(عيسى بن زيد الشهيد (عليهم السلام

القصيدة: للسيد مهدي الأعرجي

 

أربـعٌ قـضيت فـيها زمانا      بين  شمس الطلا وبدر التمام

حـيث  كانت فيها الليالي أيا      مـا فـعادت لـيالياً أيـامي

فـكأنَّ  الـزمان يطلب ثأرا      بي  إذ لم يكن يُراعي ذمامي

خـانني وهو لا يزال خئونا      مـثل ما خال آل خير الأنام

فـقضوا بين من تعمَّم بالسي      ف  بـمحرابه بشهر الصيام

وقـتيلٍ  سـقته جـعدةُ سما      فـأذاقته فـيه كـأس الحمام

وصريعٍ قد صار للبيض نهبا      وسـهاما  لـواردات السهام

وشريدٍ  يطوي الفيافي غريبا      مـختفٍ في الكهوف والآجام

يتحرَّى  الأحياءَ كيما يواري      شخصه عن بني الخنا واللئام

 

(فائزي)

مـنهم ابـسامرا او مـنهم فـي خراسان      او منهم برض طيبه او منهم برض كوفان

واعظم  مصيبه امصيبة المذبوح عطشان      يـحسين وين اللي يواسيني على احسين

لا تـحسبوني للرضا في طوس ما جيت      ولا  إلـى بـغداد مـارحت او تـعنيت

كـلهم  عـليهم نـوَّحت والدمعي هليت      واعظم مصاب امصاب محزوز الوريدين

 

(مجردات)

مـن  فـاطم العبره جريه      واتصيح دهري اشعمل بيه

واشـفت  مـن الغاضريه      اولـيدي ترضّه الأعوجيه

والـراس لـلطاغي هديه      او  زيـنب يمشوها سبيه

 

عيسى بن زيد ابن الإمام علي بن الحسين (ع)

لقد توارى هذا العبد الصالح في الأحياء مخفيا نفسه عن عيون السلطة العباسية، لذلك لاشتراكه في بعض الثورات الحسنية التي قامت آنذاك وأجهضت. وكان عيسى (رض) كما يقول الاصفهاني في المقاتل أفضل من بقي من أهله دينا وعلماوورعا وزهدا وتقشفا وأشدهم بصيرة في أمره ومذهبه مع علم كثير ورواية للحديث. لقد هرب عيسى من المهدي العابسي واختبأ في الكوفة في دار أحد الشيعة وهو علي بن صالح ثم رأى أن يتخذ عملا يعتاش منه ولا يكون كلا على أحد وكان أهل الكوفة ينقلون الماء من الفرات إلى بيوتهم على الجمال وسائر الحيوانات فاتفق عيسى مع صاحب جمل على أن يسقي الماء على الجمل ويدفع له كل يوم أجرا معينا ويتقوت هو بما يبقى وهكذا بقي أمدا طويلا وهو متنكر وتزوج امرأة من فقراء الكوفة ولا تعرف عن زوجها شيئا، من هو؟ ولا تعرف من هم أهله.

وكان لعيسى أخ اسمه الحسين ـ ذو الدمعة ـ وله ولد يدعى يحيى فقال يحيى يوما لأبيه: إني أشتهي أن أرى عمي عيسى فإنه يقبح بمثلي أن لا يرى مثله من أشياخه فقال له: إن هذا الأمر يثقل عليه وأخشى أن ينتقل من منزله كراهية للقائك فتزعجه فمازال يحيى يلح على أبيه حتى طابت نفسه وقال له: اذهب إلى الكوفة فإذا بلغتها فسل عن دور بني حي وهناك سكة تسمى باسمهم وسترى دارا لها باب صفته كذا وكذا فاجلس بعيدا منها فإنه سيقبل عند المغرب كهل طويل مسنون الوجه قد أثر السجود في جبهته عليه جبة صوف يسقي الماء على جمل لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذكر الله ودموعه تنحدر فقم وسلم عليه وعانقه فإنه سيذعر منك كما يذعر الوحش فعرفه نفسك وانتسب له فإنه يسكن إليك ويحدثك طويلا ويسألك عنا جميعا ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه ولا تظل عليه وودعه فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه فافعل ما يأمرك به من ذلك فإنك إن عدت إليه تواري عنك واستوحش منك وانتقل من موضعه وعليه في ذلك مشقة.

قال يحيى: أفعل كما أمرتني ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدما ولا يضعها إلا حرَّك شفتيه بذكر الله ودموعه تترقرق من عينيه وتذرف أحيانا فقمت وعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس فقلت: يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد ابن أخيك فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جادت نفسه ثم أناخ جمله وجلس معي فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا وامرأة امرأة وصبيا صبيا وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي ثم قال: يا بني أنا أستقي على هذا الجمل الماء فاصرف ما اكتسب إلى صاحبه وأتقوت باقيه وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج اليى البرية (يعني بظهر الكوفة) فألتقط ما يرمي الناس من البقول فأتقوته.

وقد تزوجتُ ابنة رجل وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا فولدت مني بنتا فنشأت وبلغت وهي أيضا لا تعرفني ولا تدري من أنا فقالت لي أمها: زوِّج ابنتك بابن فلان السقاء فإنه أيسر منا وقد خطبها وألحت عليّ فلم أقدر على إخبارها بأن ذلك غير جائز(2) ولا هو بكفء لها فيشيع خبري فجعلت تلح عليّ فلم أزل استكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام فما أجدني آسى على شيء من الدنيا أساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله (ص).

قال: ثم أقسم عليّ أن أنصرف ولا أعود إليه وودعني فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي انتظرته فيه لأراه فلم أره وكان آخر عهدي به.

وبقي عيسى (رض) متواريا حتى وافته المنية أيام المهدي العباسي في الكوفة تاركا وراءه طفلين هما أحمد وزيد حملهما إلى المهدي رجل من أصحاب أبيهما يقال له: ابن علاق الصيرفي ليأخذ لهما الأمان من السلطان فدخل على المهدي وقال: عظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك عيسى فقال له: ويحك ما تقول؟ قال: الحق والله أقول فقال ومتى مات؟ فعرَّفه فقال له: لئن كنت صادقا لأحسنن صلتك ولأوطئن الرجال عقبك قال: ليس هذا قصدت قال فسلني حاجتك قال: ولده تحفظهم فوالله مالهم من قليل ولا كثير فأتاه أحمد وزيد إبنا عيسى فنظر إليهما وأجرى لها أرزاقا ومضيا بإذنه إلى المدينة (3).

أقول: كيف حال العلويات لما عاد إليهن ولدا عيسى، أحمد وزيد يتيمين، يا ساعد الله تلك العلويات لما سمعن بوفاة عيسى بن زيد بعد تلك الغيبة الطويلة وبطبيعة الحال ارتفع الصراخ والبكاء من دور الهاشميين ولكن الخطب يهون إذا علمنا أن الشيعة في الكوفة قاموا إلى عيسى فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ثم واروه الثرى:

 

لم يبق ثاوٍ بالعراء كجدِّه      دامٍ  تـغسله دماءُ وريد

 

ويقول آخر:

ثـاوٍ قطيع محياً عاريا نُسجت      أكفانُه من ثرى أيدي الأعاصير

قد  غسَّلته الضُبا من دمّ منحره      وقلَّبت  جسمه أيدي المحاضير

صـلت  عليه رماحُ القوم ساجدةً      وفي هويّ المواضي صوت تكبير

ورأسُـه فوق رأس الرمح مرتفعٌ      بـنوره  قـد جلا غسق الدياجير

 

وكأني بزينب (ع):

(مجردات)

نـايم اخـوي اشـلون نومه      او  حر الشمس غير ارسومه

او عگب الذبح سلبوا اهدومه      والـغسل صارت له ادمومه

 

(أبوذية)

لون  بيدي اطر گبرك وسكنه      واضمد جرحك اليسعر وسكنه

يبو  السجاد آنه اختك وسكنه      عليك ادموعنه انصبها سويه

 

(أبوذية)

يعمه افراگ ابوي احسين چاوين      يـا  سكنه لون بيه روح چاوين

يـعمه  جـدّموا هلنوگ چاوين      او يـساره نـطب ديـوان اميه

 

(تخميس)

كم دافعته وضربُ السوط لوّعها      ولـلرحيل  منادي القوم أفزعها

فمن  بعيدٍ بلحظ الطرف ودعها      فـفارقته  ولـكن رأس مـعها

وغـاب عـنها ولكن قلبُها معهُ


(1) ـ يبدو من خلال هذه الرواية أن رأي عيسى الفقهي هو عدم جواز تزويج العلوية من غير العلوي إذا لم يكن يعلم بنسبها وهذا رأي لم يقل به أحد من الفقهاء حسب علمنا.

(2) ـ المقاتل لأبي الفرج الاصفهاني. الشيعة والحاكمون للشيخ محمد جواد مغنيه.