خطبة 3- و هي المعروفة بالشقشقية و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له

أما و اللّه لقدْ تقمّصها فلان و إنّه ليعْلم أنّ محلّي منْها محلّ الْقطْب من الرّحى ينْحدر عنّي السّيْل و لا يرْقى إليّ الطّيْر فسدلْت دونها ثوْبا و طويْت عنْها كشْحا و طفقْت أرْتئي بيْن أنْ أصول بيد جذّاء أوْ أصْبر على طخْية عمْياء يهْرم فيها الْكبير و يشيب فيها الصّغير و يكْدح فيها مؤْمن حتّى يلْقى ربّه .

ترجيح الصبر

فرأيْت أنّ الصّبْر على هاتا أحْجى فصبرْت و في الْعيْن قذى و في الْحلْق شجا أرى تراثي نهْبا حتّى مضى الْأوّل لسبيله فأدْلى بها إلى فلان بعْده ـ ثمّ تمثّل بقوْل الْأعْشى ـ :

شتّان ما يوْمي على كورها * و يوْم حيّان أخي جابر

فيا عجبا بيْنا هو يسْتقيلها في حياته إذْ عقدها لآخر بعْد وفاته لشدّ ما تشطّرا ضرْعيْها فصيّرها في حوْزة خشْناء يغْلظ كلْمها و يخْشن مسّها و يكْثر الْعثار فيها و الاعْتذار منْها فصاحبها كراكب الصّعْبة إنْ أشْنق لها خرم و إنْ أسْلس لها تقحّم فمني النّاس لعمْر اللّه بخبْط و شماس و تلوّن و اعْتراض فصبرْت على طول الْمدّة و شدّة الْمحْنة حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهمْ فيا للّه و للشّورى متى اعْترض الرّيْب فيّ مع الْأوّل منْهمْ حتّى صرْت أقْرن إلى هذه النّظائر لكنّي أسْففْت إذْ أسفّوا و طرْت إذْ طاروا فصغا رجل منْهمْ لضغْنه و مال الْآخر لصهْره مع هن و هن إلى أنْ قام ثالث الْقوْم نافجا حضْنيْه بيْن نثيله و معْتلفه و قام معه بنو أبيه يخْضمون مال اللّه خضْمة الْإبل نبْتة الرّبيع إلى أن انْتكث عليْه فتْله و أجْهز عليْه عمله و كبتْ به بطْنته .

مبايعة علي

فما راعني إلّا و النّاس كعرْف الضّبع إليّ ينْثالون عليّ منْ كلّ جانب حتّى لقدْ وطئ الْحسنان و شقّ عطْفاي مجْتمعين حوْلي كربيضة الْغنم فلمّا نهضْت بالْأمْر نكثتْ طائفة و مرقتْ أخْرى و قسط آخرون كأنّهمْ لمْ يسْمعوا اللّه سبْحانه يقول تلْك الدّار الْآخرة نجْعلها للّذين لا يريدون علوّا في الْأرْض و لا فسادا و الْعاقبة للْمتّقين بلى و اللّه لقدْ سمعوها و وعوْها و لكنّهمْ حليت الدّنْيا في أعْينهمْ و راقهمْ زبْرجها أما و الّذي فلق الْحبّة و برأ النّسمة لوْ لا حضور الْحاضر و قيام الْحجّة بوجود النّاصر و ما أخذ اللّه على الْعلماء ألّا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظْلوم لألْقيْت حبْلها على غاربها و لسقيْت آخرها بكأْس أوّلها و لألْفيْتمْ دنْياكمْ هذه أزْهد عنْدي منْ عفْطة عنْز .

قالوا و قام إليْه رجل منْ أهْل السّواد عنْد بلوغه إلى هذا الْموْضع منْ خطْبته فناوله كتابا قيل إنّ فيه مسائل كان يريد الْإجابة عنْها فأقْبل ينْظر فيه [فلمّا فرغ منْ قراءته] قال له ابْن عبّاس : يا أمير الْمؤْمنين لو اطّردتْ خطْبتك منْ حيْث أفْضيْت .

فقال : هيْهات يا ابْن عبّاس تلْك شقْشقة هدرتْ ثمّ قرّتْ .

قال ابْن عبّاس : فواللّه ما أسفْت على كلام قطّ كأسفي على هذا الْكلام ألّا يكون أمير الْمؤْمنين ( عليه السلام ) بلغ منْه حيْث أراد .

قال الشريف ( رضي اللّه عنه ) : قوله ( عليه السلام ) كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحم يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام و هي تنازعه رأسها خرم أنفها و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه و شنقها أيضا ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق و إنما قال ( عليه السلام ) أشنق لها و لم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنه ( عليه السلام ) قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام .