الشيعة والصّحابة

الشيعة والصّحابة

 

تمهيد

إنّ موضوع الحديث عن عقيدة الشيعة في الصحابة هو أهمّ موضوع نريد أن نتحدّث عنه، وكان بودّنا التجنّب عن ذلك ولكن من شرط هذا الكتاب هو التعرّض لكلّ ما له علاقة بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، وسائر المذاهب فإنّ هذه المسألة من أهمّ المسائل التي كانت ذريعة لمعارضة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وانتشاره .

فقد نسبوا إلى الشيعة ما لا يتفق مع الواقع في اعتقادهم حول الصحابة. وتقوّلوا عليهم بأنهم ـ أي الشيعة ـ يكفرون جميع الصحابة ـ والعياذ باللّه ـ وإنّهم لا يعتمدون على أحاديثهم ، ويطعنون فيهم إلى غير ذلك.

وجعلوا ذلك أساساً لقاعدة بنوا عليها الحكم بالزندقة وحلية إراقة الدماء، فقالوا: من طعن في الصحابة فقد طعن على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن طعن على رسول اللّه فهو زنديق.

وقالوا: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب محمد فاعلم أنّه زنديق(1)، وجعلوا الخوض فيما جرى بين الصحابة وحرية الرأي في مناقشتهم هو انتقاص لهم .

فلندرس هذا الموضوع بدقّة، ورجاؤنا معقود على إيلاء هذه الدراسة جلّ عنايتها ، وإعطائها وجهة النظر بصورة خاصة، لأنّ اتّهام الشيعة بسبّ الصحابة، وتكفيرهم أمر عظيم ، ومعضلة شديدة اتخذها خصوم أهلالبيت(عليهم السلام) وسيلة للقضاء على مبادئهم وانتشار مذهبهم ، عندما بان عجزهم عن اللحوق بهم. وقد تدخّل الدخلاء وأعداء الإسلام في اتساع شقّة الخلاف بين صفوف الاُمّة ليجدوا طريقهم لبثّ آرائهم الفاسدة، حتى أصبح من المقرر في تلك العصور تكفير الشيعة وإبعادهم عن ذلك المجتمع، كلّ ذلك مبعثه آراء السلطة وأغراضها التي قضت على الاُمة بكبت الشعور، وكمّ الأفواه وسلب الأفراد حرية الرأي، لأنّ الجمود الفكري هو الذي يخدم مصالحهم ، عندما حاولوا ربط العقائد بالدولة وإناطة الآراء بما تراه السلطة لا غير ، وفرضوا ربط التعليم بهم، وضربوا سلطانهم على بعض العلماء ، ووجهوهم حيث شاءت إرادتهم ، إلى غير ذلك من المحاولات التي كانوا يقصدون بها القضاء على أهل البيت ومعارضة مذهبهم، ولكن شاء اللّه أن تذهب تلك المحاولات أدراج الرياح ، ويبقى ذكر أهل البيت(عليهم السلام) على ممرّ الدهور والأعوام ، ولم تقف تلك الدعايات الكاذبة والتهم المفتعلة أمام انتشاره، وإنّ اتهام الشيعة بسبّ الصحابة وتكفيرهم أمر عظيم حاول خصومهم فيه تشويه سمعتهم ، لأنّهم خصوم الدولة وأنصار أهل البيت ونحن لا نريد أن نرغم خصوم الشيعة على الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها في تعبيرهم عنهم بعبارات التهجّم التي تشمئز منها النفوس ، وتنفر منها الطباع .

ولا نريد منهم أن يغالطوا أنفسهم في مجاراتهم للأوضاع الحاضرة. ولا نريد منهم أن يتركوا الخطأ الذي وقفوا عليه في زاوية الإهمال، ولا إسدال الستر على العيوب التي عثروا عليها في المجتمع الشيعي، والنقص الذي لمسوه . ولكنّا نريد منهم أن لا يكذبوا أو يتقوّلوا . ونريد منهم أن يتحرّروا من تقليد أقوام أعمّتهم المادة وأخضعتهم السلطة، فحملتهم على الافتعال والأكاذيب.

ونريد منهم أن يصرّحوا لنا بلغة العلم والمنطق الصحيح عن الاُمور التي استوجبت أن يرتكبوا من الشيعة ما ارتكبوه ، وليحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب ، إن أهملوا محاسبة الوجدان والضمير الحر .

ونريد منهم أن يصرّحوا لنا عن نقاط الضعف التي وقفوا عليها فيما تدّعيه الشيعة فأباحت لهم ذلك التهجم، وليقولوا بكلّ صراحة فإنّا نتقبل قول الحقّ، ولا يهمّ الشيعة أقوال أهل التهريج والهوس ، ولا يعبأون بأقلام المستأجرين من قبل أعداء الإسلام الذين عظم عليهم انتشاره وأخضعهم بقوّة برهانه، وأعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فالتجأوا إلى لغة الدسّ والخيانة.

ونريد منهم أن يتنبهوا رويداً إلى التباين بين ما يدّعونه أو يفتعلونه على الشيعة وبين الواقع ، ونريد من الباحث أن يتحرى ببحثه الدقّة والتمحيص وأن يتثبت قبل الحكم، وأن يعرف الخطر الذي ينجم من وراء ذلك، فقد بلغ الأمر إلى أشدّ ما يكون من الخطورة .

ومن المؤلم أن تروّج هذه الدعايات المغرضة أو الأكذوبة الكبرى فتصبح من الاُمور المسلّمة بها لا تحتاج الى نقاش ، والواقع أنّ أتّهام الشيعة كان سياسياً قائماً على مخالفة الواقع وإنكار الحقائق والجهل الفاضح .

الشيعة والصحابة 

نحن أمام مشكلة كبرى، وقف التاريخ أمامها ملجماً، واختفت الحقيقة فيها وراء ركام من الادّعاءات الكاذبة، والأقوال الفارغة فالتوت الطرق الموصلة اليها . كما أثيرت حولها زوابع من المشاكل والملابسات. ولم تعالج القضية بدراسة علميّة ليبدو جوهر المسألة واضحاً وتظهر الحقيقة كما هي .

وعلى أيّ حال فقد تولّع كثير من المؤرخين بذمّ الشيعة، ونسبت أشياء إليهم بدون تثبت. فهم يكتبون بدون قيد وشرط، ويتقوّلون بدون وازع ديني أو حاجز وجداني، وقد اتّسعت صدور الشيعة لتحمّل أقوالهم ، بل تقوّلاتهم كما اتسعت سلة المهملات لقبر شخصياتهم ، وترفّعوا عن المقابلة بالمثل، وإنّ أهمّ تلك التّهم هي مسألة الصحابة وتكفيرهم ـ والعياذ باللّه ـ مما أوجب أن يحكم عليهم بالكفر والخروج عن الإسلام كما يأتي بيانه.

قال السيد شرف الدين : «إنّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه أوسط الآراء إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعاً ، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثّقوهم جميعاً ، فإن الكاملية ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم قالوا: بكفر الصحابة كافة، وقال أهل السنة بعدالة كلّ فرد ممن سمع النبي أو رآه من المسلمين مطلقاً ، وأحتجّوا بحديث «كلّ من دبّ أو درج منهم أجمعين أكتعين» (2).

أما نحن فإنّ الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنّها بما هي من حيث هي غير عاصمة ، فالصحابة كغيرهم من الرجال ، فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم ، وفيهم البغاة وفيهم أهل الجرائم من المنافقين ، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتجّ بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة . أمّا البغاة على الوصي وأخي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر أهل الجرائم كابن هند. وابن النابغة، وابن الزرقاء ، وابن عقبة، وابن أرطأة ، وأمثالهم فلا كرامة لهم ولا وزن لحديثهم ، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبيّن أمره .

هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة والكتاب والسنة بنينا على هذا الرأي كما هو مفصّل في مظانه من اُصول الفقه. لكن الجمهور بالغوا في تقديس كلّ من يسمّونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال ، فاحتجوا بالغث منهم والسمين ، واقتدوا بكلّ مسلم سمع من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو رآه اقتداءً أعمى، وأنكروا على من يخالفهم في هذا الغلوّ، وخرجوا في الإنكار على كلّ حدّ من الحدود ، وما أشدّ إنكارهم علينا حين يروننا نردّ حديث كثير من الصحابة مصرّحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية.

وبهذا ظنّوا بنا الظنون فاتّهمونا بما اتهمونا رجماً بالغيب وتهافتاً على الجهل . ولو ثابت إليهم أحلامهم ورجعوا إلى قواعد العلم لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليها، ولو تدبّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم . وحسبك منه سورة التوبة والأحزاب ...

مسألة الصحابة

وعلى أيّ حال فإن فروض المسألة ثلاثة : الأوّل: إنّ الصحابة كلّهم عدول أجمعين ، وما صدر منهم يحتمل لهم، وهم مجتهدون . وهذا هو رأي الجمهور من السنة.الثاني: إنّ الصحابة كغيرهم من الرجال وفيهم العدول ، وفيهم الفساق ، فهم يوزنون بأعمالهم ، فالمحسن يجازى لإحسانه ، والمسيء يؤخذ بإساءته . وهذا رأي الشيعة .الثالث: إنّ جميع الصحابة كفار ـ والعياذ باللّه ـ وهذا رأي الخارجين عن الإسلام ولا يقوله إلاّ كافر ، وليس من الإسلام في شيء .

هذه ثلاثة فروض للمسألة، وهنا لا بدّ أن نقف مليّاً لنفحص هذه الأقوال : أمّا القول الثالث فباطل بالإجماع ولم يقل به إلا أعداء الإسلام أو الدخلاء فيه. وأما القول الأوّل وهو أشبه شيء بادعاء العصمة للصحابة ، أو سقوط التكاليف عنهم ، وهذا شيء لا يقرّه الإسلام ، ولا تشمله تعاليمه .

بقي القول الوسط وهو ما تذهب إليه الشيعة، من اعتبار منازل الصحابة حسب الأعمال ، ودرجة الإيمان وذلك: إنّ الصحبة شاملة لكلّ من صحب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أو رآه أو سمع حديثه، فهي تشمل المؤمن والمنافق ، والعادل والفاسق، والبر والفاجر ، كما يدلّ عليه قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك عندما أخبره جبرئيل بما قاله المنافقون : إنّ محمداً يخبر بأخبار السماء ولا يعلم الطريق إلى الماء ، فشكا ذلك إلى سعد بن عبادة فقال له سعد: إن شئت ضربت أعناقهم . قال(صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه ولكن نحسن صحبتهم ما أقاموا معنا» (3)

فالصحبة إذن لم تكن بمجرّدها عاصمة تلبس صاحبها أبراد العدالة ، وإنّما تختلف منازلهم وتتفاوت درجاتهم بالأعمال .

ولنا في كتاب اللّه وأحاديث رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) كفاية عن التمحّل في الاستدلال على ما نقوله ، والآثار شاهدة على ما نذهب إليه، من شمول الصحبة وإنّ فيهم العدول من الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ، ورسخت أقدامهم في العقيدة، وجرى الإيمان في عروقهم ، وأخلصوا للّه فكانوا بأعلى درجة من الكمال، وقد وصفهم اللّه تعالى بقوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الاِْنجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْئهُ فَـآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحاتِ مِنْهُمْ مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمَاً)(4).

وهم المؤمنون : (الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أوْلَئكَ هُمُ الصَّـدِقُونَ)(5).

وقد أمر اللّه تعالى باتباعهم والاقتداء بهم بقوله تعالى: (يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)(6)، (وَالسَّـابقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـن رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِى تَحْتَهَا الاَْنْهارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(7). هؤلاء هم أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يستطع أن يقول فيهم مالا يرضي اللّه تعالى ويخالف قوله؟

شمول الصحبة ومميزاتها

كما أنّ الصحبة تشمل من مردوا على النفاق، والذين ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لرسول اللّه الاُمور ، وأظهروا الغدر، حتى جاء الحقّ وظهر أمر اللّه وهم كارهون.

وفيهم من كان يؤذي رسول اللّه وقد وصفهم اللّه بقوله: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)(8)، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً)(9)، (والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَاللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(10).

وفيهم المخادعون والذين يظهرون الإيمان، وقد وصفهم اللّه تعالى بقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَمَاهُم بِمُؤْمِنِينَ* يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)(11)، (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَـاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُـمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ)(12). (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئنْ آتَـنَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّـلِحِينَ* فَلَمَّـا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَاوَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)(13).

والحاصل أنّ الصحبة منزلة عظيمة ، وفضيلة جليلة، وهي بعمومها تشمل من امتحن اللّه قلبه للإيمان ، وأخلص للّه، وجاهد وناصر ، ومن رقي درجة الكمال النفساني، فكان مثالاً لمكارم الأخلاق ، وهم يخشون اللّه ويمتثلون أوامره، كما وصفهم تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الـصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنفِقُونَ* أوْلَئكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(14).

كما أنّها لم تشمل من لم يدخل الإيمان قلبه : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)(15).

ومن الحقيقة التي تتجلّى بسهولة لكلّ من نزع عن عينيه التعصّب وتمرّد على تأثير الدعايات وإيحاءات الباطل، أنّ شروط الصحبة وصفات المؤمن التي نصّ عليها القرآن وخصائص القرب من الرسول الأعظم لم تكن تشمل كلّ أفراد عصر الرسالة، فإنّ المغالاة في التعميم تقوم على غرض لا يختلف في شيء عن الغرض الذي أعيا الحكام الظلمة تحقيقه، وهم يواجهون أهل البيت بمكانتهم وعظيم منزلتهم بين الناس باعتبار الأئمة منهم أهل الولاية الشرعية ونوّاب صاحب الرسالة والأوصياء المؤتمنين على اُمور الدين والرعية، فكانت مسألة تقديس كلّ من ضمته تسمية الصحبة بعد توسيعها وتعميمها هي مضاهاة منزلة أهل البيت وعدم تمييزهم وإرغام الناس على عدم ذكر الحقائق والأحداث، إذ كانت العملية تنصّ على التقديس بغض النظر عن الأفعال، فكم شملت الصحبة اُناساً مازال التاريخ يذكر ما اقترفوه، وما زالت أفعالهم مثالاً للظلم، وماذا نصنع بما نصّ عليه القرآن من ذكر المنافقين؟ وما أثبته التاريخ من أفعال، كذلك فإنّ الجانب الآخر لعملية التقديس يتفق مع روح الحكام في تحجير الأفهام وتقييد حرية الفكر، إذ فرضت العملية تلقّي ما صدر عن الذين شملتهم عملية توسيع الصحبة بالقبول، وإنّ ما كان منهم ليس لأحد قدرة على أن يرقى إليه فهو في أعلى مستوى من الكمال، مهما كانت مؤاخذات الواقع، وناهيك بما في هذا من استهانة بنعمة العقل التي ركّبها الله للإنسان، ثم كان ادعاء العصمة. ليت شعري ما هذه العصمة، أكانت في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أم بعده؟ ! فإن كانت في حياته فما أكثر الشواهد على نفي ذلك:

أخرج البيهقي بسنده عن أبي عبد اللّه الأشعري عن أبي الدرداء قال، قلت : يارسول اللّه بلغني أنّك تقول : ليرتدنّ أقوام بعد إيمانهم . قال(صلى الله عليه وآله وسلم) أجل ولست منهم(16).

ومن الغريب أنّ البعض علّل ذلك بأنّ المراد من هؤلاء المرتدّين، هم الذين قتلوا عثمان ، وأنّ أبا الدرداء مات قبل قتل عثمان ، وبهذا التأويل يتوجّه الطعن على أكثر الصحابة ، فإنّهم اشتركوا بقتل عثمان ، والمتخلفون عن ذلك عدد لا يتجاوز أصابع الكف، وبمقتضى هذا التأويل يدخل في قائمة الحساب عدد كثير هو أضعاف ما في قائمة الشيعة من المؤاخذات . ومن الشواهد على نفي العدالة في زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) :

1 ـ كان رجل يكتب للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد قرأ البقرة وآل عمران ، فكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)يملي عليه غفوراً رحيماً فيكتب عليماً حكيماً، فيقول له النبيّ: أكتب كذا وكذا. فيقول: أكتب كيف شئت، ويملي عليه عليماً حكيماً فيكتب سميعاً بصيراً وقال: أنا أعلمكم بمحمد . فمات ذلك الرجل فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): الأرض لا تقبله. قال أنس: فحدثني أبو طلحة ، أنّه أتى الأرض التي مات فيها الرجل، فوجده منبوذاً فقال أبوطلحة: ما شأن هذا الرجل ؟ قالوا: دفنّاه مراراً فلم تقبله الأرض. قال ابن كثير: وهذا على شرط الشيخين ولم يخرّجاه(17).

2 ـ وهذا الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي سمّاه اللّه فاسقاً حينما أرسله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على صدقات بني المصطلق فعاد وأخبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّهم خرجوا لقتاله فأراد أن يجهّز لهم جيشاً، فأنزل اللّه فيه: (يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُواْ قَوْماً بِجَهالَة...)الآية(18) . فقد كان في عداد الصحابة فأين العدالة من الفاسق؟ !(19)

3 ـ وهذا الجد بن قيس أحد بني سلمة نزلت فيه : (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّى أَلاَ فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ)(20).

4 ـ وهذا مسجد ضرار ـ وما أدراك ما مسجد ضرار؟! ـ قد بناه قوم، وسموا بالصحبة يتظاهرون فيه بأداء الصلاة في أوقات لا يسعُهم الوصول إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن فضح اللّه سرّهم وأبان أمرهم فهم منافقون .

وأنزل اللّه فيهم : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـذِبُونَ)(21) وكانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين منهم خذام بن خالد بن عبيد، ومن داره أخرج المسجد، ومعتب بن قشير، وأبو حبيبة بن أبي الأزعروغيرهم(22).

5 ـ وهذا ثعلبة بن حاطب بن عمر بن اُمية ممن شهد بدراً واُحداً ، فقد منع زكاة ماله، فأنزل اللّه فيه : (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّـا آتَياهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ)(23).

وكان ثعلبة هذا من الصحابة ملازماً لأداء الصلاة في أوقاتها، وكان فقيراً معدماً، فقال لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : ادع اللّه لي أن يرزقني مالاً فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك يا ثعلبة قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه، فقال ثعلبة: والذي بعثك في الحق نبيّاً لأن دعوت اللّه فرزقني مالاً لأعطينّ كل ذي حقّ حقّه. فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهمّ ارزق ثعلبة مالاً، فزاد وفره وكثر ماله وامتنع من أداء زكاته فأعقبه نفاقاً إلى يوم يلقاه بما أخلف وعده وكان من الكاذبين.

6 ـ وهذا ذو الثدية كان في عداد الصحابة متنسكاً عابداً، وكان يعجبهم تعبّده واجتهاده فأمر النبيّ بقتله وكان(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إنّه لرجل في وجهه لسفعة من الشيطان، وأرسل أبا بكر ليقتله فلما رآه يصلي رجع وأرسل عمر فلم يقتله ثم أرسل عليّاً(عليه السلام) فلم يدركه(24)، وهو الذي ترأس الخوارج وقتله عليّ(عليه السلام) يوم النهروان .

7 ـ وهؤلاء قوم وسموا بالصحبة كانوا يجتمعون في بيت سويلم يثبّطون الناس عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأمر من أحرق عليهم بيت سويلم(25).

8 ـ وهذا قزمان بن الحرث شهد اُحداً وقاتل مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قتالاً شديداً، فقال أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ عنا فلان فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : أما إنّه من أهل النار، ولما أصابته الجراحة وسقط فقيل له: هنيئاً لك بالجنة يا أبا الغيداق. قال: جنة من حرمل واللّه ما قاتلنا إلاّ على الأحساب(26).

9 ـ وهذا الحكم بن أبي العاص بن اُمية بن عبد شمس طريد رسول اللّه ولعينه وهو والد مروان وعمّ عثمان .

حدّث الفاكهي بسند عن الزهري وعطاء الخراساني أنّ أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)دخلوا عليه وهو يلعن الحكم فقالوا: يارسول اللّه ما باله؟ فقال: دخل عليّ شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة.

ومرّ النبيّ بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي بإصبعه، فالتفت فرآه فقال: اللهم اجعله وزغاً فزحف مكانه وكان يسمى خيط الباطل وقال(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: ويل لاُمتي مما في صلب هذا(27)

ومن حديث عائشة أنّها قالت لمروان بن الحكم: أشهد أن رسول اللّه لعن أباك وأنت في صلبه(28).

10 ـ وهذه اُم المؤمنين عائشة لم يثبت لها(صلى الله عليه وآله وسلم) الإيمان كما حدّث كثير بن مرة عنها: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أطعمينا يا عائشة قالت: ما عندنا شيء، فقال أبوبكر: إنّ المرأه المؤمنة لا تحلف; أنّه ليس عندها شيء وهو عندها. فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): ما يدريك أنّها مؤمنة ؟ إنّ المرأة المؤمنة في النساء كالغراب الأبقع في الغربان(29)

وهذا إنكار من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على القطع بالعدالة والإيمان. ولو كان كما يدّعى لقال مؤيداً لقول أبي بكر. نعم إنّها مؤمنة وزوجة نبيّ ومن أهل الجنة، ولكنه(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرض بذلك الاعتقاد وإنّما الاُمور منوطة بالعمل وحسن الخاتمة.

ويدلّ على ذلك أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) عاد كعباً في مرضه فقالت اُم كعب: هنيئاً لك الجنة يا كعب، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : من هذه المتالية على اللّه عزّ وجل . قال كعب : هي اُمي يارسول اللّه . فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) : وما يدريك يا اُم كعب ؟ لعل كعباً قال مالا يعنيه ومنع مالا يغنيه(30)

11 ـ وأخرج النسائي في صحيحه عن ابن عباس في نزول قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتأخِرِينَ)(31) أنّه قال : كانت امرأة تصلّي خلف رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حسناء من أحسن الناس ، وكان بعض القوم يتقدّم لـئلاّ يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخّر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ليراها. فأنزل اللّه فيهم ذلك(32).

12 ـ وأخرج ابن حنبل من طريق ابن عباس وابن عمر أنّهما سمعا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على منبره يقول : لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن اللّه على قلوبهم ثم ليكتبن من الغافلين(33)

13 ـ وأخرج أحمد في مسنده: عن عبد اللّه بن مسعود عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لأصحابه: أنا فرطكم على الحوض ولأنازعنّ أقواماً ثم لأغلبنّ عليهم فأقول : ياربّي أصحابي، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك(34). وأخرج عن ابن مسعود أيضاً بلفظ: وإنّي ممسك بحجورك إن تهافتوا في النار كتهافت الفراش(35).

وأخرج الترمذي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال فأقول : يا ربّي أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فإنّهم لن يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: إن تعذّبهم فإنّهم عبادك(36).

وأخرج مسلم من طريق عائشة بلفظ : إنّي على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم، فواللّه لينقطعنّ رجال فلأقولنّ أي ربّي... الحديث . وأخرج مثله من طريق اُم سلمة(37).

ولعلّ الاستمرار بذكر الشواهد ـ وما أكثرها ـ يوجب الإطالة ، والإطالة توجب الملل ، فلهذا نكتفي بالقليل من البيان حول الشواهد على نفي العدالة المزعومة : «لكلّ من دبّ ودرج».

والحق أنّ الصحبة بما هي فضيلة جليلة لكنّها غير عاصمة، فإنّ فيهم العدول والأولياء والصدّيقين ، وهم علماء الاُمّة وحملة الحديث ، وفيهم مجهول الحال وفيهم المنافقون وأهل الجرائم، كما أخبر تعالى بقوله: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الاَْعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَتَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم)(38) وفيه من كان يؤذي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَاللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(39) فإلى اللّه نبرأ من هؤلاء وممن (اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)(40) والذين (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَـدِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَيَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً* مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(41).

والكتاب العزيز يعلن بصراحة عن وجود طائفة تستمع إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)ولكن طبع اللّه على قلوبهم لأنّهم اتبعوا الهوى، فقال تعالى : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفاً أوْلَـئكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُمْ)(42). كما أعلن تعالى لعن طائفة منهم وهم الذين في قلوبهم مرض والذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم (أوْلَئكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَـرَهُمْ* أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا)(43).

أجل أين ذهب أولئك بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ وقد جرّعوه الغصص في حياته، ودحرجوا الدباب ، فهل انقبلت حالهم بعد موته(صلى الله عليه وآله وسلم) من النفاق إلى الإيمان، ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن الشك إلى اليقين؟ فأصبحوا في عداد ذوي العدالة من الصحابة الذين طبعت نفوسهم على التقى والورع وعفّة النفس والعلم والحلم والتضحية في سبيل اللّه، وهم الذين وصفهم اللّه تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أوْلَئكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(44).فنحن لا نرتاب في ديننا ولا نخالف قول الحقّ في تمييز منازل الصحابة ودرجاتهم فنتبع الصادقين منهم، ونوالي من اتصف بتلك الصفات التي ذكرها اللّه ورسوله ، كما إنّا لا نأتمن أهل الخيانة للّه ورسوله ، ففي ذلك جناية على الدين وخيانة لأمانة الإسلام ولا نركن لمن ظلم منهم ، ولا نودّ من حاد اللّه ورسوله . هذا هو قول الحقّ. والحق أحقّ أنيتبع .

وقد اختلفوا في تعريف الصحابة ومن هو الصحابي الذي يطلق عليه هذا الاسم، وإليك بيان ذلك :

تعريف الصحابي ونقطة الخلاف

اختلفت الأقوال في حدّ الصحبة ومن هو الصحابي ؟ فقيل: من صحب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو رآه من المسلمين ، فهو من الصحابة.

وإليه ذهب البخاري في صحيحه وسبقه إليه شيخه علي بن المديني وقال: من صحب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحابه(45).

وهذا التعريف ينطبق على المرتدين في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده، وعلى كلّ راء له وإن لم يعقل، وهذا أمر لا يقرّه العقل والوجدان ، فإنّ الردة محبطة للعمل فلا مجال لبقاء سمة الصحبة، وقد ذهب أبو حنيفة إلى الإحباط(46)، ونصّ عليه الشافعي في الاُم(47).

وقال الزين العراقي: الصحابي من لقي النبي مسلماً ثم مات على الإسلام. وقال سعيدبن المسيب : من قام مع النبيّ سنة كاملة ، أو غزا معه غزوةواحدة(48).

وهذا القول لم يعملوا به لأنّه يخرج بعض الصحابة الذين لم تطل مدّتهم مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يغزوا معه . قال ابن حجر : والعلم على غير هذا القول(49). وحكى ابن الحاجب قولاً لعمرو بن يحيى أنّه يشترط في الصحابي طول الصحبة والأخذ عنه(50).

كما أنّهم جعلوا من الصحابة من لم ير النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مسلم أو له رؤيةقصيرة.

ومهما تكن الأقوال والتعاريف فإنّ هذا الإسم يطلق على كلّ من سمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو رآه من المسلمين مطلقاً، وهم كلّهم عدول عندهم وما صدر منهم يحتمل لهم بحجة أنّهم مجتهدون.

وهذه هي النقطة الجوهرية التي وقع الاختلاف فيها، إذ الشيعة لا يذهبون لهذا القول فلا يثبتون العدالة إلا لمن اتصّف بها، وكانت فيه تلك الملكة، وأصالة العدالة لكلّ صحابي لادليل عليه ، ولا يمكن إثباته .

فالشيعة تناقش أعمال ذوي الشذوذ منهم بحريّة فكر، وتزن كلّ واحد منهم بميزان عمله : فلا يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ويتبرؤون ممّن اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل اللّه.

والشيعة لا يخالفون كتاب اللّه وسنّة رسوله وعمل السلف الصالح في تمييز الصحابة، ومن هو مصداق هذا الاسم حقيقة... فيكون عمله بحسب قوله، وقوله بحسب إيمانه ويجعل بينه وبين شعائر الجاهلية وأحلاف المشركين حاجزاً ويلوذ بأفياء شهادة لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، ويتبرّأ ممّا يسيء الى عقيدته أو يمسّ إيمانه لا يلغي الشيعة قوانين الطبيعة البشرية القاضية بتفاوت مدارك الناس واختلاف قابليتهم.

ومن هذا فتحت علىالشيعة باب الاتهامات الكاذبة، والتي لفّقها خصومهم، ولو كان هناك صبابة إنصاف، ومسكة من عقل، وقليل من تتبع وإعطاء الفكر حرّيته; لما وقعت تلك الملابسات ، وحلّت تلك المشاكل.

ومن الغريب أن تتّهم الشيعة بسبّ الصحابة والطعن عليهم أجمع ، وبذرة التشيّع نشأت في مجتمع الصحابة، ومنهم أبطال التشيّع وحاملو دعوته، وهم الذين عرفوا بالولاء لعليّ(عليه السلام) وناصروه في حربه لمن بغى عليه ، وهم خيار الأئمة ، وسيأتي ذكر بعضهم في الأجزاء القادمة، كما أنّ من الغريب أن يطالبوا بمخالفة مقاييس الإيمان والسلوك، ولكنّ الشيعة يأبون إلاّ حفظ شرف الصحبه وعدم الإساءة الى مقام الحظوة عند النبي والإخلاص له والتمسّك بهداه، وإذا طرح علماء السوء أردية التعصّب والعداء لتبيّن لهم أنّ الشيعة مثال ما قادت إليه عقول الكثير الكثير من رجال السنّة، كابن عيينة الذي قال: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلاّ بصحبتهم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وغزوهم معه(51). والشيعة تتحرى التقوى والاستقامة على أمرمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

موالاة الشيعة للصحابة

والشيعة يوالون أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة الدين ، وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم .

وإنّ الدعاء الذي تردّده الشيعة لأصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) لهو دليل قاطع على حسن الولاء وإخلاص المودة.

نعم إنّ الشيعة ليدعون اللّه لأتباع الرسل عامة ولأصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة بما ورثوه من أئمتهم الطاهرين، ومن أشهر الأدعية هو دعاء الإمام زين العابدين(عليه السلام) في صحيفته المعروفة بزبور آل محمد الذي يقول فيه: اللهمّ وأتباع الرسل ومصدقوهم من أهل الأرض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب والاشتياق إلى المرسلين بحقائق الإيمان في كلّ دهر وزمان، أرسلت فيه رسولاً ،وأقمت لأهله دليلاً، من لدن آدم إلى محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، من أئمة الهدى وقادة أهل التقى على جميعهم السلام فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان.اللهمّ وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحابة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته، وانتصروا به... والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظلّ قرابته، فلا تنس لهم، اللهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك، وكانوا مع رسولك دعاةً لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه...(52)

هؤلاء هم أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين تعظّمهم شيعة آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويدينون بموالاتهم ويأخذون تعاليم الإسلام فيما صحّ وروده عنهم . ولكن التلاعب السياسي واحتدام النزاع بين الطوائف خلق كثيراً من المشاكل في عصور قامت بها فئات لإثارة الفتن حبّاً للسيطرة وطمعاً في النفوذ من بابفرّق تسد .

وصفوة القول أنّ عصور التلاعب بالمبادئ والتطاحن حول بغية ذوي الأطماع قد ولّت، ونحن في عصرنا الحاضر عصر انطلاق الفكر من عقاله والتقدّم والرّقي، أيصحّ لنا أن نستمر على ضرب وتر العصبية؟ ونطرب لنغمات النزعة الطائفية، ونكرع بكأس الشذوذ عن الواقع ، ونهمل ما يجب علينا من مكافحة خصوم الإسلام وأعدائه، فقد وجّهوا إلينا سيلاً جارفاً من الآراء الهدامة والمبادئ الفاسدة.

أليس من الذوق السليم الترفع عن التعبير بتلك العبارات التي اتخذها ضعفاء العقول ، وأهل الجمود الفكري عندما يكتبون عن الشيعة فينبزونهم بكلّ عظيمة ، أليس من الحقّ أن يتبيّنوا من صحة ما يقولون ؟ وإنّ اتهام الشيعة بسبّ الصحابة وتكفيرهم أجمع إنّما هو اتهام بالباطل ورجم بالغيب ، وخضوع للعصبية وتسليم لنزعة الطائفية ، وجري وراء الأوهام والأباطيل .

الصحابة في حدود الكتاب والسنة

وهل تجاوزت الشيعة في نقد أعمال بعض الصحابه حدود الكتاب والسنة؟ إذ وجدوا في أعمالهم مخالفة ظاهرة، لا يمكن لها التأويل والتسامح ، لأنّ عموم الصحبة لايمنحهم سلطة التصرّف بالأحكام، ولا تسوغ لهم مخالفة تلك الحدود ، وإنّ الاجتهاد في مقابلة النص هو في الحقيقة طرح للأحكام ، ونبذ للقرآن وراء الظهور ، وإنّ كثيراً منهم حديثو عهد في الإسلام ، قد ألفت نفوسهم أشياء وطبعت عليها، ومن الصعب عليها أن تتحلل منها بسرعة .

وليس من الإنصاف أن يكونوا هؤلاء بمنزلة أهل السبق، ومن رسخ الإيمان في قلوبهم فنشروا الإسلام وحملوا ألوية العدل، ونشروا العقيدة الإسلامية ، وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم عن نيّة صادقة، وهاجروا عن إيمان خالص .

وقد قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (53)

وسأله ناس من أصحابه فقالوا: يارسول اللّه! أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ به ، ومن أساء أخذ في الجاهلية والإسلام» (54). وعن صهيب مرفوعاً : «ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه» (55). وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم)بلفظ: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ في الأوّل والآخر» (56)

وعن ابن عمر قال: صعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم . من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع اللّه عورته ومن تتبع اللّه عورته يفضحه ولو في جوف رحله»(57)

وهكذا يتّضح لنا على ضوء الأحاديث النبوية وآي القرآن الكريم مساواة الناس وشمول الأحكام لهم، وأنّ ثبوت العدالة بالعمل لا أثر لها بدونه، والصحابة هم أولى بتنفيذها ، والقول في اجتهادهم مطلقاً يحتاج إلى مشقّة في الإثبات ، والنتيجة عقيمة لا تثمر كثير فائدة، والتأويل في مقابلة النص معناه طرح للأحكام. فلا يصحّ أن يتأوّلوها على خلاف ظاهرها ثم يستبيحوا لأنفسهم مخالفة الظاهر منها، بل الأحكام شرعة واحدة بين الناس لتشملهم عدالتها . فلا مجال لأحد عن الخضوع لها وتطبيقها .

ولنا في سياسة الإمام عليّ بن أبي طالب وسيرته في عصر الخلفاء وفي عصره لأكبر دليل على ما نقول; فقد كان يقيم الحدّ على من تعدّى حدود اللّه، ويعامل كلّ واحد بما يقتضيه عمله ، وبقدر منزلته عند اللّه تعظم منزلته عنده، وكم كان يدعو على أولئك الذين وسموا بالصحبة وخالفوا كتاب اللّه وسنّة رسوله ونصبوا له الحرب . وقد أعلن(عليه السلام) البراءة منهم بل أعلن سبّ بعضهم على منبره، لأنّهم خالفوا كتاب اللّه وسنّة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن وقف على عهوده(عليه السلام) لعماله ووصاياه لاُمراء جيشه ورسائله لولاة أمره; يعرف هناك عدم الالتزام بما ألزموا الاُمة به من القيود التي فرضتها ظروف خاصة، وهو القول بعدالة الصحابي وإن ارتكب ما حرّم اللّه .

والتحدّث عن سيرة عليّ لايتسع له مجال هذا الموضوع الذي خضناه بهذه العجالة، والغرض أنّ أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) لابدّ أن يلتزموا باجتناب ما حرّم اللّه تعالى ويهتدوا بهدي رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يفتحوا المجال لمتأوّل في مقابلة النص، وللاجتهاد شروط ، ولعلّ في قصة قدامة أكبر دليل على ذلك.

قدامة بن مضعون

قدامة بن مضعون بن حبيب المتوفى سنة (36هـ) كان من السابقين الأولين وهاجر الهجرتين، واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر بن الخطاب من البحرين وشهد على قدامة أنّه شرب الخمر فسكر ، فقال: من يشهد معك، فقال الجارود : أبو هريرة ، فقال عمر لأبي هريرة ، بم تشهد؟ قال: لم أره شرب، ولكن رأيته سكران يقيء . فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم ، فقال الجارود: أقم على هذا حدّ اللّه. فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد ؟ فقال : شهيد. فقال : قد أديت شهادتك. ثم غدا الجارود على عمر فقال: أقم على هذا حدّ اللّه، فقال عمر : ما أراك إلا خصماً وما شهد معك إلا رجل واحد، فقال الجارود : أنشدك اللّه. فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لأسوأنك . فقال: ياعمر ما ذلك بالحقّ أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوأني ، فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين، إن كنت تشكّ في شهادتنا; فأرسل إلى ابنة الوليد فاسألها ـ وهي امرأة قدامة ـ فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها، فأقامت الشهادة على زوجها . فقال عمر لقدامة: إني حادّك ، فقال قدامة: لو شربت كما تقول ما كان لكم ان تحدّوني. فقال عمر : لِمَ ؟ قال قدامة : قال اللّه عزّ وجلّ: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ...)(58) فقال عمر: أخطأت التأويل أنت إذا اتقيت اللّه اجتنبت ما حرّم اللّه ، ثم أقبل عمر على الناس فقال : ما ترون في جلد قدامة؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام مريضاً. فسكت على ذلك أياماً ثم أصبح وقد عزم على جلده ، فقال: ما ترون في جلد قدامة؟ فقالوا: لا نرى أن تجلده مادام وجعاً. فقال عمر: لأن يلقى اللّه تحت السياط أحبّ إليّ من أن ألقاه وهو في عنقي، إئتوني بسوط تام. فأمر بهفجلد(59).

هذه قصة قدامة وإقامة الحدّ عليه وتأويله فيما ارتكبه، ولم نوردها لنحطّ من كرامته أو نطعن عليه في دينه ، فله شرف الهجرة والسبق، ولكنّا ذكرناها ليتّضح لنا عدم صحة ما يقولون بعدم مؤاخذة المتأول وإن خالف الإجماع، وما هو معلوم بالضرورة كقضيّة أبي الغادية وقتله لعمار بن ياسر مع اعترافه بأنّ ما ارتكبه جريمة توجب دخول النار .

وهناك جماعة من الصحابة تأوّلوا فأخطأوا فلم يدرأ تأويلهم الحدّ لوقوعه في الخطأ. منهم: أبو جندل وضرار بن الخطاب وأبو الأزور، فقد وجدهم أبوعبيدة قد شربوا الخمر فأنكر عليهم فقال أبو جندل: (ليس على الذين آمنوا جناح فيما طعموا... )(60) ولم ينفعهم ذلك وأقام عليهم الحدّ(61). فأين العدالة من إقامة الحد؟ وكان عبد الرحمن بن عمربن الخطاب قد شرب الخمر بمصر فأقام الحدّ عليه عمرو بن العاص(62) إلى كثير من ذلك.

سياسة عمر تجاه بعض الصحابة

وهذا عمر بن الخطاب لم يثبت العدالة لأبي هريرة عندما استعمله على البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه ، فقال أبو هريرة: لست بعدو اللّه ولا عدو كتابه ولكن عدو من عاداهما . فقال عمر: من أين هي لك؟ قال: خيل نتجت، وغلة ورقيق لي وأعطية تتابعت(63).

وفي لفظ ابن عبد ربه أنّ عمر دعا أبا هريرة فقال له: علمت أنّي استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني أنّك ابتعت أفراساً بألف دينار وستمائة دينار. قال: كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت، قال عمر: قد حسبت لك رزقك ومؤونتك وهذا فضل فأده ، قال أبو هريرة: ليس لك ذلك. قال: بلى واللّه أوجع ظهرك، ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ،ثم قال: إئت بها. قال: أحتسبتها عند اللّه. قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً، أجئت من أقصى البحرين تجبي الناس لك لا للّه ولا للمسلمين ؟ ما رجعت بك اُميمة إلاّ لرعية الحمر، واُميمة اُم أبي هريرة(64).

هكذا رأينا عمر يقابل أبا هريرة بشدّة ويتهمه بخيانة أموال المسلمين . وينسبه لعداء اللّه وعداء كتابه ولا يصدّقه فيما يدّعيه. ولو كان أبو هريرة عادلاً في نظر عمر لصدق قوله. ولقال : أنت عادل أو مجتهد مخطئ ، وكذلك موقف عمر مع خالد بن الوليد في جنايته الكبرى مع مالك بن نويرة.

ويحدثنا البلاذري: أنّ ابا المختار يزيد بن قيس رفع إلى عمر بن الخطاب كلمة يشكو بها عمال الأهواز وغيرهم يقول فيها:

أبلغ أمير المؤمنين رسالة *** فأنت أمين اللّه في النهي والأمرِ

وأنت أمين اللّه فينا ومن يكن *** أميناً لرب العرش يسلم له صدري

فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه *** وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشرِ

ولا تنسين النافعين كليهما *** ولا ابن غلاب من سراة بني نصر(65)

إلى آخر الرسالة وذكر فيها جماعة من عماله الذين استأثروا بالأموال وجلّهم من الصحابة فعاقبهم عمر واتهمهم بالخيانة، والخيانة لا تجتمع مع العدالة. ولا نطيل الحديث حول قاعدة أصالة العدالة لكلّ صحابي أو تأويل الأخطاء لهم على وجه يلزم السكوت عليه .

ما ذلك إلا تحدّ لنواميس الدين ومقدّسات الشريعة، ومجادلة بالباطل لحفظ كرامة معاوية وحزبه : (هَـا أَنتُمْ هَـؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(66).

رواية الصحابي

وواضح ممّا تقدّم أنّ الشيعة لا يذهبون إلى عدالة كلّ من وسم بالصحبة، وتحقيقها لا يكون إلا بالعمل الذي يصحّ أن يتصف الراوي بشروط العدالة المقررة، وأصالة العدالة في حقّ الصحابة لا أصل له وإثبات ذلك يحتاج إلى مشقة، والنتيجة عقيمة لا تثبت أيّ ثمرة هناك.

أمّا السُنة فقد أثبتوا العدالة لكلّ صحابي واستدلّوا بأدلة ذكرت في محلّها، ومع ذلك فقد اختلفوا، فذهب طائفة إلى عدالة الصحابة أجمع بدون استثناء، وآخرون ذهبوا إلى عدالة من لم يلابس الفتنة ـ أي من حين مقتل عثمان ـ وذهبت المعتزلة إلى فسق من قاتل عليّاً(عليه السلام) منهم، وحكى ابن الصلاح إجماع الاُمّة على تعديل من لم يلابس الفتنة. وحكى الآمدي وابن الحاجب قولاً أنّهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم إلى غير ذلك من الأقوال(67).

أمّا الشيعة فلا يذهبون لعدالة الجميع كما تقدّم . فهم يتثبتون في قبول الرواية فلا يروون إلاّ عن ثقة، ولهم شروط مقرّرة في محلّها، إذ الحديث هو دستور الإسلام، ومنهاج حياة المسلمين الدينية والاجتماعية ، لذلك اجتهد المسلمون في دراسته من حيث السند والدلالة.

وقد سمعنا وسمع كلّ أحد تلك التقوّلات على الشيعة: بأنّهم يردون أحاديث الصحابة ولا يأخذون عنهم ، وهذا طعن على أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد ذكر بعضهم أنّ الشيعة لا يعتمدون على شريعة المسلمين; لأنّهم يردون أخبار الصحابة، إلى غير ذلك من الأقوال بل التقوّلات .

وواضح أنّ مقتضى تلك الأقوال تهدف لشيء خلاف الواقع; اتباعاً لظروف قضت على الاُمّة بذلك، وليت شعري أمن الإنصاف والواقع أن تؤاخذ الشيعة في التثبّت عند قبول الرواية ، وهل جاءوا بشيء نكراً إذا لم يقبلوا رواية من اتّضحت حاله لسوء عمله ومجاراة هواه؟ بل تُردّ أقوالهم وعدم الاعتماد على رواياتهم ولا كرامة. هذا من جهة . ومن جهة اُخرى أنّ هناك اُموراً تقتضي الوقوف عن قبول كثير من الأحاديث من حيث السند والدلالة، فإنّ هناك سيلاً جارفاً يسبق إلى الذهن إنكاره، ويقضي العقل السليمبردّه.

وعلى أيّ حال فإنّ رواية الصحابي وقبولها عند الشيعة لم يكن كما يذهب إليه غيرهم من عدم الاعتماد عليها مطلقاً .

وليس من الحقّ أن يقال لمن احتاط لدينه وتثبّت في أخذ أحكامه أنّه طعن على أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) .

فإذا أردنا أن نتثبت في قبول رواية أبي هريرة مثلاً ونقف أمام أحاديثه موقف التثبّت لاستجلاء الواقع وظهور الحقيقة، يقال هذا طعن على الصحابة.

أليس من الحقّ أن نقف موقف الإنكار على كثرة أحاديثه الهائلة ونتساءل عن اختصاصه بمنزلة لم تكن لأحد من الصحابة قط، وهو حديث عهد في الإسلام . فإنّه أسلم بعد خيبر في السنة السابعة، وذهب إلى البحرين مع العلاء في السنة الثامنة، وبقي فيها إلى أن توفي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتكون صحبته أقلّ من سنتين . فكيف يختصّ بما لم يختص به من هو أسبق إسلاماً، وأكثر ملازمة منه للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأفرغ بالاً لقبول ما يسمع؟

فقد كان أبو هريرة مشغولاً بسدّ رمقه، ويصرع من الجوع مرة بعد اُخرى، وكان يتعرّض للناس يسألهم عن مسائل، وما كان يقصد إلا أن يتعطفوا عليه بشيء يسدّ رمقه ، لماذا كانت هذه الكثرة الهائلة عند أبي هريرة دون غيره من أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ! فقد كانت كثرة أحاديثه تبعث على الاستنكار والتساؤل ، فقد روى عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (5374) حديثاً(68)، وقد أنكر الصحابة عليه ذلك وكذّبوه ، وكان يعتذر بأن غيره من الصحابة تشغلهم التجارة(69).

روى الأعرج عن أبي هريرة أنّه قال: إنّكم تقولون ما بال المهاجرين لا يتحدثون عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الأحاديث؟ وإنّ أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الأسواق ، وإنّ أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أراضيهم والقيام عليها، وإنّي كنت امرأً معتكفاً أكثر من مجالسة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)أحضر إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا(70).

وهذا الاعتذار لا يمكن قبوله إذ لم يقبله أصحاب النبي، وقد أنكرت عليه عائشة وابن عمر، ونهاه عمر بن الخطاب عن الحديث.

إنّ أبا هريرة يدّعي أنّه كان معتكفاً لا يشغله شيء عن حفظ الحديث، لأنّه من أهل الصفّة، وبالإعراض عن شغله بسدّ رمقه وكثرة صرعه من الجوع، كما يحدّث هو عن نفسه، فإنّا نسائله عن اختصاصه بذلك ولِمَ لم يشاركه المعتكفون معه وهم أسبق وأقدم إسلاماً؟ فلم تكن لهم هذه الخصوصية. وإليك انموذجاً عن حديث أهل الصفة. بذكر البعض منهم :

حديث أهل الصفّة

حجاج بن عمر المازني الأنصاري شهد صفين مع عليّ(عليه السلام)، له في الصحاح حديث واحد. حازم بن حرملة الأسلمي له حديث واحد رواه ابن ماجة عن مولاه أبي زينب. زيد بن الخطاب العدوي قتل يوم اليمامة له حديث واحد يرويه عنه ابن عمر . سفينة مولى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) له أربعة عشر حديثاً انفرد له مسلم بحديث واحد. شقران مولى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، له عند الترمذي حديث واحد. طنخفة ـ بكسر أوّله وإسكان المعجمة ـ ابن قيس الغفاري مختلف في اسمه، له حديث واحد أخرجه أصحاب الصحاح . عبد اللّه بن أنيس أبو يحيى المتوفى سنة (80هـ) بالشام له أربع وعشرون حديثاً انفرد له مسلم بحديث واحد. عبد اللّه بن الحرث بن جزع ـ بفتح الجيم ـ الزبيدي المتوفى سنة (80هـ) بمصر، وهو آخر من مات بها من الصحابة، له أحاديث قليلة خرّجها أبو داود والترمذي وابن ماجة. عبد اللّه بن قرط الثمالي المتوفى سنة (56 هـ) له عند أبي داود النسائي حديث واحد، ولعلّه حديث المعراج. عقبة بن عامر الجهني المتوفى سنة (58 هـ) له خمسة وخمسون حديثاً، انفرد البخاري بواحد ومسلم بتسعة ، وهو ممّن حضر صفين مع معاوية. عمر بن تغلب العبدي له حديثان رواهما عنه البخاري. عمر بن عنبسة السلمي له ثمانية وأربعون حديثاً انفرد مسلم بحديث واحد . عتبة بن عبد السلمي المتوفى سنة (87 هـ) له ثمانية وعشرون حديثاً . عتبة بن الندر ـ بضم النون وفتح الدال المشددة ـ له حديثان عند ابن ماجة. عياض بن حماد المجاشعي البصري له ثلاثون حديثاً انفرد له مسلم بحديث واحد. فضالة بن عبيد الأنصاري المتوفى سنة (53 هـ) شهد اُحداً وبيعة الرضوان، له خمسون حديثاً انفرد له مسلم بحديثين . فرات بن حيان العجلي له عند أبي داود حديث واحد. وهو الذي كان عيناً لأبي سفيان وحليفه، فأمر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بقتله، فمرّ على حلقة من الأنصار وقال : إني مسلم. فقال رجل منهم : يارسول اللّه يقول : إني مسلم ، فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم منهم الفرات بن حيان». السائب ابن خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمر الخزرجي المتوفى سنة (71 هـ)، له خمسة أحاديث ، وغير هؤلاء من أهل الصفّة(71).

حديث أبي هريرة

فهؤلاء كانوا يشاركون أبا هريرة فيما ادّعاه من تلك الخصوصية التي امتاز بها على جميع أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد ضرب الرقم القياسي في الكثرة وهو في الدرجة الأولى من الصحابة في ذلك، مع أنّه كان اُميّاً لا يقرأ ولا يكتب ، وقد اعتذر عن ذلك بقوله كما أخرجه أحمد في مسنده: حضرت يوماً من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) مجلساً فقال: من بسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئاً سمعه مني، فبسطت بردة عليّ حتى قضى مقالته ثم قبضتها إليّ فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئاً سمعته منه(72).

ولنا أن نسائله عن إعراض من كان في المجلس عن هذه المكرمة ، ولأيّ شيء لم يتسابقوا لهذه الفضيلة؟ أكانوا يشكّون بما قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، حاشا وكلا، أم أنّهم لم يملكوا رداءً يبسطونه كما بسط أبو هريرة رداءه! فهل يصحّ لنا أن نتساءل عن ذلك، أم لا يسوغ ونرجع إلى العصور الماضية فنسكت خوفاً من الوقوع في الزندقة وليس وراءها إلا السيف والنطع ؟

كما حدّث الخطيب البغدادي: ذكر عند الرشيد حديث أبي هريرة: أنّ موسى لقي آدم فقال: أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة؟ فقال رجل من قريش : أين لقي آدم موسى ؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف زنديق يطعن في حديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)(73).

ومن هذا نعرف شدّة الأمر وخطر الموقف ، فهذا رجل يسأل عن المكان الذي لقي موس آدم ليتضح له أمر لعلّه كان يجهله فلقي ما لقي وطبّقت عليه مادة الفناء وهي الاتهام بالزندقة ، لأنّه يستفسر عن غموض حصل له في حديث أبي هريرة ، فأدّت الحالة أن اتّهم بالطعن على حديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) .

فكيف إذا أراد الاستفسار عن حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم والبخاري : إنّ جهنم لا تمتلئ حتى يضع اللّه رجله فتقول قط قط. الحديث(74). إذاً لايصحّ للمسلم الذي ينزه اللّه تعالى عن تلك الصفة أن يسأل، لأنّ في السؤال وتنزيه اللّه طعناً على أبي هريرة ، والطعن على أبي هريرة طعن علىالنبيّ.

وكيف إذا أراد أن يستفسر عن المحلّ الذي ينزل إليه اللّه جل وعلا في سماء الدنيا حين يبقى الثلث الأخير من الليل ، فقد روى ذلك أبو هريرة كما أخرجه الشيخان(75). إلى غير ذلك من أحاديثه التي يطول الحديث بالتحدّث عنها(76).وغرضنا من هذا العرض أنّ أحاديث أبي هريرة تحوط بها أشواك من التشكيك لحصول تلك الكثرة الهائلة، ولأنّه كان اُميّاً لا يقرأ ولا يكتب ، وهو حديث عهد في الاسلام ، وأقل الصحابة صحبة لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو يحدث عن وقائع لم يحضرها ، ومشاهد لم يشهدها إجماعاً .

فمن ذلك ما حدّث به عن سهو النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة وهو منزّه عن ذلك.

قال أبو هريرة: صلىّ بنا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر أو العصر فسلم في ركعتين، فقال له ذو اليدين : أنقصت الصلاة أم نسيت؟ !

وفيلفظ كما أخرجهمسلم: بينا أنا أصلي مع رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ... الحديث.

ممّا يدل على حضوره الواقعة، وممّا لا شك فيه أنّ إسلام أبي هريرة كان بعد خيبر سنة (7هـ)، ووفاة ذو اليدين في بدر في السنة الثانية. وقد حاولوا التوجيه لذلك ولم يتوجه جواب شاف كما يقول ابن عابدين(77).

ويحدّث عن رقية بنت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّه دخل عليها وسألها عن فضيلةلعثمان .

ورقية ماتت قبل إسلام أبي هريرة في السنة الثالثة من الهجرة.

كما أنّه لم يكن حاضراً في المدينة ويحدث عن أشياء يدّعي أنّه اشترك بها كقوله : كنت مع عليّ(عليه السلام) حينما بعثه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ببراءة(78).ومرّةً يقول: كنت مع أبي بكر، مع أنّ التاريخ يشهد بأنّه لم يكن حاضراً في المدينة ، لأنّه كان مؤذناً في البحرين .

نسوق هذا من باب المثال للتناقض الذي حصل في روايات أبي هريرة . ونحن إذ نتثبت ونرد الرواية التي ليس لها نصيب من الصحة، فإنّ ذلك ممّا يوجبه الإسلام ويقرّه العقل .

وعلى أيّ حال فأبو هريرة هو في الدرجة الأولى من المكثرين(79).

فالوقوف عند تلك الكثرة للتثبّت لا يوجب طعناً في حديث رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لا يستوجب أن يقال إنّ الشيعة لا يعتمدون على أحاديث الصحابة .

* * *

ولا نريد هنا أن نتحدّث عن حديث عبد اللّه بن عمر واختصاصه

بما لا يكون لأحد من الصحابة ، فهو في الدرجة الثانية بعد أبي هريرة ، فقد روى (2630) حديثاً(80)، وهذا لم يكن عند من هو أكبر منه سناً وأشدّ منه ملازمة، فقد كان حدث السن، لأن عمره يوم توفي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتجاوز العشرين سنة ، فهذه الكثرة تبعث على الاستغراب ، كما أنّ هناك اُموراً لا تسيغ لنا قبول كثير من رواياته، والتوقف في ذلك لا يدعو إلى الطعن في الصحابة. ولا نريد أن نعتذر عن رد أحاديثه عند التثبّت لمعرفة حاله; فإضبارة عمله كافية لكشف الحقيقة. فلنطو صحيفة البحث عن ذلك طلباً للاختصار هنا ونتركه لمحل آخر.

أما اُم المؤمنين عائشة فلا نريد أن نساير موكب حياتها من البداية إلى النهاية، فاستقصاء البحث يقصينا عن الموضوع(81) . ولكنّا نريد أن نتحدّث عن حديثها بصورة موجزة، فإنّ لشخصيتها مكانة في المجتمع وأثراً في التشريع الإسلامي، وقد اختصّت دون سائر أزواج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بكثرة الرواية عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)بما لا نسبة له بين مجموع رواياتهن ورواياتها، وإليك مايلي:

 حديث اُمهات المؤمنين(82)

زينب بنت جحش المتوفاة سنة (20 هـ)، لها (19) حديثاً. صفيّة بنت حيي ابن أخطب المتوفاة سنة (50 هـ) اتفق مسلم والبخاري على حديث واحد. سودة بنت زمعة المتوفاة في خلافة عمر، انفرد البخاري لها بحديث . هند بنت اُمية المخزومية وهي آخر أزواج النبي وفاةً، لها (378) حديثاً. حفصة بنت عمر بن الخطاب المتوفاة سنة (41هـ) لها (60) حديثاً. جويرية بنت الحرث المتوفاه سنة (56 هـ) لها أحاديث انفرد لها البخاري بحديثين. رملة بنت أبي سفيان المتوفاه سنة (44 هـ) لها (65) حديثاً . ميمونة بنت الحرث الهلالية المتوفاة سنة (51 هـ) لها (40) حديثاً. عائشة بنت أبي بكر الصديق المتوفاة سنة (57هـ) لها (2210) أحاديث، فارتفاع هذا الرقم وحصول تلك الطفرة في الكثرة يستوجب التريّث والتثبّت وعدم الإسراع في قبول ذلك ، ولا حرج على المفكّر لو أعطى النظر حرّيته مع حصول أشياء تؤيد هذا التفكير من شغلها وشواغلها ، وصغر سنها ولعبها باللعاب ومنادمة صويحباتها(83) والقيام بخدمة البيت إلى كثير من ذلك .

فالوقوف هنا لاستجلاء الحقيقة لا يوجب الطعن على اُمهات المؤمنين ليستوجب الكفر والخروج عن الدين على أنّ هناك شيئاً يدعو إلى التثبّت وهو أمر رواة أحاديثها ، فإنّهم اتخذّوا الرواية عنها سبباً للتقرّب إلى بني اُمية، وقد طعن على هشام بن عروة وغيره. ممّن تقربوا للاُمويين بوضع الأحاديث عن عائشة خدمة لمصالحهم.

ولا نطيل نقاشنا للأحاديث الواردة عنها التي فيها من الدخل الشائن لروح الإسلام والمنافية لمقام النبيّ الأعظم ، كما يروي البخاري عنها في الأدب المفرد، أنّها قالت: كنت آكل حيساً مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فمرّ عمر فدعاه فأكل فأصابت يده إصبعي فقال عمر: خس لو أطاع فيكن ما رأتكن عين(84).أليس في ذلك حطّ لمقام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ونقصه ؟ وهو الإنسان الكامل والمثل الأعلى لمكارم الأخلاق، أكانت داره أطروقة للذاهب والجائي؟!! أم كان يأكل هو وزوجته على قارعة الطرق؟ أم أن عمر كان لا يحترم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فيدخل عليه دخول عابر سبيل؟ كلّ هذا نسكت عنه لا خوفاً من القول بأنّه طعن على ما يروى عن عائشة، والطعن عليه خروج عن ملة المسلمين، كما يقولون ! ولكن ضيق المجال يحول دون بسط القول في ذلك.

أليس لنا حقّ التثبّت بما يروى عن عائشة أنّ رجلاً سأل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل(85).كيف يصح هذا ورسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) مثال الغيرة ومجمع الفضائل والإنسان الكامل؟ فالعقل يمتنع عن قبوله احتراماً لمقام الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) ، لذاته وخلّته الشخصية، فما بالك إذا كان رسول الله وأمينه على وحيه وخير خلقه؟ وليكن من وراء عدم قبول ذلك اتهام بالكفر ورمي بالزندقة.

كما يحقّ لنا أن نناقش ما يرويه مسلم في صحيحه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : إنّ النبي كان مسحوراً يخيّل إليه أنّه يفعل الشيء وما يفعله(86). فسل صحيح مسلم عن صحّة ذلك، وسل عروة وابنه إن كنت رجلاً لاتخاف الاتهام بالزندقة ، وإلاّ فاترك مسؤولية البحث لمن لا يتقيد بالأوهام ولا يخضع لسلطان العاطفة العمياء، ولا يبالي بتوجيه التهم ما دمنا محافظين على كرامة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن طعنّا بألف صحابي وصحابي وكذّبنا ألف صحيح وصحيح، حاشا للنبي الأعظم ومنقذ الإنسانية وهو الإنسان الكامل في كلّ صفاته، وهو المثل الأعلى لكلّ مكرمة، كيف يعتريه النقص ويخيّل إليه أنّه يفعل الشيء ولا يفعله ؟ ! ليت شعري أيتمّ نظام العالم وهو مصلحه مع اتصافه بهذه الصفة؟ كلا إنّه: (ما ينطق عن الهوى* إن هو إلاّ وحيٌ يُوحى )(87).

فلنترك مناقشة كثير من الأحاديث، ولا نمضي في هذا الموضوع بأكثر ممّا ذكرناه، ونكتفي بذكر ما دعت الحاجة إلى عرضه بدون استقصاء في البحث ولا تتبع شامل لنقاط الموضوع ، وغرضنا من ذلك إعطاء صورة عن تلك الاتهامات التي وجّهت للشيعة بأنّهم لا يأخذون برواية الصحابة . نعم الشيعة لا يأخذون إلاّ عن الصادقين في القول ، ويتشدّدون في قبول الرواية أكثر منغيرهم .

تهمة سبّ الصحابة

إنّ تهمة سبّ الصحابة قد استأصل داؤها فعزّ علاجه، ونفذ حكمها فعظم نقضه ، وسرت تلك الدعاية في مجتمع تسوده عاطفة عمياء وعصبية هوجاء. وقد وقفت الحقيقة أمام ذلك الوضع المؤلم مكتوفة اليد، وأسدلت دونها أبراد التمويه ، واُحيطت بأنواع الحواجز وأقيمت في طريق الوصول إليها آلاف من العقبات وسلاح القوة فوق ذلك، إذ السلطة قرّرت نظام انطباق الكفر والزندقة على المعارضين لسياستها ، ولم يمكنها تحقيقه إلا باتّهام سبّ الصحابة أو أبي بكر وعمر بصورة خاصة.

وإذا حاول المفكّرون أن يقفوا على حقيقة الأمر والواقع أخذوا بتلك التهمة وشملهم ذلك النظام الجائر.

فكانت الحكومة إذا أرادت أن تعاقب شيعياً لمذهبه لم تذكر اسم عليّ بل يجعل سبب العقوبة أنّه شتم أبا بكر وعمر. قاله في المنتظم ، وقال ابن الأثير في حوادث سنة (407هـ): وفي هذه السنة قتلت الشيعة في جميع بلاد أفريقيا وجعل سبب ذلك اتهامهم بسب الشيخين(88).

وما أكثر تلك الفظائع السود والأعمال الوحشية التي وقعت طبقاً لنظام السياسة ولا علاقة لها بنظام الإسلام الذي يقضي على مرتكبها بالخروج منه.

وإنّ المسألة مكشوفة لا تحتاج إلى مزيد بيان لشرح الأسباب التي أدّت إلى حدوث تلك الحوادث المؤلمة ، وارتكاب تلك الجرائم الفادحة ، ومعاملة شيعة أهل البيت بتلك المعاملة القاسية .

وليس هناك من شك بأنّ استقلال الشيعة الروحي وعدم اعترافهم بشرعية سلطان لا يحترم نواميس الدين، ولا يلتزم بأوامر الشرع جعلهم خصوماً للسلطة . فكانت مشكلة التشيع من أعظم المشاكل التي تواجهها الدولة .

فلقيت الشيعة بسبب خصومتها للدولة ومعارضتها لحكام الجور انتكاسات في سبيل نشر الدعوة، كما لقيت انتصارات إذ لم تكن تلك الانتكاسات لتعود بهم القهقرى، أو تلقى بهم في نطاق الفشل الضيق، واليأس من المضي فى سبيل إظهار عقيدتهم ، فقد كان لهم من الحيوية ورسوخ العقيدة ما ساعدهم على المضي في استرجاع مكانتهم في التاريخ ، لحمل رسالة يلزمهم أداؤها ويجب عليهم مواصلة الكفاح لتحقيقها تلك هي رسالة الإسلام ، تحت ظلال دعوة أهل البيت(عليهم السلام).

فكان لهم الأثر العظيم في نشر الوعي الإسلامي وإطلاق الفكر من عقال الجمود .

وعلى أيّ حال فإنّ أعداءهم لم يجدوا حلاًّ لهذه المشكلة إلاّ بأن يلصقوا بهم تهماً يتلقّاها المجتمع بالقبول ، فتوسعوا في التهم واتخذوا مرتزقة لتحقيق ذلك الغرض، فقالوا: إنّ الشيعة تكفّر جميع أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ويطعنون عليهم، وبذلك يتوجه الطعن على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّهم يرمون اُمّهات المؤمنين وغير ذلك.

ووضعوا قاعدة قررّها علماء السوء وهي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) فاعلم أنّه زنديق، وذلك أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حقّ والقرآن حق ، وإنّما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة(89).

وحكموا على من اتّهم بسبّ الشيخين بالكفر، فلا يغسّل ولا يصلّى عليه، ولا تنفعه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، ويدفع بالخشب حتى يوارى في حفرته(90). وإنّه إذا تاب لا تقبل توبته بل يجب قتله(91) . وقال بعضهم بحرمة ذبيحته وحرمة تزويجه(92) . ومن هذا وذاك سرت فكرة كفر الشيعة ، لأنّ الدولة قضت بنظامها القضاء عليهم، وأن يسندوا ذلك إلى الشرع ـ وحاشاه من ذلك ـ ولكن السياسة عمياء ، والحقّ لا قيمة له عند علماء السوء الذين اندفعوا لمؤازرة السلطة وإغواء العامة.

ومن الغريب أنّ بعض أولئك المرتزقة احتاط لدينه واستشكل في تنفيذ ذلك النظام المخالف للشرع ، فجاء بحكم جديد فأفتى بوجوب قتل من سبّ الصحابة سياسياً لدفع فسادهم وشرّهم ، وإن كانوا لا يجوزونه شرعاً للحديث الشريف: لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه(93) خرّجه جميع الحفّاظ وصحّحوه .. هكذا أفتى هذا المأجور .

وكم حكمت السياسة على نصوص الشريعة ونسخت أحكامها المقررة، لأنّ السياسة اقتضت ذلك، وعلماء السوء قد فتحوا باب الارتزاق بالدين وأعمتهم المادة واستغواهم شيطان اللذة وحبّ التمتع بالحياة ، فلم يقفوا عند حدود اللّه ، وحكموا بغير ما أنزل اللّه .

وطغا طوفان الافتعالات وتلاطمت أمواج الأكاذيب على اللّه ورسوله من أولئك القوم الذين ساروا على غير هدى . ولم يستمعوا لمرشد ولم يقفوا عند حدّ، بل الأمر منوط لرأي السلطة كيف شاءت.

ونودّ هنا أن نشير لنبذة من بحث للإمام كاشف الغطاء حول ذكر الفروق الجوهرية بين الطائفتين(94) :

قال(رحمه الله) ـ بعد ذكر الاختلاف في الخلافة ـ : نعم ونريد أن نكون أشد صراحة من ذلك ، ولا نبقي ما لعله يعتلج أو يختلج في نفس القراء فنقول : لعلّ قائلاً يقول: إنّ سبب العداء بين الطائفتين أنّ الشيعة ترى جواز المس من كرامة الخلفاء أو الطعن فيهم ، وقد يتجاوز البعض إلى السبّ والقدح ممّا يسيء الفريق الآخر طبعاً ويهيج عواطفهم فيشتدّ العداء والخصومة بينهم .

والجواب أنّ هذا لو تبصرنا به قليلاً ورجعنا إلى حكم العقل بل والشرع أيضاً لم نجده مقتضياً للعداء أيضاً . أما أولاً: فليس هذا من رأي جميع الشيعة وإنّما هو رأي فردي من بعضهم ، وربّما لا يوافق عليه الأكثر، كيف وفي أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك. فلا يصحّ معاداة الشيعة أجمع لإساءات بعض المتطرفين منهم.وثانياً : إنّ هذا على فرضه لا يكون موجباً للكفر والخروج عن الإسلام ، بل أقصى ما هناك أن يكون معصية وما أكثر العصاة في الطائفتين . ومعصية المسلمين لا تستوجب قطع رابطة الاُخوة الإسلامية معه قطعاً . وثالثاً : قد لا يدخل هذا في المعصية أيضاً ولا يوجب فسقاً إذا كان ناشئاً عن اجتهاد واعتقاد وإن كان خطأ ، فإنّ من المتسالم عليه عند الجميع في باب الاجتهاد أنّ للمخطئ أجراً وللمصيب أجرين ، وقد صحح علماء السنة الحروب التي وقعت بين الصحابة في الصدر الأوّل ، كحرب الجمل وصفين وغيرهما، بأنّ طلحة والزبير ومعاوية اجتهدوا وإن أخطأوا في اجتهادهم ، ولكن لا يقدح ذلك في عدالتهم وعظيم مكانتهم ، وإذا كان الاجتهاد يبرر ولا يستنكر قتل الآف النفوس وإراقة دمائهم فبالأولى أن يبرر ولا يستنكر معه (أي مع الاجتهاد) تجاوز بعض المتطرفين على تلك المقامات المحترمة، إلى آخر البحث .

وليس في وسعنا نقل كلمات علماء الشيعة حول هذه النقطة المهمة التي لها أثرها العظيم في تكدير صفو الاُخوة الإسلامية ، فأصبحت طريقاً لأعداء الدين يدخلون فيه لأغراضهم .

 

نهـاية البحـث

إنّ فكرة اتّهام الشيعة بسبّ الصحابة وتكفيرهم كونّتها السياسة الغاشمة، وتعاهد تركيزها اُناس مرتزقة باعوا ضمائرهم بثمن بخس وتمرّغوا على أعتاب الظلمة ، يتقرّبون إليهم بذمّ الشيعة ، وقد استغل أعداء الدين هذه الفرصة فوسّعوا دائرة الانشقاق لينالوا أغراضهم ، ويشفوا صدورهم من الإسلام وأهله ، وراح المهرجون يتحمّسون لإثارة الفتن وإيقاد نار البغضاء بين المسلمين بدون تدبّر وتثبّت ، وقد ملئت قلوبهم غيظاً .

وبفعل السياسة وتحكّمها أصبحت الشيعة وهي ترمى بكلّ عظيمة وتهاجم بهجمات عنيفة ، واندفع ذوو الأطماع يعرضون ولاءهم للدولة في تأييد ذلك النظام والاعتراف به، وأنّه قد أصبح جزءاً من حياة الاُمة العقلية وهم يخادعون أنفسهم .

ولم يفتحوا باب النقاش العلميّ وحرموا الناس حريّة القول ، وأرغموهم على الاعتراف بكفر الشيعة والإبتعاد عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ولو سألهم سائل عن الحقيقة وطلب منهم أن يوضّحوا لهم ذلك ، فليس له جواب إلاّ شمول ذلك النظام له ، ونحن نسائلهم :

1 ـ أين هذه الاُمة التي تكفّر جميع الصحابة ويتبرّأون منهم ؟

2 ـ أين هذه الاُمة التي تدّعي لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) منزلة الربوبية؟

3 ـ أين هذه الاُمة التي أخذت تعاليمها من المجوس فمزجتها فيعقائدها؟

4 ـ أين هذه الاُمة التي حرّفت القرآن وادّعت نقصه ؟

5 ـ أين هذه الاُمة التي ابتدعت مذاهب خارجة عن الإسلام ؟

إنّهم لا يستطيعون الجواب على ذلك، لأنّ الدولة قرّرت هذه الاتّهامات فلا يمكنهم مخالفتها. ولا يمكن إقناعهم بلغة العلم، وما أقرب الطريق إلى معرفة الحقيقة لو كان هناك صبابة من تفكير وبقايا من حبّ الاستطلاع وخوف من اللّه وحماية للدين!

أليس التشيّع مبدأ يشمل عدداً وافراً من أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم من البدريين وأهل بيعة الرضوان؟ ممّن والى علياً(عليه السلام) ويرى أحقّيته بالخلافة.

أليس من الشيعة علماء اعترف الكلّ بعلوّ منزلتهم وغزارة علمهم، واحتاج الناس إليهم ، وهم من شيوخ كبار العلماء ورجال الصحاح كأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، والبخاري وغيرهم ، وقد خرّج أصحاب الصحاح لعدد وافر من رجال الشيعة ، يربو عددهم على ثلاثمائة رجل؟ ولا يسع المقام لنشر أسمائهم فنتركهم لفرصة اُخرى(95).

أليس من الشيعة رجال حملوا رسالة الإسلام وتحمّلوا المصاعب في أدائها ومنهم حملة فقه لولاهم لضاع الفقه وذهبت تعاليم الإسلام؟ وإن للشيعة يداً في المحافظة على التراث الإسلامي وصيانته عن تلاعب السياسة.

التثبت قبل الحكم

لم نسهب في بيان الموضوع عبثاً واستطراداً ، ولم نقصد به خوض بحث لاعلاقة له بموضوع الكتاب ، بل الواقع أنّ هذا الموضوع من أهمّ المواضيع التي يجب أن نتطرّق إليها في هذا الكتاب الذي أقدمنا عليه لبيان مذهب أهلالبيت(عليهم السلام).

فمّما لا شك فيه أنّ أهمّ مشكلة تقف أمام الباحث هي مسألة اتّهام الشيعة بسبّ الصحابة أو تكفيرهم، وقد بيّنا مراراً أنّ ذلك يعود إلى عوامل سياسية لا صلة لها بالواقع ، لأنّ اسم الشيعة ارتبط بآل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم أنصارهم وآل محمد هم الشجى المعترض في حلق أولئك الحكام الذين استبدّوا بالحكم وجاروا على الاُمة ، فكان من دواعي السياسة أن تطبع في قلوب الناس طابع البغض للجانب الذي ينافسهم ويعارضهم ، أو من لا يؤازرهم ، وهو يقف موقف المعارضة لأعمالهم .

وهل من شكّ في معارضة الشيعة وعدم مؤازرتهم الدولة ، وإنّهم لا يعترفون بشرعيّتها في تلك العصور ؟ لأنّهم لا يتنازلون عن الاعتقاد بأحقيّة أهل البيت للخلافة ، لما طبعوا عليه من صفاء النفس والتضحية في سبيل المصلحة العامة، وهم أولى الناس بالأمر وأعدلهم بالحكم، لذلك نرى أنّ تشريع نظام الحكم على من اتّهم بسبّ الصحابة يهدف إلى عقاب الشيعة فقط . أمّا غيرهم فلا يشمله هذا الحكم ولو كان ملحداً كما مرّ بيانه.

وقد تسرّع المخدوعون بالظواهر إلى الاعتراف به ، وقاموا بتنفيذه ، فحكموا على الشيعة بالفسق مرّةً وبالكفر اُخرى ، وليتهم حدّدوا لذلك حدّاً حتى يعرف الناس كيفية المؤاخذة ، ولكنّهم وسعوا الدائرة واختلفت الصور، كما وأنّهم قرروا عدم قبول توبة المتّهم بسبّ الصحابة أو الشيخين بصورة خاصة، وقرروا انطباق الآراء الفردية على مجموع الاُمة، من دون تثبّت في الحكم وتورع في الموضوع .

ولهذا فإنّ المرتزقة من العلماء ـ الذين أصبحوا مصدراً للفتوى وحكاماً للسلطة التشريعية ـ قد أخذوا على عاتقهم مسؤولية إغواء العامة وحملهم على خلاف الحقّ، فكانوا دعاة فرقة وأئمّة ضلال ، فحكموا على الشيعة بالأخصّ من دون بيان لمستند الحكم ودليل للفتوى بأنّ قتالهم ـ أي الشيعة ـ جهاد أكبر، ومن قتل في حربهم فهو شهيد . ويقول في خاتمة الفتوى : ومن شكّ في كفرهم ـ أي الشيعة ـ كان كافراً . وآخر يقول كما في الخلاصة : الرافضي إذا كان يسبّ الشيخين ويلعنهما ، فهو كافر ، وإن كان يفضّل عليّاً عليهما، فهو مبتدع(96).

وهكذا زينّوا للناس حبّ الوقيعة بعضهم ببعض، وأباحوا قتل المسلم بيد أخيه المسلم بدون تثبّت في الحكم ووقوف أمام حرمة ذلك ، وليس غرضهم إلاّ إرضاء السلطة وإن غضب اللّه عليهم .

ولا حاجة بنا إلى نقل عبارات تعبر عن عقلية قائليها ومقدار إدراكهم للواقع، فلا نطيل الوقوف على تلك الخرافات والأباطيل ، فلنسدل الستار عنها، ولا بدّ لنا أن نلحظ نقطتين : الأولى : هل الطعن على مجموع الصحابة موجب لهذه الأحكام القاسية، أم أن هناك فرقاً وتمييزاً ؟ فإن كان هذا الحكم على كلّ من طعن صحابياً أو وصفه بصفة لا تليق به، فلماذا لم يحكموا على من طعن على عدد كثير من الصحابة ووصفهم بما لا يليق بهم؟ وهم من كبار الصحابة وأعيانهم ، لأنّهم أنكروا على عثمان أوضاع بني أبيه الشاذة ومسايرته لهم ، أو خالفوا معاوية ابن أبي سفيان .

أليس من الطعن والتنقيص وصفهم للصحابة : بأنّهم أجلاف أخلاط من الناس؟ لا شك أنّهم مفسدون في الأرض بغاة على الإمام(97).

ويقول ابن تيمية: بأنّهم خوارج مفسدون في الأرض ـ إلى أن يقول ـ : ولم يقتله ـ أي عثمان ـ إلاّ طائفة قليلة باغية ظالمة. وأما الساعون في قتله فكلّهم مخطئون بل ظالمون باغون معتدون(98).

ويقول ابن حجر في وصف المعترضين عليه: إنّ المجتهد لا يعترض عليه في الاُمور الاجتهادية، لكن أولئك الملاعين المعترضين لا فهم لهم ولا عقل(99).

وقد قرّروا في بحث العدالة أنّ الصحابة عدول إلى وقوع الفتن. أمّا بعد ذلك فلا بدّ من البحث عمّن ليس ظاهر العدالة ، هذا هو أحد الأقوال(100).

ولا نريد التعرّض لجميع الأقوال التي وصفوا بها الصحابة الذين اشتركوا في معارضة عثمان، وحرّضوا الناس عليه .

ولا نريد التعرّض لجميع الأقوال التي وصفوا بها الصحابة الذين اشتركوا في معارضة عثمان، وحرّضوا الناس عليه، ولكنّا نورد بعضاً من الرأي المعاصر في هذه القضية ونأخذ قول رفيق بك العظم إذ يقول: «... فإنّ اُولئك الثائرين على عماله (عثمان) الناقمين منه مهما كان الدافع لهم الى ذلك العمل فإنّ غايتهم التي يقصدون إليها بحسب الظاهر هي العدل بين الناس بعدم الاستئثار بمصالح ومنافع الاُمة».

ويستطرد فيقول: «.. فوقوف الناس على أخبارهم (الصحابة) والأخذ والرد فيما حدث بينهم يحيي في القلوب روح الحرية ويبعث على استظهار عامة الناس للحجة التي يصادمون بها الآن الاستبداد من الخلفاء والملوك الذين حوّلوا الخلافة الى الملك العضوض وأمعنوا في التمكّن من رقاب المسلمين، ولهذا ولما كثر خوض الناس في أخبار الصحابة أرادوا إلهاءهم عنها بحجّة حرمة الخوض فيها، فأوعزوا الى الوضّاع والقصاصين بوضع أخبار المغازي وقصة عنترة وأشباها في أعصر مختلفة لا تعلم بالتحقيق(101).

وكان من السهل على الاُستاذ رفيق بك أن يعلم أعصر وأزمان حركات الوضع والقصص التي لجأ إليها من ذكرهم من المتسلّطين والتي انصبّت على الإساءة إلى رموز العدل وأهل الإيمان الى جانب الأخبار والمغازي.

الثانية: إنّ الشيعة لا تتكتم في بغض من عادى عليّاً ، فإنّ مبغض عليّ منافق بنص الحديث الشريف : «ياعليّ لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق» (102)

وإن المنافقين لفي الدرك الأسفل من النار . وقد ثبت أنّ بعض من وسموا بالصحبة كانوا يبغضون علياً(عليه السلام) ويسبّونه . وقد اشتهر ذلك عنهم :

فاللّه يشهد إنا لا نحبّهم *** للّه لا نختشي في ذاك من غضبا(103)

وبدون شكّ أنّ معاوية وحزبه كانت تتجلّى بهم صفة البغض لعليّ وأهل البيت أجمع ، وقد قابلوه بالعداء وأعلنوا الحرب عليه .

كما أعلن معاوية شتم عليّ وجعله سُنة ، وتتبع أنصاره من الصحابة والتابعين ، فأذاقهم أنواع الأذى والمحن، وجرّعهم الغصص وقتلهم تحت كلّ حجر ومدر بما لا حاجة إلى بيانه.

على أنّ أعماله لا يمكن السكوت عنها، ولا طريق إلى حملها على وجه صحيح . وليس من الإنصاف أن يقال: إنّ معاوية مجتهد متأوّل ، وقد عطّل الحدود، وأبطل الشهود، وقتل النفس المحرّمة، وسبى نساء المسلمين، وعرضهن في الأسواق ، فيكشف عن سوقهن، فأيتهن كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها(104)، إلى كثير من تلك الفظائع والفجائع.

وهذا أبو الغادية الجهني ، كان من الصحابة ، وممّن سمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وروى عنه ، وهو أحد رواة حديث: «يا عمار تقتلك الفئة الباغية» (105). وهو الذي قتل عمار بن ياسر رضوان اللّه عليه، وقد أنكر الناس عليه ارتكابه لهذه الجريمة ، واعترف هو على نفسه بأنّه من أهل النار ، وكان يقول : واللّه لو أنّ عماراً قتله أهل الارض لدخلوا النار(106).

فكيف يتّهم بالخروج عن الدين من تبرأ من هذا المجرم الذي اعترف على نفسه بأنه عدوّ اللّه ، ولكن بعض المحدثين تأولوا له ذلك ، وأنّه مجتهد أخطأ ويلزم حسن الظنّ بالصحابة(107).

ونحن لا نعرف هذا المنطق الذي يقضي بطرح الأحكام ، وهجر الكتاب في جانب حسن الظنّ بالصحابة والسكوت عمّا ارتكبوه . وهل يسوغ لنا السكوت عن أعمال بسر وموبقاته ؟ إذ وسم بالصحبة أيضاً، وهو قائد جيش معاوية، وقد ارتكب جرائم لم يشهد التاريخ مثلها فظاعة، حتى أنكرت النساء عليه عندما دخل اليمن ، وقتل الشيوخ والأطفال وسبى النساء ، فقالت له امرأة من كندة: يا ابن أرطأة إنّ سلطاناً لا يقوم إلاّ بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام إنّه لسلطان سوء(108).

فكيف يسوغ لنا السكوت عن أعمال بسر، ونصمّ أسماعنا عن صوت ثكلى تردّد نغماتها موجات الحقّ، وترفع ظلامتها إلى رجال العدل ، وتدعو هائمة مذهولة؟ ؟

يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما *** كالدرتين تشظى عنهما الصدفُ

يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما *** سمعي وعقلي فعقلي اليوم مختطفُ

من دل والدة حيرى مدلهة *** على صبيين ذلاً إذ غدا السلفُ

نبئت بسراً وما صدقت مازعموا *** من إفكهم ومن الإثم الذي اقترفوا

أحنى على ودجي ابني مرهفة *** مشحوذة وكذاك الإثم يقترفُ

فهذا صوت يبعث في القلب شجى ، وفي العين قذى، يصدر من اُم والهة ـ وهي زوجة عبيد اللّه بن العباس ـ فقدت ولديها وهما قثم وعبد الرحمن. أخذهما بسر بن أرطأة وهما صغيران ، فذبحهما بين يدي اُمّهما، فهامت على وجهها مذهولة، فكانت تأتيالموسم وتنشد هذا الشعر وتهيم على وجهها(109). إذاً فليس من أنصاف الحقّ أن يؤاخذ المسلم عندما يغضب لسماع صوتها، وينسب الظلم لمن قتل ولديها فيرمى بالزندقة والإلحاد لأنّه طعن على معاوية، إذ القتل بأمره وهو صحابي ، وله في ذلك اجتهاد مقبول أو تأويل صحيح ، إذاً ليجرِ معاوية في ميدان الحياة وليفعل ما شاءت له نفسه، فقد ضربت الصحبة عليه حصانة لا يمكن مؤاخذته فليأمن من كلّ خطر وليسفك الدماء ، وليقتل على الظنّة والتهمة، فقد انهارت الحواجز كلّها في وجهه واندكت العقبات أمامه ، فلا تشمله تلك النظم والأحكام التي قررها الشارع المقدس ، وفيها سعادة البشر ونظام الحياة ، لأنّه صحابيّ وله حرّية التصرف في الأحكام.

ولو كان له ذلك لما أنكر الصحابة عمله ، وفي طليعتهم الصحابي الجليل أبوذر الغفاري، فقد أعلن للملأ انحراف سيرة معاوية ومخالفته لنظم الدين . وقد أنكرت عائشة على معاوية قتله لحجر وأصحابه وغضبت عليه ومنعته من الدخول عليها، ولم تقبل بأعذاره إذ قال: إنّ في قتلهم صلاحاً للاُمة، وفي مقامهم فساداً للاُمة فقالت: سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: سيقتل بعذراء اُناس يغضب اللّه لهم وأهل السماء(110)

وكثر الإنكار على معاوية لما ارتكبه من الأعمال، ولا يتّسع المجال للإسهاب في هذا الموضوع .

وخلاصة القول أنّ الصحبة بشروطها في الإخلاص في الدين والولاء في الإسلام وليست منزلة توجب العصمة وتلزم الاعتراف بالتفرّد دون نظر وتدقيق، قال سفيان بن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلاّ بصحبتهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وغزوهم معه(111). فليست مقرونة بمواهب خارقة وخصال خاصة وقد تكون اصطحاباً بلا أثر وغزواً في الظاهر، وفي السريرة أغراض نفع ورياء، فعن معاذ بن جبل أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة واجتنب الفساد فإنّ نومه ونبهته أجر كله، وأمامن غزا رياءً وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لا يرجع بالكفاف(112). فإذا كان ذلك في حياته عليه أفضل الصلاة والسلام فما ظنّك بعد أن قبض(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد أخبر(صلى الله عليه وآله وسلم) اُولئك ـ كما روي عن ابن مسعود وأنس ـ وآخرين: «يرفع إليّ أقوام فيقولون: يا محمد يا محمد، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: بُعداً وسحقاً» (113)

وسنعود إن شاء اللّه تعالى للبحث عنه مرة اُخرى في الأجزاء القادمة.

وها نحن أولاء نعيد تأكيد الطلب من الكتاب الذين يهمّهم خدمة الحقّ وإظهار الحقيقة، أن يتثبّتوا قبل الحكم حول تلك الاتهامات الموجهة إلى الشيعة(114)، وأن يستعملوا لغة المنطق ولا يخضعوا للتقاليد واستعمال الأقيسة المعكوسة ومؤاخذة الاُمة بالفرد.

نقول هذا ولنا كبير أمل فيما نلمسه من وعي في المجتمع الإسلامي لنبذ الحزازات ، وقبر تلك الآراء التي أوجدت الخلافات. ومن اللّه نسأل تحقيق الآمال فهو الموفّق وعليه الاتّكال . ونسأله تعالى أن ينصر المسلمين ويوحّد كلمتهم (ولو كره الكافرون).

والحمد للّه (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(115)

والصلاة على محمد وآلـه الطيبين وأصحابه المنتجبين «تم الجزء الثاني» ويلية الجزء الثالث إن شاء اللّه تعالى.

 

(1) تهذيب الكمال للمزي ج19 / 96.

(2) الفصول المهمة ص163 .

(3) اُنظر دلائل النبوة للبيهقي ج5 ص256 ـ 257.

(4) الفتح : 29.

(5) الحجرات : 15.

(6) التوبة: 119 .

(7) التوبة : 100.

(8) التوبة : 61.

(9) الأحزاب: 57 .

(10) التوبة: 61 .

(11) البقرة : 8 ـ 9 .

(12) البقرة: 14.

(13) التوبة : 75 ـ 76 ـ 77.

(14) الانفال : 2 ـ 4.

(15) الفتح : 11.

(16) تاريخ ابن كثير ج6 ص170.

(17) تاريخ ابن كثير ج6 ص170.

(18) الحجرات : 6.

(19) تفسير ابن كثير ج4 ص212.

(20) سيرة ابن هشام ج2 ص332.

(21) التوبة : 107.

(22) سيرة ابن هشام ج1 ص341 وتفسير ابن كثير ج2 ص388.

(23) الاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص201.

(24) الإصابة ج1 ص429.

(25) سيرة ابن هشام ج1 ص332.

(26) الإصابة ج3 ص235.

(27) الإصابة ج1 ص346.

(28)شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد ج6 ص 150.

(29) علل الحديث لابن أبي حاتم ج6 ص439.

(30) تاريخ بغداد ج4 ص273.

(31) الحجر: 24.

(32) صحيح النسائي ج2 ص87 / 870.

(33) مسند أحمد ج5 ص40.

(34) مسند أحمد ج5 ص231.

(35) مسند أحمد ج6 ص51.

(36) صحيح الترمذي ج2 ص67.

(37) صحيح مسلم ج4 ص 65 ـ 67.

(38) التوبة : 101 .

(39) التوبة : 61 .

(40) المجادلة : 16.

(41) النساء : 142 ـ 143.

(42) محمد : 16.

(43) محمد : 23 ـ 24.

(44) الحجرات : 15.

(45) أضواء على السنة المحمدية ص341.

(46) شرح ألفية العراقي ج3 ص 4.

(47) كتاب الاُم ج4 ص215 ـ 216 ، شرح ألفية العراقي ج3 ص4.

(48) شرح ألفية ا لعراقي ج3 ص8.

(49) المواهب شرح الزرقاني ص8 ـ 26.

(50) شرح ألفية العراقي ج4 ص32.

(51)صفوة الصفوة لابن الجوزي ج4 ص112 .

(52) الصحيفة السجادية ص43 ـ 44.

(53) صحيح مسلم ج6 ص48.

(54) صحيح مسلم ج1 ص77.

(55) صحيح الترمذي ج2 ص151.

(56) صحيح مسلم ج1 ص77.

(57) صحيح الترمذي ج1 ص365.

(58) المائدة: 93.

(59) الإصابة ج3 ص228.

(60) المائدة: 93.

(61) تاريخ دمشق ج25 ص 303 / 3030.

(62) اُسد الغابة ج3 ص473 / 3365.

(63) تاريخ ابن كثير ج8 ص113.

(64) العقد الفريد ج1 ص26.

(65) فتوح البلدان ص 377.

(66) النساء : 109.

(67) شرح ألفية العراقي ج4 ص35 وكفاية الخطيب البغدادي ص81 ـ 83.

(68) راجع في ذلك: مع الدكتور ناصر القفاري «السنّة ورواتها» ص 323 .

(69) المصدر السابق ص 333.

(70) الفتوحات الوهبية ص 136.

(71) اُسد الغابة ج2 ص391 / 1909، راجع: أسماء الصحابة الرواة ص 310 ـ 311، رقم 472.

(72) تاريخ ابن كثير ج8 ص105 .

(73) تاريخ بغداد ج14 ص7.

(74) وأخرجه أحمد في ج3 ص314.

(75) أخرجه البخاري في باب الدعاء، ومسلم في باب الترغيب في الدعاء.

(76) وقد جمع قسماً منها سيدنا الحجة شرف الدين في كتابه ( أبو هريرة) وأعطى صورة صادقة عنه ببحث علمي يتركز على حرية الفكر، فكان موضع عناية المفكرين، ونال القبول لما فيه من إظهار للحقائق الضائعة.

(77) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ص1 ـ 643.

(78) السنن الكبرى للنسائي ج2 ص 407.

(79)راجع في ذلك كتاب: مع الدكتور ناصر القفاري: السنّة ورواتها ص 323.

(80) راجع: أسماء الصحابة الرواة ص 38، رقم 2.

(81) ذكرنا أطوار حياتها ومنزلتها في التشريع الإسلامي في كتابنا (عائشة والتشريع الإسلامي) مخطوط.

(82) راجع في ذلك: أسماء الصحابة الرواة ص39، رقم 4 .

(83) البخاري في الأدب المفرد ص54.

(84) الأدب المفرد ص152.

(85) البخاري ج1 ص161 وصحيح مسلم ج1 ص187 ، وسنن البيهقي ج1 ص164.

(86) صحيح مسلم ج4 ص24.

(87) النجم : 3 ـ 4 .

(88) الكامل لابن الأثير ج9 ص110.

(89) الكفاية للخطيب البغدادي ص49.

(90) الصارم المسلول ص575 .

(91) رسائل ابن عابدين ج1 ص364 .

(92) انظر النصب والنواصب ص81 .

(93) رسائل ابن عابدين ج1 ص367 .

(94) اُنظر هذا البحث القيم الذي نشرته مجلة رسالة الإسلام تحت عنوان (بيان للمسلمين ) ص 227 ـ 228 السنة الثانية العدد الثالث .

(95) ذكر منهم سيدنا شرف الدين في كتاب المراجعات مائة رجل . وذكر العلامة الأميني في كتاب الغدير في ج3، عدداً وافراً منهم، وبأيدينا قائمة تقارب ثلاثمائة رجل قد اعتمد رجال الصحاح عليهم .

(96) رسائل ابن عابدين ج2 ص169.

(97) تاريخ ابن كثير ج1 ص176.

(98) منهاج السنة ج3 ص191 ـ 206 .

(99) الصواعق المحرقة لابن حجر ص68.

(100) شرح ألفية العراقي ج4 ص36.

(101)اُنظر عثمان، لمحمد رضا ص214 ـ 215 .

(102) الرياض النضرة ج2 ص163.

(103) اُسد الغابة ج5 ص267.

(104) الاستيعاب ج1 ص157، الإصابة ج4 ص151 .

(105) الإصابة ج1 ص151 .

(106) اُسد الغابة ج5 ص267.

(107) الإصابة ج4 ص151.

(108) الكامل لابن الأثير ج3 ص195.

(109) الاستيعاب : 1/ 156 والكامل لابن الأثير : 3/ 195.

(110) تاريخ ابن كثير ج8 ص55.

(111) صفة الصفوة لابن الجوزي ج1 ص111 .

(112) السنن الكبرى للنسائي ج7 ص155 .

(113) عيون أخبار الرضا ج1 ص93، كتاب الغيبة للقاضي النعماني ص247، مسند أحمد ج5 ص339، 400، 412.

(114) استقصينا البحث عن التهم الموجهة إلى الشيعة في كتابنا (الشيعة في قفص الاتهام ) وقد حالت الظروف بيننا وبين طبعه.

(115) التوبة: 33 .