باب الفروض على الجوارح

3215-  قال أمير المؤمنين ع في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة رضي اللّه عنه يا بنيّ لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كلّ ما تعلم فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة و يسألك عنها و ذكّرها و وعظها و حذّرها و أدّبها و لم يتركها سدى فقال اللّه عزّ و جلّ و لا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع و البصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤلا و قال عزّ و جلّ إذ تلقّونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم و تحسبونه هيّنا و هو عند اللّه عظيم ثمّ استعبدها بطاعته فقال عزّ و جلّ يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربّكم و افعلوا الخير لعلّكم تفلحون فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح و قال عزّ و جلّ و أنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدا يعني بالمساجد الوجه و اليدين و الرّكبتين و الإبهامين و قال عزّ و جلّ و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم يعني بالجلود الفروج ثمّ خصّ كلّ جارحة من جوارحك بفرض و نصّ عليها ففرض على السّمع أن لا تصغي به إلى المعاصي فقال عزّ و جلّ و قد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم و قال عزّ و جلّ و إذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديث غيره ثمّ استثنى عزّ و جلّ موضع النّسيان فقال و إمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى مع القوم الظّالمين و قال عزّ و جلّ فبشّر عباد. الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه و أولئك هم أولوا الألباب و قال عزّ و جلّ و إذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما و قال عزّ و جلّ و إذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه فهذا ما فرض اللّه عزّ و جلّ على السّمع و هو عمله و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عزّ و جلّ عليه فقال عزّ من قائل قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم فحرّم أن ينظر أحد إلى فرج غيره و فرض على اللّسان الإقرار و التّعبير عن القلب بما عقد عليه فقال عزّ و جلّ قولوا آمنّا باللّه و ما أنزل إلينا الآية و قال عزّ و جلّ و قولوا للنّاس حسنا و فرض على القلب و هو أمير الجوارح الّذي به تعقل و تفهم و تصدر عن أمره و رأيه فقال عزّ و جلّ إلّا من أكره و قلبه مطمئنّ بالإيمان الآية و قال تعالى حين أخبر عن قوم أعطوا الإيمان بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم فقال تعالى الّذين قالوا آمنّا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم و قال عزّ و جلّ ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب و قال عزّ و جلّ و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء و يعذّب من يشاء و فرض على اليدين أن لا تمدّهما إلى ما حرّم اللّه عزّ و جلّ عليك و أن تستعملهما بطاعته فقال عزّ و جلّ يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين و قال عزّ و جلّ فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب و فرض على الرّجلين أن تنقلهما في طاعته و أن لا تمشي بهما مشية عاص فقال عزّ و جلّ و لا تمش في الأرض مرحا إنّك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا. كلّ ذلك كان سيّئه عند ربّك مكروها و قال عزّ و جلّ اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فأخبر عنها أنّها تشهد

 على صاحبها يوم القيامة فهذا ما فرض اللّه تبارك و تعالى على جوارحك فاتّق اللّه يا بنيّ و استعملها بطاعته و رضوانه و إيّاك أن يراك اللّه تعالى عند معصيته أو يفقدك عند طاعته فتكون من الخاسرين و عليك بقراءة القرآن و العمل بما فيه و لزوم فرائضه و شرائعه و حلاله و حرامه و أمره و نهيه و التّهجّد به و تلاوته في ليلك و نهارك فإنّه عهد من اللّه تبارك و تعالى إلى خلقه فهو واجب على كلّ مسلم أن ينظر كلّ يوم في عهده و لو خمسين آية و اعلم أنّ درجات الجنّة على عدد آيات القرآن فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن اقرأ و ارق فلا يكون في الجنّة بعد النّبيّين و الصّدّيقين أرفع درجة منه

 و الوصيّة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين