المجلس الثاني الإمام موسى الكاظم (ع) في السجن

القصيدة: للحاج منصور بن محمد مجلي الجشي

ت: 1360هـ

 

مـصاب  أطـل على الكائنات      فـأوحـش  بـالثكل أزمـانها

وافـجـعنا  وجـميع الـورى      وأوقـد فـي الـقلب نـيرانها

فـلله  سـهمٌ رمـى المكرمات      فـهـدَّ  عـلاهـا وبـنـيانها

ألـم تـر يا دهر من ذا رميت      أصـبـت  بـسهمك فُـرقانها

أصـبت بـسهمك قلب الوجود      وهــدَّمـت  والله أركـانـها

غـداة  ابن جعفر موسى قضى      مــذاب  الـحشاشة حـرانها

قضى مستضاما بضيق السجون      يـكـابد بـالـهمِّ أشـجـانها

فـتلك الإمـامةُ تـبكي عـلى      فـقـيد تـضـمَّن بـرهـانها

أيـهنئ لـعيني طـيب الكرى      وهـل تـألف الـنفسُ سلوانها

وبـاب الـحوائج فـي محبس      عـليه  الـفضا ضاق حيرانها

أتـاح لـه الـسمُّ أشقى الورى      فـألـهب  أحـشـاه نـيرانها

وآلـمـهُ  بـثـقيل الـقـيود      ولـم  يـرع فـي الحقِّ ديانها

عـلى  الجسر ملقى برمضائها      بـه أشـفت القومُ أضغانها(1)

 

(فائزي)

يـا  گلب ذوب او يا دمع عيني تفجر      لـلي گضه ابسجن الرجس گلبه تفطر

آمر  الطاغي اتشيل ابن جعفر حماميل      شالوا الجنازه او لا مشت خلفه رياجيل

واعـله  الجسر ذبوه وابرجله زناجيل      واگلـوب شـيعتهم عـليه ابنار تسعر

شـيعة  عـلي الـكرار فجعتهم شديده      مـن عـاينوه امـغلل او بالساگ گيده

مـطروح  فوگ الجسر ما فكَّوا حديده      صاحت يبو ابراهيم يومك صار أگشر

 

(هجري)

جـهزوا شـيخ الـعشيره بـالمعزه غسلوه      او بُردَهِ ابعشرين ألف جسم ابن جعفر كفنوه

او صاح المحشم يشيعه إمامكم گوموا احملوه      طـلعت  الـشيعه ابضجه للسراير معرضه

يـا  عظم مشية الشيعه من وره نعش الإمام      كـاشفين الروس جملة امنشره سود الأعلام

والـنسه  نشرت شعرها والزلم تلطم الهام      عـلإمامٍ  مـيتٍ بـالسجن مـحد غمضه

او عن غريب الغاضريه وين غابت شيعته      لـيت  حضروا گبل متدوس العوالي جثته

او عـاينوا زينب تنخّى من يشيل اجنازته      جثته ظلت على حر الصعيد أمر ضرضه

 

الإمام موسى الكاظم (ع) في السجن

لما كان الإمام الكاظم (ع) في سجن الفضل بن الربيع كان الرشيد يراقب حال الإمام بنفسه فأطل يوما من أعلى القصر على السجن فرأى ثوبا مطروحا في مكان لم يتغير عن موضعه فقال للفضل: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ قال الفضل: ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال. فقال هارون: أما إن هذا من رهبان بني هاشم فقال له الفضل: ما لك قد ضيقت عليه بالحبس؟ قال هيهات لابد من ذلك. وكان الطاغية يطلب بين الحين والآخر من الفضل أن يفتك بالإمام موسى بن جعفر والفضل لم يجبه إلى ذلك ولما طال بقاء الإمام في السجن قام في غلس الليل فجدد طهوره وصلى لربه أربع ركعات وأخذ يناجي الله ويدعوه: يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء خلصني من يدي هارون.

وما إن أتم دعاءه (ع) حتى استجاب الله له ذلك. لذلك أمر الطاغية جلاوزته فأطلقوا سراح الإمام وذلك لرؤيا رآها: كأن حبشيا قد أتاه ومعه حربة قائلا له: إن لم تخل عن موسى بن جعفر الساعة نحرتك بهذه الحربة.

ولكن إطلاق سراح الإمام كان مؤقتا دام عدة أيام عاشها الإمام مكرها في بغداد وكان الطاغية في تلك المدة يتهدد الإمام بالقتل. بعد ذلك أرجعه إلى سجن الفضل بن يحيى وأمره بالتضييق عليه ولكن الفضل فعل عكس ذلك ولم يضيق على الإمام ولما علم الطاغية بذلك أمر بنقل الإمام إلى سجن السندي ابن شاهك (وكان السندي عدوا لآل محمد ناصبيا قاسي القلب) وأمره بالتضييق على الإمام وتقييده بثلاثين رطلا من الحديد وأن يقفل عليه الأبواب ولا يدعه يخرج فامتثل السندي أمر طاغيته هارون فوضعه في طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار وأوثقه بالحديد حتى أثر ذلك في جسده الشريف لذا ورد في زيارته: وصلّ على موسى بن جعفر المعذب في قعر السجون وظلم المطامير ذي الساق المرضوض بحلق القيود.

 

(نصاري)

ابسجن والسندي بن شاهك السجان      عـليه  ابـكل وكت مغلج البيبان

تــم اسـنـين لـلوادم فـلابان      مـا يـدرون مـيت ولّه مسجون

 

(نصاري)

ظل جور او هظم يجرع من اعداه      او كـل عـام الرشيد السجن وداه

لمن وصل للسندي او تولاه      ذبه ابسجن مثل الليل أظلم

 

عانى الإمام (ع) في حبس السندي أشد الآلام والأذى وكان إذا ضاق نفس الإمام لضيق الطامورة يأتي إلى بابها وكان فيها فتحة ليستنشق الهواء منها فإذا رآه السندي لطم الإمام على وجهه وأرجعه إلى داخل الطامورة:

 

أفي أيِّ كفٍّ يلطمُ الرجس وجهه      ومـا هـي إلا فرع لطمة فاطم

 

وكتب الإمام من تلك الطامورة إلى علي بن سويد وكان ابن سويد قد سأل الإمام عن مسائل كثيرة فكتب إليه الإمام بعد ما أجابه عن مسائله: (إني أنعى إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن من قضاء الله جل وعز وحتم فاستمسك بعروة الدين آل محمد فما مضت تلك الليالي حتى بعث الطاغية هارون إلى السندي رطبا مسموما لكي يقدمه للإمام موسى بن جعفر (ع) فامتثل أمر طاغيته وقدم الرطب إلى الإمام وأجبره على أكله فرفع باب الحوائج يده إلى السماء وقال: يا رب إنك تعلم إني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي ثم تناول سبع رطبات فأكلها وقيل عشرا ثم امتنع فقال له السندي: زد على ذلك فرمقه الإمام بطرفه وقال: حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه.

بعد ذلك أخذ السم يسري في بدنه والإمام يعاني أشد الآلام في تلك الطامورة وأحاط به الأسى والحزن حيث لا أحد من أولاده وأهله وأحبته عنده.

 

(نصاري)

يــا گلـب عـلكاظم تـلچم      يعيني اعليه سحي الدمع من دم

غريب او بالحبس ويلوج بالسم      يـتگلب يـسار او نوبه ايمين

 

(مجردات)

يـهاشم لا حـله بـعيونكم نـوم      يحگ لي اعتب عليكم واكثر اللوم

مـن  بـغداد مـا وصلتكم اعلوم      تـخبركم  الـكاظم راح مـسموم

 

بقي الإمام على هذه الحالة ثلاثة أيام وبينما هو يسمع أخشن الكلام وأغلظه من السندي بن شاهك وهو في تلك الحالة إذ أدخل عليه السندي ثمانين رجلا من وجوه بغداد وأعيانها وقال لهم: انظروا إلى هذا الرجل هل حدث فيه حدث فقال الإمام لهم: اشهدوا أني صحيح في الظاهر ولكني مسموم وسأحمرُّ حمرة شديدة وأبيضُّ بعد غد وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه.

ولما ثقل حال الإمام وأشرف على الموت استدعى المسيب بن زهرة وقال له: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت واصفر لوني واحمر واخضر وتلون ألوانا فأخبر الطاغية بوفاتي يا مسيب إن هذا الرجس (يعني السندي بن شاهك) سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقبرة قريش فالحدوني بها ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (ع) فإن الله عز وجل جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.

قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده حتى دعا بشربة فشربها ثم تغير وجه الإمام من لون إلى آخر وعرق جبينه وسكن أنينه وأسبل يديه ومدّ رجليه وفارقت روحه الدنيا (2)، رحم الله من نادى: وا إماماه، رحم الله من نادى: وا سيداه، رحم الله من نادى: وا مسموماه.

 

(مجردات)

يـا  عين سيلي الدمع غدران      او يا گلب ذوب ابنار الأحزان

الـباب  الحوايج سر الأكوان      وسافه اعله موسى ماله اعوان

مـحبوس گضه العمر ما بان      من  حبس ابن شاهك السجان

لمن سمه او چبده صار نيران      وخـلاه يـلوج اوحيد نحلان

لـمن گضـه والچبد خلصان

 

(أبوذية)

الـكاظم  من حضر يمه وشاله      عـلى السمَّه انمرد چبده وشاله

عـلى  الماضلّت ابعيني وشاله      او صاحوا خل تشيعه الرافضيه

***

حـتى إليه دس سُما قاتلا      فأصاب أقصى منيةٍ ومراد


(1) ـ شعراء القطيف ص236.

(2) ـ مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري. حياة الإمام موسى بن جعفر للشيخ باقر شريف القرشي. عن بعض الخطباء.