الفطحية

في الفطحية

الفطحية : هم القائلون بإمامة الاَئمّة الاثني عشر مع عبد اللّه الاَفطح ابن الاِمام الصادق (عليه السّلام) يدخلونه بين أبيه الصادق وأخيه الكاظمعليمها السّلام و قد كان عبد اللّه أفطح الرأس.

    والاَفطح كما في اللسان : عريض الرأس ، ورأس أفطح ومفطّح : عريض. (1)

    وقال الطريحي : أفطح الرجلين : عريضهما (2) وربما يفسّر باعوجاج في الرجل.

    كان عبد اللّه بن جعفر الصادق (عليه السّلام) قد ادّعى الاِمامة والوصاية ، بعد رحيل أبيه ، وكان هو أكبر أولاد الاِمام بعد إسماعيل المتوفى في حياته ، فتمسّك القائلون بإمامته بحديث رووه عن الاِمام أنّه قال : « الاِمامة في الاَكبر من ولد الاِمام » ولم يكن حظّه من الدنيا بعد رحيل أبيه إلاّ سبعين يوماً ، فقد تُوفي أبوه الصادق (عليه السّلام) في الخامس والعشرين من شهر شوال عام 148 هـ ، فيكون قد توفي في خامس شهر ذي الحجة الحرام من نفس السنة وبرحيله عاد القائلون بإمامته إلى إمامة الاِمام موسى الكاظم (عليه السّلام). ولقد ظهرت منه أشياء لا ينبغي أن تظهر من الاِمام لمّا امتحنوه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده جواب ، وإليك ما وقفنا عليه من النصوص :

    1 ـ قال الحسن بن موسى النوبختي : قالت الفطحية : الاِمامة بعد جعفر في ابنه عبد اللّه بن جعفر الاَفطح ، وذلك أنّه كان عند مضيّ جعفر ، أكبرُ وُلْدِه سناً و جلس مجلس أبيه وادّعى الاِمامة ووصية أبيه ، واعتلّوا بحديث يروونه عن أبي

________________________________________

    1 ـ ابن منظور : لسان العرب : 2/545 ، مادة « فطح ».

    2 ـ الطريحي : مجمع البحرين : 2/400 ، مادة « فطح ».

________________________________________

(366)

عبد اللّه جعفر بن محمد أنّه قال : الاِمامة في الاَكبر من وُلْد الاِمام ، فمالَ إلى عبد اللّه والقول بإمامته جُلَّ من قال بإمامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحقّ فامْتَحنَوا عبد اللّه بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة والزكاة وغير ذلك فلم يجدوا عنده علماً ، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد اللّه بن جعفر هي « الفطحية » وسُمّوا بذلك لاَنّ عبد اللّه كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعض الرواة : نُسِبُوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبد اللّه بن فطيح ، ومال إلى هذه الفرقة جلّ مشايخ الشيعة وفقهائها ولم يشكّوا في أنّ الاِمامة في « عبد اللّه بن جعفر » وفي وُلْده من بعده ، فمات عبد اللّه ولم يخلِّف ذكراً ، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامت هـ سوى قليل منهم ـ إلى القول بإمامة « موسى بن جعفر » ، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبد اللّه إلى موسى بن جعفر عليمها السّلام ، ثمّ رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به ، وبقى بعضهم على القول بإمامته ثمّ إمامة موسى بن جعفر من بعده ، وعاش عبد اللّه بن جعفر بعد أبيه سبعين يوماً و نحوها. (1)

    2 ـ وقال الكشي : هم القائلون بإمامة عبد اللّه بن جعفر بن محمد ، وسُمُّوا بذلك لاَنّه قيل إنّه كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعضهم : إنّهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له « عبد اللّه بن فطيح » والذين قالوا بإمامته عامة مشايخ العصابة وفقهائها ، مالوا إلى هذه المقالة فَدَخلْت عليهم الشبهة لما روي عنهم (عليهم السّلام) أنّهم قالوا : الاِمامة في الاَكبر من ولد الاِمام إذا مضى إمام. ثمّ منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عنده فيها جواب ، ولِما ظهر منه من الاَشياء التي لا ينبغي أن يظهر من الاِمام.

    ثمّ إنّ عبد اللّه مات بعد أبيه بسبعين يوماً ، فرجع الباقون إلاّ شاذاً منهم عن

________________________________________

    1 ـ الحسن بن موسى النوبختي : فرق الشيعة : 77 ـ 78.

________________________________________

(367)

القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى (عليه السّلام) و رجعوا إلى الخبر الذي روي : أنّ الاِمامة لا تكون في الاَخوين بعد الحسن والحسين عليمها السّلام و بقى شذّاذ منهم على القول بإمامته ، وبعد أن مات قال بإمامة أبي الحسن موسى (عليه السّلام).

    وروي عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنّه قال لموسى : « يا بني انّ أخاك سيجلس مجلسي ، ويدّعي الاِمامة بعدي ، فلا تنازعه بكلمة ، فإنّه أوّل أهلي لحوقاً بي ». (1)

    3 ـ ونقل في ترجمة « هشام بن سالم الجواليقي » أنّه قال : كُنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنا وموَمن الطاق أبو جعفر ، والناس مجتمعون على أنّ عبد اللّه صاحب الاَمر بعد أبيه ، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق ، والناس مجتمعون عند عبد اللّه وذلك أنّهم رووا عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنّالاَمر في الكبير مالم يكن به عاهة ، فدخلنا نسأله عمّا كنّا نسأل عنه أباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال : في مائتين خمسة. قلنا : ففي مائة؟ قال : درهمان ونصف درهم. قلنا له : واللّه ما تقول في المرجئة هذا؟! ، فرفع يده إلى السماء فقال : لا واللّه ما أدري ما تقول المرجئة.قال : فخرجنا من عنده ضُلاّلاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الاَحول ، فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى من نقصد ، وإلى من نتوجه ، نقول : إلى المرجئة ، إلى القدرية ، إلى الزيدية ، إلى المعتزلة ، إلى الخوارج.

    قال : فنحن كذلك إذ رأيتُ رجلاً شيخاً لا أعرفه يُومي إليّ بيده ، فخفتُ أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر (2) وذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتّفق من شيعة جعفر فيضربون عنقه ، فخفتُ أن يكون منهم ، فقلت لاَبي جعفر : تنحّ فإنّي خائف على نفسي وعليك ، وإنّما يريدني ليس يريدك ، فتنحَّ عني لا تُهْلَك وتُعين على نفسك. فتنحّى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك انّي ظننت أنّي

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 219.

    2 ـ المراد أبو جعفر المنصور العباسي.

________________________________________

(368)

لا أقدر على التخلّص منه ، فمازلتُ أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى (عليه السّلام) ثمّخلاّني ومضى ، فإذا خادم بالباب ، فقال لي : أُدخل رحمك اللّه.

    قال : فدخلت فإذا أبو الحسن (عليه السّلام) فقال لي ابتداءً : « لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ، ولا إلى الزيدية ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الخوارج ، إليّ إليّ إليّ ». قال : فقلتُ له : جعلتُفداك مضى أبوك؟ قال : « نعم ». قال : قلت : جعلتُ فداك مضى في موتٍ؟ قال : « نعم ». قلتُ : جعلتُ فداك فمَنْ لنا بعده؟فقال : « إن شاء اللّه أن يهديك ، هداك ». قلت : جعلتُ فداك إنّ عبد اللّه يزعم أنّه من بعد أبيه؟ فقال : « يريد عبد اللّه أن لا يُعبد اللّه ». قال : قلتُ : جعلتُ فداك فمن لنا بعده؟ فقال : « إن شاء اللّه أن يهديك هداك » أيضاً. قلت : جعلت فداك أنت هو؟ قال : « ما أقول ذلك » ، قلت في نفسي : لم أُصبْ طريقَ المسألة. قال : قلت : جعلتُ فداك عليك إمام؟ قال : « لا ». قال : فدخلني شيء لا يعلمه إلاّاللّه إعظاماً له ، وهيبة أكثر ما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلتُ عليه ، قلت : جعلتُ فداك أسألك عمّا كان يسأل أبوك؟ قال : « سل تُخبر ، ولا تُذِع ، فإن أذعت فهو الذبح ». قال : فسألته فإذا هو بحر.

    قال : قلت : جعلت فداك شيعتُك وشيعة أبيك ضُلاّل فألقي إليهم وأدعهم إليك فقد أخذت عليّ بالكتمان؟ فقال : « من آنست منهم رشداً فالق عليهم ، وخذ عليهم بالكتمان ، فإن أذاعوا فهو الذبح ـ وأشار بيده إلى حلق هـ قال : فخرجتُ من عنده فلقيتُ أبا جعفر ، فقال لي : ما وراك؟ قال : قلت : الهدى. قال : فحدثتُه بالقصة ، ثم لقيت المفضل بن عمر وأبا بصير. قال : فدخلوا عليه وسلّموا وسمِعوا كلامَه وسألوه. قال : ثمّ قطعوا عليه ، قال : ثمّ لقينا الناس أفواجاً. قال : وكان كل من دخل عليه قطع عليه إلاّ طائفة مثل عمار وأصحابه ، فبقي عبد اللّه لا يدخل عليه أحد إلاّ قليلاً من الناس. قال : فلمّا رأى ذلك وسأل عن حال الناس؟ قال : فأُخبر أنّ هشام بن سالم صدّ عنه الناس. قال : فقال هشام : فأقعد لي بالمدينة

 

________________________________________

(369)

غير واحد ليضربوني. (1)

    4 ـ وقال الاَشعري (260 ـ 324 هـ) عند عدّ فرق الشيعة : ومنهم من يزعم أنّ الاِمام بعد جعفر ابنه « عبد اللّه بن جعفر » وكان أكبرَ من خلَف من ولده وهي في ولده ، وأصحاب هذه المقالة يدعون العَمّارية ، نُسِبوا إلى رئيس لهم يعرف بـ « عمّار » ، و يُدعون الفطحية ، لاَنّ عبد اللّه بن جعفر كان أفطحَ الرجلين ، وأهل هذه المقالة يرجعون إلى عدد كثير.

    فأمّا زرارة فإنّ جماعة من العمّارية تدّعي أنّه كان على مقالتها ، وأنّه لم يرجع عنها ، وزعم بعضهم أنّه رجع إلى ذلك حين سأل « عبد اللّه بن جعفر » عن مسائل لم يجد عنده جوابها ، وصار إلى الائتمام بموسى بن جعفر بن محمد ، وأصحاب زرارة يدعون « الزرارية » ويدعون « التميمية ». (2)

    5.و تبعه البغدادي ولخّص كلامه قائلاً : العمارية وهم منسبون إلى زعيم منهم يسمّى عماراً ، وهم يسوقون الاِمامة إلى جعفر الصادق ، ثمّ زعموا انّ الاِمام بعده ولده عبد اللّه ، وكان أكبر أولاده ، وكان أفطح الرجلين ، ولهذا قيل لاَتباعه « الفطحية ». (3)

    وقد خبط الرجلان فاخترعا فرقة باسم العَمّارية نسبة إلى عمار بن موسى الساباطي ، مع أنّه رجل من أتباع « عبد اللّه » وأكثر ما يمكن أن يقال أنّه كان داعياً ، لا صاحب مذهب.

    وأمّا اتّهام الاَشعري زرارة بن أعين بأنّه كان من الفطحية مدة ثمّ رجع عنها ، فليس له سند إلاّ روايات ضعاف ، كأكثر ما ورد في حقّزرارة من الروايات

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 239 ـ 241.

    2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين واختلاف المصلّين : 1/27 ، تصحيح هلموت ريز.

    3 ـ الفرق بين الفرق : 62 برقم 59.

________________________________________

(370)

الذامّة. (1)

    مع أنّ الصحيح في حقّه ما نقله الصدوق في « كمال الدين » عن إبراهيم بن محمد الهمداني ـ رضي اللّه عن هـ قال : قلت للرضا (عليه السّلام) يابن رسول اللّه أخبرني عن زرارة ، هل كان يعرف حقّ أبيك؟ فقال (عليه السّلام) : « نعم » ، فقلتُ له : فلمَ بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد (عليه السّلام) ؟ فقال : « إنّ زرارة كان يعرف أمر أبي (عليه السّلام) و نصّ أبيه عليه ، وإنّما بعث ابنه ليتعرّف من أبي هلْ يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ، ونصّ أبيه عليه؟ وانّه لمّا أبطأ عنه طُولب بإظهار قوله في أبي (عليه السّلام) ، فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف ، وقال : اللّهمّ إنّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامتَه من ولد جعفر بن محمد (عليه السّلام) ». (2)

    6 ـ وقال الشهرستاني : « الفطحية قالوا بانتقال الاِمامة من الصادق إلى ابنه عبد اللّه الاَفطح ، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأُمّه ، وأُمّهما فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي ، وكان أسن أولاد الصادق.

    زعموا أنّه قال : الاِمامة في أكبر أولاد الاِمام.وقال : الاِمام من يجلس مجلسي ، وهو الذي جلس مجلسه. والاِمام لا يغسّله ، ولا يصلّي عليه ، ولا يأخذ خاتمه ، ولا يواريه إلاّ الاِمام. وهو الذي تولّى ذلك كلّه. ودفع الصادق وديعة إلى بعض

________________________________________

    1 ـ نقل الكشي الروايات الحاكية عن أنّ زرارة كان شاكاً في إمامة الكاظم (عليه السّلام) وانّه لما توفي الصادق (عليه السّلام) بعث ابنه « عبيد » للتحقيق عن أمر الاِمامة وانّه لعبد اللّه أو للكاظم عليمها السّلام ، ثمّ إنّ زرارة مات قبل أن يرجع إليه عبيد ، ونقلها السيد الخوئي قّدس سّره في معجمه ، معجم رجال الحديث : 7/230 ـ 234 ، و ناقش في اسنادها وأثبت أنّها ، ضعاف ، ونحن نجلّ زرارة بن أعين الذي عاش مع الاِمامين أبي جعفر الباقر وأبي عبد الصادق عليمها السّلام قرابة نصف قرن ، عن هذه الوصمة.

    2 ـ الصدوق : كمال الدين : 75 ، ط موَسسة النشر الاِسلامي.

(371)

أصحابه وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها منه وأن يتخذه إماماً. وما طلبها منه أحد إلاّ عبد اللّه ، ومع ذلك ما عاشَ بعد أبيه إلاّ سبعين يوماً ومات ولم يعقب ولداً ذكراً. (1)

    لقد غاب عن الشهرستاني مفاد قوله (عليه السّلام) : « الاِمام من يجلس مجلسي » ، فلو صدر منه ذلك القول ، فالمراد منه ما يقوم بمثل ما كان الاِمام يقوم به في مجال بيان الاَُصول والفروع ، وملء الفراغ الحاصل من رحيله ، لا مجرّد جلوسه في مكانه وإن كان جاهلاً بأبسط المسائل.

    كما أنّه لم يثبت أنّ عبد اللّه تولّى غسل الاِمام والصلاة عليه.

    وقد روى ابن شهر آشوب عن أبي بصير ، عن موسى بن جعفرعليمها السّلام أنّه قال : « فيما أوصاني به أبي أن قال : يا بنيّ إذا أنا متُّ فلا يغسّلني أحد غيرك ، فإنّ الاِمام لا يغسّله إلاّ إمام ، واعلم أنّ « عبد اللّه » أخاك سيدعو الناس إلى نفسه فدعه ، فإنّ عمره قصير. فلمّا أن مضى غسلته ... ». (2)

    7 ـ وقال الصدوق : قال الصادق لاَصحابه في ابنه عبد اللّه : « إنّه ليس على شيء فيما أنتم عليه وانّي أبرأ منه ، برىَ اللّه منه ». (3)

    8 ـ قال المفيد : وكان عبد اللّه بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في الاِكرام ، وكان متهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد.ويقال أنّه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادّعى بعد أبيه الاِمامة ، واحتج بأنّه أكبر إخوته الباقين ، فاتّبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام) ، ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسى (عليه السّلام) ، لمّا تبيّنوا ضعفَ دعواه وقوة أمر أبي الحسن (عليه السّلام) ودلالة حقّه وبراهين إمامته ، وأقام نفر

________________________________________

    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/167.ولاحظ التبصير للاِسفراييني : 38.

    2 ـ ابن شهر آشوب : المناقب : 4/224.

    3 ـ اعتقادات الصدوق ، المطبوع ضمن مصنفات المفيد : 113.

________________________________________

(372)

يسير منهم على أمرهم ودانوا بإمامة عبد اللّه وهم الطائفة الملقبة بالفطحية ، وإنّما لزمهم هذا اللقب لقولهم بإمامة عبد اللّه وكان أفطح الرجلين ، ويقال انّهم لقبوا بذلك لاَنّ داعيهم إلى إمامة عبد اللّه كان يقال له عبد اللّه بن الاَفطح. (1)

    وقال أيضاً : وأمّا الفطحية فإنّ أمرها أيضاً واضح ، وفساد قولها غير خاف ولا مستور عمّن تأمله ، وذلك أنّهم لم يدّعوا نصاً من أبي عبد اللّه (عليه السّلام) على عبد اللّه ، وانّما عملوا على ما رووه من أنّ الاِمامة تكون في الاَكبر ، وهذا حديث لم يُرو قط إلاّ مشروطاً ، وهو أنّه قد ورد أنّ الاِمامة تكون في الاَكبر مالم تكن به عاهة ، وأهل الاِمامة القائلون بإمامة موسى بن جعفر (عليه السّلام) متواترون بأنّ عبد اللّه كان به عاهة بالدين ، لاَنّه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي (عليه السّلام) وعثمان ، وانّأبا عبد اللّه (عليه السّلام) قال وقد خرج من عنده : « عبد اللّه هذا مرجىَ كبير » وانّه دخل عليه عبد اللّه يوماً وهو يحدث أصحابه ، فلمّا رآه سكت حتى خرج ، فسئل عن ذلك؟ فقال : « أو ما علمتم أنّه من المرجئة » هذا مع أنّه لم يكن له من العلم بما يتخصص به من العامة ، ولا رُوي عنه شيء من الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الاَحكام ، وقد ادّعى الاِمامة بعد أبيه ، فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها وما أتى بالجواب ، فأيّ علّة ممّا ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل ، مع أنّه لو لم تكن علّة تمنع من إمامته ، لما جاز من أبيه صرف النص عنه ، ولو لم يكن صرفه عنه لاَظهره فيه ، ولو أظهره لنقل وكان معروفاً في أصحابه ، وفي عجز القوم عن التعلّق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه. (2)

    بقيت هنا أُمور :

    الاَوّل : الظاهر ممّا ذكرنا أنّ أكثر القائلين بإمامة عبد اللّه بن جعفر عدلوا عن

________________________________________

    1 ـ المفيد : الاِرشاد : 285 ـ 286.

    2 ـ العيون والمحاسن : 253.

________________________________________

(373)

رأيهم ، وقالوا بإمامة أخيه موسى بن جعفر بعد إمامة أبيه جعفر الصادق ، وأمّا القليل منهم فقال بإمامة موسى بن جعفر بعد الاَفطح ، فصار عبد اللّه الاِمام السابع ، وأخوه موسى الاِمام الثامن ، وبذلك يتجاوز عدد الاَئمّة عن الاثني عشر ، ولا أظن أنّهم وقفوا على عبد اللّه من دون الاعتقاد بإمامة الآخرين ، وإلاّ كانوا واقفة لا فطحية ، وسيوافيك الكلام في المذهب الواقفي عن قريب إن شاء اللّه.

    الثاني : الظاهر ممّا نقله الصدوق عن بعضهم أنّ القائلين بإمامة عبد اللّه كانوا معروفين بالشمطية كما أنّ بعض الفطحية قال بإمامة إسماعيل بن جعفر بعد رحيل عبد اللّه ، وإليك نص الصدوق ناقلاً عن بعضهم :

    قال : قال صاحب الكتاب : وهذه الشمطية تدّعي إمامة عبد اللّه بن جعفر بن محمد من أبيه بالوراثة والوصية ، وهذه الفطحية تدّعي إمامة إسماعيل ابن جعفر عن أبيه بالوراثة والوصية وقبل ذلك إنّما قالوا بإمامة عبد اللّه بن جعفر ويسمّون اليوم إسماعيلية. لاَنّه لم يبق للقائلين بإمامة عبد اللّه بن جعفر خلف ولا بقية ، وفرقة من الفطحية يقال لهم القرامطة ، قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية ، وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدّعي الاِمامة لموسى وترتقب لرجعته. (1)

    الثالث : بما أنّ أكثر القائلين بإمامة الاَفطح رجعوا عن رأيهم بعد ظهور الحقّ ، فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً لجرحهم ، نعم من بقى منهم على عقيدته ، وآمن بإمامة موسى بن جعفر أو إسماعيل بن جعفر حكمهم حكم سائر فرق الشيعة إذا كانوا متثبتين في القول ، فيوَخذ برواياتهم ، وإلاّ فلا.

    الرابع : انّعدّ الفطحية مذهباً ونحلة ، أمر غير صحيح لوجهين :

    أحدهما : أنّ القول بإمامة عبد اللّه نشأ عن شبهة ، دخلت في أذهانهم ، ثمّ

________________________________________

    1 ـ الصدوق : كمال الدين : 101 ـ 102.

________________________________________

(374)

زالت الشبهة ، ولم يبق إلاّالقليل.

    وثانيهما : أنّ النحلة عبارة عن آراء في الاَُصول والعقائد أو في الفروع والاَحكام تكون سبباً لتمييز طائفة عن أُخرى ، وأمّا الاتّفاق في عامة الاَُصول مع اختلاف في أمر واحد ، كالاعتقاد بإمامة عبد اللّه ، فهذا مالا يبرر عدّ القول به نحلة ، والقائلون به فرقة.

    نعم ، من يريد تكثير النحل ، وزيادة عدد الفرق ، يصحّ له ذكرهم فرقة من الفرق.

    الخامس : انّ الفطحية وإن اشتركت مع الواقفية في مسألة عدم الاعتراف بالاِمام الحقيقي ، ولكن الطائفة الاَُولى كانت أقل تعصباً من الاَُخرى بدليل أنّهم اعترفوا بإمامة موسى الكاظم (عليه السّلام) بعد رحيل إمامهم الاَفطح ، لكن بين مُخطِّىَ نفسه في الاعتقاد بإمامة الاَفطح ، و بين مصوِّب إمامته مع إمامة الكاظم (عليه السّلام) إلاّ أنّ الواقفية كانت متعصبة جدّاً حيث وقفت على إمامة موسى الكاظم (عليه السّلام) و لم تتجاوزه ، وجرت مناظرات بينهم وبين القطعية الذين قطعوا بإمامة ابن الكاظم ، علي بن موسى الرضا عليمها السّلام.

    يقول المجلسي الاَوّل : واعلم أنّ الفطحية كانوا أقربَ إلى الحقّ من الواقفية ، أو هم أبعد عن الحقّ من الفطحية ، لاَنّ الفطحية لا ينكرون بقية الاَئمّة (عليهم السّلام) وكانوا يقولون بإمامتهم ، ولهذا شُبهُوا بالحمير ، بخلاف الواقفة ، فإنّهم شُبهوا بالكلاب الممطورة ، والشيخ ذكر الواقفية في كتاب الغيبة وأبطل مذهبهم بالاَخبار التي نقلوها. (1)

    وقال العلاّمة المامقاني : لا يخفى عليك أنّ القول بالفطحية أقرب مذاهب

________________________________________

    1 ـ المجلسي الاَوّل (محمد تقي) : روضة المتقين : 14/395.

________________________________________

(375)

الشيعة إلى الحقّ من وجهين :

    أحدهما : انّ كلّ مذهب من المذاهب الفاسدة يتضمّن إنكار بعض الاَئمّة (عليهم السّلام) ، ومن المعلوم بالنصوص القطعية ، أنّ من أنكر واحداً منهم كان كمن أنكر جميعهم ، والفطحي يقول بإمامة الاثني عشر جميعاً ويضيف عبد اللّه بين الصادق والكاظم عليمها السّلام ، فهو يقول بإمامة ثلاثة عشر ، ويحمل أخبار الاثني عشر إماماً على الاثني عشر مِنْ ولد أمير الموَمنين (عليهم السّلام) ، فلا يموت الفطحي إلاّ عارفاً بإمام زمانه بخلاف من ماتَ من أهل سائر المذاهب فإنّه يموت جاهلاً بإمام زمانه.

    نعم من مات من الفطحية في السبعين يوماً زمان حياة عبد اللّه بعد أبيه مات غير عارف لاِمام زمانه فمات ميتة جاهلية بخلاف من مات بعد وفاة عبد اللّه.

    ثانيهما : انّكلّذي مذهب من المذاهب الفاسدة قد تلقّى ممّن يعتقده إماماً من غير الاثني عشر فروعاً مخالفة لفروعنا بخلاف الفطحية فإنّ عبد اللّه لم يبق إلاّ سبعين ولم يتلقّوا منه حكماًفرعياً وإنّما يعملون في الفروع بما تلقّوه من الاَئمة الاثني عشر ، فالفطحية قائلون بالاثني عشر ، عاملون بما تلقّوه من الاثني عشر ، فليس خطأهم إلاّ زيادة عبد اللّه سبعين يوماً بين الصادق والكاظم عليمها السّلام ، وإيراث ذلك الفسقَ محلّتأمّل. (1)

    يلاحظ على الثاني : بأنّ الواقفية أيضاً مثل الفطحية لم يتلقّوا فروعاً من غير الاَئمّة ، نعم انّ الفطحية أخذوا منهم جميعاً والواقفية اقتصرت على الاَئمّة السبعة ، فما ذكره من الوجه الثاني لا يعد فرقاً بين الطائفتين.

________________________________________

    1 ـ عبد اللّه المامقاني : تنقيح المقال : 1/193 ، الفائدة السابعة.

________________________________________

(376)

مشاهير الفطحية

    انّ هناك لفيفاً من رواة الشيعة وُصفوا بالفطحية ، وهم بين من ثبت على القول بإمامة الاَفطح ومن رجع عنه ، وإليك أسماءهم المستخرجة من كتب الرجال :

    1 ـ أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن فضّال بن عمر بن أيمن.

    2 ـ إسحاق بن عمّار بن حيّان ، مولى بني تغلب ، أبو يعقوب الصيرفي الساباطي.

    3 ـ الحسن بن علي بن فضال.

    4 ـ عبد اللّه بن بكير بن أعين بن سنسن الشيباني الاَصبحي المدني.

    5 ـ عبد اللّه بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

    6 ـ علي بن أسباط بن سالم بياع الزطّي المقري.

    7 ـ الاَزدي الساباطي (كوفي).

    8 ـ علي بن الحسن بن علي بن فضّال.

    9 ـ عمار بن موسى الساباطي.

    10 ـ محمد بن الحسن بن علي بن فضّال.

    11 ـ محمد بن سالم بن عبد الحميد.

    12 ـ مصدق بن صدقة المدائني.