باب 18- حكم المسافر و المريض في الصيام

قال الشيخ رحمه الله و كل مسافر في طاعة الله تعالى يجب عليه التقصير في الصلاة و الصوم و كذلك كل مسافر في مباح و لا ينبغي للإنسان أن يخرج إلى السفر في شهر رمضان إلا لضرورة تدعوه إلى ذلك و يكون سفره في ذلك طاعة أو مباحا فأما ما له عنه مندوحة فلا يجوز الخروج فيه

1-  روى محمد بن أحمد بن يحيى عن سهل بن زياد عن علي بن أسباط عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه و ليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه فإذا مضت ليلة ثلاثة و عشرين فليخرج حيث شاء

 و متى خرج على ما ذكرناه من وجوه السفر وجب عليه الإفطار يدل على ذلك قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فأوجب بظاهر اللفظ الصيام لمن شهد و فرض بصريحه القضاء على من يكون مريضا أو مسافرا فلو لا أن الإفطار واجب لما وجب عليه عدة من أيام أخر و يدل على وجوب الإفطار أيضا ما رواه

2-  محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله ع في قوله عز و جل فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال ما أبينها من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه

3-  و عنه عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نجران عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول قال رسول الله ص إن الله تصدق على مرضى أمتي و مسافريها بالتقصير و الإفطار أ يسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد عليه

4-  و عنه عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن سليمان بن سماعة عن علي بن إسماعيل عن محمد بن حكيم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه

5-  أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن عبد الملك بن عتبة عن إسحاق بن عمار عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله ع قال الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ثم قال إن رجلا أتى رسول الله ص فقال يا رسول الله أصوم شهر رمضان في السفر فقال لا فقال يا رسول الله إنه علي يسير فقال رسول الله ص إن الله تصدق على مرضى أمتي و مسافريها بالإفطار في شهر رمضان أ يعجب أحدكم أن لو تصدق بصدقة أن ترد عليه

6-  محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ع قال سمى رسول الله ص قوما صاموا حين أفطر و قصر عصاة فقال هم العصاة إلى يوم القيامة و إنا لنعرف أبناءهم و أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا

7-  الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن ع أنه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم فقال ليس من البر الصيام في السفر

8-  محمد بن أحمد بن يحيى عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ع قال من صلى في سفره أربع ركعات فأنا إلى الله منه بري‏ء

 قال الشيخ رحمه الله و من كان سفره أكثر من حضره فعليه الإتمام في الصلاة و الصوم يدل على ذلك ما رواه

9-  محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ع قال المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان

10-  علي بن الحسن بن فضال عن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله ع عن أبيه ع عن علي ع قال سبعة لا يقصرون الصلاة الأمير الذي يدور في إمارته و الجباء الذي يدور في جبايته و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر و الراعي و المحارب الذي يخرج لقطع السبيل و الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا

11-  و عنه عن سندي بن الربيع قال في المكاري و الجمال الذي يختلف ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم في شهر رمضان

 -  فأما ما رواه سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم ع قال سألته عن المكارين الذين يكرون الدواب فقلت يختلفون كل أيام كلما جاءهم شي‏ء اختلفوا فقال عليهم التقصير إذا ما سافروا

13-  عنه عن أبي جعفر عن الحسين عن فضالة عن أبان بن عثمان عن الفضل بن عبد الملك قال سألت أبا عبد الله ع عن المكارين الذين يختلفون فقال إذا جدوا السير فليقصروا

 فالمراد بهذين الخبرين أنه إذا كان مقام هؤلاء المكارين في البلد أكثر من عشرة أيام يجب عليهم التقصير كما يجب على المقيمين و إذا كان مقامهم دون ذلك فالتمام يلزمهم حسب ما قدمناه يدل على ذلك المعنى ما رواه

14-  محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي إسحاق إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ع قال سألته عن حد المكاري الذي يصوم و يتم قال أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير و الإفطار

 قال الشيخ رحمه الله و من كان سفره معصية لله تعالى أو صيد لهو أو بطر أو كان تابعا لسلطان جائر فعليه التمام

15-  يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن أبي أيوب عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون رجلا سفره في الصيد أو في معصية الله تعالى أو رسولا لمن يعصي الله أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين

16-  علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر و جعفر بن محمد بن حكيم جميعا عن أبان بن عثمان الأحمر عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع عمن يخرج من أهله بالصقورة و الكلاب يتنزه الليلتين و الثلاث هل يقصر من صلاته أو لا فقال لا يقصر إنما خرج في لهو

17-  محمد بن الحسن الصفار عن الحسن بن علي عن أحمد بن هلال عن أبي سعيد الخراساني قال دخل رجلان على أبي الحسن الرضا ع بخراسان فسألاه عن التقصير فقال لأحدهما وجب عليك التقصير لأنك قصدتني و قال للآخر وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان

 قال الشيخ رحمه الله و من أتم في السفر كان كمن قصر في الحضر و وجب عليه الإعادة إلا أن يفعل ذلك بجهالة

18-  يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال قلت له رجل صام في السفر قال إن كان بلغه أن رسول الله ص نهى عن ذلك فعليه القضاء و إن لم يكن بلغه فلا شي‏ء عليه

19-  الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن ابن أبي شعبة قال قلت لأبي عبد الله ع رجل صام في السفر فقال إن كان بلغه أن رسول الله ص نهى عن ذلك فعليه القضاء و إن لم يكن بلغه فلا شي‏ء عليه

20-  محمد بن أحمد بن يحيى عن أيوب بن نوح عن صفوان عن معاوية بن عمار قال سمعته يقول إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه و عليه الإعادة

21-  سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله ع قال سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال إن كان لم يبلغه أن رسول الله ص نهى عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم

 قال الشيخ رحمه الله و حد السفر الذي يجب فيه التقصير بريدان و هما أربعة و عشرون ميلا

22-  يدل على ذلك ما رواه الحسن بن علي بن فضال عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله ع قال في التقصير حده أربعة و عشرون ميلا

23-  و عنه عن محمد و أحمد ابني الحسن أخويه عن أبيهما عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا له آخر أو ضيعة له أخرى قال إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر و إن كان دون ذلك أتم

24-  و عنه عن محمد بن عبد الله و عن هارون بن مسلم جميعا عن محمد بن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ع قال سألته عن التقصير في الصلاة فقلت له إن لي ضيعة قريبة من الكوفة و هي بمنزلة القادسية من الكوفة فربما عرضت لي الحاجة أنتفع بها أو يضرني القعود عنها في رمضان فأكره الخروج إليها لأني لا أدري أصوم أو أفطر فقال لي فاخرج و أتم الصلاة و صم فإني قد رأيت القادسية فقلت له في كم أدنى ما تقصر فيه الصلاة قال جرت السنة ببياض يوم فقلت له إن بياض يوم يختلف فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم و يسير الآخر أربعة فراسخ و خمسة فراسخ في يوم فقال إنه ليس إلى ذلك ينظر أ ما رأيت سير هذه الأميال بين مكة و المدينة ثم أومى بيده أربعة و عشرين ميلا تكون ثمانية فراسخ

25-  الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة قال سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة فقال في مسيرة يوم و هي ثمانية فراسخ و من سافر فقصر الصلاة أفطر إلا أن يكون رجلا مشيعا أو يخرج إلى صيد أو إلى قرية له فتكون مسيرة يوم لا يبيت إلى أهله لا يقصر و لا يفطر

26-  و عنه عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع في كم يقصر الرجل فقال في بياض يوم أو بريدين قال فإن رسول الله ص خرج إلى ذي خشب فقصر فقلت فكم ذي خشب فقال بريدان

27-  أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حكم عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول في التقصير في الصلاة فقال بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا ثم قال إن أبي كان يقول إن التقصير لم يوضع على البغلة السفواء أو الدابة الناجية و إنما وضع على سير القطار

28-  فأما ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر ع قال التقصير في بريد و البريد أربعة فراسخ

29-  و عنه عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب قال قلت لأبي عبد الله ع أدنى ما يقصر فيه المسافر فقال بريد

30-  الحسين بن سعيد عن فضالة عن حماد عن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله ع يقول يقصر الرجل في مسيرة اثني عشر ميلا

31-  و عنه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر ع قال التقصير في بريد و البريد أربعة فراسخ

 فهذه الأخبار المراد بها إذا كان المسافر يريد الرجوع في يومه ذلك يجب عليه التقصير في أربعة فراسخ أو اثني عشر ميلا و الذي يدل على ما ذكرناه ما رواه

32-  الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن وهب قال قلت أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة قال بريد ذاهبا و بريد جائيا

33-  علي بن الحسن بن فضال عن أحمد بن الحسن عن أبيه عن علي بن الحسن بن رباط عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال سألته عن التقصير قال في بريد قال قلت بريد قال إنه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا شغل يومه

34-  فأما ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن أبي خلف عن يحيى بن هاشم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال كان النبي ص إذا سافر فرسخا قصر الصلاة

35-  محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى عن عمرو بن سعيد قال كتب إليه جعفر بن أحمد يسأله عن السفر و في كم التقصير فكتب ع بخطه و أنا أعرفه قال كان أمير المؤمنين ع إذا سافر و خرج في سفر قصر في فرسخ ثم أعاد من قابل المسألة إليه فكتب ع إليه في عشرة أيام

 المراد بهذين الخبرين في قوله ع قصر في فرسخ و ما جرى مجراهما من الأخبار هو أن المسافة إذا كانت على الحد الذي يجب فيه التقصير فصاعدا فسار المسافر يوما أو أكثر منه فإن سار بعد ذلك فرسخا أو فرسخين يجب عليه التقصير لأن مدى السفر قد حصل على حد يجب فيه التقصير و ليس الاعتبار بما يسير الإنسان بل الاعتبار بالمسافة المقصودة و إن لم يسرها الإنسان في دفعة واحدة أو يوم واحد و ليس ينافي هذا التأويل ما رواه

36-  محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى و ستة لا يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك الموضع قال لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة

 لأن هذه الرواية مقصورة على من خرج من بيته من غير نية السفر فتمادى به السير إلى أن صار مسافرا من غير نية لزمه التمام و إن بلغت المسافة إلى ما لو قصدها لوجب عليه فيها التقصير و إنما لزمه التمام لأنه لم يقصد سفرا مقدار ما يجب عليه فيه التقصير و الذي يعضد هذا التأويل ما رواه

37-  محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن رجل عن صفوان قال سألت الرضا ع عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر فقال لا يقصر و لا يفطر لأنه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ و إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه و لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك

38-  و الذي رواه سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر فيمضي في ذلك و يتمادى به المضي حتى يمضي به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته قال يقصر و لا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله

 فالوجه فيه أنه يجب عليه التقصير بعد قطعه ثمانية فراسخ إلى أن يرجع إلى منزله لأنه قد صار مسافرا و إن لم يكن قصد من أوله ذلك و الرواية الأولة إنما تضمنت وجوب التمام في مدة مضيه القدر المذكور و ليستا متنافيتين على هذا الوجه فإن خرج الإنسان مسافرا و سافر فرسخين و قصر ثم رجع عن نيته فإن كان قد قصر في الصلاة أعاد الصلاة يدل على ذلك ما رواه

39-  محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى عن سليمان بن حفص المروزي قال قال الفقيه ع التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا و جائيا و البريد ستة أميال و هو فرسخان فالتقصير في أربعة فراسخ فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا و ذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين و نيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر و إن رجع عما نوى عند ما بلغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام و إن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة

 فما تضمن هذا الحديث من أن التقصير في أربعة فراسخ يدل على أن الإنسان مخير في التقصير و الإتمام و إن كان وجوب الإفطار و التقصير يتعلق بثمانية فراسخ

 -  و أما ما رواه سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الحسن بن موسى عن زرارة قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يخرج في سفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلوا و انصرفوا فانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ما يصنع في الصلاة التي كان صلاها ركعتين قال تمت صلاته و لا يعيد

 فالوجه فيه أنه إذا لم يقض له الخروج و لم يرجع عن نيته في الخروج بل يكون عازما عليه لا يلزمه حينئذ إعادة الصلاة و متى كان الأمر على ما ذكرناه يلزمه التقصير ما بينه و بين شهر اللهم إلا أن يرجع عن نيته في السفر فيما بين ذلك لأن من هذا حكمه بمنزلة من دخل بلدا و لم يعلم مقامه فإنه يلزمه التقصير ما بينه و بين شهر ثم عليه التمام بعد ذلك

41-  و روى الحسين بن سعيد عن حماد عن يعقوب بن شعيب عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع إذا عزم الرجل أن يقيم عشرا فعليه إتمام الصلاة و إن كان في شك لا يدري ما يقيم فيقول اليوم أو غدا فليقصر ما بينه و بين شهر فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة

 و متى خرج الإنسان إلى السفر بعد ما أصبح فإن كان قد نوى السفر من الليل لزمه الإفطار و إن لم يكن نواه من الليل وجب عليه صوم ذلك اليوم و إن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه أيضا الإفطار و إن لم يكن قد نوى السفر من الليل و الذي يدل على ما ذكرناه ما رواه

42-  أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أحمد بن أشيم عن سليمان بن جعفر الجعفري قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح قال إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة

43-  و عنه عن الحسن بن علي عن رفاعة قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حتى يصبح قال يتم صومه يومه ذلك قال قلت فإنه أقبل في شهر رمضان فلم يكن بينه و بين أهله إلا ضحوة من النهار قال فقال إذا طلع الفجر و هو خارج فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر

44-  علي بن الحسن بن فضال عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي حمزة عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى ع في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله قال إذا حدث نفسه بالليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله و إن لم يحدث نفسه من الليلة ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه

45-  محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن عامر عن ابن أبي نجران عن صفوان بن يحيى عمن رواه عن أبي بصير قال إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل فأتم الصوم و اعتد به من شهر رمضان

46-  و الذي رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته و هو يريد السفر و هو صائم قال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه

47-  محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتد به من شهر رمضان فإذا دخل إلى بلد قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم فإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه و إن شاء صام

 فهذان الخبران و ما يجري مجراهما فالوجه فيهما أنه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار إذا كان قد نوى من الليل السفر و إذا خرج بعد الزوال فإنه يستحب له أن يتم صومه ذلك فإن أفطر فليس عليه شي‏ء و إن لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له الإفطار على وجه و يزيد ما ذكرناه بيانا ما رواه

48-  محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن عامر عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان عن سماعة و ابن مسكان عن رجل عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم

49-  فأما ما رواه محمد بن الحسن الصفار عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن فضال عن ابن بكير عن عبد الأعلى مولى آل سام في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل

 فأول ما فيه أنه موقوف غير مسند إلى أحد من الأئمة ع و ما يكون هذا حكمه لا يعترض به الأخبار الكثيرة المسندة و لو صح كان الوجه فيه ما ذكرناه من أن من خرج قبل مغيب الشمس و كان قد بيت نية السفر يجوز له الإفطار و إن كان يكون به تاركا فضلا و مهملا ما هو أولى به إلا أنه لا يكون بذلك عاصيا يستحق به العقاب

 قال الشيخ رحمه الله و من وجب عليه التقصير لا يجوز له أن يفطر و يقصر حتى يغيب عنه أذان مصره يدل على ذلك ما رواه

50-  محمد بن الحسن الصفار عن عبد الله بن عامر عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال سألته عن التقصير قال إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر و إذا قدمت من سفر فمثل ذلك

51-  محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله ع الرجل يريد السفر متى يقصر قال إذا توارى من البيوت قال قلت الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس قال إذا خرجت فصل ركعتين

 قال الشيخ رحمه الله و لا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا و لا فرضا إلا صوم ثلاثة أيام دم المتعة من جملة العشرة الأيام يدل على ذلك ما رواه

52-  الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال سألته عن الصيام في السفر فقال لا صيام في السفر قد صام أناس على عهد رسول الله ص فسماهم العصاة فلا صيام في السفر إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عز و جل في الحج

53-  محمد بن الحسن بن فضال قال حدثني أحمد بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن الجهم قال سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج قال من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة ما لم يخرج منها فإن أبى جماله أن يقيم عليه فليصم في الطريق

54-  و عنه عن محمد بن الوليد عن يونس عن أبي عبد الله ع في رجل متمتع لم يكن معه هدي قال يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة قال فقلت له إذا دخل يوم التروية و هو لا ينبغي أن يصوم بمنى أيام التشريق قال فإذا رجع إلى مكة صام قال قلت فإن أعجله أصحابه و أبوا أن يقيموا بمكة قال فليصم في الطريق قال فقلت فيصوم في السفر قال هو ذا هو يصوم في يوم عرفة و أهل عرفة هم في السفر

 و الوجه في وجوب هذه الثلاثة الأيام في السفر أنه متعلق بالأيام المخصوصة التي هي أيام ذي الحجة و متى أهل المحرم و لم يكن قد صامها سقط عنه فرض هذه الثلاثة الأيام و لزمه دم شاة

55-  روى ذلك علي بن الحسن بن فضال عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن حفص بن البختري عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله ع من لم يصم الثلاثة الأيام في الحج حتى يهل عليه الهلال فقال عليه دم يهريقه و ليس عليه صيام

  و أما ما يلزم الإنسان من الصوم في الكفارات و غيرها فلا يجوز له صومه في السفر يدل على ذلك ما رواه

56-  علي بن الحسن بن فضال عن علي بن أسباط عن علاء بن رزين القلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الظهار عن الحرة و الأمة قال نعم قال فإن ظاهر في شعبان و لم يجد ما يعتق قال ينتظر حتى يصوم رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين و إن ظاهر و هو مسافر أفطر حتى يقدم و إن صام فأصاب مالا يملك فليقض الذي ابتدأ فيه

 فأما صوم الثلاثة الأيام للحاجة بالمدينة فقد روى ذلك

57-  موسى بن القاسم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء و تصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة و هي أسطوانة التوبة التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء و تقعد عندها يوم الأربعاء ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي ص ليلتك و يومك و تصوم يوم الخميس ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي ص و مصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة و إن استطعت أن لا تتكلم بشي‏ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه و لا تخرج من المسجد إلا لحاجة و لا تنام في ليل و لا نهار فافعل فإن ذلك مما يعد فيه الفضل ثم احمد الله في يوم الجمعة و أثن عليه و صل على النبي ص و سل حاجتك و ليكن فيما تقول اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ص في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها فإنك حري أن تقضى حاجتك إن شاء الله تعالى

 فأما صوم النذر فهو على ثلاثة أضرب أحدها أن ينذر أن يصوم لله تعالى شهرا أو أياما معدودة فيجب عليه ذلك الصوم و لا يجوز له أن يصوم في السفر و الثاني أن ينذر صوم يوم بعينه فيوافق ذلك اليوم أن يكون مسافرا فحكمه حكم الأول في أنه لا يجوز له صومه في السفر و الثالث أن يعين صوم يوم بعينه و يشترط على نفسه أن يصومه في السفر و الحضر و حينئذ يلزمه صيام ذلك اليوم في السفر كما يلزمه في الحضر و الذي يدل على القسم الأول ما رواه

58-  محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن كرام قال قلت لأبي عبد الله ع إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عجل الله فرجه فقال صم و لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيام التشريق و لا اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان

59-  و يدل عليه أيضا ما رواه الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم ع قال سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة و شهر بالمدينة و شهر بمكة من بلاء ابتلي به فقضي له أنه صام بالكوفة شهرا و دخل إلى المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما و لم يقم عليه الجمال فقال يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده

60-  و أيضا ما رواه علي بن الحسن بن فضال عن عمرو بن عثمان عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يصوم صوما و قد وقته على نفسه أو يصوم أشهر الحرم فيمر به الشهر و الشهران لا يقضيه قال فقال لا يصوم في السفر و لا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها في كل شهر و لا يجعلها بمنزلة الواجب إلا أني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح قال و صاحب الحرم التي كان يصومها يجزيه أن يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيام

 و أما الذي يدل على القسم الثاني ما رواه

61-  محمد بن الحسن الصفار عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل قال كتب إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم كل جمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي فكتب إليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها و تصوم يوما بدل يوم إن شاء الله تعالى

62-  و يدل أيضا عليه ما رواه سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع إن أمي كانت جعلت عليها نذرا إن الله رد عليها بعض ولدها من شي‏ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أ تصوم أم تفطر فقال لا تصوم وضع الله عز و جل عنها حقه و تصوم هي ما جعلت على نفسها قلت فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أ تقضيه قال لا قلت أ فتترك ذلك قال لا لأني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره

 -  و أما ما رواه علي بن الحسن بن فضال عن جعفر بن محمد بن أبي الصباح عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن ع قال سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى قال يصومه أبدا في الحضر و السفر

 فالوجه فيه أنه إذا شرط على نفسه أن يصومه في السفر و الحضر و هو القسم الثالث من الأقسام التي قدمناها و الذي يدل على ذلك ما رواه

64-  محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد و عبد الله بن محمد عن علي بن مهزيار قال كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة فكتب ع و قرأته لا تتركه إلا من علة و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلا أن تكون نويت ذلك فإن كنت أفطرت منه في غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما يحب و يرضى

 فأما التطوع في السفر بالصوم فمكروه و الذي يدل على ذلك ما قدمناه من النهي عن الصوم في السفر و ذلك عام في التطوع و الفريضة و يزيد ذلك بيانا ما رواه

65-  الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن ع عن الصيام بمكة و المدينة و نحن في سفر قال فريضة فقلت لا و لكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة فقال تقول اليوم و غدا قلت نعم فقال لا تصم

66-  و روى سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال لم يكن رسول الله ص يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره و كان يوم بدر في شهر رمضان و كان الفتح في شهر رمضان

 و لو خلينا بظاهر هذه الأخبار لقلنا إن صوم التطوع في السفر محظور كما أن صوم الفريضة محظور غير أنه ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة و الذي روى ذلك

67-  محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس عن محمد بن عبد الله بن رافع عن إسماعيل بن سهل عن رجل عن أبي عبد الله ع قال خرج أبو عبد الله ع من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر فقيل له أ تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان فقال نعم شعبان إلي إن شئت صمته و إن شئت لا و شهر رمضان عزم من الله عز و جل على الإفطار

68-  و عنه عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن بلال عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل قال كنت مع أبي عبد الله ع فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر فقال إن ذاك تطوع و لنا أن نفعل ما شئنا و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا