دعاؤه عليه السلام في القنوت

اللهم إن عدوي قد استسنَّ (1) في غلوانه (2)، واستمر في عداونه، وأمن بما شمله من الحلم عاقبة جرأته عليك، وتمرد في مباينتك، ولك اللهم لحظات سخط بياتا وهم نائمون، ونهارا وهم غافلون، وجهرة وهم يلعبون، وبغتة وهم ساهون، وإن الخناق (3) قد اشتد، والوثاق (4) قد احتد، والقلوب قد شجيت (5)، والعقول قد تنكرت، والصبر قد أودى (6)، وكاد تنقطع حبائله (7)، فانك لبالمرصاد من الظالم (8)، ومشاهدة من الكاظم، لايعجلك فوت درك، ولايعجزك احتاجز محتجز (9)، وإنما مهلته استثباطا (10) وحجتك على الاحوال البالغة الدامغة ولعبدك ضعف البشرية وعجز الانسانية، ولك سلطان الالهية وملكة الربوبية، وبطشة الاناة وعقوبة التأبيد. اللهم فان كان في المصابرة لحرارة المعان (11) من الظالمين، وكيد من نشاهد من المبدلين، رضي لك ومثوبة منك فهب لنا مزيدا من التأييد، وعونا من التسديد، إلى حين نفوذ مشيتك فيمن أسعدته وأشقيته من بريتك وامنن علينا بالتسليم لمحتومات أقضيتك، والتجرع لواردات أقدارك. وهب لنا محبة لما أحببت في مقتدم ومتأخر ومتعجل ومتأجل، والايثار لما اخترت في مستقرب ومستبعد، ولاتخلنا اللهم مع ذلك من عواطف رأفتك ورحمتك وكفايتك وحسن كلاءتك (12) بمنك وكرمك.
دعاء آخر:
يا من يعلم هواجس السرائر (13)، ومكامن الضمائر، وحقايق الخواطر، يامن هو لكل غيب حاضر، ولكل منسي ذاكر، وعلى كل شئ قادر، وإلى الكل ناظر، بعد المهل (14)، وقرب الاجل، وضعف العمل، وأرأب الامل (15)، وآن المنتقل (16). وأنت يا الله الاخر كما أنت الاول، مبدئ ما أنشأت، ومصيرهم إلى البلى ومقلدهم أعمالهم، ومحملها ظهورهم إلى وقت نشورهم من بعثة قبورهم، عند نفخة الصور، وانشقاق السماء بالنور، والخروج بالمنشر إلى ساحة المحشر، لايرتد إليهم طرفهم (17) وأفئدتهم هواء (18)، متراطمين (19) في غمة مما أسلفوا، ومطالبين بما احتقبوا (20)، ومحاسبين هناك على ما ارتكبوا. الصحائف في الاعناق منشورة، والاوزار على الظهور مأزورة (21)، لاانفكاك ولا مناص، ولامحيص (22) عن القصاص، قد أفحمتهم (23) الحجة وحلوا في حيرة المحجّة، همسوا الضجة، معدول بهم عن المحجة، إلا من سبقت له من الله الحسنى، فنجي من هول المشهد، وعظيم المورد، ولم يكن ممن في الدنيا تمرد، ولاعلى أولياء الله تعند ولهم استعبد، وعنهم بحقوقهم تفرد. اللهم فان القلوب قد بلغت الحناجر، والنفوس قد علت التراقي، والاعمار قد نفدت بالانتظار، لاعن نقص استبصار، ولاعن اتهام مقدار (24)، ولكن لما تعاني من ركوب معاصيك، والخلاف عليك في أوامرك ونواهيك، والتلعب بأوليائك ومظاهرة أعدائك. اللهم فقرب ماقد قرب، وأورد ماقد دنى، وحقق ظنون الموقنين وبلغ المؤمنين تأميلهم من إقامة حقك ونصر دينك، وإظهار حجتك والانتقام من أعدائك.
دعاء آخر:
اللهم اغفرلي وارحمني وعافني انك على كل شيء قدير
.*******
(1) استسر (خ ل)، اقول: استسن: كبر سنّه.
(2) الغلواء -بالضم وفتح اللام وتسكن- الغلو، واول الشباب وسرعته كالغلوان بالضم، اي واظب على غلّوه في العداوة حتى كبر سنه.
(3) الخناق: الحبل يخنق به.
(4) الوثاق: ما يشد به.
(5) شجيت، حزنت، الشجو: الهم والحزن.
(6) اودى: هلك.
(7) الحبائل: عروق الظهر.
(8) المرصاد: الطريق والمكان يرصد فيه العدو.
(9) احتجاز محتجز: امتناع ممتنع.
(10) الاستثبات: التثبت والتأني في الامر.
(11) لحرارة المعان: اي من اعين بكثرة الاموال والجنود، فصار بذلك قوياً.
(12) الكلاءة: الحراسة.
(13) هجس الشيء في صدره يهجس: خطر بباله، او هو ان يحدث نفسه في صدره مثل الوسواس.
(14) المهل -بالتحريك- المهملة والرفق.
(15) ارأب العمل (خ ل)، رأب الشيء: جمعه وشدة برفق.
(16) آن المنتقل: اي الانتقال الى الاخرة.
(17) لايرتدّ اليهم طرفهم: لاترجع اليهم اعينهم ولا يطبقونها ولا يغمضونها.
(18) افئدتهم هواء: قلوبهم خالية من كل شيء، فزعاً وخوفاً.
(19) رطمه: ادخله في امر لا يخرج منه فارتطم.
(20) احتقبه واستحقبه: ادّخره.
(21) وزره وزراً: حمله.
(22) المحيص: المحيد والمعدل والمميل والمهرب.
(23) الافحام: الاسكات.
(24) اتهام مقدار: اي ليس جزع القلوب ناشئاً عن قلة الاستبصار واليقين، ولا عن اتهام قدر الله وقضائه بانهما وقعا على خلاف المصلحة او قدرة الله بان ننسبها الى ضعف.