(المجلس الرابع شهادة الإمام علي (ع

القصيدة: للشيخ حسن بن الشيخ علي بن الشيخ سليمان

البحراني الشهير بالبلادي

 

هو  نقطةُ العلم الغزير ومن له      نصُّ الغدير هو الهدى والهادي

هو  آية الله العظيمة في الورى      والصدرُ  في الإصدار والإيراد

مـن أيَّـد الله الـنبيَّ بـسيفه      جـهرا وسـرا سـائر الأمجاد

صنو  الرسول ونفسه وشريكُه      فـيما  عـدا الإرسال للإرشاد

حارت  جميعُ الخلق في أحواله      مـن  ثـاقبي الإفـهام والنُقاد

إذ  كـان لـم يـعرفه إلا ربُّه      ونـبيُّه  ربُ الـفخار الـبادي

بـينا  عـزيمتُه تـدانى دونها      أعـلا الـعلاة وشامخ الأطواد

إذ  قـاده أدنـا الـدُناة مـلببا      لـلـسامري  وعـجله بـمقاد

ويروم حرق خبائه ويرضُّ جن      بـي زوجه الزهراء ركنُ فساد

ويُدَبُّ عن رتب الخلافة موهنا      ويُـسَّب بـالأعياد في الأعواد

ويُشَجُّ  في الشهر الكريم كريمُه      فـي ورده ظلما بسيف مرادي

قـد  غاله وسط الصلاة مناجيا      لـله فـي المحراب شرُّ معادي

لـهفي لـه لـما علاه بضربة      نـجلاء  قـد سُقيت بسُمِّ عناد

وبـقي ثـلاثا مـدنفا لا شاكيا      بـل شـاكرا إذ حاز خير مفاد

مـتـبتلا ومـحمدلاً ومـهللا      ومـكبِّراً  قـد فُزتُ باستشهاد

فـارتام  يوصي بالذي يختاره      خـير الـوصية خيرةَ الأولاد

حـتى أراد الله إنـفاذ الـقضا      فمضى  من الفاني إلى الإخلاد

فـتشرفت أرضُ الغريِّ بقبره      فاختار  منها التربُ نورا بادي

إذ قد حوت بدر البدور ونورها      فـاعجب لبدرٍ حلَّ في الألحاد

فـبكى جـميعُ العالمين لرزئه      والـنيراتُ تـجلَّلت بسواد(1)

 

(مجردات)

ابـعيد الـبله ابچتـلك ينادون      او مـحزنين ويلادك يصيحون

او  يـتاماك لـفراگك ينوحون      او عليك السمه والكون مرجون

ريـت  الـفجر لا بين ايكون      اولا بـيه عـدوانك يـعيدون

 

(مجردات)

ام  كـلثوم اجـت والـدمع نفاح      او صاحت ابصوت ايفت الأرواح

يــا لـيت لا بـيّن الـمصباح      والــذل  عـلـينه بـين اولاح

 

(أبوذية)

ولـي امن الله على المخلوگ ينصاب      او راسه ابسيف اشقى الناس ينصاب

او مخه اويه الدمه اعله العين ينصاب      او جـرحه ايـعصبه حـسين الشفيه

 

(أبوذية)

أبـونه  ايـلوج مـن طبيت شفته      او عن صحته الطبيب اشگال شفته

واشـوفه  زورگت يـحسين شفته      امـعصب  راسـه وبوجهه المنيه


الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان

 

شهادة الإمام علي (ع)

قال أمير المؤمنين (ع) ليلة الحادي والعشرين لأولاده وأصحابه: بالأمس أنا صاحبكم واليوم أنا عبرة لكم وغدا أنا مفارقكم.

وفي هذه الليلة أوصى ولديه الحسن والحسين بجملة وصايا منها أوصيكما: بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تأسفا على شيء زوي عنكما وقولا بالحق واعملا للأجر وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا، أوصيكما وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا. بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنت مسلمون ـ إلى أن قال ـ وإصلاح ذات بينكم فإني سمعت رسول الله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الأيتام لا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم، الله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم، الله الله في جيرانكم فإن رسول الله (ص) أوصى بهم حتى ظننا أنه سيورثهم، الله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود الدين، الله الله في الزكانة فإنها تطفئ غضب ربكم، الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمون بين أظهركم. ثم التفت إلى بني عبد المطلب قائلا لهم: يا بني عبد المطلب لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلنَّ بي إلا قاتلي.

وفي خبر قال: أبصروا ضاربي وأطعموه من طعامي واسقوه من شاربي ثم إذا أنا مت فاقتص منه ـ يا حسين ـ واضربه ضربة واحدة او ضربة بضربة ولا تحرقه بالنار ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور وإن أنا عشت فأنا أولى به. ثم عرق جبينه فجعل يمسح العرق بيده فقالت ابنته زينب: يا أبه أراك تمسح جبينك، قال: يا بنية سمعت جدك رسول الله (ص) يقول: إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وسكن أنينه. فقامت زينب وألقت بنفسها على صدر أبيها وقالت: يا أبه حدثتني أم أيمن بحديث كربلاء وقد أحببت أن أسمعه منك فقال: يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن وكأني بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس فصبرا صبرا.

 

(مجردات)

تـمشين  يـا زينب سبيه      او  ويـاچ كـل الفاطميه

يـودونچن لـبن الـدعيه      واحسين يبگه اعله الوطيه

او عـباس علشاطي رميه

 

ثم نظر إلى أولاده فرآهم تكاد تزهق أرواحهم من شدة البكاء والنحيب فقال لهم: أحسن الله لكم العزاء ألا وإني منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد (ص) كما وعدني فإذا أنا مت يا أبا محمد فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط رسول الله (ص) فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل إليه، ثم ضعني على سريري ولا يتقدم أحد منكم مقدم السرير واحملوا مؤخره واتبعوا مقدمه وصلِّ عليَّ يا بني يا حسن وكبّر عليَّ سبعا واعلم أنه لا يحل ذلك لأحد غيري إلا لرجل يخرج آخر الزمان اسمه القائم المهدي من ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق. فإذا أنت صليت عليَّ فنحِّ السرير عن موضعه ثم اكشف التراب عنه سترى قبرا محفورا ولحدا مثقوبا وساجة منقوبة فاضجعني فيها ثم اشرح اللحد باللبن وأهل التراب عليَّ ثم غيب قبري. فلما سمعت زينب وصية أبيها لطمت وجهها ثم أهوت عليه تشمه وتقبل يديه وتتزود من النظر إليه.

 

(أبوذية)

انـشلع يـمثبت الاسلام ودنه      يـليث  الما گربلك بطل ودنه

گبلك يا علي احنه انموت ودنه      يـنور العرش يمضوِّي البريه

 

ثم دفع كتبه وسلاحه إلى الحسن وأمره أن يدفعها إلى الحسين إذا حضرته الوفاة وأمر الحسين أن يدفعها إلى ولده علي بن الحسين، وأقبل على علي بن الحسين فقال له: وأمرك رسول الله أن تدفع وصيتك إلى ولدك محمد بن علي فاقرأه من رسول الله ومني السلام.

ثم أخذ يودع أولاده الواحد بعد الآخر حتى أغمي عليه ساعة وأفاق وقال: هذا رسول الله (ص) وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله كلهم يقولون عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون.

ثم أدار عينيه في أولاده وأهل بيته وقال: أستودعكم الله جميعا سددكم الله جميعا وحفظكم الله جميعا، الله خليفتي عليكم وكفى بالله خليفة.

ولم يزل وهو بتلك الحال يسبح الله ويذكره كثيرا ثم استقبل القبلة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رفقا بي ملائكة ربي، ثم عرق جبينه وسكن أنينه وغمض عينيه وأسبل يديه ومد رجليه وقضى نحبه ولقي ربه شهيدا مظلوماً. رحم الله من نادى وا إماماه وا علياه وا سيداه وا مظلوماه.

 

(مجردات) (2)

(ابـو  احـسين مـا تمم اصيامه      لـفـه  الـعـيد وولاده يـتامه)

او صاحت زينب او لطمت الهامه      فگدك  صـعب يا راعي الشهامه

الله  اويـاك يـا حـلو الـجهامه      عـزنه راح مـن راحـت أيامه

 

(مجردات)

ابعيد  البله يا حارس الدين      يـملفه الأرامل والمساكين

عگبك يبويه اوجوهنه وين      يـا عيد الأگشر علمسلمين


وأما بناته فإنهن ألقين بأنفسهن عليه ونادين وا أبتاه وا علياه.

 

(مجردات)

امصابك يبويه عم الاسلام      يا  راعي أراملها والايتام

چنه  ابفرح والفرح مادام      بينه  اشعمل دولاب الأيام

 

(مجردات)

اجنه العيد ريته لا اجانه      اولا  بيَّن اهلاله ابسمانه

احنه  ابمياتمنه او بچانه      من المصاب اللي دهانه

الـبيه  انفگد منه حمانه

 

أقبل الناس رجالا ونساءً نحو بيت الإمام (ع) وهم ينادون وا إماماه فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب فكان ذلك اليوم كيوم مات فيه رسول الله (ص).

قال محمد بن الحنفية: ثم أخذنا بجنازته ليلا وكان الحسن يغسله والحسين يصب الماء عليه وكان لا يحتاج إلى من يقلبه بل كان يتقلب كما يريد الغاسل يمينا وشمالا وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر. ثم نادى الإمام الحسن أخته زينب وقال: يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله (ص)، ثم لفون بخمسة أثواب كما أمر، ووضعوه على السرير وتقدم الحسن والحسين (ع) إلى السرير وحملوا مؤخره وإذا مقدمه قد ارتفع ولا يرى حامله وكان حامله من مقدمه جبرئيل وميكائيل ـ كما نصت الروايات ـ وسارا يتعقبان مقدمه. قال محمد بن الحنفية لقد نظرت إلى السرير فما مر بشيء على وجه الأرض إلا انحنى له.

 

هـو المرتضى في نعشه يحملونه      أم العرشُ ساروا فيه فوق المناكب

ومـا مـرَّ إلا وانحنى كلُّ شاهقٍ      عـليه وأهوت زاهراتُ الكواكب

 

ومضوا به إلى النجف إلى موضع قبره الآن وضجت الكوفة بالبكاء والعويل وخرجت النساء يتبعنه لاطمات حاسرات فمنعهن الحسن وردهن إلى أماكنهن، والحسين ينادي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون وا أبتاه، وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمت البكاء إلى الله المشتكى فلما انتهيا إلى قبر وإذا مقدم السرير في وضع فوضع الحسن والحسين مؤخره ثم قام الحسن وصلى عليه والجماعة من خلفه وكبَّر سبعا كما أمره أبوه ثم زحزحنا سريره وكشفنا التراب وإذا نحن بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها هذا ما ادخره جده نوح النبي للعبد الصالح الطاهر المطهر فلما أرادوا إنزاله سمعوا هاتفا يقول أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب فدهش الناس وألحدوا أمير المؤمنين (ع) قبل طلوع الفجر.

 

(أبوذية)

بـعدك مـا غفتلي عين ونسه      زلم واطفال تبچي اعليك ونسه

رحت يالچنت للمخلوگ ونسه      فگدتـك والگلـب ناره سريه

 

ثم وقف صعصعة بن صوحان العبدي على القبر ووضع إحدى يديه على فؤاده ثم قال: هنيئا لك يا أبا الحسن فلقد طاب مولدك وعظم جهادك وربحت تجارتك وقدمت على خالقك فتلقاك الله ببشارته وحفتك ملائكته واستقررت في جوار المصطفى وشربت بكأسه الأوفى، فاسأل الله أن يمن علينا باقتفائك والعمل بسيرتك والموالاة لأوليائك والمعاداة لأعدائك ثم أنشأ يقول:

 

ألا مـن لـي بانسك يا اخيَّا      ومـن  لـي أن أبثُّك ما لديَّا

بـكيتك يـا عليُّ بدرِّ عيني      فـلم يُـغن البكاءُ عليك شيَّا

كـفى  حزنا بدفنك غير أني      نفضتُ تراب قبرك من يديَّا

وكانت في حياتك لي عظاتٌ      فـأنت اليوم أوعظُ منك حيَّا

فيا أسفي عليك وطول شوقي      ألا  لـو أنَّ ذلك ردَّ شيَّا(3)


(1) ـ رياض المدح والرثاء ص186.

(2) ـ الأشطر الأربعة للمؤلف من الثالث إلى السادس.

(3) ـ وفاة أمير المؤمنين (ع) للخطي. علي (ع) من المهد إلى اللحد للقزويني.