زواج نوح عليه السلام

كان للنبي نوح عليه السلام امراتان ، احداهما كافرة والاخرى مؤمنة.

كانت امرأة نوح الكافرة تقول للناس : انه مجنون واذا امن به احد اخبرت الجبابرة من قوم نوح به ، وهذه مثل امرأة لوط عيله السلام كما ذكرهما القران الكريم في قوله تعالى : « ضرب الله مثلا للذين كفروا امرات نوح وامرات لوط ... الخ » (1).

حيث كانت امرأة لوط عليه السلام تدل على اضيافه وكان ذلك خيانتهما لهما ، « وما بغت امرأة نبي قط » ، وانما كانت خيانتهما في الدين ، وقال الضحاك : خيانتهما النميمة ، اذا اوحى الله اليهما افشتاه الى المشركين.

وقيل كان اسم امرأة نوح هذه « واغلة » واسم امرأة لوط « واهلة » ، وقال مقاتل : « والغة ووالهة » (2).

واما امراته المؤمنة :

روي في كتاب القصص لمحمد بن جرير الطبري : ان الله تعالى اكرم نوحا بطاعته والعزلة لعبادته ، وكان يلبس الصوف ، ولباس ادريس كان من الشعر ، وكان يسكن الجبال وياكل من نبات الارض ، فجاءه جبرئيل عليه السلام بالرسالة ، وقد بلغ عمر نوح اربعمائة سنة وستين سنة ، فقال له : مابالك معتزلا ؟ قال : لان قومي لا يعرفون الله فاعتزلت عنهم.

فقال له جبرئيل : فجاهدهم.

فقال نوح : لا طاقة لي بهم ، ولو عرفوني لقتلوني.

فقال له : فان اعطيت القوة كنت تجاهدهم ؟ ، قال : واشوقاه الى ذلك.

فقال له نوح : من انت ؟ قال : فصاح جبرئيل صيحة واحدة تداعت فاجابته الملائكة بالتلبية ورجت الارض وقالت لبيك لبيك يا رسول رب العالمين ، قال : فبقي نوح مرعوبا.

فقال له جبرئيل : انا صاحب ابويك ادم وادريس ، والرحمن يقرؤك السلام ، وقد اتيتك بالبشارة ، وهذا ثوب الصبر ، وثوب اليقين ، وثوب النصرة ، وثوب الرسالة والنبوة وامرك « ان تتزوج بعمورة بنت خمران بن اخنوخ » فانها اول من تؤمن بك.

فمضى نوح يوم عاشوراء الى قومه وفي يده عصا بيضاء وكانت العصا تخبره بما يكن به قومه ، وكان رؤساؤهم سبعين الف جبار عند اصنامهم في يوم عيدهم.

فنادى : لا اله الا الله ، ادم المصطفى ، وادريس الرفيع ، وابراهيم الخليل ، وموسى الكليم ، وعيسى المسيح خلق من روح القدس ، ومحمد المصطفى اخر الانبياء هو شهيدي عليكم ، اني قد بلغت الرسالة ، فارتجت الاصنام وخمدت النيران ، واخذهم الخوف ، وقال الجبارون : من هذا ؟

فقال نوح : انا عبد الله وابن عبده ، بعثني لكم رسولا ، ورفع صوته بالبكاء ، وقال : اني لكم نذير مبين.

قال : « وسمعت عمورة كلام نوح فامنت به فعاتبها ابوها وقال : ايؤثر فيك قول نوح في يوم واحد ؟ واخاف ان يعرف الملك بك فيقتلك ».

فقالت « عمورة » : يا ابت اين عقلك وفضلك وحلمك ؟ نوح رجل وحيد وضعيف يصيح فيكم تلك الصيحة فيجري عليكم ما يجري ، فتوعدها ابوها فلم ينفع ، وحبسها في بيته ومنعها من الطعام ، وبقيت في الحبس سنة وهم يسمعون كلامها ، فاخرجوها بعد سنة وقد صار عليها نور عظيم وهي في احسن الحال ، فتعجبوا من حياتها بغير طعام فسالوها فقالت : انها استغاثت برب نوح عليه السلام وان نوحا عليه السلام كان يحضر عندها بما تحتاج اليه ، ثم ذكر تزويجه بها وانها ولدت له سام بن نوح (3).

وقيل : كان ممن ادخل السفينة زوجته المؤمنة وبنوه الثلاثة ، سام ، وحام ، ويافث وزوجاتهم الثلاث.

فكان اولاد « سام » : العرب والروم وفارس واصناف العجم.

واولاد « حام » السودان من الحبش والزنج وغيرهم.

وولد « يافث » : الترك ، والصين ، والصقالبة ، وياجوج وماجوج.

واما امراته الخائنة قد هلكت في الطوفان كما هلك ابنه « كنعان » وقيل : كان اسمه « يام » وكان في معزل من ابيه ، فناداه ان يركب معه في السفينة فامتنع وقال ساوي الى جبل يعصمني من الماء ، فقال له نوح : لا عاصم اليوم من امر الله وعذابه الا من كان مؤمنا ، فلم يوافق وكان من المغرقين.

وروي الصدوق عن ابي الصلت الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام : يابن رسول الله لاي علة اغرق الله تعالى الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الاطفال وفيهم من لا ذنب له ، فقال عليه السلام : ما كان فيهم الاطفال ، لان الله عزوجل اعقم اصلاب قوم نوح وارحام نسائهم اربعين عاما ، فانقطع نسلهم ، فعرقوا ولا طفل فيهم ، وما كان الله تعالى ليهلك بعذابه من لا ذنب له.

واما الباقي من قوم نوح فاغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام ، وسائرهم اغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين ، ومن غاب عن امر فرضي به كان كمن شهده واتاه. (4)

 

_______________________________________________

1 ـ التحريم : 10.

2 ـ مجمع البيان : ج 10 ص 319 ص 345.

3 ـ سعد السعود : ص 40 عنه البحار : ج 11 ص 341.

4 ـ دائرة المعارفة الشيعية : ج 18 ص 218.