بيان الحب لله و لرسوله

اعلم أن الأمة مجتمعة على أن الحب لله و لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرض لقوله تعالى يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و قوله تعالى أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ و هو دليل على إثبات الحب و قد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحب من شرط الإيمان في أخبار كثيرة .

إذ قال أبو رزين العقيلي يا رسول الله ما الإيمان قال أن يكون الله و رسوله أحب إليك مما سواهما .

و في حديث آخر لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله و ماله و الناس أجمعين و في رواية أخرى و من نفسه .

و قد قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ إلى قوله أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه و أحبوني لحب الله و روي أن رجلا قال يا رسول الله إني أحبك فقال استعد للفقر فقال إني أحب الله فقال استعد للبلاء .

و في الخبر المشهور إن إبراهيم قال لملك الموت إذ جاءه بقبض روحه هل رأيت خليلا يميت خليله فأوحى الله تعالى إليه هل رأيت محبا يكره لقاء حبيبه فقال يا ملك الموت الآن فاقبض و هذا لا نجده إلا عند من يحب الله بكل قلبه فإذا علم أن الموت سبب اللقاء انزعج قلبه إليه و لم يكن له محبوب غيره حتى يلتفت إليه .

و جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله متى الساعة فقال ما ذا أعددت لها فقال ما أعددت كثير صلاة و لا صيام إلا أني أحب الله و رسوله فقال رسول الله المرء مع من أحب قال فما رأيت المسلمين فرحوا بشي‏ء بعد الإسلام فرحهم بذلك .

و قال الحسن من عرف ربه أحبه و من عرف الدنيا زهد فيها و المؤمن لا يلهو حتى يغفل فإذا تفكر حزن .

و يروى أن عيسى مر بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم و تغيرت ألوانهم فقال لهم ما الذي بلغ بكم ما أرى فقالوا الخوف من النار فقال حق على الله أن يؤمن الخائف ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا و تغيرا فقال ما الذي بلغ بكم ما أرى قالوا الشوق إلى الجنة فقال حق على الله أن يعطيكم ما ترجون ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا و تغيرا كان على وجوههم المرايا من النور فقال ما الذي بلغ بكم ما أرى فقالوا نحب الله عز و جل فقال أنتم المقربون أنتم المقربون .

اعلم وفقك الله أن المحبة لا تخلص من المحب إلا بعد العلم بحقيقة حال المحبوب و القديم تعالى بصنعه يستدل عليه .

كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه الحمد لله الدال على وجوده بخلقه و بمحدث خلقه على أزليته و باشتباههم على أن لا شبيه له لا تستلمه المشاعر و لا تحجبه السواتر لافتراق الصانع من المصنوع و الحاد من المحدود و الرب من المربوب الأحد لا بتأويل عدد و الخالق لا بمعنى حركة و نصب و السميع لا بأداة و البصير لا بتفريق آلة و الشاهد لا بمماسة و البائن لا بتراخي مسافة الظاهر لا برؤية و الباطن لا بلطافة بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها و بانت الأشياء منه بالخشوع له و الرجوع إليه من وصفه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد أبطل أزليته و من قال كيف فقد استوصفه و من قال أين فقد حيزه عالم إذ لا معلوم و رب إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور .

و قيل لهشام بن الحكم بم عرفت ربك قال بنفسي لأنها أقرب الأشياء إلي و ذاك أني أجدها أبعاضا مجتمعة و أجزاء مؤتلفة ظاهرة التركيب متباينة الصنعة مبنية على ضروب من التخطيط و التصوير زائدة من بعد نقصان و ناقصة من بعد زيادة قد أنشأ لها حواس مختلفة و جوارح متباينة من بصر و سمع و شام و ذائق و لامس مجبولة على النقص و الضعف لا يدرك واحدة منها مدرك صاحبتها و لا يقدر على ذلك عاجزة عن اجتلاب المنافع إليها و رفع المضار عنها و استحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له و إثبات صورة لا مصور لها فعلمت أن لها خالقا خلقها و مصورا صورها مخالفا لها في جميع جهاتها قال الله تعالى وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ و قال تعالى سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ و قال تعالى أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ و قال تعالى الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ و هذه الآيات و الكلام دالة على الأمر بالتدبر و التفكر و الاعتبار و النظر فهذا مما يستعان به على تحصيل المعرفة فيثمر لك المحبة و العمل بالطاعات و إن أكثر الناس إنما قصرت أفهامهم عنه لإعراضهم عن التدبر و النظر و اشتغالهم بشهوات الدنيا فالتدبر و النظر في ملكوت الله تعالى هو حقيقة الإيمان إذ ما من ذرة من أعلى السماوات إلى تخوم الأرضين إلا و فيها عجائب آيات دالة على قدرة الله و حكمته و جلاله و عظمته و ذلك مما لا يتناهى بل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مددا و الأفعال الإلهية كثيرة فلنذكر أقلها و أحقرها و أصغرها و ننظر في عجائبها فأقل المخلوقات هو الأرض و ما عليها و هو بالإضافة إلى ملكوت السماوات أقل شي‏ء و أحقره فإنك إن نظرت فيها من حيث الجسم و العظم في الشخص فالشمس على ما ترى من صغر حجمها هي مثل أضعاف الأرض فانظر إلى صغر الأرض بالإضافة إليها ثم انظر إلى صغر الشمس بالإضافة إلى فلكها التي هي مركوزة فيها فإنها لا نسبة لها إليه و هي في السماء الرابعة و هي صغيرة بالإضافة إلى ما فوقها من السماوات ثم السماوات السبع في الكرسي كحلقة في فلاة و الكرسي في العرش كذلك فهذا نظر إلى ظاهر الأشخاصمن المقادير و ما أحقر الأرض كلها بالإضافة إليها بل ما أصغر الأرض بالإضافة إلى البحار .

فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأرض في البحر كالإصطبل في الأرض .

و هذا معروف بالمشاهدة و التجربة و معلوم أن المكشوف من الأرض عن الماء كجزيرة صغيرة بالإضافة إلى كل الأرض ثم انظر إلى المخلوق في الأرض و إلى سائر الحيوانات و إلى صغره بالإضافة إلى الأرض و دع عنك ذلك فأصغر ما تعرفه من الحيوانات البعوض و النمل و ما يجري مجراه فانظر في البعوض على صغر قدره و تأمل بعقل حاضر و فكر صاف و انظر كيف خلقه الله تعالى على شكل الفيل الذي هو أعظم الحيوانات إذ خلق له خرطوما مثل خرطومه و خلق له على شكله الصغير مثل سائر أعضاء الفيل بزيادة جناحين و انظر كيف قسم الله أعضاءه الظاهرة فأنبت جناحه و أخرج يده و رجله و شق سمعه و بصره و دبر في باطنه من أعضاء الغذاء و آلاته ما دبره في سائر الحيوانات و ركب فيها من القوى الغاذية و الجاذبة و الدافعة و الماسكة و الهاضمة ما ركب في سائر الحيوانات بدل شكله و صغره ثم انظر إلى هدايته كيف هداه الله تعالى إلى غذائه و عرفه غذائه ثم كيف أنبت له آلة الطيران و كيف خلق له الخرطوم الطويل و هو محدد الرأس و كيف هداه إلى مسام بشرة الإنسان حتى يضع خرطومه في أحد منها ثم كيف قواه على غرز الخرطوم فيه و كيف علمه المص و التجرع للدم و كيف خلق الخرطوم مع دقته مجوفا حتى يجري فيه الدم الرقيق و ينتهي إلى باطنه و يسير في سائر أجزائه و يغذيه ثم كيف عرفه أن الإنسان يقصده بيده فعلمه حيلة الهرب و استعداد آلته و خلق له السمع الذي يسمع به حفيف حركة اليد و هي بعد بعيد منه فيترك المص و يهرب ثم إذا سكنت اليد يعود ثم انظر كيف خلق له حدقتين حتى يبصر موضع غذائه فيقصده مع صغر حجم وجهه و انظر إلى حدقة كل حيوان صغير لما لم تحتمل الأجفان حدقته لصغره و كانت الأجفان مصقلة لمرآة الحدقة عن القذى و الغبار خلق الله للبعوض و الذباب يدين فتنظر إلى الذباب فتراه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه و أما الإنسان و الحيوان الكبار خلق لحدقيته الأجفان حتى يطبق أحدهما على الآخر و أطرافها حادة فيجمع الغبار الذي يلحق الحدقة و يرميه إلى طرف الأهداب و خلق الأهداب ليسكنها عند هيجان الغبار فينظر من وراء شباك الأهداب فاشتباكها يمنع دخول الغبار و لا يمنع الأبصار .

و أما البعوض فخلق له حدقتين مصقلتين من غير أجفان و علمها كيفية التصقيل باليدين و لأجل إبصارها تراها تتهافت على السراج لأن بصرها ضعيف فتطلب ضوء النهار فإذا رأى المسكين ضوء السراج بالليل ظن أنه في ليل مظلم و أن السراج كوة من الليل المظلم إلى الموضع المضي‏ء فلا يزال يطلب الضوء و يرمى نفسه إليه فإذا جاوزه و رأى الظلام ظن أنه لم يصب الكوة و لم يقصدها على السداد فيعود إليه مرة أخرى إلى أن يحترق و لعلك تظن أن هذا لنقصانها و جهلها فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها بل صورة الآدمي في الإكباب على شهوات الدنيا صورة الفراش في التهافت على النار إذ يلوح للآدمي أبواب الشهوات من حيث ظاهر صورتها و لا يدري أن تحتها السم القاتل فلا يزال يرمي نفسه عليها إلى أن ينغمس فيها و يتقيد بها و يهلك هلاكا مؤبدا فليت كان جهل الآدمي كجهل الفراش فإنها باغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلصت في الحال و الآدمي يبقى في النار أبد الآباد و مدة مديدة .

و لذلك :

كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينادي و يقول إنكم تتهافتون على النار تهافت الفراش و أنا آخذ بحجزكم .

فهذه لمعة من عجائب صنع الله تعالى في أصغر الحيوانات و فيها من العجائب ما لو اجتمع الأولون و الآخرون على الإحاطة بكنهه عجزوا عن حقيقته و لم يطلعوا على أمور جلية من ظاهر صورته فأما خفايا معاني ذلك فلا يطلع عليها إلا الله تعالى .

ثم في كل حيوان و نبات أعجوبة و أعاجيب تخصه لا يشاركه فيه غيره فانظر إلى النحل و عجائبها و كيف أوحى الله تعالى إليه حتى اتخذت من الجبال بيوتا و من الشجر و مما يعرشون و كيف استخرج من لعابها الشمع و العسل و جعل أحدهما ضياء و الآخر شفاء ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار و الأنوار و احترازها من النجاسات و الأقذار و طاعتها لواحد من جملتها هو أكبر منها شخا و هو أميرها ثم ما سخر الله له أميرها من العدل و الإنصاف بينها حتى أنه ليقتل على باب المنفذ كل ما وقع منها على نجاسة لقضيت منها العجب إن كنت بصيرا في نفسك فارغا من هم بطنك و فرجك و شهوات نفسك في معاداة أقرانك و موالاة إخوانك ثم دع عنك جملة ذلك و انظر إلى بنائها بيوتها من الشمع و اختيارها من جملة الأشكال الشكل المسدس فلا يبنى بيتها مستديرا و لا مربعا و لا مخمسا إلا مسدسا لخاصية في شكل المسدس يقصر فهم المهندسين عن إدراكها و هو أن أوسع الأشكال و أحواها المسدس و ما يقرب منها فإن المربع يخرج منها زوايا ضائعة و شكل النحل مستدير مستطيل فترك المربع حتى لا تضيع الزوايا فتبقى فارغة ثم لو بناها مستديرة لبقيت خارج البيوت فرج ضائعة فإن الأشكال المستديرة إذا اجتمعت يجتمع متراحية و لا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب من الاحتواء في المستدير ثم تترص الجملة منه بحيث لا يبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس و هذه خاصية هذا الشكل فانظر كيف ألهم الله تعالى النحل على صغر جرمه ما هو محتاج إليه ليتهنأ عيشه فسبحانه ما أعظم شأنه و أوسع لطفه و امتنانه .

فاعتبر بهذه اللمعة اليسيرة من محقرات الحيوانات و دع عنك عجائب ملكوت السماوات و الأرض فإن القدر الذي بلغه فهمنا القاصر منه ينقضي الأعمار دون إيضاحه و لا نسبة لما أحاط به الخلائق كلهم إلى ما استأثر الله تعالى بعلمه بل كلما علمه الخلق لا يستحق أن يسمى علما في جنب علم الله تعالى. فبالنظر في هذا و أمثاله تزداد المعرفة و بزيادة المعرفة تزداد المحبة فإن كنت طالبا سعادة لقاء الله فانبذ الدنيا وراء ظهرك و استغرق العمر في الذكر الدائم و الفكر اللازم فعساك تحظى منها بقدر يسير و لكن تنال بذلك اليسير ملكا عظيما لا آخر له فأولوا النظر و الفكر إذا اطلعوا على عجائب صنع الله تعالى في خلقه رأوا من عجائب صنعه ما يبهر به عقولهم و يتحير فيه لبهم فيزدادون لا محالة إجلالا لله تعالى و إعظاما و كلما ازدادوا على أعاجيب صنع الله اطلاعا استدلوا بذلك على عظمة الصانع و جلاله و ازدادوا به معرفة و له حبا عاملين بكثير من الطاعات مجانبين كثيرا من المذمومات مثال ذلك أن من كان عالما بالفقه له مصنفات كثيرة إذا نظر فقيه في مصنفاته رأى منها ما يعجبه فاستحسنه عرف به فضله أحبه لا محالة و كلما اطلع في مصنفاته ازداد له حبا و كذلك يعتقد الرجل في الشاعر أنه جيد الشعر فيحبه و إذا سمع من غرائب شعره ما عظم به حذقه و صنعته ازداد به معرفة و ازداد له حبا و كذلك سائر الصناعات و الفضائل و العامي قد يسمع أن فلانا مصنف و أنه حسن التصنيف و لكن لا يدري ما في التصنيف فيكون معرفته به ناقصة و حبه له قليل و البصير إذا فتش على التصانيف و اطلع على ما فيها من العجائب تضاعف حبه له لا محالة لأن عجائب الصنعة و الشعر و التصنيف تدل على كمال صفات الفاعل فتزداد القلوب له محبة فإذا رسخت المحبة حصل منها الرضا بجميع ما يأتي من قبل الله تعالى من مرض و صحة و فقر و غنى و شدة و رخاء و بؤس و لأواء .

قيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بقوم فقال لهم ما أنتم فقالوا مؤمنون فقال ما علامة إيمانكم قالوا نصبر على البلاء و نشكر عند الرخاء و نرضى بمواقع القضاء فقال مؤمنون برب الكعبة و في خبر آخر أنه قال حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء .

و في الخبر طوبى لمن هدي للإسلام و كان رزقه كفافا و رضي به .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل .

و قال أيضا : إذا كان يوم القيامة أنبت الله لطائفة من أمتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها و يتنعمون كيف شاءوا فتقول لهم الملائكة هل رأيتم حسابا فيقولون ما رأينا حسابا فيقولون هل جزتم على الصراط فيقولون ما رأينا صراطا فيقولون لهم هل رأيتم جهنم فيقولون ما رأينا شيئا فتقول الملائكة من أمة من أنتم فيقولون من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقولون نشدناكم الله حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فيقولون خصلتان كانتا فينا فبلغنا الله هذه المنزلة بفضل رحمته فيقولون و ما هما فيقولون كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه و نرضى باليسير مما قسم لنا فتقول الملائكة يحق لكم هذا .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم و إلا فلا .

و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أحب أن يعلم ما له عند الله عز و جل فلينظر ما لله عز و جل عنده فإن الله تعالى ينزل العبد حيث أنزله العبد من نفسه.

و قال ابن عباس رضي الله عنه : أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كل حال .

و نظر رجل إلى قرحة في رجل بعضهم فقال إني لأرحمك من هذه القرحة فقال إني لأشكرها مذ خرجت إذ لم تخرج في عيني

و روي في الإسرائيلات أن عابدا عبد الله دهرا طويلا فأري في المنام فلانة رفيقتك في الجنة فسأل عنها إلى أن وجدها فاستضافها ثلاثا لينظر إلى عملها فكان يبيت قائما و تبيت نائمة و يظل صائما و تظل مفطرة فقال أ ما لك عمل غير ما رأيت فقالت ما هو و الله إلا ما رأيت لا أعرف غيره فلم يزل يقول تذكري حتى قالت خصيلة واحدة هي في إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء و إن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة و إن كنت في ضراء لم أتمن أن أكون في سراء فوضع العابد يده على رأسه و قال هذه و الله خصيلة هذه و الله خصلة عظيمة يعجز عنها العباد .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون قلة الشي‏ء أحب إليه من كثرته و حتى يكون أن لا يعرف أحب إليه من أن يعرف .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف في الله لومة لائم و لا يرائي بشي‏ء من عمله و إذا عرض عليه أمران أحدهما للدنيا و الآخر للآخرة آثر أمر الآخرة على أمر الدنيا .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه ثلاث خصال إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق و إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و إذا قدر لم يتناول ما ليس له .

فهذه شروط ذكرها (صلى الله عليه وآله وسلم) فالعجب لمن يدعي الدين و لم يصادف في نفسه ذرة من هذه الشروط .