجبِ ذلك على الناس ، لولي زمانهم أن يأتوه من كلّ أُفق من الآفاق.

    ومثل مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثلُ الحجّة وكذلك ، على الناس أن يأتوه كما يأتون المسجدَ الحرام.

    ومثلُ مسجد بيت المقدس مثلُ بابه ، أكبر الدعاة وبابهم ، ويسمّى باب الاَبواب.

    وجوامع الاَمصار أمثالها أمثال النقباء وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر.

    ومساجد القبائل أمثالها أمثال دعاة القبائل على مقاديرهم ، كمثل المساجد في فضلها ، وفضل بعضها على بعض ، وسعتِها ، وضيقها ، كذلك الدعاة منهم مشهورون بالفضل ، وبعضهم أفضل من بعض وأوسع علماً. (1)

 

في تكبيرة الاِفتتاح

    يقول : إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ، ولا تجاوز بهما أُذنيك ، وأبسطهما بسطاً ، ثمّ كبّر ، فهذه التكبيرة التي تكون في أوّل الصلاة ، هي تكبيرة الاِفتتاح ، ورفع اليدين فيهما واجب عند أكثر الناس ، إلاّ أنّهم يختلفون في منتهى حدِّ ذلك ، والثابت عن أهل البيت (عليهم السّلام) ما جاء في هذه الرواية عن الصادق (عليه السّلام) أنّه لا يجاوز

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/225.

________________________________________

(279)

بهما الاَُذنين ، والذي يوَمر به في ذلك أن يحاذي بأطراف الاَصابع من اليدين أعلى الاَُذنين ، ويحاذي بأسفل الكفين أسفلَ الذقن ، فتكونُ اليدان قد حاذتا ما في الوجه من المنافذ السبعة ، وهي : الفم ، والمنخران ، والعينان ، والاَُذنان.

    وتأويل ذلك أنّ مثل اليدين مثل الاِمام والحجّة ، ومثل هذه المنافذ السبعة ، مثل النطقاء السبعة ، فمثل رفع اليدين إلى أن يحاذيهما ، مثلُ الاِقرار في أوّل دعوة الحقّ بالاِمام والحجّة والنطقاء السبعة أعني : إمام الزمان وحجّته ، وأن لا يفرّق بين أحدٍ منهم ، ومثل قوله : « اللّه أكبر » انّه شهادة وإقرار واعتقاد بأنّ اللّه أكبر وأجل وأعظم من كلّ شيء وأنّ النطقاء والاَئمّة والحج ـ ج ـ وإن قرن اللّه طاعت هـ م بطاعت هـ عباد من عباده مربوبون. (1)

 

في القراءة

    يقول : يقرأ في الصلاة في كلّ ركعة بعد بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ، بفاتحة الكتاب ، وفي الركعتين الاَوليين ، بعد فاتحة الكتاب بسورة ، ونُهي عن أن يُقال « آمين » بعد فراغ فاتحة الكتاب ، كما تقول ذلك العامّة.

    تأويل ذلك أنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تسعةَ عشر حرفاً ، بسم اللّه سبعة أحرف ، وهي مثل النطقاء السبعة ، والسبعة الاَئمّة الذين يتعاقبون الاِمامة بين كل ناطقين ، الرّحمن الرّحيم اثني عشر حرفاً مثل النقباء الاثني عشر.

    وتأويل قراءته في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب ، من أنّها سبع آيات وأنّه جاء في التفسير أنّ ـ ها السبع المثاني ، لاَنّها تثنّى في كلّ ركعة ، وانّ مَثَلَها ومثل قراءتها في الصلاة مثل الاِقرار بالسبعة الاَئمّة الذين يتعاقبون الاِمامة بين كلّ ناطقين ، وانّ ذلك هو قول اللّه تعالى لمحمد نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « وَ لَقَدْآتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِيَ » (2) وتأويله

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/259.

    2 ـ الحجر : 87.

________________________________________

(280)

أنّه جعل في ذريته سبعة أئمّة يثنّى منهم اسبوع بعد اسبوع ، كما يثنّى أيّام الجُمعة إلى أن تقوم الساعة وانّه جمع له علم النطقاء والاَئمّة من قبله والقرآن العظيم ، و مثله في التأويل مثل أساس دعوته وأئمّته وهو وصيّه علي(ص).

    وأمّا قراءة فاتحة الكتاب وسورة في كلّ ركعة تقرنان فيها فمَثَل ذلك في التأويل ، مثل الاِقرار في دعوة الحقّ بإمام الزمان وحجّته وقول العامّة بعد فراغ سورة الحمد آمين زيادة فيها فنهى عن ذلك كما يُنهى عن إدخال غير أولياء اللّه في جملتهم ، وعن زيادة غيرهم فيهم. (1)

 

في صلاة العيدين

    يقول : ليس في العيدين أذان ولا إقامة ، ولا نافلة ، ويُبدأ فيهما بالصلاة قبل الخطبة ، خلاف الجُمعة؛و صلاةَ العيدين ركعتان يُجهر فيهما بالقراءة.

    تأويل ذلك : أنّ مثل الخروج إلى العيدين مَثَلُ الخروج إلى جهاد الاَعداء ، وأنّمثل الاَذان مثل الدعوة والخروج إلى العدو ، وليست تقام له دعوة ، إذ تقدم في دعوة الحقّ الاَمر به ، وإنّما يُلزم الناس أن ينفروا ويخرجوا إليه ، كما أوجب اللّهُ ذلك عليهم في كتابه.

    ومعنى البدء في الصلاة يوم العيدين قبل الخطبة ، خلاف الجمعة ، أنّالخروج إلى العيدين مَثلُ الخروج إلى جهاد العدو ، واستقبال القبلة في الصلاة مَثَلُ استقبال الاِمام بالطاعة والسمع له وذكرنا أنّ مثل الخطبة من الخطيب مثلُ التوقيف من الداعي مَنْ يدعوه على ما يأمره به ، فكان مَثَلُ الاِبداء بالصلاة في العيدين مَثلُ إقبال الخارجين إلى جهاد الاَعداء في حين خروجهم على إمامهم ، والسّمع منهم والطاعة لما به يأمرهم ، وما عليه يرتِّبهم ويقيمهم وفي مقاماتهم ، فذلك مَثلُ الصلاة وبه يبتدىَ ، ومثل الخطبة بعد ذلك مثل تحريض الاِمام

________________________________________

    1 ـ المصدر نفسه : 269.

(281)

الموَمنين على الجهاد ، وأمره ونهيه إيّاهم في ذلك ، بما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، ولذلك كان في خطبة العيدين الاَمر بالجهاد وبطاعة الاِمام ، والتوبيخ على التقصير في العمل. (1)

    هذه نماذج من تأويلات الاِسماعيليّة ، في مجال الاَحكام الشرعيّة ، ومن أراد الاستقصاء فعليه الرجوع ـ مضافاً إلى كتاب تأويل الدعائم ـ إلى كتاب « وجه دين » للرحالة ناصر خسرو (394 ـ 471 أو 481 هـ) ، فقد قام بتأويل ما جاء من الاَحكام في غير واحد من الاَبواب ، حتى الحدود والدّيات ، والنكاح ، والسفاح ، و لكنّه ألّفه بلغة فارسية قديمة ، فعلى من يريد المزيد من الاطلاع فليرجع إلى ذلك الكتاب ، وقد طبع عام 1397 هـ طبعة أنيقة.

________________________________________

    1 ـ تأويل الدعائم : 1/323 ـ 324.

________________________________________

(282)

________________________________________

(283)

الفصل الثالث عشر

في

أعلام الفكر الاِسماعيلي

________________________________________

(284)

________________________________________

(285)

ظهر المذهب الاِسماعيلي على الساحة الاِسلاميّة بطابَع دينيّ بحت ، مدّعياً استمرار الاِمامة ، المتجسّدة في إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل ، ولمّا اشتدَّ سلطانهم بقيام دولة لهم في شمال إفريقية ، في بلاد المغرب ، ومصر ، ظهرت بينهم شخصيات بارزة في حقول السياسة والفلسفة والفقه والحديث والاَدب وغيرها ، وبما أنّ دراسة سيرتهم وما قدموه من تراث للمجتمع الاِسلامي خارج عن موضوع كتابنا ، لاَنّه رهن دراسة تاريخ الدولة الفاطميّة؛ فلنقتصر على ترجمة لفيف من أعلامهم ومفكّريهم ، مِمّن كان لهم دور في نضج المذهب وتكامله وانتشاره.

 

1

أحمد بن حمدان بن أحمد الورثنياني

(أبوحاتم الرازي)

(260 ـ 322 هـ)

    أحمد بن حمدان بن أحمد الورثنياني الليثي (أبوحاتم الرازي) من زعماء الاِسماعيليّة وكُتّابهم ، أوّل من ترجمه هو الصدوق في « تاريخ الري » حسب ما نقله ابن حجر في « لسان الميزان » ، قال :

    ذكره أبو الحسن ابن بابويه في « تاريخ الري » ، وقال : كان من أهل الفضل والاَدب ، والمعرفة باللغة ، وسمع الحديث كثيراً ، وله تصانيف؛ ثمّ أظهر القول بالاِلحاد وصار من دعاة الاِسماعيليّة ، وأضلّ جماعة من الاَكابر ومات في سنة

 

________________________________________

(286)

322 هـ . (1)

    و نقل صاحب الاَعيان عن الرياض ما هذا لفظه : كان من القدماء المعاصرين للصدوق ، له كتاب الرد على محمد بن زكريا الطبيب الرازي في الاِلحاد وإنكار النبوة. (2)

    وقال مصطفى غالب : كان داعياً كبيراً لبلاد الري وطبرستان وآذربيجان ، وقد استطاع أن يُدخل أمير الري في المذهب الاِسماعيلي وكان من كبار دعاة القائم بأمر اللّه ، ونوَكّد أنّه لعِب دوراً عظيماً في شوَون طهران والديلم والري ، السياسيّة ، فاستجاب لدعوته أعظم رجالات تلك البلاد ، وله موَلفات عظيمة منها :

    1 ـ كتاب « الزينة » : كتاب في الفقه والفلسفة الاِسماعيليّة.

    2 ـ « أعلام النبوة » : كتاب يبحث في الفلسفة الاِسماعيليّة.

    3 ـ « الاِصلاح » : كتاب يبحث في التأويل.

    4 ـ « الجامع » كتاب في الفقه الاِسماعيلي. (3)

    والحقيقة فإنّ أبا حاتم الرازي كان علماً من أعلام النهضة العلميّة عند الاِسماعيليّة ، وقد ساهم بنشر التعاليم الفلسفيّة في كافّة الاَقطار الشرقيّة ، وخاصّة في محيط الثقافة الاِسلاميّة العامّة ، وبالرغم من كلّ هذا فإنّه لم يَسلم من اضطهاد الاَعداء في الديلم ، وقد اضطر إلى الاختفاء في أواخر سني حياته ، ومات سنة 322 هـ بعد تولية القائم الفاطمي شوَون الاِمامة الاِسماعيليّة ، في بلاد المغرب ، وقد عمّر اثنين وستين عاماً ، كما قال بعض الموَرخين.

    كان معاصراً لاَبي بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور ، وصاحب

________________________________________

    1 ـ لسان الميزان : 1/164.

    2 ـ الاَمين العاملي : أعيان الشيعة : 2/583 ، ولم نعثر على النص في رياض العلماء المطبوع.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 186.

________________________________________

(287)

الآراء الفلسفيّة المعروفة ، التي خرج فيها على كثير من نظريات أرسطو الطبيعية والميتا فيزيائية ، منكراً التوفيق بين الفلسفة والدين ، معتقداً بأنّ الفلسفة هي الطريق الوحيد لاِصلاح الفرد والمجتمع.

    وقد دارت بينهما (أي بين الرازيين) مناقشات عنيفة ومتعددة ، حضرها بعض العلماء والروَساء السياسيين ، وقد دوّن أبو حاتم هذه المناقشات في كتابه « أعلام النبوة ». (1)

    وإليك كلاماً حول كتابه « أعلام النبوة » ، فالكتاب يصوّر لنا معركة فكريّة عقائديّة بين رازيين ، هما : أبو حاتم الداعي المتكلم الاِسماعيلي ، ومحمد بن زكريا الطبيب المتفلسف حيث تعددت اللقاءات بينهما ، ودار النقاش حول مواضيع شتى في جوانب الثقافة الاِسلاميّة ، من عقائد فلسفيّة وكلام وطب وصيدلة وهيئة ، وما إلى ذلك.

    إنّ اختلاف الرأي بين الرجلين في هذه الجوانب لم يكن إلاّ مظاهر متعددة لاختلاف أساسي واحد بينهما في الرأي حول العقل الاِنساني ، وتكليفه وحدود إمكانه من جانب ، والنبوّة والضرورة إليها من جانب آخر. (2)

    والكتاب جدير بالمطالعة وقد بدأ الموَلف كتابه بقوله :

    ناظرني « الملحد » في أمر النبوّة وأورد كلاماً نحو ما رسمه في كتابه الذي قد ذكرناه فقال :

    « من أين أوجبتم أنّاللّه اختصَّ قوماً بالنبوّة دون قوم ، وفضلهم على الناس ، وجعلهم أدلّة لهم ، وأحوج الناس إليهم؟ ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك ويشلي بعضهم على بعض ، ويوَكد بينهم العداوات

________________________________________

    1 ـ كتاب الرياض : 8 ـ 9 المقدمة بقلم عارف تامر.

    2 ـ أبو حاتم الرازي : أعلام النبوة : 4 ، المقدمة بقلم صلاح الصاوي.

________________________________________

(288)

ويكسر المحاربات ويهلك بذلك الناس؟! ». (1)

    ثمّذكر المناظرة.

    وترجمه ابنُ النديم في « الفهرست » ، وقال : وله من الكتب « كتاب الزينة » نحو 400 ورقة وكتاب « الجامع » وفيه فقه. (2)

 

2

محمد بن أحمد النسفي البردغي (النخشبي)

( ... ـ 331 هـ)

    كان كبير دُعاة خراسان وتركستان ، استطاع أن يدخل في المذهب الاِسماعيلي الكثيرين ، من أهل تلك البلاد ، اشتهر في تعمّقه بدراسة فلسفة المذهب الاِسماعيلي؛ ومن أشهر موَلفاته :

    1 ـ كتاب « المحصول » يتألّف من 400 صفحةجلّها في الفلسفة الاِسماعيليّة.

    2 ـ « كون العالم ».

    3 ـ كتاب « الدعوة الناجية ».

    4 ـ كتاب « أُصول الشرع » يبحث في الفقه الاِسماعيلي ، وفلسفة ما وراء الطبيعة.

    توفي هذا الداعي سنة 331 هـ . (3)

________________________________________

    1 ـ أبو حاتم الرازي : أعلام النبوة : 1 ، وطبع الكتاب في طهران عام 1397 هـ وترجمه خير الدين الزركلي و لم يأتي بشيء يذكر لاحظ الاَعلام : 1/119.

    2 ـ ابن النديم : الفهرست : 282.

    3 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيليّة : 186 ـ 187 ، وقد ذكره باسم عبد اللّه بن أحمد النسفي البردغي ، وجاء في مقدمة كتاب الرياض ، للكرماني ، باسم محمد بن أحمد النسفي ، والمقدمة لعارف تامر.

________________________________________

(289)

    يقول عارف تامر : إنّ أوّل جَدَل فَتح للاِسماعيليّة الآفاق الجديدة ، ظهورُ كتاب « المحصول » ، وهذا الكتاب وضع موضع التداول في بداية القرن الرابع الهجري ، وينسب إلى الداعي السوري الاَكبر « محمد بن أحمد النسفي » الذي كان له الفضل بتحويل مذهب الدولة السامانية في آذربيجان إلى الاِسماعيليّة ، وقد أُعدم سنة 331 هـ ، كما جاء في كتاب « الفرق بين الفرق » لموَلفه عبد القاهر البغدادي. (1)

    وقد ذكر ابن النديم في الفهرست أنّ النسفي خلف ، الحسين بن علي المروزي في خراسان ، الذي مات في حبس نصر بن أحمد ، و استغوى نصر بن أحمد وأدخله في الدعوة الاِسماعيليّة ، وأغرمه دية المروزي ، وزعم أنّه ينفذها إلى صاحب المغرب القيّم بالاَمر. فلحق نصر سقمٌ طرحه على فراشه ، وندم على إجابته للنسفي ، فأظهر ذلك ومات.

    فجمع ابنه نوح بن نصر الفقهاء وأحضر النسفي ، فناظروه وهتكوه وفضحوه ، فقتل النسفي ، وروَساء الدعاة ووجوهها من قواد نصر ، ممن دخل في الدعوة ومزقهم كل ممزق. (2)

 

3

أبو يعقوب السجستاني

( 271 ـ وكان حيّاً عام 360 هـ)

    أبو يعقوب إسحاق بن أحمد السجزي أو السجستاني ، ولد عام 271 هـ في سجستان ، وهي مقاطعة في جنوب خراسان يمتُّ بصِلة النسب إلى أُسرة فارسيّة ،

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : كتاب الرياض : 6 ، قسم المقدمة.

    2 ـ ابن النديم : الفهرست : 239.

________________________________________

(290)

وقيل أنّه من أصل عربي ، جاء جدُّه من الكوفة ، وقطن في سجستان.

    نشأ السجستاني في مدارس الدعوة الاِسماعيليّة في اليمن ، وأسهم مساهمة فعّالة في المناظرات العلميّة التي كانت تجري في ذلك العصر. (1)

    يقول عنه الكاتب الاِسماعيلي عارف تامر : يعتبر أبو يعقوب إسحاق السجستاني (السجزي) في طليعة العلماء الذين كرّسوا أنفسهم لوضع قواعد فلسفيّة كونيّة قائمة على دعائم فكريّة عقائديّة إسماعيليّة ، ونشرها وتعميمها في الاَقطار الاَُخرى ، حتى اتّهم في أواخر حياته ، بالكفر والاِلحاد ، من الجمهور ، ثمّ قتل أخيراً.

    وقد لعب السجستاني دوراً هامّاً في مجال الفلسفة في القرن الثالث للهجرة ، وقد ظهر أثره الفكري في تلميذه حميد الدين الكرماني (حجة العراقين) الذي سار على منهاجه ، ودعا إلى تعاليمه.

    عاصر الدعوة الاِسماعيليّة الباطنيّة في عصر الظهور أي ابان ازدهار الدولة الفاطميّة وظهورها كدولة إسلاميّة ذات كيان حضاري ، وعلمي ، واجتماعي ، وسياسي. (2)

    كتب كتاب « النصرة » الذي عارض فيه كتاب « الاِصلاح » الذي وضعه أبو حاتم الرازي في الرد على آراء النسفي التي وردت في كتابه « المحصول » وبذلك انتصر للنسفي على الرازي.

    وقام الكرماني إلى تأليف كتابه « الرياض » بتقريب وجهات النظر بين الدعاة المتجادلين (النسفي ، الرازي ، السجستاني).

    ترك السجستاني بعده موَلفات علميّة فلسفيّة عددها ينوف على الثلاثين

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : مقدمة الينابيع : 46.

    2 ـ عارف تامر : مقدمة كتاب الرياض : 10 ، نقل بتصرف.

(291)

ولعل أشهر كتبه :

    1 ـ كتاب النصرة ، 2 ـ كتاب الافتخار ، 3 ـ كتاب المقاليد ، 4 ـ كتاب مسيلة الاَحزان ، 5 ـ كتاب سلم النجاة ، 6 ـ كتاب سرائر المعاد والمعاش ، 7 ـ كتاب كشف المحجوب ، 8 ـ كتاب الوعظ ، 9 ـ كتاب أُسس البقاء ، 10 ، كتاب خزانة الاَدلة ، 11 ـ كتاب تآلف الاَرواح ، 12. كتاب تأويل الشريعة ، 13. كتاب أساس الدعوة ، 14. رسالة تحفة المستجيبين ، 15. كتاب الينابيع (1)

    وقد وقفنا من كتبه على كتاب ورسالة فالكتاب تحت عنوان « الينابيع » بتقديم وتحقيق مصطفى غالب ، نشره المكتب التجاري للطباعة في لبنان ـ بيروت عام 1965 م.

    و قد قسم السجستاني ينابيعه إلى أربعين يُنبوعاً ، جعل كلَّ ينبوع مشابهاً لحدِّ من الحدود الدينيّة ، المعروفة بالنظام الاِسماعيلي. ويظهر أنّه قد وضعه لطبقة خاصّة من الدعاة ، وأصحاب المراتب العليا في الدعوة ، وإلى الذين وصلوا في دراساتهم الفلسفيّة إلى الذروة.

    و أمّا الرسالة فهي رسالة « تحفة المستجيبين » طبعت ضمن خمس رسائل إسماعيليّة بتحقيق وتقديم عارف تامر عام 1375 هـ . كتبها لطبقة المستجيبين والطلاب الذين يرغبون في الاطلاع على الفلسفة الاِسماعيليّة ، أو الدخول في الدعوة الهادية.

    وقد ترجم له مصطفى غالب أيضاً في تاريخ الدعوة الاِسماعيلية ص 187.

 

ولادته ووفاته

    ذكر مصطفى غالب أنّه ولد سنة 271 هـ في سجستان ، ثمّ قال : وبعد اضطهاد مرير ، قُتل في تركستان عام 331 هـ .

________________________________________

    1 ـ مقدمة الينابيع : 47.

________________________________________

(292)

    غير أنّ الكاتب الاِسماعيلي عارف تامر يذكر خلاف ذلك ويقول : يذهب « ماسينيون » و « و.ايفانوف » إلى القول أنّه مات سنة 331 هـ ، ولكنّي أخالفهما في ذلك فالمعروف عن السجستاني أنّه كان أُستاذاً للكرماني ، والكرماني ظل عائشاً حتى سنة 411 هـ ، إذن متى أخذ الكرماني عنه علوم الدعوة؟ وهناك نص صريح في كتاب « الافتخار » للسجستاني يذكر فيه أنّه وضعه سنة 360 هـ ، وقد ورد ذكر كتاب « الافتخار » في كتاب « الرياض » للسجستاني نفسه ، أي أنّالسجستاني وضع كتاب « الرياض » بعدكتاب « الافتخار » أي سنة 360 هـ .

    وهذا يجعلنا نقول بل نوَكد : إنّ السجستاني كان داعياً في منطقة بخارى أيّام إمامة المعز لدين اللّه الفاطمي ، أي انّه كان معاصراً لجعفر بن منصور اليمني ، وللقاضي النعمان وغيرهما ، من كبار الموَلفين وعلماء الدعوة في ذلك العصر العلمي الزاهر. (1)

    وقال البغدادي عند البحث عن الباطنيّة : وظهر بنيسابور داعية لهم يعرف بالشعراني ، وقتل بها في ولاية أبي بكر بن الحجاج عليها ، وكان الشعراني قد دعا الحسين بن علي المروزي ، وقام بدعوته بعده محمد بن أحمد النسفي داعية أهل ماوراء النهر ، وأبو يعقوب السجزي المعروف بـ « بندانه » وصنف النسفي لهم كتاب « المحصول » وصنف لهم أبو يعقوب كتاب « أساس الدعوة » وكتاب « تأويل الشرائع » و « كشف الاَسرار » وقتل النسفي والمعروف بـ « بندانه » على ضلالتهما. (2)

    وقال خير الدين الزركلي : إسحاق بن أحمد السجزي أو السجستاني أبو يعقوب ، من علماء الاِسماعيليّة ودعاتهم يماني ، اشتهر في سجستان ، وقتل في تركستان ، له تصانيف منها « الينابيع » قالوا : إنّه أهمُّ كتبهم. (3)

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : مقدمة خمس رسائل إسماعيلية : 15 ـ 16.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 283.

    3 ـ خير الدين الزركلي : الاَعلام : 1/293.

________________________________________

(293)

4

أبوحنيفة النعمان

( ... ـ 363 هـ)

    قاضي القضاة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد التميمي ، واختلف في تاريخ ولادته ، فقال بعضهم : إنّها سنة 259 هـ وقال آخرون : إنّه ولد في العشر الاَخيرة من القرن الثالث.

    إتّصل في أوّل عهده بموَسس الدولة الفاطمية عبيد اللّه المهدي ، ورافق الدولة الجديدة خطوةً فخطوة ، وبعد وفاة المهدي ولاّه « القائم بأمر اللّه » قضاء طرابلس الغرب ، وفي عهد المنصور تولّى قضاء المنصورية ، وكان قضاوَه يشمل سائر المدن الاِفريقيّة ، مرجعاً لجميع القضاة حتى عهد المعز لدين اللّه الذي قرّبه إليه ، وأدناه من مجلسه ، فوضع فيه كتاب « المجالس والمسامرات ».

    ولما دخل المعز مصر ، كان معه « النعمان » وكان قاضياً للجيش ، فأصبح في مصر قاضياً للقضاة. (1)

    وكان محط ثقة المعز لدين اللّه ، جعله مستشاراً قضائياً له ، وساعد المعز في المسائل الخاصّة بالدعوة ، فقد وضع أُسس القانون الفاطمي ، وينظر إليه على أنّه المشرع الاَكبر للفاطميين. يقول رواة الفاطميين : إنّه لم يوَلف شيئاً دون الرجوع إلى المعز لدين اللّه ، ويعتبر أقوم كتبه كتاب « دعائم الاِسلام » أنّه من عمل المعز نفسه ، وليس من عمل قاضيه الاَكبر ، ولهذا كان هذا الكتاب هوالقانون الرسمي منذ عهد المعز حتى نهاية الدولة الفاطميّة ، كما يتضح ذلك من رسالة كتبها الحاكم بأمر

________________________________________

    1 ـ أعيان الشيعة : 10/223.

________________________________________

(294)

اللّه إلى داعيه باليمن ، بل لا يزال هذا الكتاب هوالوحيد الذي يسيطر على حياة طائفة البهرة في الهند ، وعليه المعول في أحوالهم الشخصيّة. (1)

    توفي النعمان أوّل رجب سنة 363 هـ فخرج المعز يبين الحزن عليه ، وصلّى عليه ، وأضجعه في التابوت ، ودفن في داره بالقاهرة (2) وذكر أحمد بن محمد بن عبد اللّه الفرغاني في « سيرة القائد جوهر » أنّه توفي في ليلة الجمعة سلخ جمادى الآخرة من السنة. (3)

    بلغت موَلّفاته نحواً من سبعة وأربعين كتاباً ، جمعت ألواناً شتى من العلوم في فقه ، وتأويل وتفسير ، وأخبار ، وفيما نقل ابن خلكان عن ابن زولاق : « انّه ألّف لاَهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف ».

    وهذه الموَلفات بعضها محفوظ ، وبعضها لا يوجد إلاّ بعض أجزائه وبعضها فُقد فلا يعرف إلاّاسمه ، وإليك أسماء بعض تلك الموَلفات :

    1 ـ جزء من كتاب شرح الاَخبار ، في مكتبة برلين.

    2 ـ دعائم الاِسلام ، وهذا الكتاب من أهم كتبه ، مطبوع.

    3 ـ تأويل دعائم الاِسلام ، مطبوع.

    4 ـ أساس التأويل ، مطبوع.

    5 ـ جزء من كتاب المجالس والمسافرات.

    6 ـ كتاب الهمة في اتّباع الاَئمّة.

    7 ـ إفتتاح الدعوة ، مطبوع.

    8 ـ الارجوزة المختارة ، مطبوع.

    9 ـ الطهارة.

________________________________________

    1 ـ دعائم الاِسلام : 1/12 ، قسم ا لمقدمة.

    2 ـ اتعاظ الحنفاء : 1/149.

    3 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/416.

________________________________________

(295)

    10 ـ التوحيدوالاِمامة. (1)

    11 ـ كتاب « الاقتصار » في الفقه ، مطبوع.

    12 ـ كتاب « الاَخبار » في الفقه أيضاً.

    13 ـ ابتداء الدعوة للعبيديين ، مطبوع في جزء.

    وقال عنه ابن زولاق في كتاب « أخبار قضاة مصر » : إنّه كان عالماً بوجوه الفقه ، وعلم اختلاف الفقهاء ، واللغة والشعر ، والمعرفة بأيّام الناس.

    إلى أن قال : وله ردود على المخالفين : له رد على أبي حنيفة ، وعلى مالك ، والشافعي ، وعلى ابن سريج ، وكتاب « اختلاف الفقهاء » ينتصر فيه لاَهل البيت ، وله العقيدة الفقهية لقبها بـ « المنتخبة ». (2)

 

النعمان إسماعيلي لا اثني عشري

    وقعت الشكوك حول مذهب النعمان وهل هو إسماعيليّ أو اثنا عشري؟ وبعد التتبع والاِمعان في الكتب التي تحت متناول أيدينا من آثار الموَلف ، وهي :

    1 ـ الدعائم.

    2 ـ تأويل الدعائم.

    3 ـ الاَُرجوزة المختارة.

    4 ـ أساس التأويل.

    5 ـ كتاب الاقتصار في الفقه.

________________________________________

    1 ـ أعيان الشيعة : 10/223.

    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/416. ومن أراد المزيد فليراجع المصادر التالية : معالم العلماء : 126؛ العبر : 2/117؛ دول الاِسلام : 1/224؛ سير اعلام النبلاء : 16/150؛ اتعاظ الحنفاء : 149؛ لسان الميزان : 6/167؛ شذرات الذهب : 3/47؛ رياض العلماء : 4/375؛ ريحانة الاَدب : 7/73؛ روضات الجنات : 8/147.

________________________________________

(296)

    6.رسالة افتتاح الدعوة.

    7 ـ الرسالة المذهبة.

    اتضح أنّ الرجل إسماعيلي لا اثنا عشري ، وإن كان محباً لاَهل البيت كثيراً ، ويتنزّه عن بعض العقائد المنحرفة عند الاِسماعيليّة. وقد ذكر في باب « ذكر منازل الاَئمّة » شيئاً عن أحوال الغلاة كما وذكرمعاملة علي معهم بالاِحراق ، إلى أن يقول : وكان في أعصار الاَئمّة من ولد علي مثل ذلك ما يطول الخبر بذكرهم ، كالمغيرة بن سعيد (لعنه اللّه) وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي ودعاته.

    إلى أن قال : ولعن أبو جعفر ، المغيرة وأصحابه ، ثمّ ذكر « أبا الخطاب » وعقيدتهم الاِباحيّة ، وأنّ أبا جعفر لعنه كل ذلك يدل على سلامة عقيدته في حقّ الاَئمّة (1).

    ومع ذلك كلّه فهو فقيه إسماعيلي اعتنق ذلك المذهب بعدما كان سنيّاً ، ولم يكن إمامياً اثني عشرياً.

    نعم ذكر المحدّث النوري ، أنّالرجل كان إماميّاً اثني عشريّاً ، وأنّ اقتصاره على الحديث عن الاَئمّة الست ، لاَجل ستر الاَمر وكتمان السر ، واستشهد على ذلك بوجوه غير مجدية نشير إلى بعضها :

    الاَوّل : قال ابن خلكان : كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل ، على مالا مزيد عليه ، وله عدّة تصانيف ـ إلى أن قال ـ : وكان مالكي المذهب ثمّ انتقل إلى مذهب الاِماميّة وصنف كتاب « ابتداء الدعوة للعبيدين ». (2)

    أقول : إنّ المراد من الاِماميّة من يعتقد بإمامة علي وأولاده ، سواء كان زيدياً أو إسماعيليّاً أو اثني عشرياً ، والاِسماعيليّة يصفون أنفسهم بالاِماميّة لقولهم بإمامة

________________________________________

    1 ـ لاحظ دعائم الاِسلام : 1/45 ، باب ذكر منازل الاَئمة.

    2 ـ وفيات الاَعيان : 5/415 برقم 766.

________________________________________

(297)

المنصوص عليهم؛ والذي يدل على ذلك أنّابن خلكان يذكر بعد قوله : « ثمّ انتقل إلى مذهب الاِماميّة » وصنف كتاب « ابتداء الدعوة للعبيديين » والمراد منه الدعوة « لعبيداللّه المهدي » موَسس الدولة الفاطميّة في المغرب ومصر.

    وأمّا ما نقله ابن خلكان عن ابن زولاق ، انّه قال : وللقاضي كتاب : « اختلاف الفقهاء » ينتصر فيه لاَهل البيت فليس دليلاً على ما يتبنّاه لاَنّ الفرق الثلاث كلّهم ينتمون إلى أهل البيت (عليهم السّلام).

    الثاني :

    1 ـ روايته عن أبي جعفر الثاني « الاِمام الجواد » (عليه السّلام) ، والرضا (عليه السّلام) ففي كتاب الوصايا عن ابن أبي عمير أنّه قال : كنت جالساً على باب أبي جعفر (عليه السّلام) إذ أقبلت امرأة ، فقالت : استأذن لي على أبي جعفر (عليه السّلام) ، فقيل لها : وما تريدين منه؟قالت : أردت أن أسأله عن مسألة ، قيل لها : هذا الحكم ، فقيه أهل العراق فاسأليه.

    قالت : إنّزوجي هلك وترك ألف درهم ، و كان لي عليه من صداق خمسمائة درهم ، فأخذت صداقي ، و أخذت ميراثي ، ثمّجاء رجل فقال لي : عليه ألف درهم وكنت أعرف له ذلك ، فشهدت بها.

    فقال الحكم : اصبري حتى أتدبر في مسألتك وأحسبها وجعل يحسب ، فخرج إليه أبو جعفر (عليه السّلام) وهو على ذلك ، فقال : ما هذاالذي تحرك أصابعك يا حكم؟ فأخبره فما أتم الكلام حتى قال أبوجعفر (عليه السّلام) : أقرت له بثلثي ما بيديها ، ولا ميراث له حتى تقضي.

    ثمّ ذكر المحدّث النوري : أنّ المراد من أبي جعفر هو الاِمام الجواد ، لاَنّ ابن أبي عمير لم يدرك الصادق فضلاً عن الباقر (عليه السّلام). (1)

________________________________________

    1 ـ النوري : المستدرك : 3/314 ، الفائدة الثانية.

________________________________________

(298)

    أقول : إنّالنسخة الموجودة عند المحدّث النوري كانت مغلوطة محرّفة ، وقد جاءت الرواية في كتاب دعائم الاِسلام في مصر بتحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، بالنحو التالي : عن الحكم بن عيينة (1) قال : كنت جالساً على باب أبي جعفر وذكر الحديث (2)

    والشاهد على أنّالجالس كان هو الحكم بن عتيبة لا ابن أبي عمير ما في متن الرواية حيث قيل لها : هذا الحكم فقيه أهل العراق.

    2 ـ انّه روى في كتاب الميراث عن حذيفة بن منصور قال : مات أخ لي وترك ابنته فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن عليّاً ـ صلوات اللّه علي هـ عن ذلك فسأله فقال : المال كلّه للابنة. (3) وقد تصفحنا كتاب الفرائض من الدعائم المطبوع بمصر فلم نعثر على الحديث. (4)

    3 ـ روى في كتاب الوقوف عن أبي جعفر محمد بن علي عليمها السّلام أنّبعض أصحابه كتب إليه أنّ فلاناً ابتاع ضيعة وجعل لك في الوقف الخمس الخ.

    وهذا الخبر مروي في الكافي و التهذيب والفقيه مسنداً عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الخ ، وعلي بن مهزيار من أصحاب الجواد والرضا عليمها السّلام لم يدرك قبلهما من الاَئمّة أحداً. (5)

    ما نقله عن علي بن مهزيار ، و رواه الكليني في كتاب الوصايا (6) ورواه

________________________________________

    1 ـ الصحيح ، ا لحكم بن عتيبة ، (47 ـ 115 هـ) وهو من مشاهير فقهاء عصر أبي جعفر الباقر (عليه السّلام). راجع رجال الكشي : 177 ، ورجال الطوسي : 86 برقم 6.

    2 ـ دعائم الاِسلام : 2/360 برقم 1309.

    3 ـ المستدرك : 3/314.

    4 ـ لاحظ الدعائم : 2/365 ـ 400.

    5 ـ المستدرك : 3/314.

    6 ـ الكافي : 7/36 برقم30.

________________________________________

(299)

الشيخ في التهذيب (1) ورواه الصدوق في الفقيه. (2)

    هذا في كتبنا وأمّا الدعائم ، فقد رواه في كتاب الصدقة ، بالنحو التالي :

    عن أبي جعفر محمد بن علي عليمها السّلام ، أنّه قال : تصدَّق الحسين بن علي بدار ، فقال له الحسن بن علي : تحوّل عنها.

    وعنه أنّ بعض أصحابه كتب إليه : أنّفلاناً إبتاع ضَيعةً فأوقفها ، وجعل لك في الوقف الخمس ... . (3)

    غير أنّالمتبادر من أبي جعفر بقرينة مضمون الحديث حيث يحكي فعل الحسن بن علي هو الاِمام الباقر (عليه السّلام) ، وهو في كتابه يكرر النقل عن أبي جعفر ويذكر اسمه بعده ، ويقول : محمد بن علي ، ومراده الاِمام الباقر (عليه السّلام).

    وعلى ذلك فالضمير في الحديث الثاني يرجع إلى الاِمام الباقر.

    نعم بقي هنا شيء وهو تقارب ما روي في الدعائم مع ما روي في جوامعنا في مضمون الخبر ، و هو قابل للتأمّل.

    4 ـ ذكر في الدعاء بعد الصلاة : و روينا عن الاَئمّة ، أنّهم أمروا بالتقرّب بعد كلّ صلاة فريضة ، إذا سلّم المصلي بسط يديه ورفع باطنهما ، ثم قال : اللّهمّ إنّي أتقرب إليك بمحمد رسولك ونبيك ، وبوصيّه علي وليّك ، وبالاَئمّة من ولده الطاهرين ، الحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ويُسمّي الاَئمة إماماً إماماً إلى أن ينتهي لاِمام عصره.

    ثمّ يقول : اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بهم. (4)

________________________________________

(1) 1 ـ التهذيب : 9/130 برقم 4.

    2 ـ الفقيه : 4/178 برقم 628.

    3 ـ دعائم الاِسلام : 2/344.

    4 ـ دعائم الاِسلام : 1/171.

________________________________________

(300)

    قال النوري : غير خفي على المنصف أنّه لو كان إسماعيلياً ، لذكر بعده إسماعيل بن جعفر بن محمد بن إسماعيل إلى إمام عصره المنصور باللّه والمهدي باللّه. (1)

    أقول : إنّه لم يذكر أسماءهم إمّا لكثرتهم ، أو لاِخفاء سرّهم كما ذكره في منظومته ، فيقول :

ولم يكن يمنعني من ذكرهموليس لي بأن أقول جهراًوهم على الجملة كانوا استتروابل دخلوا في جملة السوادحتى إذا انتهى الكتاب أجلهبمنه مفتاح قفل الدينفقام عبد اللّه وهو الصادق                 إلاّ احتفاظي بمصون سرّهمما كان قد أُدِّي إليَّ سِرّاو لم يكونوا إذ تولوا ظهروالخوفهم من سطوة الاَعاديوصار أمر اللّه فيمن جعلهأيّده بالنصر والتمكينمهدينا صلى عليه الخالق (2)

    إلى آخر ما ذكره ، ومراده من المهدي ، هو عبيد اللّه المهدي.

    إلى هنا تبيّن أنّه لا دليل على كون الرجل اثني عشرياً إلى آخر عمره ، أو كان اثني عشرياً ، وعدل عنها إلى الاِسماعيليّة.

    نعم بقي هنا شيء وهو أنّه ذكر في كتاب « الارجوزة المختارة » فرق الشيعة ، وردَّ على الرونديّة ، والزيديّة ، والجاروديّة ، والبتريّة ، والمغيريّة ، والكيسانيّة ، والكربيّة ، والبيانيّة ، والمختارية والحارثيّة ، والعباسيّة ، والرزاميّة ، ولم يذكر شيئاً ما عن الاِماميّة الاثني عشريّة.

________________________________________

    1 ـ المستدرك : 3/317.

    2 ـ الارجوزة المختارة : 192.

(301)

    و يقول :

وهذه أُصول قول الشيعةلاتّسع القول بغير فائدة          ولو حكيت معها فروعهو كانت الحجة فيه واحدة (1)

    وهذا من العجب ، مع أنّالاثني عشريّة ، من أشهر الفرق ، وهذا يدفعنا إلى القول ، بأنّه كان يميل إليها بعض الميل ، واللّه العالم.

 

نظرة في كتاب الدعائم

    نرى في كتاب الدعائم أنّقاضي القضاة حفظ السنة المرويّة عن طريق أئمّة أهل البيت ، وأنّه أكثر الرواية عن الصادقين عليمها السّلام ، غير أنّه لم تكن له صلة بعلماء المذهب الاثني عشري ، ولذلك خالفهم في نفس كتاب الاِرث في موارد عديدة :

    1 ـ ممّا روي عن علي أنّه قضى في رجل هلك ، ولم يخلّف وارثاً غير امرأته ، فقضى لها بالميراث كلّه. وفي امرأة هلكت ولم تدع وارثاً غير زوج لها ، فقضى له بالميراث كلّه.

    فزعم أنّه يخالف ظاهر نص الكتاب ، وثابت السنة. (2)

    2 ـ ما روي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه ، أنّهما قالا : لا يرث النساء من الاَرض شيئاً ، وإنّما تعطى المرأة قيمة النقض.

    قال : فهذا أيضاً لوحمل على ظاهره وعلى العموم ، لكان يخالف كتاب اللّه

________________________________________

    1 ـ الارجوزة المختارة : 236.

    2 ـ دعائم الاِسلام : 2/393.

________________________________________

(302)

جلّذكره ، والسنّة وإجماع الاَئمّة والاَُمة. (1)

    وما روي عن أئمّة أهل البيت ، في عدم إرث النساء من الاَرض ، مُخصص للقرآن والسنّة ، وليس مخالفاً؛ والمخالف هو المتباين.

    كما أنّ الردّ مازاد على الثمن والربع ، في الفرع الاَوّل إلى الزوج والزوجة ، لا يُعدّ مخالفاً للكتاب ، لاَنّالكتاب ساكت عن حكم مازاد على الفريضة.

    نعم نسب إليه المحدّث النوري ، أنّه ممّن يُحرّم المتعة ولكنّالوارد في النسخة المطبوعة خلافه ، قال القاضي : عن جعفر بن محمد ، أنّه قال : إذا تزوّج الرجل المرأة بصداق إلى أجل ، فالنكاح جائز ، ولكن لابدّأن يعطيها شيئاً قبل أن يدخل بها ، فيحل له نكاحها ، ولو أن يعطيها ثوباً أو شيئاً يسيراً ، فإن لم يجد شيئاً ، فلا شيء عليه ، وله أن يدخل بها ، ويبقى الصداق ديناً عليه. (2)

    و في خاتمة المطاف : من طالع كتبه التي أومأنا إليها ، يقف على أنّ الرجل فقيه إسماعيليّ ، يدافع عن المذهب ، وخلافة الخلفاء الفاطميين بحماس ، خصوصاً في كتابه « افتتاح الدعوة في ظهور الدعوة العبيدية الفاطمية ».

 

5

أحمد بن حميد الدّين بن عبد اللّه الكرماني

(352 ـ كان حيّاً سنة 411 هـ)

    حميد الدّين ، أحمد بن عبد اللّه الكرماني الداعي في عهد الحاكم باللّه (375 ـ 411 هـ) والملقّب بحُجّ ـ ة العراقين ، وكبير دعاة الاِسماعيليّة في جزيرة

________________________________________

    1 ـ دعائم الاِسلام : 2/396.

    2 ـ دعائم الاِسلام : 2/225 برقم 844.

________________________________________

(303)

العراق ، وصاحب التآليف العديدة في المذهب الاِسماعيلي وإثبات الاِمامة للفاطميين ، والردّ على مخالفيهم.

    « ظهر أثره وعظم شأنه في عهد الخليفة الفاطمي « الحاكم بأمر اللّه » وكان لقبه المشهور « حجّة العراقين » أي أنّه كان مسوَولاً عن شوَون الدعوة الثقافيّة في فارس والعراق ، وفي القاهرة كان مركزه كمقام (حجّة جزيرة) فهو أحد الحجج الاثني عشر ، المكلّفين بإدارة شوَون الدعوة الاِسماعيليّة في العالم ، ثمّاستخدم بعد ذلك كرئيس لدار الحكمة في القاهرة ، وهي الموَسسة الثقافيّة التي نستطيع أن نقول عنها : إنّها أوّل جامعة انشئت في العالم.

    وفد على القاهرة سنة 408 هـ ، بناءً على طلب المأمون افتكين الضيف داعي دعاة الدولة الفاطميّة في عهد الحاكم بأمر اللّه ، عندما حَمي وطيس المعارك الدينيّة ، وقامت الدعوات الجديدة وراج سوق البدع التي كانت تهدف إلى الغلو والانحراف عن واقع وأُسس الدعوة.

    ألّف كثيراً من الكتب أشهرها : « الرسالة الواعظة » في الردّ على الحسن الفرغاني ، القائل بإلوهيّة الحاكم بأمر اللّه ، و « البشارات » و « المصابيح » و « الرسالة المضيئة » و « المصابيح في إثبات الاِمامة » و « تنبيه الهادي والمستهدي » و « راحة العقل » و « الرسالة الدرّية » و « رسالة التوحيد في المعاد » و « الاَقوال الذهبية » و « تاج العقول » و « ميزان العقل » و « رسالة المعاد ». (1) وكتاب « الرياض في الحكم بين (الصادين) صاحبي الاِصلاح والنصرة » مطبوع ، إلى غيرها من الموَلفات.

    و قد ظلت سنة وفاته مجهولة بالرغم من وصول أكثر موَلفاته وآثاره إلينا.

    يقول الكرماني عن نفسه في مقدمة كتابه « راحة العقل » : وموَلفه حميد الدين ، أحمد بن عبد اللّه الداعي في جزيرة العراق وما وليها ، من جهة الاِمام

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : مقدمة كتاب الرياض : 16 ـ 21.

________________________________________

(304)

الحاكم بأمر اللّه أمير الموَمنين ، المنصوص عليه من جهة القائمين مقام الرسولصلّى الله عليه و آله و سلّم على ما بيّناه في كتبنا المعروفة بكتاب « المصابيح في الاِمامة » و « مباسم البشارات » و « الرسالة الكافية » وكتاب « تنبيه الهادي والمستهدي ». ألّفه في سنة إحدى عشرة وأربعمائة (411) في ديار العراق. (1)

    وهذا النصّ يدل على أنّه كان حيّاً في تلك السنة.

    فما ذكره ايفانوف ، من أنّه توفي بعد سنة 408 بقليل ليس تامّاً.

    وكتابه « راحة العقل » ، من أشهر موَلفاته ، وقد حاول فيه أن يوفّق بين الفلسفة اليونانيّة وما دانت به الاِسماعيليّة. وقد ذكرنا شيئاً من خصوصيات كتابه عند البحث عن عقائد الاِسماعيليّة.

    يقول محقق الكتاب : يُعد الكرماني بحق شيخ فلاسفة الاِسماعيليّة فنحن نعلم أنّالدعاة قبله كانوا مختلفين أشدَّ الاختلاف في مسائل كثيرة ، فالداعي النخشبي وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب ، وجاء بعده أبو حاتم الرازي فوضع كتاب « الاِصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه ، ثمّ جاء أبو يعقوب السجستاني أُستاذ الكرماني فانتصر للنخشبي ، وخالف أبا حاتم ، ثمّجاء الكرماني الذي استطاع أن يوفّق بين آراء شيخه ، وبين آراء أبي حاتم ، ولا نكاد نجد خلافاً يُذكر بين علماء الدعوة الاِسماعيليّة في فلسفة المذهب ، بعد أقوال الكرماني ، وإن كنّا نجد خلافاً شديداً بينهم في المسائل التأويليّة ، لاَنّ التأويل شخصي يختلف باختلاف الداعي ، وكل كتب الدعاة بعد الكرماني تتفق مع ما ورد في كتاب « راحة العقل ». (2)

    وقد ترجمه مصطفى غالب في كتابه « تاريخ الدعوة الاِسماعيليّة » ضمن ترجمة سيرة الحاكم باللّه ، وأنهى كتبه إلى 33 كتاباً ، وذكر منها كتاب « الاِصابة في

________________________________________

    1 ـ راحة العقل : 20 ، مقدمة التحقيق للدكتور كامل حسين ، ومحمد مصطفى حلمي.

    2 ـ المصدر السابق : 17.

________________________________________

(305)

تفضيل علي على الصحابة ». (1)

    كما وترجمه خير الدّين الزركلي ، ولم يأت بشيء جديد. (2)

 

6

الموَيّد في الدين

(حدود 390 ـ 470 هـ)

    هبة اللّه بن موسى بن داود الشيرازي ، الموَيّد في الدّين ، داعي الدعاة من زعماء الاِسماعيليّة. ولد بشيراز سنة 390 هـ ونشأ وتعلّم فيها ، وكان له و لاَبيه دورٌ هامٌّ في بث الدّعوة الفاطميّة.

    وغادر مدينته خوفاً من السلطان أبي كاليجار فخرج متنكراً إلى الاَهواز سنة (329 هـ) ثمّ توجّه إلى حلّة منصور بن الحسين الاَسدي. وتوجه إلى مصر ، فخدم المستنصر الفاطمي ، في ديوان الاِنشاء وتقدّم إلى أن صار إليه أمر الدّعوة الفاطميّة (سنة 450 هـ)و لقب بداعي الدعاة ، وباب الاَبواب. ثمّنُحّي وأُبعَد إلى الشام ، وعاد إلى مصر فتوفي بها ، عن نحو ثمانين عاماً ، وصلّ ـ ى عليه المستنصر.

    و قيل : إنّه استطاع أن يدخل الملك أبي كاليجار في المذهب الاِسماعيليّ ، كما أدخل غيره من الوزراء و الاَُمراء ، وكان يفحمهم ويقنعهم بغزارة علمه ، وشدّة معرفته ، في أُصول العقائد الاِسماعيليّة ، وخاصّة نبوغه في علم التأويل الذي ترتكز عليه العقائد الفلسفيّة الاِسماعيليّة.

    عظم أمر الموَيد ، في تلك البلاد فسارت سيرته في الآفاق ، ولقد استدعي إلى بيت الدعوة في مصر ، نحو عام 438 ، ليلقي بعض المجالس التأويليّة ،

________________________________________

    1 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 241 ـ 243.

    2 ـ خير الدين الزركلي : الاَعلام : 1/156.

________________________________________

(306)

وليتدرب التدريب النهائي على يدي الاِمام ، فوصل القاهرة ودخل القصر معززاً مكرماً. (1)

    و له تصانيف عديدة منها :

    1 ـ المرشد إلى أدب الاِسماعيليّة.

    2 ـ المجالس الموَيديّة.

    3 ـ السيرة الموَيديّة.

    4 ـ ديوان الموَيد في الدّين.

    5 ـ أساس التأويل ، كتبه بالفارسيّة ترجمه عن العربيّة ، وأصل الكتاب للقاضي النعمان. (2) 6 ـ شرح العماد.

    7 ـ جامع الحقائق في تحريم اللحوم والاَلبان.

    8 ـ القصيدة الاسكندريّة.

    9 ـ تأويل الاَرواح.

    10 ـ نهج العبادة.

    وله قصيدة يذكر فيها حديث غدير خم نقتطف منها هذه الاَبيات :

لو أرادوا حقيقة الدّين كانواو أتت فيه آيةُ النصّ بلغذاكم المرتضى عليٌّ بحقأهلُ بيت عليهم نزل الذكرهم أمان من العمى وصراط          تبعاً للذي أقام الرسولُيوم « خم » لمّا أتى جبريلفبعلياه ينطق التنزيلوفيه التحريم والتحليلمستقيم لنا وظل ظليل

________________________________________

    1 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 250.

    2 ـ خير الدين الزركلي : الاَعلام : 8/75.

________________________________________

(307)

    كما وتوجد ترجمة له بقلمه ، في كتاب أفرده في سيرته بين سنة 429 وسنة 450 ، و هو المصدر الوحيد للباحثين عن ترجمته ، طبع بمصر في 184 صفحة. وللاَُستاذ محمد كامل حسين المصري ، بكلّية الآداب ، دراسة ضافية حول حياة المُترجَم ، بحث عنها من شتّى النواحي في 186 صفحة ، وجعلها مقدمة لديوانه المطبوع بمصر ، ففي الكتابين غنى ، وكفاية عن التبسط في ترجمة الموَيد. (1)

 

7

ناصر خسرو (الرحالة المعروف)

(394 ـ 481 هـ)

    ناصر بن خسرو ، من أحفاد الاِمام علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) ، ولد في ذي القعدة عام 394 هـ في قصبة (قباذيان) من أعمال بلخ ، وتوفي عام 481 هـ ، وهو خراساني الاَصل ، بلخي المنشأ.

    و كانت أُسرته من الاَُسر الغنيّة ، وقد اهتمّ والد المترجم بتربية ابنه وتعليمه ، فحفظ القرآن وهو لم يبلغ بعدُ التاسعة من العمر ، ودرس اللغة العربيّة وآدابها ، والعلوم الاِسلاميّة ، وعلوم النجوم والفلك والحساب والهندسة والجبر وتضلع في الفلسفة ، إلى أن أُطلق عليه الحكيم.

    وكان شاعراً فحلاً في اللغة الفارسيّة ، وكان رحّالاً ، ترك الاِقامة في موطنه واعتزم القيام برحلات في بعض الاَمصار ، قاصداً فيها مكّة ، يرافقه أخوه أبو سعيد خسرو العلوي ، وغلام هندي ، فقد شرع برحلته في شهر شعبان عام 437 هـ فترك مرو وسافر إلى إقليم آذربيجان مارّاً بنيسابور ، فدامغان ، فسمنان ، فالري ، فقزوين ،

________________________________________

    1 ـ الاَميني : الغدير : 4/304 ـ 312.

________________________________________

(308)

ثمّ تبريز ، وقد وصلها في عشرين صفر عام 438 هـ ، وبعد أن أتمّ رحلته عام 444 هـ ، وقد بلغ من العمر 50 عاماً ، وقطع في رحلته هذه التي طالت سبع سنوات ، مسافة 2220 فرسخاً ـ وبعد أن ـ ساقه القضاء إلى مصر ، وتوطّدت الصلة بينه وبين الخليفة الفاطمي بمصر ، المستنصر باللّه ، أبو تميم معد بن علي ، الذي حكم مصر من سنة 427 هـ إلى سنة 478 هـ ، وقد أثرت فيه دعوتهم له ، فاعتنق مذهبهم على يد أحد حُجّاب الدعوة في القاهرة ، وسمّاه بالباب واجتاز المقامات ، والدرجات الخاصّة بكبار قادة هذا المذهب ، حتى بلغ درجة الحُجّة ، واعتبر أحد الحجج الاثني عشر ، في إحدى الجزر الاثني عشر ، حسب تقسيمات الفاطميين.

    وعاد إلى بلخ ، وصار بينه وبين علماء المذهب السني نقاش ومعارضة ، إلى أن هرب من بلخ قبيل سنة (453 هـ) ، فلم يزل ينتقل من مدينة إلى مدينة ، إلى أن انتهى به المطاف سنة (456 هـ) إلى مدينة « غاريمكان » الواقعة قرب مدينة بدخشان ، وأقام فيها مختفياً إلى أن وافاه الاَجل عام (481 هـ) فدفن هناك ، وقبره اليوم مزار للاِسماعيليّين.وقد ترك آثاراً كثيرةً نشير إلى بعضها :

    1 ـ « زاد المسافرين » الذي انتهى منه في سنة 453 هـ ، وهو من أضخم موَلفاته.

    2 ـ « وجه دين » في عقائد الاِسماعيليّة.

    3 ـ « خوان اخوان ».

    4 ـ « دليل المتحيّرين » الذي أراد أن يثبت فيه أحقّية المذهب الفاطمي.

    5 ـ إكسير أعظم في المنطق ، أو الفلسفة.

    6 ـ « رسالة المستوفي » في الفقه الاِسماعيلي. (1)

________________________________________

    1 ـ أعيان الشيع ـ ة : 10/202 ـ 204 ، من أراد المزيد فليراج ـ ع المصادر التالية؛ رياض العلماء : 5/232؛ مستدركات علم رجال الحديث : 8/55؛ طبقات أعلام الشيعة : 2/198؛ الذريعة : 21/15؛ معجم الموَلفين : 13/70.

________________________________________

(309)

8

محمد بن علي بن حسن الصوري

من علماء القرن الخامس

ولد في مدينة صور ، وعاش رَدْحاً من الزمن في مدينة طرابلس ، داعيّاً للفاطميين. هبط القاهرة في عهد الاِمام المستنصر باللّه الفاطمي (427 ـ 487 هـ).

    صنّف قصائد كثيرة ورسائل عديدة ، أشهرها « التحفة الظاهرة » و « نفحات الاَئمّة » وقد رجّح عارف تامر ، أنّه مات في حصون الدعوة الاِسماعيليّة الصوريّة بجبال « السماق » بعد تعيينه داعية للمذهب الاِسماعيلي فيها من قبل الاِمام « المستنصر باللّه ».

    و من أبرز تأليفاته ، القصيدة الصورية ، وقد ألّفها في عصر ازدهر فيه الاَدب ، وبرز إلى ميدان العلم والاَدب ثلّة من العلماء ، والاَُدباء ، الذين قَدَّموا للمكتبة الاِسلامية العديد من الموَلفات ، وجادت قرائح الشعراء بالشعر العربي الفاطمي ، الذي كان في ذلك العصر وسيلة من وسائل الدّعاية الدينيّة ، وداعياً للتعبير عن التعاليم الفلسفيّة وتعدُّ القصيدة الصورية من أقدم المصادر عن الاِسماعيليّة ، ومن أهم الرسائل المعبَّرة عن العقائد الاِسماعيليّة ، أو بالاَحرى ، من الرسائل التي تُشّكل عنصراً هامّاً في العقائد الباطنيّة ، ومرجعاً يرجع إليه عند اختلاف وجهات النظر ، ولذلك فقد تناقلتها الدعاة وحافظوا على سرّيتها وعدم تسرّبها.

    وإليك مقاطع من قصيدته يشير فيها إلى تلك العقائد الباطنيّة ، منها :

    1 ـ انّ الاَسماء والصفات ليس للّه سبحانه ، بل للمبدأ الاَوّل :

 

________________________________________

(310)

والعلم بالتوحيد أسمى العلمفكلّما يجري على اللسانوسائر الاَسماء والصفات             فاصغ لما قد نال منه فهميمن سائر الاَفكار والاَديانللمُبدع الاَوّل لا للذات

    2 ـ توحيده سبحانه :

وسائل يسأل هل هو واحدقلنا له الواحد مبدأ للعددوالاَحد المبدع وهو الاَزلأوّل من قام بتوحيد الاَحدوصار للاَعداد أصلاً صدرت                   أم أَحدُ حتى يصح الشاهدوالاَحد المبدي له الفرد الصمدوالواحد المبدع وهو الاَوّلودلّ بالعلم عليه من جحدعنه ومنه انبجست إذ ظهرت (1)

   

9

إبراهيم بن الحسين الحامدي

( ... ـ 557 هـ)

    إبراهيم بن الحسين الهمداني الحامدي : من دعاة الاِسماعيليّة وعلمائهم في اليمن ، عاصر الدّولة الصليحيّة فحينما قرّرت السيدة الحرّة أروى ـ من أميرات الدّولة الصليحيّة ـ أن تُفصل الدعوة عن الدّولة فصلاً تامّاً ، عقدت موَتمراً لكبار السلاطين والدّعاة لانتخاب من يتولّى رئاسة الدّعوة ، فوقع الاختيار على الداعي الذوَيب بن موسى الوادعي الهمداني (520 ـ 536 هـ) (2) ليتولّى هذه المهمّة.

________________________________________

    1 ـ القصيدة الصورية : 17 ، قسم المقدمة.

    2 ـ كذا في المصدر ، ولعلّ في التاريخ تصحيف.

(311)

    وبعد أُفول نجم الدّولة الصليحيّة بوفاة السيّدة الحرّة. أصبحت الدّعوة منظّمة دينيّة بحتة يرأسها الداعي ذوَيب بن موسى ، ومن الطبيعي حسب ترتيبات الدّعوة الاِسماعيليّة أن يختار من بين الدعاة داعياً مأذوناً له يساعده في أعماله ، فاختار إبراهيم بن الحسين بن أبي السعود الحامدي الهمداني ، وهو من كبار الدعاة العلماء الذين أوجدتهم مدارس الدّعوة الاِسماعيليّة المستعلية الطيبية في اليمن.

    و لمّا توفي الذوَيب خلفه مأذونه إبراهيم داعياً مطلقاً للاِمام المستور ، الطيّب ابن الآمر في اليمن وما جاورها من البلاد والهند والسند وذلك سنة 536 هـ . وجعل الشيخ علي بن الحسين بن جعفر الانف القريشي العبثمي ، مأذوناً له ، فكان له معاضداً على أمره ، قائماً بنشر الدّعوة في سرّه وجهره ، ولم يعمّر علي بن الحسين طويلاً فقد وافته المنية في سن ـ ة 554 هـ ، فاستعان الحامدي بابنه حاتم ، حيث اتخذه مأذوناً له ، ونقل مقرّه إلى صَنعاء ، ثمّ أعلن عدم تدخله في سياسة الدولة ، وواظب على دراسة العلوم ، ونقل التراث العلمي الاِسماعيلي ، وجمعه وتدريسه للدعاة التابعين لمدرسته ، ووزّع الدعاة في بلاد اليمن والهند والسند ، وفيه يقول الشاعر الحارثي :

أبا حسن أنقذت بالعلم انفسافجوزيت بالحسنى وكوفيت بالمنىعمرت بصنعا دعوة طيبية                 وأمّنتها من طارق الحدثانودمت سعيداً في أعزّ مكانجعلت لها أسّاً وشُدت مباني

    من كتبه : « كنز الولد » و « الابتداء والانتهاء » و « كتاب تسع وتسعين مسألة في الحقائق » و « الرسائل الشريفة في المعاني اللطيفة ».

    وفي عهد هذا الداعي الاَجل تعرضت الدّعوة المستعليّة الطيبية إلى هزّات عنيفة قاسيّة ، لاَنّ ملوك آل زريع في عدن مالوا إلى الدعوة المستعليّة المجيديّة ،

 

________________________________________

(312)

التي أخذت تنتشر بقوّة في أنحاء اليمن حتى أصبح لها دعاة نشيطون في قلب تنظيمات الدّعوة الطيبية ، وفي معاقلها ، كحراز ، ونجران ، واليمن الاَسفل ، وكذلك أعلن ملوك همدان الياميون في صنعاء ، وبلاد همدان ، عن تنصّلهم من جميع الدّعوات والمذاهب.

    و مع كلّ هذا فقد ظلّ الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، على إخلاصه للدّعوة الطيبية ، مواصلاً نشاطه حتى توفّاه اللّه في صنعاء ، في شهر شعبان سنة 557هجرية. (1)

    وقد طبع للمترجم له كتاب « كنز الولد » بتحقيق مصطفى غالب عام 1391 هـ نشرته جمعيّة المستشرقين الاَلمانيّة ، والكتاب يتألف من أربعة عشر باباً ، وقد استهل المقدّمة على عادة كتّاب العصر ، بالاستعانة والتوكل ، والشهادة ، والسلام ، ثمّ يذكر موضوع الكتاب والاَسباب الداعيّة لتأليفه.

    قال : واعلم هداك اللّه لاَوضح المسالك ونجّاك عن المهالك ، أنّ لكلّ رابع من الاتماء قوّة وتأييداً ، واستطالة وتشديداً. ولكلّ سابع ، أعظم وأعلى وأقوم ، يقوم مقام النطق ، ونحن في دور سابع الاَشهاد ، المتوجّه نحوه ملاحم آبائه وأجداده ، والاشارات والرموز في أسانيدهم. والبشارات الموصوفة بالبركات والنعم والخيرات بظهور العلوم والمعجزات ، وإشراق النور ، وبنبوع الاَنهار ، وأزهرار الاَشجار ، بالخضرة والنوّار ، حتى تتصل أنواره بنور القائم (عليه السّلام) على أتمّ تمام وأحسن نظام. (2)

    و يظهر منه أنّ الاِمام السابع يقوم مقام النطق ، أي يكون مع كونه إماماً ، رسولاً ناطقاً فعليه يكون محمد بن إسماعيل مع كونه إماماً سابعاً ، رسولاً ناطقاً ، بادئاً للدور السابع ، وأمّا عدّ نفسه بأنّه في دور سابع الاَشهاد ، مع أنّه كان في

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : كنز الولد : 31 ـ 33 ، قسم المقدمة؛ الزركلي : الاَعلام : 1/36.

    2 ـ الحامدي : كنز الولد : 5.

________________________________________

(313)

الدور الثامن ، لاَنّ الدّور السابع ليس لمدّته أمد محدود ، كما صرّح به في كتاب « الاِمامة في الاِسلام ». (1)

    وأمّا فهرس أبواب كتابه هذا ، فهي :

    الباب الاَوّل : في القول على التوحيد ، من غير تشبيه ولا تعطيل.

    الباب الثاني : في القول على الاِبداع الذي هو المبدع الاَوّل.

    الباب الثالث : في القول على المنبعثين عن المبدع الاَوّل معاً ، وتباينهما.

    الباب الرابع : في القول على المنبعث الاَوّل القائم بالفعل. وما ذلك الفعل؟

    الباب الخامس : في القول على المنبعث الثاني القائم بالقوّة. وما سبب ذلك؟

    الباب السادس : في القول على الهيولى والصورة وما هما في ذاتهما ، وسبب تكثفهما وامتزاجهما؟

    الباب السابع : في القول على ظهور المواليد الثلاثة : المعدن ، والنبات ، و الحيوان.

    الباب الثامن : في القول على ظهور الشخص البشري أوّلاً ، وفي كلّ ظهور بعد وفاء الكور.

    الباب التاسع : في القول على ظهور الشخص الفاضل من تحت خط الاعتدال.

    الباب العاشر : في القول على الارتقاء والصعود إلى دار المعاد إن شاء اللّه تعالى.

    الباب الحادي عشر : في القول على معرفة الحدود العلوّية والسفليّة.

    الباب الثاني عشر : في القول على الثواب والارتقاء في الدرج إلى الجنّة الدانية والعالية ، إن شاء اللّه.

    الباب الثالث عشر : في القول على اتصال المستفيد بالمفيد وارتقائه إليه واتّصاله به.

    الباب الرابع عشر : في القول على العذاب بحقيقته وكيفيته نعوذ باللّه منه.

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 155.

________________________________________

(314)

10

علي بن محمد الوليد

(522 ـ 612 هـ)

    « علي بن محمد الوليد الاَنف العبشي القرشي » الداعي المطلق الخامس للاِسماعيليّة المستعليّة في اليمن ، المولود سنة 522 هـ والمتوفى سنة 612 هـ ، والمنحدر من أُسرة عربيّة عريقة ، كان لها شأن في مجالات الاَدب والفلسفة ، وقد لعب دوراً أدبيّاً فلسفيّاً هامّاً ، في القرن السادس الهجري ، وبالرغم من المصادر القليلة عن تاريخ حياته ، إلاّ انّه يمكننا القول بأنّه ينحدر من أُسرة معروفة بإخلاصها للاَئمّة الفاطميين. يدلنا على ذلك والده الذي كان يلقب (بالاَنف) تيمّناً بأبرز عضو في وجه الاِنسان.

    و لقد كان الداعي يتمتع بسمعة طيبة وعلم وافر فقد تحسنت أُمور الاتباع وأقبلوا عليه من كل حدب وصوب لسماع محاضراته والتزّود من علومه والدراسة عليه وأيده السلاطين والاَُمراء من همدان و جعل مقره مدينة صنعاء حيث اعتكف على الدراسة والتصنيف وكتابة الكتب والرسائل والمقالات التي يدافع فيها عن الدعوة ويشرح عقائدها ومعارفها الفكرية

    وكان علي بن الوليد أيضاً من الشعراء البارزين ، ففي ديوانه القوافي العذبة والتأملات ، التي تدلّ على عراقته بفن الشعر :

ما العمر إن طال للاِنسان أو قصراولا حياة الفتى تُغني إذا هو لمْفإن يمتْ جاهلاً ماذا أُريد به              بنافع في غد أو دافعٍ ضرراًيكن بها قاضياً في دينه وطرافبالحقيقة في الدارين قد خسرا

 

 

________________________________________

(315)

    أمّا موَلفاته فنشير إلى بعض منها :

    1 ـ « تاج العقائد ومعدن الفوائد ». يتضمن مائة مسألة في معتقدات مذهب الاِسماعيليّة.

    2 ـ « دافع الباطل وحتف المناضل » ألفه رداً على كتاب « المستظهري ».و هو أوّل كتاب ردٍّ للغزالي على الباطنيّة.

    3 ـ « مختصر الاَُصول » ويشمل شرح المقالات وكيفية انقسامها والردّ على الفلاسفة وبعض الفرق.

    4 ـ رسالة « نظام الوجود في ترتيب الحدود ».

    5 ـ رسالة « الاِيضاح والتبيين في كيفية تسلسل ولادتي الجسم والدين ».

    6 ـ رسالة « تحفة المرتاد وغصَّة الاَضداد » في الرد على الفرقة المجيدية وإثبات إمامة الطيب بن الآمر وذكر تسلسل الاِمامة.

    7 ـ « لبَّ الفوائد وصفو العقائد » في المبدأ والمعاد. (1)

    8.ديوان شعر وفيه أشعاره في الردّ على المخالفين وفي مدائح الاَئمة.

    و كان وفاة هذا الداعي يوم الاَحد السابع والعشرين من شهر شعبان سنة 612 هـ عن عمر ناهز التسعين عاماً ودامت أيام دعوته ست سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيّام.

    وقد أخذنا شيئاً من عقائدهم من كتاب « تاج العقائد » الذي يُعد أوضح كتاب وضع في بيان عقائد تلك الطائفة ، والكتاب واضح العبارة جداً ، بعيد عن الانحراف والاعتساف ، إلاّ ما ندر ، وهو يدل على أنّ طائفة الاِسماعيليّة القاطنة في اليمن كانوا بمعزل عن كثير من الزلاّت المشاهدة عند غيرهم.

________________________________________

    1 ـ تاج العقائد ومعدن الفوائد : 7 ـ 9 ، المقدمة ، تحقيق عارف تامر.

________________________________________

(316)

________________________________________

(317)

الفصل الرابع عشر

في

التنظيمات السرّية الاِسماعيلية

 

________________________________________

(318)

________________________________________

(319)

التنظيمات السرّية الاِسماعيلية

    إنّ طابَع الاَقلّية يستدعي امتلاك تنظيمات سرية يسودها التكاتف والتعاون لتصمد أمام العواصف التي تهددهم من جانب الاَكثرية ، ولولا ذلك لتفكّكت وانفصمت عرى حياتهم ولانصهر كيانهم المستقل.

    ظهرت الاِسماعيلية على مسرح الحياة في زمان ساده روح العداء لاَهل البيت (عليهم السّلام) وأتباعهم ، وكانت الشيعة قذى في عيون الخلافة العباسية ، لما يسودها من روح العصيان على السلطة والخروج عليها.

    هذا وما شابهه صار سبباً لدخول أئمتهم في كهف الاستتار والتقية وإحداث تنظيمات سرية في مختلف الاَدوار لتكون حصناً حصيناً لهم ولاَتباعهم ، وقد ذكر التاريخ شيئاً كثيراً من تنظيماتهم ومخططاتهم المبتكرة والتي قلّما يشهد التاريخ لها من مثيل.

    وهذا الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب يشرح لنا الصورة الدقيقة عن التنظيمات السرية في أدوار الستر وفي عهد الدولة الاِسماعيلية في مصر والمغرب حيث يقول :

    إذا أردنا أن نقارن تلك التنظيمات مع أحدث التنظيمات والتخطيطات الدعاوية العصرية المعروفة اليوم ، لتبين لنا انّ الاِسماعيليين كان لهم القدح المعلّى في هذا المضمار ، من حيث ابتكار الاَساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقائدهم الصميمة ، وتظهر عبقريتهم بوضوح من جهة البراعة في تنظيم أجهزتهم الدعاوية ـ في قلّة الوسائل في تلك الاَيام ـ ممّا جعلهم يستطيعون الاِشراف بسرعة فائقة على تنسم أخبار أتباعهم في الاَبعاد المتناهية ، وذلك بما

 

________________________________________

(320)

ابتكروا من أساليب وأحدثوا من وسائل ، وقد كان للحمام الزاجل الذي برع في استخدامه الدعاة ، أثره الفعّال في نقل الاَخبار والمراسلات السرية الهامة.

    ولقد كان الاِمام الاِسماعيلي الذي يعتبر رئيس الدعوة قد وفق بين جهاز الدعاية الذي نظّمه خير تنظيم ، وبين نظام الفلك ودورته ، وجعل العالم الذي كان معروفاً في تلك الاَيام مثل السنة الزمنية ، فالسنة كما هو معروف مقسمة إلى اثني عشر شهراً ، ولذلك يجب أن يقسم العالم إلى اثني عشر قسماً ، أطلق على كل قسم اسم (جزيرة)و جعل على كل جزيرة من هذه الجزر داعياً ، هو المسوَول الاَوّل عن الدعاية فيها ، ولقب بـ (داعي دعاة الجزيرة) أو بـ (حجة الجزيرة). وقال : إنّ الدعوة لا يمكن استقامتها إلاّ باثني عشر داعياً يتولون إدارتها ، فكان الاِمام ينتخب الدعاة من ذوي المواهب الخارقة ، والقدرة الفائقة في بث الدعوة والعمل على نشرها بين مختلف الطبقات وقد جعل الدعاة من (حدود الدين) إمعاناً في إسباغ الفضائل عليهم ، ليتمكنوا من نشر الدعوة وتوجيه الاَتباع دونما أيّة معارضة أو مخالفة ، لاَنّ مخالفتهم ومعارضتهم تعتبر بنظر الاِمام مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الاِمام نفسه ، لاَنّهم من صلب العقيدة وحدودها.

    و لمّا كان الشهر ثلاثون يوماً لذلك كان لكل داعي جزيرة ثلاثون داعياًنقيباً لمساعدته في نشر الدعوة ، وهم قوته التي يستعين بها في مجابهة الخصوم ، وهم عيونه التي بها يعرف أسرار الخاصة والعامة ، فكانوا بمثابة وزارئه ومستشاريه في كلّ ما يتعلّق بجزيرته.

    ولمّا كان اليوم أربع وعشرين ساعة ، اثنتي عشر ساعة بالليل ، واثنتي عشر ساعة بالنهار ، وجب لكلّ داع نقيب أربعة وعشرين داعياً ، منهم اثني عشر داعياً ظاهراً كظهور الشمس بالنهار ، واثني عشر داعياً محجوباً مستتراً استتار الشمس بالليل. وبعملية حسابية بسيطة نجد انّعدد الدعاة الذين بثهم الاِمام الاِسماعيلي في العالم كان حوالي 8640 داعياً في وقت واحد.

(321)

التنظيمات السّرية للدعوة الاِسماعيليّة النزارية

    ولما انتقلت الدعوة الاِسماعيلية النزارية إلى فارس ، أجرى الاِمام النزاري بعض التعديلات ، وأوجد تنظيمات تتناسب مع ظروفه وعصره وهي على قسمين :

    1 ـ القسم الخاص بالدعاية الدينية والذي ظل قريب الشبه من النظام السابق ، ولو انّ عدد الدعاة تقلص ونقص ، لاَنّ الاِمام النزاري جعل رتبة (الشيخ) في دعوته بدلاً من رتبة (داعي الدعاة) وعيّ ـ ن في كلّ منطقة من المناطق الاِسماعيلية له نواباً ، وألحق بهوَلاء النواب عدداً غير محدود من الدعاة الذين كانوا يدعون الناس للمذهب الاِسماعيلي النزاري.

    2 ـ أمّا القسم الثاني فهو خاص بالفدائية والجيش ، وهوَلاء كانوا يتبعون مباشرة مركز الاِمامة أو نائب الاِمام في قطره ، ويتلقّون الاَوامر والمهمات السرية منه مباشرة.

    وكانت الفدائية على ثلاث درجات :

    أوّلا : الرفاق أو المقدمون : وهم قادة الجيش والفدائية ولهم مهمّة الاِشراف على التدريب ، و السهر على تنفيذ المهمات العسكرية وغير العسكرية.

    ثانياً : مرتبة الفدائيين الذين ينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والاِقدام والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة فيكلفَّون بالتضحيات الجسدية ، وبتنفيذ أوامر الاِمام أو نائبه.

    ثالثاً : المستجيبون : وهم الذين يقضون دور التدريب والتعليم ، وهوَلاء يدخلون مدارس الفدائية ، وهم في سن مبكرة ويتلقون التدريب والتعليم في المدارس الخاصة بهم ، على أيدي كبار المقدمين. ويسهر الاِمام نفسه أو نائبه الشيخ على تدريبهم وتعليمهم. (1)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : في مقدمة كتاب الينابيع : 21 ـ 24.