من هو ذو القرنين

روي ان ـ ذي القرنين ـ كان اسمه عياشا وكان اول الملوك بعد نوح عليه السلام ملك ما بين المشرق والمغرب ، ومكن الله له في الارض وبسط يده حتى استولى عليها ... (1)

وروي عن عبد الله بن سليمان ، وكان قارئا للكتب قال : قرأت في بعض كتب الله عزوجل ان ـ ذا القرنين ـ كان رجلا من اهل الاسكندرية وامه عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له : اسكندروس ، وكان له ادب وخلق وعفة ، وكان رأى في المنام كأنه دنا من الشمس حتى اخذ بقرنيها شرقها وغربها ، فلما قص رؤياه على قومه سموه ـ ذا القرنين ـ.

فلما رأى الرؤيا بعدت همته وعلا صوته وعز في قومه ، وكان اول ما اجمع على امره ان قال : اسلمت لله عزوجل ، ثم دعا قومه الى الاسلام فاسلموا هيبة له ، ثم امرهم ان يبنوا له مسجدا فاجابوه الى ذلك ... (2)

وسئل امير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين ، انبيا كان ام ملكا ؟ فقال : لا نبيا ولا ملكا ، بل عبدا احب الله فاحبه الله ، ونصح لله فنصح له ، فبعثه الى قومه فضربوه على قرنه الايمن فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب ، ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم ما شاء الله ان يغيب ، ثم بعثه الثالثة فمكن له في الارض ، وفيكم مثله (3) يعني نفسه عليه السلام وذلك فانه اصيب بضربة من عمر بن ود ، وبضربة من ابن ملجم لعنه الله.

وروي انه لما اخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخبر موسى وفتاه والخضر ، قالوا له : فاخبرنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن طائف طاف الارض بين المشرق والمغرب من هو ؟ وما قصته ؟ فانزل الله : « ويسالونك عن ذي القرنين قل ساتلو عليكم منه ذكرا ... » القصة. (3)

وفي بعض الروايات ، انه كان بشرا ، وقد ورد في بعضها انه كان ملكا سماويا انزله الله الى الارض وآتاه من كل شيء سببا ، وفي خطط المغريزي عن كتاب الجاحظ ؛ ان ذا القرنين كانت امه آدمية وابوه من الملائكة ، وفي بعضها انه كان محدثا يأتيه الملك فيحدثه وفي بعضها انه كان نبيا ....

وكذلك اختلفوا في اسمه ، ان اسمه عياش ، في بعضها اسكندر ، وفي بعضها مرزيا بن مرزبة اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح ، وفي بعضها انه الاسكندر المقدوني الذي سيطر على دول الغرب والروم ومصر وبنى مدينة الاسكندرية ، ثم سيطر بعد ذلك على الشام وبيت المقدس.

وقال البعض ان ذو القرنين ـ كان احد ملوك اليمن ، واكد البعض انه « كورش الكبير » الملك الاخميني ... الخ.

واما الاختلافات في وجه تسميته بذي القرنين كثيرا ايضا منها : ما رويناه عن الامام امير المؤمنين عليه السلام : انه دعا قومه الى الله فضربوه على قرنه الايمن ... » فسمي بذلك ذا القرنين.

وفي بعضها انه نبت له قرنان في رأسه وكان يتعمم عليها يواريهما بذلك ، وهو اول من تعمم وقد كان يخفيهما عن الناس ....

وقيل : سمي ذا القرنين لانه ملك قرني الارض وهما المشرق والمغرب ، وقيل : لانه كان له عقيصتان في رأسه ، وقيل : لانه ملك الروم وفارس.

واما جواب سؤال ، اين يقع سد ذي القرنين ؟ ايضا اجيب عليه عدة اجوبة منها :

يرى البعض في سد ذي القرنين انه سد مأرب في اليمن ، ولكن هذا السد برغم وقوعه في مضيق جبلي الا انه انشئ لمنع السيل ولخَزن المياه ، وان النحاس والحديد لم يدخلا في بنائه.

ومن قائل يقول بانه جدار الصين الذي لا يزال موجودا ويبلغ طوله مئات الكيلومترات ، وهذا ايضا مردود ، لان الجدار لم يدخل في بنائه النحاس والحديد ، ولا يقع في مضيق جبلي ...

ولكن بالاستشهاد الى شهادة العلماء واهل الخبرة فان السد يقع في ارض القوقاز بين بحر الخزر والبحر الاسود ، حيث توجد سلسلة جبلية كالجدار تفصل بين الشمال عن الجنوب ، والمضيق الوحيد الذي يقع بين هذه الجبال الصخرية هو مضيق « داريال » المعروف ، ويشاهد فيه جدار حديدي اثري حتى الآن ، ولهذه المرجحات يعتقد الكثير بان سد « ذو القرنين » يقع في هذا المضيق ويوجد نهر بالقرب من ذلك المكان يسمى « سائرس » اي « كورش » اذ كان اليونان يسمون كورش بـ « سائرس ».

وقد وردت روايات كثيرة واقوال مختلفة في حياة ذي القرنين لو اردنا التفصيل يُطيل بنا المقام. (4)

________________________________________

1 ـ قصص الانبياء لنعمة الله الجزائري : ص 162.

2 ـ البحار : ج 12 ص 183.

3 ـ تفسير القمي : ص 40.

4 ـ راجع تفسير الميزان : ج 13 ص 369.