صفة يوم القيامة و دواهيه

استعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت و الكواكب من هوله قد انتثرت و النجوم الزاهرة قد انكدرت و الشمس قد كورت و الجبال قد سيرت و العشار قد عطلت و الوحوش قد حشرت و البحار قد سجرت و النفوس إلى الأبدان قد زوجت و الجحيم قد سعرت و الجنة قد أزلفت و الجبال قد نسفت و الأرض قد مدت يوم ترى الأرض قد زلزلت فيه زلزالها و أخرجت الأرض أثقالها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم يوم يحمل الأرض و الجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة و انشقت السماء فهو يومئذ واهية و الملك على أرجائها و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية يوم تسير الجبال و ترى الأرض هامدة يوم ترج فيه الأرض رجا و تبس الجبال بسا فكانت هباء منبثا يوم يكون الناس كالفراش المبثوث و تكون الجبال كالعهن المنفوش يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهار يوم تنسف الجبال فيه نسفا فتترك قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا يوم ترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب يوم تنشق فيه السماء فتكون وردة كالدهان فيومئذ لا يسئل عن ذنبه أنس و لا جان يوم يمنع الفصحاء فيه من الكلام و لا يسأل فيه عن الأجرام بل يؤخذ بالنواصي و الأقدام يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا يوم تعلم فيه كل نفس ما أحضرت و تشهد بما قدمت و أخرت يوم تخرس فيه الألسن و تنطق الجوارح يوم شيب ذكره سيد المرسلين (عليه السلام) .

إذ قيل له يا رسول الله نراك قد شبت فقال شيبتني هود و الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت .

فيا أيها القارئ الفاجر إنما حظك من قراءتك أن تمجمج القرآن و تحرك به اللسان و لو كنت متفكرا فيما تقرؤه لكنت جديرا أن تنشق مرارتك مما شاب منه شعر سيد البشر فإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن يوم ترد فيه المعاذير و تبلى السرائر و تظهر الضمائر و تكشف السرائر يوم تخشع فيه الأبصار و الأصوات و يقل فيه الالتفات و تبرز فيه الخفيات و تظهر الخطيئات يوم يساق العباد و معهم الأشهاد و يشيب الصغير و يسكر الكبير فيومئذ وضعت الموازين و نشرت الدواوين و برزت الجحيم و أغلى الحميم و زفرت النار و يئس الكفار و سعرت النيران و تغيرت الألوان و خرس اللسان و نطقت جوارح الإنسان .

فيا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم حيث أغلقت الأبواب و أرخيت الستور و استترت عن الخلائق و قارفت الفجور فما تقول و قد شهدت عليك جوارحك فالويل كل الويل لنا معاشر الغافلين يرسل الله تعالى سيد المرسلين و ينزل عليه الكتاب المبين و يخبرنا بهذه الصفات من نعوت يوم الدين ثم يعرفنا غفلتنا و يقول اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ثم يعرفنا قرب القيامة فيقول اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيب اً ثم يكون أحسن أقوالنا أن نتخذ دراسة هذا القرآن عملا و لا نتدبر معانيه و لا ننظر في كثرة أوصاف هذا اليوم و أساميه و لا نستعد للتخليص من دواهيه و نعوذ بالله من هذه الغفلة إن لم يتداركنا الله تعالى بواسع الرحمة .