رضا الناس غاية لا تدرك

قال لقمان الحكيم عليه السلام لولده في وصيته : يا بني لا تعلق قلبك برضى الناس ومدحهم وذمهم ، فان ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته.

فطلب الولد من ابيه مثالا لذلك وفعلا يراه بنفسه ، فقال الاب لولده : اخرج انا وانت.

فخرجا ومعهما بهيمة ـ دابة ـ فركبها لقمان وترك ولده يمشي وراءه ، فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسي القلب ، قليل الرحمة ، يركب هو الدابة ، وهو اقوى من هذا الصبي ، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه ، وان هذا بئس التدبير.

فقال لولده : سمعت قولهم وانكارهم لركوبي ومشيك ؟ فقال : نعم ، فقال : اركب انت يا ولدي حتى امشي انا.

فركب ولده ومشى لقمان ، فاجتازوا على جماعة اخرى فقالوا : هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد ، اما ابوه فانه ما ادب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه ، والوالد احق بالاحترام والركوب ، واما الولد فانه عق والده بهذه الحال ، فكلاهما اساءا في الفعال.

 

فقال لقمان لولده : سمعت ؟ فقال نعم ، فقال : نركب معا الدابة.

فركبا معا فاجتازا على جماعة فقالوا : ما في قلب هذين الراكبين رحمة ، ولا عندهم من الله خير ، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا تطيق ، لوكان قد ركب واحد ومشي واحد كان اصلح واجود.

فقال : سمعت ؟ فقال : نعم ، فقال : هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا ، فساقا الدابة بين ايديهما وهما يمشيان ، فاجتازا على جماعة فقالوا :

هذا عجيب من هذين الشخصين ، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان : وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان.

فقال لوالده : ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال ؟ فلا تلتفت اليهم ، واشتغل برضى الله جل جلاله ، ففيه شغل شاغل ، وسعادة واقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال. (1)

 ________________________________________

1 ـ فتح الابواب مخطوط : ج 13 ص 433.