المجلس الثامن الإمام زين العابدين (ع) يدفن الأجساد الطاهرة

القصيدة: للسيد محمد حسين القزويني الشهير بالكيشوان

ت: 1356هـ

 

وانـصاع  حـاميةُ الشريعة ظامئا      مـا بـلَّ غُـلَّته بـعذب فـراتها

أضـحى وقـد جـعلته آل أمـيةٍ      شـبح  الـسهام رمـيَّةً لـرماتها

حتى  قضى عطشاً بمعترك الوغى      والـسمر تـصدر منه في نهلاتها

وجرت خيول الشرك فوق ضُلوعه      عـدواً  تـجول عـيه في حلباتها

ومـخدرات مـن عـقائل أحـمدٍ      هـجمت  عـليها القوم في أبياتها

مـن  ثـاكلٍ حرّى الفؤاد مروعةٍ      أضـحت تـجاذبها العدى حبراتها

ويـتيمة فَـزِعَت لـجسم كـفيلها      حـسى  الـقناع تعجُّ في أصواتها

أهـوت  على جسم الحسين وقلبها      المصدوع  كاد يذوب من حسراتها

وقـعت  عـليه تشمُّ موضع نحره      وعـيونها تـنهل فـي عـبراتها

تـرتاع  من ضرب السياط فتنثني      تـدعو سـرايا قـومها وحـماتها

أيـن  الحفاظ وفي الطفوف دمائكم      سـفـكت بـسيف أمـةٍ وقـناتها

أيـن  الـحفاظ وهـذه أشـلاؤكم      بـقيت  ثـلاثا فـي هجير فلاتها

أيــن الـحفاظ وهـذه أطـفالكم      ذبحت  عطاشا في ثرى عرصاتها

أيـن  الـحفاظ وهـذه فتياتُكم      حملت على الأقتاب بيد عداتها

حُملت برغم الدين وهي ثواكل      عـبرى تُردِّدُ بالشجى زفراتها

فـمن المعزِّي بعد أحمدَ فاطما      في قتل أبناها وسبيي بناتها(1)

 

(تجليلة)

يـهلنه  احسينكم حز الشمر نحره      او ظـل خيلهم تلعب على صدره

بگه  عاري او طفله امعفر ابكتره      وولاده  وخـوته طبگ وانصاره

يهلنه الخيم عگب احسين حرگوها      اجسوم  اهلي ابحر الشمس خلوها

او  هـذي روسهم برماح شالوها      او حرايرها عگبها راحت ايساره

يـهلنه اجـسوم اخوتي ما دفناها      او نـسوتها مشت والروس وياها

مـشت يـسره يهد الحيل ممشاها      شـفه گلـبه العدو بيها وخذ ثاره

 

(أبوذية)

يـخويه اشلون ما فكر ولاهم      او  ظـالم وليه لعيالك ولاهم

كـلنه انموت يبن امي ولاهم      أعادي أو ما تصح بيهم حميه

 

الإمام زين العابدين (ع) يدفن الأجساد الطاهرة

قال الراوي: لما ارتحل عسكر ابن سعد عن كربلاء وساروا بالسبايا والرؤوس مشت نساء من بني أسد إلى المعركة كانت في حي قريب من الواقعة فرأت جثث أولاد الرسول وأفلاذ حشاشة الزهراء البتول وجثث أنصارهم تشخب الدماء من جراحاتهم فتداخل النساء من ذلك تمام العجب فابتدرن إلى حيهن وقلن لأزواجهن ما شهدن ثم قلن لهم بماذا تعتذرون من رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء إذا وردتم عليهم حيث إنكم لم تنصروا أولادهم ولا دفعتم عنهم بضربة سيف ولا بطعنة رمح وبقيت النسوة يجلن حولهم ويقلن لهم إن فاتتكم نصرة تلك العصابة النبوية فقوموا الآن إلى أجسادهم الزكية فواروها فبادروا إلى مواراة أجساد آل الرسول وادفعوا عنكم بذلك العار.

فقالوا: إنا نخاف من عبيد الله بن زياد وابن سعد تصبحنا خيولهم وينهبوننا او يقتلوا أحدنا.

وقال كبيرهم: الرأي أن نجعل عينا على طريق الكوفة ونحن نتولى دفنهم قالوا: هذه الرأي السديد.

ثم إنهم وضعوا لهم عينا وأقبلوا إلى جسد الحسين (ع) وصار لهم بكاء وعويل، ثم إنهم اجتهدوا على أن يحركوه من مكانه ليشقوا له ضريحا فلم يقدروا أن يحركوا عضوا من أعضائه فقال أحدهم: ما ترون؟ قالوا: نجتهد أول في دفن أهل بيته ونرى رأينا فيه (في جسد الحسين (ع)).

فقال كبيرهم: كيف يكون دفنكم لهم وما فيكم من يعرف هذا من هذا وهم كما ترون جثث بلا رؤوس قد غيرت محاسنهم الشمس والتراب.

وإذا بفارس طلع عليهم على متن جواده وقد ضيق لثامه فلما رأوه انكشفوا عن تلك الجثث الزواكي فأقبل ونزل عن جواده وصار منحنيا كهيئة الراكع حتى أتى ورمى بنفسه على جسد الحسين (ع) فجعل يشمه تارة ويقبله أخرى وقد بل لثامه من دموع عينيه ثم رفع راسه ونظر إلى بني أسد وقال: ما وقوفكم حول هذ الجثث؟ قالوا: أتينا للتفرج عليها، قال: ما كان هذا قصدكم، فقالوا: نعم يا أخا العرب الآن نطلعك على ما في ضمائرنا أتينا لندفن جسد الحسين.

 

(تجليبة)

كثر  صايح النسوان اعله ابو اليمه      تـنخه  الزلم تمشي او تدفنه ابهمه

صـارت من بني أسد علجثث لمه      تـخاف امن العده والسكك ملزومه

امـن  ابن زياد خافوا حطوا اربيه      لـن ازلـمه امـلثم گاصـد ابنيه

تـنحَّوا خـاف يظهر من بني ميه      او ذاك الـجمع من ريبه كثر لومه

گال  الهم اشعدكم واجفين اصفوف      گالـواله  انتفرج علجثث وانشوف

مبخوتين گال الهم او ميلوا الخوف      واحچوا  اشعدكم اتموجون بالحومه

گالـوله يگاصـد تـنشد ابهالحين      نخبرك بالصدگ من كون مبخوتين

جينه  ندفن احسين او هله الطيبين      بدر  بالتم او تزهر بالوغه انجومه

 

قال بنو أسد: فخط لنا خطا في الأرض وقال: احفروا هاهنا ففعلنا، ووضعنا فيها، سبعة عشرة جثة. ثم خط لنا خطا آخر وقال: احفروا هاهنا ففعلنا، ووضعنا فيها باقي الجثث واستثنى جثة واحدة فأمرنا أن نشق لها ضريحا مما يلي الرأس الشريف ففعلنا.

وقال لهم: أما الحفيرة الأولى ففيها أهل بيته، وأما الحفيرة الثانية ففيها أصحابه، وأما القبر المنفرد مما يلي الرأس الشريف، فهو حامل راية الحسين (ع) حبيب ابن مظاهر.

 

(تجليبة)

گال الهم احفروا هنا حفيره الساع      دفن بيها حبيب البيه تروط الگاع

بعد  حفره دفن سبعين بيها اسباع      واسـبعطعش  يوم الكون معلومه

 

ثم أقبلنا لنعينه على جسد الحسين (ع) وإذا هو يقال لنا: بخضوع وخشوع أنا أكفيكم أمره، فقلنا: يا أخا العرب كيف تكينا أمره وكلنا اجتهدنا على أن نحرك عضوا من أعضائه فلم نقدر عليه، فبكى بكاء شديدا وقال: إن معي من يعينني عليه، ثم جثى على الأرض وبسط كفيه تحت ظهره الشريف وهو يقول: بسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقيل أنه قال: يا بني أسد عليّ بحصيرة!! قالوا: ما تصنع بها؟ قال: لأضع عليها أوصال الحسين (ع) المقطعة. فناولوه حصيرة جمع عليها أوصال الحسين، وقيل أيضا: أنه (ع) أخذ يبحث قريبا من جسد الحسين عن شيء لم يكن يدري أحد ما هو، وإذا به ينحني إلى الأرض فيحمل إصبعا كان قد قطع من أصابع الحسين (ع) ثم وضعه في محله من يد أبيه الحسين وأنزل أباه في قبره وحده ولم يشرك معه أحد من بني أسد.

قال بنو أسد فرأيناه قد وضع خده على نحره الشريف وهو يبكي وسمعناه يقول: طوبى لأرض تضمنت جسدك الشريف، أما الدنيا فبعدك مظلمة، وأما الآخرة فبنورك مشرقة، أما الحزن فسرمد، وأما الليل فمسهد، حتى يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت مقيم بها، وعليك مني سلام الله يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثم اشرج عليه اللبن وأهال عليه التراب.

 

(نصاري)

بـعد مـا نـزله او وسـده ابگبره      أخــذ  يـنتحب واجـره الـعبره

هـوه فـوگه يـشمه او يحب نحره      صـاح اوداعـة الله الراس چا وين

انه  اللي صار بيه او ما جره ابناس      شـفتك  عـلثره بـالخيل تـنداس

تـالي  الـوكت نـزلتك ابلا راس      جـسد والراس صارت له ابمچانين

الـعذر  لـله تـارني ابولية اعداي      مشيت اويه العدو ما هو على اهواي

لـو بـيدي لـجيب الـراس وياي      لچنـه راح لـلشام اويـه سـبعين

 

قال الراوي: ثم وضع كفه على القبر وجعل يخط القبر بأنامله.

 

وعن بعضهم: أنه كتب: هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا. وقيل وضع الطفل الرضيع إلى جنب والده في قبره بناء على وصية سابقة من الحسين (ع) لولده زين العابدين (ع) قال له: بني إذا جئت لمواراة الأجساد وسد رضيعي إلى جنبي.

 

(مجردات)

بويه الطفل خله اعله صدري      وابرفج حط نحره اعله نحري

لا يـنلچم جـرحه يـذخري      تـدري  يـبويه بگت تدري

نـار الـسهم بگلـبي تسري      وامـعانگه الهد ركن صبري

 

قال بنو أسد: ثم التفت إلينا وقال: انظروا هل بقي أحد؟ فقالوا نعم يا أخا العرب بقي بطل مطروح حول المسناة، كلما حملنا جانبا منه سقط الآخر لكثرة ضرب السيوف والسهام.

فقال (ع) امضوا بنا إليه فمضينا فلما رآه انكب عليه يقبله وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم.

 

(تجليبة)

گال الـهم بـعد واحد جزانه اوفات      گالـوا  بـطل ظـل اعله المسنات

نـاده  او هلن ادموعه عله الوجنات      يمن سوگ الحرايب مرخص السومه

يـعمي أخلاف عينك يسرتنه اعداك      لـوح الـمهر واشـهر سيفك الفتَّاك

هـذا الـواك ما تنهض تشيل الواك      نـايم يـا ذخـر زيـنب او كلثومه

 

ثم أمرهم أن يشقوا له ضريحا، قال بنو أسد: ففعلنا ثم أنزله وحده ولم يشرك معه أحدا منا، ثم أشرج عليه اللبن وأهال عليه التراب.

ثم مضى إلى جواده فتبعناه ودرنا عليه نسأله عن نفسه فعرفهم أولا بالقبور قبرا قبرا وأمرهم أن يعلموا الناس ويعرفوهم قبر الحسين وأصحابه ثم قال: وأما أنا فإمامكم علي بن الحسين (ع) فقلنا له: أنت علي؟ فقال: نعم فأقبلوا عليه يقبلونه ويقولون عظم الله لك الأجر بأبيك الحسين قالوا: فغاب عن أبصارنا (2).

 

(نصاري)

تـحسَّر  حـسرة المهظوم بحزان      انه  ابن احسينها المذبوح عطشان

دفنت اهلي او ماشي ابيسر عدوان      ابـاري  امـخدرات الـهاشميين

 

قال الراوي: ورجع إلى الكوفة وإذا بعمته زينب (ع) التي كانت قلقة عليه تستقبله بقولها: يا ابن أخي أين كنت هذا اليوم إلى هذه الساعة؟ قال: عمه مضيت إلى دفن أبي الغريب (3) فبكت وقالت يا ابن أخي إلى الآن لم يدفن أبوك الحسين؟

 

(تجليبة)

دفـنهم ويـل گلـبي او سدر للكوفه      عليل  او مهجته امن التعب مخطوفه

صـدت  عـمته او مـتغير اتشوفه      او عبرتها ابصدرها اشلون مهضومه

گامـت نـشدته الحره او يهل جفنه      يگلـها الساع ابويه افرغت من دفنه

صـاحـت  آه دفـنوهم ولا شـفنه      هـاي  ابيا كتر چانت لي مضمومه

 

(أبوذية)

مـن كثر الونين الگلب ولم      على الحد حضر له گبر ولم

صـدره الهشموه انجمع ولم      لو عافوه ابدمه اعله الوطيه

***

يا ميِّتا ترك الألباب حائرةً      وبالعراء ثلاثا جسمه تُركا


(1) ـ مثير الأحزان ص113 للشيخ شريف الجواهري.

(2) ـ معالي السبطين. مقتل الحسين للمقرم.

(3) ـ المناهج الحسينية ص38 جواد شبر.