المجلس الثالث تشييع جنازة الإمام الرضا (ع) ودفنه

القصيدة: للسيد محمد جمال الهاشمي

 

ولاؤُك يـسعى بـي ما زال ساعيا      وحـسبي  فـخرا أن تراني مواليا

قـصدتُك والأحـداثُ تَتبعُ موكبي      ولـم  أر مـنها غـير بابك حاميا

بُليتُ  بعصرٍ ضاع في الغيِّ رشده      يـرى الشرَّ خيرا والمعالي مخازيا

فـأنقذ حـياتي مـن زمـاني فإنه      يـحاول  أن لا تـستقرَّ كـما هيا

فـقد  طـلعت آثـارُك الغرُّ أنجما      بـها  عـاد تـاريخُ الإمامة زاهيا

وفـي طوس لما الغيثُ شحَّ سحابُه      وبات الثرى ظامي الجوانح صاديا

وسَّـيرك  المأمونُ كي تسأل السما      لـتُرخي على الغبراء منك العزاليا

ومذ  سرت للصحراء واهتزَّ جنبُها      خـشوعا  وذاب الأفـق فيك تفانيا

وأرخـت  عـزاليها السماءُ إجابةً      لأمرك وانسابت على الأرض واديا

هـناك  دعـا المأمونُ يُنقذ عرشه      ويُـخفي  مـقاما منك كالفجر باديا

وأصـبح يـخشى مـنك ثورة أمةٍ      اطـاعته  مـهديا وولَّـته هـاديا

فـدسَّ إلـيك السمَّ في العنب الذي      قـضيت به صبرا عن الأهل نائيا

غـريبا تُلاقي الموت ظمآن صاديا      كـجدِّك مـذ لاقـاه ظـمآن طاويا

تُصارع حرَّ السمِّ كالسبط مذ غدا      يصارع حرَّ المرهفات المواضيا

فـلهفي  لمولاي الجواد وقد أتى      لـيُلقي وداعـاً منك للقلب داميا

فـأودعته ثـقل الإمامة وانتهى      بموتك عهدٌ لم يزل بك ساميا(1)

 

(فائزي)

هـلت اعـيوني اعله الرضا من دم دمعها      مـن  أكـل حـبات الـعنب كبده گطعها

يـا عـين هلي اعله الرضا ادموع من دم      مـن أكـل حـبات الـعنب والعنب منسم

اتگطَّــع افــاده والـجسد مـنه تـألّم      واحـزن الـشيعه او هـدم أركانه شرعها

هـدم أركان الدين يوم اشرف على الموت      يـتگلب اعـله الفرش منه الگلب مفتوت

يوصي الجواد ابشيعته او ما يطلع الصوت      أذبـل  اشـفافه الألـم والچبـده شـلعها

 

(نصاري)

أيـا  سـاعة الـلي طبت الناس      عـلى الـعاده لگوه ابحاله الياس

على افراشه يلوج امعصب الراس      يـتگلب  يـسار او نـوبه ايمين

لـبن مـوسى تـكدَّر كـل البلاد      زلـم  نسوان شيخ او كهل وولاد

وبو السجاد مرمي فوگ الوهاد      مشت عنه هله ابولية الجاسين

 

تشييع جنازة الإمام الرضا (ع) ودفنه

عن ياسر الخادم قال: لما كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتلَّ أبو الحسن الرضا فبقينا بطوس أياما فكان المأمون يأتي في كل يوم مرتين فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذلك اليوم فقال لي بعدما صلى الظهر: يا ياسر أكل النساء شيئا؟ قلت: سيدي من يأكل هاهنا مع ما أنت فيه فانتصب (ع) ثم قال: هاتوا المائدة ولم يترك من حشمه أحدا إلا أقعده معه على المائدة يتفقد واحدا واحدا فما أكلوا قال: ابعثوا إلى النساء بالطعام فحمل الطعام إلى النساء فلما فرغوا من الأكل أغمى عليه وضعف فوقعت الصيحة وا إماماه وا سيداه وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات ووقعت الضجة بطوس وجاء المأمون حافيا حاسراً يضرب على رأسه ويقبض على لحيته ويتأسف ويبكي وتسيل الدموع على خديه فوقف على الرضا (ع) وقد أفاق فقال: يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم عليَّ فقدي لك وفراقي إياك أو تهمة الناس لي أني اغتلتك فرفع الرضا (ع) طرفه إليه ثم قال: أحسن معاشرة أبي جعفر (محمد الجواد) فلما كانت تلك الليلة قضى بأبي وأمي غريبا شهيدا مسموما بعدما ذهب من الليل بعضه.

ثم أحضر المأمون محمد بن جعفر الصادق (ع) وجماعة من آل أبي طالب كانوا في طوس فلما حضروا نعاه اليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجدا وأراهم إياه صحيح البدن وقال: يعز عليّ يا أخي أن أراك في هذه الحال قد كنت أاَمِّل أن أقدم قبلك فأبى الله إلا ما أراد. ثم أمر بتغسيله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازة الإمام حافيا حاسرا يقول: يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك وغلب تقديري فيك حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه قبره والناس يعزونه بالمصاب الأليم (2).

 

قـضى شهيدا صابراً محتسبا      وهو غريبٌ بل غريبُ الغربا

تـقـطعت  أمـعاؤُه بـالسمِّ      فـداه  نـفسي وأبـي وأمِّي

 

ويقول آخر:

سقاه الردى المأمونُ بالسم غادراً      إلى أن قضى في هذه العرصات

غريبا عن الأوطان والأهل نائيا      جـريح الحشا من حقد شرِّ جُناة

تـوفّي مـسموما بطوس فليتني      (تـوفيت فيها قبل حين وفاتي)

 

أقول: إن من ألقاب إمامنا الرضا (ع) غريب الغرباء ولكن غربته لم تكن سوى غربة عن الأهل والأحبة والوطن ولكن بالله أسألكم أيها المؤمنون هل بقي غريب الغرباء بلا غسل ولا كفن ولا دفن وهل قطعت أوصاله قطعا بعد مقتله؟ أم انه غسل وكفن ودفن ولم يصل إليه أحد بمكروه بعد موته؟ لذا أقول لا يوم كيومك يا أبا عبد الله وكما يقول الشاعر:

 

ليس الغريبُ غريبَ الأهلِ والوطن      بـل الغريبُ غريبُ الغسلِ والكفنِ

 

آه آه آه وكأني بزينب:

(مجردات)

تـعالوا لبنكم غسلوه      والچفن وياكم دجيبوه

واحسين فوگ الروس شيلوه      او وسـط الگبر لمن تنزلوه

بـهداي جـرحه لا تلچموه

***

إن  يبقَ ملقىً بلا دفن فإنّ له      قبرا بأحشاء من ولاه محفورا


(1) ـ ديوان الهاشمي (مع النبي وآله (ص)) ص288.

(2) ـ المجالس السنية ج2 للسيد محسن الأمين. نور الأبصار للحائري.