معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين عليه السلام

حدث السيد الجليل والمحدث العليم النبيل، السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات شرح العوالي قال: حدثني وأجازني السيد الثقة هاشم بن الحسين الأحسائي في دار العلم شيراز، في المدرسة المقابلة للبقعة المباركة، مزار السيد محمّد عابد عليه الرحمة والرضوان، في حجرة من الطبقة الثانية، على يمين الداخل قال: حكى لي استاذي الثقة المعدل الشيخ محمّد الحرفوشي قدس الله تربته قال: لما كنت بالشام، عمدت يوما إلى مسجد مهجور، بعيد من العمران، فرأيت شيخا أزهر الوجه، عليه ثياب بيض، وهيئة جميلة، فتجارينا في الحديث، وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصف، ثمّ تحققت منه الاسم والنسبة ثمّ بعد جهد طويل قال: أنا معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين، وحضرت معه حروب صفين وهذه الشجة في رأسي وفي وجهي من زجة فرسه.(1)

ثمّ ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحققت معه صدقه في كل ما قال، ثمّ استجزته كتب الأخبار، فأجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع الأئمّة عليهم السلام حتّى انتهى في الأجازة إلى صاحب الدار عجل الله فرجه الشريف وكذلك أجازني كتب العربية من مصنفيها كالشيخ عبدالقاهر والسكاكي وسعد التفتازاني وكتب النحو عن أهلها وذكر العلوم المتعارفة.

ثمّ قال السيد رحمه الله: إن الشيخ محمّد الحرفوشي أجازني كتب الأحاديث الاصول الأربعة، وغيرها من كتب الأخبار بتلك الاجازة، وكذلك أجازني الكتب المصنفة في فنون العلوم، ثمّ إن السيد رضوان الله عليه أجازني بتلك الاجازة كلما أجازه شيخه الحرفوشي، عن معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأما أنا فأضمن ثقة المشايخ السيد والشيخ، وتعديلهما وورعهما ولكني لا أضمن وقوع الأمر في الواقع على ما حكيت، وهذه الاجازة العالية لم تتفق لأحد من علمائنا، ولا محدثينا، لا في الصدر السالف، ولا في الأعصار المتأخرة انتهى.

وقال سبطه العالم الجليل السيد عبد الله صاحب شرح النخبة، وغيره في إجازته الكبيرة، لأربعة من علماء حويزة، بعد نقل كلام جده وكأنه رضي الله عنه استنكر هذه القصة أو خاف أن تنكر عليه فتبرء من عهدتها في آخر كلامه وليست بذلك فان معمر بن أبي الدنيا المغربي له ذكر متكرر في الكتب، وقصة طويلة في خروجه مع أبيه في طلب ماء الحياة، وعثوره عليه دون أصحابه، مذكورة في كتب التواريخ وغيرها، وقد نقل منها نبذا صاحب البحار في أحوال صاحب الدار(2) وذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين أن اسمه عليّ بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني إلا أنه قال: معمر أبي الدنيا باسقاط (بن) والظاهر أنه هو الصواب كما لا يخفى، وذكر أنه من حضرموت والبلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وروى عنه أحاديث مسندة بأسانيد مختلفة.

وأما ما نقله الشيخ في مجالسه عن أبي بكر الجرجاني أن المعمر المقيم ببلدة طنجة توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة، فليس بمناف شيئا لأن الظاهر أن أحدهما غير الآخر، لتغاير اسميهما وقصتيهما وأحوالهما المنقولة، والله يعلم انتهى. وشرح حال المعمر مذكور في آخر فتن البحار.

وقال السيد الجليل المعظم والحبر المكرم السيد حسين ابن العالم العليم السيد إبراهيم القزويني رحمه الله في آخر إجازته لآية الله بحر العلوم: وللعبد طريق آخر إلى الكتب الأربعة وغيرها لم تسمح الأعصار بمثلها، وهو ما أجاز لي السيد السعيد الشهيد السيد نصر الله الحائري، عن شيخه مولانا أبي الحسن، عن شيخه الفاضل السيد نعمة الله، عن شيخه السيد هاشم الأحسائي، إلى آخر ما نقلناه.

والشيخ محمّد الحرفوشي من الأجلاء، قال الشيخ الحر في أمل الآمل: الشيخ محمّد بن عليّ بن أحمد الحرفوشي الحريري العاملي الكركي الشامي كان فاضلا عالما أديبا ماهرا محققا مدققا شاعرا أديبا منشيا حافظا أعرف أهل عصره بعلوم العربية، وذكر له مؤلفات في الأدبية وشرح قواعد الشهيد، وغيرها وذكره السيد عليّ خان في سلافة العصر وبالغ في الثناء عليه وقال: إنه توفي سنة 1059.

 

(1) في الأصل المطبوع رمحة فرسه وهو تصحيف، والمراد بالزجة: الشكيمة من اللجام: وهي الحديدة المعترضة في فم الفرس فيها الفاس، وقد كانت تلك الحديدة مزججة على ما في نسخة كمال الدين قال: (وكان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجنى هذه الشجة التي في صدغى).

(2) راجع باب ذكر أخبار المعمرين 51: 225؛ كمال الدين 3: 220.