خطبة السيدة زينب (ع) في الكوفة

خطبة السيدة زينب (ع) في الكوفة وكلامها مع ابن زياد

ما رأيت إلا جميلاً!
رَوَى السَّيِّدُ ابن طاووس انَّ ابْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي الْقَصْرِ لِلنَّاسِ وَ أَذِنَ إِذْناً عَامّاً ، وَ جِيءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ وَ صِبْيَانُهُ إِلَيْهِ ، فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ ( عليه السلام ) مُتَنَكِّرَةً .
فَسَأَلَ عَنْهَا ، فَقِيلَ : هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ .
فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ !
فَقَالَتْ : إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ ، وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ ، وَ هُوَ غَيْرُنَا .
فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ : كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ ؟
فَقَالَتْ : مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ، وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ 1 يَوْمَئِذٍ ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ .
قَالَ : فَغَضِبَ وَ كَأَنَّهُ هَمَّ بِهَا .
فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ : إِنَّهَا امْرَأَةٌ ، وَ الْمَرْأَةُ لَا تُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا .
فَقَالَ لَها ابْنُ زِيَادٍ : لَقَدْ شَفَى اللَّهُ قَلْبِي مِنْ طَاغِيَتِكِ الْحُسَيْنِ وَ الْعُصَاةِ الْمَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ .
فَقَالَتْ : لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي ، وَ قَطَعْتَ فَرْعِي ، وَ اجْتَثَثْتَ أَصْلِي ، فَإِنْ كَانَ هَذَا شِفَاءَكَ فَقَدِ اشْتَفَيْتَ .
فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ : هَذِهِ سَجَّاعَةٌ ، وَ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ سَجَّاعاً شَاعِراً .
فَقَالَتْ : يَا ابْنَ زِيَادٍ مَا لِلْمَرْأَةِ وَ السَّجَاعَةَ . 2 .
1. الفلج : الظفر و الفوز ، مجمع البحرين : 2 / 323 .
 
قال بشير بن خزيم الأسدي : 
ونظرت إلى زينب بنت علي ( عليه السلام ) يومئذ فلم أر خفرةً ـ والله ـ أنطق منها (2) ، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (3) ، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا. 
فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت : 
« الحمد لله والصلاة على أبي : محمد وآله الطيبين الأخيار. 
أما بعد : 
يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر !! 
أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة. 
إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم. 
ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ؟ والصدر الشنف ؟ وملق الإماء ؟ وغمز الأعداء ؟ 
أو كمرعى على دمنة ؟ أو كفضة على ملحودة ؟ 
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. 
أتبكون ؟ وتنتحبون ؟ 
إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً. 
فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً. 
وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ؟ ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهلا الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، ومدرة سنتكم ؟؟ 
ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة. 
وَيلكم يا أهل الكوفة ! 
أتدرون أيّ كبدٍ لرسولا لله فَرَيتُم ؟! 
وأيّ كريمةٍ له أبرزتم ؟! 
وأي دم له سفكتم ؟! 
وأيّ حرمةٍ له هتكتم ؟! 
لقد جئتم بها صَلعاء عَنقاء سَوداء فَقماء ، خَرقاء شَوهاء ، كطِلاع الأرض وملء السماء. 
أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وأنتم لا تُنصَرون. 
فلا يَستَخفّنكم المُهَل ، فإنّه لا يَحفِزُه البِدار ، ولا يَخافُ فَوتَ الثار ، وإنّ ربّكم لبالمرصاد ». (4)
قال الراوي : « فوالله لقد رأيت الناس ـ يومئذ ـ حَيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاًَ واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته ، وهو يقول : « بأبي أنتم وأمي !! كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى ». (5)
ووردت هذه الخطبة في البحار و الاحتجاج باختلاف بسيط و هو : 
لقد جئتم شيئاً اداً، تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدّاً!
ولقد أتيتم بها خرقاء، شوهاء كطلاع الأرض، وملء السماء، افعجبتم ان مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة اخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فانه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وان ربكم لبالمرصاد)().
فقال لها الإمام السجاد (عليه السلام): (اسكتي يا عمة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة)().
=================================
احجاج الطبرسي ص166 ط النجف.
50 - بحار الانوار ج45 ص165 ب39 ح8.
كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس ، ص 193 ـ 194.