الباب الثّاني والثّلاثون ثواب مَن بكى على الحسين بن علي عليهما السلام

 1 ـ حدِّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام «قال : كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول : أيّما مؤمنٍ دمعتْ عَيناه لقتل الحسين ابن عليٍّ عليهما السلام دمعةً حتّى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه فينا لاُذى مسّنا مِن عَدوِّنا في الدُّنيا بوَّأه الله بها في الجنّة مبوَّأ صِدقٍ ، وأيّما مؤمن مَسَّه أذىً فينا فَدَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه مِن مَضَاضةِ(1) ما اُوذي فينا صرَّف اللهُ عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة مِن سَخطه والنّار» .  

2 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : سمعته يقول : إنَّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلِّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام ، فإنّه فيه مأجورٌ» .  

3 ـ وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن خاله محمّد بن الحسين الزَّيّات ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عُقْبة ، عن أبي هارون المكفوف «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام ـ في حديث طويل له ـ : ومَن ذُكر الحسينُ عليه السلام عنده فخرج مِن عينه مِن الدُّموع مقدار جناح ذُباب كان ثوابه على الله عزَّوجلَّ ولم يرض له بدون الجنّة» .  

4 ـ حكيم بن داود بن حكيم ، عن سلمة بن الخطاب قال : حدثنا بكار بن أحمد القسام ؛ والحسن بن عبدالواحد ، عن مخول بن إبراهيم ، عن الربيع ابن منذر ، عن أبيه « قال : سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول : من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا و أحقابا ».

5 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن حمزة بن عليَّ الأشعريّ ، عن الحسن بن معاوية بن وَهب ـ عمّن حدّثه ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان عليُّ بن الحسين عليه السلام يقول : ـ وذكر مثل حديث محمّد بن جعفر الرَّزَّاز سواء(2) .  

6 ـ حدّثني محمّد بن جعفر القُرشيِّ ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن عليٍّ ، عن ابن أبي عُمَير ، عن عليِّ بن المغيرة ، عن أبي عُمارة المنشِد «قال : ما ذكر الحسين بن عليٍّ عليهما السلام عند أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام في يومٍ قطّ فرُئي أبو عبدالله عليه السلام في ذلك اليوم متبسِّماً قطّ إلى اللَّيل» .  

7 ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ ، عن أبيه ، عن عليِّ بن محمّد بن سالم ، عن محمّد بن خالد ، عن عبدالله بن حماد البصريّ ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن مِسْمَع بن عبدالملك كِرْدين البصريّ «قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : يا مِسْمع أنت مِن أهل العِراق ؛ أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟ قلت : لا؛ أنا رَجلٌ مشهورٌ عند أهل البصرة ، وعندنا مَن يتّبع هوى هذا الخليفة ، وعدوّنا كثير مِن أهل القبائل مِن النُّصّاب وغيرهم ، ولستُ آمنهم أنْ يرفعوا حالي عند ولد سليمان(3) فيُمثِّلون بي(4) ، قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : نعم ، قال : فتجزع؟ قلت : إي والله واستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ فأمتنع مِن الطّعام حتّى يستبين ذلك في وَجهي ، قال : رحِمَ الله دَمعتَك ، أما إنّك مِن الَّذين يُعدُّون مِن أهل الجزع لنا ، والّذين يفرحون لِفَرحِنا ويحزنون لِحُزننا ويخافون لَخوْفنا ويأمنون إذا أمنّا ، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملكَ الموت بك ، وما يلقّونك به مِن البشارة أفضل ، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدُّ رَحمةً لك من الاُمّ الشّفيقة على ولدها ، قال : ثمَّ استعبر واستعبرتُ معه ، فقال : الحمد للهِ الّذي فضّلنا على خلقه بالرَّحمة وخصَّنا أهل البيت بالرَّحمة ، يا مِسّمَع إنَّ الأرض والسَّماء لتبكي مُنذُ قُتل أمير المؤمنين عليه السلام رَحمةً لنا ، وما بكى لنا مِن الملائكة أكثر وما رَقأتْ دُموع الملائكة منذ قُتلنا ، وما بكى أحدٌ رَحمةً لنا ولما لقينا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدَّمعة من عينه ، فإذا سالَتْ دُموعه على خَدِّه ، فلو أن قطرةً مِن دُموعه سَقَطتْ في جهنَّم لأطْفَئتْ حَرَّها حتى لا يوجد لها حَرٌّ ، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند مَوته فرحَةً لا تزال تلك الفرْحَة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه مِن ضروب الطَّعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه ، يا مِسْمع مَن شرب منه شَربةً لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يستق بعدها أبداً ، وهو في بَرْدِ الكافور وريح المِسْك وطعم الزَّنجبيل ، أحلى مِن العَسل ، وألين مِن الزَّبد ، وأصْفى مِن الدَّمع ، وأذكى مِن العَنبر يخرج من تَسْنيم(5) ، ويمرُّ بأنهار الجِنان يجري على رَضْراض(6) الدُّرِّ والياقوت ، فيه من القِدْحان أكثرُ من عدد نجوم السَّماء ، يوجد ريحه مِن مَسيرةِ ألف عام ، قِدْحانه مِن الذَّهب والفِضّة وألوان الجوهر ، يفوح في وجه الشّارب منه كلُّ فائحة حتّى يقول الشّارب منه : يا ليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بَدلاً ، ولا عنه تَحويلاً ، أما إنّك يا [ابن] كِرْدين ممّن تروي منه ، وما مِن عَين بَكتْ لنا إلاّ نَعِمتْ بالنّظر إلى الكوثر وسُقِيتْ منه(7) ، وأنَّ الشَّارب منه ممّن أحبَّنا ليعطى مِن اللذّة والطَّعم والشَّهوة له أكثر ممّا يعطاه مَن هو دونه في حُبِّنا .  وإنْ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده عصاً مِن عَوسَج يحطم بها أعداءَنا ، فيقول الرَّجل منهم : إنّي أشهد الشَّهادتين ، فيقول : أنطلقْ إلى إمامك فلانٍ فاسأله أنْ يشفع لك ، فيقول : تبرَّأ منّي إمامي الَّذي تذكره ، فيقول : ارجع إلى ورائِك فقلْ للَّذي كنتَ تتولاّه وتقدِّمه على الخلق فاسأله إذ كان خير الخلق عِندك أن يشفع لك ، فإنَّ خيرَ الخلق مَن يَشفَع(8) ، فيقول : إنّي اُهلك عَطَشاً ، فيقول له : زادكَ اللهُ ظَمأُ وزادكَ الله عَطَشاً .  قلت : جُعِلتُ فداك وكيف يقدر على الدُّنوّ مِن الحوض ولم يقدر عليه غيره؟ فقال: ورع عن أشياء قبيحةٍ ، وكفّ عن شتمنا [أهل البيت] إذا ذكرنا ، وترك أشياء اجترء عليها غيره ، وليس ذلك لِحبّنا ولا لهوى منه لنا ، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتَدَيُّنه ولما قد شغل نفسه به عن ذكر النّاس ، فأمّا قلبه فمنافق ودينه النَّصب واتّباع أهل النَّصب وولاية الماضين وتقدُّمه لهما على كلِّ أحدٍ» . 

8 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن عبدالله بن بُكَير الاُرجانيِّ(9) . وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبدالله بن زُرارة ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن عبدالله بن بُكَير «قال : حَجَجْتُ مع أبي عبدالله عليه السلام ـ في حديث طويل(10) ـ فقلت: ياابن رسول الله لو نُبِش قبرُ الحسين بن عليّ عليهما السلام هل كان يُصابُ في قبره شيءٌ؟ فقال : ياابن بُكَير ما أعظم مسائِلُك ، إنَّ الحسين عليه السلام مع أبيه واُمّه وأخيه في منزل رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه يُرزقون ويحبون(11) وأنّه لعَلى يمين العَرش متعلّق(كذا) يقول : يارَبِّ أنْجزْ لي ما وَعَدتَني ، وإنّه لينظر إلى زُوَّاره ، وأنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماءِ آبائهم وما في رِحالهم من أحدِهم بولده ، وأنّه لينظر إلى مَن يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيّها الباكي لَو عَلِمتَ ما أعدّ اللهُ لك لَفَرِحْتَ أكثر ممّا حَزِنْتَ ، وإنّه ليستغفر له مِن كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ» .  

9 ـ حدَّثني حكيم بن داود ، عن سَلَمةَ ، عن يعقوبَ بن يزيدَ ، عن ابن أبي عُمير ، عن بكر بن محمّد ، عن فُضيل بن يَسار ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن ذُكِرنا عندَه ففاضَتْ عَيناه ولو مثل جَناح بَعُوضةٍ(11) غُفِرَ له ذنوبُه ولو كانت مِثلَ زَبَد البَحر» .  حدَّثني محمّد بن عبدالله ، عن أبيه ، عن أحمدَ بنِ أبي عبدالله البَرقيِّ ، عن أبيه ، عن بَكرِ بنِ محمّد ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله .  

10 ـ حدَّثني حكيم بن داود ، عن سَلَمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عليِّ ، عن العَلاء بن رَزين القَلاّء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام «قال : أيّما مؤمنٍ دَمَعَتْ عيناه لِقَتلِ الحسين عليه السلام دَمْعَةً حتّى تَسيل على خَدِّه بَوَّأه الله بها غُرفاً في الجنّة يَسكنها أحقاباً» .  

11 ـ وعنه ، عن سَلَمَةَ ، عن عليِّ بن سَيف ، عن بَكر بن محمّد ، عن فَضَيل بن فَضالة(12) ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن ذُكِرْنا عِنده ففاضَتْ عَيناه حرَّم اللهُ وَجْهَه على النّار» .

____________

1 ـ المَضاضَة ـ بالفتح ـ : وجع المصيبة . (البحار) .

2 ـ أي ما تقدّم تحت رقم 1 .

3 ـ يعني سليمان بن عبدالملك ، والمراد ولده حاكم الكوفة .

4 ـ مثّل بفلان أي نكّله ، وصنع به صنيعاً يحذّر غيره .

5 ـ هو عين في الجنّه وهو أشرف شراب في الجنّة . (مجمع البيان) .

6 ـ الرّضراض : الحصاء ، أو الصِّغار منها .

7 ـ إسناد السَّقْي إلى العين مجازيٌّ لسببيّتها لذلك . (البحار)

.8 ـ في بعض النّسخ : «حقيقٌ أن لا يردّ إذا شفع» .

9 ـ قال العلاّمة الأمينّي ـ رحمه الله ـ : أرّجان بفتح أوّله وتشديد ثانيه تارة ، وبالتّخفيف اُخرى ـ : مدينة مِن بلاد فارِس ، وفي بعض النّسخ : «ارحمانيّ» ، وأظنّه تصحيف أرْخُمانيّ ـ بالفتح ثم السكون وضم الخاء المعجمة ـ : بلدة من مدن فارس . و « عبدالله بن بكير » أو « عبدالله بن بكر » ـ كما في بعض النسخ ـ ليس هو من ولد أعين ، وله ابن اسمه الحسين ابن عبدالله الأرجانيّ.

10 ـ سيأتي الخبر بتمامه في باب نوادر الزّيارات تحت رقم 2 .11 ـ فيه سقط ، والسّاقط قوله : «كما يرزقون ، فلو نُبِشَ في أيّامه لوُجِدَ ، وأمّا اليوم فهو حيُّ عند ربّه يرزق وينظر إلى مُعَسكَره ، وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله ـ إلخ» . كما يأتي في النّوادر .

11 ـ في بعض النّسخ : «مثل جناح ذُباب» .

12 ـ عدَّه الشّيخ في رجاله من أصحاب الصّادق عليه السلام ، وقال : «الفضيل بن فضالة التّغلبيّ ، كوفيّ» . وفي بعض النّسخ: «عن فضيل؛ وفضالة ، عن أبي عبدالله عليه السلام» .