البدوي في الحرم العلوي

وقال أدام الله إكرامه: رأيت في رواية ما يدل على أنك إذا أردت أن تعرف ليلة القدر، فاقرء (حم الدخان) كل ليلة في شهر رمضان مائة مرة إلى ليلة ثلاث وعشرين، فعملت ذلك وبدأت في ليلة الثلاث والعشرين أقرء على حفظي بعد الفطور إلى أن خرجت إلى الحرم العلوي في أثناء الليل، فلم أجد لي موضعا أستقر فيه إلا أن أجلس مقابلا للوجه، مستدبرا للقبلة، بقرب الشمع المعلق لكثرة الناس في تلك الليلة.

فتربعت واستقبلت الشباك، وبقيت أقرء (حم) فبينما أنا كذلك إذ وجدت إلى جنبي أعرابيا متربعا أيضا معتدل الظهر أسمر اللون حسن العينين والأنف والوجه، مهيبا جدا كأنه من شيوخ الأعراب إلا أنه شاب ولا أذكر هل كان له لحية خفيفة أم لم تكن، وأظن الأول.

فجعلت في نفسي أقول: ما الذي أتى بهذا البدوي إلى هذا الموضع؟

ويجلس هذا الجلوس العجمي؟ وما حاجته في الحرم؟ وأين منزله في هذا الليل؟ أهو من شيوخ الخزاعة وأضافه بعض الخدمة مثل الكليد دار أو نائبه، وما بلغني خبره، وما سمعت به.

ثمّ قلت في نفسي: لعله المهدي عليه السلام وجعلت أنظر في وجهه، وهو يلتفت يمينا وشمالا إلى الزوار من غير إسراع في الالتفات ينافي الوقار، وجلست امرأة قدامي لاصقة بظهرها ركبتي، فنظرت إليه متبسما ليراها على هذه الحالة فيتبسم على حسب عادة الناس، فنظر إليها وهو غير متبسم(1) ورجع إلى النظر يمينا وشمالا فقلت: أسأله أنه أين منزله؟ أو من هو؟ فلما هممت بسؤاله انكمش فؤادي انكماشا تأذيت منه جدا، وظننت أن وجهي اصفر من هذه الحالة، وبقي الألم في فؤادي حتّى قلت في نفسي: اللهم إني لا أسأله، فدعني يا فؤادي وعد إلى السلامة من هذا الألم، فاني قد أعرضت عما أردت من سؤاله، وعزمت على السكوت، فعند ذلك سكن فؤادي وعدت إلى التفكر في أمره.

وهممت مرة ثانية بالاستفسار منه، وقلت: أي ضرر في ذلك؟ وما يمنعني من أن أسأله فانكمش فؤادي مرة ثانية عند ما هممت بسؤاله، وبقيت متألما مصفرا حتّى تأذيت، وقلت: عزمت أن لا أسأله ولا أستفسر إلى أن سكن فؤادي، وأنا أقرأ لسانا وأنظر إلى وجهه وجماله وهيبته، وأفكر فيه قلبا، حتّى أخذني الشوق إلى العزم مرة ثالثة على سؤاله، فانكمش فؤادي وتأذيت في الغاية وعزمت عزما صادقا على ترك سؤاله، ونصبت لنفسي طريقا إلى معرفته، غير الكلام معه، وهو أني لا أفارقه وأتبعه حيث قام ومشى حتّى أنظر أين منزله إن كان من سائر الناس أو يغيب عن بصري إن كان الامام عليه السلام.

فأطال الجلوس على تلك الهيئة، ولا فاصل بيني وبينه، بل الظاهر أن ثيابي ملاصقة لثيابه وأحببت أن أعرف الوقت والساعة، وأنا لا أسمع من كثرة أصوات الناس صوت ساعات الحرم، فصار في مقابلي رجل عنده ساعة، فقمت لأسأله عنها وخطوت خطوة ففاتني صاحب الساعة، لتزاحم الناس، فعدت بسرعة إلى موضعي ولعل إحدى رجلي لم تفارقه فلم أجد صاحبي وندمت على قيامي ندما عظيما وعاتبت نفسي عتابا شديدا.

 

 

(1) في النسخة (متبسم إلي) والظاهر زيادة إلي